الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / أبو حنیفة /

فهرس الموضوعات

أبو حنیفة

أبو حنیفة

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/26 ۲۱:۵۶:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

ورغم أن ابن المبارک لم یکن حنفیاً، إلا أن ورود اسمه في عداد مشایخ الحنفیة بخراسان و في مصادر مختلفة (مثلاً ظ: الأوزجندي، 3؛ العبادي، 1-2، نقلاً عن مصدر حنفي متقدم)، دلیل علی مکانته بین حنفیة خراسان، ولایستبعد احتمال أن تکون بیئة مرو ذات المیول السنیة ومقر إقامة ابن المبارک، إحدی المراکز الأولی لتنامي المدرسة الحنفیة لأهل السنة والجماعة. وفضلاً عن تأیید ابن المبارک لأبي حنیفة، فإن حضور أبي عصمة نوح بن أبي مریم أحد تلامیذ أبي حنیفة المعتدلین الذي جاء مرو بوصفه قاضي المدینة، کان بإمکانه أن یکون له دور فاعل بهذا الشأن. جدیر بالذکر أن إحدی أقدم رسائل العقائد لهذه المدرسة هو نص قصیر بروایة نوح بن أبي مریم عن أبي حنیفة، إضافة إلی کونه هو الذي سعی لإقناع الحنفیین بأن أباحنیفة عدل عن فتواه بشأن جواز القراءة غیر العربیة في الصلاة (ظ: علاء‌الدین البخاري، 1/25). وعلی عهد تابعي تلامیذ أبي حنیفة ودون أن یشار إلی ابن الثلجي وبشر المریسي في السواد الأعظم، ورد من المشایخ العراقیین اسم أبي سلیمان الجوزجاني الذي عرف بتقارب آرائه مع آراء أصحاب الحدیث، وفضلاً عنه وردت أسماء بعض علماء خراسان مثل خلف بن أیوب البلخي (تـ205هـ) و عصام بن یوسف البلخي (تـ 215هـ) و شداد بن حکیم (تـ 220هـ) وأحمد بن حرب النیسابوري (تـ 234هـ) وأبي حفص الکبیر البخاري (تـ 264هـ) ومحمد بن سلمة البلخي (تـ 278هـ) بوصفهم دعاة هذه المدرسة خلال القرنین 2 و 3هـ / 8 و 9م (ظ: الحکیم السمرقندي،146-147).

ویعود تاریخ استخدام مصطلح «أهل السنة والجماعة» في آثار الخراسانیین علی الأقل إلی أواسط القرن 3هـ (مثلاً ظ: الدارمي، عثمان، 108). ولم یکن هذا المصطلح یطلق آنذاک علی الحنفیة العدلیة، وکانت المدرسة الحنفیة لأهل السنة والجماعة في القرن 3هـ تحاول أن ترجع تاریخ إطلاق اسم «أهل السنة والجماعة» علی نفسها إلی عصر أبي حنیفة (ظ: روایة أبي عصمة وأبي یوسف في السطور الآتیة).

ومهما یکن، فإن مابین أیدنا من عقائد هذه المدرسة قبل أواسط القرن 3هـ هي رسائل عقائدیة مؤلفة من عدة فقرات یعتمد أغلبها علی إبراز تناقض هذه المدرسة مع المدارس المعارضة لها خاصة الشیعة والخوارج والمعتزلة، ولأجل تحقیق هذا الهدف مزجت الآراءَ العقائدیة والفقهیة مع بعضها، وأحد أبرز النماذج علی ذلک الروایة التي سأل فیها أبوعصمة نووح بن أبي مریم، أبا حنیفة عن أهل السنة والجماعة، واعتبر أبوحنیفة في جوابها میزة هؤلاء تفضیل الشیخین وحب الختنین و المسح علی الخفین وعدم تکفیر أحدٍ بذنبٍ، والإیمان بالقدر خیره و شره من الله، ولاینطق في الله بشيء (علی طریقة المتکلمین) ولایحرم نبیذ التمر (ظ: أبواللیث، بستان...، 187). والنموذج الآخر هو الروایة التي نقلها أبویوسف عن أبي حنیفة بشأن نفس السؤال الذي کان جوابه قریباً من روایة أبي عصمة، إلا أنه ورد فیه أیضاً کلام عن المفاهیم الخاصة بالمعاد کعذاب القبر و أمثال ذلک، وکذلک عدم حمل المعاصي علی الله (ظ:الخوارزمي، القاسم، 2(4)/1545). وفي کلا الروایتین جری الحدیث عن عدم تکفیر مرتکب الکبیرة، مما ینسجم وعقائد المرجئة وأصحاب الحدیث.

وتوجد لدینا نصوص مشابهة نسبت للصحابة والتابعین وأبي حنیفة والفقهاء الحنفیین و جمع من رجال الصوفیة یتعلق مضمونها غالباً بذکر العقائد الخاصة بالإرجاء مثل عدم الاستثناء في الإیمان، وعدم قبول الإیمان للزیادة و النقصان، والخوف و الرجاء للعاصین، وکذلک ذکر أوجه تمایز الحنفیة الفقهي عن الشیعة و الشافعیة (للاطلاع علی نماذج من ذلک، ظ: الحکیم السمرقندي، 142-152).

وأقدم نص عقائدي للمدرسة الحنفیة لأهل السنة والجماعة مایزال رغم وجود تفصیل نسبي فیه، محافظاً علی ممیزات مضمون الروایات القصیرة القدیمة، هو کتاب الوصیة المنسوب لأبي حنیفة. و تمیزه الواضح عن الرویاات المذکورة یکمن في طرح مسائل جدیدة مثل: تعریف الإیمان، والبحث في صفات الله، وخلق القرآن، و خلق الأعمال والاستطاعة، والاستناد إلی المفاهیم المتعلقة بالمعاد مثل کون عذاب القبر حقاً، وغفران الکبائر وکون الجنة و النار مخلوقتین و خالدتین، والتصدیق برؤیة الله، من غیر تشبیه. إضافة إلی ذلک فإنه یشاهد في هذا النص تفضیل الخلفاء الأربعة حسب تسلسلهم الزمني في الخلافة. وکما ذکر ولفسون (ص 280-281) فإن هذا النص قد تأثر بتعالیم ابن کلاب (تـ بعد 240هـ/854م) في طرح مسألة خلق القرآن، و علی هذا فإن تألیفه تمّ تخمیناً في أواسط القرن 3هـ.

أما التحرک الثاني فقد حدث خلال حکم الأمیر إسماعیل الساماني (279-295هـ/892-908م)، حیث حرّض علماء الحنفیة من أهل السنة والجماعة الأمیر إسماعیل علیمنع تنامي المدارس المعارضة في إقلیم ماوراء النهر. ولأجل تحقیق هذا الأمر طلب الأمیر الساماني إلی الحکیم السمرقندي أن یجمع عقائد «أهل السنة والجماعة» في کتاب، وبذلک أُلّف کتاب السواد الأعظم (ظ: الحکیم السمرقندي، 17-20). وفي نفس الحقبة بادر عالم حنفي آخر عاش في بیئة مصر ذات المیول السنیة إلی تدوین کتاب في العقائد، وکان ذلک العالم هو أباجعفر الطحاوي الذي قدم في کتابه العقیدة آراء قریبة جداً من التعالیم الواردة في السواد الأعظم. ولایعرف علی وجه الدقة کیف وصلت تلک التعالیم إلی مصر، لکن وجود عقیدة الطحاوي هو بحد ذاته دلیل قاطع یظهر أن تعالیم المدرسة الحنفیة لأهل السنة والجماعة لم تکن مقتصرة علی حدود خراسان، بل امتدت لتشمل بشکل أو بآخر بقاعاً أخری و تصل إلی مصر.

ورغم اختلاف بیئتي التألیف توجد أوجه اشتراک عدیدة بین کتابي السواد الأعظم للحکیم السمرقندي و عقیدة الطحاوي. وفضلاً عن مواضع اشتراک کلیهما مع کتاب الوصیة فإن مسائل مثل احتمال إضرار الذنوب بالمؤمن، وعدم تخلید المؤمن في النار، والخوف والرجاء للعاصي، والاعتماد علی حسن الظن بجمیع أصحاب النبي (ص)، وکون العشرة المبشرة هم من أهل الجنة، ونفي التشبیه في صفات الله، ونفع الدعاء للموتی، والصلاة خلف الإمام الفاجر، وضرورة إطاعة السلطان وترک القیام بالسیف، والتشجیع علی السعي لکسب الرزق، وتفضیل الأنبیاء علی جمیع الأولیاء، هي من المسائل التي لم ترد في الوصیة ووردت متزامنة في الأثرین الخراساني و المصري. والأمر الأکثر إثارة أن کلا الأثرین نسب في بدایة کلامه، آراءه إلی أبي حنیفة واعتبرها مذهب «أهل السنة و الجماعة» (ظ: الحکیم السمرقندي، 22؛ الطحاوي، العقیدة، 7).

ولدی المقارنة بین الأثرین المذکورین نجد أن السواد الأعظم أقرب إلی الوصیة، وأن مسألة عدم الاستثناء في الإیمان وفصل العمل عن الإیمان التي هي فروع الإرجاء الحنفي و من مشترکات الوصیة والسواد الأعظم، لم تطرح في عقیدة الطحاوي. وربما کان السبب في ذلک هو أن الطحاوي سعی إلی أن یعتمد بشکل أقل علی آراء المرجئة في بیئة مصر.

وکان لحنفیة أهل السنة والجماعة علاقة قدیمة یتعالیم الصوفیة، ویلاحظ في السواد الأعظم للحکیم السمرقندي (ص 148-152) أن المؤلف أورد عدداً من الزهاد و الصوفیة الأوائل مثل ذي النون المصري وفضیل بن عیاض وبایزید البسطامي و إبراهیم بن أدهم في عداد مشایخ المدرسة.وربما کان هذا التقارب هو السبب في أن یذکر مؤلفو کتب الطبقات الخراسانیون الصوفیةُ مثل الهجویري (ص 50، مخـ) والعطار النیسابوري (ص 240 ومابعدها)، أباحنیفة في عداد أوائل الصوفیة ویبلغوا في ذکر مناقبه حداً أن أوردوا علی لسان النبي (ص) بشارات بقدومه (ن.ص).

وتزامناً مع تألیف السواد الأعظم، ظهرت نزعات کلایمة أیضاً بین حنفیة أهل السنة والجماعة في سمرقند مما یمکن مقارنته بالنزعات الکلامیة لأبي الحسن الأشعري في العراق. وکان البادئ بتلک النزعات هو أبامنصور الماتریدي الذي وضع نظریة الإرجاء والأفکار ذات المیول السنیة للحنفیین في قالب نظام کلامي سُمي فیما بعد باسمه کلام الماتریدي، وقد طرح في تاریخ علم الکلام الإسلامي بوصفه أقرب المدارس إلی کلام الأشعري (ظ: ن.د، الماتریدیة).

ویتبلور عقائد المدرسة الحنفیة لأهل السنة و الجماعة، ومع عدم إمکان ملائمة الفقه الأکبر القدیم الذي کان متداولاً في خراسان، لهذه المدرسة من حیث البناء العقائدي، فقد حلّ محله تدریجیاً نص جدید بنفس اسم الفقه الأکبر. وتدل الجمل الأولی لـ «شرح الفقه الأکبر» المنسوب للماتریدي (ص 2) ولأي مؤلف کان، علی أنه کان قد طُلب إلی أبي منصور الماتریدي أن یکتب علی الفقه الأکبر (القدیم)، شرحاً یمکنه إزالة مشکلات عدم انسجام النص القصیر للکتاب مع عقائد المدرسة، ویقیم علاقة بین مضمون ذلک النص و تعالیم المدرسة. وتُؤَیَّد هذه الروایة إلی حدّما بإجراء مقارنة بین العقیدة المنسوب للماتریدی و شرح الفقه الأکبر (بشکل خاص، ظ: «عقیدة»، 21، 45). وعلی أیة حال، فإن مهمة شرح الفقه الأکبر القدیم، قام بها أحد حنفیة أهل السنة و الجماعة وکتب لها شرحاً کان في بعض مواضعه تسویغاً أکثر من کونه شرحاً. إلا أن تعالیم المدرسة التي کانت تعتبر مستقاة من آراء أبي حنیفة سرعان مادونت في قالب نص أکثر تفصیلاً من النص القدیم، نشیر إلیه باسم الفقه الأکبر (2). وقد أدی وجود بعض التعابیر الفلسفیة في هذا النص مثل الحدیث عن الجوهر والعرض واستخدام «لامن شيء» (ص 3) وبعض الشواهد الأخری في النص، إلی أن یُقدّر زمن تألیفه بوقت یتجاوز ظهرو کلام الأشعري و في أواسط القرن 4هـ/ 10م (ظ: فنسنک، 246-247؛ ولفسون، 367).

ویُدَعّم هذا التقدیرُ بتحلیل نص الفقه الأکبر (2) و مقارنته بالنص القدیم و معرفة مکانته بین الکتب العقائدیة للمدرسة الحنفیة. وبالمقارنة بین هذا النص و بین کتابي السواد الأعظم للحکیم السمرقندي و عقیدة الطحاوي، یلاحظ أن هذا النص یشترک معهما في أغلب المضامین، إلا أن قریه من کتاب الطحاوي أکثر منه إلی کتاب الحکیم السمرقندي، وکمثال علی ذلک وفي مجال ترتیب الموضوعات في بدایة الفقه الأکبر (2)، اعتبر الاعتقاد الصحیح هو الإیمان بالله و ملائکته وکتبه وأنبیائه والبعث بعد الموت والقدر خیره و شره من الله، وکون الحساب والمیزان والجنظ والنار حقاً. وفي عقیدة الطحاوي (ص 29). وردت عبارة «القدر خیره وشره من الله» بعد الإیمان بالیوم الآخر، إلا أن هذه العبارة لاتشاهد إطلاقاً في السواد الأعظم (الحکیم السمرقندي، 24-25؛ أیضاً قا: النساء/ 4/136). وکذلک في البحوث الخاصة بالإرجاء الصحابة والقدر فإن الفقه الأکبر (2) أقرب إلی کتاب الطحاوي. وفي موضوع الاشتراک بین الفقه الأکبر (2) و السواد الأعظم للحکیم السمرقندي في طرح مسألة کرامات الأولیاء وسکوت الطحاوي بهذا الشأن، ینبغي القول إن من المحتمل أن یکون منشأ ذلک الاشتراک هو الجغرافیا الثقافیة و علاقة المدرسة الحنفیة لخراسان بالتصوف. وجدیر بالذکر أن بعض المضامین المشترکة بین السواد الأعظم و عقیدة الطحاوي مثل مسألة العشرة المبشرة، الاستطاعة مع الفعل، ونفع الدعاء للموتی، وتفضسل الأنبیاء علی جمیع الأولیاء، لاتشاهد مبدئیاً في الفقه الأکبر (2). کما أن بعض الموضوعات الخاصة بالفقه الأکبر (2) مثل بطلان أجر العمل نتیجة الریاء، والإعلان عن المساواة بین إیمان أهل السماء وإیمان أهل الأرض، لها جذور في تعالیم العالم و المتعلم (ظ: العالم والمتعلم 57-58، 107-108).

من جهة أخری وبإجراء مقارنة بین الفقه الأکبر (2) و آثار الماتریدي تلاحظ في بعض المواضع علاقة خاصة و منها أزلیة صفات الله سواء أکانت صفات الذات أم صفات الفعل (الفقه الأکبر (2)، 2؛ الماتریدي، التوحید، 44 و مابعدها، «عقیدة»، 14)، ونفي کون الله جوهراً أم عرضاً (ن.م، 8؛ الفقه الأکبر (2)، 3)، وعلاقة المعاصي الصادرة عن العباد بالله (ن.م، 4؛ الماتریدي، ن.م، 24). والجدیر بالذکر أن رأي الفقه الأکبر (2) ابتعد في بعض المواضع – مثل قدم القرآن – عن الحنفیة واقترب من الأشعریة (ظ: ص 2-3؛ قا: السبکي، السیف....، 18، النظریة المنقولة عن الأشعري). وفي النصف الثاني من القرن 4هـ کان الأمراء السامانیون مایزالون یدعمون بقوة المدرسة الحنفیة لأهل السنة والجماعة. فقد أمر الأمیر نوح (حکـ 365-387هـ/ 976-997م) بترجمة السواد الأعظم للحکیم السمرقندي إلی الفارسیة (ظ: المقدمة، 19). وفينفس هذه الفترة انبری أبواللیث السمرقندي لتبیان عقائد الحنفیة في آثاره و خاصة کتاب العقیدة (ظ: أبواللیث، «عقیدة»، 217 ومابعدها). ومن الممکن أن تصنف فيعداد هذه الآثار، المخطوطة التي لایعرف مؤلفها ولازمن تألیفها الموجودة في فینا تحت عنوان کتاب في أصول‌‌الدین علی مذهب الإمام أبي حنیفة (ظ: فلوغل، رقم 1664).

وبسقوط الأسرة السامانیة في 389هـ/999م، اتجه نجم سعد المدرسة الحنفیة نحو الأفول، ولم یحظ بالعدعم الکافي علی عهد الغزنویین ربما بسبب بعد مرکز الحکومة عن المراکز الثقافیة لهذه المدرسة. ومن الآثار المحدودة لهذه المدرسة في القرن 5هـ/11م یمکن ذکر شرح الفقه الأکبر والآثار الأخری للبزدوي.

وجدیر بالذکر أن المؤلفین غیر الحنفیة کانوا یذکرون اسم أبي حنیفة وإلی أواخر عهد السامانیین في عداد المرجئة (مثلاً ظ: الأشعري، أبوالحسن، مقالات، 138؛ الخوارزمي، محمد، 28). ومنذ العهد الغزنوي و بتظاؤل الإرجاء الحنفي، لم یعتبر علماء الفرق أبا حنیفة مرجئاً، بل وضعوه في عداد أهل السنة والجماعة والسواد الأعظم (ظ: البغدادي، 21؛ الإسفراییني، 164؛ الشهرستاني، 1/126-127؛ أبوالمعالي، 28). وتلاحظ في آثار غیرالحنفیة في تلک الفترة جهود واضحة لردم الهوة الموجودة بین الحنفیة وبقیة فرق أهل السنة (مثلاً ظ: البیهقي، أبوبکر، «رسالة...»، 101-102)، الجهود التي قوبلت بترحیب الحنفیة وأدت عملیاً إلی ضعف المدرسة العقائدیة الحنفیة و انضمام الکثیر من الحنفیة إلی أتباع علم الکلام الأشعري (مثلاً ظ: السبکي، طبقات...، 3/370-377).

وتلاحظ قمة التقارب بین التعالیم الحنفیة و الکلام الأشعري في الفقه الأکبر (3) الذي لیس فیه أثر للإرجاء الحنفي. وإن دخول قید العمل بالأرکان في تعریف الإیمان (ص 26) هو اعتقاد مضاد للعقیدة الحنفیة لایلاحظ حتی في کلام الماتریدي. وربما أمکن القول إن تألیف الفقه الأکبر (3) کان محاولة للتوفیق بین عقائد الحنفیة والشافعیة الأشعریة. وبطبیعة الحال فإنه مع وجود بعض الإضافات و تجدید الآراء المضادة للحنفیة الموجودة في النص، ینبغي القول إن أساس هذا النص قائم إلی حدّ کبیر علی الفقه الأکبر (2). وبعض نقاطه الفرعیة مثل عدد الأنبیاء (ص 24) یمکن مقارنتها مع مواضیع مشابهة في کتب الحنفیة من أهل السنة و الجماعة بخراسان (ظ: أبواللیث، «بستان»، 152-153).

وفي القرنین 6 و 7 هـ/12 و 13م توجد لدینا نماذج قلیلة من التراث العقائدي الحنفي، تجدر الإشارة من بینها إلی شرحین اثنین لإسماعیل ابن إبراهیم الشیباني و نجم‌‌الدین منکوربرس الترکي علی عقیدة الطحاوي (ظ: GAS, I/442). وقد أی تأسیس الدولة العثمانیة في أسیا الصغری والتغلغل الإسلامي في الشرق الأقصی و هما الواقعتان اللتان لاعلاقة لهما ببعضهما، إلی ازدهار آثار المدرسة الحنفیة لأهل السنة والجماعة مري أخری، إلا أن المدرسة المذکورة نفسها أصبحت في ذمة التاریخ. وفي الدولة العثمانیة بدأت موجة من کتابة شروح علی الفقه الأکبر و کتب العقائد الحنفیة الأخری تتبغي الإشارة إلی شرح إبراهیم بن إسماعیل الملطي وأکمل البابرتي علی الفقه الأکبر بوصفهما من النماذج الأولی لها. وبطبیعة الحال فقد کتبت خلال القرنین 8 و 9 هـ/14 و 15م فیماوراء النهر أیضاً شروح علی عقیدة الطحاوي و الفقه الأکبر کتبها هبة الله بن أحمد الترکستاني و علاء‌الدین البخاري (ظ: GAS, I/412-414, 442).

أما في بلدان الشرق الأقصی مثل مالیزیا وإندونیسیا فإنه علی ارغم من کون المذهب الفقهي السائد هو الشافعي فإن عقیدة أبي اللیث السمرقندي کانت دائماً موضع الاهتمام و ترجمت إلی اللغتین المالاویة والجاویة (جوینبول، 215-216؛ أیضاً ظ: ن.د، أبواللیث السمرقندي).

 

3. الضراریة وادعاء الانتساب لأبي حنیفة

کان ضرار بن عمرو، إمام الفرقة الضراریة التي تعد من الفرق الجبریة المنشقة عن المعتزلة، یسعی إلی ربط أفکاره في موضوع صفات الله والجبر بأبي حنیفة، وکان هو وصاحبه في العقیدة حفص الفرد قد أثبتا نظریة في التوحید مفادها «أن لله سبحانه ماهیة لایعلمها إلا هو» و نسباها إلی أبي حنیفة (ظ: الشهرستاني، 1/82؛ الطوسي، تمهید...، 58؛ أیضاً ظ: فان إس، «کلام»، I/211).

کمایبدو أنهما نسبا أیضاً إلی أبي حنیفة نظریتهما الأخری القائلة بأن للإنسان حاسة سادسة یری بها اللهَ تعالی في الاخرة (ظ: الشهرستاني، ن.ص). وقد تعرض المفید أیضاً إلی نسبة کلا النظریتین: الماهیة والحاسةالسادسة، إلی أبي حنیفة («المسائل»، 293).

وکان رأي ضرار وحفص الآخر یتعلق بأفعال العباد حیث قالا: أفعال العباد مخلوقة للبارئ تعالی حقیقةً، والعبد مکتسبها حقیقة؛ وجوّزا حصول فعل بین فاعلین (الشهرستاني، ن.ص). وبطبیعة الحال و خلافاً للحالتین المذکورتین آنفاً، فإن تأیید أبي حنیفة العام لهذه النظریة یشاهد في عقیدة الطحاوي (ص 35) والفقه الأکبر (2) (ص 4)، وکلاهما من الاثار المتأخرة. والسند المتقدم الوحید المؤید لادّعاء الضراریة هو اسم کتاب لأبي الهذیل العلاف بعنوان کتاب علی ضرار وجهم و أبي حنیفة وحفص في المخلوق (ابن الندیم، 204). ومهما یکن فهذه النسبة قابلة للقیاس مع رأي أبي حنیفة الشهیر في القدر.

 

II. فقه أبي حنیفة

من بین عدد کبیر من فقهاء القرن 2هـ، یجدر ذکر الفقهاء الذین تجذّرت آراؤهم الفقهیة طیلة قرون متمادیة، ولم تزل مزدهرة رغم مضي أکثر من 12 قرناً وهم أبوحنیفة ومالک وفي طبقة متأخرة عنهما زمنیاً الشافعي. وفي مصادر الفقه المقارن کان أبوحنیفة یعرف منذ القرن الثاني الهجري تقریباً بوصفه فقیه الکوفة البارز. وبالتدریج وبعد مضي فترة قصیرة، أصبح فقه الکوفة وبشکل أعم فقه العراق کلمة مرادفه للفقه الحنفي. ولاینبغي اعتبار استخدام مصطلحات مثل «الفقه الکوفي» و «الفقه العراقي» بدلاً من «الفقه الحنفي»، استخداماً سطحیاً، بل ینبغي أن یلاحظ فیه مفهوم تقابل المدرستین الفقهیتین العراقیة والحجازیة. واختلافها الوحید عن الاستخدامات الأقدم یکمن في أن آراء بقیة فقهاء الکوفة والعراق بشکل عام کانت مهملة، وقد تجلی فقه العراق ذاتیاً في النظام الفقهي لفقهیه البارز.

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: