الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبونواس /

فهرس الموضوعات

أبونواس

أبو نواس

تاریخ آخر التحدیث : 1446/5/14 ۲۲:۲۰:۲۲ تاریخ تألیف المقالة

إن القصائد التي نظمها في مدح هارون تمثل کلها أشعاراً رصینة فاخرة، ونظمها غالباً فيقالب الشعر القدیم. وقدبدأ في أول قصیدة (1/106) بـ «النسیب» وذکر الأطلال،بل وحتی باسم رمزي هو أُمیمة، ثم یرکب نقاة ویسارع إلی الممدوح. وعلیه الآن أنیصف بالطبع ناقته المرقال التي تحمله إلی «أبي الدمناء» (هارون الرشید). إلا أن الشاعر العراف بعادات الخلیفة یشیر متملقاً إلی أشعاره التي یدعي فیها «الحج سنةف والغزو سنة» (1/1089. وطبقاً لما یرویه حمزة (ن.م، 1/120-121)، فإن أبا نواس تجرأ أخیراً وتحدث لدی هارون لأول مرة في قصیدة مدح له عن القُبلة ونظرات العاشق والمعشوق و الخمرةف ولحسن حظه حظي بعنایة الخلیفة المهیب.

وأما شعره فيمدح الأمین فهو أکثر طراوة، واتبع فيبعض قصائده الکبیرة والرصینة نفس الأسلوب القدیم، وذکر فیها أطلال دیار الحبیب والناقة المرقال، وبعضاًمن المعاني شبه الحکمیة، والکلمات المستعملة في بیئة الصحراء والمدح وغیر ذلک (ظ: مثلاً 1/121- 124)، إلا أنه ضمّن في عدد من القصائد الأخری أشعاراً خمریة بدلاً من «النسیب» الجاهلي (مثلاً 1/129- 132)، حتی إنه استهل قصیدة (1/131) بالبکاء علی الأطلال والدمن، ثم انشغل بعد ذلک بوصف الخمرة. إن مایؤذي قلوب المؤمنین في مدح هذا الخلیفة العباسي بعض من الادعاءات الوقحة التي لایمکن أن تغتفر: ففي مرة نراه یضع الأمین في مقام النبي (ص) (1/126-127)، ومرة أخری یری أن تقبیل ید الخلیفة یعدل تقبیل رکن الکعبة (1/128)، والدعجب من ذلک أنه یلج في هذه القصیدة عالم السیاسة و ینهمک في الدفاع عن حق العباسیین في الخلافة.

وفي المدائح التي قدمها إلی الفضل بن الربیع جاء رجز طویل للغایة (41 بیتاً) امتلأ خلافاً للانتظار بالمصطلحات و الکلمات البدویة (1/161- 172). ثم نراه فجأة في قصیدة أخری نظمها لابنه العباس یستعمل بضع کلمات فارسیة نادرة نسبیاً (1/196- 197). ولاشک في أن کون البرامکة إیرانیي الأصل کان له تأثیره في استعماله الکلمات البدویة (/161-172). ثم نراه فجأة في قصیدة أخری نظمها لابنه العباس یستعمل بضع کلمات فارسیة نادرة نسبیاً (1/196-197). ولاشک في أن کون البرامکة إیرانیي الأصل کان له تأثیره في استعماله الکلمات الفارسیة. کما هید أبونواس جواً إیرانیاً – یونانیاً لمدح یحیی البرمکي، فشبهه بالمشتري والشمس، وأضاف أن نجم «بهرام» و «زاویش» (زیوش = زیوس) لایبلغان حد سخائه (1/151). ویستعین بروایات التاریخ الساساني في مدح إیراني آخر یدعی عبدالوهاب بن مابستان «من نبلاء فارس»، ویذکّر الممدوح بدن الملوک رأوا أباه منذ طفولتهم، وأنهم کانوا یزینون تیجانهم بصورته من عصر أردشیر حتی عصر الدولة الإسلامیة (1/252- 253)، وقد أورد حمزة قصة طویلة لإیضاح هذه الأبیات (ن.م، 1/253- 254). ومن بین أجمل مدائح أبي نواس الأشعار التي نطمها في مصر للخصیب. تشمل ثاني قصیدة مصریة له (1/219 وما بعدها)، وعدها حمزة من بین القصائد الشهیرة، قطعة من نوع الجغرافیا الأدبیة. فمنذ اللحظة التي ترک فیها بغداد ذکر أسماء المدن و القری والأنهار، الواحد تلو الآخر، حتی وصل إلی الفسطاط. وقد أثار أحد أبیاتها حسد الخلیفة الأمین إلی حد کبیر (حمزة، ن.م، 1/128).

توجد في هذهالمجموعة مقطوعات قصیرة هي في الغالب أکثر جاذبیة وحیویة و أقرب من الحیاة الیومیة للشاعر، وعلی سبیل المثال فقد کتب الشاعر من سجنه إلی الأمین بصبغة توحي بالبراءة: إنک إن سجنت أبانواس (1/242)، أو قتلته (1/243)، فمن سیکون لک أبانواس آخر؟ وعندما ینبهه العتّابي الشاعر إلی ما وقع في شعره من خطأ فاحش، فإن الشاعر الخائف یطلب من العتابي أن لایحیط الخلیفة والآ[رین علماً بذلک الخطأ، لأنهم «بهائم» لایفهمون شیئاً (ظ: حمزة، ن.م، 1/243).

وأما المقطوعات التي کتبها إلی الفضل بن الربیع فنری فیها في الغالب الشکوی من السجّانین الدجلاف (1/244)، والاعتذار، وادعاء التوبة من الخمرةف وادعاء انتهاجه الزهد من الممدوح، والإعراب عن الندم علی الذنب. وفي موضع آخر یصف زوارق الخلیفة التي صنع أحدها علی شکل أسد، والآخر علی شکل عقاب، والآخر علی شکل الدلفین (1/265-266).

وفي عداد «المدائح التي لاتبلغ حد المدائح الکبری» أدرج حمزة عدداً من المقطوعات الد[ری، وهي علی أیة حالة ملفتة للنظر من ناحیة اختیار الموضع: مدح نفسه (1/292،مقطوعتان)، ومدح ابنته برة (1/291)، ومدح رهبان الدیر (1/293)، والثناء علی مکة المکرمة (1/294)، وغیرذلک.

إن المقطوعات الصغیرةف والبدیعة أحیاناً والتي وضعها حمزة في باب المدح تلفت انتباه الباحث لأنها نظمت بشکل متواصل في مناسبة ما، ولذلک تتجلی فیها الحیاة. إلا أن ساحة المنافسة و استعراض القدرة یتمثل حقیقة في القصائد الکبیرة التي یبدو فیها أبونواس في الغالب شاعراً کلاسیکیاً مقلداً، رغم أنه استطاع أن یقف في صف أکبر الشعراء العرب (ظ: الشکعة، 302-303؛ شلق، 444).

 

الهجاء

إن الهجاء نقیض للمدح ولذلک فهو یوازیه، ولم یعتبر في أي من عصور الأدب العربي عملاً فنیاً فحسب، بل کان قبل کل شيء أداة حرب مرعبة أطاحت بالکثیر من الرجال من ذروة قوتهم إلی الحضیض، بل وتسببت في موتهم أحیاناً. ولأن الهجاء بحاجة إلی جو واسع للغایة ومنفتح، وأن المخاطبین فیه لایضعون أیة قیود تقریباً علی الشاعر، ولأن مادّته الأصلیة الهزل والسخریة والکلام اللاذع والمقذع أحیاناً، فقد جعل منه أبونواس بطبیعة الحال میداناً لصولاته، لیخلق بذلک أشعاراً لانظیر لها. إن حسن الحظ الذي حالفه یتجلی بوضوح في أنه قد تحرر من کل قید، فلا الدین ولا یعهد الوفاء ولا الأصل ولاالسیاسة ولا أي أمر آخر استطاع أن یقیده. فالأساس لدیه هو الثورة والتمرد علی جمیع المعطیات الاجتماعیة، والإتیان بالشعر الأصیل الخالد و لاشيء آخر ففي بعض الأحیان یتحول إلی عربي قحطاني یمني أصیل کي یضرب عرب الشمال (العدنانیین)، وفي أحیان أخری یبدو لنا مجدداً فیسخر من جمیع التقالید الشعریة، ونراه حیناً یجسد الحضارة العباسیة، ویقلل من شأن حیاة العرب، وحیناً یبدو إیرانیاً أصیلاً یستهزئ من جمیع العرب وتقالیدهم، ثم یتفاخر بعد ذلک لأنه هزم بهرام و برویز مع العرب الآخرین، أو یهجو البرامکة الإیرانیي الأصل. إن هذه الروح المتمرده المنزلفة لاتهدأ أبداً في إطار البحث، فلیست هناک من حیلة في البحث تستطیع أن تستوعبها و تحتویها، ولایوجد أي أساس بإمکانه أن یلم أذیال تناقضاتها، ولذلک یعد أبونواس أکبر فنان في جمیع عصور الأدب العربي. وقد وضع حمزة مجموعة من أشعار أبي نواس تبلغ 170 قصیدة و مقطوعة هجائیة في الباب السادس، وقسمها إلی 8 فصلو. و تشیر عناوین هذه الفصول بحد ذاتها إلی سعة نطاق أعمال الشاعر إلی حدما: هجاء الأعراب (10 قصائد، 2/1-33)، وهجاء الأشراف والسادة (25 قصیدة، 2/35- 53)، وهجاء أهل العلم (13 قصیدة ومقطوعة، 2/56- 61)، وهجاء الشعراء (23 قصیدة ومقطوعة، 2/61-81)، وهجاء أشخاص مختلفین من عوام الناس (37 مقطوعة، 2/82-102)، وهجاء للسخریة والمزاح (14 مقطوعة، 2/102- 115)، وهجاء مفحش دنيء غث (25 قصیدة ومقطوعةف 2/115- 133)، وأشعار هجاء لیست من فصول الکتاب نُقلت بهدف إکمال الدیوان (30 قصیدة ومقطوعةف 2/133- 147).

ویعلم حمزة جیداً أن الشعر الظریف والمليء بالإشارات المضحکة یغري کل شاعر مغمور بالتقلید، ولذلک فقد نفذ حشد کبیر من الأشعار المختلقة في هذا الباب، إلا أنه لم یعد بمقدوره تمییزها، وقصاری مایستطیع فعله،وهو مقام العالم العارف بالشعر، أن یعد 54 قطعة «من فاحش قوله من غثه وضعیفه»،وکأنه یعتذر من القارئ لأنه جمعها في کتابه. إلا أن هناک دافعین لیس لهما قیمة إلا لدی باحثین حقیقیین مثل حمزة الأصفهاني، دفعاه إلی حفظ هذه الذخائر: الأول «تکملة عدد ما یدخل في الباب»، والآخر «اعتبار حال هذا الشاعر الذي کان بمعزل من التصنع و غیر مُبال أن یری هذا الإحسانَ مُسیئاً» (ن.م، 2/147-148). ومع کل ذلک فقد تغاضی عن 11 «مقطوعة» عرف أصحابها الأصلیین (ن.م، 2/148- 149).

إن هذه الأشعار «المقذعة» لها أهمیة کبیرة في معرفة مجتمع العراق وإیران و کذلک سجایا الأشخاص في ذلک العصر و خاصة التأثیر الإیراني حتی وإن کان بعضها قد نظم في تلک العصور من قبل أشخاص آخرین. وفي هذا الفصل نفسه جُمع أغلب ما سماه مجتب مینوي بفارسیات أبي نواس (ص 62). وفي أول قصیدة من باب الهجاء وقد نظمت في 46 بیتاً، یمتد أمامنا مشهد واسع، یجمع بین ادعاء أبي نواس الأصل العربي ومحاربته العرب في ذات الوقت فها هو أبونواس الذي یعتبر نفسه من عرب الیمن یهتف قائلاً: لقد نهضنا منمدینة صنعاء، مدینة «الأذواء و الأقیال». والضحاک الذي نبتت علی عاتقه الأفاعي من قومنا. و نحن من دمرنا مرازبة بهرام والروم، لقد أعطینا الأمان لبرواز (برویز) و أعدناه إلی عرشه وأسرنا قابوس (کاووس)، فعلینا إذن أن نفتخر بالقحطانیین و شجعانهم و کذلک بأسرهم الکبیرة کحمیر و غسان.

وهنا یوضح الشاعر موقفه إزاء قبیلة النبي (ص): فعلینا أن نکن الحب لعشیرة النبي (ص)، وأما القرسیون التجار فلا فخر لهم. وبعد ذلک تتوالی أسماء حشد من القبائل العربیة الکبیرة مثل نزار و تمیم وقیس عیلان و بني أسد و بکر و ثعلب و نمر، مقترنة بالنقد و السخریة اللاذعة.

وبذلک یهجو الشاعر أکثر من نصف العرب ومن جملتهم أسرة الخلیفة آخذاً بنظر الاعتبار «مفاخر و مثالب» العصر الجاهلي. وقد تکررت هذه الأقوال نفسها في 7 قصائد طویلة أخری، حیث تم في بعضها الاستهزاء بوضاعة حیاة البدو وخاصة القصیدة الخامسة (2/25).کما أنه لم ینس جیرانه السابقین، أي قبائل أزد عمان (2/30- 31).

ویقال إن الخلیفة ألقاه فيالسجن بسبب القصیدة الأولي (2/1). وقد هجا في القصیدة الثالثة (1/13) أفراد بني تمیم بدنهم یأکلون الضب. وبذلک فقد کان یسبب لنفسه المتاعب الکثیرة.

إن هذه القصائد لایمکن فهما دون الاطلاع الدقیق علی أخبار وأنساب القبائل، ودون الاستعانة بالشروح،ولذلک علینا أن نعتبر الکثیر من إیضاحات الغزالة في حاشیة الدیوان مضللة، بل و غیر صحیحة دحیاناً.

إن هجاء الأشراف (2/35- 55) یتخذ أحیاناً طابع السیاسة، وأحیاناً أخری طابع الأحقاد الشخصیة. وهجاء البرامکة الذین کان یمدحهم یوماً، ریما کان مجاملة للخلیفة (ظ: 2/50- 51). أما اتهامه أسرة ابن حُدَیج بالکفر والمشارکة في حروب الردة و قتل صهر النبي (ص) (2/35- 40)،وکذا إسماعیل بن صبیح کاتب السر الخاص للأمین بحبه للأمویین وارتکابه الخیانة مع نساء الحرم (2/43-45)، لعله کان لأغراض شخصیة، ذلک لأنه کان یحاول بهذه الأشعار اجتثاث جذورهم، و یهدف إلی أن یبلو إسماعیل أیضاً بما ابتلی به البرامکة.

ونحن لانعلم کیف وصلتوقاحة أبي نواس إلی درجة بحیث إنه هجا أیضاً العباسةأخت هارون الرید، وتسبب في أن یعرض عنها الخطیب الثالث (2/53).

وهجاء العلماء المعاصرین (2/56- 61) ذو طابع شخصي أکثر، و هو أکثر واقعیة وأکثر عنفاً أحیاناً. والشاعر قد استطاع فیه أن یمزق الحجب الظاهرة بسهولة،ویکشف عن الخصال غیر الحمیدة التي یرغب الناس دوماً في إخفائها. فنراه یتهم الهیثم بن عدي، المحدث والنسابة الکبیر، بالضعف في الدین و النفاق دون أن یعیر دهمیة إلی توسلاته، ویسخر منه لأنه یتکتم علی أصله الدجنبي و یتظاهر بأنه عربي (2/57؛ أیضاً ظ: الخطیب، 14/53- 54). ویسخر أیضاً من الکیمیاویین الذین یضیعون أعمارهم للحصول علی الذهب (2/57). کما یسخر من قطب النحوي (2/58)، وأبي عبیدة معمر بن المثنی (2/59)، وعلي الدسواري و کذلک کبیر المعتزلة إبراهیم النظام 02/60)، ذاک الذي حفظ شیئاً وغابت عنه أشیاء (3/4). وبذلک تعرض الجمیع لسهام هجوه السامة.

ویعتبر سهم الرقاشي الذي کان أحد أعضاء «جماعة الخلعاء» من بین أکثر من هجاهم (2/61-81). ویدور الموضوع الدصلي لهجائه حول لؤمه، والآخر حول ادعائه أنه من أصل عربي. و أما زنبور بن أبي حماد الذي یبدو أنه کان قد ضاق ذرعاً بهجائه، فقد اتهمه بسب الشیعة و خاصة أمیر المؤمنین (ع). و علی ماتفید روایة حمزة (ن.م؛ 2/75)، فقد أدی هذا الد»ر إلی أن یُدس السم للشاعر.

ویبدو أن حقد الشاعر علی أشجع السلمي (الذي أثار ادعاؤه للأصل العربي سخریة الشاعر) کان بسبب أنه أوغر البرامکة علی أبي نواس (ن.م، 2/76). وأما الشاعر الآخر لبلاط البرامکظ فهو أبان اللاحقي الذي تعرض بجد لغضب و حقد الشاعر، ذلک لأنه لم یکن قد احتاط في تقییم شعره – ربما بسبب الحسد – وأبعده عن البلاط البرمکي. ولولا دهاء أبان، وتظاهره بالتدین لکان من المحتمل أن یتسبب هجاء أبي نواس له بموته. وما أن اتصل أبان – الذي أطلق علیه أبونواس اسم «أتان» (2/80) – بالبرامکة اعتزل جماعة الخلعائ، ولم یرد علی أي هجاء وخاصة هجاء أبي نواس، وقد أدی هذا الأسلوب أن یتأرجح إصدار الحکم في حقه بین الکفر المطلق والزهد المطلق (ظ: ن.د، أبان بن عبدالحمید).

إن هجاء أبان الإیراني الأصل یشیر بحد ذاته إلی أن شعوبیة أبط نواس وبالشکل الذي یتجسد لنا في بعض الآثار، لیس سوی وهم وخیال. فقد کان تعصبه مقتصراً علی ثقافة خاصة کان بمقدورها أن تحیی لقرن، أو قرنین وتتفوق فیها المقومات الإیرانیة علی العربیة، لاعلی العنصر والتاریخ و السیاسة والدین.

إن ماجمعه حمزة من أشعار في هجاء عامة الناس (ن.م، 2/82- 102)، ینبع هو الآخر في الغالب من أعماق مجتمع بغداد. فهجاء النساء العاهرات و الجواري المغنیات و النخاسین وبائعي الجواري، والجاریه التي إذا ذُکر اسمها امتلأ الجو برائحة کریهة، والمغنیة التي تبدو وکأنها تمثال لهرة، وباختصار العدد الهائل من الصور والکلمات المستهجنة والمثیرة للظحک في نفس الوقت، کل ذلک ینقل القارئ إلی زوایا الحیاة في القرن 2هـ، وهو مع ذلک لایغض الطرف عن جنان أولی معشوقاته: فوالدتها السندیة هي امرأة «زواندراز» (أي سلیطة اللسان) تلفظ الجیم زاء، وتقول «ناربازه» بدلاً من «نار باجه»، ولذلک یستهزئ بها الشاعر غایة الاستهزاء (2/85؛ قا: ن.د، أبوعطاء السندي).

ویحظی من جوانب شتی هجاء أحد کتّاب الدیوان ویدعی ابن سیابة، وبعض من الرجال «الثلاء» بالاهتمام کثیراً، فشتائم من مثل: «یاغراب البین في الشؤم، ومیزاب الجنابة؛ یاکتاباً بطلاق، یاعزاء بمصابه؛ یارغیفاً رده البقال، یبساً وصلابه» (2/90-91)، و«ألا یاجبل المقت الذي، أرسی فما یبرح» (2/92)، وشتائم عدیدة أخری من هذا القبیل لوکانت حقّاً لأبي نواس لاعتُبرت الأسس الأولی لبعض «المقامات» وخاصة حکایة أبي القاسم البغدادي (ظ: ن.د، أبوالمطهر الأزدي) في القرنین التالیین.

وإلی جانب هذه الأشعار و عدد من الأشعار المستهجنة المشینة (2/95)، ذُکرت بضع مقطوعات هزلیة أیضاً: هجاء نهر النیل، هجاء المطر 02/99- 100)، المزاح مع شهر رمضان المبارک الذي یطول ویثیر ملله (2/100). وتبلغ بعض هذه المقطوعات من العفویة و لاسلاسة والبساطة بحیث إنها لوکتبت نثراً لما ازدادت سلاستها.

ویختص الفصل 6 المشتمل علی 14 مقطوعة قصیرة (2/102-115)، بأشعار الهزل ولاسخریة: رجل ایراني کان یرید أن یصبح عربیاً، ورجل من الموالي کان أبوه سندیاً ذا لهجهة هندیة، وحب الخلیفة الأمین للخصیان، وخصیانه، واستهزاء الشاعر من إقدام الخیفة و وزرائه علی أخذ البیعة لابنه الصغیر 02/113-115). وهنا أیضاً تم نقل أحد أکثر أشعاره طرافة، أي الأشعار المشحونة بالمفردات والترکیبات الفارسیة. ومن بین 14 قافیة في هذا الشعر توجد کلمتان عربیتان فقط في حین أن بقیة الکلمات فارسیة کلها، شرح حمزة أکثرها. ویعد هذا الشرح مساعدة لانظیر لها لتصحیح وفهم الکلمات الفارسیة في شعره والتي تعرضت للتحریف إلی حد کبیر (ظ: 2/103- 107). وسوف ندرج فهرساً لهذه الکلمات في قسم اللغة الفارسیة في شعر أبي نواس.

وأم الفصلان السابع والثامن وهما یشتملان علی هجاء البرامکة والتوبختیین وابن حدیج وزنبور فإنهما لصورة عامة علی حد قول حمزة، غثان، مفرغان من فوائد اجتماعیة وترایخیة ولغویة، وضئیلان نسبیاً من حیث الألفاظ الفارسیة، رغم الإشارة مرة واحدة فیها إلی نوع من الألعاب الإیرانیة یدعی «کردیون»، أو «بردیون» بمعنی الدوار (2/142)، وعلی حد قول حمزة کانوا یجرون العجلات بمیدان لهافي یوم معین من السنة.

 

الرثاء

تتراوح مراثي أبي نواس التي شکلت الباب الرابع من مجموعة حمزة في 21 قصیدة ومقطوعة بین القوة والضعف. فمونتي (ص 39) یعتبر أغلب هذه الدشعار مفرغة من الأحاسیس حقاً، لأنها في الغالب إما أن تکون شعر مناسبات، أو استعراضاً للمقدرة الشعریة، أو تأدیة واجب. فما فائدة مرثیة من بحر الرجز ینظمها لأستاذه خلف الأحمر الذي لم یکن قد مات بعد ثم یقدمها له هو نفسه لإبداء ردیه فیها؟ والطریف أ«ن خلفاً عندما یطلب منه قصیدة لارجزاً، نراه یبادر إلی صب نفس تلک المعاني في قالب القصیدة (1/312). وقد اتبع الأسلوب نفسه مع راویته أبي البیداء (1/317). ولایمکننا أن نفید کثیراً من هذه القصائد التي تکتظ بالألفاظ الصعبة والترکیبات القدیمة المتشابهة إلی حدّما والجوفاء دوماً، رغم أن ابن الرومي وابن المعتز قد قلداها.

إن أبانواس لیس شاعر موت ورثاء أساساً. وبغضّ الطرف عن رثائه لراویته أبي البیداء، وقصیدة، أو قصیدتین کبیرتین یبدو أنهما مختلقتان، لوجدناه لم ینظم أیة قصیدة علی نهج المراثي العربیة الکبری، وما وصلنا منه هو: رثاء هارون الرشید: بیتان؛ الأمین: 3 مقطوعات في بضعة أبیات؛ البرامکة: بیتان، ومقطوعة من 3 أبیات کتبها علی جدار بیتهم؛ تعزیة الفضل بن الربیع بموت هارون: 3 أبیات؛ رثاء ابن الفضل: بیتان (1/299-301). والشعر الذي نظمه في رثاء هؤلاء، بل وحتی مرثیته الأولی لأستاذه والبة (1/309- 301) لاتثیر الحزن والشجن في القلب.

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: