الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبو نواس /

فهرس الموضوعات

أبو نواس

أبو نواس

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/15 ۲۱:۵۴:۵۵ تاریخ تألیف المقالة

وعن مدی تعرف الشاعر علی أبي عمرو الشیباني لانملک سوی روایة، أو روایتین تشیر إحداهما إلی حضور أبي نواس وأبي العتاهیة ومسلم بن الولید في مجلس درس أبي عمرو (ظ: العباسي، ن.ص)، والأخی یقول فیها أبوعمرو حول أبي نواس: «لولاما أخذ فیه أبونواس من الرفث لاحتججنا بشعره» (ظ: ابن المعتز، 202).

وفیما یتعلق بعلاقات الشاعر مع النظّام المعتزلي، نُقلت في المصادر أیضاً روایات کثیرة وبعضها مضطرب. وقد جاء في إحدی هذه الروایات أن أبانواس صاحَب النظام في طفولته، وتلقی منه العلم، وأن النظام کان معجباً به کثیراً (ظ: ابن الندیم، 205؛ ابن منظور، ن.م، 202). ومع أخذ هذه الروایة بعین الاعتبار، فإن عمر النظام لابد و أن یکون أکثر بکثیر من عمر أبي نواس، في حین أن بعض المصادر ذکرت أن ولادة النظام کانت في 160 هـ /777م (ظ: ن.د، إبراهیم بن سیار). واستناداً إلی أحد الأقوال فقد کان النظّام یسعی من خلال النقاش و الجدل المتواصلین أن یقنع أبانواس باعتناق آراء و معتقدات المعتزلة، إلا أن الشاعر لم یرضخ لذلک أبداً إلی درجة أنه وقف منه موقفاً معارضاً وهجاه (ابن منظور، ن.ص). وقد اتهم الشاعر في إحدی هذه الهجویات النظام بشرب الخمرة و اللهو مع الغلمان (2/60). ومع ذلک أشاد النظام بأشعاره لأنها ألهمته بعض آرائه الکلامیة. و علی حد قول النظام فإن أبیاتاً لأبي نواس (ظ: 2/172) قد نبهته لشيء کان غافلاً عنه، فوضع کتاباً في الحرکة والسکون (ابن منظور، ن.م، 161). وقد جاء في روایة أخری أن النظام عندما سمع من أبي نواس شعراً کان قد أشار ببیت منه إلی الجزء الذي لایتجزأ، قال لأبي نواس: «منذ دهرنا الأطول نخوض فیه، ماخرج لنا فیها من القول ماجمعته أنت فیه في بیت واحد» (ن.م، 106).

عنایت‌الله فاتحي‌نژاد/ خ.

 

القسم الثاني: شعر أبي نواس

سنحاول في هذا القسم أن ندرس جمیع الجوانب المتعددة لشعر أبي نواس استناداً إلی دیوانه، وذلک لعدة أسباب: 1. أن أبانواس یمکن اعتباره من بعض الجوانب أ:بر شاعر عربي؛ 2. أنه رائد التجدید في الشعر العربي، وممثل معارضي الشعر العربي القدیم؛ 3. أنه کان إیرانیاً من جهة الدم و ربما من جهة الدب، وقد تعرف علی بیئتي الدهواز والبصرة بکل ظواهرها الثقافیة الإیرانیة. و حیث إنه کان معجباً بهذه الثقافة، فمن البدیهي أن یمثل شعره عصارة الثقافة الإیرانیة آنذاک، ولذلک، فقد کانوا یعتبرونه أحیاناً شعوبیاً وزندیقاً؛ 4. أن مضامینه و معانیه المبتکرة في الخمریات و الغزل و المدح و الزهد و ما إلی ذلک، کان لها تأثیر کبیر في الأدب الفارسي (خاصة في رباعیات الخیام) (ظ: إبراهیم، 75-79). وقد اکتسب الکثیر من هذه المعاني طابعاً عرفانیاً شیئاً فشیئاً، وتجلت في آثار متصوفة إیران؛ 5. أن حشد من الکلمات الفارسیة التي استعملها أبونواس کانت مدار بحث منذ فترة طویلة.ولتحدید عدد هذه الکلمات و مدی تکرارها و نوعها (معربة، أم فارسیة بحتة)، کان من الواجب دراسة جمیع دیوانه؛ 6. أننا لایمکننا أن نتوصل إلی نتیجة من خلال دراسة المؤلفات العدیدة التي کتبت حوله. و للوقوف علی التناقضات الروحیة و المادیة التي کانت تعج بهاروحه، فالسبیل الوحید إلی ذلک هو الدراسة المباشرة لدیوانه.

ولایوجد بین العلماء الذین تعرضوا له منذ القدم و حتی عصرنا أي أحد لم یثن علیه (کمثال، ظ: حمزة، «شرح»، 1/10- 23، عدد کبیر من الروایات). وقد خصصت في أکثر کتب «الطبقات» أکبر ترجمة له، فقد دوّن مجلد کامل من الأغاني تقریباً حوله (علی أن قسماً منه هو نفس ماجمعه ابن منظور).وحیث إن أبانواس کان قد جمع في بوتقة کیانه الذوق والظرافة والعلوم المختلفة و کذلک مظاهر المجون العجیبة ولذلک شد انتباه جمیع الناس بدءاً بالحکماء و المؤمنین و انتهاء بالمطربین السوقیین، ثم نراه بعد ذلک في أساطیر ألف لیلة ولیلة والقصص العربیة الشعبیة. إن الإنسان لایسعه إلا أن یشغف بهذا الشاب المنحرف الفاسد،فصدقه من شأنه أن یُجردکل لائم من سلاحه، ذلک لأنه أماط عن وجوده لُثم الخداع و المکر کلیة، واضعاً شخصیته أمام مرأی الأجیال التالیة شفافة کالمراة، وذلک تحت غطاء شعري، فهو لایطلب في ساحة الحیاة مبارزاً کي یخرج لقتاله أحد. إنه یؤمن بصدق، ویرتکب الذنب بسهولة. وقصاری مایمکن فعله أن یُطلب له الصفح الإلهي، و هو أوسع بالطبع من ذنبه. ولاشک في أن تمني الفلاح هذا هو الذي أدی إلی یجعلوا منه بعد سنین رجلاً فقیهاً محدثاً، بل وحتی صاحب «مسند» (عبدالجلیل، 205، الهامش).

والدیوان الذي درسناه هو نفسه الذي جمعه حمزة الأصفهاني وطبعه فاغنر و شولر (4 مجلدات).وقد جمع الصولي أیضاً دیوانه، وأخرج من الدیوان حشداً من الأشعار والأخبار التي یبدو أنه کان یظن أنّها مختلقة، ولذلک شکّل الدیوان الذي جمعه ثلث ماجمعه حمزة تقریباً. وقد طبع آلوارت هذا الدیوان أولاً (1861م)، ثم أُنجزت بعده في الشرق عدّة طبعات بأشکال و ترتیبات مختلفة، وهي تختلف عن بعضها اختلافات کبیرة من حیث عدد المقطوعات (حول هذه الطبعات، ظ: EI2).وقد تُرجمت مختارات من شعر أبي نواس إلی لعات مختلفة. ولعل أقد مترجمة هي ترجمة فون کریمر. ولم تترجم إلی اللغة الفارسیة سوی «غزلیات أبي نواس» لآیتي. وفي اللغة الفرنسیة نقد ترجمة مونتي أکثر الترجمات تفصیلاً. وترجم أشخاص آخرون مثل خوام في «الشعر العربي» (ص 111-128) وکذلک میکل في مجلة «العالم الإسلامي» (ص 239-240) مقطوعات من أشعاره.

وفي هذا المضمار یعتبر عمل حمزة الأصفهاني أحد أفضل نماذج منهج البحث في ذلک العصر. فوضع خطة دقیقة حتی للجزئیات والتطبیق الدقیق لهذه الخطة و لادقة البالغة في نقد الأشعار و المعرفة الأدبیة الواسعة للغایة، کل ذلک جعل حمزة یبدو وکأنه من باحثي القرن 19م.

وقد قُسّم الکتاب إلی 5 «حدود» و 15 «باباً» و بصورة عامة إلی 80 «فصلاً»، وقد تم تعیین عدد القصائد و المقطوعات وکذلک عدد الأبیات في کل حد. واستناداً إلی هذا لتقسیم یشتمل الکتاب علی 1,500 مقطوعة وقصیدة و 13,000 بیت.

ویتوصل حمزة بعد تحلیلاته و دراساته الدقیقة إلی هذه النتیجة و هي أنه لاتوجد من دیوان الشاعر أیة نسخة یمکن الوثوق بها، وأن الکثیر من أشعاره حُذفت من النسخ الموجودة؛ و علی سبیل المثال فما زالت هناک أشعار معروفة له في مصر بقیت مجهولة في العراق (حمزة، «شرح»، 1/3-4). وقد فُقدت حتی في العراق الکثیر من أشعاره، و علی سبیل المثال فإن مدحه للبرامکة قد فقد ولایمکن العثور علیه في مکان، وبالإضافة إلی ذلک، فقد تبقی منه عدد کبیر من الأبیات سواء بشکل مفرد، أو بصورة بیتین، لابد و أنه کان قصائد، أو مقطوعات کبیرة (ن.م، 1/6-7). والقضیة الأخری التي واجهها حمزة هي أن الناس کانوا یضیفون إلی دیوانه أشعاراً خمریة، أو غزلیة، أو مجونیة، أو ما إلی ذلک، بسبب إعجابهم الشدید بشعره. وقد قدم حمزة نماذج عدیدة من أنواع الأشعار المختلقة في الدیوان (ن.م، 1/7 و مابعدها).

ومن المیزات الأخری لما قام به حمزة هو أنه تناول بالشرح والتفصیل کل التواریخ الإیرانیة التي أشار إلیها الشاعر، و بذلک فقد وضع تحت تصرف الباحثین في تاریخ إیران معلومات قیمة جداً. ورغم کل إعجابه الشدید بشعر أبي نواس، إلا أنه لم یتردد إزاء أشعاره الضعیفة،أو المغلوطة، فعمد إلی نقدها بنفسه، أو نقلاً عن النقاد العرب الکبار. وقد بدأ کتاب حمزة بذکر «نقائض» أبي نواس والشعراء الآخرین بعد ذکر الروایات و الانتقادات المختلفة (ن.م، 1/24 و ما بعدها)، ثم یستمر حسب الترتیب بذکر المدائح، والمراثي،والعتاب و هلم جرا>

 

الخمریّات

إن الخمریات هي التي أوصتل أبا نواس إلی ذروة الشهرة. ویحتل هذا الغرض مایقرب من ربع أشعاره. کما إن لطافة وسلامة أشعاره، ومعانیها المحبَّبة الأنیقة، ووجودها في الحیاة الیومیة لدی طائفة من أهل بغداد، وکون الأشعار مؤنسة و مطربة، کل ذلک قد أدی إلی أن یعمد عدد کبیر من الشعراء العرب إلی تقلیده، ونشر أشعارهم باسمه. واعتباراً من القرن 3هـ بلغت هذه الأشعار «النواسیة» المختلقة من الغزارة والاشتهر بحیث إن التمییز بین الدصیل والمزیف أصبح متعذراً ذلی درجة أن أذهان نقاد مثل حمزة الذي جمع بین غزارة العلم والدقة البالغة، عجزت أمام هذه المهمة. وبالطبع فإنه قام بعزل حشد من الأشعار الضعیفة عن الأشعار الأصیلة، إلا أنه لحسن الحظ لم یتجنب ذکرها کلّها، وذلک لأنه هو نفسه لم یکن یعتقد بکونها مختلقة کلها، ثم أنه رأی أنه ذکر هذه الأشعار لایخلو من الفوائد الأدبیة، خاصة وأنها نُظمت بعد أبي نواس، وفي إطار خمریاته. و مع کل ذلک، فإنه یدمل بأن یهتم أحد بهذا الأمر فیما بعد، و یمیز بین الأصیل و المزیف (ظ: ن.م، 3/1) وقد خصص حمزة «الحد الثالث» من مجموعته للخمریات، ویشتمل علی باب واحد و هو الباب التاسع من الکتاب، ویتضمن 19 فصلاً (ن.ص)، ویبلغ مجموع أشعاره 323 قصیدة وقطعة. ومن البدیهي أن أشعاراً بهذه الشهرة والعذوبة أن تخضع للدراسة مرات عدیدة: ففي أواسط القرن 19م، ترجم فون کریمر شعر أبي نواس إلی الألمانیة، وضمن ترجمته 21 خمریة. وقد نالت الخمریات الحظ الأوفر من الترجمات الفرنسیة التي قام بها مونتي من شعر أبي نواس. و في 1963-1964م قسم بن شیخ في مقالة مفصلة وبالغة الفائدة کتبها بالفرنسیة، مضامین خمریات أبي نواس. و في سنة 1964م أیضاً خصص شلق قسماً من کتابه أبونواس بین التخطي والالتزام لخمریاته (ص 73-218)، ومن الملفت للنظر أن نهجه في دراسة المضامین الشعریة یشبه منهج بن شیخ. کما تناول فهمي أیضاً هذا الموضوع (ص 261-281). وبالإضافة إلی ذلک، فقد خصصت جمیع الآثار الأخری التي ألفت حول أبي نواس، قسماً مهماً منها للخمریات.

ولایعتبر أبونواس مبدع الخمریات، فالشعراء العرب الأوائل في العصر الجاهلي کانوا أیضاً یعرفون هذا الضرب من الشعر، وعلی سبیل المثال فإن «معلقة» عمرو بن کلثوم تبدأ بوصف الخمرة (ص 118-119)، کما أن «معلقة» لبید تحوي 5 أبیات في هذا الغرض (ص 109-110). ویشتمل دیوان عدي بن زید، الشاعر المسیحي في بلاط الحیرة ومترجم بلاط الساسانیین، علی حشد من المضامین الخمریة؛ کما بلغ بعض من أبیات الأعشی الخمریة من الشهرة بحیث ضمنها منوچهري بعینها في شعره (ظ: ن.د، الأعشی). وفي هذا المجال یمکن الإشارة إلی أسماء عبدد کبیر آخر من الشعراء الجاهلیین مثل عنترة، إلا أن خمریات الشعراء الجاهلیین تختلط في الغالب بأغراض الفخر و الکرم، وعلی سبیل المثال فإن عنترة حینما یصف سخاءه، یقول إنما دفعه ذلک إلی أن یتفق کل ما کان لدیه علی الخمرة (ص 110). وقد استمر هذا المضمون نفسه لقرون بعد الإسلام (ظ: فهمي، 265).

وعلینا أن نبحث عن أساتذة أبي نواس الحقیقیین الأوائل في الخمریات في عصر بني أمیة و خصوصاً في البلاط الأموي: وعلی سبیل المثال فإن الأخطل المسیحي الذي کان قد نشأ في الحیرة، أرض الخمرة، دخل بلاط الخلیفة مخموراً و بکامل حریته. وفي هذه لافترة نفسها أقبل الأحوض في المدینة علی الخمریات، ومزجها بالغزل، إلا أن الخمریات في العصر الأموي لم تبلغ ذروتها و تحقق شیئاً من الاستقلال، إلا علی ید الولید.

إن تمکن أبي نواس المثیر للدهشة من اللغة العربیة، ولطافة ذوقه، وسلاسة طبعه و محاربته التقالید العربیة القدیمة، و هرویه من القوالب الجاهزة، وارتباطه بالتقالید الإیرانیة الممتدة منذ ألف سنة. و وقاحته و عدم حیائه، کل ذلک جعل منه وقد أصبح اللسان الناطق عن أصحاب الفکر الحر، والمرفهین في عصره، رجلاً أسطوریاً إلی درجة أن نفذ في الأساطیر الشعبیة، بل وحتی الأساطیر الإیرانیة القدیمة مثل ألف لیلة ولیلة. وفي ظل هذه الأجواء المفتوحة علی مصراعیها کان بإمکان أبي نواس أن یعتبر بلغة الشعر و بحریة عن جمیع آماله المشروعة و غیر المشروعة: فقد سخر من المضامین القدیمة والتقلیدیة للشعر الجاهلي، ودعا اشعراء إلی إبداع معانٍ جدیدة. والهال بالنقد علی العادات والسلوک الفظّ لبعض القبائل العربیة، وأشاد بالنساء الجمیلات والغلمان الصبیحي الوجه والخمرة الملتهبة التي کانت تضخ فیه النشاط، رغم تحریم القرآن لها، وأثنی علی الشیطان، ثم لما عاد إلی وعیه، نظم الشعر الزهدي.

إن أقوال أبي نواس وأفعاله التيتتناقض أحیاناً، دفعت غالبیة الکتّاب العرب إلی أن ینظروا إلیه باعتباره رجلاً شعوبیاً متطرفاً ومعادیاً للعرب. وعلی سبیل المثال، فق عده فهمي (ص 193، 198) أکثر الشعوبیین تعصباً، ورأی أن هذا الشعور ینجلی في أمرین؛ الأول انبهاره بکل ماهو إیراني، والآخر غزارة الکلمات الفارسیة في شعره. ولکننا یجب أن لاتترک جانب الاحتیاط في قبول مثل هذه الآراء. فالکلمات الفارسیة في شعره – کما ستری في قسم فارسیانه – لیست علی وجه العموم کما ظنوها، و کذا علینا أن تنشکک في تعصبه الشعوبي. فأبو نواس ابن بیئته، وهو یتحری دائماً الظرافة والجمال والحریة و یسخر مما سوی ذلک. فشعره وسلوکه وعاداته، بل وحتی شکله و ملامحه، کل ذلک یسیر في اتجاه یخالف اتجاه المجتمع. والشراب هو رمز لإلحاده وانحرافه وتمرده، وخصوصاً في هذه الخمریات حیث تتجلی ثورته و تمرده. ویتمثل أبسط مظاهر ثورته في تمرده علی «نسیب» الشعر الجاهلي الذي یبدو قد اکتسب قدسیة مع مرور الزمان، إلا أن تجنبه البکاء علی أطلال دیار الحبیب، یجره إلی النفور من الفیافي المترامیة الأطراف و من أشواک الصحراء و غدران الماء الآسنة، بل و حتی سکانها غیر المتحضرین. إنه لم یعد مستعداً للقناعة «بلحم السحالي، ومیاه الآبار، والقرب البالیة» (بن شیخ، 47-117)، ولا أن یرضخ للحیاة في موطن الذئاب والضیاع (ظ: أبونواس، 3/43-44، الأبیات 1-6) المکسو بأشواک أم غیلان، ذلک لأن هذه الدیار لاتحوي سوی الشقاء و الفقر و الفظاظة، وهو لاشأن له بکل ذلک (قا: بن شیخ، 67).

وبسبب سعة أغراضه الخمریة و شهرتها و کذلک بسبب تأثیرها العجیب في الأدب الفارسي، فمن الأفضل هنا أن تصنف وتنقل حسب المضمون:

 

1. الدین

إن «رقة دین أبي نواس» (3/314) التي أضحت ضرباًمن الأمثال، وهي واضحة في الکثیر من أشعاره، فهو یعترف قائلاً: «إني وإن کنت ماجناً خَرِقا الایخطر النسک لي علی بال» (3/258)، و«أنا رأس الفاسفینا و عدو التائبینا» (3/432)، وکما یوصي قائلاً: «وکن أول من آثر دنیاه علی الدین» (3/330، 334). وهو یبیع نفسه في إحدی غزلیاته إلی إبلیس، ویطیع إبلیسَ في الخمریات اعتباراً من أول اللیل و حتی الفجر و هو منغمس في الخمرة و مظاهر الفساد الأخری (3/325)، ویحثه إبلیس الذي ما یزال غیر مکنف بإئمه في شرب الخمر علی فساد أکبر (3/114، أیضاً ظ: 3/257، 259، في دعوة إبلیس).

ومع کل ذلک فإن أبا نواس کان یرعی دوماً حرمة القرآن الکریم، ویقسم فيجمیع المواضع بآیاته المبارکة. ولم یتجاوز حده إلا في موضع واحد نصح فیه جلساءه بأن یضعوا القرآن في جانب، والخمرة في جانب آخر، ثم یتناولوا بضع کؤوس من هذه، ویقرؤوا بضع آیات من ذلک (3/209). ومع ذلک، یمکن تبریر إساءته هذه بأنه کان یبغي الغفران الإلهي، ذلک لأنه یضیف بعد ذلک البیت، قائلاً: «فجرة ثم توبة، فإذا الله قد عفا» (3/210). وقد تکرر هذاالمعنی لمرات عدیدة في خمریاته (مثلاً 3/64، 202)، مما هو یشیر إلی أن أبانواس کان یؤمن بالله صادقاً رغم أنه لم یکن یعرض عن الذنوب في الظاهر.

 

2. التمرد

یبدو أن نقد أبي نواس لأشهر أغراض الشعر الجاهلي الذي هو البکاء علی الأطلال والدمن والتحدّث معها، ثم تذکر الحبیب الراحل، في خمریاته هو رمز للتمرد علی جمیع مظاهر الحیاة والثقافة الصحراویة القدیم، حیث یبدأ عدد کبیر من قصائده الخمریة (مایقرب من30 قصیدة وقطعة) بهذا النقد الساخر، أو بالتهکم من الشعراء الذین نظموا قصائد بهذه المضامین؛ والموضوع واحد دائماً: وهو التساؤل عن سبب البکاء علی هذه الأطالل البالیة المتروکة،والدعوة إلی نبذها، والتمتع بربیع الدنیا وانبعاث حیاتها، و شر الخمرة (3/260)، وتفضیل منزل الخمار في الأنبار وقطربل علی الأطلال و الصحاري القاحلة في ذي قار، إذ أنه أجمل (3/168)، والدعوة إلی وصف ریحانة رکّبت علی أذن المعشوق، أو الخمرة الصراح، بدلاً من الأطلال (3/332). والموضع الوحید الذي یبدأ فیه شعره بالإشارة إلی الأطلال هو قطعة من 3 أبیات في خمریاته، إلا أننا سرعان مانقرأ في البیت الثاني أن الخلیفة هو الذي أمره بذلک، و«إن کنت قد جشمتني مرکباً وعرا» (3/153).

ویبدوأن الامتداد الطبیعي لهذه الانتقادات، انتقادُ حیاة الدعراب وسلوکهم. فلقد قارن لمرات عدیدة العیش في الحانات إلی جوار الجواري بالحیاة في خیم البادیة والشرب من لبن النیاق (3/45)، واستهزأ من أوضاع الأعراب 03/44، 45) «فأین البدو من إیوان کسری» (3/46). وهو یذکر أحیاناً بشکل مباشد أسماء قبائل عربیة مثل: بکر وتمیم وأسد (3/110)، ویشیر في موضع آخر إلی أن هذه المدام المبهجة للقلوب لاتستحقها قبائل العرب «بل هي من شدن بني الأحرار»، ذلک لأنها قدمت من أرض لاتستطیع أن تدخلها کلب عبس وذبیان و شیبان، ولاتفوح فیها لارائحة العرفجة الصحراویة ولاحبة الحنظل التي یقتات علیها العرب، وفي المقابل تجول أرواح الملوک في تلک الأرض و ینتشر في جمیع أرجائها عبیر الجلّنار والشقائق والسوسن (3/324-325).

 

3. الأصدقاء

إن انتقاد حیاة العرب و طبائعهم قد یجر الشاعر أحیاناً إلی المقارنة بین الأصدقاء الإیرانیین والعرب؛ فنحن نراه في قطعة تبلغ 13 بیتاً ینبذ جانباً ذلک الشقي المولع بالأطلال لینضم إلی رفاقه الإیرانیین الذین یتصفون بالوقار الشدید، ویتحدثون بهدوء، ولایتجاوزون الحد في السکر، ویحملون نفوساً شریفة، ولایتفاخرون علی بعضهم البعض في مجالس اللهو والطرب. في حین أنه عندما یفد علی جمع الرفاق العرب یلفي أولاً التمیمیین وهم یفخرون بأنفسهم، ثم یتذکرون قوس حاجب بن زرارة الذي کان قد رهنه لدی کسری ویدور الحدیث حول أیام العرب، وفي المقابل فإن الشاعر یأمن علی نفسه من الفتیة الفرس فهم لاتفاخرون علیه، متواضعون ذوو شرف رفیع (3/290-291).

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: