الصفحة الرئیسیة / المقالات / ایران /

فهرس الموضوعات

إن الاعتقاد بـ «الخلاص» وظهور «المنقذ» و«بُختار» وإمكانية الخلاص من عناصر الظلام وأهریمن والأمل في بلوغ الحیاة الخالدة في موطن النور، هو من الخصوصيات المهمة والرئيسة للأديان القديمة في إيران ويمكن اعتبار هذا الفكر التفاؤلي المفعم بالأمل المستتر في المعتقدات المتعلقة بالمصیر الإنساني من مظاهر الاعتقاد بالتوحيد.
وفي بعض الديانات الإيرانية القديمة، يتولى إیزد مهر ( إله مهر) أيضاً دوراً مهماً في معرفة المصیر النهائي وقد جاء في كتاب «تنبوءات گشتاسب» الذي كان قد انتشر في القرون التي سبقت المسيحية باللغة اليونانية، حول ولادة مهر کالتالي: سوف يرسل الرّب «الملك الأعظم» من الجنة من أجل المحافظة على الصالحين بين الطالحين، حيث سيقضي على قوى الشر بالنار والسيف. وقد قیل إنّ هذا الملك الأعظم هو «مهر» نفسه. وفي بعض النصوص المسيحية المستوحاة هذه المعتقدات الدینیة الإیرانیة وردت قصة ولادة «المنقذ» الإعجازية كالتالي: يظهر نجمه على هیئة صبي صغير في السماء ويهبط في عمود من النور داخل غار ويولد هناك وسط صخرة على شكل طفل صغير. ويجلس «مغان» [رجال الدین الزرادشتي] لسنوات طويلة، منتظرين ولادة المنقذ، في «جبل النصر». وهم یُهدون الـى هـذا البُختـار ]المنقذ[ الحديـث الولادة، التيجـان الـذهبيـة ( بريتانيكا، IX / 871-872)، والمقصود من جبل النصر في الرسالات المسيحية جبل الخواجه الواقع في بحيرة هامون وقد جرت العادة بين مغان ]رجال الدین الزرادشتي[ أن یتسلقوا كل سنة في موسم معين ذلك الجبل بناء على عقيدة دينية قديمة، لينتظروا مشاهدة علامات الظهور (هرتسفلد، 61ff.).   

بقاء الروح:

 يعتبر الاعتقاد ببقاء الروح بعد الموت، أحد الأركان العقائدیة المهمة في الديانات الإيرانية القديمة. فروح الإنسان تبقى بعد الموت، وتنال الجزاء في العالم الأخروي حسب الذنوب، أو الحسنات التي اکتسبتها في الدنيا. وبعد الموت، تبقى روح الإنسان في العالم الفاني إلى جانب جسدها الهامد لثلاثة أيام بلياليها. وفي ختام الليلة الثالثة، تغادر الدنيا فجراً، وتتوجه إلى العالم الآخر. وفي هذه اللحظة يهب نسيم منعش روح الإنسان الصالح ويظهر له «دينه» على شكل فتاة جميلة، وتصاحبه في هذه الرحلة الروحانية. في حين أن «دين» المذنبين يواجههم على شكل إمرأة عجوز عبوس في جو متعفن ومؤذٍ («هادخت نسك»، فرگردان رقم 3،2).
ويتوجب على أرواح الموتى من أجل دخول نطاق ذلك العالم أن تجتاز جسراً يدعى «چينود» يميز بين الأخيار والأشرار. ويتحول جسر چينود الذي يجتازه المحسنون بسهولة ليدخلوا الجنة، إلى مايشبه حد السيف الدقیق القاطع بالنسبة إلى المذنبين، ويتهاوى من فوقه المجرمون إلى قعر جهنم. وقد نقلت في النصوص الهندية أيضاً كيفية هذا الجسر وخصوصياته، وفي الحقيقة فإن الاعتقاد بهذا الجسر، هو جزء من التراث الديني المشترك بين الهند وإيران ( بريتانيكا،IX / 871). والاعتقاد ببقاء الروح هو من الخصائص العقائدیة والأخلاقية المزديسنائية المهمة؛ ذلك لأن شرط مثل هذا الاعتقاد هو الإيمان بالقيامة ويوم الحساب والجزاء وتنفيذ العدالة في العالم الآخر، ويستلزم عدم الغفلة عن المجازاة والتأمل في العمل.
«زور» و«ميَزْد»: يحتل تقديم الخيرات والنذورات مكانة خاصة في معتقدات الإيرانيين القديمة. فقد كانوا يعدون موائد للآلهة وكذلك لإدخال البهجة على أرواح موتاهم خلال شعائر وطقوس خاصة في الاحتفالات ومراسم الدعاء، ويقدمون فديات من الشراب تدعى «زور» ومأكولات تسمى «ميزد» يشكل الماء واللبن والخبز مكوناتها الرئيسة.
وقد كان من بين الطقوس المهمة للإيرانيين القدامى عند تقديم الزور، نثر الجرعة على الماء وعلى النار وكان يصطلح على هذا العمل باسم «آب‌ ـ زور» و«آتش ـ زور». وكانوا یصنعون آب ـ زور من خلال مزج 3 عناصر حيوانية ونباتية منها اللبن وعصارة أوراق النباتات ثم يضيفون إلى آتش‌ ـ زور مواد معطرة مثل المسك، والعود، والكافور، والصندل وكذلك الدهن الحيواني (ظ: بويس، 100-118). ولتقليد نثر الجرعة على الماء والنار خلفیة هند وإيرانية أيضاً (ER,VII / 277).

امشاسپندان وإیزدان:

 استناداً إلى المعتقدات المزديسنائية، فإن هناك موجودات مقدسة تعين أهوارامزدا في أمر الخلق والمحافظة على مواشيه وعطاياه، حيث تسمى هذه الكائنات إمشاسپندان أي الكائنات الخالدة المقدسة. وهي في حكم الملائكة الزرادشتية العلوية وعبارة عن وُهومَنه (بهمن)، اشه وهيشته (أردبيهشت)، خشثره وَيرْيه (شهريور)، سْپَنْته آرمَيْتي (سپندارمذ)، هَوْرْوتاته (خرداد)، أمرتاته (مرداد). وهذه المخلدات الست المقدسة مع سپند مينو هي الأنوار الأولى التي سطعت من وجود أهورامزدا وكل واحد منها تجسم لصفاته ولكل منها دور في خلق العالم، وموكل على استمرار قسم من الكائنات: فبهمن موکَّل على الحيوانات، وأرديبهشت على النار، وشهريور على المعادن، وسپندارمذ على الأرض، وخرداد على الماء، ومرداد على النباتات. وأما سپند مينو الذي يمثل قدرة أهورا على الخلق، فموكل على الإنسان. وفي الحقيقة فإن زرادشت يفسر صفات أهورامزدا من خلال تبیین أسماء هذه الملائكة العلوية وواجباتها.
وفي مقابل إمشاسپندان، خلق الشيطان مجموعة «كماريكان» التي تجسد شره وصفاته التي تجلب الفساد وعوامل انتشار الشر والأذى الشيطاني في نطاق الخلق الأهورائي. ويشكل الشياطين الستة الأهريمنية الرئيسة مع أنگره مينو (أهريمن) مجموعة «كماريكان»، حیث يقف كل منها في مقابل امشاسپندان واحد (دومزيل، «نظرية»، 45، «ميلاد ... »، 146-162). 
وفضلاً عن إمشاسپندان فإن هناک كائنات أخرى مقدسة تستحق الثناء في دیانة مزدیسنا تسمى «إيزدان» [الآلهة] يجسد كل منها صفة، أوعدة صفات بارزة لأهورا وتؤدي واجبها تحت أمره وإرادته. وبالإضافة إلى الواجبات الملقاة على عاتق إيزدان، فإنها موكلة أيضاً على أحد أيام الشهر. ولذلك، فإن كلاً من أيام الشهر يسمى باسم أحد هذه الآلهة، وذلك في تقويم مزديسنا فضلاً عن الشهور المسماة بأسماء الآلهة. وعلى سبيل المثال فإن بهمن هو اليوم الثاني وشهريور هو اليوم الرابع وخرداد هو اليوم السادس وخورشيد هو اليوم الحادي عشر وماه هو اليوم الثاني عشر ومهر هو اليوم السادس عشر و ... 

احترام النار:

 تعد النار المقدسة أهم عنصر في طقوس وشعائر مذاهب مزديسنا. فالنار هي رمز محسوس وغامض للألوهية غير المرئية، وتسمى في النصوص الإيرانية باسم آذر وآتور أيضاً، ومعادلها الهندي أگني.
وآذر في دين مزديسنا من أكبر العطایا الأهورائیة والواسطة بين المخلوقات والرب وهي توصل أدعية البشر إلى الحضرة الإلهية (يسنا 36، البند 1؛ فروردين يشت، البنود 77-87). واحترام النار جزء من التراث الديني الهندوإيراني المشترك. وحسب المعتقدات الودائية فإن أگني هو ابن المياه ويوصل كسلسلة غير مرئية العوالم الثلاثة ببعضها (السماء، الفضاء والأرض). وهو في السماء كالشمس الساطعة؛ وفي الفضاء الأوسط يلتهب كالرعد ويظهر في الأرض من احتكاك خشبتين ببعضهما (أولدنبرغ، 117  ff.). وتتضح أهمية النار، خاصة في مراسيم إبقائها مشتعلة دوماً. ويشير سترابون خلال ذكره لطقوس الفرس والميديين الدينية إلى وجود معابد النار قائلاً: یحرس مغان ]رجال الدین الزارادشتي[ ناراً لا تنطفئ أبداً ویتلون الأدعية في النهار أمام النار في بيت النار (الكتاب XV ، الفصل 3، البند 13؛ أيضاً ظ: مولتون، 407-410). ولذلك يسمى رجال الدين الزرادشتيون «آتوربان» (حرّاس النار) أيضاً.

وتلاحظ بكثرة، آثار تدل على قيمة النار ومكانتها في المعتقدات الإيرانية القديمة في الكتابات المتبقية من ذلك العصر. فنحن نرى في أقدم آثار النحت التي تعود على مايبدو إلى عصر الميديين، وتعرف باسم «دكان داود»، نقوشاً تمثل شخصاً إيرانياً أمام النار. كما يلاحظ الملوك الأخمينيون والساسانيون في النقوش وهم أمام النار في حالة مناجاة لها، بل إن شكل المجمرة منقوش حتى على المسكوكات المتبقية من عصر الساسانيين، باعتبارها شعاراً قومياً. وقد كان النفخ على النار وتلويثها يعدان ذنباً، ولذلك، كان حرّاس النار يغطون رؤوسهم وأسفل وجوههم بغطاء يدعى «پنام» عند وقوفهم أمام النار.
وقد اعتبر آذر (النار) في أفستا ابن أهورامزدا، وذكرت 5 أقسام من النار. وقد جاءت هذه النيران الخمس في «تفسير پهلوي» كالتالي: نار بهرام، نار أجساد الناس والمواشي، نار النباتات، نار الغيوم، أو نار البرق ونار العرش المشتعلة في الملكوت الأعلى أمام أهورامزدا (يسنا 17، البند 11؛ حول أنواع النار، ظ: بيلي، 46 ؛ كريستن سن، 140- 141).
وقد كانت توجد في العصر القديم 3 بيوت رئيسة للنار تدعى آذرفرنبغ، آذر گشنسب وآذربرزين مهر، حيث كانت تعتبر، رموزاً لثلاث طبقات اجتماعية هي حسب الترتيـب رجـال الدين، المقاتلون والمزارعون (ظ: كارنامه ... ، البنود 11-14).

المصادر:

  أفستا، تج‍ : جليل دوستخواه، طهران، 1370ش؛ كارنامه أردشير بابكان، تج‍ : مهري باقري، طهران، 1378ش؛ كريستن سن، آرتور، إيران در زمان ساسانيان، تج‍ : رشید یاسمي، طهران 1345ش؛ متون پهلوي، بروایة جاماسب جي دستور جي جاماسب‌‌ ـ آسانا، تج‍ : سعيد عريان، طهران، 1371ش؛ «هادخت نسك»، بررسي هادخت نسك لمهشيد ميرفخرائي، طهران، 1371ش؛ يشتها، تج‍ : پورداود، طهران، 1347ش؛ وأيضاً: 

Bailey, H. W., Zoroastrian Problems in the Ninth-Century Books, London, 1971; Benveniste, E., The Persian Religion According to the Chief Greek Texts, Paris, 1929; Boyce, M., »Ātaš-Zohr«, JRAS, 1966; Britannica, Macropaedia, 1978; Dumézil, G., Les Dieux des Indo-Européens, Paris, 1952; id, L’Idéologie tripartie des Indo-Européens, Bruxelles, 1958; ER; Hérodote, Histoires, tr. Ph. E. Legrand, Paris, 1970; Herzfeld, E. E., Archaeological History of Iran, London, 1935; Horrwitz, E. P., »Arryan Origins«, Modi Memorial Volume, Bombay, 1930; Kuiper, F. B. J., »The Bliss of Aša«, Indo-Iranian Journal, 1964, vol. VIII; Lommel, H., »Some Corresponding Conceptions in Old India and Iran«, Modi Memorial Volume, Bombay, 1930; Moulton, J. H., Early Zoroastrianism, London, 1913; Nyberg, H. S., Die Religionen des alten Iran, Leipzig, 1938; Oldenberg, H., Die Religion des Veda, Darmstadt, 1977; Strabo, The Geography, tr. H. L. Jones, London, 1966. 
مهري باقري / غ.

الديانة المانوية:

  ولـد ماني سنة 216م في شمال بابـل وظهر الدين المانوي في النصف الأول من القرن 3م في بلاد مابين النهرين.
كانت هذه المنطقة في الإمبراطورية الأشكانية الواسعة بسبب موقعها الجغرافي الخاص، المركز الرئيس للتعاملات الاقتصادية والثقافية آنذاك، حيث كان انتشار المذاهب الغنوصية والمدارس الفلسفية المختلفة وأديان مثل المسيحية، اليهودية، الزرادشتية، الزروانية والآراء الهیلینیة في هذه المنطقة، قد هيأت البیئة الملائمة للاحتكاك بين الآراء والعقائد. وفي بيئة كهذه، ظهر ماني كمبشر بديانة جديدة وبدأ بالدعوة إلى دين كانت أصوله الفكرية وایدیولوجیته قد ظهرت على مايبدو من التوفيق بين تعاليم الأديان الشائعة في المنطقة (ER,IX / 161). وبالطبع فإن تأثير آراء مزديسنا في تكوين هذا الدين الإيراني يطالعنا أكثر من غیره وخاصة تماثل المبادئ الأساسية والأخلاق المانوية مع الديانة الزرادشتية، حيث يبدو لنا بوضوح؛ ومنها الاعتقاد بالثنوية والأزمنة الثلاثة واختيار الطريق وتغلب النور على الظلام والخلاص الأخروي (ن.م، IX / 162). 
يقول ماني حول كيفية بعثه بالرسالة:  إن الوحي نزل عليه في البدء من الرّب وهو في سن الثانية عشرة، وأبلغ إليه الأمر الإلهي ملاك يدعى بالنبطية «توم» بمعنى التوأم و«نرجميگ» بالفارسية الوسيطة؛ وظهر لـه توم مرة أخرى في سن الرابعة والعشرين وأمـره بالدعوة إلى الدين (ابن النديم، 392؛ أيضاً ظ: باقري، 25- 48). وهكذا، بدأ ماني دعوته الدينية بعد تلقيه هذا الأمر في عهد حكم أردشير الساساني وتوجه إلى شمال غرب الهند للدعوة إلى دينه وعندما تولى الحكم شاپور ابن أردشير، قدم إلى عاصمة إيران واستأذن شاپور في الدعوة إلى دينه في أرجاء إيران. وقد كتب في بداية كتاب شاپورگان الذي كان قد ألفه لشاپور قائلاً: تـعلن أصول العقائد والأعمال الدينية إلى الناس في كل زمان وتبلّغ بواسطة أحد الأنبياء. فقد انتشرت في زمن بواسطة بوذا في الهند، وفي زمن آخر على يد زرادشت في إيران، وفي فترة أخرى عبر عيسى في المغرب وقد نزلت الآن هذه الشريعة علي أنا ماني في بلاد بابل. وقد قدم ماني نفسه على أنه «الفارقليط» وخاتم المرسليـن (البيروني، 207؛ ER,IX / 166;ERE,VIII / 398؛ أيضاً ظ: تقي زاده، 45). وقد بعث الدعاة والوفود إلى مناطق مختلفة من العالم لنشر المانوية وإشاعتها وكسب خلال فترة قصيرة أتباعاً كثيرين. وهكذا، تحولت المانوية إلى دين عالمي، حيث انتشرت من القرن 4 حتى 12م في الغرب إلى فرنسا وفي الشرق إلى الصين وشاعت بين الإيرانييـن والـروم والصینیین والأتراك وسكان شمال أفريقية ( آمريكانا، XVIII / 218). وأدى انتشار الديانة المانوية إلى إثارة موجات العداء والمعارضة من قبل لأصحاب الأديان الأخرى وخاصة المسلمين والمسيحيين والزرادشتيين وصدرت أوامر مطاردة المانويين وتكفيرهم في الغـرب والشرق (ER,IX / 166-167;ERE,VIII / 401)
وفي إيران كانت الدعوة إلى الدين المانوي مسموحاً بها في عهد هرمز بن شاپور، ولكن ماني اعتقل في عهد بهرام وقتل وقضي على أتباعه (البيروني، 208). وقد أدى اضطهاد المانويين ومطاردتهم إلى هجرتهم إلى الصين والانتشار المتزايد لهذه الديانة الإيرانية في بلاد الصين وآسيا الوسطى بحيث كان الدين المانوي المذهب الرسمي لدولة أويغور في القرن 2ه‍ /  8م. يقول البيروني إن أتباع ماني منتشرون في المدن الإسلامية، وتعيش فرقة من المانويين المعروفيـن بـ «الصابئين» في سمرقند وفي خارج بلاد الإسلام، يعتنق معظم أهالي تركستان الشرقية وأهالي الصين والتبت وبعض أهالي الهند، الديانة المانوية (ص 209). وتؤيد رواية البيروني هذه، الاكتشافات التي تمت في أوائل القرن 14ه‍ / 20م في منطقة تورفان الواقعة في تركستان الصينية، وتم العثور خلالها على مؤلفات كثيرة للمانويين. وتحظى النصوص المانوية التي اکتشفت في تورفان، بأهمية بالغة في معرفة هذا الدين. وتؤيد المواضيع المدرجة في هذه الكتابات صحة غالبية المواضيع التي كانت قد ذكرت سابقاً من قبل الكتّاب المسيحيين والمؤرخين الإسلاميين، وخاصة ابن النديم والبيروني.

المبادئ والعقائد المانوية:

 تعتبر الديانة المانوية أبرز ديانة ثنوية بين الأديان الإيرانية، ذلك لأن أهم أصولها الاعتقاد بمبدأين أزليين، هما النور والظلام، والأزمنة الثلاثة، الماضي، الحاضر والمستقبل. ولهذه الديانة آراء معقدة ومفصلة حول عالم الوجود، كيفية خلقه، مصيره والقوى المؤثرة في هذه المسيرة، ونشير هنا إلی الخصوط والعناصر الرئیسة العقائدیة والأخلاقیة في المصادر الخاصة بهذا الموضوع.
ففي الزمن الماضي، كان النور والظلام منفصلين عن بعضهما، قبل خلق العالم، وكل منهما كان مستقراً في نطاقه. وكان النور غير محدود في الأعلى ومن الجهات الثلاث، أي الشرق والشمال والغرب. كما كان الظلام لانهائياً أيضاً في الأسفل ومن الجهات الثلاث، أي الشرق والجنوب والغرب. وکان إله رحاب النور «أبا العظمة» الذي کان يتمتع بالعقل والفهم والذکاء والفكر والتأمل؛ وصفاته الخمس الأخرى هي المحبة والإيمان والوفاء والمروءة والحكمة وجميع صفاته قديمة. كما كان في رحاب الظلام 5 كيفيات أزلية، أي الدخان أو الضباب الكثيف والنار المدمرة والريح المهلكة أو العاصفة، والوحل أو الماء العكر، والظلمات. وعندما اختلطت هذه الكيفيات الظلمانية الأزلية، ظهر أهريمن منها وتحول إلى شيطان رأسه يشبه رأس الأسد، وجسمه مثل جسم الأفعى، وأجنحته مثل جناح الصقر، وذيله كذيل السمكة وكانت له 4 أرجل. وقد جال في رحاب الظلام، وابتلع كل شيء، وهجم باتجاه الشمال عند اجتياحه لما حوله، ولأنه لم يكن هناک حائل بين حدود الظلام والنور، فقد رأى فجأة اللمعان وسطوع النور، وانجذب نحوه وعزم على الصعود والتعدي على أرض النور. وعلم أبو العظمة بنية أهريمن بفضل عقله وفهمه وفكره، وعزم على أن يتصدى للعدو بروحه، أو بـ «من» (الأنا) حسب مصطلح المانويين، من أجل الحيلولة دون هجومه على رحاب النور والمحافظة على الهدوء في دائرة الضياء. ولذلك، فقد سطع منه كائن يسمى «أم الحياة». ودعت أم الحياة «الإنسان الأول» إلى الحياة كي یتم إرساله لمواجهة أهریمن ودعا الإنسان الأول أبناءه وهم: الهواء والماء والنار والريح والنور إلى الحياة لمحاربة أهریمن وكل واحد من هؤلاء الأبناء الخمسة يمثل تجلياً لجزء من ذات الإنسان الأول النورانية، حيث کان أبو العظمة یستخدمهم في محاربة أهریمن كأدوات حربیة ويلبس الإنسان الأول الهواء والماء والنور كدرع على جسده ويلف نفسه بالريح ويحمل النار كهراوة في يده ويهبط بهذه الهيئة بوصفه مقاتلاً باتجاه عالم الظلام. وفي المقابل جهّز الشيطان نفسه بالعناصر الخمسة للظلام وهي العاصفة والحريق والوحل والضباب والظلام، واشتبك مع الإنسان الأول. وعندما يرى الإنسان الأول العدو حريصاً على ابتلاع النور، فإنه يسلم أبناءه إليه كي يسكّن شهوته البهيمية، ويمنعه من الاعتداء على مملكة النور. وهكذا، تبتلع عناصر الظلام، العناصر النورانية وبالتالي ينهزم الإنسان الأول في أول معركة بين النور والظلام، ويحاصر في الظلام، إن هزیمة الإنسان وابتلاءه في عالم الظلام هما أصل «الامتزاج» الذي سيؤدي في النهاية إلى «الخلاص». إنّ ما ابتلع الظلام وأسره ، هو جزء من الجوهر النوراني الذي یتألم في هذا الابتلاء، ولكنه نسي أصله النوراني، فيما يهتم الظلام بالمحافظة على سجينه النور وقد غمره السرور بالسيطرة على أجزائه. ویمثل صراع الإنسان الأول مع الشيطان وأسر أبنائه في عالم الظلام أمراً بادر إليه أبو العظمة بوعي، واستطاع من خلال ذلك أن يترسخ في قلب الظلام من خلال التضحية بجزء من نوره، ويتغلب عليه وينكبه أخيراً.
وينهزم الإنسان الأول بعد المعركة الأولى، ويسقط مدهوشاً في أعماق الظلام ولكنه يصرخ ويطلب المساعدة بعد عودته إلى الوعي، للخلاص من عالم الظلام. وتسمع أم الحیاة الصراخ وتطلب من أبي العظمة أن يبادر إلى إنقاذه مع أجزاء النور المتفرقة من سجون الظلام. ويخلق أبو العظمة مجموعة أخرى من الآلهة. فيدعو أولاً «محبّ النورانیین» إلى الحياة، ويدعو هو «البنّاء الأكبر»، ویدعو الأخیر «الروح الحية». وقد سمي البناء الأكبر في الفارسية الوسيطة «نوشهر آفرين إيزد» والروح الحية «مهرإيزد». ومن أجل أن تتم المحافظة على الهدوء في مملكة النور «الجنة القديمة» في زمن تدفق النور والخلاص التدريجي للأنوار، فإن نوشهر آفرين إيزد، أو البنّاء الأكبر، يبني مدينة جديدة باسم «الجنة الجديدة» كي تتجمع هناك ذرات النور التي تتحرر لحظة بعد أخرى من أسر الظلام. وفي المقابل يتوجه مهرإيزد إلى الحدود الفاصلة بين النور والظلام لإنقاذ الإنسان الأول ويطلق نداء عالياً من أجل الاطلاع على موضع أسره. فيسمع الإنسان الأول نداءه ويجيبه بصرخة عالية. وتتجسد هذه الدعوة للمنقذ وإجابة الأسير والتي هي إشارة إلى «الدعوة» و«الإجابة»، على شكل إلهین یسمیان «خِروشتك» و«پَدْواخْتك»، ويشكلان في الديانة المانوية الوجود المثالي لمبدأ الدعوة إلى الخلاص والاستجابة لهذه الدعوة،. وبعد الوقوف على مكانة الإنسان الأول، ینفذ مهرإيزد في عالم الظلام، ويمد «يده اليمنى» باتجاه الإنسان الأول ويأخذ بيده، وينتشله من الظلام؛ وهكذا، يعود الإنسان الأول مع مهر إيزد إلى جنة النور التي هي موطنه الأصلي. وهو أول أسير وأول ناجٍ، ومثال للسقوط والعناء وخلاص کائنات عالم النور المأسورة في سجن ظلام الجسم وعالم المادة. وتنهض روح كل واحد من البشر طبقاً لهذا النموذج، بعد يقظتها واطلاعها على أصلها ومنشئها، من أعماق الظلام المادي للجسم، وتقاد نحو الجنة بمساعدة «الروح الحية» و«أم الحياة».

 

الصفحة 1 من62

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: