الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / أبو حنیفة /

فهرس الموضوعات

أبو حنیفة

أبو حنیفة

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/26 ۲۱:۵۶:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

وفي الحقیقة ینبغي القول: إنه إذا کان بالإمکان التأکید علی رأي واحد أکثر من بقیة الآراء المنسوبة لأبي حینفة، فإن اعتقاده بعدم إمکانیة زیادة الإیمان و نقصانه هو الذي أدی بمعارضیه إلی أن یدعوه مرجئاً. وقد بُیِّن إرجاء إبي حنیفة المعتدل بشکل تفصیلي في رسالته إلی عثمان البتي، وکذلک في العالم و المتعلم، إذا أعلن المؤلف فیها ضمن اعتماده علی قیمة العمل، أنه لایلزم – حسب اعتقاده – دخول جمیع المؤمنین الجنة، وأن العصاة دون توبة سیعذبون أو یُغفر لهم بإرادة الله. وقد قُسم الناس في العالم و المتعلم من یث الدرجات الأخرویة إلی ثلاث فرق: أهل الجنة وأهل النار و الموحدون الذین ینبغي التوقف بشأنهم (ص 97). والتقسیم الثلاثي هذا و تصور منزلة بین أهل الجنة و النار من حیث تاریخ علم الکلام یمکن مقارنته مع تصور منزلة ثالثة في إطار «منزلة بین المنزلتین» في الفکر المعتزلي و «کفران النعمة» في الفکر الإباضي (للاطلاع علی تحلیل نظریة أبي حنیفة في الإرجاء، ظ: فان إس، «کلام»، I/192 ومابعدها).

 

2. الإمامة

إن إحدی أکثر القضایا المتعلقة بالإمامة حساسیة علی مدی تاریخ الفرق الإسلامیة هي قضیة أول خلیفة للنبي (ص) والموقف المتخذ من الخلفاء الأربعة. ففي النصف الأول من القرن 2هـ 8م کان الاعتقاد بتفضیل الشیخین (أبي بکر و عمر) أمراً سائداً بین القرق من غیر الشیعة و الخوارج، أما بشأن الختنین (علي (ع) و عثمان) فلمیکن هناک اختلاف في الرأي من حیث التفضیل فحسب، بل إن الفریق الذي کان یعرف باسم «المرجئة الأوائل»، کان یقول بالتوقف بشأن أصل إیمان هذین الاثنین کما یقول ابن سعد (6/214). ومن بنی الأفراد المعروفین في الفریق الأخیرة یمکن الإشارة إلی محارب بن دثار من شیوخ أبي حنیفة (ن.ص).

وفیما یتعلق بموقف أبي حنیفة من هذه المسألة تنبغي الإشارة أولاً إلی العبارة الموجزة الوازدة في «الفقه الأکبر (1)» (ص 6) القائلة: «نحن نکل أمر عثمان و علي إلی الله». وقد نقل ابن شهر آشوب عبارة«الفقه الأکبر» هذه في المثالب (الورقة 59ب) بالشکل التالي: «یُرجأ إلی الله حکم ماوقع بین علي وعثمان». و هذه إشارة إلی أن توقف أبي حنیفة فیما یتعلق بعلي (ع) وعثمان و خلافاً لتوقف محارب بن دثار والمرجئة الأوائل (ظ: ابن سعد، ن.ص)، لم یکن في أصل إیمان وولایة ذلکما الاثنین (قا: الناشئ الأکبر، 64). ولتعریز هذا الاستنتاج تجدر الأشارة إلی روایة لأبي یوسف نسب فیها نظریة «تفضیل الشیخین و حب الختنین» إلی أبي حنیفة (ظ: الخوارزمي، القاسم، 4/1545؛ ابن عبدالبر، 161؛ قا: «شرح الفقه الأکبر»، 30). کما یمکن اعتبار التوقف والتعامل بحسن ظن مع «المتخاصمَین» الذي طرح في کتاب العالم والمتعلم (ص 93-94) بوصفه أسلوباً عاماً، مدعماً لصحة نسبظ نظریة التوقف بشأن عمل الختنین – ولیس بشأن إیمانهما – إلی أبي حنیفة.

وعلی أیة حال، فإن أبا حنیفة اعتبر الإمام علیاً (ع) علی حقٍّ في جمیع حروبه وأعداءه بغاةً (ظ: المکي، 2/83-84)، رغم أن الباغي في رأي أبي حنیفة هو «فاسق علی وجه التدین» (الطوسي، الخلاف، 3/142، 144) وبعد وفاة الإمام علي (ع) أیضاً، کان یری الإمام الحسن (ع) خلیفة وإماماً بالحق (ظ: ن.م، 3/104).

وتجدر الإشارة بطبیعة الحال إلی أن تفضیل أحد الختنین علی الاخر قد نسب في بعض الروایات إلی أبي حنیفة أیضاً: یعتقد الصیمري وهو من حنفیة العراق المتقدمین، أن أبا حنیفة وتلمیذیه أبا یوسف والشیباني کانوا متفقین علیتفضیل علي (ع) علی عثمان (ص 132). وبإزاء هذه الروایات ورد في النصوص المنسوبة لأبي حنیفة في المدرسة الحنفیة لأهل السنة والجماعة‌، القول بتفضیل الخلفاء الأربعة حسب تسلسلهم في تولي الخلافة (ظ:«الوصیة»، 14؛ الفقه الأکبر (2)، 4).

ومن الأمور الأخری موضع الخلاف في الإمامة، قضیة شروط تعیین الإمام و اتّباعه. فاستناداً إلی المصادر الشیعیة فإن أبا حنیفة کان یعتقد أن کل رجل من قریش یدعو الناس إلی الکتاب و السنة و العمل بالعدل، تثبت إمامته و تجب علی الآخرین مرافقته في الخروج (ظ: الأشعري، سعد، 8؛ النوبختي، 10؛ المسعودي، 3/224). کما أورد الناشئ الأکبر (ص 62-63) وتحت عنوان مذاهب المرجئة في الإمامة أن المرجئة کلهم یقولون بإمامه الفاضل ویعتقدون أن المفضول إذا اختیر للإمامة وجب علی علماء الأمة أن یجاهدوا لاختیار الفاضل بعد نهي المنتخبین وعدم نفع نهیهم ذاک. ویؤید المضمون العام لهذه الأقوال ماقام به أبوحنیفة من تجنبه مبایعة السفاح و المنصور و امتناعه عن قبول المناصب، ومن دعمه لثورتي زید بن علي وإبراهیم بن عبدالله الحسني ضد الخلیفة الأموي هشام و الخلیفة العباسي المنصور. إن وجود عقیدة کهذه و تصرف کهذا أدیا إلی أن یتهمه أشخاص مثل الدوزاعي و وکیع وبقیة رجال ذلک العصر بالمیل إلی الخروج بالسیف و یهاجموه (ظ: البسوي، 2/788؛ العقیلي، 4/283؛ الخطیب، 13/384-386).

وجدیر بالذکر أن البعض دعوا أبا حنیفة – استناداً إلی تعاونه مع زید و إبراهیم الحسني – بالزیدي والزیدي البتري (ظ: الجاحة، «فضل هاشم...»، 106؛ الشهرستاني، 1/170)، إلا أنه لایمکن اعتبار تلک النسبة ذات مفهوم دقیق في مجال الفرق.

 

3. القَدَر

وفیما یخص قضیة القدر التي کانت تعد إحدی المسائل الخلافیة العقائدیة المهمة في النصف الأول من القرن 2هـ/ 8م، فقد أشیر في الروایات مراراً إلی أن أبا حنیفة لم یکن له موقف معارض لأصحاب الحدیث (مثلاً ظ: أبونعیم، 3/314؛ الخطیب، 13/331، 376-377). وهذه هي الحقیقة التي جعلت أصحاب الحدیث – رغم انتقاداتهم الکثیرة لأبي حنیفة في شتی القضایا العقائدیة – لایتهمونه إطلاقاً بالقدریة. ومن أجل القبول بکون القضاء والقدر الإلهي عاماً و امتالکه في نفس الوقت مسوِّغاً کلامیاً لتلک العقیدة – کما قیل آنفاً – فقد طرح أبوحنیفة النظریة القائلة: إن الاستطاعة مع الفعل، إلا أنها تصلح للضدّین. وهي النظریة التي وجدت لها بسرعة مکاناً مرموقاً في آثا أصحاب الحدیث وأهل السنة بشکل عام (مثلاً ظ: ابن قتیبة، تأویل...، 44).

والملفت للنظر أن هذه النظریة نسبها إلیه علماء مذاهب مختلفة مثل الصابوني المتکلم الماتریدي في البدایة (ص 110) و صاحب «شرح الفقه الأکبر» المنسوب للماتریدي (ص 11) و أبي القاسم البلخي المتکلم المعتزلي في «المقالات» (ص 105) والبغدادي من الشافعیة في الفرق بین الفرق (ص 220). واعتبر أبوالقاسم البلخي عرض هذه النظریة دلیلاً علی ذکاء دبي حنیفة (ن.ص)، ونبه البغدادي إلی أن أبا حنیفة کان له مؤلَّف في هذا الباب (ن.ص). ووصف صاحب «شرح الفقه الأکبر» (ص 12) هذه النظریة بأنها موقف معتدل بین القدریة والجبریة، وأشار في تفسیرها إلی أن أبا حنیفة کان یعتبر إیجاد القدرة في العبد، من فعل الله، واستخدام القدرة الموجَدة هو من فعل العبد.

طرح أبوحنیفة رأیاً وسطاً بین الجبریة و القدریة بعبارة «لاجبر ولاتفویض و لاتسلیط» خلال حدیثه مع یوسف بن خالد السمتي (ظ: المکي، 2/104)، کما انبری لإیضاح نظریة «لاجبر ولاتفویض» بشکل مفصل في الرسالة الثانیة إلی عثمان البتي أیضاً (ظ: فان إس، ن.م، I/205). وفي روایة نقلت عن أبي حنیفة جری الحدث عن «عدم حمل الظلم و الفساد و المعاصي علی الله» (الخوارزمي، القاسم، ن.ص). ورغم أن هذا الرأي یتفق ووجهة نظر المعتزلة في معاصي العباد، إلا أنه لایتنافی أیضاً مع نظریة «لاجبر ولاتفویض»، ویلاحظ الجمع بین الاثنین بوضوح في عقائد الإمامیة (ظ: «رسالة الإمام الهادي (ع)»، نسخة ابن شعبة، ص 460، نسخة الطبرسي، ص 451؛ أیضاً الکلیني، 1/159-160). وعلی أیة حال، فلدینا نماذج نهی فیها أبوحنیفة لاسائلین عن الغوص في مسألة القدر (ظ: المکي، ن.ص؛ الخطیب، 13/377).

 

4. القرآن

کان البحث في خلق القرآن من الأمور المثیرة للخلاف کثیراً علی عهد أبي حنیفة، ولم یکن أصحاب الحدیث ینسبون القول بخلق القرآن لأبي حنیفة فحسب،بل کانوا یسعون أحیاناً إلی اعتباره أول قائل بخلق القرآن (ظ: ابن حبان، 3/65؛ الأشعري، أبوالحسن، «الإبانة»، 38؛ الخطیب، 13/378-381). إلا أنه استناداً إلی روایات الحنفیة من أهل السنة و الجماعة والبعض من غیر الحنفیین، فإن أبا حنیفة دحض القول بخلق القرآن و عدَّ القائل به کافراً (ظ: الحکیم السمرقندي، 47؛ البیهقي، أبوبکر، الأسماء...، 322؛ الخطیب، 13/377-378؛ الملا علي، 9، 41؛ أیضاً الفقه الأکبر (2)، 2)، کما نُسبت لأبي حنیفة رسالظ بتکفیر القائلین بخلق القرآن (ظ: قسم الاثار المخطوطة في هذه المقالة، رقم 3).

ویوجد بنی الفقهاء الحنفیة بحث یدور حول نظم القرآن و معناه مما لایخلو من علاقة له بمسائل علم الکلام. وقد نشأ هذا البحث عن فتوی أبي حنیفة القائمة علی جواز قراءة القرآن في الصلاة باللغة الفارسیة (أو بغیر العربیة بصورة عامة) (ظ:السرخسي، المبسوط، 1/37؛ «المباني»، 170)، ذلک أنه أمر بقراءة القرآن في الصلاة، والقرآن الذي هو مجموع النظم (العبارة) والمعنی لایطلق علی الترجمة الفارسیة، ولهذا السبب فإن بعض الحنفیة استنتج من فتوی أبي حنیفة أنه طبقاً لرأیه فإن القرآن هو عبارة عن المعنی فحسب (ظ: السرخسي، ن.ص)، إلا أن هذا الاستنتاج قوبل بمعارضة فریق آخر من الحنفیة کالبزدوي الذي کان یعتقد أن القرآن حسب رأي أبي حنیفة هو مجموع النظم و المعنی، وأن فتواه في القراءة في الصلاة قائمة علی المبدأ الفقهي نفي العسر والحرج (ظ: البزدوي، 1/23 و مابعدها). بل إن هذا الفریق واستناداً إلی روایة غیرمشهورة واردة عن طریق نوح بن أبي مریم، ادعی أن أبا حنیفة کان قد عدل عن فتواه المذکورة (ظ: علاء‌الدین البخاري، 1/25). ومهما یکن، فقد نالت الفتوی المذکورة من الشهرة ماجعل البعض ینسب إلی أبي حنیفة أیضاً جواز قراءة القرآن بالمعنی وبکلمة أخری من اللغة العربیة (ظ: «المباني»، 230).

وجدید بالذکر أن المقداد السیوري من متکلمي وفقهاء الإمامیة (تـ 826هـ/1423م)،اعتبر ودون ذکر مصدر کلامه (1/119) أن آیة «إن هذا لفي الصحف الأولی صحف إبراهیم و موسی» (الأعلی / 87/18-19)، هي ما استند إلیه أبوحنیفة في جواز القراءة غیرالعربیة في الصلاة. وتذکرالعلاقة بین نظریة أبي حنیفة و بین هذه الایة برأي ابن کلاب متکلم القرن 3هـ/ 9م الذي کان یعتقد «أن کلام الله سبحانه إنما سمي عربیاً لأن الرسم الذي هو العبارة عنه – و هو قراءته – عربي، فسمي عربیاً لعلّة، وکذلک سمي عبرانیاً لعلة وهي أن الرسم الذي هو عبارة عنه عبراني» (ظ: الأشعري، أبوالحسن، مقالات، 584-585)، إلا أنه لایمکن القول علی وجه التحدید إلی أي مدی یمکن أن یکون ابن کلاب قد تأثر بأبي حنیفة، وإلی أي مدی تأثر مفسر و فتوی أبي حنیفة بابن کلاب (لمعرفة تأثیر ابن کلاب في النصوص الحنفیة للقرن 3هـ، ظ: المدرسة الحنفیة لأهل السنة والجماعة في هذه المقالة).

 

5. مایسع جهله

کان بحث «مایسع جهله» من المسائل القدیمة في تاریخ العقائد الإسلامیة، وحظي باهتمام في العصور المتأخرة خاصة في آثار الإباضیة. وکان أساس البحث هو أن التصدیق رکن من أرکان الإیمان، ویحدث التصدیق بعد أن یکون قد سبقه تصور تفصیلي، أو إجمالي. وکان محور بحث المفکرین یدور حول الحد الأدني للمعرفة والاطلاع الذي یجعل التصدیق ممکناً، والمصدّق مستحقاً لإطلاق اسم «المؤمن» علیه.

ویلاحظ في تعالیم أبي حنیفة تأکید کبیر علی ضرورة تلقي العلم: ورد في العالم و المتعلم (ص 32 و مابعدها) کلام عن ضرورة کسب الاطلاع علی العلوم‌‌الدینیة ووجود رؤیة في معرفة الفرق واعتبار أن العلم مع عمل قلیل أکثر فائدة من الجهل مع عبادة کثیرة. وفي «الفقه الأکبر (1)» (ص6-7) أیضاً، اعتبر الوعي بالمسائل العقائدیة أکثر قیمة من العلم بالفروع الفقهیة. وعلی هذا فإن أبا حنیفة اعتبر نطاق «مایسع جهله» واسعاً جداً، لیس بهدف إشاعة الجهل، بل لئلا یضطر – کبعض المفکرین المتطرفین – إلی التشکیک في إیمان العصاة وإسلامهم. ولاشک في أن بعض المسائل الدقیقة في العقائد الإسلامیة کانت مطروحة في تلک الفترة مما یعجز عن حلّه بعض طلاب العلم فضلاً عن عامة الناس. وقد نبّه أبوحنیفة في حدیثه مع یوسف بن خالد السمتي خلال رده لمسألة تکلیف الإنسان بما لایطاق، إلی أن الله لایسأل عباده عما لایعلمون، کما لایحب تعمقهم في مالایعلمون (ظ: المکي، ن.ص).

وإن المعلومات الأکثر تفصیلاً عن «مایسع جهله» من وجهة نظر أبي حنیفة مستقاة من روایات متفرقة ینبغي التعامل معها بحذر: ورد في مناظرة أبي حنیفة لأبي حفص عمر بن أبي عثمان الشمّزي أن أبا حنیفة یعتبر الإیمان هو الإقرار بما جاء به الرسول، ویعد الإقرار في الجملة ومن غیر تفسیر کافیاً (ظ: القاضي عبدالجبار، 253). واستناداً إلی أبي الحسن الأشعري في المقالات (ص 138-139) فإن الإیمان لدی أبي حنیفة هو «المعرفة بالله و الإقرار بالله، والمعرفة بالرسول، والإقرار بما جاءمن عندالله في الجملة دون التفسیر». وکان جواب أبي حنیفة الحقیقي أو الافتراضي عمن یعتقد بأن الکعبة حق ویشکّک في مکانها، أو من یعتبر نبوة محمد بن عبدالله (ص) حقاً ویشکک في مدفنه، هو أن شخصاً کهذا مؤمن. لکن جوابه هذا کان یثیر دهشة معارضیه (ظ: البسوي، 2/787-788؛ الأشعري، أبوالحسن، ن.ص؛ المفید، «المسائل...»، 293-294؛ الخطیب، 13/370-372).

وفي الحالات المذکورة آنفاً کان العلم الإجمالي بنبوة النبي (ص) وکون الکعبة حقاً قد اعتُبر من شروط تحقق الإیمان، وکان التشکیک یمس الأمور الثانویة، إلا أنه استناداً إلی «الفقه الأکبر (1)» فإن التشکیک حین یمس أصل الاعتقاد، یؤدي إلی الکفر. و کمثال من هذا الکتاب (ص 17) فإن من یشکک في أصل رسالتي موسی و عیسی (ع) ومن یقول: لا أعلم إن کان الله في السماء أم في الارض، محکوم علیه بالکفر (أیضاً ظ: الماتریدي، «عقیدة»، 45). وجدید بالذکر أن غسان الکوفي من زعماء المرجئة کان یری نفس الرأي في الروایات المنقولة عن أبي حنیفة في مسألة «مایسع جهله»، وکان یعتبر مذهبه مستقیً من أبي حنیفة (ظ: الأشعري، أبوالحسن، ن.م، 139؛ البغدادي، 123؛ الشهرستاني، 1/126-127).

وفضلاً عن عقائده العامة، کان أبوحنیفة یعتبر بعض المسائل العقائدیة الصعبة من ضمن «مایسع جهله» حتی لعلماء‌‌الدین، ویوصي بالسکوت و التوقف بشأنها. ففي العالم والمتعلم (ص 93-94) اعتُبر التوقف في حالات الجهل من خصال الملائکة، وکما رأینا في هذا لاقسم من المقالة، فإنه هو نفسه انتهج هذا الأسلوب في مسدلة اختلاف الصحابة و إلی حدّما في مسألة القدر.

 

6. صحابة النبي (ص)

وفیما یتعلق بأصحاب النبي (ص)، عدّ أبوحنیفة نفسَه في جوابه لعطاء بن أبي ریاح، في عداد الذین یجتنبون سبَّ السَّلَف (أبونعیم، ن.ص؛ الخطیب، 13/331).وقد ورد في قسم من «الفقه الأکبر (1)» أن أبا حنیفة في نفس الوقت الذي لم یکن یفرق فیه بین الصحابة في الولاء، لم یکن یتبرأ من أيٍّ منهم. وبطبیعة الحال فإن بقیة الکلام المتعلق بالختنین یبین أن هذا الولاء وتجنب البراءة لایعنیان بالضرورة اعتقاده بعد التهم جمیعاً (ص 5-6؛ أیضاً ظ: فان إس، ن.م، I/200). وبهذا الشأن یجدر ذکر کلام أبي جعفر الإسکافي المتکلم المعتزلي الذي أشار نقلاً عن أبي حنیفة إلی أنه لم یکن یعتبر بعض الصحابة مثل أبي هریرة وأنس بن مالک عدولاً (ظ: ابن أبي الحدید، 4/68). وفي بعض الآثار المتأخرة المنسوبة لأبي حنیفة فقد دُعي إلی تجنب أي انتقاص من أيٍّ من الصحابة (ظ: الفقه الأکبر (2)، 4).

 

7. خوارق العادات

تدل بعض الروایات المتناثرة علی أن أبا حنیفة کان یعتبر الاعتقاد بخوارق العادات مقتصراً علی حالاتها المتیقن منها ویتجنب التعمیم في ذلک، حیث یدعي مؤلف تبصرة العوام أن أبا حنیفة وفي مجال کرامات الأولیاء کان ینکر مثل تلک الکرامات (ص 122، 138)، إلا أن کرامات الأولیاء حظیت بالتأیید في مؤلفات المذهب الحنفي لأهل السنة والجماعة في القرن 3هـ. کما أُید في المصادر الفقهیة أن أبا حنیفة کان یعتبر السحر خرافة ولایری له حقیقة (ظ: ابن هبیرة، 2/399).

 

حصیلة الکلام

یبدو من خلال إلقاء نظرة تحلیلیة علی مجموع مابُحث بوصفه معتقدات أبي حنیفة کان یعتبر السحر خرافة ولایری له حقیقة (ظ: ابن هبیرة، 2/399).

حصیلة الکلام: یبدو من خلال إلقاء نظرة تحلیلیة علی مجموع مابُحث بوصفه معتقدات أبي حنیفة أنه کان یتجنب النزعات المتطرفة ویتوخ کل ما من شأنه منع الانقسامات الاجتماعیة – المذهبیة. فهو في نفس الوقت الذي یؤکد فیه علی قیمة العمل الصالح في الحیاة الخاصة بالأفراد و قیمة العدالة في الحیاة الاجتماعیة، یقترح – خلافاً للخوارج – طریقین متمیزین بهذا الشأن:

یری العمل في الحیاة الفردیة رغم کلماله من أهمیة منفصلاً عن حقیقة اسمها الإیمان، ویعتبر المسلم العاصي – دون أن یعده بالجنة – مؤمناً وأخاً في‌‌الدین لبقیة أفراد المجتمع، وبذلک یحلّ الولایة محل براءة الخوارج. ومع هذه الرؤیة یمکن القول إن نظریة الإرجاء لأبي حنیفة في ذلک العصر المضطرب الذي رافقه ضعف الخلافة في مرکزها و ظهور شتی حرکات المعارضة المسلحة بدوافع مختلفة دینیة و سیاسیة، ودون أن تجعل المسلمین علی المستوی الفردي یجرؤون علی العصیان، کان بإمکانها أن تجمعهم اجتماعیاً حول محوري «الأخوة في‌‌الدین» و «الولایة».

وعلی الصعید الاجتماعي، فقد طرح أبو حنیفة – بمساعدته ثورات العلویین – بشکل عملي هدفه في إقرار نظام ینشر العدل و معارضته للنظام الجائر. ویدل أسلوبه في معارضة خلافة المنصور علی أنه کان ثابتاً علی رؤیته المتوخیة للعدل هذه، ولم یکن انتقال الخلافة من الأمویین إلی العباسیین لحدث تغییراً في موقفه. وإن إصراره علی رفض منصب القضاء فيکلتا الحکومتین ووفاته في سجن المنصور یدعم هذا الرأي أیضاً.

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: