الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبو نواس /

فهرس الموضوعات

أبو نواس

أبو نواس

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/15 ۲۱:۵۴:۵۵ تاریخ تألیف المقالة

وتعد البصرة في ذلک العصر من أکبر المراکز العلمیة و لاثقافیة، وکانت تحتضن أبرز علماء ذلک العصر (ظ: ابن المعتز، ن.ص). وقد اختار أبونواس بدوره أبرز العلماء لیس في الشعر والأدب فحسب، بل وفي علوم القرآن و الحدیث والصرف و النحو وأخبار العرب و أیامهم، فقد تلقی قراءة القرآن الکریم من یعقوب بن إسحاق الحضرمي الذي کان من القرّاء العشرة (تـ 205هـ) وإمام قرّاء البصرة (ظ: ابن الجزري، 2/386). وعلی روایة مغال فیها أن أبا نواس عندما أنهی دروسه علیه عدّه أستاذه من أبرز قرّاء البصرة (ظ: ابن منظور، ن.ص). وأما أساتذته في الحدیث، فهم: 1. حماد بن زید الأزدي (تـ179هـ) الذي کان من أکبر حفّاظ الحدیث (ظ: الخطیب، ن.ص؛ ابن عساکر، 4/254؛ الذهبي، تذکرة...، 1/228-229؛ ابن حجر، 3/9-11)؛ 2. حماد بن سلمة (تـ 167هـ) الذي کان من أبرز رجال الحدیث و مفتي البصرة، وأستاذ مسلم صاحب صحیح (ظ: ابن عساکر، ن.ص؛ الذهبي، میزان...، 1/590-596؛ الزرکلي، 2/273)؛ 3. یحیی بن سعید بن القطان (تـ 198هـ)؛ 4. معتمر بن سلیمان (تـ 187هـ)، محدث البصرة الکبیر وأستاذ أحمد بن حنبل (ابن عساکر، ن.ص؛ الذهبي، تذکرة، 1/266-267). وقد تلقی النحو من یونس بن حبیب النحوي البصري، وأیام العرب وأخبارهم ونوادرهم من خلف الأحمر و أبي زی الأنصاري و أبي عبیدة معمر بن المثنی أشهر رواة البصرة (الخطیب، ن.ص؛ حمزة، التنبیه...، 26؛ ابن عساکر، 4/255). واستناداً إلی قول الجاحظ فقد قرأ أرجوزة أبي نخیلة الأسدي لدی أبي البیداء الریاحي (ظ: حمزة، «شرح»، 1/322؛ ابن الجراح، 70-71، الأشعار التي نظمها أبونواس في رثاء أبي البیداء). ورغم أن له في الحدیث أساتذة بارزون، وتطالعنا بین رواته و تلامذته أسماء شخصیات کبیرة، مثل محمد بن إدریس الشافعي، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن جعفر غندر (ظ: ابن عساکر، ن.ص؛ ابن کثیر، 10/227)، إلا أن الأحادیث التي نقلت عنه لاتتعدی عدد الأصابع، وماهو معروف باسم مسند أبي نواس کان في الظاهر مجموعة من هذه الأحادیث القلیلة التي جمعها شخص شیعي باسم أبي شجاع فارس بن سلیمان الأرجاني (ظ: النجاشي، 310).

ویبدو من بعض الروایات أن الشاعر کان یعمل نهاراً لتأمین عیشه، ویحضر لیلاً في حلقات الدرس التي کانت تقام في جامع البصرة في العلوم المختلفة (ظ: ابن منظور، أخبار، ط بیروت، 25). واستناداً إلی أحد الأقوال فقد کان أبونواس یحفظ 700 أرجوزة، ویروي عن ظهر قلب أشعار 60 شاعرة عربیة من قبیل الخنساء ولیلی (ابن المعتز، 194، 201؛ قا: حمزة، ن.م، 1/12 و رأي الأصمعي في هذا المجال). وذکر ابن عبدربه أیضاً أنه روی 4 آلاف بیت (5/308-309). ورغم أن هذه الروایات مبالغ فیها، إلا أنها تشیر إلی ذاکرته القویة،وعلمه الواسع.

وقد کان أبونواس محیطاً بعلم الکلام أیضاً، یدلل علی ذلک بعض المصطلحات الکلامیة التي وردت في أشعاره، ولذلک فقد عده البعض من المتکلمین البارزین و قالوا: «کان مذهب إبراهیم النظّام في أول أمره الشرع و انتقل إلی الکلام، ومذهب أبي نواس الکلام وانتقل إلی الشعر» (الجاحظ، البیان، 1/131؛ ابن المعتز، 272؛ ابن منظور، ن.م، 21؛ حسین، 346). کما اعتبره البعض فقیهاً، فقالک کان أبونواس خلافاً للشافعي فقیهاً غلب الشعر علیه (ابن المعتز، 201؛ الصفدي، 12/285). کما أن بعض أشعار أبي نواس تشیر إلی أنه کان محیطاً بشکل کامل فضلاً عن الفقه و الکلام و الحدیث، بالعلوم التي تسللت آنذاک إلی الحضارة الإسلامیة عن طریق ترجمة الکتب الیونانیة و الهندیة والإیرانیة التي عرفت باسم «علوم الأوائل»، مثل الفلسفة والمنطق والفلک (ظ: ابن قتیبة، الشعر، 2/682- 683؛ المسعودي، 3/411؛ ابن منظور، ن.م، 22، 222؛ العقاد، 151-152؛ صدقي، 62-65؛ شیبوب، 105-109؛ مهدوي، 644-645).

وبعد وفاة والبة التحق أبونواس بخلف الأحمر، راوي البصرة المعروف. وقد کان لخلف الذي کان بدوره شاعراً بارزاً، دور کبیر في تنمیة ذوقه الشعري و نضوج و متنانة أشعاره. واستناداً إلی روایة ابن منظور (ن.م، 40-41)، فعندما استأذن أبونواس خلف الأحمر في أن ینظم الشعر، رفض الأخیر و طلب منه أن یحفظ أولاً ألف مقطوعة من الشعر و مائة أرجوزة. فحفظ أبونواس کل ذلک بعد مدة ثم عاد إلیه، فاختبره أستاذه، وعندما أبلی بلاءً حسناً في هذا الاختبار الذي استغرق أیاماً عدیدة استأذنه نظم الشعر، فرفض خلف في هذه المرة أیضاً، وطالبه نسیان کل ما حفظه. فشق ذلک علی أبي نواس، ومع ذلک فقد کان یحبس نفسه نهاراً في دیر، ویجهد في ذلک حتی استطاع أخیراً أن یمحو من ذاکرته کل ما کان قد حفظه. وحینئذ أذن له خلف إنشاد الشعر. وبالطبع فإننا لانشک في أن هذه الروایة مبالغٌ فیها، و أن الشاعر کان قد نال استحقاق نظم الشعر في فترة اتصاله بوالبة و خصوصاً بعد عودته من البادیة بحیث قیل إن الشاعر المعروف بشاراً (تـ 167هـ) عندما کان قد سمع أشعاره قبل 3 سنوات من هذه الحادثة علی الأقل، دُهش کثیراً إلی درجة أنه أضمر له الحسد (ظ: ابن منظور، ن.م، 20-21). وعلی هذا، فإذا کان تاریخ هذه الادثة صحیحاً فیجب تحدیده بما قبل 170هـ، وفي هذه الحالة یمکن القول إن أبا نواس کان یعرف خلف الأحمر قبل وفاة والبة، وإنه کان یستفید من إرشاداته (قا: نیکلسون، 293، الذي اعتبره تلمیذ خلف في الکوفة). واستناداً إلی قول، فإن خلف الأحمر کان یکن الحب الکبیر له، و إنه هو الذي اختار له کنیة أبي نواس (العباسي، 1/84).

 

في بغداد

بعد أن اکتسب أبونواس الشهرة وبز نظراءه، غادر البصرة إلی بغداد علّه یستطیعأن یتقرب من کبار البلاط، وینهي إحباطاته بذلک (قا: ابن المعتز، 201-202). وتقول روایة: إن سبب خروجه من البصرة أشعار کان قد نظمها في هجو قبیلة نزار، وقیل إنه لجأ إله المهلبیین قبل الخروج من البصرة الی نقذوه من غضب المضریین، وعندما یئس من نصرتهم غادر البصرة (حمزة، «شرح»، 2/11-12)، وحینما وصل بغداد هجا البصریین في قصیدة (ظ: 2/33). ومهما یکن من أمر، فإن هذه الروایات تشیر إلی أنه غادر البصرة علی کره منه، و علی قول، فإنه ذهب إلی بغداد عندما کان عمره ینیف علی الثلاثین (العباسي، 1/83؛ البستاني، 62)، وفي هذه الحالة، فإن تاریخ ذهابه إلی بغداد یجب أن یکون في حدود سنة 170هـ.

وفیما یتعلق ببدایة علاقته بالبلاط العباسي توجد روایات مختلفة، حیث تفید إحداها بدن هرثمة بن أعین الذي کان یبحث عن ندیم لهارون الرشید، أخذه إلی الخلیفة (ابن منظور، أخبار، ط بیروت، 154-155). وبالطبع فمما لاشک فیه أن أبانواس لم یکن شاعراً مغموراً في هذه الفترة کي یدخل البلاط مصادفة، ویدل بعض الروایات علی أنه کان یعاشر الأشراف والکبار والوزراء المحبین للأدب قبل أن یصبح الشاعر الرسمي للبلاط (ابن المعتز، ن.ص). واستناداً إلی أحد الأقوال، فقد سجنه الربیع بن یونس (تـ ح 170هـ) وزیر الخلیفتین الهادي و المهدي بسبب الأشعار التي کان قد هجا فیها أمه (أبوهفان، 106-107). وعلی أیة حال، فقد حظي الشاعر بمکانة رفیعة في بلاط هارون حتی إنه أصبح ندیم و مؤدب ابنیه الأمین و القاسم، وقد کان الأمین آنذاک ولي العهد وتأثر کثیراً بشخصیته إلی درجة أنه جعله ندیمه الخاص بعد تسنّمه الخلافة (ظ: تتمة المقالة)، إلا أنه مالبث أن أخرجه من بلاطه بسبب وقاحته (ابن منظور، ن.م،14، 157)، وقد ارتفع أبونواس في إحدی مدائحه (1/106- 120) بهارون إلی مقام الألوهیة (ظ: 1/108، البیت 1)، ومع کل ذلک، فإن الخلیفة لم یکن یحتمل أحیاناً بعضاً من أشعاره التي کان یتحدث فیها عن الخمرة والجواري الحسان و الغلمان (حمزة، ن.م، 1/121)، ولذلک فقد تعرض مرات عدیدة لغضب الخلیفة، بل وأودع السجن (ن.م، 1/255؛ ابن منظور، ن.م، 79، 269-271)، ویبدو أنه قد جُلد في هذه الفترة بسبب أشعاره التي نظمها في وصف الخمرة والتغزل بالغلمان. واستناداً إلی أحد الدقوال فإنه عندما جلد 30 جلدة، قرأ الآیة الکریمة: «وَأَنَّهُم یَقولونَ ما لایَفعَلونَ» (الشعراء/ 26/ 226)، ونجا بذلک (ابن منظور، ن.م، 259). ولعل الکتّاب الذین نزهوه عن أي مجون استندوا إلی أمثال هذه الروایة، ذلک لأنه یقول في أبیات:

لوکان من قال «ناراً» أحرقت فمه لما تفوه باسم النار مخلوق (4/91). وفي مرة هجا العباسة أخت هارون بوقاحة، ویبدو أنه سُجن بسبب ذلک (ظ: 2/53؛ ابن خلکان، 1/334).

ونحن نجد أبا نواس و هارون الرشید إلی جانب بعضهما البعض دوماً في مجالس المجون و الخلاعة في قصص ألف لیلة ولیلة (ظ: ألف لیلة ولیلة، 3/156، 160، مخـ؛ قا: الدراسة المفصلة لشاده في هذا المجال، XC/602-615)، وقد بقي اسمهما خالدین طیلة التاریخ کشخصیتین أسطوریتین، إلا أن علاقاتهما لم تکن تتجاوز علی مایبدو الحد المألوف، فنحن لانجد في أي من المصادر القدیمة إشارة إلی تغلغل أبي نواس في مجالس هارون الخاصة. حتی إن بعضاً من القدماء اعتبروا جمیع ماقیل حول أبي نواس وهارون من نسج خیال العامة، بل أنهم أنکروا بالکلیة دخول أبي نواس بلاط هارون (ظ: ابن منظور، أخبار، ط بیروت، 156).

وفي نهایة المطاف أغضب الشاعر الخلیفة بمجونه وعدم اکثرائه بالأعراف الأخلاقیة، و کذلک أشعاره الهجائیة اللاذعة إلی درجة أنه لم یفقد مکانته الرفیعة في البلاط فحسب، بل کاد أن یفقد حیاته بسبب ذلک، ویبدو من الأشعار التي نظمها فیما بعد طالباً الصفح من هارون، أن الخلیفة کان قد أهدر دمه (ظ: 1/114). کما أنه هو نفسه أشار بصراحة في أشعار نظمها فیما بعد إلی کساد شعره في بغداد (1/231؛ قا: الشکعة، 296؛ البستاني، 63-64). وعلی أي حال، فقد اضطر الشاعر لمغادرة بغداد إلی مصر (قا: فاغنر، 1/هـ، الذي قال إنه هرب إلی مصر خوفاً من السجن). وقد ذهب إلی مصر عن طریق حمص والشام، وفي هذه الفترة تجاوزت شهرته حدود العراق بحیص إن اسمه لم یکن یتردد علی الألسن في الشام ومصر فحسب، بل وفي أقصی مناطق الأندلس أیضاً، وکان شعراء مثل عباس بن ناصح (تـ238هـ) یقصدونه من الأندلس إلس بغداد للقائه (الزبیدي، 262-263؛ ابن الفرضي، 1/296؛ أیضاً ظ: GAS, II/662). ولذلک فقد کان الشاعر یحظی في کل مدینة علی طریق مصر بإقبال الشعراءو أهل العلم، وعلی سبیل المثال فقد خرج لاستقباله في حمص البطین بن أمیة ودیک الجن، وأمضی الشاعر مدة في دار البطین (ابن المعتز، 249؛ ابن منظور، ن.م، 178؛ قا: ابن خلکان، 3/185). ویبدو أنه قضی في هذه الأیام مدة في نصیبین (ظ: ابن جبیر، 214). واستناداً إلی روایة فإن الخصیب بن عبدالحمید حاکم مصر الذي کان هو نفسه قد دعاه لزیارته (الجهشیاري، 165)، لم یستقبله في البدء بسبب دخوله مصر بلباس الشطّار، مع سلیمان بن أبي سهل النوبختي، إلا أنه بمجرد أن سمع أشعاره المدحیة المبالغ فیها (ط: 1/215-234) اتبهر به إلی حد کبیر، ومنحه الجوائز السنیة. واستناداً إلی أحد الأقوال فقد ثار الناس علی الخصیب خلال إقامة أبي نواس في مصر بسبب الغلاء، وأن أبانواس صعد المنبر في جامع القاهرة، وقام بتهدئة غضب الناس (أبوهفان، 31-32؛ الجاحظ، البیان، 3/23؛ ابن منظور، ن.م، 175). ویبدو أن اهتمام الخصیب بالشاعر تضاعف منذ ذلک الحین خصوصاً وأن أبا نواس جعله في قصیدة مدحیة مبالغ فیها نظیراً لموسی (ع) (1/232؛ ابن منظور، ن.م، 175-176)، علی أن هذه القصیدة نفسها سببت فیما بعد متاعب کثیرة للشاعر (ظ: تتمة المقالة).

وبالإضافة إلی مجالس اللهو و الترف التي کانت تجمع أبانواس مع الخصیب في مصر خلال فترة إقامته بها، فقد کان یحضر أیضاً المجالس العلمیة، ویتباحث مع العلماء و الفضلاء. وکان ابن حُدیج الکندي ممن کانوا یعاشرونه في مصر، وقد أنشد أبونواس أشعاراً في هجوه (2/40-43؛ ابن منظور، ن.م، 168-179، 293). ویقال إن البعض رووا عنه في مصر دیوان أشعار أبي نواس (ابن عساکر، 4/255). وقد أمضی الشاعر سنة في مصر، ثم عاد إلی بغداد (ابن منظور، ن.م، 179). ویبلغ مجموع الأشعار التي نظمها في مدح الخصیب حوالي 100 بیت في 6 مقطوعات (ظ: 1/215- 234). وله أیضاً أشعار في هجاء الخصیب لاشک في أنه نظمها بعد العودة إلی بغداد استرضاء لهارون (ظ: 2/151-152). وقد جعل الشاعر من الخصیب في هذه الهجائیات رجلاً بخیلاً و وضیعاً للغایة بحیث کان السبب في أن یتحول في بعض من النصوص القدیمة، مثل گلستان سعدي (ص 37)، إلی رمزٍ للجهل واللؤم.

وبعد أن عاد أبونواس من مصر سافر للحج (ابن منظور، ن.م، 193). وقد کان خلال مدة إقامته في مکة یتلقی العلم في حلقات درس أشخاص مثل سفیان بن عیینة، و یتباحث مع علماء تلک المدینة (أبوهفان، 119-120)، ویبدو أن الزبیر بن بکار، الراویة المعروف سمع في هذه الفترة أشعار الشاعر و قام بروایتها (ظ: حمزة، «شرح»، 1/294). وبعد ذلک عاد الشاعر إلی بغداد، ویقال إنه نظم بإشارة من الأسرة النوبختیة قصیدة في مدح هارون معبراً عن ندمه علی مابدر منه، فعفا عنه الخلیفة، وأجازه 20,000 درهم (ن.م، 1/110؛ دیضاً ظ: أبونواس، 1/110-118)، ولکن یبدو أن الخلیفة لم یخلص له المودة أبداً بسبب أشعاره في الخصیب، أولسوء سمعته؛ وتفید إحدی الروایات بأنه سجنه (م.ن، 1/233-234؛ ابن قتیبة، الشعر، 2/691- 692؛ ابن منظور، أخبار، ط بیروت، 176). وعلی حد قول الجهشیاري (ص 164-165) فقد أولکت إلی الخصیب بن عبدالحمید حکومة مصر بعد سقوط البرامکة، وفي هذه الحالة، لابد أن یکون أبونواس قد ذهب إلی مصر بعد البرامکة، ولکن جاء في روایة عن حمزة الأصفهاني (ن.م، 1/160) أن أبانواس جعل البرامکة بعد عودته من مصر وسطاء له کي یشفعوا له لدی هارون، وإذا ماصحت هذه الروایة فإن ذهاب أبي نواس إلی مصر کان قبل سقوط البرامکة.

کان البرامکة في ذلک العصر في ذروة قوتهم، وکانوا في عداد ممدوحي الشاعر (ن.م، 1/151-160، 2/76؛ المبرد، 2/105؛ ابن رشیق، 1/224؛ أبوعبید، 1/163). وفیما یتعلق ببدایة تعرف الشاعر علی البرامکة، فقد قیل إن الأصمعي ذکر في المرة الأولی فضائل الشاعر للفضل بن یحیی البرمکي، وبذلک مهدلارتباطه بالبرامکة (ظ: ابن المعتز، 213-217). ومع کل ذلک فإن الأسرة البرمکیة لم تسلم من هجائه، فقد کان کثیراًما یعد إلی هجوهم بمجرد أن یتأخروا في منحه الصلة (ظ: 1/208، 2/50- 51، 133-134؛ الجاحظ، الحیوان، 1/239، 263، البیان، 3/211؛ ابن قتیبة، ن.م، 2/697؛ الجهشیاري، 138؛ ابن منظور، ن.م، 251). وعلی قول فقد ضاع الکثیر مما نظمه في مدح البرامکة (حمزة، ن.م، 1/26)، وماتبقی من مدائحه لهم في دیوانه لایتجاوز 50 بیتاً (ظ: 1/151-160).ویبدو أن علاقته بالبرامة کانت قد تأزمت إلی حد کبیر في الأیام الأخیرة من سلطتهم، ومن الطریف أنه أشار في أبیات له، خاطب فیها الفضل بن یحیی، إل عدم ثبات حکمهم و زوال سلطانهم (1/152-157)، وقیل إن سلطة البارمکة تداعت علی ید هارون في 187هـ/ 803م بعد مدة قلیلة من نظم هذه الأشعار (ابن رشیق، ن.ص).

استمر أبونواس فيهجو البرامکة حتی بعد سقوطهم، ورأی البعض أن ذلک یعود إلی علاقاته الوثیقة مع الفضل بن الربیع، الوزیر القوي لهارون و العدو اللدود للبرامکة (أبونواس، 1/208؛ حمزة، ن.م، 2/81؛ قا: ضیف، العصر...، 224). کان الفضل بن الربیعمن أکبر حماته. وقد أشار الشاعر في أشعار له إلی تاریخ تعرّفه علیه، وقد امتد إلی 20 سنة (1/250)، وصرح بأن الفضل استشفع له مراراً، وأنقذه من السجن، بل و حتی من الموت المبرم أحیاناً (1/249؛ ابن منظور، ن.م، 270-271؛ الحصري،2/430). وتفید إحدی الروایات بأنه کان ندیم الفضل في أحد أسفاره للحج (حمزة، ن.م، 1/98). ویبلغ مجموع مانظمه فط مدحه 131 بیتاً في 8 قصائد (ظ: 1/161- 188)، عدا المقطوعات القصیرة التي نظمها مخاطباً إیاه في مناسبات مختلفة (1/244-249). کما نظم أشعاراً في مدح ابنیه العباس و محمد (ظ: 1/188-215، 284-285).

ومن بین أمراء هارون الرشید الآخرین الذین هجاهم أبونواس بشدة إسماعیل بن حفص (حاکم جرجان في 191هـ، ظ: الطبري، 8/329)، وقد هجاه هجواً لاذعاً و مقذعاً في 11 مقطوعة (في 65 بیتاً) (2/134-141).

وقد أشار أبونواس في بعض أشعاره إلی حادثة اختیار المأمون لولایة العهد في 189هـ/ 805م (الطبري، 8/316). وهذه الإشارة تدل علی أنه کان یقیم في بلاط هارون حتی هذه الفترة علی أقل تقدیر، إلا أن المصادر تذکر أنه سُجن في أواخر خلافة هارون (193هـ) بتهمة الزندقة، أو هجاء قبیلة مضر، أو بسبب مانظمه في مدح الخصیب بن عبدالحمید، وأن الأمین أفرج عنه أخیراً بعد موت هارون (ابن قتیبة، الشعر، 2/691-692؛ الطبري، 8/514؛ ابن الأبار، 68؛ ابن منظور، أخبار، ط بیروت، 299؛ العباسي، 1/97). ومن المحتمل أنه نظم أبیاتاً في رثاء هارون بعد خروجه من السجن (1/299؛ الصولي، الأوراق، 223؛ الطبري، 8/364).

في بلاط الأمین:عاشر الأمین أبا نواس لفترة طویلة في مطلع شبابه وولایة عهده، ولذلک فقد تأثر به إلی حد کبیر، وکان یلام لذلک أحیاناً (ظ: ابن منظور، ن.م، 213). وبالإضافة إلی ذلک، فقد کان الأمین مثله ذا طبع میال إلی الترف و اللهو، و عندما تولی الخلافة جعله ندیمه الخاص بحیث لم یکن یطیق فراقه لحظة واحدة کما روی أبوهفان (ص 23-24)، وقد کان الشاعر یلازمه دوماً في مجالس شرب الخمرة ورحلات الصید، وکان یحظی بجوائزه السنیة بسبب مدائحه المبالغ فیها (ظ: ابن المعتز، 209-211؛ ابن منظور، ن.م، 82-86)، ویقال إن الشاعر أنشد في أحد مجالس الأمین الخاصة قصیدة مدح نال فهیا إزاء کل بیت منها 100 درهم (ن.م، 73-74). وفي مرة أخری أمر الخلیفة أن یُملأ فمه لؤلؤاً جزاءً له علی إنشاده بعض الأشعار (أبوهفان، 70-71). وقد نُقلت في المصادر القدیمة قصص لاحصر لها عن مجالس اللهو و المجون التي جمعت بینهما (ظ: م.ن، أیضاً ابن منظور، ن.م، مخـ).

کانت حیاته في بلاط الأمین من أفضل فترات حیاته، فدعم الخلیفة المطلق له قد أدی إلی انهماکه دون أي خوف في الخلاعة والمجون، بل وأن یدافع عن أسلوب حیاته المنفلتة، فهو «سعید لأنه لم یعرض عن أي إثم، ولایری اللذة والسعادة إلا في ارتکاب الآثام والعمل الحرام» (2/169، 171، 3/24، 225، 279-280؛ أیضاً ظ: قسم الشعر).

وقد بلغ إفراطه في ذلک حداً بحیث إن أعداء الأمین و خصوصاً أخاه المأمون وجدوا في أعمال الشاعر أفضل مستمسک للدعایة ضد الأمین. وتفید إحدی الروایات أن المأمون أمر بأن یماط اللثام علی منابر خراسان عن فضائح الأمین مع الشاعر و مجالس شربه للخمرة، وأن یحرضوا الناس ضد نظام الحکم. وقد أهاج ذلک الأمینَ إلی حد بعید، وغضب علی الشاعر وسجنه، بل وأمر بقتله حسب إحدی الروایات (الطبري، 8/517؛ الحصري، 2/430؛ ابن بسام، 1(2)/935؛ الصفدي، 12/287؛ ابن منظور، ن.م، 104-105). ومنذ ذلک الحین منع الأمین الشاعر من شرب الخمرة، ولکن یبدو أن أبانواس، علی الرغم من خشیته الأمین کثیراً، لم یستطع أبداً أن یقلع عن شرب الخمرة، إذ تم إنزال العقوبة علیه عدة مرات بسبب ذلکف بل وکاد أن یفقد حیاته في هذا السبیل (ظ: ن.م، 88-89).

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: