الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبو نواس /

فهرس الموضوعات

أبو نواس

أبو نواس

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/15 ۲۱:۵۴:۵۵ تاریخ تألیف المقالة

إلا أن ندماء الشاعر نادراً مایکونون «فتیان صدق» (مثلاً 3/130، 141، 148، 318، مخـ)، أو «فتیة أحراراً» (3/143)، أو «ندمان الصدق» (3/39)، بل هم في الغالب «عصابة السوء» (مثلاً 3/131)، و«شرعصابة» (مثلاً 3/129)، مشغوفون بالخمرة و أسری لها من أم رؤوسهم إلی أخمص أقدامهم (3/14)، وأرواحهم حیةف إلا أن أجسامهم میتة بسبب الخمرة (3/15)، وذهلوا عن أنفسهم إلی درجة لایتورعون فیها عن ارتکاب أي إثم و فساد.

ویبدو أن أصعب فترة مرت علی الشاعر تلک التي حظر فیها الأمین علیه شرب الخمرة. فهو یتجنب شرب الخمرة، وقد سیطر علیه الحزن واعتصر قلبَه الألم (3/203)، خوفاً من الأمین (ظ: 3/314)، یشکو ذلک إلی رفاقه الذین یجلسون إلی جانبه، إلا أن شفتیه لاتلامسان الخمرة خشیة الخلیفة (3/273)، ویخشی أن تدفعه الخمرة المعتقة المتبقیة في الدن إلی أن ینقض العهد الذي قطعه علی نفسه مع الخلیفة (3/207).

 

4. خصائص الخمرة

الخمرة في شعر أبي نواس مخلوق عجیب یتمتع بطبیعة کطبیعة الإنسان و الملاک؛ فهي ملاک لأنها خارج إطار الزمان، وهي إنسان لأن بالإمکان التزوج بها و اتخاذها ندیماً، ولکن ابنة الکرم العانس الکاعب هذه، یجب خطبتها من أبیها بالتبني: «الدهقان» (3/5، 14، 25، مخـ)، إلا أن الدهقان الذي یحرص علی مصیر ابنته بالتبني، یتساءل عن أصل ونسب الخاطبین کي یطمئن من أنهم أناس کرام (3/5) أو «فتیان صدق» 03/25). و عندما یتأکد من هذا الأمر فإنه یزید منمهر الفتاة (3/5، 14)، بل و یعین لها 5 سکک من الذهب (3/141)، إلا أن هذه التفاة العذراء تبدو خائفة للغایة، فتبکي من قعر الخم، وتصیح قائلة: «أماه أنا أخشی لهیب النار. قلتُ لها: لاخوف لدینا من النار. قالت: وماذا عن الشمس؟ قلتُ لها: لقد زالت حرارة الشمس. قالت: من الذي خطبني؟ قلتُ: أنا. قالت: من هو زوجي؟ قلت لها: الماء النقي... قالت: أنا لاأحب هذا البیت الخشبي.قلتُ: سوف أربقک في الکؤوس التي صنعها فرعون (أو الکؤوس التي زینها سابور بالنقوش). وحینئذ یهدأ روع العروس و تطلب من الشاعر أن لایسقیها اللئام و الماجنین والمجوس والیهود و الرهبان (3/49-50).

إن هذه العروس الساکنة في الدن (3/14)، لها طبیعة ناریة (3/53، 93)، وهي کالجمرة ذات صفة یاقوتیة (3/62). وهي من نقائها تضاهي عین الدیک (3/51، 143، مخـ، یمکن ملاحظة هذا التشبیه لدی الأخطل في مواضع عدیدة)، أو صفاء الدمع في العیون الشهلاء للفتیات (3/237)، إنها ذهب مذاب (3/34)، ومشعة کقندیل الکنیسة (3/22)، الحباب المتصاعد منها لؤلؤ (3/25)، وهي محببة إلی القلوب و کأنها مدخوذة من خدود الساقي (3/21)، ولذلک فإن الملوک یسجدون عندها (3/10، 80، 131).

إن تشبیه الشراب بالسراج والشمس والنور هو من المعاني المعروفة لأبي نواس، فضیاء الخمرة ینیر اللیل المظلم (3/283)، وإذا مزجت بالضیاء فسوف تظهر لامحالة أنوار أخری (3/3؛ ظ: منوچهري، 220، ولاشک في أنه استلهم في الغالب من هذه المعاني).

إن هذه الفتاة الکاعب التي قدمت من هیت وعانة وبابل والحیرة والکرخ و تکریت وقطربل وغیرها من المدن یجب أن تبقی لفترة طویلة حتی تشیخ. وأقصر زمان برتئیه أبونواس هو «بنت عشر لم تعاین/ غیرحر الشمس نارا» (3/136)، إلا أن الأفضل منها، الخمرة المعتقة التي لایعلم أحد أسرارها سوی «الزمان»، ورضعت هي نفسها من ثدي الدهر (3/101-102). إنها أمیرة لم یرها خاطب، بل أن ضیاء الشمس والبرد والحر لایحیط علماً بخلقها (3/109). لقد تبقت من عهد نوح (3/86، 98، 115)، وخرجت من خزائنه (3/225)، ویبدو أنها کانت معه في السفینة (3/324). إنها من عهد طالوت (3/63)، وعندما تُسأَل عن عمرها، تقول: «فقالتلحاک الله لست بذاکر، شهدت ثموداً حین حل بها البلی، وأدرکت أیاماً لعمرو بن عامر» (3/149). إن هذه الخمرة ذات الوجهالأصفر خُلقت قبل آدم (3/235)، وأقرب أجدادها هم الملوک الساسانیون (3/162، 180، 181). إنها تمتلک عمراً کعمر الدهر (3/102)، وهي ابنة الدهر (3/196، 253)، وولدت في زمن لم تکن النجوم قد تحرکت فیه بعد (3/133). إلا أن هذه العروس المخدرة (3/144) سرعان مایعتربها الحیاء کالأوانس عندما یصبونها في الکؤوس (3/7).

 

5. الإبریق والجام

إن أوعیة شرب الخمرة لدی أبي نواس عدیدة للغایة وذات أسماء وأشکال مختلفة، ومن هنا یظهر جیداً تأثیر الفن الإیراني، ذلک لأن أشکال أکثر هذه الأوعیة و تزییناتها وأسماءها إیرانیة: فکلمات مثل الإبریق والجام و الکزوة (وجمعها کیزان و أکواز) والدورق (وجمعها دورایق) و الطاس و الطرجهار، وربما الکأس أیضاً فارسیة کلها. ویبدو الذبریق أحیاناً شیخاً یزمزم وقد کُبتت أنفاسه (3/219)، وأحیاناً نراه یشبه بعنقه الطویل غزالاً خائفاً جلس علی ربوة واستطال بعنقه (3/231)، وقد یبدو في أحیان أخری ککرکي، أو طائر مائي روّعه صقر (3/160، 176).

وتراق الخمرة من الإبریق في الجام و القدح و الکأس و الناجود و الرحرح و الطاس و غیر ذلک. وتماثل هذه الکؤوس النفیسة نجوم السماء (/17) وأیدي شاربیها أبراجها (3/312)، هي أحیاناً السرج (3/74، 192) الموقدة بضیاء الخمرة.

وأجمل کؤوس أبي نواس، کأس ذات نقوش، نقشت في قعرها صورة خسرو وقد أحاط به جنده بأقبیتهم القصار وأعمدتهم (3/138). والآخر هو کاأس ذهبي زینه الفرس بالنقوش التالیة: في قعر الکأس صورة خسرو، وحوله المها و هي تهرب، فیما یقوم بصیدها فرسان بالقوس والنشاب (3/184). ثم هناک طاسات تبر وقد جلس حولها أبناء بابک (3/214). وقد نُقشت صور الهنود علی أحد هذه الأکؤس المصنوعة لخسرو من الزبر جد (3/340).

 

6. الدن

إن الدنان التي کانوا یخزنون فیها الخمرة کانت عدیدة أیضاً، وقد ذکر أبونواس في بیت له أسماء أکثرها: الزق و الدن و الدورق والباطیة (3/285). ویمکننا إضافة أسماء أخری مثل: الخابیة والکوزة والراقود و القارورة والجرة. وبالإضافة إلی أنواع الأوعیة الطینیة، فقد کانوا یستعلمون أیضاً القربة (الزق). ونری أبا نواس یصف مرة القربة المنتفخة وقد قُطعت أطرافها البارزة (3/237). وکان الحوض والمرجال أیضاً عبارة عن طوس کبیرة کانت تستخدم لعصر العنب (ظ: بن شیخ، 24-25). وخلافاً للتصور السائد فلم یکن یتم فتح الخم من رأسه إلا في النادر، بل جرت العادة علی «شک فؤادها» بالمبزال، أو البزال (3/77) «من أجل فض بکارة الخم» (3/219). وقد تکررت هذه الصور لمرات عدیدة في شعر أبي نواس.

 

7. الخمّار، الخمّارة، الدهقان، الدهقانة

یهرع أبونواس لیلاً إلی حانة بیع الخمر دوماً وکأنه یخشی رجال الشرطة، ویطرق الباب، ورغم أن بائع الخمر یخالطه النعاس (3/137)، إلا أنه لایتجهم أبداً، ویستقبل الشاعر ورفاقه بلک سرور،رغم أن القلق قد یعتریه أحیاناً لمجيء جماعة لایعرقهم (3/47). وخمّارو أبينواس عدیدون، إلا أنهم لیسوا مسلمین بالمرة، ویصرح الشاعر بذلک في الغالب: وبائع الخمرة قد یکون أحیاناً رجلاً و سیماً رمادي الشعر وعلی دین القساوسة (3/149)، ویدل الزنار الذي شده علی وسطه علی أنه منالذمیین (3/130، 141). وهذا الخمّار النصراني قد یکو أحیاناً امردة مرتبطة بصومعة العبّاد (3/62)، أو «قبطیّة ذات زنّار» (3/88، الأشعار في هذا الباب کثیرة). وفي بعض الأشعار یبدو بائع الخمرة فارسي الأصل، أو مجوسي (3/101)، أو دهقاناً (3/285، مخـ)، أو دهقانة (3/285)، بل وحتی خمارة بهدینة (3/64). وقد ذکر أبونواس اسم إحدی هؤلاء النساء الإیرانیات البائعات للخمرة: میجون (3/318).

وقد تجسدت الروائع الشعریة لأبي نواس عند تحاوره مع هؤلاءالخمّارین أو تساومه معهم. وقد توالت تلک الحوارات والتساؤلات والأجوبة القصیرةف بمهارة و سلاسة و ظرافة بلغت مبلغاً بحیث بدت وکأنها نثر جاء موسیقیاً بالمصادفةف وکُتبت لمَشاهد مسرحیة (ظ: 3/284- 285، 318).

 

8. الساقي

و بطبیعة الحال فإن الخمرة التي یعود أصلها إلی عاد و ثمود و أنوشروان وصُبت في الکؤوس الخسروانیة الذهبیة، یلزمها ساق یدور بین الجمع یتمتع بمحاسن لاحصر لها: فهو أحیاناً غلام یشبه الغزال، یرتدي قُرطة (3/9، 44، 45، مخـ)، أو غزال رومي وضع علی رأسه تاجاً (3/71). وقد یتبوأ الساقي مکانة المعشوق أیضاً (3/74، 91، 227، مخـ).

والساقي لیس رجلاً دوماً؛ ففي مواضع کثیرة یتمثل في امرأة عارفة بالآداب (3/37) ترتدي قرطة، وتتحدث عیناها مع عیني الشاعر الحدیث الذي «مخالف لفظها لمعناها» (3/18)، وعندما ینعس طرفها، فإن علته یهجم علی الشاعر في الفور (3/21)، إلا أن هذه المرأة قد ترتدي أحیاناً ثیاب الغلمان (3/3). وقد یبدو الساقي رجلاً مخنثاًارتدی ثیاب الجواري (3/352).

 

9. الموسیقی والغناء

إذا لم یکن الساقي نفسه مغنیاً وعازفاً علی البریط، ففي الغالب معه فنان – امرأةف أو رجل – ینشد بیتاً أو شطراً للشعراء العرب الکبار (الأعشی، حسان، جریر وغیرهم)، یضمنه أبونواس في شعره. وقد تکرر ذلک لأکثر من 20 مرة (مثلاً 3/41، 48، 58، مخـ). ولذلک فقد وُصف العود، أو البریط أحیاناً بشکل جذاب: فالبربط هو خشبة خرساء ناطقة تشبه رجل الإنسان وقد خُضبت أصابعها، وشُدّت الأوتار حولها کالخاتم (3/145-146). وقد وصف الشاعر أیضاً في قصیدة کیفیة صناعة العود ونحته (3/144).

 

10. المعاني الأخری

من البدیهي أن حشداً من المعاني الأخری جاءت في ثنایا الخمریات، وعلی سبیل المثال یمکننا العثور علی أشعار رائعة في وصف الطبیعة (3/43، 172، 243)، والغزل والتغزل خاصة. وهنا نشیر إلی موضوعین أحدهما میله إلی اللذة، والآخر شیخوخته: فعلی الرغم من ملامة العاذل (مثلاً 3/2، 90، وبالطبع فإن الموضوع قدیم جداً)، إلا أن أبا نواس یهتف بجسارة في کل مکان أنه عاشق للخمرة (3/188)، وأن حیاته کلها تتلخص فیها (3/89)، وأن الحیاة الحقیقیة تکمن في السکر (3/127). والشيء الوحید الذي یحبه هو أن یصول ویجول في میدان اللذة 03/59). ولذلک فإنه «لا الصولجان ولا المیدان یعجبني/ ولا أحنّ إلی صوت البواشیق» (3/223)، ولایرغب أیضاً في الإبحار (3/197)، إنه یعشق الإبریق أکثر من الجمیع، ویعترف أنه أنفق في قطربل 80 دیناراً للهوه و عبثه، واقترض بعد ذلک (3/335). وهو یطلب من رفاقه أن یدفنوه في قطربل بعد موته، فیقول: «لعلي أسمع في حفرتي/ إذا عصرت ضجة الأرجل» (3/265). ویبدو من کلامه الأخیر أنه باع الزهد واشتری المجون (3/98)،، وهو لایخشی في هذه الصفقة أي أحد، ذلک لأن من غیر المناسب ارتکاب الإثم في الخفاء (مثلاً 3/127، یتکرر المضمون مراراً).

ویحظی موضوع شیخوخته في داخل خمریاته بالأهمیة لأننا نعلم أن له «زهدیات» أیضاً، وعادةً ما توضع هذه الزهدیات في ختام حیاته. وإذا ما ألفینا خمریة و غزلاً مکشوفاً في فترة شیخوخته، فإننا نضطر إلی أن نتجاهل توبته في الشیخوخة، أو أن نسعی لأننجد لها تبریراً. وقد جاءت الذشارة إلی الشیخوخة في مجموعة خمریاته الضخمة، إلا أنها لاتتکر. وقد عثرنا علی الإشارة إلی الشیخوخة في 4 مواضع: فالشیخوخة القبیحة المشؤومة تدهمه فجأة (3/64)، وعندما یعد سني عمره یری أنه لم یعد یستطیع أن یدبر عذراً لغبار الشیخوخة الذي یهم الآن لیستقر علی رأسه. وعندما یقال له إنه أصبح شیخاً رمادي الشعر،یجیب بأن یده لیست عاجزة بعد عن رفع الکأس إلی شفتیه (3/186). وهنا یتذکر بحشرة شبابه حیث «کان الشباب مطیة الجهل/ ومحسّن الضحکات والهزل» (3/233). ومع کل ذلک فإن الشیخوخة حین «ضحک الشیب في نواصي الظلام»، تتمتع بهذه المیزة وهي أن العاذل سوف یکف عنه (3/296).

 

الغزلیات

وفیما یتعلق بأمر أبي نواس، فحینما نصل إلی الغزل وموضوعه الرئیسي «المعشوق» تواجهنا صعوبة جدیدة. فالتعددیة والتناقض في خلقیات أبينواس، أو حتی في معتقداته لایدعان الباحث أبداً بسلام، ولاشک في أنه سوف لایحصل علی إجابة قاطعة؛ فهل یجب النظر إلیه في مجال الحب بعین العاشق المشفق، أم باعتباره رجلاً ذا انحرافات جنسیة حادبة؟ لقد أبدی في کل مجال مقدرظ لانظیر لها.

وعلی الرغم من ذلک الحشد العجیب من مغامراته الحقیقیة و الکاذبة مع الغلمان، وعلی رغم نظمه لـ 290 قصیدة و مقطوعة فيوصفهم، إلا أنه کان یضمر حباً ملتهباً للنساء، فقد نظم 178 مقطوعة شعریة فیهن علی حد ما أحضاه حمزة («شرح»، 4/1). ویبدو أن حمزة لم یکن یستسیغ اتهامه بتعشقه للغلمان، ولذلک فقد هب للدفاع عنه، فاعتبر أولا «الغلامیات» قریبة من «المجون»، وعزلها عن التغزل بالنساء، ثم وضعه في موضع أسمی من کل شعراء الغزل العرب مثل عمر بن أبي ربیعة و الأحوص وغیرهما، وأعرب قائلاً: «ولیس صورته عند الناس کذلک، بل یقدر کثیر من الناس أن نسیبه کان مقصوراً علی الذکران خاصة و أنه لم یعشق النساء قط. والرجل علی الضد مما قدروا فیه، فقد عشق جماعة من النساء فشبب بهن؛ وقد صرح منهن باسم 12 امرأة وهن: جنان وعِنان وحُسن ... و دنانیر. هذا سوی من لم یسمه في شعر هذا الباب. وکیف لایضدر في الغزلیین من یحسن أن یتأتی من أسباب العشق ودواعي الغزل لم تأتی هو له من وصفه المؤلفات بین الأحباب» (ن.ص).

وفیما یتعلق بمجموعة غزلیاته یجب الإشارة إلی بضع ملاحظات: خلافاً لما یتصور عامة الباحثین فإن الکلمات الفارسیة في هذا لاباب لاتتجاوز أبداً الحد المألوف. ولم یرد فیه سوی ترکیبین فارسیین هما من الاستعمالات الخاصة بأبي نواس: گفت نبوذ (4/52)، وقرابوذ (4/53) التي ربما هي فرابوذ. وفي هذا لاباب لاتطالعنا معارضته للعرب، والتي تکثر في الخمریات، فسنة البکاء علی الدطلال والدمن (النسیب التقلیدي) لم یتم أبداً الاستهزاء بها بشکل سافر، وباختصار فإن الکلمات و الصور المشینة لم تستخدم في هذا الباب. ولاشک في أن تقسیم حمزةف وفضله شعر المجون عن التشبیب بالغلمان و النساء لم یکونا عدیمي التأثیر في هذاالمجال.

ولعل سر نجاح أبي نواس في جمیع الدغراض مثلک الخمریات و الطردیات والغزل، بل و حتی الزهد و العتاب والمدح هو قدرته في أن یری الجمال في مواضع لایستطیع الاخرون أن یروه فیها. فهو بمقدوره أن یکتشف في کل شکل و حرکة سواء في الجماد، أو الإنسان، أو الحیوان، ملاحظات و دقائق تبدو في نظر الجمیع أموراً عادیة، إلا أنها في نظر أبي نواس مظهر من الجمال المحض؛ ولاحاجة في أن یکون موضوع المعاني شریفاً ونفیساً دوماً، ذلک لأن رؤیة الشاعر وفنه هما اللذان یفیان القیمة علی الموضوع: فالجمال موجود في کل مکان اعتباراً من الوجه الفردوسي لجنان و عنان وحتی شفتي تلمیذ الکتّاب الملطختین بالحبر الأسود، أو امرأة تبکي في مقبرة.

ولکن ومن أجل أن یستطیع الشاعر أن یلمس موضوعاً ما بعمق، فإنه یحیط به بکل وجوده العاطفي، بل وحتی الجسمي و یمتزج معه: فهو یهتف مخاطباً معشوقاً لانعلم من هو: «کلّي لکلّک عاشق لک خاضع» (4/79)، أو «فُتَّ مدی وصفيولکن ذا/ تفدیک نفسي جلّ مقدوري» (4/207). ونحن نری دوماً في خمریاته أنه یلاطف الخمرة بعینیة، ویراها علی أجمل صورة. ویذکر أجمل أسمائها، ویحس بمرارتها في حلقه، ویمزج روحها بروحه، ویجعلها تنفذ بسکرتها في أعماق جسمه، أو یجعل منها امردة دصیلة عفیفة، ثم یتزوج منها هي نفسها، أي أن امتزجه بالموضوع هو دوماً امتزاج مطلق.

 

الغزل بالمؤنث

ذکر أبونواس – کما رأینا في روایة حمزة – أسماء 12 من عشیقاته، إلا أن المرأة الوحیدة التي خلبت لب أبط نواس الشاب هي جنان الجاریة الجمیلة المهذبةف جاریة آل عبدالوهاب الثقفي (ظ: القسم الأول من المقالة). وقد نظم أبونواس فیها أکثر من 50 مقطوعة قصیرة وطویلة، إلا أنه لم یخصص سوی أشعار قلیلة لذکر لواعج و تباریح حبه لها، بل کان یضع عشیقته دوماً في إطار الزمان و المکان، ویضمر الحب لها بما یتناسب و الحالة التة هو فهیا. وهنا یقترب أبونواس من الشعراءالواقعیین، ویدنو شعره من شعر «مناسبات الحبم. وقد کانت بدایة تعرفه علی جنان في حفلة عرس حیث «حسبوها العروس لما رأوها» (4/57). وبعد فترة یجد الشاعر فیها مایصفه قائلاً: «بکمال صورتک التي في مثلها/ یتحیر التشبیه والتمثیل» (4/94). أو أنه ردی أن «لها من الحسن و لاظرف زائد یتجدد» (4/45)، إلا أن الوصال أو حتی النظرة مستحیلان خوفاً من جفاء موالیها. ولذلک فإنه و منأجل الالتقاء بالمعشوق مضطر للمسارعة إلی مکة علی إثره لکي یؤدي الحج إلی جانبه. وهناک نراه یقول:

وعاشقین التف خداهما عند التثام الحجر الأسود

فاشتفیا من غیر أن یأثما کأنـما کانا عـلی موعـد

(4/42)، وتبدو حالة العاشقین حیث الخوف من الناس وإخفاء الوجه بالیدین، من أجمل اللوحات. وفي مرة أخری یراها في مجلس حِداد، وهنا یزیل جمال وجهها الحزن من قلوب المشارکین في الحداد (4/115).

إلا أن جنان لم تظل وفیة لأبي نواسغ وتبودلت بینهما الرسائل والعتاب، بل و حتی الشتیمة: نأتاني عنک سبک لي فسبي/ ألیس جری بقیک اسمي فحسبي» (4/16). وفي نهایة المطاف حُملت جنان إلی «حکمان» ولم یجد أبونواس الذي کان قد ذهب من البصرة إلی بغداد، حیلة سوی أن یغتم ویسأل عن أحوالها المسافرین إلی حکمان، ویلعنأحیاناً موالیها (4/118، 119).

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: