الصفحة الرئیسیة / المقالات / ایران /

فهرس الموضوعات

وفي المراحل الأولى من تطور التصوف وانتشاره في الإسلام قبل تأسيس الفرق المعروفة لقد نال على أقل تقدیر 3 شيوخ كبار في العهد الغزنوي شهرة واسعة أبو الحسن الخرقاني وأبو سعيد أبو الخير وأبو إسحاق الكازروني. ثم ازدهرت في العصور التالیة اللطائف والمعاني الصوفية وتم تبیینها في النصوص الفارسیة نظماً ونثراً وذلک بعد ظهور أشخاص مثل خواجه عبد الله الأنصاري والشيخ أحمد الغزالي وعين القضاة الهمذاني؛ وقد كان هذا هو التيار الذي بلغ ذروة قوته وسموه من خلال النبوغ الفكري والشعري لأمثال السنائي والعطار والمولوي وشمل جميع أرجاء حياة المجتمع الروحية والفكرية والثقافية على شكل حركة واسعة وجذرية وذلك في العصور والقرون التالية. وفي هذا المجال كان دور أبي حامد محمد الغزالي، أخي الشيخ أحمد الغزالي مهماً ومؤثراً للغاية في التوفيق بين الشريعة والطريقة والسعي في التقريب بين وجهات النظر. 
لقد حظي التصوف بنوع من التأیید عند الحکماء خلافاً للفقهاء. فعلى الرغم من أن الصوفية كانوا یعتبرون العقل عاجزاً، أو موقوفاً، أو مرفوضاً في معرفة الحقائق، كما قال البعض بـ «طور ماوراء العقل»، إلا أن الحكماء المسلمين كانوا ينظرون بالتسامح إلى رأيهم بشأن العلم الكشفي والشهودي وحتى أن الفارابي كان يشبه من حيث التفكير متصوفة عصره أکثر من غیرهم وفي الحقيقة فإن كلامه حول الاتصال بالعقل الفعال هو تبیین لنوع من التجارب الصوفية من مقولة «الجذب» (فروزانفر، 283-293؛ مدكور، 47؛ أيضاً ظ:  عبد الرزاق، 96، قا: 434-435). ويقدم ابن سينا رغم أن حياته الظاهرية تختلف كثيراً عن الأسلوب الشائع بين الصوفية، أفضل تقرير عن نظرية أهل العرفان بلغة فلسفية في أواخر كتابة الإشارات. كما لا تخلو قصيدته العينية ورسالتاه الرمزیتان أي حي بن يقظان ورسالة الطير من تأثير التصوف (ابن سينا، 3 / 363، 418؛ أيضاً ظ: زرين كوب، سرّ ني 780-782). وألف خواجه نصير الدين الطوسي رسالة في بيان أصول التصوف. كما ترك عرفان ابن عربي النظري تأثيراً عمیقاً في أفكار حكماء مدارس فارس وأصفهان وكذلك في آراء أشخاص مثل صدر الدين الشیرازي وأتباع مدرسته. وتشبه الحکمة الإشراقیة عن الشیخ شهاب الدین السهروردي بشكل مشهود أقوال الصوفية ویطغی علی رسائله الفارسية اللون والطابع الصوفيان. وفي الحقيقة، فإن حكمته الكشفية وتأكيه على الانقطاع والانسلاخ عن البرازخ المظلمة، هي تبيين لوجهة نظر أهل العرفان. ويبلغ تأثر رسائله الرمزية الفارسية بآراء الصوفية حداً یجعل من المسلم به وجود نوع من العلاقة بين الحكمـة الإشراقية والتصوف (ظ: الشهرزوري، 57؛ أيضاً ظ: إبراهيمي، 19).
كان العرفان الإسلامي في السنوات الألف الماضية أحد أهم عناصر الحياة الدينية والاجتماعية للمجتمع الإيراني المسلم، وهو لم يترك تأثيراً في أدب هذا المجتمع ومظاهره الروحية والفكرية والذوقية فحسب، بل كان له دور مهم وبنّاء في سلوكه الاجتماعي وعاداته وتقاليده. 

المصادر

   إبراهيمي  ديناني، غلامحسين، شعاع أنديشه وشهود در فلسفۀ سهروردي، طهران، 1364ش؛ ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، طهران، 1403ه‍ ؛ الجامي، عبد الرحمن، نفحات الأنس، تق‍ : مهدي توحيدي پور، طهران، 1366ش؛ الخوارزمي، الحسين، جواهر الأسرار، تق‍ : محمد جواد شريعت، أصفهان، مشعل؛ زرين كوب، عبد الحسين، أرزش ميراث صوفية، طهران، 1344ش؛ م.ن، سرّني، طهران، 1364ش؛ سراج، عبد الله، اللمع، تق‍ : عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور، القاهرة /  بغداد، 1960م؛ السهروردي، عمر، عوارف المعارف، بيروت، 1966م؛ السهروردي، يحيى، «المشارع والمطارحات»، مجموعة في الحكمة الألهيـة، تق‍ : هانـري كوربن، إستانبول، 1945م؛ الشهـرزوري، محمـد، شرح حكمة الإشراق، تق‍ : حسين ضيائي تربتي، طهران، 1372ش؛ عبادي، منصور، مناقب الصوفية، تق‍ : نجيب مايل هروي، طهران، 1362ش؛ عبد الرزاق الكاشاني، شرح فصوص الحكم، القاهـرة، 1309ه‍ ؛ عز الديـن الكاشاني، محمود، مصباح الهدايـة، تق‍ : جلال الدين همائي، طهران، 1323ش؛ فروزانفر، بديع الزمان، مجموعۀ مقالات وأشعار، تق‍ : عنايت الله مجيدي، طهران، 1351ش؛ القشيري، عبد الكريم، الرسالة القشیرية، القاهرة، 1367ه‍ ؛ القمي، عباس، سفينة البحار، طهران، 1355ش؛ غولپينارلي، عبدالباقي، مولوية بعد أز مولانا، تج‍ : توفيق هاشم پور سبحاني، طهران، كيهان؛ مدكور، إبراهيم، في الفلسفة الإسلامية، القاهرة، 1367ه‍ / 1947م؛ معصوم عليشاه، محمد معصوم، طرائق الحقائق، طهران، 1316ش؛ «منتخب جواهر الأسرار»، المنسوب لأحمد آذري، ضمن شرح أشعة اللمعات للجامي، ط حجرية، طهران، 1263ه‍ ؛ المولوي، مثنوي معنوي، تق‍ : نیكلسون، طهران، 1363ش؛ همائي، جلال الدين، مقدمة مصباح الهداية (ظ: ه‍م‍ ، عز الدين الكاشاني)؛ وأيضاً: 

Corbin, H., En Islam iranien, Paris, 1971; Massignon, L., Essai sur les origines du Lexique technique de la mystique musulmane, Paris, 1968; Molé, M., »Les Kubrawiya entre sunnisme et shiisme…«, Revue des études islamiques, Paris, 1961, vol. XXIX; id, Les Mystiques Musulmans, Paris, 1965; Nicholson, R. A., The Mystics of lslam, London, 1970; Nöldeke, Th., »Ԩûfî«, ZDMG, vol. XLVIII; Schimmel, A., Mystical Dimensions of Islam, Chapel Hill, 1975. 
قسم العرفان والأدیان / د.

 

VIII. الفلسفة 

كانت الفلسفة تعایش الثقافة الإیرانیة طيلة تاريخ ایران الطويل ولم تفارقها في أي عصر من العصور التاریخیة إلا أنها كانت ممتزجة بالدین قبل الإسلام امتزاجاً تاماً والنصوص الفلسفیة في إیران لم تکن منفصلة عن النصوص الدینیة شأنها شأن الحضارات الآسیویة الاخری في الهند والصین والیابان وخلافاً للیونان في العصر القدیم. 
ففي الیونان انفصلت الفلسفة عن الدین بعد القرن 6 ق.م تدریجیاً ومن العبث توقع حدوث مثل هذه الظاهرة في الحضارات الأخرى ومنها إيران، وليس من الصحيح أبداً أن نتخذ من الظاهرة الاستثنائية نموذجاً للحضارات الأخرى. ويحظى هذا الأمر بأهمیة بالنسبة إلى إيران، ذلك لأن بعض الباحثین حاولوا من وراء التتبع في آثار ابن سينا والسهروردي وأمثالهما أن یجدوا لها جذور متوغلة في عصور ما قبل الإسلام، وبما أنهم لم يجدوا كتباً أمثال الشفاء وحكمة الإشراق باللغات القديمة، فإنهم توصلوا إلی الفرضية القائلة بأنّ جميع الكتب الفلسفية والعلمية الإيرانیة في العصور القديمة تعرضت لتطاول الأيام، أتلفها الغزاة من خلال اقتحامهم إیران أو أن إيران قبل الإسلام کانت تفتقر إلی الفکر الفلسفي والعلمي. بینما نقول أن کلتا الفرضیتین باطل إطلاقاً ولاشک في أن الفكر الفلسفي كان موجوداً في إيران القدیمة ويجب البحث عنه في بطون الكتب الدينية المتبقية.  
ومما يجدر ذكره أن اليونانيين في العصر القدیم كانوا يعتبرون إيران بلاد الفلسفة وحسب رأي بعض مؤرخي الفلسفة اليونانية في الغرب مثل كورنفورد فإن أفلاطون تأثر في طرح نظريته في المثُل بالأفكار المزدائیة حول المجردات، أو عالم الملائكة؛ كما كان پارمنیدوس قبله تربطه علاقات مع الأوساط الفكرية في إيران. وكما هو معروف أيضاً فإن أفلوطين انخرط في الجيش الرومي كي يرسل إلى جبهة الشرق علّه يتوصل عن طريق الاتصال بإيران، إلی فلسفة هذا البلد. حتى إن زرادشت كان يعرف في اليونان وفي القرن المسيحي الأول فيلسوفاً وعالماً أكثر من كونه نبياً. 
وعلى أي حال، فقد ألفت بعض الكتب باللغة الفهلوية في العصر الساساني، بل وحتى في القرنين الأولين من سيطرة الإسلام على إيران ورغم أن بالإمكان اعتبارها من ناحية كتباً دينية وذات علاقة بالجوانب المختلفة من الديانة المزدائیة، إلا أننا نستطيع من جهة أخرى اعتبارها في عداد الآثار الفلسفية، أو الآثار التي طرحت فيها الأفكار الفلسفية على الأقل. ومن بين هذه الكتب يتمتع كتاب بُندهشن ودادستان دينيك وداناي مینوگ خرد وأقسام من دينكرت بأهمية خاصة إذ طرحت فيها مباحث هامة في مجال الفلسفة الأولى ومعرفة العالم. كما إن هذه النصوص والنصوص الزرادشتية الاخرى تحظى بأهمية بالغة من ناحية الفلسفة العملية، أو الأخلاق، ومنها علی وجه الخصوص كتاب گاتها باعتباره قلب الأفستا وهو يضم لب لباب التعاليم الأخلاقية الزرادشتية. ومما یجدر بالاهتمام من ناحية الفلسفة السياسية کتب تحمل عنوان خداي نامك وترجم عدد منها إلى العربية فیما بعد كما تركت بصماتها على بعض المفكرين المسلمين. ويلاحظ في منظومة الفكر الفلسفي الإیراني في العصور القديمة وفي العصر الساساني، تقسيم العالم إلى مبدأین هما النور والظلام والنـزاع بين الخير والشر وتجرد العالم الملائكي والعلاقة بين عالم الدنيا وعالم الجنة أو هذه الدنيا والدنيا المجردة والمعنوية وأهمية أعمال الإنسان في مصيره النهائي والعلاقة بين الزمان والدهر والكثير من القضايا الفلسفية المهمة، وقد وقعت هذه المفاهیم موضع اهتمام أکثر في العصر الساساني كما نقلت الأفكار الفلسفية اليونانية والهندية إلى الفهلوية وعلی سبیل المثال نقلت إحدى رسائل أرسطو في علم المنطق إلى الفهلوية، في هذه العصر وهي التي ترجمها ابن المقفع فیما بعد من الفهلویة إلی العربیة ولیس من السريانية، أو اليونانية. 
وبالإضافة إلى الديانة الزرادشتية بتفسيرها الزرواني في العصر الساساني، فإن المذهب المانوي کان یحمل في طیاته جوانب فلسفية مهمة، ورغم أن غالبية آثاره قد ضاعت علی مر الزمن، إلا أنه من خلال ما تبقى منها، ومما رواه العلماء اللاحقون عن هذا المذهب یتضح أن بعض الأفكار الفلسفية المانوية خضعت لنقد ودراسة فلاسفة الشرق والغرب لاحقاً وهو ما یظهر بشكل خاص في موضوع المعرفة الکونیة والمعرفة المعنوية. 
شهدت الفلسفة في إيران خلال العصر الإسلامي ازدهاراً مدهشاً وبظهور الفلسفـة الإسلامیة أصبحت لإيـران  ــ التي ظلت خـلال الـ 100‚1 سنة الماضيـة المركـز الرئيس لنشرهـا ــ حصـة الأسد في تأسيس المذاهب الفلسفية الرئیسة التي عمّت بنفوذها جمیع الأقطار من أوروبا حتى الهند والصين. وما یجدر ذکره هو أن الفلسفة في إيران في العصر الإسلامي لاتنفصل عن الفلسفة الإسلامية بشكل عام فیما یتعلق ببعض الفلاسفة والفئات مثل إخوان الصفاء من الصعوبة التمییز بين العوامل الإيرانية والعربية وإطلاق القومیة بصفتها مفهوماً جدیداً على العصر الذي كان بعيداً عن مثل هذه التقسيمات. ولذلك، عند الحديث عن الفلسفة الإسلامية في إيران یجب الأخذ بعین الاعتبار الحدود الثقافیة الإیرانیة التي کان نطاقها أوسع من حدود إيران الحالية. وبسبب سعة الموضوع، يمكن فصل الفلسفة الإسلامية في شبه القارة الهندية والإمبراطورية العثمانية التي كانت خاضعة لتأثير الثقافة الإسلامية الإیرانیة عن هذا البحث، ولكن لايمكن اعتبار بلخ وبخارى ومرو وسمرقند خارج نطاق الفلسفة الإسلامية الإیرانیة. 
وعلى أي حال، فقد ظهرت الفلسفة الإسلامية منذ القرنين 2و3ه‍ /  8و9م من خلال ترجمة الآثار الفلسفية اليونانية والتفكير بشأنها من المنظار الإسلامي وتجسدت في القرن 3ه‍ على شكل منظم. ويعد أبو يعقوب الكندي أول فيلسوف إسلامي وهو عربي الأصل ومن قبيلة كندة کان یقطن بغداد، ولكن ربما كان قد ألف قبله بسنین أم الكتاب الذي يعتبر من أمهات آثار الفلسفة الإسماعيلية وزعموا أنه نتيجة سلسلة من المباحثات مع الإمام محمد الباقر(ع). كما عاصر الكندي فيلسوف إيراني من أهل خراسان يدعى أبا العباس الإيرانشهري، حيث نقل عنه بيروني وناصر خسرو. 
ومنذ بداية القرن 4ه‍ / 10م نشأ في إيران المذهبان الفلسفيان الكبيران المشائي والإسماعيلي وبذلك بدأت الفلسفة الإسلامية تاریخها في هذا البلد. ومن أجل تسليط الأضواء علی تاریخ الفلسفة في إیران خلال فترة زمنیة تتجاوز 000,1 سنة يمكن تقسيم هذه القرون إلى 5 عهود: 1. منذ البدء وحتى القرن 5ه‍ / 10م أي عصر تلامذة ابن سينا باعتباره العصر الذهبي للفلسفة المشائية والإسماعیلیة. 2. القرنان 5 و6ه‍ فترة سیطرة علم الكلام على الفلسفة. 3. منذ القرن 7 حتى 10ه‍ / 13 حتى 16م، فترة إحياء الفلسفة المشائية وازدهار الحكمة الإشراقية والتقريب بين المدارس الفلسفية المختلفة. 4. منذ القرن 10ه‍ حتى نهاية العهد القاجاري، حيث يبدأ بمدرسة أصفهان وينتهي بمدرسة طهران، 5. منذ نهاية العهد القاجاري حتى اليوم وهو عصر غزو الفلسفات الغربية لإيران وفي نفس الوقت عصر إحياء الفلسفة الإسلامية ومواجهة المدارس الفلسفية الغربية.
1. في العهد الأول انتقل مركز الفلسفة المشائية من بغداد إلى خراسان وفیه ظهر أبو نصر الفارابي أول فيلسوف كبير في هذه البلاد ثم توجه من خراسان، إلى بغداد حتی سكن دمشق وتوفي فيها أخيراً. وعلی یده وقبل الکندي نضجت الفلسفة المشائية التي تعد بحد ذاتها توفيقاً بين أفكار الإسلام التوحيدية والفلسفة الأرسطية والأفلاطونية المحدثة، رغم أن المصطلحات الفلسفية التي شاعت فيما بعد، لم تكن قد ترسخت بشكل کامل في هذا لعهد كتب الفارابي (ح 257-339ه‍ / 871-950م) رسائل عديدة في المنطق الصوري كما وضع أساس المنطق في الفلسفة الإسلامية وبادر إلى التوفيق بين فلسفة أفلاطون وأرسطو وكتب أحد أهم آثاره في هذا المجال المسمی الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون الإلٰهي وأرسطو وأیضاً من أهم آثاره كتاب الحروف الذي یتناول العلاقة بين الفلسفة واللغة وأخيراً، يجب أن نذكر آراء أهل المدينة الفاضلة كأحد آثاره الرئيسة والذي يعتبر النص الأصلي للفلسفة السياسية الإسلامية. وفضلاً عن ذلک فإن رسائله القصيرة وذات النفوذ الكبير في ذات الوقت حول العقل وتصنيف العلوم تحظی بأهمیة ویجب أخذها بنظر الاعتبار وبالنظر إلی هذه الآثار وخاصة تصنیف العلوم وفروعها المتعددة وتعيين حدودها لقبه المسلمون بالمعلم الثاني كما لقبوا أرسطو بالمعلم الأول. 
ظهرت بعد الفارابي في النصف الثاني من القرن 4ه‍ منافسة بين الأوساط الفلسفية في بغداد وخراسان، حيث کانت العناصر الإیرانیة فیهما ذات أهمیة بالغة وقد كان أبو سليمان السجستاني المنطقي (تـ ح 391ه‍ / 1001م) علی رأس مدرسة بغداد، حيث كان يميل إلى المنطق ميلاً شديداً كما ألف كتـاباً حول تاريخ الفلاسفة، وكان أبو الحسن العامري (تـ 381ه‍ / 992م) أکبر فيلسوف خراساني عاش في فترة ما بين الفارابي وابن سينا، إلا أن شیخ الرئیس جعله عرضة للمهاجمة ولذلک بقي مغموراً إلى حد كبير حتی ظهر ملاصدرا وعني بأفكاره، وشهدت مؤخراً آثاره الفلسفية المهمة مثل الإعلام بمناقب الإسلام والأمد على الأبد إقبالاً كبيراً. 
مما لایرقی إلیه الشک هو أن ابن سينا (370- 428ه‍ / 980-1037م) يعتبر أشهر فلاسفة هذا العصر وأکبر العلماء المسلمين نفوذاً في مجال الفلسفة والعلوم، حيث أکمل الفلسفة المشائية في نهاية القرن 4 وبداية القرن 5ه‍ وألف كتباً ظلت حیّة علی مدی العصور. فإنه لم يسافر إلى بغداد أبداً خلافاً للفارابي وأمضى عمره بعد مغادرة مسقط رأسه بلخ في مختلف المدن الإیرانیة منها الري وأصفهان وأخیراً استوطن همدان ومکث فیها حتی أدرکه الموت. ترك هذا المفكر طيلة حياته المضطربة أكثر من 220 أثراً قسم منها في العلوم وخاصة الطب والقسم الآخر في الفلسفة والعلوم المتعلقة بها. وفضلاً عن أبداع فلسفة طبية عمیقة یمثلها كتابه الأول القانون، فإنه استعرض الفلسفة المشائية في سلسلة من الكتب باللغة العربية بشكل متفحص. ومن أهمها كتاب الشفاء باعتباره أكبر موسوعة علمية تتناول العلوم الطبيعية والرياضية بالإضافة إلى الفلسفة. ولكن أهم أقسامه من الناحية الفلسفية هو الإلٰهيات والقسم الأول من الطبيعيات، كما يشمل قسم المنطق أوسع بحث في مجال المنطق في الفلسفة الإسلامية. وقد لخص الشيخ الرئيس مواضيع الشفاء في كتاب النجاة كما نقل دورة من الفلسفة المشائیة إلى الفارسية لأول مرة في دانشنامه علائي وقد كان لهذه المحاولة دور كبير في إعداد اللغة الفارسية كثاني لغة مهمة للفلسفة الإسلامية. وقد تطرق ابن سينا في نهاية عمره إلى «الحكمة المشرقية» فضلاً عن كتابة رسائل صغيرة عديدة حول مختلف الموضوعات الفلسفیة وأبدى في الإشارات والتنبيهات وهو آخر آثاره الفلسفية، ميلاً إلى البحوث العرفانية. كما كتب عدداً من الرسائل التمثيلية مثل حی بن يقظان ورسالة الطير وسلامان وأبسال، وتعتبر هذه الآثار القاعدة الأولی والنموذج الأول للحكايات التمثيلية الفلسفية التي بلغت كمالها فيما بعد على يد شيخ الإشراق. 
وقد أوضح ابن سینا الاختلاف بين الوجود والماهية، واتخذ من الامتياز بين الوجوب والإمكان الذي هو أساس الفلسفة الإسلامية، محوراً لوجهة نظره الفلسفية وأسس في الحقيقة قاعدة لفلسفة الوجود، أو معرفة الوجود، حتى أن بعض المؤرخين في الغرب اعتبروه أول «فلاسفة الوجود». ولايمكن أبداً اعتبار ابن سينا مجرد متبع لأرسطو ــ رغم أنه متضلع بشكل خاص من الفلسفة الأرسطيـة ــ بل إنه مزج أفكار هذا الفيلسوف المختلفة بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة حول فيضان مراتب الوجود من المبدأ ومع موضوع التوحيد الإسلامي والوحي، مؤسساً بذلك وحدة جديدة. كما كان أول فيلسوف فسر السور القرآنية. لقد واصل تلامذته مثل الجرجاني وابن زيلة وخاصة بهمنيار صاحب كتاب التحصيل ثم اللوكري، أفكاره حتى منتصف القرن 5ه‍ / 11م، ولكن الفلسفة المشائية بشكل عام وأفكار ابن سينا بشكل خاص أُهملت إلى حد كبير لمدة قرن أو قرنین بسبب سیطرة الكلام الأشعري ومعارضته للفلسفة، مع ذلک استمرت بقوة في الأندلس في تلك الفترة نفسها وانبعثت من جدید في إيران على يد خواجه نصير الدين الطوسي وکثر عدد أتباعها علی أي حال کان لابن سینا مکانة مرموقة ونفوذ واسع، بحیث ترک بصماته حتی علی المذاهب الكلامية، أو الإشراقية والعرفانية. 
لقد ظهرت مدرسة الفلسفة الإسماعیلیة بظهور الفلسفة المشائیة في إیران وکان کبار الفلاسفة الإسماعیلیة في العصر الفاطمي من الإیرانیین وقد استمر الوضع علی هذا المنوال حتی زوال حركة ألموت. ومنذ القرنين 3و4ه‍ وما یلیهما بذل الفلاسفة الإسماعيلية جهدهم في تبیین الفلسفة الإسماعيلية ونشرها. وقد ترك أبو حاتم الرازي (تـ 322ه‍ / 934م) آثاراً معروفة منها أعلام النبوة وهو الذي شمـر عـن ساعدیـه لمجابهة محمـد بـن زكريا الـرازي. وأمـا أبو يعقوب السجستاني (القرن 4ه‍ / 10م) فإنه بتألیفه كشف المحجوب أوجد أحد آثار هذا المذهب الهامة وألف بعده حميد الدين الكرماني (ح 408ه‍ / 1017م) راحة العقل ونظّم الفلسفة الإسماعیلیة نظاماً جدیداً. ثم جاء دور رسائل إخوان الصفا (في القرن 4ه‍( إحدی أشهر مجموعات الفلسفة الإسلامیة والتي تضم 51 رسالة وترکت تأثیراً کبیراً علی الشيعة الاثني عشرية والسنة، فضلاً عن الأوساط الإسماعيلية (ظ: ن.د، إخوان الصفاء). وکان ناصر خسرو (394-481ه‍ / 1004- 1088م) أشهر فلاسفة المذهب الإسماعيلي، وکتابه جامع الحکمتین من أبرز آثاره الفلسفية محاولة للتوفيق بين الحكمة الإيمانية القائمة على الوحي وبين الحكمة اليونانية. ويعد نصير الدين الطوسي (القرن 7ه‍ / 13م) الحلقة الأخیرة من سلسلة فلاسفة هذا المذهب، حيث التحق بحكام ألموت، ورغم أنه ینتمي إلی الشيعة الاثني عشرية، إلا أنه كتب آثاراً في الفلسفة الإسماعيلية ومنها کتاب التصورات. 

 

الصفحة 1 من62

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: