الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / أبو حنیفة /

فهرس الموضوعات

أبو حنیفة

أبو حنیفة

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/26 ۲۱:۵۶:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

کان أبو حنیفة في غایة القلق بشأن الخلافات المذهبیة بین المسلمین، وکان من خلال دعوته الناس لاکتساب العلم و الثقافة، یحذرهم من التقلید الأعمی لزعماء الفرق والتجمعات المختلفة (ظ:العالم و المتعلم، 32 و مابعدها).

 

ب- أبو حنیفة و مذاهب عصره

نقد أبوحنیفة کأي صاحب نظریة، آراءَ مفکري عصره، وعُرِّض هو الاخر للنقد من جانبهم. ویبدو أن أغلب الهجمات التي شنها معاصروه ضده کانت موجهة من قبل أصحاب الحدیث الذین انبروا لمعارضته بشدة و تمادوا في ذمه إلی درجة نسبته للکفر والزندقة (ظ: البسوي، 2/786؛ العقیلي، 4/282). ولم یقتصر هذا النوع من التعامل علی معاصریه، بل ظل وإلی فترة طویلة ذم أفکار وآراء أبي حنیفة یشکل جزءاً مهماً من آثار أصحاب الحدیث النقدیة (مثلاً ظ: عبدالله بن أحمد، 180 و ما بعدها؛ البسوي، 2/746؛ أبوزرعة، 1/505 ومابعدها؛ ابن حبان، 3/63 ومابعدها).

وفي مقابل هذا التعالم لایشاهد من أبي حنیفة رد فعل هجومي ضد أصحاب الحدیث، بل یلاحظ منه فحسب التعامل الهادئ المصحوب بالنقد الفکري للحدیث، مما آلم دائماً نفوس أصحاب الحدیث. وإن الفرق الإسلامیة التي عُرِّضت للنقد بشکل صریح مع ذکر أسمائها في العالم و المتعلم هي المرجئة والشیعة والخوارج (ظ:ص 40-42). وقد نقد أبوحنیفة في رسالته إلی عثمان البتي وفي العالم والمتعلم أیضاً وبشکل وافٍ آراء المرجئة المتطرفین وأعلن عن ضجره من أفکارهم. إلا أنه لیس معلوماً و علی وجه الدقة الرأي الذي کان علیه ذلک الفریق من المرجئة الذین وجهوا النقد إلی أبي حنیفة خلال ثورة إبراهیم الحسني ودعوة أبي حنیفة له إیاه للمجيءإلی الکوفة، وإلی أي مدیً کانت علاقتهم بأبي حنیفة ودیة أم معادیة. ونعلم أن مسعر بن کدام الفقیه والمفکر المرجئ الکوفي وأبا حنیفة کانا یقفان علی قدم المساواة في نصرة إبراهیم و دعوته إلی الکوفة، وکذلک في نقد المرجئة لهما معاً (ظ: أبوالفرج،مقاتل، 240، 243).

وعن علاقة أبي حنیفة بالشیعة تجدر الإشارة في البدء إلی الروایات الوافرة التي تضم المناظرات بین أبي حنیفة والإمامین الصادق والکاظم (ع) و علماء الکوفة الإمامیة مثل محمد بن علي صاحب الطاق وفضال ابن الحسن والهیثم بن حبیب الصیرفي، حیث یحتاج قبول کل واحدة منها إلی دراسة سندها و متنها. وقد بحثت في هذه المناظرات مختلف القضایا العقائدیة من إمامة وإیمان و قدر (ظ: ابن بابویه، التوحید، 96؛ الکشي، 190؛ المفید، الأمالي، 22، 26؛ الکراجکي، 171، 196؛ الطبرسي، 2/381-382؛ الإسترابادي، 2/582).

ونقل في بعض روایات الإمامیة عن الإمام الصادق (ع) ذم أبي حنیفة (الکشي، 145-146، 149)،وعُرض أبوحنیفة حیناً بوصفه شخصاً قلیل المیل إلی علي (ع) (ظ: ابن رستم، 23؛ المفید، ن.م، 26-28؛ منتجب‌‌الدین، 51).

وبطبیعة الحال ینبغي الأخذ بنظر الاعتبار أن أبا حنیفة استفاد من حلقات درس الإمامین الباقر و الصادق (ع) خلال فترات و جوده في المدینة، حیث تلاحظ روایاته عنهما في شتی المواضع من أسانید روایاته (مثلاً ظ: أبویوسف، الآثار، 34، 124؛ الخوارزمي، أبوالمؤید، 1/388، 2/83، مخـ). وتتحدث بعض الروایات الحنفیة عن علاقات ودیة بین أبي حنیفة و الإمام الصادق (ع) (ظ: م.ن، 2/83-84، 305)، ومن الإمامیة، عدّه الطوسي من بین أصحاب ذلک الإمام (رجال، 325؛ أیضاً ظ:الجاحة، «فضل هاشم»، 106). ویری الفقیه الإسماعیلي البارز القاضي النعمان المغربي أن أبا حنیفة ورغم اخلافات العقائدیة کانت له علاقات ودیة مع الشیعة (1/96). وجدیر بالذکر أن روایة محمد بن الحسین المحتسب في رامش أفزاي آل محمد (ص) القائلة إن أم أبي حنیفة کانت لفترة زوجة للإمام الصادق (ع) (ظ: ابن شهرآشوب، مناقب...، 4/248)، ناجمة علی مایبدو عن خلط بین شخصیته وأبي البختري القرشي (ظ: ن.د، أبوالبختري،وهب).

وعن علاقة أبي حنیفة بالزیدیة ینبغي القول إن تعاونه الوثیق مع زید بن علي وإبراهیم الحسني، أفضل شاهد علی العلاقات الحسنة التي بلغت حداً اعتبر معه محمد بن جعفر الدیباج ابن الإمام الصادق (ع) وأحد أئمة الزیدیة – ضمن ثنائه علی أبي حنیفة – عمله في نصرة زیددلیل مودته وولائه لأهل البیت (ظ: أبوالفرج، ن.م، 99).

کان الخوارج من الفرق التي نالتها بالنقد آراء أبي حنیفة الحادة عن الإیمان، وکما روي فقد کانت له خلال وجود الخوارج الصفریة في الکوفة مناظرة بشأن واقعة التحکیم مع إمامهم الضحاک بن قیس الشیباني (ظ: ابن عبدالبر، 158-159؛ قا: الشریف المرتضی، الفصول...، 1/27، مناظرة مشابهة بین هشام بن الحکم الشیعي و عبدالله بن یزید الإباضي). کما کان لأبي حنیفة مناظرات في البصرة أیضاً مع الصفریة (المکي، 159). وکان للإباضیة علی عهد أبي حنیفة وجود في العراق أیضاً، ونقد نظریة «کفر النعمة» (النظریة المعروفة لعبدالله بن إباض) في کتاب العالم و المتعلم (ص 131) یُعدّ في الحقیقة نقداً للإباضیة. وکان قدتعرف عن کتب خلال رحلاته إلی البصرة المرکز الثقافي للإباضیة إلی آرائهم وأفکارهم (المکي، ن.ص).

وفضلاً عن الفرق المذکورة فقد کان لأبي حنیفة اختلاف في الرأي أیضاً مع مؤسسي مذهب الاعتزال مثل عمرو بن عبید وواصل بن عطاء. وقد ورد في مصادر المعتزلة ذکر لمناظرة بین أبي حنیفة و عمرو بن عبید کان موضوعها مسألة الإیمان (ظ: القاضي عبدالجبار، 250؛ وللاطلاع علی مناظرتین أخریین مع المعتزلة، ظ: م.ن، 253؛ الملاحسین الرومي،15). ورغم ورود لعنٍ لعمرو بن عبید علی لسان أبي حنیفة في روایة حنفیة (عبدالقادر القرشي، 1/31)، لکن الشواهد تدل علی أن العلاقة بین هذین الاثنین لم تکن عدائیة إلی هذا الحد، حیث نقل أبوحنیفة أحیاناً بعض روایات البصریین عن طریق عمرو بن عبید (ظ: الخوارزمي، أبوالمؤید، 2/151).

وقد شاع علی عهد أبي حنیفة في المشرق نمطان للتفکیر أحدهما لجهمبن صفوان والاخر لمقاتل بن سلیمان کانا یشکلان رؤیً جدیدة في المسائل العقائدیة. وهناک روایة تدل علی أن أباحنیفة سمّی الجهمَ بـ «المعطِّل» ومقاتلاً بـ«المشبِّه» و خطّأ النمطین (ظ:الذهبي، سیر...، 7/202؛ عبدالقادر القرشي، ن.ص؛ أیضاً ظ: الخطیب، 13/376). کما یلاحظ في «الفقه الأکبر (1)» (ص 21) نقد للجهمیة ونمط تفکیرهم بشأن عذاب القبر.وتوجد أیضاً روایات تتضمن مناظر أبي حنیفة مع جهم بن صفوان في مسألة الإیمان (المکي، 1/145؛ أیضاً البزدوي، 1/11)، ومناظرته مع امرأة جهمیة، مما ینبغي أن یُنظر إلیهما بعین الشک (للاطلاع علی المناظرة الأخیرة‌، ظ: البیهقي، أبوبکر، الأسماء، 539-540؛ أیضاً شراینر، 529).

وربما کان اشتراک أبي حنیفة مع الجهمیة في بعض الرؤی المحدودة، یؤدي إلی أن یسمیه أصحاب الحدیث «جهمیاً»، ویتحدثوا عن علاقته بالجهمیة أیضاً (ظ: عبدالله بن أحمد، 181، 183؛ البسوي، 2/782-783؛ الخطیب، 13/374، 386). أما کون أبي حنیفة قد نصر عن بعد الحارثَ بن سریج الذي کان من المقربین سیاسیاً من جهم بن وصفوان وأخذ له من الخلیفة عهد أمانٍ (الطبري، تاریخ، 7/293)، فلایمکن اعتباره دلیلاً واضحاً علی علاقته الفکریة بالجهمیة (قا: مابدیلونغ، «المرجئة...»، 18).

وفضلاً عن التجمعات والفرق الإسلامیة المذکورة توجد لدینا بعض المناظرات بین أبي حنیفة والدهریین أیضاً (ظ: «شرح الفقه الأکبر»، 32؛ أیضاً القسم الخاص بالمخطوطات في هذه المقالة، رقم 4).

 

ج – أتباع أبي حنیفة في العقیدة

إن مایتضح من ثنایا المصادر التاریخیة هو أن وجهات النظر بشأن آراء أبي حنیفة حتی خلال حیاته کانت متباینة، ومن البدیهة أن یتزاید هذا التباین بمرور السنوات والقرون، إلا أن جمیع وجهات النظر تلتقي عند نقطة واحدة وهي إعطاء أبي حنیفة صورة شخص عالم و صاحب رأي في أصول العقائد. وفي التقسیم الفکري للفرق المسلمة غیر الخارجیة و غیر الشیعیة التي کانت تقف في الطرف المقابل لأصحاب الحدیث، کان ربط الشخصیات والفرق نفسها بأبي حنیفة بشکلٍ من الأشکال، طاهرظ مدلوفة، وکأن أباحنیفة وبوصفه أبرز الشخصیات غیر الخارجیة وغیر الشیعیة المعارضة لأصحاب الحدیث و أکثرها وجاهة‌، کان بإمکانه أن یخلق قیمة لتلک الفرق. وخلال ذلک کان البعض یعتبرون نمط تفکیرهم أو بعض عقائدهم مستقاة منه، وکان البعض الآخر یقبولنه بوصفه إمامهم في الفقه.

إن من نعرفه في تاریخ العقائد الإسلامیة باسم أبي حنیفة‌، لیس ذلک المفکر الکوفي الذي تحدثنا عن عقائده فیما مضی فحسب، بل ینبغي أن لانغفل عن أهمیة «أبي حنیفة الرمز»، الذي کان ملهماً لشتی المدارس الکلامیة والذي نسبت إلیه آثار عدیدة بأنماط فکریة مختلفة. ویمکن تصنیف هذه الدنماط العقائدیة إلی مدرستین رئیستین: ألف- المدرسة التي کانت تتبع الأسلوب الکلامي و العقلاني، وتقف – من خلا لاقترابها من الأفکار الاعتزالیة – في الصف المعارض لأصحاب الحدیث في مسائل مثل القدر؛ ب – المدرسة التي تنزع – من خلال استنادها إلی فکر أبي حنیفة بشأن الإیمان – إلی آراء أصحاب الحدیث في المسائل المختلفة الأخری کالصفات و القدر والأمامة، والتي کان یُعرف أتباعها بأهل السنة والجماعة.

 

1. المدرسة الکلامیة و العدلیة الحنفیة

إلی جانب تلک المجموعة من تلامیذ أبي حنیفة الذین بذلوا قصاری جهودهم في ترویج فقهه، کانت هناک مجموعة أخری تقدمه بوصفه مفکراً دینیاً، وتوجد دلائل تبین أن حماد بن أبي حنیفة کان – و دون دن یخلّف في التاریخ لنفسه صورة صاخبة – وسیلة نقل آراء أبي حنیفة، وربما کان له هو الآخر تفاسیر لتلک الاراء و إضافات علیها، بحیث یمکن الإشارة إلی وجود اسم حماد في سند روایة الفقه الأکبر (ظ: GAS, I/412)، والدهم من ذلک ردّ الیمان بن رئاب المتکلم الخارجي علی حماد بن أبي حنیفة (ظ: ابن الندیم، 233). وقد عُدّ أبومعاویة الضریر و قدید بن جعفر وإبراهیم بن طهمان من تلامیذ أبي حنیفة الآخرین في المذهب المرجئ، وکان لقدید من بینهم آثار في الکلام (ظ: ابن سعد، 6/273-274؛ ابن الندیم، 258؛ الخطیب، 13/423)

ومهما یکن، فإن العقائد الحنفیة المعارضة لأصحاب الحدیث، لم تجد لها رواجاً أبداً في العراق وغبربي تلک البلاد، وینبغي ملاحظة ازدهارها في المشرق و خاصة ببلخ. وقد ظل دهل خراسان الذین کانوا خلال حیاة أبي حنیفة من أهم محبیه وأتباعه (صفي‌‌الدین، 28-29؛ أیضاً ظ: ابن عبدالبر، 154)، أوفیاء له حتی بعد وفاته. واستناداً إلی صفي‌‌الدین البلخي (ن.ص) فإن العلاقة الثلاثیة بین أبي حنیفة ومذهب الإرجاء وأهل بلخ کانت وثیقة إلی الحد الذي دعیت بلخ بـ «مرجي آباد»، لکونها مقر تجمع محبي أبي حنیفة وأتباعه. کما شکی أبوبکر الخوارزمي في إحدی رسائله (ص 42) من هیام البلخیین بأبي حنیفة.وقیلإن الکثیر من الطلبة البلخیین کانوا من ملازمي مجالس درسه في العراق (صفي‌‌الدین، ن.ص)، وینبغي أن نعدّ من بینهم أبا مطیع البلخي قاضي بلخ وسلم بن سالم البلخي من کبار الشخصیات المتنفذة في خراسان، وأبا إسحاق الزیات البلخي الذین لقبوا بأجمعهم بالمرجئة من قبل أصحاب الحدیث (ظ: ابن سعد، 7(2)/105-109؛ ابن أبي حاتم، 1(2)/122).

ومن بین هؤلاء کان أبومطیع البلخي هو المنِّظر البارز لتلک المدرسة. وإن المعلومات الواردة في المصادر المختلفة عن عقائده، یمکنها أن تبین المعالم العامة لتلک المدرسة في مرحلتها الأولی. ومن بینها تجدر الإشارة إلی اقتراب أبي مطیع من المعتزلة في مسألة القدر (أبوالقاسم البلخي، 104-105) واعتقاده بکون الجنة والنار قابلتین للفناء (أحمد بن حنبل، 3/299-300). کما ینبغي أن نذکر إلی جنب أبي مطیع، أبامقاتل حفص بن سلم السمرقندي التملیذ الخراساني الآخر لأبي حنیفة الذي کان الراوي الأول لکتاب العالم والمتعلم، الکتاب الذي رواه أبو مطیع عن أبي مقاتل واذي تتلاءم مضامینه مع تعالیم المدرسة الحنفیة العدلیة (ظ: العالم والمتعلم، 74، مخـ).

وفضلاً عن کتاب العالم والمتعلم، یبدو أن النص القدیم للفقه الأکبر («الفقه الأکبر (1)») هو الآخر أحد المصادر الرئیسة لعقائد المدرسة الحنفیة العدلیة في تلک المرحلة. وفي مخطوطة مکتبة برلین (ظ: آلوارت، رقم 1932) نقل شرح العبارة الأولی للفقه الأکبر عن أبي مطیع البلخي (أیضاً ظ: شرح الفقه الأکبر»، 6)، وکان أبومطیع یُعرف في المصادر المتأخرة بوصفه راوي الفقه الأکبر (ظ: عبدالقادر القرشي، 2/265؛ أیضاً الذهبي، العبر، 1/258؛ شراینر، 529-530). والإشکال الوحید في انسجام النص المذکور مع معتقدات المدرسة الحنفیة العدلیة هو في عبارة «واعمل أن ما أصابک...» التي شرحت و کأنها جزء من متن الفقه الأکبر (ظ: «شرح الفقه الأکبر»، 4) واعتبرها فنسنک الفقرة الثالثة من المتن (ظ: ص 103). وجدیر بالذکر أن هذه الفقرة بأت في النسخة العربیة بجملة «قال علیه السلام»، و إن وجود جملة «علیه السلام» مع العلم بأن العبارة موضوع النقاش هي بعینها نص حدیث نبوي (ظ: ابن الأثیر، مجد‌الدین، جامع الأصول، 10/512)، یدل علی أنه من الممکن أن یکون شارح الفقه الأکبر هو الذي أوردها.

وفي القرن 3هـ بادر بعض أتباع أبي حنیفة في العراق إلی نشر التعالیم الإرجائیة والعدلیة و تجدر الإشارة إلی أبرزهم محمد بن شجاع الخراساني، الشهیر بابن الثلجي و بشر بن غیاث المریسي. وقد اتخذ ابن الثلجي الذي کان قد درس تعالیم أبي حنیفة علی الحسن بن زیاد اللؤلؤي (الصیمري، 164)، بشأن خلق القرآن موقفاً ثالثاً في مواجهة أصحاب الحدیث والمعتزلة، حیث أعلن عن وجوب تجنب الخوض في خلق القرآن، وآثر التوقف بهذا الشأن (ظ: ابن الندیم، 259)، إلا أنه کان یشارک المعتزلة الرأي في مسائل مثل القدر (ن.ص؛ القاضي عبدالجبار، 344). کماکان بشر المریسي من تلامذة أبي یوسف، وکان متفقاً في الرأي مع المعتزلة في المسائل المتعلقة بالصفات والقدرو خلق القرآن (ظ: الصیمري، 162-163؛ الخطیب، 7/56 ومابعدها).

وفي العقود الوسطی من القرن 3هـ، توجد لدینا شواهد علی وجود مرجئة في خراسان أیضاً کانوا یعتبرون أسماء الله حقیقة غیر ذاته وأسماء مستعارة ومخلوقة، وینکرون التشبیه والتجسیم بقوة. وکانوا مثلهم مثل ابن الثلجي یؤثرون التوقف بشأن خلق القرآن. کما تشاهد في هذه المدرسة بعض الأسالیب الحنفیة القدیمة مثل محاربة التقلید و مثل الرؤیة النقدیة للأحادیث المرویة عن النبي (ص) إلی درجة أن بعض الصحابة مثل أبي هریرة عُرِّضوا للنقد. وکان هؤلاء المرجئة یعتبرون أباحنیفة إمامهم الفکري، واهتموا فضلاً عنه بتعالیم و روایات الحسن بن زیاد اللؤلؤي و حمادبن أبي حنیفة و أبي یوسف و أبي معاویة الضریر و بشر المریسي وبشکل خاص بابن الثلجي. ولدینا معلومات عن مضمون أحد مؤلفات هذه المدرسة رویت بشکل متناثر في طیات ردّ عثمان بن سعید الدارمي علی بشر المریسي (ظ: الدارمي، عثمان، 119، 126، 145، مخـ). کما دُعم في المعلومات التي أوردها القزویني الرازي في النقض (ص 304) أن الحنفیین کانوا في القرن 3هـ کثیرین في خراسان و ما وراء النهر، وکانوا یقولون طبقاً لمعتقدهم والفکري بوجوب معرفة الله عن طریق العقل و النظر و یرفضون النقل والتقلید بهذا الشأن.

وفي القرن 3هـ/9م کتب بعض علماء الإمامیة ردوداً علی المرجئة یحتمل أن تکون موجهة إلی أتباع هذه المدرسة، ویمکن أن نعد منها: الرد علی المرجئة للفضل بن شاذان النیسابوري، ومناظرة الشیعي والمرجئ لأبي یحیی الجرجاني (ظ: النجاشي، 307، 454؛ الطوسي، الفهرست، 34، 124). وإضافة إلی ذلک خصص القسم الأکبر من الحدیث في کتاب الإیضاح (ص 168)- المنسوب للفضل بن شاذان – للرد علی آراء المرجئة، وإن شواهد مثل الإشارة إلی روایات بشر المریسي في موضع الاحتجاج تؤید الظن بأن المقصود بالمرجئة في هذا النص هم الذین عناهم عثمان الدارمي بکلامه.

وفي القرنین 4 و 5 هـ/ 10 و 11م کانت الدعایة الواسعة لمدرسة أهل السنة والجماعة قد قللت من الازدهار الذي حظیت به المدرسة الحنفیة العدلیة، إلا أن مجامیع من الحنفیة العدلیة و غیر المعتزلة کانت لاتزال موجودة في مناطق مختلفة من خراسان و ماوراء النهر تعتقد بالفصل بین الإیمان والعمل (نظریةالإرجاء) و بعض الآراء المتفقة مع آراء المعتزلة (ظ: القزویني الرازي، 41، 344، 458-459، مخـ)، ویبدو أن نسبة القزویني الرازي القول بعدم رؤیة الله وبعض الاراء المتعلقة بالتوحید والعدل إلی أبي حنیفة، کانت مستقاة من تعالیم هذه المدرسة (ظ: ص 236، 486، 497). وکان أتباع المدرسة العدلیة الحنفیة ورغم قربهم الشدید من المعتزلة قد اتخذوا من نظریة الإرجاء أساساً لمعتقداتهم الفکریة. وقد أدی هذا الأمر إلی أن یعبر أبوبکر الخوارزمي – وطعناً منه بفکرهم – عن ذلک بالإرجاء الحنفي و الإرجاء الکوفي (ظ: ن.ص).

ویبدو أنه کان هناک في الري أیضاً انعکاس محدود للعقیدة العدلیة الحنفیة، حتی إنه في حوالي القرن 5هـ/ 11م کان یوجد فیها إلی جنب الأشاعرة والنجاریة فریق من الحنفیة الذین یتبعون أباحنیفة في الأصول والفروع. وکان مقرهم‌‌الدیني في مسجد طغرل بالري (ظ: القزویني الرازي، 551-552، مخـ).

 

2. المدرسة الحنفیة لأهل السنة والجماعة

خلال القرنین 2 و 3هـ/ 8 و 9م کانت بخراسان مدرسة في طور التبلور تعتبر فکرها العقائدي مستقی من آراء أبي حنیفة وتعدّ بعض تلامیذها العراقیین أمثال أبي یوسف و محمد ابن الحسن وزفر بن الهذیل والحسن بن زیاد اللؤلؤي طلائع لها. وهذه المدرسة التي تعبر عنها بـ «المدرسة الحنفیة لأهل السنة والجماعة»، وبغض النظر عن فکر الإرجاء وحصیلته العقائدیة، لم یکن لها خلاف یذکر مع أصحاب الحدیث في بقیة المسائل العقائدیة. وکان أهم مرکز لازدهار هذه المدرسة هو بلاد ماوراء النهر خاصة مدینتي سمرقند وبخاری، ویعود أوج عظمتها إلی العهد الساماني (261-389هـ/ 875-999م). وفي الحقیقة فإن معلوماتنا عن ماضي هذه المدرسة حتی أواسط القرن 3هـ/ 9م ضئیلة جداً. وقد وردت في فهرست کتاب السواد الأعظم للحکیم السمرقندي الذي عرض قائمة بأسماء کبار رجال هذه المدرسة وفي عداد تلامیذ أبي حنیفة فضلاً عن العراقیین، أسماء أبي عمرو الضریر النیسابوري وابن لامبارک المروزي عالم أصحاب الحدیث. ولم یشاهد فیها ذکر لحماد بن أبي حنیفة وأبي مطیع البلخي وأبي مقاتل السمرقندي (ص 145-147).

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: