الصفحة الرئیسیة / المقالات / ایران /

فهرس الموضوعات

تنوع القوانين:  علی الرغم من شحّ المعلومات الشدید حول مفاد القوانين في العصر الأخميني، غیر أن الشواهد في مجال تنوع هذه القوانين واضحة نسبياً. واستناداً إلى الروايات التي وصلتنا من اليونانيین، فقد كانت القوانين الجزائية تحتل الصدارة في القانون الملكي (م.ن، 14:6-7) وبإمکاننا أن نرصد مدی اهتمام الملوك الأخمينييـن بمثل هـذه القوانین، من خلال النقوش أيضـاً (مثـلاً ظ: .DNb,11ff). وقد تحدث يوسفوس باختصار حول قوانين إيران، ولفت الانتباه إلى أن القوانين الإيرانية الجزائية کانت تستحق الثناء مـن وجهة نظر ناقد مثل أپولونيوس (ظ: 2:26). 
وكمبدأ للنظر في الأمور الجزائية، سواء في موضع التشريع، أو القضاء، یجب الأخذ بعین الاعتبار المبدأ الذي استند إليه داريوش وهو إن معاقبة أي مجرم فلابد أن تكون متناسبة مع الجريمة التي اقترفها (DNb ، ن.ص). وأما المبدأ الآخر الذي انعكس في تقرير هيرودوتس، فهو الذي لا يحق بموجبه لا للملك ولا لأي ذي سلطة أن يحكم بالموت على من ارتکب الجريمة للمرة الأولى كما لا يحق لأي إيراني أن ينزل عقوبة شديدة على شخص بسبب ذنب ما، حتى يتم التثبت من أن أخطاءه وجرائمه أكثر من خدماته. وقد أثار هذا المبدأ إعجاب بعض المؤرخين من جهـة، فيمـا اعتبر أحيانـاً من جهـة أخرى مبـدأ أخلاقيـاً، لاقانونياً (ظ: هيرودوتس، 97؛ نصر، 59-50). 
وفيما يتعلق بالنظام المالي والإداري والقوانين المتعلقة به، يجب القول إن داريوش حقق في إصلاحاته الوعد الذي قطعه کورش سابقاً بتنظيم القوانين الضریبیة، فنظم عملية جباية الضرائب في رقعة حكمه (ظ: أفلاطون، «القوانين»، 174). وقد كانت الخطوات التي اتخذت في هذا العصر لتنسیق الشؤون المالية والإدارية في البلاد، مقدمة لظهور تركيبة قانونية؛ والشاهد على ذلك، عدد من المصطلحات في إطار النظام المالي والإداري مثل المدقّق وأمين الخزانة والمفتش والتي دخلت اللغة الفارسية القديمة، وتسربت مع بعض التغييرات إلی مطاوي الكتب الآرامية المقدسة وغيرها (للمزید ظ: غزنيوس، 159,1089، مخ‍ ؛ هدايـت، 1، 12، مخ‍ ؛ إيرانيكا، II / 257). 
وأما بشأن الحقوق الشخصية فإن المعلومات قلیلة للغایة، بحیث تطالعنا إشارات إلى قوانين الزواج، مثل جواز تعدد الزوجات (هيرودوتس، 96) وعدم تجویز الزواج بالمحارم (م.ن، 281). ويبدو أن قوانین الحقوق الشخصیة في العصر الأخميني لابد وأنها كانت مرتبطة بعلاقة وثیقة مع التعاليم الدينية في ذلك العصر، والاطلاع أكثر علیها مرهون باتضاح الخصائص الدينية لإيران في العصر الأخميني (ظ: نصر، 60). كما أن من المحتمل أن یکون الإیرانیون قد تبنوا بعد فتح بابل، أقساماً من التشريعات البابلية، وخاصة قوانینها التجارية، وأشاعوها في أرجاء الإمبراطورية الأخمينية (ظ: إمستد، 120؛ صالح، 124).
ونحن نعلم فيما يتعلق بالنظام القضائي أن مجموعة من القضاة، 7 أفراد عادة، كان يتم اختيارهم كمستشارين قضائيين للملك، أو «قضاة ملكيين» حسب تعبير المؤرخين اليونانيين. وكانت هذه المجموعة تمثل أعلى مرجع قضائي في البلاد، حيث كان هناك تشدد في اختيار أعضائها من حيث العلم والأمانة. وقد كانت العضوية في هذه الهيئة أبدیة، إلا إذا ارتكب القاضي مخالفة، حيث كانت تنـزل عليه عقوبة الموت الصارمة (ظ: «كتاب أستر»، 13:1 ومابعدها؛ هيرودوتس، 281,482-483,738)

ج‌‌ ـ القانون في العصرين السلوقي والأشكاني

  بعد زوال السلالة الأخمينية، ظلت تشريعات داريوش تشكل إلی حدّ ما الركن الأساسي للقوانين في إيران، وذلك في العصر السلوقي وما بعده خلال حكم الأشكانيين (ظ: أُمستد، 130ff.؛ نصر، 63)، ولكن كان یتوقع عبر القرون الطویلة وخاصة في العصر الأشکاني أن یتم إکمال هذه القوانین. وفي هذا الصدد وفیما یتعلق بالحقوق الدستوریة فلابد من الإشارة إلى قانون لتنظيم نقل السلطنة والحد من صلاحيات الملك، والذي وضعه تيرداد الأول، کما ذکر یوستین ونسبه راولیسنون إلی مهرداد الأول، مشیراً إلی احتمال الخطأ في الضبط. كانت الدولة الأشکانیة تتمتع بالظروف الملائمة لخلق جو تشاوري وتقسيم السلطات، في حین كانت تتبع في تركيبتها نظام ملوك الطوائف، وكانت قد ابتعدت إلى حد كبير عن نظام السیادة الموحدة في العصر الأخميني، وفي ظل هذه الظروف كان من الضروري أن يتشاور الملك في القرارات الهامة أعضاء المجلسین: بين المجلس العائلي التشاوري وأعضاؤه العائلة المالكة، ومجلس الشيوخ، وهو مجلس مؤلف من الشخصيات الأرستقراطية ذات النفوذ، وكانت المداولات تتم أحياناً في القرارات الأساسية، بين تركيبة من ذينك المجلسين، تسمى مهستان (مغستان) (ظ: صالح، 142-143؛ نصر، ن.صص).
ورغم أن جمع الأقسام المتبقیة من أفستا وتدوینها بأمر من الملك الأشكاني بلاش (ولخش) (کما یظهر أنه بلاش الأول، 50-76م) یبدو من الوهلة الأولی محاولة في إطار إحیاء التراث الدیني الإیراني، إلا أنه نظراً للمحتويات القانونية لأقسام من داتيك أفستا (قانون أفستا) یستحق الاهتمام باعتباره خطوة مهمة باتجاه تدوين التشريعات الدينية ـ القانونية (دينكرد، 4:16 ؛ أيضاً ظ: نصر، 94). ومع الأخذ بعین الاعتبار شحّ المصادر القانونية المتعلقة بالعصر الأشكاني، فإن اكتشاف عدد من عقود الاستئجار التي تعود إلی أواسط ذلك العصر یحظی بأهمیة کبیرة (مثلاً ظ: إيرانيكا، VI / 222-223).

د‌ ـ القانون في العصر الساساني

  يتمتع العصر الساساني بمكانة فائقة الأهمية في تاريخ قوانين إيران من حيث إنه كان يمثل عهد تجربة حكم قائم على الدين. وكما ذكرنا سابقاً، فقدكان للتعاليم الدينية منذ العصور السابقة دور مهم في النظام القانوني في إيران، ولكن العصر الساساني يحتل مكانة خاصة في النظام التشريعي، كما هو الحال بالنسبة إلى شؤون البلاد الأخرى، وذلك من حيث إضفاء الطابع الديني على قسم واسع من القوانين. وفيما يتعلق بمصدر القوانین الساسانية، يجب اعتبار تعاليم أفستا داتيك (التعاليم القانونية في أفستا) أساسه، ولكن اتساع دائرة القوانین الأفستائية وجعلها منسجمة مع مجتمع العصر الساساني، کان بحاجة إلى تقديم تفسيرات للنصوص الدينية القديمة والتي كانت تتم على يد الشخصيات الدينية البارزة. وقد كانت هذه التفسيرات تخلق الأرضية للاختلاف في وجهات النظر وتقديم آراء قانونیة غیر متناسقة أحياناً. 
القانون والشريعة الزرادشتية:  كانت الشريعة في السنن الدينية للإيرانيين قبل الإسلام، مطروحة باعتبارها نظاماً مشرفاً على مجموع الواجبات والتكاليف الدينية في الجانبين العبادي والقانوني، وقد قربت هذه الخصوصية تشابهها مع الفقه الإسلامي. وتدل النصوص المتبقية على أن موضوع التکالیف في الديانة الزرادشتية، كان قد دون باعتباره علماً محدداً من بين العلوم الدينية، وحتى أن مذاهب فقهية خاصة حسب التعبير الإسلامي كانت قد ظهرت في إطارها على أساسا لاختلاف في الاستنباطات (ظ: شايست ... ، 1: 3-4؛ أیضاً المذكرات).
وعلى هذا الأساس، فإن المجموعات القانونیة المتبقية من العصر الساساني، تتمتع بماهية شرعية، وهي من الناحية العملية، تعكس وجهة نظر الحَكَم، أو مذهب خاص على أساس استنباطاته الدينية. ويعد ماديان هزار دادستان (مجموعة ألف تحكيم) أبرز نص تشريعي، وهو لفرخ مردِ وهرامان، حيث يضم مباحث قانونية مدنية مختلفة مثل الزواج الإرث والوصاية والملكية والوقف والإجارة والرهن والـوكالة والمشارکة وقليل من المباحث الجزائية (بارتولمه، 3ff. ؛ تفضلي، 286-287). ويبدو أن هذا النص الذي عبر عنه أحياناً بالقانون المدني (أو الاجتماعي) في إيران الساسانية (ظ: فست، 116؛ شكي، 227ff.) ليس قانوناً رسمياً بل نصاً شرعياً. 
ومن النصوص الأخرى المتبقية التي یظهر فيها امتزاج أكثر بين التکالیف القانونية والدينية، تمكن الإشارة إلى دادستان ديني وشايست نشايست وروايات أميد أشوهشتان وروايات آذرفرنبغ فرخزادان وروايات فرنبغ سروش وپرسشهاي إسفنديار فرخ بُرزين وأقسام من موسوعة دينكرد (ظ: م.ن، 128,150,279ff.؛ حول القوانين الشخصية والقوانين الجزائية الساسانية، ظ: نصر، 239ff.). 
العلاقة بين الحكومة والقانون:  يعتبر السؤال الأساسي عن العلاقة بين الحكومة والقانون هو السؤال عن تطبيق القانون في مسئلة تسنم الحكم وأعمال الحكومة؛ رغم أن الحكم الساساني منح السلطة للشريعة الزرادشتية للتسلط على شؤون القوانين الشخصية والجزائية، إلا أنه واستناداً إلی الشواهد فإن نطاق القانون العام ظل بمنأي عن الشريعة غالباً. وفي الحقيقة، يجب البحث عن القوانين القليلة المتبقية في أوامر الملوك الساسانيين، خاصة أردشير التي أصبحت بمثابة رسالة قانونية تحظى باحترام عند أخلافه من الملوک. 
يعد نص «عهد أردشير» أهم وثيقة في هذا المجال، حيث عُرف عن طريق الترجمات العربية، وقد تم فيه تنظيم تعليمات دقيقة حول انتخاب ولي العهد مع ذكـر شروط ولايـة العهـد، وكذلك كيفية إعلانها (ظ: أبو علي مسكويه، 1 / 63، 68) وفي هذا النص، يوصي أردشير بعد ذكر بعض المقدمات، ورثة عرشه، بأن لايترددوا في خلع أنفسهم من الملك إذا مالم يجدوا أمر الرعايا في طريق الصلاح، ولم يروا في أنفسهم القدرة على إصلاحه (م.ن، 1 / 62) وأن يوكلوا زمام الأمور إلى شخص یصلح للأمر ولكن يبدو أن هذا الكلام القائل بأن الرعيـة بـإمكانها عزل الملك عن الحكم في حالة عدم صلاحيته في عهد أردشیر (م.ن، 1 / 61)، يحمل في الظاهر شكل الموعظة والتحذير، فلم يبذل جهد لتحويله إلى قانون. 
وقد خطا أردشير خطوات مهمة باتجاه تقنين النظام الإداري والمالي للبلاد، ووضع قاعدة منيعة وقانونية للسلالة الساسانية. وتدل محتویات نص يبدو أنه انتقل من خداي‌ نامه إلى المصادر الإسلامية، وعرف باسم رسالة أردشير، على اهتمام أردشير بوضع القوانين بشأن أمور البلاد الإدارية والمالية، وقد ذكرت في هذا النص قوانین حول كيفية التوظيف والإشراف على عمل القضاة والكتّاب وجباة الضرائب والمسؤولين الآخرين وأسلوب قبول السفراء وتعديل القوانين المتعلقة بالضرائب وقوانين حول بناء المدن والعمران واتخذت تدابير للمحافظة على مركز الأسر الأرستقراطية كضمان لتنفيذ الكثير من القوانين (عن النص، ظ: نهاية الأرب ... ، 186 ومابعدها؛ فردوسي، 587-589).
وقد اكتسبت القوانين الإدارية‌ ـ المالية في النص المعروف بـ «عهد أردشير إلى هرمز» صورة أكثر كمالاً، فضلاً عن تعديل النظام الضريبـي الذي تم التأكيد عليه بشدة. ومن مباحثه المهمة موضوعات مثل وضع ضوابط للهبات والمكافآت الملكية وقواعد لشروط اختيار الوزير ونطاق عمله، وأسلوب التعامل مع أخطائه وقواعد تتعلق بعمل المفتشين والجواسيس وإكمال القوانين المرتبطة بخدمات المسؤولين الحكوميين ووضع مقررات للحد من نفوذ رجال البلاط وكذلك القادة العسكريين وتتبع هدف تحقيق «الأمن لعامة الناس» (ظ: أبو الحسن عامري، 296- 298، مخ‍ ؛ الثعالبي، 495- 498؛ الجهشياري، 1-11؛ عن إصلاحات أنوشيروان في القوانين المالية، ظ: أبو علي مسكويه، 1 / 102: «كارنامه أنوشيروان»). 
وقد ذكرت في الرسالة السياسية المنسوبة إلى أردشير المعروفة بنامه تنسر التي تحوي معلومات هامة حول مصطلحات أردشير القانونية، بعض مصطلحاته في مجال التشريعات المدنية والجزائية، إلا أن بعض الباحثين شككوا في صحة نسبتها إلى أردشير (عن نصها، ظ: ابن إسفنديار، 15 ومابعدها؛ لنقد نسبتها، ظ: كريستن سن، 65؛ بويس، 1، عن القوانين الساسانية العامــة، ظ: نصر، 141 ff. ). 
النظام القضائي:  ذكرت في رسالة ماديان طبقتان من القضاة: الصغار والكبار، حيث كان هذا التصنيف على أساس صلاحية قضائهم وأحكامهم. ففي حالة طلب أحد طرفي الدعوى الاستئناف بشأن حكم القاضي الصغیر، كـان يتـم إرجاع الدعوى إلى الحَكَم الكبير، حيث كان موبذ الموابذة [= رئيس رجال الدين] وهو أكبر شخصية دينية وأكبر مرجع قضائي في البلاد. وكما قيل، فقد كان إصلاح النظام القضائي يحظى بالاهتمام منذ عصر أردشير، ولكننا نعلم استناداً إلى ماديان هزار دادستان أن بعض الإصلاحات حدثت في الجهاز القضائي في عهد أنوشيروان، وأن الملك قدم إلى الحكام، الختم الرسمي لتأييد الأحكام القضائية. وكان هناك حَكَمان يحضران في حالة خاصة من القضاء، وكانت تشكل بشكل أخص لجنة من الحكام والموبذة المبرزین للقضاء. وقد بُـيِّنت في هذا النص في فصل «صلاحية الموظفين الحكوميين» صلاحيات الحكام وواجباتهم، ونوقشت أمور مثل التحقيق في حيثية الدعوى، والمباحث المتعلقة بالشهادة ولائحة القضاء بشكل مفصل (ظ: نصر، 222 ff.؛ إيرانيكا، VI / 557؛ نوابي، VII / 278-279,334، مخ‍). 


القوانين والتشريعات في إيران في العصر الإسلامي

 بعد فتح إيران طرأت على المؤسسات السياسية والتركيبة الاجتماعية في إيران تغييرات أساسية، وتأثرت المؤسسات القانونية الأخرى أيضاً تأثراً عميقاً بالتعاليم الإسلامية مع اتساع النفوذ الثقافي للإسلام في مناطق البلاد المختلفة. وبعد قبول الإسلام، فتح مجال العمل أمام الفقه الإسلامي، في مجالات من القوانين كانت تنسجم مع الواجبات الدينية، حيث أدى الإيرانيون أنفسهم دوراً مهماً في تدوينه ونشره نظرياً (ظ: قسم XII). 

أ ـ الخصائص العامة

1. التوصل إلى الجمع بين الشرع والعرف: كان «الشرع» في معناه الأول عبارة عن الأحكام التي كانت قد عيّنت في النصوص الدينية من الكتاب والسنة من جانب الله (الشريف المرتضى، 274؛ النووي، 2(1) / 161-162). ولكن ضرورة التوصل إلى تفسير للنصوص، فتحت الطریق لظهور علم الفقه الذي كان يتولى استنباط الأحكام الشرعية من النصوص والأدلة الأخرى. وهكذا، أخذت الأحكام الشرعية تتسع في الأوساط الفقهية، واتسعت دائرة قضایاها ومباحثها على مر القرون وهي تتعامل مع المصاديق التشريعية الجديدة. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن علم الفقه وظف دوماً طيلة تاريخه العرف كأداة لتفسير النصوص على الأقل، الأمر الذي يتجلى بشكل بالغ الوضوح، خاصة في مباحث مثل المعاملات، يمكن القول إن الفقه الإسلامي كان يتحرك دوماً في مسار تقديم قوانين منسجمة مع عرف المجتمع، وكان تعامله مع القوانين العرفية، يتمثل في إصلاحها وعرضها بشكل مدون مع إيجاد إلزام دينـي لتنفیذها، وذلك في حالة كونها متلاءمة مع الأصول العامة للشريعة الإسلامية. 
والآن يجب الأخذ بنظر الاعتبار أن دخول الإسلام كان أيضاً مقدمة للإصلاحات الأساسية في النظام الحقوقي، وذلك بالنسبة إلى بلد مثل إيران، يتميز بتاريخ طويل في مجال القانون في عصر ماقبل الإسلام. فقد هيأ الإسلام الذي كان يضم مناطق واسعة من بلاد ماوراء النهر وحتى الأندلس بعد فترة قصيرة من ظهوره، ظروفاً منقطعة النظير لجميع المسلمين ومنهم الإيرانيون كي يخرجوا من عزلتهم ويتعرفوا أيضاً على الثقافات الأخرى، حيث كان ذلك بداية حركة المسلمين نحو اتحاد نسبي في النظام التشريعي إلى جانب وحدتهم الدينية. وقد أدى هذا العامل مع إلغاء النظام الطبقي السابق على أثر اعتناق الإسلام، إلى أن یتخلّوا عن بعض خصائصهم في مجال القانون والتي كانوا يرونها لاتلائم الظروف الثقافية الجديدة، مرحّبین بهذه الوحدة القانونیة. 
ولكن يجب الالتفات إلى أن بعض خصوصيات القانون العرفي في إيران، كانت منبثقة من الخصوصيات المناخیة والظروف البيئية الأخرى، حيث ظلت أرضيتها موجودة مع اعتناق الإسلام وكان من الواجب في التعاملات الفقهية أن تؤخذ هذه الأرضيات بعين الاعتبار. وفي الحقيقة يجب الانتباه إلى أن بعض الاختلافات بين الفقهاء كانت ناجمة عن اختلافهم في العرف الذي يأخذونه بنظر الاعتبار. وعلى سبيل المثال، فإن القوانین المتعلقة بالري وتوزيع المياه في البلاد الإسلامية ومنها إيران، كانت تتمثل بشكل رئيس في إبقاء نفس القوانین التقليدية للري والتي كانت معمولاً بها حسب الظروف المناخیة والاختلاف الفقهي القديم بشأن جواز بيع الماء، أو عدم جوازه، ناجم عن أن ملكية الماء في الأنظمة التقليدية للسقي، كانت في الغالب تابعة لملكية الأرض وبيع الماء لم تكن له مصداقية، إلا في مناطق مثل يزد وشمال خراسان، حيث كان الماء والأرض مملوكين لمالكين مختلفين (ظ: أبو داود، 194؛ EI2,V / 872).
ومن النماذج الأخرى لتأثير العرف على اتساع المباحث الفقهية الاعتراف بأساليب التعامل المعروفـة بـ «ده يازده» و«ده دوازده» والتي كانت متداولة بين الإيرانيين، وعرفت في الفقه بنفس هذا الاسم الفارسي (أبو داود، 192-195؛ أيضاً ظ: كرابيسي، 1 / 230).
ورغم أن بین القضایا العرفية والأمور الشرعية، بشکل تدریجي يمتد تاريخه إلى دخول الإسلام في إيران، غیر أنه ظهر علی مستوى واسع وبحدود واضحة بين تنظیماتها الديوانية منذ العهد الصفوي؛ فقد كانت الأمور الشرعية التي كانت تضم القسم الأكبر من المباحث المتعلقة بالقوانين الشخصية وقسماً من القوانين الجزائية، في نطاق صلاحية علماء الدين، بینما كانت الأمور العرفية التي كانت تضم مجالات مثل إقامة النظام والأمن وإصلاح النظام المالي والإداري ومجالات من القانون الجزائي، في نطاق الصلاحية المباشرة للملك والاشخاص الذين يعيّنهم (صالح، 208 ومابعدها؛ كديور، 144 ومابعدها). 

 

الصفحة 1 من62

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: