الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / إخوان الصفا /

فهرس الموضوعات

إخوان الصفا

إخوان الصفا

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/23 ۱۳:۵۹:۲۸ تاریخ تألیف المقالة

و من جهة أخری کان الإخوان یدعون إخوانهم إلی اجتماعات سریة، حیث «لهم مجلس یجتمعون فیه في الخلوات و ینذاکرون العلوم ویتحاورون في الأسرار و یبحثون عن خفیات الأمور و حوادث الأیام و تغییرات الزمان و الخطوب و الحدثان و تغییرات الشرائع و تنقّل الملک والدول من أمة إلی أمة و من أهل‌بیت إلی أهل بیت» (4/ 190). کما یشجع الإخوان إخوانهم علی التعاون و النصرة فیقولون: صداقة إخوان الصفاء قرابةُ رحمٍ، و رحمهم أن یعیش بعضهم لبعض، و ذلک أنهم یرون و یعتقدون أنهم نفس واحدة في أجساد متفرقة، إذا أحسن أحدهم إلی أخیه إحساناً فلا یمنّ علیه، لأنه یری و یعتقد أن إحسانه إنما هو إلی نفسه. فینبغي إذا ظفرتَ بواحد منهم أن تختاره علی جمیع أصدقائک و أقربائک و عشیرتک و جیرانک الذین نشأت معهم، فإنه خیر لک من ولدک و أخیک و زوجتک؛ لأن هؤلاء یحبونک من أجل منفعة تصل منک إلیهم، فإما هذا الأخ فمن أجل أنه یری و یعتقد أنک إیاه و هو إیاک، نفس واحدة في جسدین متقابلین یسرّه و یغمّه ما یغمّک (4/ 48، 49).

و قد أکد الإخوان مراراً علی التعاون في سبیل نصرة‌الدین و طلب المعاش، و شجعوا إخوانهم علی الإیثار و التضحیة علی تلف الأجساد (4/ 22، 23، 37). و هم یقولون بهذا الصدد: إنه لیس من جماعة یجتمعون علی تعاون في أمرٍ من أمور الدنیا و الآخرة أشد نصیحة بعضهم لبعض من تعاون إخوان الصفاء. و ینبغي أن تعلم أن العلة التي تجمع بین إخوان الصفاء أن یری و یعلم کل واحد منهم أنه لا یتم له ما یرید من صلاح معیشة الدنیا و نیل الفوز و النجاة في الآخرة، إلا بمعاونة کل واحد منهم لصاحبه. و أما السبب الذي یحفظهم علی تلک الحال فحو المحبة و الرحمة و الشفقة و الرفق من کل واحد منهم و المساواة فیما یرید و یحب و یبغض ویکره لنفسه. و هنا یقال: إن هذه الشرائط تتم و تدوم إذا علم کل واحد منهم بأن أنفسهم نفس واحدة و إن کانت أجسادهم متفرقة. و عندها سیبنون «مدینتهم الفاضلة الروحانیة» في دولة «صاحب الناموس الأکبر» (4/ 170، 171).

یوصي الإخوان إخوانهم قائلین: ینبغي لإخواننا حیث کانوا من البلاد أن یکون لهم مجلس خاص یجتمعون فیه في أوقات معلومة لایداخلهم فیه غیرهم، و ینبغي أن تکون مذاکرتهم أکثرها في علم النفس و الحس والمحسوس و العقل و المعقول و النظر و البحث عن أسرار الکتب الإلهیة و التنزیلات النبویة و معاني ما تصمنتها موضوعات الشریعة، و ینبغي أیضاً أن یتذاکروا علوم الریاضیات الأربعة: الحساب (العدد) و الهندسة و الفلک و الموسیقی، و أما أکثر عنایتهم و قصدهم فینبغي أن یکون البحث عن العلوم الالهیة التي هي الغرض الأقصی (4/ 41؛ الرسالة الجامعة، 538).

کما یوصي الإخوان إخوانهم بقولهم: ینبغي لإخواننا أن لایعادوا علماً من العلوم، أو یهجروا کتاباً من الکتب، ولایتعصبوا علی مذهب من المذاهب، لأن رأینا و مذهبنا یستغرق المذاهب کلها و یجمع العلوم جمیعها، و ذلک أنه هو النظر في جمیع الموجودات بأسرها: الحسیة و العقلیة من أولها إلی آخرها، بعین الحقیقة من حیث هي کلها من مبدأ واحد و علة واحدة و عالم واحد و نفس واحدة، محیطة جواهرها المختلفة و أجناسها المتباینة و أنواعها المفنّنة و جزئیاتها المتغایرة. ثم یضیفون: إن علوم إخوان الصفاء مأخوذة من أربعة کتب: الأول: الکتب المصنفة علی ألسنة الحکماء و الفلاسفة من الریاضیات و الطبیعیات؛ الثاني: الکتب المنزلة التي جاء بها الأنبیاء مثل التوارة و الإنجیل و القرآن و غیرها من صحف بقیة الأنبیاء المأخوذة معانیها بالوحي من الملائکة و مافیها من الأسرار الخفیة؛ الثالث: الکتب الطبیعیة و هي صور أشکال الموجودات بما هي علیه الآن من ترکیب الأفلاک و أقسام البروج و حرکات الکواکب و مقادیر أجرامها و تصاریف الزمان و استحالة الأرکان و فنون الکائنات من المعادن و الحیوان و النبات و أصناف المصنوعات علی أیدي البشر. کل هذه صور و کنایات دالات علی معان لطیفة و أسرار دقیقة یری الناس ظاهرها و لا یعرفون معاني بواطنها؛ الرابع: الکتب الإلهیة التي لا یمسها إلا المطهرون الملائکة، و هي جواهر النفوس و أجناسها و أنواعها و جزئیاتها و تصاریفها للأجسام و تحریک لها و تدبرها إیاها و إظهار أفعالها بها و منها حالاً بعد حال في ممر الزمان و أوقات القرانات و الأدوار و انحطاط بعضها تارة إلی قعر الأجسام و ارتفاع بعضها تارة من ظلمات الجثمان و انبعاثها من نوم الغفلة و النسیان و وصولها إلی الجنان، أو حبسها في درکات الهاویة و النیران. و أخیراً یوصون إخوانهم بقولهم: ینبغي لإخواننا إذا أراد أحدهم أن یتخذ صدیقاً، أو أخاً أن یعتبر أحواله و یتعرف أخباره و یجرب أخلاقه، و یسأله عن مذهبه و اعتقاده لیعلم هل یصلح للصداقة و صفاء المودة و حقیقیة الأخوَة، أم لا (4/ 41–43).

ولا شک في أن الإخوان کانوا شیعة و قد أکدوا مراراً علی تشیعهم ولم‌یکونوا یخفونه إطلاقاً. وفي تفضیلهم لآل بیت النبي (ص) یرون أنهم «خُزّان علم الله و وارثو علم النبوّات» (4/ 186). و یقولون في موضع آخر إن ما یجمعهم و إخوتهم هو «محبة النبي (ص) و أهل بیته الطاهرین و ولایة أمیرالمؤمنین علي بن أبي‌طالب (ع) خیر الوصیین» (4/ 195). و یعتبرون الولایة و الخلافة الکبری تلیق بالنبي (ص)، و الولایة المخصوصة تلیق بأهل البیت و یفضّلونهم علی الجمیع (4/ 375–376). کما یشیر الإخوان في عدة مواضع إلی واقعة کربلاء (4/ 33، 75، مخـ).

و من جهة أخری، ینتقد الإخوان الخلفاء الأمویین و العباسیین فیقولون: إنهم باسم الخلافة یستبّدون و یرتکبون المنکرات و یقتلون أولیاء و أبیناء النبي (ص) و یغصبون حقوقهم و یشربون الخمر و یبادرون إلی الفجور، و اتخذوا أموال الناس مغنماً، و نسوا أمر المعاد و باعوا الدین بالدنیا، و الآخرة بالأولی، و ارتکبوا معاصي أخری. کل ذلک حرصاً علی طلب الدنیا و قلة الرغبة في الآخرة و قلة الیقین بجزاء الأعمال في المعاد (2/ 361).

کذلک ینتقد الإخوان الفرق المختلفة في الأدیان الأخری و أیضاً الفرق الإسلامیة و تصرفاتها، ذلک أن أفرادها بدورهم یکفّرون بعضهم و یلعنونهم، أو یقتلونهم؛ و یذکرون في هذا المجال فرق الأدیان التالیة: الیهودیة و المسیحیة و الصابئة... و کذلک المانویة و الخرمیة و المزدکیة و الدیصانیة... و أیضاً الخوارج و الرافضة و الباطنیة و القدریة و الجهمیة و المعتزلة و السنة و المجبرة (2/ 367).

إلا أن الإخوان لایتورعون عن انتقاد بعض الشیعة أیضاً فیقولون: إن قوماً من أشرار الناس جعلوا التشیع ستراً لهم عما یحذرون، و ذلک أنهم یرتکبون کل محظور و إذا نُهوا عن منکر فعلوه، بارزوا بإظهار التشیع و استعاذوا بالعلویة. و من الناس طائفة یُنسبون إلینا بأجسادهم و هم براء بنفوسهمم منا و یسمون أنفهسم العلویة و ماهم من العلویین، لا یعرفون من القرآن إلا اسمه و لامن الإسلام إلا رسمه، لا صلاة یقیمون و لاجهاداً یعرفون، و لا حراماً یجتنبون، و لاعن منکر ینتهون، و لایتوبون عن القبائح، و إلی کل ذلک، فهم یتعاملون مع الناس بوقاحة و عناد و یحقدون علیهم؛ و هم متبرمون بأتباع الإخوان و من أکبر أعدائهم (یشیر الإخوان هنا باحتمال کبیر إلی القرامطة الذین کانوا یظهرون التشیع). و یضیفون إلی ذلک قائلین: و من الناس طائفة قد جعلت التشیع مکسباً لها مثل النائحة و القَصّاص لایعرفون من التشیع إلا التبري و الشتم و اللغة و ترک طلب العلم و تعلیم القرآن و التفقه في الدین، و جعلوا شعارهم لزوم المشاهد و زیارة القبور کالنساء الثواکل یبکون علی فقدان أجسادنا و هم بالبکاء علی نفوسهم أولی. و فریق یقول إن الإمام المنتظر مختفٍ من خوف المخالفین؛ کلا بل هو ظاهر بین ظهرانیهم یعرفهم و هم له منکرون (4/ 147–148).

و بعد إشارة الإخوان إلی ظهور الخلاف بین المسلمین بعد وفاة النبي (ص)، یعتبرون أن الدافع وراء ذلک الخلاف هو «طلب الرئاسة والمنزلة» (هنا إشارة للأمویین)، مما نتج عنه هتک حرمة النبوة و قتل آل بیت الرسالة و واقعة کربلاء و أمثال ذلک مما أدی إلی مذابح کثیرة بین المسلمین (3/ 165). و من جهة أخری فقد انبری الإخوان مراراً في رسائلهم إلی بحث أسباب الخلاف بین أتباع الدیانات و المذاهب و تعاملوا مع هذه الخلافات تعاملاً عقلانیاً، أو من الأفضل أن نقول تعاملاً واقعیاً و محایداً. فهم یقولون بهذا الصدد: إن من الناس من یتقرب إلی الله، بأنبیائه و رسله و بأوصیائه و أولیائه، أما من یعرف الله حق معرفته فهو لایتوسل إلیه بأحد غیره، و هذه مرتبة أهل المعرفة الذین هم أولیاء الله. و أما من لم یبلغ هذه المترتبة فلیس له طریق إلی الله إلا بأنبیائه و أئمته و خلفائه و أوصیائه. إن من یعبد شیئاً من الأشیاء و یتقرب إلی الله بأحد فهو أصلح حالاً ممن لا یدین شیئاً فعدیمو الدین رغم دنهم رزقوا قدراً قلیلاً من الفهم و رغم أنهم لم یبلغوا مرتبة الخواص، إلا أنهم خرجوا من فریق العامة، و لما وجدوا دین کل قوم معیویاً عند قوم آخرین و لم‌یجدوا مذهباً ولا دیناً بلاعیب، ترکوا الدین جملة من أجل هذه و لم یتأملوا ولا فکروا بأن کون العاقل بلا دین أعیب و أقبح من کل عیب (3/ 483–484).

ثم یشیر الإخوان إلی هذا الأمر المهم و هو أن اختلاف طبائع الناس و أخلاقهم هو السبب في الاختلاف بین الشرائع و یضیفون: کان واضعوا الشرائع، أي الأنبیاء و الأطباء و الفکیین هم أطباء النفوس و هدفهم جمیعاً توفیر سلامة الأرواح و صحتها، فمن أجل هذا اختلفت مفروضاتهم و تغایرت سننهم حسب ما یلیق بأمة أمة کما یفعل أطباء الأجسام في العلاجات المختلفة بالبلدان المختلفة، لاسیما بحسب اختلاف أمزجة الإنسان، فیعالجون بالأدویة المختلفة (3/ 484–485). و إن دین جمیع الأنبیاء واحد و إن کانت شرائعهم مختلفة؛ و إن الذین أنکروا نسخ الشرائع لم یعرفوا الفرق بین الدین و الشریعة (3/ 487–488). و النتیجة النهائیة التي یخلص إلیها الإخوان أن دین الأنبیاء دین واحد و طریقهم واحد و هدفهم واحد رغم اختلاف شرائعهم و قوانینهم (4/ 180).

و من السمات البارزة الأخری للإخوان عقلانیتهم و ثناؤهم علی العقل، فهم یرو في موضع أن أفراد أي فریق إذا اجتمعوا لأمر من أمور الدنیا، أو الدین و أرادوا تحسین الأوضاع و السیر علی الصراط المستقیم، فینبغي أن یکون لهم قائد، أو رئیس یتمکن من توحید صفوفهم. و ینبغي أن یکون عمل ذلک الرئیس قائماً علی مبدأ و بذلک یتمکن من قیادتهم. و علی هذا فقد کان الإخوان سعداء أن جعلوا العقل رئیساً و حکماً بینهم، هذا العقل الذي جعله الله رئیساً علی الفضلاء من خلقه. و یضیفون قائلین: فمن لم یرضَ بشرائط العقل و موجبات قضایاه ولم یقبل تلک الشرائط التي أوصینا بها الإخوان، أو خرج عنها بعد الدخول فیها، فعقوبته في ذلک أن نخرج من صداقته و لانستعین به في أمورنا ولا نعاشره في معاملتنا و لانکلمه في علومنا، و نطوي دونه أسرارنا و نوصي بمجانبته إخواننا (4/ 127–128).

کما أبدی الإخوان تعلقاً شدیداً بالفسفة، و کما هو واضح من نصوص الرسائل فقد کانوا علی معرفة بمجموعة من الآثار الأصیلة، أو المختلفة للفلاسفة الیونانیین، أو غیرهم من مفکري العالم القدیم، و کما سیأتي، فقد ترکت تلک الآثار أثراً عمیقاً في تشکیل نظرة الإخوان للعالم. و من جهة أخری و کما مرّ في روایة أبط حیان التوحیدي (2/ 5) بشأن الإخوان، فإنهم کانوا یعتقدون أنه إذا تمّ الجمع بین الفلسفة الیونانیة و الشریعة العربیة، حصل الکمال. کما أن الإخوان أنفسهم و بعد ذکرهم أن مصطلح فیلسوف یعني الحکیم لدی الیونانیین، و أن الفلسفة هي الحکمة، یقولون: و الحکیم هو الذي أفعاله تکون محکمة، و صناعته متقنة، و أقاویله صادقه، و أخلاقه جمیلة، و آرؤه صحیحة، و أعماله زکیة، و علومه حقیقة. و الحکمة أیضاً هي معرفة حقائق الأشیاء و کمیة أجناسها و أنواع تلک الأجناس و خواصها واحداً واحداً و البحث عن عللها، و یحسن أن یسأل عن هذه الوجوه، أو یجیب عنها إذا سئل مثل: هل هي؟ ماهي؟ کم‌هي؟ أي شيء هي؟ کیف هي؟ أین هي؟ متی هي؟ لِمَ کانت و من هي؟ 3/ 345).

و من جهة أخری فقد استند الإخوان إلی التعریف الذي کان قد قُدّم للفلسفة و هدفها في المحافل الأفلاطونیة الحدیثة خلال الفترة الهلینیة، و کرروه مراراً: الفلسفة هي التشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانیة. و أصل هذه الفکرة یرجع أفلاطون (ظ: أفلاطون، الجمهوریة، 613B، أیضاً ثیایتتوس، 176B). کما نقل هذال القول عن أفلاطون في «رسالة في آراء الحکماء الیونانیین» لمؤلف مجهول (ظ: ص 326). و إن التعریف الکامل للفلسفة باشکل الذي هو علیه لدی الإخوان، یلاحظ لدی شرّاح آثار أرسطو في الفترة الهلینة. و یلاحظ هذا التعریف مع قلیل من التغییر لأول مرة في کتابات یعقوب بن إسحاق الکندي (تـ ح 259هـ/ 873م) و کذلک لدی محمد بن زکریا الرازي (تـ ح 320هـ/ 932م) (الکندي، 172؛ الرازي، 108). و تعریف الفلسفة بالشکل الذي نقل أنفاً، ورد في الرسائل مراراً (ظ: 1/ 225، 298، 427، 2/ 10، 3/ 30، 41، 371، 4/ 417؛ أیضاً ظ: الرسالة الجامعة، 71، 139).

أما الإخوان فرغم امتداحهم للفلسفة و تقییمهم الإیجابي لها، إلا أنهم ینتقدون بعض نزعات الفلاسفة، أو المتفلسفین، فقد قیل في موضع و بعد الإشارة إلی المسائل و الحقائق التي وردت في الکتب المساویة و تعالیم الأدیان: و في الناس أقوام عقلاء ممیزون متفلسفون، إذا فکروا في هذا الأشیاء و قاسوها بعقولهم لا تتصور لهم معانیها الحقیقیة، و إذا حملوها علی ما یدل علیه ظاهر ألفاظ التنزیل، لا تقبله عقولهم، فیقعون عند ذلک في الشکوک و الحیرة، و إذا طالت تلک الحیرة بهم أنکروها بقلوبهم و إن کانوا لا یظهرون ذلک باللسان مخافة السیف (4/ 10).

و ورد في موضع آخر: إن الحکماء الأولین تکلموا في فنون العلوم و ترکیب الأفلاک و أحکام النجوم و طبائع الموجودات تحت فلک القمر و قد أنکر أکثر ذلک قوم من علماء الشریعة، إما لقصور فهمهم عما وصف القوم، أو لترکهم النظر فیها و اشتغالهم بعلم الشرع و أحکامه، أو لعناد بینها، کما أن أکثر من ینظر في العلوم الحکمیة من المبتدئین فیها و المتوسطین من بینهم یتهاونون بأمر الناموس و أحکام الشریعة و یزرون بأهله و یأنفون من الدخول تحت أحکامه؛ إلا أن هدف إخوان الصفاء النظر في هذه المسائل بأسرها و الکشف عن حقائق أشیائها، و لهذا ألفوا الرسائل و تناولوا فیها جمیع تلک المسائل باختصار. و ینبغي أن یعلم أن العلوم الفلسفیة و شریعة النبي (ص) کلاهما أمر إلهي یتفقان في الغرض المقصود منهما رغم اختلافهما في الفروع، ذلک أن الغرض الأقصی من الفلسفة هو ما قیل إنها التشبه بالإله بحسب طاقة البشر و عمدتها 4 خصال: 1. معرفة حقائق الموجودات؛ 2. اعتقاد الآراء الصحیة؛ 3. التخلق بالأخلاق الجمیلة و السجایا الحمیدة؛ 4. الأعمال الزکیة و الأفعال الحسنة. و الهدف من هذه الخصال أیضاً تهذیب النفس، و السمو من حالة النقص إلی الکمال، و الخروج من حدود القوة و الإمکان، و بلوغ حد الفعلیة و الوجود. و الهدف من النبوة و قانون الشریعة هو الآخر تهذیب نفس الإنسان و إصلاحها و تحریرها من جحیم عالم الظهور و الزوال و البلوغ بها إلی الجنة (3/ 29–30).

و منذ القرون الهجریة الأولی ظهرت نظریة ظاهر و باطن القرآن و أحکام الشریعة لدی بعض الفرق الإسلامیة مثل الصوفیة و العارفین، و بشکل خاص لدی المفکرین الإسماعیلیین، و وجدت لها أتباعاً. و تلاحظ هذه النزعة التي هي النزعة التأویلیة عند الإخوان بشکل بارز، فهم و بعد ذکرهم الإصناف الثمانیة للناس في أحد المواضع، یخصصون المرتبة الثامنة لعلماء تأویل المسائل و الأحکام النازلة في القرآن و الشریعة و یقولون: هم الراسخون في العلوم الإلهیة و المعارف الربانیة، العارفون خفیات أسرار قانون الشریعة، الذین هم الأئمة المهدیون و الخلفاء الراشدون (1/ 323). و في موضع یقولون: إن لکل شيء من الموجودات في هذا العالم ظاهراً و باطناً؛ و ظواهر الأمور قشور و عظام، و بواطنها لبّ و مخ. و إن قانون الشریعة کذلک أیضاً له أحکام و حدود ظاهرة یعلمها أهل الشریعة و علماء أحکامها من الخاص و العام. و لهذه الأحکام و الحدود أسرار و بواطن لا یعرفها، إلا الخواص منهم و الراسخون في العلم (1/ 328، 3/ 486). کذلک یقولون: إن علم الدین و آدابه و ما یتعلق به نوعان: أحدهما ظاهر جلي، و الآخر باطن خفي، و الأول للعامة مثل علم الصلاة و الصوم و الزکاة؛ و الذي یصلح للخواص البالغین في الحکمة الراسخین في العلوم هو النظر في أسرار الدین و یواطن الأمور الخفیة، و کذلک البحث عن مرامي أصحاب قوانین الشریعة في رموزهم و إشاراتهم و معرفة تأویل و حقیقة معانیها الموجودة في الکتب السماویة. أما علم التفسیر و النظر في المحکمات و المتشابهات و طلب الحجة و البرهان و أن لا یرضی من الدین تقلیداً، فهو المتسوط بین هذین الفریقین (3/ 511، 512، أیضاً ظ: 4/ 138).

کما کان للإخوان عبادات و طقوس للتضحیة في الاحتفالات و الأعیاد خاصة بهم. و العبادة في نظر الإخوان هي أولاً العبادة الشرعیة و اتباع أحکام واضع قانون الشریعة و سنن النبي (ص) و التشبه به في الأعمال و السلوک و أمثال ذلک؛ و ثانیاً العبادة الإلهیة الفلسفیة التي هي الإقرار بتوحید الله (ظ: الرسالة الجامعة، 24 و مابعدها؛ رسائل، 4/ 261–262). و یؤکد الأخوان قائلین: لاینبغي التقصیر في العبادة الشرعیة و الاکتفاء بالعبادة الفلسفیة و إلا هلک و أهلک و ضلّ و أضل، ذلک أن العمل بالشریعة الناموسیة و القیام بواجب العبادة فیها و العمل بالعبادة الفلسفیة ، إیمان. إلا أن اقتران العبادة الشرعیة بالعبادة الفلسفیة صعب جداً لأنها موت الجسد في أقرب الأوقات و حصر النفس عن الأمور المحبوبة بأسرها و الوصول إلی إدراک حقائق الموجودات بأسرها (4/ 262–263). أما العبادة الفلسفیة الإلهیة و هي التي کانت الفلاسفة القدماء یعلمونها لأولادهم و تلامذتهم، فهي أن یُخصص لها في کل شهر من شهور السنة الیونانیة، ثلاثة أیام: یوم في أوله و یوم في وسطه و یوم في آخره. ثم ینبري الإخوان لشرح تفاصیل الأعمال اللازمة في هذه العبادات و یشیرون إلی الدعاء الأفلاطوني و التوسل الإدریسي و المناجاة الأرسطا طالیسیة (4/ 263–264).

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: