الصفحة الرئیسیة / المقالات / ایران /

فهرس الموضوعات

کانت قضیة فتح إيران، من أهم الأحداث التاریخیة في العالم القديم رغم المنعطفات الخطيرة التي مر بها. ولاشك في أن دراسة الأسباب التي أدت إلی فتح إيران ستبقی فاشلة دون الأخذ بنظر الاعتبار التطورات السياسية التي طرأت في أواخر العصر الساساني علی المجتمع الإیرانی وشبه الجزيرة العربية لاسیما حروب الردة ومعارک اليمن (ظ: ن.ص). وما یجدر بالاهتمام في هذا الصدد أن الروایات التي وصلتنا بشأن فتوح إيران في کثیر من الأحیان مشوبة بالمغالاة والأخطاء ومنها مارواه رواة العراق كما أن الأخبار التي وردت في المصنفات الإیرانیة نحو سیر الملوک أو «خداینامه» لاتخلو من التحیز وأحیاناً تکنّها الكراهية والبغضاء. وأما روایات أهل الحجار حیال قضیة فتح إیران فإنها أحیطت بهالة من التقدس واصطبغت بفکرة الإعجاز والنصر الإلٰهي. ويبدو أن روايات سیر الملوک أو «خداینامه» المتمثلة في الأخبار الطوال للدينوري، وغرر الملوك للثعالبي المرغني، بل وحتى في تجارب الأمم لأبي علي مسكويه ومانقله حمزة الأصفهاني والمسعودي والطبري والبلاذري والمقدسي، بهذا الشأن أدرجها الموابذة في طیات «خداینامه» بعد موت يزدجرد وتقتصر الروايات العراقية في الغالب علی مانقله أبو مخنف وسيف بن عمر، یراها بعض الباحثیـن مزیفة مرفوضة (ظ: فلهاوزن، 3-7,76-78,81-88؛ قا: الأمين، 2 / 342-343؛ العسكري، 1 / 17-20)، حیث تسربت فیها أخطاء کثیرة ولاسیما في معرض المعلومات التي تعطینا حول الإحصائیات وتواریخ الحوادث وسنواتها کما وردت فیها بعض التفاصیل حول أوضاع إيران في بداية عصر الفتوح، لاتؤیدها المصادر الموثقة (زرين كوب، تاريخ، 285).
عاشت إیران بعد کسری أبرویز عهداً مضطرباً غاصاً بالحوادث الدمویة في ظل حکم عدد من الملوک الذين لم یحکم کل منهم إلا لفترة قصیرة وفي مثل هذه الظروف شنت بعض القبائل العربية مثل تغلب وبكر ونمر وتنوخ والتي كانت تعيش على حافات صحاري الحدود الغربية من إيران، غارات على الضواحي والقرى المجاورة. كان هؤلاء البدو قد هزموا مجموعة من جنود کسری أبرويز خلال اشتباك حدودي في موضع يسمى ذي قار وبذلک أصبحوا لايخشون هيبتهم ولاشوكتهم، بحیث وسعوا نطاق غاراتهم بعدئذٍ وجعلوا المرازبة عاجزین عن قمعهم والقضاء عليهم بشكل نهائي (الطبري، 2 / 193-212؛ أيضاً ظ: نولدكه، 491، 504-507، 510). وإن هذا الأمر شجع العرب المهاجمین علی مواصلة غاراتهم وأخفقت آمال شهر براز القائد الإیراني للقضاء علیهم بعد أن تلقت کتائب من جنوده هزیمة منهم (أبو علي مسكويه، 1 / 320-321). 
منذ أواخر عهد النبي (ص) حتی أوائل خلافة أبي بکر ظلت قبائل من بني بکر وبني شیبان تشن غاراتها بین حین وآخر علی القری الإیرانیة المجاورة لها مستغلة مایسوده البلاط الساساني تیسفون من الفوضی والاضطراب واشتدت هجمات بني شیبان لما کانت قبیلة بني حنیفة المتحالفة مع الفرس منشغلة بحروب الردة ولم یکن یتیسر لها التصدي لغارات المهاجمین. ومن جهة أخری لما فرغ خالد بن الولید من القضاء علی أهل الردة في الیمامة ولّی وجهه نحو العراق حیث کانت جماعات من أهل الردة والقبائل العربیة المتحالفة مع إیران قد عرضتها وضواحیها للهجوم بین کرّ وفرّ (ظ: الطبري، 3 / 343-344). وفي أثناء ذلک اغتنمت قبائل بني شیبان وبني عجل الفرصة المتاحة لشن هجماتها علی ولایة سواد مستغلة الأوضاع المتدهورة وتسرب الضعف في کیان الدولة الساسانیة. وممن مثّل دوراً کبیراً في الأحداث التاریخیة في الفترة ذاتها مثنی بن حارثة زعیم بني شیبان فإنه بدأ تحت رایة خالدبن الولید بشن الهجوم علی الأراضي الإیرانیة بإذن من الخلیفة أبي بکر  (م.ن، 3 / 343-345؛ بالدینوري، 111-112؛ زرین کوب، ن.م، 291). 
تتضارب روایات المورخین بشأن أولی النواحي التي تعرضت لهجوم مثنی وخالد. لقد تم في بادئ الأمر فتح بعض نواحي سواد وضواحیها صلحاً، حیث تقطنها جماعات من المسیحیین والقبائل العربیة وأشراف الحیرة (الطبري، 3 / 343-346)، مما مهد الطریق لشن هجمات العرب علی مزاربة الفرس. ولقد وطئت أقدام العرب الأراضي الشمالیة والغربیة من مدینة الحیرة بعد الوقعة المعروفة بذات السلاسل وهي أولی المعارک من نوعها وأثر ذلک تم فتح الحیرة وهرب حاکمها آزادبه وخسر الفرس تلک المناطق (م.ن، 3 / 348-350، 358-364؛ البلاذری، فتوح، 242-243؛ ابن الأثیر، 2 / 385-386). تصالح دهاقنة هذه النواحي بالتدریج مع خالد بن الولید وخضعوا لدفع الجزیة علی شرط أن تبقی أملاکم لأنفسهم وأن یسلموا أملاک الأکاسرة إلی المسلمین (البلاذري، ن.م، 244؛ الطبري، 3 / 368). ثم استولی خالد علی عین التمر وسیّر لأول مرة الأسری الإیرانیین إلی الحجاز (م.ن، 3 / 376-377، 385؛ البلاذري، ن.م، 246-247). في نفس الفترة توجه خالد نحو الشام وأبو عبید بن مسعود أخذ طریقه نحو الحدود الإیرانیة (ن.م، 250، 253). ومن جانب آخر جهزّ رستم فرخزاد القائد الإیراني جیوشاً ثم وجّه خطاباً إلی دهاقنة سواد یدعوهم إلی العصیان إلا أنه مني بالفشل (الطبري، 3 / 413-415، 444-449؛ قا: أبو علی مسکویه، 1 / 186؛ ابن الأثیر، 2 / 434-435). مع ذلک لحقت بالعرب هزیمة نکراء في وقعة الجسر شرقي الفرات ولقي أبو عبید مصرعه (رمضان، 13). ثم بعث عمر بن الخطاب، جریر بن عبد الله البجلي إلی تلک النواحي، فإنه استرد بدعم من مثنی بن حارثة وبعد یوم بویب، جمیع المناطق التي کان العرب قد خسروها قبلئذٍ واستولی علی الأبلة وسوق بغداد ومذار ودشت میسان وأبرقباد (الطبري، 3 / 454-472؛ البلاذري، ن.م، 252-254؛ الدینوري، 113- 118؛ الیعقوبي، 2 / 142-143). 
وفي أثناء ذلک اعتلی یزدجرد الساساني عرش الملک وعلّق الفرس الأمل علی عودة الأمور إلی نصابها إلا أن سعد بن أبي وقاص أقبل علی قادسیة وأقام معسکره فیها ومن ثم کانت الرسائل المتبادلة بین العرب والإیرانیین آذاناً بأن نشوب الحرب بینهما لامحید عنه، فلم یلبث حتی تأهب رستم فرخزاد للحرب. إلا أن الحظ لم یکن حلیفاً للجیش الإیراني وتلقی الهزیمة فاقتحم المسلمون الأراضي الواقعة بین دجلة والفرات وتعرضت المداین لخطر الهجوم (الطبري، 3 / 477-491، مخ‍ ؛ البلاذري، ن.م، 225-259؛ الیعقوبي، 2 / 144-145؛ خلیفة، 1 / 119-120). ثم أمر الخلیفة عمر بن الخطاب بأن یبقی الدهاقنة وأصحابهم في منطقة سواد آمنین علی أن یدفعوا الجزیة وبذلک تمهد الطریق امام جیوش المسلمین للسیطرة علی المداین (الطبري، 4 / 5-14؛ البلاذري، ن.م، 262-264؛ الدینوري، 126- 128). 
تتمثل أسباب هزیمة الإیرانیین في القادسیة ــ فضلاً عن الخلافات الداخلیة بینهم وخیبة أمل رستم من الانتصار (الثعالبي، 739؛ الیعقوبي، 2 / 141-145) ــ في غلبة المسلمین علی الروم في الیرموک وکذلک تعاون دهاقنة سواد مع المسلمین إلی حدما. ومهما کان الأمر فقد أصبح سقوط المداین وفرار یزدجرد الساساني مبدأ دخول الإسلام إلی أرض إیران وتتابعت الحروب بعد القادسیة حتی حدثت وقعة جلولاء وسیطر المسلمون علی مدینة حلوان (البلاذري، ن.م، 264-265، 301؛ الطبري، 4 / 24-26، 28، 34، 35؛ الیعقوبي، 2 / 151) وبعد هذه الحوادث أصبح الهدوء النسبي یسود أرض العراق إذ کان الخلیفة عمر بن الخطاب یمتنع عن مواصلة الحروب (أبو علی مسکویه، 1 / 226) إلا أن نشوب حادث طارئ أضرم نیران الحرب وهو أن علاء الحضرمي أمیر المسلمین علی البحرین اقتحم خوزستان مفاجئة واکتسح أراضیها حتی سیطر علی مدینة إصطخر بفارس. فاضطر الخلیفة عمر أن یدعمه ویشد أزره بعد أن رأی صمود الإیرانیین بوجهه (الطبري، 4 / 79-82؛ أبو علي مسکویه، 1 / 228-230) وبذلک سیطر المسلمون علی رامهرمز وتستر [شوشتر حالیاً] وأسروا هرمزان القائد الإیراني بعد أن فشل في التصدي لهم وأرسلوه إلی المدینة مقیداً (الطبري، 4 / 72-76، 83-87؛ البلاذري، ن.م، 380؛ الدینوري، 129-132). ثم خسر الإیرانیون شوش [= سوس] وجندي شاپور ومقر مرازبة فارس ووطئت أقدام جنود المسلمین جزءاً کبیراً من نواحیها حتی أذن الخلیفة عمر وبإشارة من أحنف بن قیس أن یجتاح المسلمون الأراضي الإیرانیة بأکملها (الطبري، 4 / 89-94؛ أبو علی مسکویه، 1 / 233-236؛ الدینوري، 132-133). 
وأما وقعة نهاوند فإنها معرکة حاسمة قررت مصیر إیران وأثر ذلک اجتاح المسلمون نواحي فارس وآذربایجان وخراسان والري دون أن یعترضهم عائق جدي (الطبري، 4 / 129-144، مخ‍ ؛ أیضاً ظ: 94 ومابعدها؛ ابن قتیبة، 568؛ مجمل ... ، 275). ولما افتتحت ولایة الجبال، زحف المسلمون وبدعم من ثکناتهم والقوات المتأهبة فیها نحو المناطق الشرقیة والشمالیة الشرقیة وسیطروا علی جمیع أرجاء سیستان وکرمان واقتحموا بلاد ماوراء النهر (الطبري، 4 / 180-182؛ تاریخ سیستان، 80-89؛ البلاذري، ن.م، 392-398؛ خلیفة، 1 / 172-174، مخ‍ ؛ وبشأن فتوح خراسان ظ: الطبري، 4 / 166-171، 300-302، 309-316؛ البلاذري، ن.م، 403-406، قا: الیعقوبي، 2 / 167). وبذلک افتتح في هذه الفترة الجزء الأکبر من إیران حتی نواحي جیحون إلا أن حرکات التمرد والثورات الوطنیة والدینیة اندلعت وتتابعت في الولایات الجنوبیة والشرقیة والمناطق الشمالیة في إیران ولم تخمد نیرانها لفترة طویلة. 
نستشف من خلال الروایات والأخبار التي وصلتنا بشأن فتوح إیران وبسط الإسلام فیها أن انسحاب بعض الأمراء الإیرانیین والأشراف والدهاقنة والموابذة وتخلیهم عن الصمود تجاه هجمات العرب واعتناقهم الإسلام ومؤازرتهم المسلمین کانت جمیعاً من أهم أسباب سقوط إیران وأسلمتها تدریجیاً. وإن حرکات التمرد والثورات التي حدثت ضد العرب خلال الفتوح واستمرت فیما بعد في بعض المناطق لم تکن عائقاً جدیاً إزاء بسط الإسلام في سیره البطيء والهادء. إلا أن تواطؤ بعض الأشراف والأمراء الإیرانیین مع المسلمین أمّن علی حیاتهم وأموالهم وجعلهم یتمتعون بالعطایا الإسلامیة کما ضمن موقعهم الاجتماعي والسیاسي في کثیر من الأحیان (ظ: دهالا، 439). إن هذا التواطؤ الذي یدل علی کراهیة الجنود والأمراء ومدی تضجرهم من الأکاسرة یبرز علی نطاق واسع في المصادر ویتمثل في سلوک کثیر من الأمراء والأکابر وعلی سبیل المثال یمکن ذکر تصرفات آبان جاذویه المنطویة علی الغدر والخیانة بعد وقعة جلولاء من أجل إنقاذ حیاته وأمواله (الطبري، 4 / 166؛ أبو علی مسکویه، 1 / 253)؛ تواطؤ موبذ نهاوند مع المسلمین ومؤازرتهم (الطبري، 4 / 116، 133)؛ تعاون دهقان نیشابور وموبذ دارابجرد وأحد أمراء سواد ومرزبان طوس مع الغزاة وهلّم جرّا (الیعقوبي، ن.ص؛ خلیفة، 1 / 119، 164؛ الدینوري، 116؛ البلاذري، ن.م، 334، أیضاً ظ: 280، 372-373؛ الطبري، 4 / 90-91). مما یستحق الاهتمام هو أن فتح إیران ومن ثم بسط نفوذ الإسلام في بعض المناطق نحو الري واصفهان أصبح یثیر التنافس والعداوة بین الأمراء الإیرانیین (م.ن، 4 / 90، 150؛ البلاذري، ن.م، 404-405) أمثال ماهویه مرزبان مرو وبهمنه وکنارنگ (ظ: ن.ص؛ الطبري، 4 / 310-312). وعندما قام الخلیفة عمر بن الخطاب بتأسیس دیوان العطا منح النبلاء الإِیرانیین المتعاونین مع المسلمین حصة من العطایا والغنائم مما أصبح هذا الأمر من أسباب تقدم المسلمین (الیعقوبي، 2 / 153-154). تتضمن معاهدات الصلح التي أبرمت بین العرب والفرس ملاحظات جدیرة بالاهتمام وتدل في معظمها علی تسامح المسلمین الأوائل وتعاون الإیرانیین وتآزرهم معهم. واستناداً إلیها کان أبناء المناطق المفتوحة مخیّرین بین الاحتفاظ بدیانتهم وأملاکهم علی أن یدفعوا الجزیة أو مغادرة بلادهم والتخلي عن أملاکهم دون أن یتعرض أحد سبیلهم علی شرط عدم التغلب علی المسلمین (البلاذري، ن.م، 263؛ الطبري، 4 / 137، 140، مخ‍(. وما یلفت النظر في مصالحة أهالي طبرستان ودماوند وخوار هو أن تعهد إسپهبذ [= حاکم] دماوند أن یحول دون دخول أعداءالمسلمین في رقعة حکمه وأن لایدخل المسلمین أراضیها وأن یذهب أهالیها حیثما شاؤوا (ن.م، 4 / 151، 153). 
ما إن مرّ علی فتح نهاوند أکثر من سنتین حتی أودی أحد الإیرانیین باسم فیروز بقتل الخلیفة عمر بن الخطاب في مسجد المدینة (23ه‍ / 644م). کان فیروز من رهبان نهاوند وسماه أهالي المدینة أبولؤلؤ بعد أن وقع في الأسر في جلولاء (م.ن، 4 / 190-194؛ قا: حمد الله، 183) وأصبح في عداد موالي مغیرة بن شعبة واستناداً إلی بعض الروایات کان هرمزان القائد الإِیراني المقیم في المدینة متهماً بالتواطؤ مع فیروز وقتل کلاهما بهذا الاتهام (ظ: الزبیري، 355). وأما نشر الإسلام في إیران فأنه لم یتوقف وظل مستمراً في عهد عثمان وعلی (ع) وبالرغم من حدوث بعض الفتن وفي ظل المعارک التي لم تخمد نیرانها إلا بعد مقتل یزدجرد الساساني في 31ه‍ . ومع کل ذلک فإن تغلغل جیوش العرب في الأراضي الإیرانیة کان بطیئاً بسبب صمود القوات المحلیة في وجهها (علی سبیل المثال ظ: ابن البلخي، 116؛ البلاذري، ن.م، 306، 315)، إلا أن نجم الأمل أفل في قلوب الإیرانیین بعد قتل یزدجرد وتحولت حرکات الصمود المحلیة إلی محاولات یائسة ومهما کان الأمر فإن حروب الفتوح استمرت في إیران ــ خلافاً لما یرویـه سیف ــ حتی أوائل العهد الأموي (زرین کوب، تاریخ، 351). 
کانت الخلافة الأمویة في الحقیقة دولة عربیة بحتة یقوم أساسها علی التمییزِ العنصري (فلهاوزن، 306) ولذلک تتعامل بعنف وکراهیة مع الأجناس البشریة الأخری وإن هذا الأمر جعل الموالي یمیلون في الأغلب إلی الشیعة والمجموعات التي کانت تخرج علی نظام الحکم (زرین کوب، ن.م، 352، 355)، بحیث انضم جم غفیر من الموالي الإیرانیین إلی مختار الثقفي حین أعلن ثورته ضد الحکم الأموي ولأخذ ثأر الامام الحسین (ع) وأضمروا الامویین الحقد والبغضاء وأکثر من أي فئة معارضة أخری (البلاذري، أنساب، 5 / 224، 228، 231، 248؛ الدینوري، 292؛ ابن سعد، 5 / 100؛ وات، 163، ظ: ن.د، إبراهیم بن مالک). کان هولأء الموالي وأکثرهم من الکوفة مسیطرین علی الشؤون التجاریة فالتحقوا بثوره المختار لینتقموا من الحکام الأمویین الذین کانوا قد ألحقوا بهم کثیراً من الظلم والأذی وإن انضمامهم المتزاید بجیش المختار وإبراهیم بن مالک أثار سخط أشراف العرب ضد الموالي ولذلک کانوا یرون أن ثورة المختار لم تقم ضد الأمویین، فحسب بل إنها ثورة ضد العرب (زرین کوب، ن.م، 357- 358). 
کانت جهود الموالي في الکفاح ضد الأمویین لم تقتصر علی هذه الثورة فحسب بل إنهم ظلوا یحرصون علی اغتنام الفرص لاستمرار مناضلتهم وصمودهم في وجه الأمویین، حیث کان الموالي في العراق من أولی المجموعات التي التحقت بثورة زید في أواسط الخلافة الأمویة کما انضم إلیها جماعات منهم في خراسان وجرجان والري (ابو الفرج، مقاتل ... ، 91-92). ولمّا توفي زید لم یجد ابنه یحیی ملجأ إلا خراسان وبلخ ولم یلبث حتی أودی أنصار الخلیفة بقتله قبل ثورة أبي مسلم بفترة وجیزة (زرین کوب، ن.م، 361-362). 
بالرغم من أن هجرة القبائل العربیة إلی المناطق المختلفة من إیران واستیطانها في مدن خراسان وماوراء النهر وقومس وقم وکاشان ونواحي فارس وسیستان وکرمان، جعلت إیران تتقدم في طریق الأسلمة بخطی ثقیلة إلا أن هذه الظاهرة ترکت نتائج سلبیة علی استمرار الدولة العربیة وتوطید أرکانها. وأصبح العرب النازحین إلی الأراضي الإیرانیة أصحاب سلطة وثروة وافرة بعد أن نزلوا المدن والأریاف التي کانت تتناسب مع حیاتهم وأسلوب معیشتهم (علی سبیل المثال ظ: فلهاوزن، 307). وکانت خراسان وقم من أولی المناطق التی وطئتهما أقدام العرب منذ بدایة عصر الفتوح ولم یلبث العرب النازحون حتی استقروا فیها وامتزجوا بالفرس وتعلموا لغتهم وعاداتهم وتقالیدهم ووجدت بینهم علاقات القرابة والمصاهرة، إلا أن هذا الأمر لم یتحقق في جمیع المدن المفتوحة وکانت الریاح لاتجري بما تشتهي سفن النازحین، بحیث امتنـع أهالي سجستان مـن معاشرتهم معتبرین إیاهـم «أهرمـن» [= الشیاطین] ( تاریخ سیستان، 82). وفي بخاري کانت مساکن المسلمین تنفصل عن مساکن غیرهم (النرشخي، 61-62) وفي قم ألحق الناس بهم الأذی (القمي، 254، 262)، حیث قام العرب باعتقال 70 شخصاً من زعماء المجوس وضربوا أعناقهم حتی استسلم أهالي المدینة ورضخوا للتجاور معهم (م.ن، 254-256). 
ومن ناحیة أخری کانت الخلافات القائمة بین القبائل العربیة القاطنة في مختلف أرجاء إیران وهي امتداد للنزاعات القبلیة القدیمة بین العدنانیین والقحطانیین، تعد عرقلة للمجاورة مع بعضهم البعض وأخیراً أدت هذه النزاعات وسوء تعامل العرب مع المسلمین من غیرهم إلی تزاید الکراهیة والنفور منهم مما أثار بالتدریج معارضة سکان المدن والأریاف ضدهم وبالتالي أخذت دعوة المعارضین ضد النظام الأموي تزداد اتساعاً وتمتد بین الموالي المجاورین لمستوطنات العرب إلی أن تحولت إیران منذ أواخر العهد الأموي وحتی أوائل العصر العباسي إلی بؤرة مناهضة ضد العرب وظهرت فیها أثناء ذلک مذاهب وفرق عزّ نظیرها في المناطق المفتوحة الأخری. ومهما کان الأمر فإن نفوذ الإسلام في أرجاء إیران بأکملها استغرق حتی أوائل القرن 3ه‍ /  9م علی أقل تقدیر. ونادراً ما اعتنق سکان ولایة من ولایات إیران ـ مثل قزوین ــ الإسلام سویّة. ورغم أن بعض الطوائف المحلیة في المناطق الجنوبیة والغربیة أمثال الزط والسیابجة وأساورة الدیلم رضخوا للإسلام منذ بدایة عصر الفتوح وعقدوا العزم علی مؤازرة العرب باعتبارهم الموالي وساندوهم في شن الهجوم علی إیران إلا أن سکان بعض البلاد والولایات نحو فارس والجبال والجیلان والدیلم رفضوا هیمنة العرب لفترة طویلة (للمزید عن السیابجة والزط ظ: EI1,VII / 200-201,VIII / 1235 ؛ وعن الدیلم، EI2 ، ذیل الدیلم). 

 

الصفحة 1 من62

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: