الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / أبو حنیفة /

فهرس الموضوعات

أبو حنیفة

أبو حنیفة

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/26 ۲۱:۵۶:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

أَبو حَنیفَة، النعمان بن ثابت (80-150هـ/ 699-767م)، فقیه الکوفة و متلمها الشهیر و مؤسس المذهب الحنفي أحد المذاهب الأربعة لأهل السنة. وقد لقبه الحنفیة بالإمام الأعظم و سراج الأئمة.

تتفق المصادر علی أن أبا حنیفة نشأ في أسرة مسلمة بمدینة الکوفة، لکن یلاحظ عدم تواق بین الروایات بشأن اعتناق آبائه الإسلام. واستناداً إلی أقدم مصادر ترجمة حیاة أبي حنیفة فإن أسرته کانت لها نسبة ولاء برهط بني تیم الله بن ثعلبة من قبیلة ربیعة إحدی الأفخاذ المهمة لقبیلة بکر بن وائل الکبیرة (ابن سعد، 6/256؛ خلیفة، 1/390؛ البخاري، 4(2)/81). وورد في بعض المصادر بشکل أکثر وضوحاً أن والد أبي حنیفة کان مملوکاً لرجل من أسرة بني قَفَل من القبیلة المذکورة ثم أعتقه (ظ: الطبري، «المنتخب...»، 653؛ ابن عبدالبر، 122).

ومن أقدم و أهم المصادر التي یمکن الحصول منها علی معلومات قیمة حول ماضي أسرة أبي حنیفة، روایة عن عمر بن حماد حفید أبي حنیفة تؤید علاقة ولاء هذه الأسرة لبني قفل، إضافة إلی بعدها عن المبالغات. وقد نقل نص هذه الروایة المسندة الصیمري (ص 15) والخطیب البغدادي (13/324) بنفس الصیغة، ونقل دجزاء منها أبونعیم الفصیل بن دکن و من بعده ابن الندیم دون ذکر لمصدرهما (ظ: م.ن، 13/325؛ ابن الندیم، 255).

واستناداً إلی روایة عمر بن حماد، فإن جد أبي حنیفة کان اسمه زوطی واکان من أهل بلخ ممن یحتمل أن یکون قد أسر خلال فتح خراسان وجيء به إلی العراق، فاعتنق زوطی الإسلام و استعاد حریته وولد ابنه ثابت عندما کان هو مسلماً. وقد ورد في المصادر الأکثر تأخراً اسم و نسب أبي حنیفة بشکل النعمان بن ثابت بن زوطا بن ماه (ظ: العیون ...، 260؛ أبوإسحاق الشیرازي، 87؛ ابن خلکان، 5/405).وإلی جنب روایة عمر بن حماد توجد روایة أخری منسوبة إلی شقیقه إسماعیل بن حماد ورد فیها نسب أبي حنیفة بشکل: النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان جد أبي حنیفة، هو الذي قدم للإمام علي (ع) الفالوذج خلال احتفال النوروز، أو المهرجان، ودعا الإمام لثابت وذریته بالبرکة. والروایة المنسوبة لإسماعیل – والتي یبدو فیها عنصر المبالغة واضحاً في النفي التام لعبودیة هذه الأسرة وفي البرکة التي نالتها علی ید الإمام علي (ع) – وردت لدی الصیمري (ص 16)، واقتبسها عنه الخطیب البغدادي (13/326)، ونقل العجلي (تـ 261هـ) في تاریخ الثقات (ص 450) جزءاً منها بوصفها حکایة دون ذکر للسند. وأکبر أنواع المبالغة حول الأصل الإیراني لأبي حنیفة هو مایلاحظ في شجرة نسب بخط أبي إسحاق إبراهیم الصریفیني حیث کتب فیها نسبه: النعمان بن ثابت بن کاووس بن هرمز ... و استمر لیتصل بالملوک الأسطوریین الإیرانیین، وأخیراً وصل إلی آدم أبي البشر (عبدالقادر القرشي، 1/26-27؛ للاطلاع علی شجرتي نسب مماثلتین، ظ: الحکیم السمرقندي، 22؛ فصیح، 219).

وبالإضافة إلی ماذکر، فإنه توجد أیضاً مجموعة من الروایات ترجع أصل أبي حنیفة إلی مدینتي نسا و ترمذ، أو قریة أنبار بخراسان (الخطیب، 13/325؛ عن أنبار خراسان، ظ: یاقوت، 27)، إلا أنه لایعلم مصدر هذه الروایات علی الإطلاق کما یمکن أن تکون عبارة «أهل بابل» الواردة في کلام عبدالرحمان المقرئ أیضاً تصحیفاً، أو استنتاجاً خاطئاً لجملة «أهل کابل» (ظ: الخطیب، ن.ص).

وجدی بالذکر أن یزید بن زریع (تـ182هـ) المحدث البصري العثماني الاتجاه (ظ: ابن سعد، 7(2)/44) وأحد ألد مناوئي أبي حنیفة، دعا أباحنیفة نفسه – ولیس أحد آبائه – بالنبطي (الخطیب، ن.ص)، إلا أنه ینبغي اعتبار هذه النسبة نوعاً من الشتم قبل أن تکون مؤشراً علی معرفة أصله، ذلک أن استخدام هذه الکلمة بوصفها شتیمة کان أمراً متداولاً آنذاک (کمثال، ظ: أبوالفرج، الأغاني، 13/78؛ ابن الدثیر، مجد‌الدین، النهایة، 5/9؛ أیضاً ظ: عبدالله بن أحمد، 197). کما أنه استناداً إلی روایة عثمان بن سعید الدارمي عن ابن أسباط فإن ولد أبي حنیفة کان وإلی فترة بعد ولادته نصرانیاً (الخطیب، 13/324).

إن وجود روایات کهذه وما ادعاه ابن خلکان من أن کلمة زوطي نبطیة (5/414)، وملائمة شکل کتابة هذا الاسم للکلمة الآرامیة زوطا التي تعني الصغیر أو الطفل، أدی بالبعض إلی أن یتصوروا أن أبا حنیفة کان أصله من الآرامیین القاطنین في العراق (ظ: فان إس، «کلام...»، I/187)، إلا أنه لاینبغي استبعاد ماورد في روایة عمر بن حماد، أي المصدر القدیم الوحید الذي أورد اسم زوطی الذي قال بشکل صریح إنه رجل من أهل کابل. ومن الممکن أن یکون اسم زوطی ذا علاقة بکلمة «زطّی» المعرّیة التي ترجع إلی اسم طائفة في أفغانستان الحالیة تُدعی جَت.

کما أنه لاتوجد لدینا معلومات عن حیاة أبي حنیفة الخاصة. ذُکر أنه ولد في الکوفة (ابن عبدالبر، ن.ص)، واشتغل في تجارة الخز لتوفیر مستلزمات معیشته (العجلي، ن.ص؛ الصیمري، 15)، وصاحب في عنفوان شبابه شاعر الکوفة حماد عجرد (أبوالعلاء، رسالة ...، 509-510؛ أبوالفرج، ن.م، 13/78-79).

تلقی أبوحنیفة العلم عن کثیر من فقهاء وعلماء الکوفة، إلا أن أستاذه الخاص کان حماد بن أبي سلیمان الذي حضر حلقة درسه ولم ینفصلعنه 18 سنة وواصل استفادته منه حتی وفاته (الخطیب، 13/333). جدیر بالذکر أنه وردت في المصادر الرجالیة فهارس بمشایخ أبي حنیفة العراقیین و الحجازیین الذین تبدو استفادته من أغلبهم مقبولة من حیث الزمان والمکان، إلا أنه لایمکن التدکید علی صحة ذلک في جمیع الحالات. ومن بین الأساتذة الکوفیین المذکورین في فهرست شیوخه یمکن الأشارة إلی عامر الشعبي وأبي إسحاق السبیعي وعاصم ابن أبي النجود و قیس بن مسلم و سماک بن حرب و علقمة بن مرثد و عطیة ابن سعد العوفي والحکم بن عتیبة (ظ: ابن أبي حاتم، 4(1)/449؛ الخطیب، 13/324؛ المزي، 18/127-128). إضافة إلی ذلک تلاحظ في الفهارس المذکورة أیضاً أسماء بعض رجال البصرة مثل قتادة بن دعامة و مالک بن دینار، مما یعزز الروایات القائلة یتردد أبي حنیفة إلی البصرة (ظ: المکي، 1/59).

سافر أبو حنیفة خلال فترة دراسته (قبل 114هـ) مرة أو مرات إلی الحجاز، وتلقی العلم من شیوخ الحرمین. وفي المدینة کان یحضر لفترة مجلس درس ربیعة بن أبي عبدالرحمان من فقهاء أهل الرأي (أبوزرعة، 1/428)، ولازم في مکة لفترة مجلس عطاء بن أبي رباح (تـ 114 أو 115هـ) الفقیه الکبیر لتلک الدیار (ظ: الترمذي، 5/741). وفي المدینة استفاد أیضاً من الإمام الباقر (ع) وعلماء أمثال عبدالرحمان بن هرمز الأعرج و نافع مولی ابن عمر و محمد بن المنکدر و ابن شهاب الزهري، وفي مکة من أمثال عمرو بن دینار و أبي الزبیر المکي أیضاً (ظ: المزي، ن.ص).

أصبح أبوحنیفة بعد وفاة حماد بن أبي سلیمان (120هـ) و بوصفه أبرز طلاب حلقة درسه، مرجع إصدار الفتوی و تدریس الفقه في الکوفة وتمتع بمکانة اجتماعیة خاصة (ظ: الصیمري، 21-22). وخلال الفترة الممتدة من 121-132هـ عندما کانت الحکومة الأمویة تمضي آخر سنوات عمرها، حظي أبو حنیفة باهتمام کبیر جداً من قبل التیارات المعارضة للحکومة – من غیر الخوارج – بوصفه فقهیاً معارضاً لفساد الجهاز الإداري للحکومة بوجهات نظره العقائدیة الخاصة به.

وخلال وقائع ثورة زید بن علي (ع) في السنوات 121-122هـ أعانه أبوحنیفة بشکل سري ومدّه بالمال و السلاح (ظ: البلاذري، 3/239؛ أبوالفرج، مقاتل ...، 99-100). وفي 126هـ و خلال حادثة الحصول علی مرسوم أمانٍ من أجل عودة الارث بن سریج (أحد قادة الثورة في خراسان) إلی مرو، قام أبوحنیفة بدور الوسیط بین الخراسانیین والأجلح الذي کان من خواص الخلیفة (الطبري، تاریخ، 7/293). وفي الفترة الواقعة بین 127 و 128هـ التي استولی فیها الخوارج الصفریة بقیادة الضحاک بن قیس الشیباني علی الکوفة، کان أبوحنیفة یخوض معهم نقاشاً ویناظرهم (ظ: ابن عبدالبر، 158-159؛ الخوارزمي، أبوالمؤید، 1/66-67؛ أیضاً الخطیب، 13/366).

وعندما عیّن مروانُ الثاني یزیدَ بن عمر بن هبیرة حاکماً علی العراق في 129 هـ، دعا أبا حنیفة لتولي القضاء و في روایة أخری لتولي منصب النظر في بیت المال، إلا أنه ورغم العسف الذي مارسه ابن هبیرة بحقه، امتنع عن قبول دعوته (یحیی بن معین 1/79؛ الخطیب، 13/326-327).

وقد أدی عسف ابن هبیرة المتزاید علی أبي حنیفة إلی أن یغادر الکوفة مضطراً ویهرب إلی مکة ویمکتث فیها السنتین الأخیرتین من حکم الأمویین (ظ: المکي، 2/24؛ الخوارزمي، أبوالمؤید، 1/66). وقد انهمک في تلک الفترة بنشر أفکاره وآرائه الفقهیة، و کانت له منافسة شدیدة مع أیوب السختیاني فقیه البصرة الذي کان آنذاک في الحرم المکي (ظ: البسوي، 2/782؛ أبوزرعة، 1/507).

وإثر انتصار العباسیین و تولّي السفاح الخلافة، عاد أبو حنیفة إلی الکوفة (ظ: الخوارزمي، أبوالمؤید، ن.ص؛ المفید، الأمالي، 28)، إلا أنه تهرب من مبایعة السفاح باستخدام حیلة لفظیة (المکي، 1/150-151). وقد جزم بعض الکتّاب أن أبا حنیفة لم یعترف بخلافة العباسیین ولم یبایع السفاح والمنصور قط (ظ: القزویني الرازي، 337؛ ابن أبي الحدید، 16/158).

وقد أصبحت معارضة أبي حنیفة الصامتة، علنیة عندما ثار إبراهیمابن عبدالله الحسني من أئمة الزیدیة في البصرة ضد خلافة المنصور واستخدم أبوحنیفة نفوذه في تأیید تلک الثورة. وکان یحث الناس علی نصرة إبراهیم، کما دعا إبراهیمَ في رسالةٍ للمجيء إلی الکوفة لیحظی بدعم أکبر منه (ظ: البسوي، 2/788؛ العقیلي، 4/282؛ أبوالفرج، ن.م، 240-243، 251؛ الخطیب، 13/329-330). ومع أن ثورة إبراهیم تمّ إخمادها سریعاً وتعامل المنصور مع أنصاره بعنف، إلا أن الشخصیات المتنفذة مثل أبي حنیفة و نصیره في العقیدة مسعر بن کدام ظلت بعیدة عن الأذی.

ومن بین وقائع السنوات الأخیرة من حیاة أبي حنیفة، عرض المنصور علیه أن یتولی منصب القضاء، وإشارته علیه بالإشراف علی بناء مدینة بغداد – و هو ماورد في المصادر بأشکال مختلفة – إثر رفضه منصب القضاء. واستناداً إلی روایة الهیثم بن عدي و سلیمان بن مجالد فإن المنصور قد أجبره علی قبول القضاء. ولم أصر أبوحنیفة علی عدم القبول، أجبره علی الإشراف علی قسم من عملیة بناء مدینة بغداد (الطبري، ن.م، 7/619). واعتبر ابن العمراني وضمن سرده هذه الروایة أن تاریخ ذلک کان بعد عودة المنصور من حج سنة 147هـ (ص 64-65؛ أیضاً ظ: مجمل التواریخ، 514؛ ابن الطقطقي، 219). وفي حال صحة هذه الروایة فإن إصرار المنصور علی إشراک أبي حنیفة في الشؤون الدیوانیة ربما کان ردّ فعل أمام ماضیه السیاسي. وجدیر بالذکر أنه أُیدت في البعض الآخر من الروایات فقط مسألة اقتراح منصب القضاء علیه ورفضه المنصب، واعتبر البعض مثل أبي العلاء الواسطي مسألة الإشراف علی بناء بغداد، حکایة مختلفة لاأساس لها (ظ: الخطیب، 13/328).

وفي 148هـ وإثر ثورة حسان بن مجالد الخارجي قرب الموصل استدعی المنصور الذي کان غاضباً علی الموصلیین، أبا حنیفة وفقیهینآخرین من أهل الکوفة لیؤیدوا نقض معاهدة الخلیفة السابقة مع الموصلیین و یعتبروا قمعه إیاهم أمراً ثائباً، إلا أن أبا حنیفة أبدی ردیاً لم یرق للخلیفة الذي اضطر الی اعتبار المعاهدة المذکورة ساریة المفعول (ظ: ابن الأثیر، عز‌‌الدین، 5/585).

وفي الدیام الأخیرة من حیاة أبي حنیفة استدعاه المنصور إلی بغداد وألقی به في السجن لسبب لم یعرف علی وجه الدقة، فتوفي في السجن بعد عدة أیام (ظ: الخطیب، 13/327-330؛ العیون، 261؛ أیضاً ظ: ابن سعد، 6/256). ویری زفر بن هذیل أنهم سقوا أبا حنیفة السم في السجن (ظ: الخطیب، 13/329-330). ودُفن أبوحنیفة في مقبرة الخیزران ببغداد بعد أن صلی علیه الحسن بن عمارة البجلي المحدث الکوفي (ابن الندیم، 255-256؛ الخطیب، 13/324). ولایمکن الرکون إلی الروایة الواردة في العیون و الحدائق (ن.ص) القائلة إن المنصور بنفسه صلی علی جثمان أبي حنیفة. وقد أنشأت علی ضریحه في 459هـ قبة ومدرسة (ابن الأثیر، عز‌الدین، 10/54). وتدعی الآن المحلة التي تقع فیها مقبرته بحيّ الأعظمیة.

 

I. مدرسة أبي حنیفة العقائدیة

لاشک في أن أبا حنیفة قد عُرف علی مدی تاریخ الثقافة الإسلامیة أکثر ماعُرف بوصفه فقیهاً ذا رأي، وذکر اسمه منذ عهد بعید إلی جانب مالک و الشافعي باعتباره أحد أکبر فقهاء السنّة، إلا أن مدرسته قد عرفت خلال فترات من التاریخ وخلافاً لمدرسة الاثنین المذکورین بوصفها مدرسة ذات بعدین: مدرسة ذات نظام عقائدي إلی جانب کونها ذات نظام فقهي.

واستناداً لبعض الروایات فإن أبا حنیفة کان له خلال فترة شبابه مساهمة فعالة في أوساط الکوفة العقائدیة، وفي الفرص التي کانت تسنح له کان یسافر إلی البصرة وینبري لمناظرة الإباضیة و الصفریة وبقیة الفرق (ظ: الخطیب، 13/333؛ المکي، 1/59-60). وتدل نسبة عدد من الکتابات العقائدیة و حشد من المناظرات الکلامیة و بعض الاراء المتفرقة المنسوبة لأبي حنیفة في آثار لاحصر لها لشتی المذاهب علی أنه کان یعرف دائماً بوصفه منظَّراً عقائدیاً فضلاً عن أن دراسة بنیة فقهه أیضاً تعزز من أنه کان ینظر في المصادر‌‌الدینیة برؤیة علمیة ولایتبع أسلوب النقل المجرد.

ولأجل إیضاح مکانة أبي حنیفة الفکریة بشکل أکبر تنبغي الإشارة إلی أنه خلق بعض المسائل العقائدیة و اتخذ مواقف وبوّب أبواباً في المحافل‌‌الدینیة خلال النصف الأول من القرن 2هـ/8 م بخاصة في العراق، کان لها ذاتها جذور في البحوث المتفرقة للقرن الأول الهجري، وشکلت نقطة انطلاق لتبلور الفرقوالمذاهب الکلامیة. وکانت مسائل مثل «إیمان الفاسق» و«القدر» و «الإمامة» تشکل أمهات تلک الخلافات. وقد کانت کل واحدظ منتلک المسائل تستلزم أن یتخذ العالم‌‌الدیني موقفاً منها، إلا أن تلک المواقف لم یکن لهاارتباط خاص ببعضها البعض. وفي الحقیقة فإنه لم تکن قد ظهرت بعد فيتلک الفترة مذاهب کلامیة معینة تقدّم نسقاً معیناً من المواقف تجاه جمیع المسائل العقائدیة أو أغلبها، وإن الأسماء التي کانت تطلق علی الفرق المختلفة مثل «المرجئة» و «الخوارج» و «القدریة» و«الشیعة»، کانت تبین نوع الموقف تجاه المسائل الخاصة وأحیاناً نوعاً من التکتل السیاسي – الاجتماعي قبل أن تبین مذهباً منظماً. ولذا فإن البحث عن مذهب کلامي منظم یمکن اعتباره «مذهب أبي حنیفة» خلال الحدیث عن مفکر و عالم دین مثل أبي حنیفة الذي کان یعیش في النصف الأول من القرن 2هـ، هو أمر لاطائل من ورائه، بل ینبغي تبیان مواقفه الأساسیة، و من ثم معرفة نمط تفکیره علی أساسها.

ویمکن تقسیم مصادر دراسظ عقائد أبي حنیفة إلی مجموعتین رئیستین: الأولی الاراء التي رویت عنه بشکل متفرق في کتب علم الکلام و الملل و النحل و کتب علم الرجال و المصادر الأخری، وهي علی درجات مختلفة من حیث الوثاقة؛ الثانیة آثار مثل العالم والمتعلمم و«رسالة إلی عثمان البتي» والفقه الأکبر (1) المنسوب تألیفها إلی أبي حنیفة والتي یکون الشک في صحة نسبة مضامینها إلیه أقل.

 

ألف- مواقف أبي حنیفة العقائدیة في شتی المسائل

 

1. الإمان و الإرجاء

اعتبر کثیر من کتّاب أهل الحدیث والإمامیة والمعتزلة والأشاعرة، أبا حنیفة في عداد المرجئة، وقد شاعت هذه النسبة إلی الحد الذي أصبحت معه من البدیهیات (مثلاً ظ: البخاري، ن.ص؛ العقیلي، 4/283؛ الأشعري، سعد، 6؛ الکشي، 190؛ الأشعري، أبوالحسن، مقالات...، 138).

أدت مسألة إیمان مرتکب الکبیرة في النصف الثاني من القرن الأول الهجري إلی ظهور ثلاثة مواقف مختلفة، وإلی ظهور ثلاث فرقتبعاً لذلک: الأولی، الخوارج الذین کانوا یعتبرون العمل مؤثراً في الإیمان ذلی الحد الذي کانوا یعتقدون معه أن ارتکاب الکبیرة یؤدي إلی زوال الإیمان ویکون سبباً للفکر؛ الثانیة، المرجئة الذین لم یکونوا یعتبرون ارتکاب الکبیرة مزیلاً للإیمان، وضمن اعتبارهم العمل منفصلاً عن الإیمان، کانوا یرون الإیمان حقیقة لاتقبل الزیادة والنقصان؛ الثالثة، أصحاب الحدیث الذین اعتبروا الإیمان ذا درجات، وقابلاً للزیادة والنقصان من خلال اعتبارهم العلم مؤثراً في مفهوم الإیمان في نفس الوقت الذي امتنعوا فیه عن تکفیر مرتکب الکبیرة. وبطبیعة الحال ینبغي التذکیر بأنه إضافة إلی هذه الفرق الثلاث – بمواقف متباعدة عن بعضها – کانت هناک مواقف معتدلة أیضاً.

وکان أتباع فرق المرجئة المتطرفین یعتقدون أنه لاتضر مع الإیمان أیة معصیة، وأن المؤمن لایستحق دخول النار مهما ارتکب من معاصٍ. وحسب اعتقادهم فإن حسات المؤمنین ستقبل وسیآتهم ستغتفر. وفي النصف الأول من القرن 2هـ/8م کانت هناک فرقة أخری بین المرجئة وأصحاب الحدیث أطلق علیها أحیاناً في کتب الملل والنحل اسم «مرجئة السنّة» (ظ: الشهرستاني، 1/127، 130)، وکان أتباعها یتفقون مع المرجئة في الرأي بشأن «عدم قبول الإیمان للزیادة النقصان» و«الفصل بین العمل والإیمان»، إلا أنهم لم یکونا یوافقون علی آرائهم المتطرفة فیما یتعلق بقیمة العمل. ولیس عجیباً أن یطلق أصحاب الحدیث و بقیة معارضي هذه الفرقة المعتدلة علی أتباعها اسم المرجئة دون تمییزها عن المرجئة المتطرفین، وأن لایتقبلوا هم أنفسهم هذا الاسم، ذلک أنه کانت تدور علی الألسن آنذاک روایات منسوبة للنبي (ص) تعتبر المرجئة من المنحرفین والمبتدعة (مثلاً حدیث عکرمة، ظ: ابن ماجه، 1/28؛ الترمذي، 4/454). والنموذج الواضح لذلک التعامل یلاحظ في کتاب العالم و المتعلم الذي یشکل الإرجاء المعتدل أساس تعالیمه و یهاجم في نفس الوقت فرقة المرجئة (ظ: ص 40-41).

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: