الصفحة الرئیسیة / المقالات / ایران /

فهرس الموضوعات

وخلال العقدين الأولين من القرن 14ش، استمر تيار تدوين القوانين والمسيرة التدريجية لإضفاء الطابع العرفي على القانون في إيران، وكان من خطواتها المهمة التصدیق على قانون التجارة في 1303ش وقانون العقوبات العامة كقانون تجريبـي في 1304ش وحلّ العدلية في شتاء 1305ش وتأسيس العدلية الجديدة في أرديبهشت 1306ش (ظ: م.ن، 236) والتصدیق على الجزء الأول من القانون المدني في 1307ش وقانون التنظیمات القضائية في السنة نفسها وقانون مديرية الطابو في 1310ش، الجزء الثاني والثالث من القانون المدني في سنة 1313-1314ش، إصلاحات قانون التجارة سنة 1304-1311ش. وفي الثلاثينات وبعدها، كانت القوانين المصدّقة تعنی في الغالب بالجزئيات وتمكن الإشارة من بين القوانين الشاملة القليلة، إلى التصدیق على لائحة القضاء الجزائي في 1335ش. 
وبشكل عام، يجب الالتفات فيما يتعلق بمصدر قوانين هذا العصر إلى أن المشرّعين كانوا يبحثون عن طريق للجمع بين مقتضيات الشريعة ومقتضيات القوانين العرفية. وفي هذا المجال، كان قانون مدني وخاصة كتابه الأول يعتمد قبل كل شيء على مصادر الفقه الإمامي مثل شرح اللمعة للشهيد الثاني والشرائع للمحقق الحلي والمكاسب للشيخ الأنصاري. وقد تم الاستناد إلى القوانين الفرنسية، والسويسرية والبلجيكية من جهة لتنظيم شكل من القوانين القائمة على الشرع وتحويلها إلى مواد قانونية، ومن جهة أخرى لتنظيم أقسام من قانون مدني مثل الأحوال الشخصية والجنسیة وقسم من قوانين لائحة القضاء وقانون التجارة الذي لم تكن لـه خلفية في المصادر الشرعية. جدیر بالذکر أن القوانين المتعلقة بالبلدان الإسلامية مثل الدولة العثمانية ومصر كانت ملحوظة أيضاً خلال تدوين هذه القوانين. 
وفي هذا المجال، كان القطبان، القطب ذوالنـزعة الشرعية، والقطب ذوالنـزعة التجديدية، يختلفان حول القوانين الجزائية قبل كل شيء، وكان قانون الجزاء العرفي الذي كان قابلاً للتنفيذ بشكل تجريبـي، قد ابتعد عن القوانين الشرعية، سواء في الأعمال التي كانت تعتبر عملاً إجرامياً أو في تعيين العقوبات؛ وقد كان وجود هذه الخصوصية قد أدى إلى أن يقال في المادة الأخيرة منه (المادة 348) إن «العقوبات المقررة في هذا القانون حول المقصرين تقتصر على ناحية السياسات العرفية والمحافظة على الانتظامات الملكية»، ولكن دار الحديث بعد ذلك عن صلاحية «المحكمة الجنائية المختصة» في تطبيق الحدود والتعزيرات الشرعية، دون أن تقدم في هذا المجال قوانين مدونة. 

القانون الإيراني في عهد الجمهورية الإسلامية

 بعد انتصار الثورة الإسلامـية (1357ش /  1978م) وقيام نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، تشكل مجلس الخبراء كمجلس مؤسس لبحث مسودة الدستور الجديد، وفي شهر آبان 1358ش /  1979م تم التصدیق على الدستور في المجلس المذكور وفي شهرآذر من السنة نفسها، تم التصدیق عليه بالاستفتاء العام. وقد كانت الخصوصية البارزة للدستور الجديد، إلغاء النظام الملكي في إيران واستبداله بالنظام الديني وولاية الفقيه (ظ: الأصل 5). من الخصوصيات الأخرى لهذا القانون، الاستناد إلى أهداف الثورة الإسلامية مثل تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية والاستقلال وإحياء المفاهيم الإسلامية الأصيلة مثل الأمة الإسلامية من جهة، والأهداف الإنسانية لرعاية الحقوق الإنسانية بشكل عام من جهة أخرى. وقد أعيد النظر في هذا القانون في 1368ش؛ حيث كانت التغييرات المهمة فيه تتركز في المجالات المتعلقة بشروط القيادة ومسؤولياتها ومكانة رئيس الجمهورية وعلاقته بالسلطات الثلاث ورئاسة السلطة القضائية وصلاحيات مجلس صیانة الدستور. 
وكنتيجة طبيعية للثورة الإسلامية وعلى أساس الأصل الرابع من الدستور، فقد بدأت عملية إعادة النظر في القوانين السابقة منذ بدء قيام الجمهورية الإسلامية، حيث كانت تلاحظ بشكل بارز في عملية إعادة النظر هذه، مسيرة انطباق القوانين مع الأحكام الشرعية، أو استخراج قوانين جديدة على أساس الأصول الفقهية. ومع كل ذلك، فإن جميع هذه القوانين لم تتعرض للتغيير بمستوى واحد بسبب الاختلاف اللافت للنظر بين القوانين السابقة من ناحية التطابق مع الأحكام الشرعية. وفي هذا المجال لم يتغير القانون المدني الذي بذلت فيما سبق دقة كبيرة لتوليفه مع الأحكام الشرعية، وكذلک لم تتغير قوانين لائحة القضاء والتسجيل، إلا في مواد محدودة، في حين طرأ تحول جذري على قوانين العقوبات.
وكان إعداد مجموعة قوانين «العقوبات الإسلامية» المؤلفة من «قانون الحدود والقصاص»، و«قانون الديات» و«القانون المتعلق بالعقوبات الإسلامية» المصدق عليه في 1361ش وقسم آخر بعنوان «قانون التعزيرات» المصدق عليه في 1362ش، من الخطوات المهمة لتدوين القوانين الجزائية الشاملة القائمة على الأحكام الشرعية. وفي هذا المجال بقي قانون التعزيرات على قوته، وحلت محل الأقسام الأخرى من العقوبات الإسلامية، لائحة قانونية شاملة بعنوان «قانون العقوبات الإسلامية» المصدَّق عليه في 1370ش. 
وقد هيأت إقامة علاقة وثيقة بين قانون جمهورية إيران الإسلامية والفقه الإسلامي (خاصة المذهب الإمامي)، بدورها خلال عقدين أرضية مناسبة لتوسيع المباحث الفقهية استناداً إلى الحاجات العملية ومع الأخذ بنظر الاعتبار الضرورات الاجتماعية والظروف الزمانية والمكانية، وخلقت بالإضافة إلى توسيع أرضيات البحث في المجالات الفقهية‌ ـ القانونية المختلفة جواً مناسباً لتوسيع المباحث الفلسفية والتاريخية والاجتماعية الأساسية، فيما يتعلق بالقانون والفقه. 


المصادر

   ابن آدم، يحيى، الخراج، تق‍ : أحمد محمد شاكر، القاهرة، 1347ه‍ / 1928م؛ ابن اسفنديار، محمد، تاريخ طبرستان، تق‍ : عباس إقبال آشتياني، طهران، 1320ش؛ ابن حوقل، محمد، صورة الأرض، تق‍ : كرامرز، ليدن، 1938-1939م؛ ابـن الطقطقـى، محمـد، الفخـري، تق‍ : ه‍ . درنبـورغ، باريـس، 1894م؛ ابن المقفع، عبد الله، «رسالة فـي الصحابـة»، آثـار ابـن المقفع، بيـروت، 1409ه‍ / 1989م؛ ابـن النديـم، الفهرسـت؛ أبو الحسن العامري، محمد، السعادة والإسعاد، تق‍ ‍‍: مجتبى مينوي، فيسبادن، 1336ش؛ أبو داوود السجستاني، مسائل أحمد، تق‍ : محمد رشيد رضا، بيروت، دار المعرفه؛ أبو علي مسكويه، أحمد، تجارب الأمم، تق‍ : أبو القاسم إمامي، طهران، 1366ش؛ أبو يوسف، يعقوب، الخراج، بيروت، 1399ه‍ / 1979م؛ أنوري، حسن، إصطلاحات ديواني دورة غزنوي وسلجوقي، طهران، 1373ش؛ أفستا؛ بادكوبة هزاوه، أحمد، حسبة در سرزمينهاي شرقي إسلامي أز آغاز تا سقوط بغداد، رسالة دكتوراه من جامعة طهران، 1379ش؛ البلاذري، أحمد، فتوح البلدان، تق‍ : رضوان محمد رضوان، بيروت، 1398ه‍ / 1978م؛ تفضلي، أحمد، تاريخ أدبيات إيران پيش أز إسـلام، طهران، 1376ش؛ الثعالبي المرغني، الحسين، غـرر أخبار  ملوك الفـرس، تق‍ : زوتنبرغ، باريس، 1900م؛ جعفريان، رسول، دين ودولت در دوره صفوي، قم، 1370ش؛ جعفري لنگرودي، محمد جعفر، تاريخ حقوق در إيران، طهران، كانون معرفت؛ الجهشياري، محمد، الوزراء والكتّاب، القاهرة، 1357ه‍ /  1938م؛ حصوري، علي، آخرين شاه، طهران، 1371ش؛ الخوارزمي، محمد، مفاتيح العلوم، تق‍ : فان فلوتن، ليدن، 1895م؛ الخوانساري، محمد باقر، روضات الجنات، قم، 1382ه‍ ؛ الذهبي، محمد، ميزان الاعتدال، تق‍ : علي محمد البجاوي، القاهرة، 1382ه‍ / 1963م؛ راوندي، مرتضى، سير قانون ودادگستري در إيران، طهران /  بابل، 1368ش؛ رشيد الدين فضل الله، جامع التواريخ، تق‍ : محمد روشن ومصطفى موسوي، طهران، 1373ش؛ رشيد الوطواط، محمد، نامه‌ها، تق‍ : قاسم تويسركاني، طهران، 1338ش؛ سنجابي، كريم، حقوق إداري إيران، طهران، مهرآيين؛ الشريف المرتضى، علي، «الحدود والحقائق»، رسائل الشريف المرتضى، تق‍ : أحمد الحسيني، قم، 1405ه‍ ، ج 2؛ شايست ناشايست، تج‍ : كتايـون مزداپـور، طهران، 1369ش؛ شريك أميـن، شميس، فرهنگ إصطلاحات ديواني دوران مغول، طهران، 1357ش؛ صالح، علي باشا، مباحثي از تاريخ حقوق، طهران، 1348ش؛ عبيد زاكاني، كليات، تق‍ : عباس إقبال آشتياني، طهران، زوار؛ فردوسي، شاهنامة، تق‍ : جول مل، طهران، 1374ش؛ فضل الله بن روزبهان، سلوك الملوك، تق‍ : محمـد علي موحد، طهران، 1362ش؛ القمـي، الحسن بن محمد، تاريخ قم، تج‍ : الحسن بن علي القمي، تق‍ : جلال الدين طهراني، طهران، 1361ش؛ «كتاب إستر»، مع العهد العتيق؛ كديور، جميله، تحول گفتمـان سیاسي شيعـه در إيـران، طهران، 1379ش؛ الكرابيسي، أسعـد، الفـروق، تق‍ : محمد طموم، الكويت، 1402ه‍ / 1982م؛ الماوردي، علي، الأحكام السلطانية، القاهرة، 1393ه‍ / 1973م؛ المدرسي الطباطبائي، حسين، زمين در فقه إسلامي، طهران، 1362ش؛ مصنفك الجرجاني، علي، الحدود والأحكام الفقهية، تق‍ : عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، بيروت، 1411ه‍ / 1991م؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسيم، بيـروت، 1408ه‍ / 1987م؛ ميرزا رفيعا، تذكرة الملوك (دستور الملـوك) (ظ: مينورسكي)؛ النخجواني، محمد بن هندوشاه، دستور الكاتب، تق‍ : عبد الكريم علي زاده، موسكو، 1976م؛ نظام الملك، حسن، سياست ‌نامه، تق‍ : عباس إقبال آشتياني، طهران، 1372ش؛ نووي، يحيى، تهذيب الأسماء واللغات، القاهرة، 1927م؛ نهاية الأرب في أخبار الفرس والعرب، المنسوب للأصمعي، تق‍ : محمد تقي دانش‌پژوه، طهران، 1374ش؛ هدايت، شهرام، واژه‌هاي إيراني نوشته‌هاي باستاني (عبري، آرامي، كلداني)، طهران، 1356ش؛ يشتها، تج‍ : پور داود، بومباي، 1928م؛ اليعقوبي، أحمد، تاريخ، بيروت، 1397ه‍ / 1960م؛ وأيضاً:  

Aristotle, Nicomachean Ethics, tr. W. D. Ross, e-Text, World Library, 1991; Bartholomae, Ch., Über ein sasanidisches Rechtsbuch, Heidelberg, 1910; Boyce, M., The Letter of Tansar, Rome, 1968; Busse, H., Untersuchungen zum islamischen Kanzleiwesen, an Hand Turkmenischer und Safawidischer Urkunden, Kairo, 1959; Christensen, A., L’lran sous les Sassanides, Copenhagen, 1944; Denkard, Books 3-4, tr. R. E. Kohyar, The Sacred Books of the East, 1876-1900, tr. E. W. West, ibid, 1897; Dumézil, G., Mitra-Varuna, Paris, 1948; EI2;  Gesenius, W., A Hebrew and English Lexicon,  Boston,  1906; Herodotus,  The History, tr. G. Rawlinson, e-Text, World Library, 1991; Iranica ; Josephus, F., Against Apion, tr. H. St. J. Thackeray, Loeb Classical Library, 1926; Kent, R. G., Old Persian, New Haven, 1953; Korošec, V., »Keilschriftrecht«, Handbuch der Orientalistik, ed. B. Spuler, Orientalisches Recht, Leiden / Köln, 1964; Lambton, A. K. S., Landlord and Peasant in Persian, Oxford, 1954; Minorsky, V., Tadhkirat  al-Muluk,  A  Manual of  Safavid  Administration,  London,  1943;  Nasr,T., Essai sur l’histoire du droit Persan des l’origine à l’invasion arabe, Paris, 1933; Nawabi, M., A Bibliography of Iran, Tehran, 1987; Olmstead, A. T., History of the Persian Empire, Chicago, 1948; Plato, Laws, tr. B. Jowett, e-Text, World Library, 1991; id, The Seventh Letter, tr. J. Harward, ibid; Plutarch, Artaxerxes, tr. J. Dryden, ibid; Shaki, M., »The Concept of Obligated Successorship in the Madiyan i Hazar Dadistan«, Monumentum H. S. Nyberg, Acta lranica 5, 1975; West, E. W., Grundriss der iranischen Philologie, Strassburg, 1895-, vol. II; Widengren, L., Die Religionen Irans, Stuttgart, 1965; Xenophon, The Economist, tr. H.G. Dakyns, e-Text, The Project Gutenberg, 1998. 

أحمد پاكتچي / د.


XI. الفن 


قبل الإسلام

عصر المیدیین والأخمینیین

 فن المیدیین:  لم تکن فترة حکم المیدیین طویلة وممتدة وقد تمازجت حضارتهم وثقافتهم مع نظیرتها الأخمینیة، مانتج عن ذلک هو أن علماء الآثار قد وجدوا عدداً متواضعاً وبسیطاً من الأعمال الفنیة التي نسبت إلی المیدیین في جیحون وزیویه وحسب النقوش المنحوتة علی جدران تخت جمشید، یقف المیدیون ضمن من أتوا بالهدایا إلی الحکام الأخمینیین، فإننا نلحظهم حاملین أدوات معدنیة یدویـة الصنـع والتحف وزخارف مـن ذهب، ما یبرهـن علـی بداعتهم في صناعة المعدن والتحف ویری علماء الآثار بعض التقارب ووجوه المشابهة بین الأعمال الفنیة التي ترکها المیدیون وما عثروا علیـه في لورستـان وحسنلو وکلاردشـت، شمالي إیران (غیرشمن، هنر إیـران ... ماد ... ، 27، 42، 91؛ ظ: هيل، 23؛ فرير، 187؛ فاندنبرغ، 32).
الفن الأخميني: لقد امتازت الإمبراطوریة الأخمینیة عن نظیراتها في العالم القدیم في الکثیر من الخصوصیات، سیاسیاً اجتماعیاً وفنیاً وثقافیاً وهذا مانراه في الأبعاد الفنیة أیضاً. 
خلافاً للحضارة اليونانية التي لم تتجاوز أبداً دول المدن من ناحية الترکیبة والهیکلة السياسية، فقد أوجدت الحضارة الأخمینیة مملکة عظمی تتألف من مختلف الشعوب والأعراق وشكلت إمبراطورية مترامیة الأطراف لم نجد مثیلاً لها لا في العصر القدیم ولا في العهد الحدیث، من حیث التماسک والعلاقات الإنسانية القائمة فیها. وقد انعکست هذه الخصوصیة بوضوح تام في الفن الأخمیني (غیرشمن، ن.م، 12). وثمة باحثون یعتبرون الفن الأخميني مزيجاً من فنون شعوب مختلفة كانت قد شكلت الدولة الأخمينية العالمية. ولاشک أن هذا الفن كان قد ضم أبعاداً من فنون البلدان الخاضعة للدولة الأخمینیة مثل أورارتو وبابل وآشور وميديا، بل وحتى البلدان البعيدة مثل مصر وغيرها، إلا أن هذا الفن قد مزج تلک الأبعاد بالروح الرقیقة والفن القومي الإیراني وخلق ظاهرة في غایة الروعة، بحيث أصبحت تليق بـإمبراطورية عظمی امتدت من شمال أفريقيا وحتى سيبريا ومن الدانوب حتى السند. وكانت الخصوصية الرئیسیة لهذا الفن تتمثل في الحفاظ علی حرية عمل وإبداع الفنانين في البلدان الخاضعة للدولة الأخمینیة. أما المیزة الأخرى للفن الأخميني، فقد تمثلت في أن هذا الفن وخلافاً لفنون العدید من الشعوب الأخرى بما فیها الإغریق ومصر، لم یکن فن الآلهة أو دنیا الأموات بل کان یمثل فن الشعوب الحیة التي كانت تتجسّد فیها الإمبراطورية الأخمينية وقد كانت تلک المیزات جسراً یربط فنون شرق العالم المتحضــر بغربه (ن.م، 372). 

 

                                            

                                                                                          قدح مارلیک الذهبي 


وتمتاز العمارة في هذا العصر بتشييد الأبنية على المنصات الحجرية. ويمكن تتبع هذه الخصوصية ورصدها إنطلاقاً من تخت سليمان ووصولاً إلی تخت جمشيد. وفي پاسارگاد التي تعتبر أول عاصمة للأخمینیین وقد شُیّدت في عهد كوروش الكبير، نجد مقبرة كوروش نفسه بالإضافة إلى عدد من القاعات المعمّدة وعدد من القصور بین کبیر وصغیر وما تبقی من الأبنية الدينية مثل دور العبادة الزرادشتیة. كانت هذه المجموعة المشیدّة من الحجر المنحوت ومزخرفة بالنقوش الحجرية والتماثيل المختلفة، یحیط بها سور حجري تتخلّله بوابات كبيرة وصغيرة. فضلاً عن ذلك، هناک آثار تدل علی وجود نافورات وأحواض في المسافات التي تفصلها عن البعض (روف، 27). ورغم أنه لم يتبق اليوم من هذه المجموعة، سوى مقبرة كوروش على منصة من 6 طوابق وعلى شكل غرفة منفردة ذات غطاء يشبه السنام، حيث بنيت كلها بصفائح حجرية كبيرة تشبه الرخام، إلا أن هذا البناء الذي يبلغ إجمالي ارتفاعه 11 متراً، یشکل انطلاقة رائعة للعمارة الأخمينية (ظ: پيرنيا، شيوه‌ها ... ،52؛ فانـدنبـرغ، 21-22؛ غيرشمن، ن.م، 130-135). 
 
 وفي عصر المملكة الأخمينية، التي کانت لاتزال تتوسع نقل داريوش العاصمة إلى شوش، بادئاً بتشیید قصور وصروح جديدة في المدينة القديمة واستناداً إلى النقوش الحجرية المتبقية، فقد شيد صرح آپادانا الشهیر فنانون كانوا قد قدموا من أرجاء الإمبراطورية ــ من أيـونيـا ومصر وحتـى السنـد وبابل ــ بمواد من خشب أشجار السدر في لبنان، وعاج الحبشة، وفيروزج وعقيق الخوارزم والسند على يد البنائين والمعماريين الميديين والأيونيين والسارديين. وتظهر هذه النقوش الحجرية قدرة الإيرانيين على توظيف الفن والأدوات والمواد من جميع البلدان التابعة للإمبراطورية الأخمينية (ن.م، 139-140؛ پوپ «معماري ... »، 27)؛ 

 


قاشانی ذوبریق معدني، حارس پارسي، شوش  


في حين أن ماتبقی من آپادانا في شوش یدل بحد ذاته على فن معماري جديد لامثیل له علی الاطلاق في الفن المعماري لأي من الشعوب التابعة لداریوش الكبير، فالبناء بدیع وأنیق وحدیث في نفس الوقت، بروح وشكل وتركيبة إيرانية، وقد كانت سقوف القاعات المعمدة لهذا القصر تقوم على صف من الأعمدة المخددة المرتفعة وعلى قواعد من الحجر المنحوت وتيجان على شكل تماثيل الثيران، حيث كان يبلغ ارتفاعها من الأرضية حتى سقف القاعة 20 متراً. لم نجد مثل هذا التسامي والبراعة في فن العمارة قبل ذلك التاریخ في فن أي من الشعوب. ویعد القاشاني المطلي بالمینا والمزجج الذي كانت تزدان به جدران القصر، من أجمل الزخارف التي استعان بها المعماریون في زخرفة الأبنية الشهيرة في العالم القديم. بعد آپادانا قد تم تشیید قصور أخرى في شوش کانت تضاهیه في فخامة البناء وجمال الزخارف كما تظهر مجموعة تخت جمشيد الكبيرة والتي أقيمت على منصة شاسعة ومترامیة الأطراف بالقرب من شيراز (فاندنبرغ، 31-32) فخامة الفن المعماري الأخميني. وتتألف هـذه المجموعـة ــ التي استمر العمل فيها حتى نهاية العصر الأخميني ــ من أكثر من 18 بناء معروفاً بین کبیر وصغیر. وقد تم بناء سلم ثنائي الجهة بدرجات قصيرة ودقيقة نحتت بطریقة کانت تمکّن الملوك الأخمينيين من الصعود منها بسهولة وهم على جيادهم، وهناك أبنية كبيرة اصطفت جنباً إلی جنب مثل «كاخ 100 ستون» (قصر المائة عمود)، «كاخ 100 دروازه» (قصر البوابات المائة)، أو قاعة العرش، قصر خشارياشا، قاعة الأعمدة التسعة والتسعين إلى جانب قصور صغری مثل آپادانا بتصمیم رائع وبدیع (غيرشمن، ن.م، الصورة 201، الخريطة 256). 

تخت جمشید، السلم الرئیسی


وکانت سقوف هذه المباني تقوم علی أعمدة مخدّدة ومرتفعة، لم تکن أعلی الأعمدة في العمارة الیونانیة تبلغها طولاً وارتفاعاً، حیث کانت منحوتة بدقة وتماثل صورة المزهریات، بتیجان مفعمة بالزخارف، منتهیة بتماثیل الأسود والثیران والصقور أو بتماثیل إنسانیة مزدوجة في بعض الأحیان وتشمل النقوش الحجرية القسم الأكبر من زخارف البناء في عمارة تخت جمشيد، إذ تزدان بها جدران أدراج آپادانا، وبوابة خشاريارشا، وبوابة جميع الشعوب والجدران والمداخل في الكثير من الأبنية المتبقية من تخت جمشيد. وهذه النقوش الحجرية إلی جانب زخارفها وطابعها الزمري، فإنها تشیر إلی إقامة إحتفالات نوروز هناک. وتظهر النقوش المنحوته على جداران سلم قصر آپادانا، ممثلین عن ثلاثة وعشرین بلداً تابعاً للإمبراطورية الأخمينية، حاملین التحف والهدایا من بلدانهم (ظ: پيرنيا، ن.م، 62؛ غيرشمن، ن.م، 155، 160-162). 
 
تحتل فنون الزخرفة مكانة ممیزة في نطاق الفن الأخميني. وقد كانت المساحة الشاسعة للبلدان الخاضعة للحکم الأخمیني والتجارة العالمية التي كانت قد ازدهرت إلى حد كبير في ظل اقتدارهم، ولاسیما رواج العملات الأخمينية ذهبیةً وفضیةً، كل ذلك كان يسهل الصفقات التجاریة وعملیة بيع وشراء البضائع المصنوعة من المعادن الثمينة والتي كان تتبادلها أقصى مناطق شرق الإمبراطورية وغربها (غودار، 137-138) وکان هذا یفتح الطریق أمام التأثير المتبادل بين فنون الشعوب التابعة للإمبراطوریة. وقد كان الفن الأخمیني ینزع إلى الطبيعة وأحياناً یتبناها بشکل تام بدءاً من نحت التماثيل ووصولاً إلی صياغة الذهب. 
كما واصلت العمارة في هذا العهد نحت النقوش الناتئة من الأشياء ونری هذا العهد التاریخي العدید من الأواني الفضية والذهبية وخاصة الكؤوس والأقداح التي تحمل أشکالاً علی صورة تماثيل أسود وثيران ووعول وغيرها. وقد أبدع الصاغة البارعون في العصر الأخميني وتفننّوا في مختلف أنماط الزخرفة لأي نوع من الاستخدامات، انطلاقاً من مشابك الرأس وزخارف الملابس ووصولاً إلی الأغمدة ذات النقوش للسيوف والخناجر (ظ: روف، 44 ؛ غيرشمن، ن.م، 263-266). 

 

الصفحة 1 من62

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: