الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / إخوان الصفا /

فهرس الموضوعات

إخوان الصفا

إخوان الصفا

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/23 ۱۳:۵۹:۲۸ تاریخ تألیف المقالة

إخْوانُ الصَّفاء، اسم مؤلفي کتابات اشتهرت باسم رسائل إخوان الصفاء و خلّان الوفاء.

و ظاهرة إخوان الصفاء ظاهرة فریدة في تاریخ الثقافة الإسلامیة و کان لمجموعة الکتابات التي عرفت برسائل إخوان الصفاء و خلان الوفاء علی مدی قرون مصیر خاص و غامض و مثیر للتساؤلات. فعلی مدی المائة عام و نیف الماضیة، حاول الباحثون في الغرب و الشرق إزالة الغموض الذي یکتنف هذه الکتابات و أبرز ما في ذلک الغموض الذي یتعلق بمؤلفیها. و أول سؤال یطرح نفسه هو مَن کان هؤلاء؟ و متی ألفوا هذه الرسائل التیي تشتمل علی جمیع مجالات علوم زمانهم؟ و السؤال الثاني و الأهم هو: ما الذي کان یهدفون إلیه من وراء تألیفهم الرسائل؟ و إلی الآن لم‌یُعثر علی إجابة وافیة و جازمة لهذین السؤالین.

ینبغي أولاً التذکیر بأن مؤلفي هذه الکتابات – مهما کانت دوافعهم مما سنشیر في هذه المقالة إلی بعضها – أخفوا أسماءهم عمداً، و أن مانعلمه حتی الآن عنهم ورد في مصادر أخری و بأشکال مختلفة. و هنا، و قبل کل شيء، یبرز السؤال التالي: لماذا سمّی کتّاب الرسائل أنفسهم بإخوان الصفاء و خلالن الوفاء؟ تلاحظ في هذه الکتابات و في عدة مواضع منها، و بعد عبارة إخوان الصفاء و خلالن الوفاء، عبارات مثل: «أهل العدل و أبناء الحمد، أنباء الحمد و أرباب الحقائق و أصحاب المعاني» (ظ: رسائل...، 1/ 21، 36، 39، 43، 47، 361). و من ناحیة أخری فإن الإخوان یعدّون أنفسهم أشخاصاً «صفت أذهانهم... فحصل التشبّه بالإله بحسب الطاقة الإنسانیة» (4/ 417)، إلا أن أوضح سبب لهذه التسمیة یلاحظ في العبارة التي قالوا فیها: «ولیکونوا إذا بلغوا إلی معالي العلوم و شرائف الصنائع، ذوي غنیّ عن الحاجة إلی من سواهم في جمیع ما یحتاجون إلیه من أمر معیشه الدنیاف فإذا وصلوا إلی هذه المرتبة و حصلوا هذه المنزلة، صحّ لنا أن نسمیهم بإخوان الصفاء. إن حقیقة هذا الاسم هي الخاصة الموجودة في المستحقین له بالحقیقة لاعلی طریق المجاز، ذلک أنه لاسبیل إلی صفاء النفس إلا بعد بلوغها إلی حدّ الطمأنینة في‌الدین و الدنیا جمیعاً، و من لایکون کذلک فلیس هو من أهل الصفاء» (4/ 411–412).

و في موضع آخر و بعد نقل الکلام المنسوب لأرسطو عن الدوائر الأربع تحت السماء یقول الإخوان: «و للحکماء في هذا القول إشارات خفیة و أسرار دقیقة لایطلع علیها و لا یعرف العمل بها إلا إخوان الصفاء الذین صفت أذهانهم، حتی بلغوا إلی تصفیة ما احتاجوا إلیه من هذه الطبائع و مزجوا بعضها ببعض فحصل لهم التشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانیة، فنالوا سعادة البقاء في‌الدنیا بالطمأنینة» (4/ 417). کما توجد في رسائل الإخوان إشارات رمزیة تنقل مفهوم إخوان الصفاء إلی مدی أبعد من نطاق فریق معین و تمنحه طابعاً عالمیاً و تاریخیاً – إنسانیاً بحیث یبدو کأن إخوان الصفاء کانوا – منذ بدء ظهور الإنسان في العالم – مختفین حیناً و ظاهرین حیناً آخر، و موجودین أیضاً في جمیع العصور. و یرد في موضع: «إنا – نحن جماعة إخوان الصفاء – أصفیاء و أصدقاء کرام، کنا نیاماً في کهف أبینا آدم مدة من الزمان تتقلب بنا تصاریف الزمان و نوائب الحدثان، حتی جاء وقت المیعاد بعد تفرقٍ في العباد في مملکة صاحب الناموس الأکبر و شاهدنا مدینتنا الروحانیة المرتفعة في الهواء و هي التي أُخرج منها أبونا آدم و زوجته و ذریتهما لما خدعهما عدوهما اللعین إبلیس» (4/ 18).

و في موضع آخر و بعد حدیثهم عن الوقائع التي حدثت بعد وفاة النبي (ص) - و قبلها – و خاصة واقعة کربلاء، یضیفون قائلین: «فصار ذلک سبباً لاختفاء إخوان الصفاء و انقطاع دولة خلان الوفاء إلی أن یأذن الله بقیام أولهم و ثانیهم و ثالثهم في الأوقات التي ینبغي لهم القیام فیها إذا برزوا من کهفهم و استیقظوا من طول نومهم» (4/ 269). و علی هذا فلا یبدوقول غولد تسهیر (ص 22, 25–26) من أن الإخوان کانوا قد استقوا أسماءهم من حکایة «الحمامة المطوَّقة» في کلیة و دمنة، صحیح. لذا ربما کان صحیحاً أن نقول إن الإخوان أخذوا هذه التسمیة لأنفسهم عن الصوفیة، ذلک أنهم یمتدحون في کثیر من المواضع سجایا و تصرفات الصوفیة الحقیقیین. و کما سنری، فإن الإخوان هم من أبرز «الغنوصیین» (العارفین) الإرسلامیین. و من الملفت للنظر أن الإخوان لا یعتبرون أولئک المنکرین لبقاء الروح و یوم البعث منهم و یقولون إنهم لم یؤلفوا کتبهم لهؤلاء، ذلک أن هؤلاء لیسوا من الإخوان، بل هم «إخوان الکدر و الشقاء، و أصحاب إبلیس» (الرسالة الجامعة، 331).

و کانت الأقوال و الآراء بشأن مؤلفي الرسائل، مختلفة منذ القدم و ما یزال الغموض یلفّ هذه القضیة حتی الیوم. و رغم الدراسات الجمة التي تمت بهذا الصدد في المائة عام و نیف الماضیة، فما یزال الاضطراب الواضح یستولي علی الباحثین فیها.

 و نشیر هنا أولاً إلی أهم البحوث و الدراسات التي تمت حتی الآن بشأن الرسائل من قبل الباحثین الغربیین: بدأ الاهتمام بإخوان الصفاء و البحث فیهم و في رسائلهم منذ القرن 19م. و إلی جانب بعض الدراسات الناقصة بسبب تعذر الوصول إلی مجموعة رسائل الإخوان و المصادر التاریخیة الأساسیة عنها، انبری غوستاف فلوغل، المستشرق الألماني و لأول مرة سنة 1859م بالبحث الشامل في هذا المضمار من خلال مقالة تحت عنوان «حول مضمون و مؤلف دائرة‌المعارف العربیة، رسائل إخوان الصفاء و خلان الوفاء»، مما کان یُعدّ حتی ذلک الحین، أکمل بحث بهذا الشأن. فهو بعد ذکره عناوین 51 رسالة ینتاول بالبحث مضامینها و الإخوان أنفسهم أیضاً و تنظیم فریقهم، و یشیر إلی مصادر فلسفتهم (ص 1-43).

و في 1898م حاول المستشرق الفرنسي کازانوفا في مقالة تحت عنوان «مذکِّرات حول رسالة لفرقة الحشاشین»، مشیراً إلی أجزاء من الرسالة الجامعة، أن یثبت وجود علاقة بین إخوان الصفاء و الإسماعیلیة (ص 151–159). و قد تناول هو نفسه مرة أخری في 1915م، إخوانَ الصفاء»، تحدید التاریخ التقریبي لتألیف الرسائل استناداً إلی حسابات فلکیة حول قران المشتري و زحل - الذي أشیر الیه في إحدی رسائل الأخوان – و یثبت أیضاً مرة أخری نسبة الإخوان إلی الإسماعیلیة و انتظارهم لظهور فاطمیي مصر (ص 5-17).

و خلال ذلک أنجز عمل أساسي و بارز حول الأخوان و رسائلهم علی ید المستشرق الألماني الشهیر فریدریک دیتریسي الذي انبری علی مدی عشرین عاماً و نیفاً لجمع المخطوطات و نشر رسائل الإخوان و ترجمتها إلی الألمانیة، حیث ضمن أبحاثه في مقدمات لها.

و في الفترة الواقعة بین 1858–1872م نشر دیتریسي في 16 مجلداً مجموعة تحت عنوان «فلسفة العرب في القرن 10 م استناداً إلی کتابات إخوان الصفاء». کما ترجم إلی الألمانیة فصلاً مطولاً من الرسائل تحت عنوان «نقاش بین الإنسان و الحیوان». وفي 1879م نشر نصها العربي أیضاً، ثم نشر دیتریسي في 1886م مختارات من الرسائل تحت عنوان «مختارات من رسائل إخوان الصفاء التي نشرت لأول مرة استناداً إلی مخطوطات عربیة».

و نشیر هنا إلی أبرز البحوث التي أنجزت في القرن الحالي عن الإخوان و رسائلهم: 1. مقالة حسین الهمداني، «رسائل إخوان الصفاء في أدبیات الدعوة الإسماعیلیة الطیبة»: 2. مقالة شتیرن «تألیف رسائل إخوان الصفاء»؛ 3. مقالة عبداللطیف الطیباوي، «إخوان الصفاء و رسائلهم، نظرة ناقدة لقرن و نصف من البحث»؛ 4. مقالة شتیرن، «معلومات جدیدة عن مؤلفي رسائل أخوان الصفاء»؛ 5. مقالة عباس همداني، «مصدر فاطمي متقدم حول عصر و تألیف رسائل إخوان الصفاء».

 

مؤلفو الرسائل

کما أشرنا، فإن إحدي المسائل المهمة في الرسائل هي هویة مؤلفیها. هل کانت هذه الکتابات نتاج جهد شخص واحد، أوعدة أشخاص؟ هل کان الإخوان من القرامة، أو الإسماعیلیین، أو علی الأقل کان لهم نوع من الصلة بهم، أم کانوا فریقاً من العلماء و المفکرین، و بسبب تألمهم و تبرمهم من الأوضاع السیاسیة و الاجتماعیة والثقافیة خلاق الخلافظة العباسیة في القرن 4هـ، یهدفون بتألیفهم الرسائل و نشر علوم و فنون ذلک العصر في أوساط مجامیع معینة في المجتمع الإسلامي آنذاک، إلی أعداد الأرضیة اللازمة لأحداث تغییر جذري في رؤیتهم الدینیة و السیاسیة و الاجتماعیة إلی العالم؟ هذه هي الأسئلة التي شغلت حتی الیوم بال الکثیر من الباحثین. و روایات المصادر التاریخیة بهذا الشأن هي الأخری یشیع فیها الاضطراب و یکتنفها الغموض. و هنا ینبغي أولاً القیام بإطلالة سریعة علی هذه المصادر:

أول مصدر تاریخي حول مؤلفي الرسائل روایة لأبي حیان التوحیدي (تـ ح 414هـ/ 1023م). فهو یقول في کتابه الإمتاع و المؤانسة: إنه حضر في 373هـ/ 983م مجلساً بحضور ابن سعدان (تـ 375هـ/ 985م)، وزیر باکالیجار صمصام‌الدولة البویهي، فسأله ابن سعدان عن زید بن رفاعة و آرائه و أفکاره، رغم أن ابن سعدان نفسه کانت له معرفة قدیمة به أکثر منه. فقال أبوحیان في جوابه للوزیر و بعد ثنائه علی ذکاء زید بن رفاعة و سعة معرفته بشتی العلوم: «أقام بالبصرة زماناً طویلاً و صادف بها جماعة جامعة لأصناف العلم و أنواع الصناعة منهم: أبوسلیان محمد ابن معشر البستي (أو البیستي) الشهیر بالمقدسي، و أبوالحسن علي بن هارون الزنجاني، و أبوأحمد المهرجاني و العوفي و آخرون». و یضیف أبوحیان أن هؤلاء کانوا یعتقدون «أن الشریعة قد دُنست بالجهالات و اختلطت بالضلالات، ولا سبیل إلی غسلها و تطهیرها، إلا بالفلسفة، بمعنی أن الفلسفة الیونانیة و الشریعة العربیة متی النتظمتا، فقد حصل الکمال». و لتحقیق هذا الهدف فقد «صنفوا 50 رسالة في جمیع أقسام الفلسفة علمیها و عملیها و سمّوها رسائل إخوان الصفاء و خلّان الوفاء و کتموا أسماءهم و بثّوها في الورّاقین و لقنوها للناس». و یقول أبوحیان إنه قرأ بعض تلک الرسائل، و رغم ثنائه الذي کان قد کاله قبل ذلک لمؤلفیها، فإنه ینتقد مضمونها الکي بقوله: «و قد غرق الصواب فیها لغلبة الخطأ علیها». و یقول أبوحیان أیضاً إنه قرأ بعض تلک الرسائل علی أستاذه أبي سلیمان السجستاني الذي انتقدها هو الآخر بشدة بعد قراءتها و وصف جهود مؤلفیها بالعقم (ظ: 2/ 3–6).

و في کتاب صوان الحکمة لأبي سلیمان السجستاني، أشیر إلی الإحدی و خمسین رسالة لإخوان الصفاء، و ذُکر أن مؤلفها هو أبوسلیمان المقدسي، کما أن النصوص التي نُقلت عنه في هذا الکتاب یمکن العثور علیها في واحدة من رسائل الإخوان (ظ: ص 361–364؛ قا: رسائل، 4/ 57–58).

و المصدر الآخر الذي ذُکر فیه الإخوان و رسائلهم هو تاریخ الحکماء للقفطي (تـ 646هـ/ 1248م). فبعد حدیثه عن مقالاتهم الإحدی و خمسین – التي تدور 50 منها حول 50 نوعاً من الفلسفة، بینما اختصرت في المقالة 51 جمیع ما في تلک المقالات - أضاف قائلاً: إنه لما کان مؤلفوها قد کتموا أسماء‌هم، فقد حدث خلاف بشأن مؤلفیها، و کانت الآراء بشأنهم تقوم علی الحدس و التخمین؛ فقد کان فریق یری أن الرسائل أثر لأحد الأئمة من ذریة علي بن أبي‌طالب (ع) (ادّعاء الإسماعیلیة)، لکنهم یختلفون بشأن ذلک الإمام و اسمه. بینما رأی فریق آخر أنها من تألیف بعض معتزلة الفترة الأولی، و یضیف القفطي أنه هو نفسه کان في حیرة بهذا الشأن إلی أن صادف روایة أبي حیان التوحیدي، ثم نقل نصّ روایة أبي‌حیان (القفطي، 82–88).

و ذکر علی بن زید البیهقي (تـ 565هـ/ 1170م) في تتمة صوان الحکمة، أبا سلیمان المقدسي و أبا الحسن علي بن هارون الزنجاني (زهرون الریحاني) و أبا أحمد النهرجوري و العوفي و زیدبن رفاعة، و أضاف أن «ألفاظ» الکتاب هي للمقدسي (ص 35–36).

و إلی جانب المصادر المذکورة، ذکرت مصادر أخری أیضاً إخوان الصفاء و رسائلهم: ذکر الشهرزوري في تاریخ الحکماء محمد بن مشعر (معشر) البستي، المعروف بالمقدسي و أباالحسن علي بن زهرون (هارون) الزنجاني و أبا أحمد النهرجوري و العوفي و زید بن رفاعة. و هو الآخر رأی أن الفاظ الکتاب هي للمقدسي و الجملة الأخیرة بشأن الرسائل هي نفسها الواردة في صوان الحکمة، و الإضافة الوحیدة هي المتعلقة بالعوفي و التي سمته أباالحسن بن أساس العوفي و أحد إخوان الصفاء و روت عنه أخبار (ص 303).

و یجدر هنا أن نشیر إلی أن ابن‌الندیم ذکر في الفهرست شخصاً باسم «العوقي» و قال إنه «من أهل البصرة في زماننا هذا»، لکنه ترک مکان اسمه الکامل و أسماء کتبه فارغاً (ص 265). ألا یحتمل أن یکون العوقي تحریفاً لاسم العوفي (و هو ما أورده فلوغل أیضاً في هوامشه علی الفهرست في ص 121)؟ و إن مایدعم هذا الاحتمال هو أن ابن الندیم یعتبره من أهل البصرة و من معاصریه (أي أنه کان حیاً في 377 هـ و هو سنة تألیف الفهرست)، و أن أبا حیان یذکر في 373هـ العوفي من بین مؤلفي الرسائل في البصرة.

و یشیر ابن العبري (تـ 685هـ/ 1286م) في تاریخ مختصر الدول (ص 177) نقلاً عن أبي حیان إلی إخوان الصفاء و رسائلهم، لکنه لایضیف شیئاً إلی ما أورده أبوحیان و من بعده القفطي. و من جهة أخری روی المقري (تـ 1041هـ/ 1631م) في نفح الطیب (4/ 350) أن علم الریاضیات الأندلسي، أباالحکم عمر بن عبدالرحمان الکرماني (تـ462هـ/ 1070م) ذهب إلی مدینة حرّان، مرکز الصابئة و جلب منها إلی إسبانیا نسخاً من رسائل الإخوان، غیر أن غایانغوس، مترجم نفح‌الطیب إلی الإنجلیزیة یقول إن مسلمة بن أحمد المجریطي (تـ 395هـ/ 1005م) هو الذي کان قد جلب الرسائل إلی إسبانیا (I/ 427–429)، و هو یعتمد في استنتاجه هذا علی روایة حاجي خلیفة في کشف الظنون التي اعتبر فیها أن الرسائل من تألیف المجریطي (ظ: 1/ 902).

و ینبغي أن نشیر هنا إلی أن تقییم هذه الروایات أثار أسئلة في أوساط الباحثین، فقد طرحت وداد القاضي أسئلة بشأن صوان الحکمة و مؤلفه المفترض، أبي سلیمان السجستاني و کذلک بشأن أبي حیان التوحیدي و شککت في أصالة الکتاب (ظ: ص 87–119). و في مقالته العلمیة الناقدة «أبوحیان التوحیدي و إخوان الصفاء»، وصف عباس همداني روایة أبي حیان و رأیه بأنها «مغمة بالأفخاخ» (ص 352). و یقول نفس الباحث في مقالة أخری و بعد إشارته إلی مقالته السابقة إن «روایة أبي‌حیان غیر صحیحة و هدفها إثبات زندقة زیدبن رفاعة، أکثر من کونها تبیاناً للأسماء الحقیقیة لمرلفي الرسائل» («مصدر...»، 69). لکن حدث مؤخراً أن توغل کاتب آخر في هذا المجال إلی احد الذي قال معه: إنه لاشک في أن أباحیان کان في الوقت نفسه من دعاة جماعة إخوان الصفاء، مستنداً في کلامه هذا إلی رأي دیتریسي الذي قال بشأن روایة القفطي من أن أباحیان کان من أنصار الفلاسفة بشکل علني، سوی أنه لم‌یکن یستطیع أن یصرح بارتباطه بهم، و کان یری من الضروري - و لأجل تلافي مدحه لإخوان الصفاء – أن یضمّن کلامه ذماً کي لایقع بأیدي أهل السنة (العوا، 381)، بینما یقبل شتیرن في کلتا المقالتین اللتین أشیر إلیهما، روایة أبي حیان بشکل عام.

و فضلاً عن کل ذلک، ورد في مصدر مهم آخر أسماء أشخاص اعبتروا في روایة أبي حیان بأنهم مؤلفو الرسائل، حیث یذکر القاضي عبدالجبار (تـ415هـ/ 1042م) في کتابه المهم تثبیت دلائل النبوة، أغلب تلک الأسماءف دون أن یشیر إلی کون الرسائل من تألیفهم و یقول بشأن أبي الحسن علي بن هارون الزنجاني الذي ینسبه إلی القرامطة، أو الإسماعیلیة: «و إنما أشرنا إلی هذا القاضي الزنجاني لأنه کبیر فیهم و من أتباعه زیدبن رفاعة الکاتب و أبوأحمد النهرجوري و العوقي و أبو محمد بن أبي البغل الکاتب المنجم، و هؤلاء بالبصرة أحیاء و غیرهم في غیر البصرة» (2/ 611). و ما یلاحظ فإن القاضي عبدالجبار لم‌یذکر أبا سلیمان المقدسي بینهم، بینما کان هذا معروفاً في ذلک الزمان و ذکره أبوحیان في کتاباته مراراً. و یقول القاضي عبدالجبار في موضع آخر من کتابه عن القاضي الزنجاني» (2/ 355). بینما یعثر في القسم الأول من نفس کتاب القاضي عبدالجبار هذا علی معلومات أوسع عن أبي محمد بن أبي البغل الذي لم‌یکن حتی ذلک الزمان معروفاً (عن بي أبي البغل الذین کانوا من الشیعة، ظ: أخبار القرامطة، 179–180). و هو یقول: «و قوم من الکتّاب و عمال السلطان یعرفون ببني أبي البغل یدّعون أنهم من المسلمین و من الشیعة، و هم یمیلیون میل القرامطة و یلزمون صنعة النجوم، و هم في سکة قریش، و منهم أبومحمد بن أبي البغل، و هذا خلقه و صنعته، و هو حي إلی هذه الغایة و هي سنة 385هـ» (1/ 42). و هذه المعلومات التي لم‌یکن الباحثون قد عثروا علیها حتی الآن، مهمة جداً، ذلک أنها تظهر أن أغلب الذین اعتبروا مؤلفین للرسائل، کانوا مایزالون أحیاء في 385هـ. و هذا الأمر – کما سیرد فیما بعد – یلقي ضوءاً جدیداً علی التاریخ التقریبي لتألیف الرسائل .

و حول کل واحد ممن ذکرهم أبوحیان بوصفهم مؤلفین للرسائل، تتوفر معلومات قلیلة، فضلاً عما أورده القاضي عبدالجبار بشأن القاضي الزنجاني، فإن أباحیان أیضاً ذکره في موضع آخر من الإمتاع و سماه «صاحب المذهب» ثم نثل عنه روایة تلاحظ في إحدی رسائل الأخوان مع قلیل من الاختلاف (2/ 157–160 قا: رسائل، 1/ 308–310). و لقب «صاحب المذهب» یکتنفه الغموض، تری هل یکون ذلک إشارة إلی القرامطة، أو الإسماعیلیین، أو إشارة إلی مذهب و آراء إخوان الصفاء؟ لایمکن أن یکون إشارة إلی القرامة، أو الإسماعیلیین، ذلک أنه لایوجد سبب یدعو أباحیان إلی عدم الإعلان عن مذهبهم. هل کانت لأبي حیان صداقة مع القاضي الزنجاني و کان یخفیها؟ (ستبحث علاقة الإسماعیلیین بالإخوان في هذه المقالة). و فیما یتعلق بزید بن رفاعة أیضاً توجد روایات متناقضة أحیاناً. فابن حجر العسقلاني (تـ 852هـ/ 1449م) یسمیه أبا الخیر زیدبن رفاعة الهاشمي و یضیف أنه معروف بوضع الحدیث و مزج الفلسفة به (2/ 506؛ أیضاً ظ: علیکره، 201–208). و من جهة أخری فقد ادعی الإسماعیلیة و المتحدثون باسمهم أن الإخوان کانوا ذوي علاقة بالمراحل الأولی للحرکة الإسماعیلیة – بل و القرمطیة أیضاً – و قد ألفوا رسائلهم بهدف الدعایة لعقائدهم و أهدافهم السیاسیة و نشرها في الأوساط الثقافیة آنذاک و استقطابهم نحو الحرکة الإسماعیلیة و نصرة منهم لحرکة الفاطمیین بشکل خاص. و کما سنری، فإن لهذه النظریة الیوم أیضاً مؤیدین و مدافعین في أوساط الباحثین. و إن واحداً من أوائل مصادر الإسماعیلیة التي ذکرت الرسائل فیها، «رسالة الأصول و الأحکام» للداعي الإسماعیلي حاتم بن عمران بن زهر (تـ 497هـ1104م) (ظ: ابن زهرة، 121). فقد ورد في هذه الروایة أنه لما توفي محمد بن إسماعیل، أصبح ابنه عبدالله إماماً و کان أول من ستر نفسه عن الأضداد في العصر العباسي، و تاهت فیهم أولي الضلال حتی قالوا إن الإمام من ولد محمد بن إسماعیل هو عبدالله بن میمون القداح (تـ بعد 261هـ/ 875م)، و یعتقد البعض أنه [أي الإمام] عبدالله بن سعید ابن الحسین، أو عبدالله بن المبارک، أو عبدالله بن حمدان، و قد اجتمع هؤلاء مع دعاة آخرین و ألفوا مقالات طویلة في شتی العلوم و الفنون مما بلغ مجموعها 52 رسالة (قا: تامر، «حقیقة...»، 137–138).

و من بین المتحدثین باسم الفاطمیین، فإن أول روایة لدینا عن رسائل الأخوان هي للداعي جعفر بن منصور الیمن الذي شهد الفترة التي سبقت حرکة الفاطمیین و کان معاصراً لأول الخلفاء الفاطمیین، و قد ضمّن ثامن الدعاة الفاطمیین الطیبیین في الیمن، الحسین بن علي بن محمد بن الولید (تـ 667هـ/ 1269م) هذه الروایة في «رسالة الوحیدة في تثبیت أرکان العقیدة». و استناداً هذه الروایة فإن الإمام أحمد بن عبدالله بن محمد بن إسماعیل هو الذي ألف الرسائل (الحسین بن علي، 74–75؛ همداني، «مصدر»، 73–74). و عقب إلی ذلک بقرنین کرر الداعي عمادالدین إدریس (تـ 872هـ/ 1467م) هذا الرأي بمزید من تلک التفصیل و دافع عنهف فقال: إن الخلیفة العباسي، المأمون کان یحاول أن یلغي الشریعة الإسلامیة و یظهر للجمیع أن ما جاء به النبي (ص) لا أساس له. و في أوضاع کهذه ألف الإمام أحمد [التقي] الرسائل لنشر العلوم الظاهریة و الباطنیة و بیّن فیها العلوم الأربعة للفلسفة، و بذلک أراد ترسیخ دعائم الشریعة (إدریس، زهرالمعاني، 211–212). و قد تابع في کتابه الآخر هذه المسألة و قال إنه في الوقت الذي کان فیه المأمون یسعی، إلی تغییر شریعة النبي (ص) و إعادة الناس إلی فلسفة الیونانیین و علمهم، ألف الإمام أحمد بن عبدالله رسائل إخوان الصفاء و جمع فیها العلوم والمعارف الإلهیة و الفلسفیة و الشرعیة. ثم أورد الداعي إدریس فهرست الرسائل (عیون الأخبار، 4/ 367 و ما بعدها).

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: