أرسطو
cgietitle
1443/3/27 ۱۳:۴۱:۰۰
https://cgie.org.ir/ar/article/237187
1446/11/10 ۰۰:۰۸:۰۸
نشرت
6
لقد أشرنا إلی أن العقل من وجهة نظر أرسطو علی نوعین: فاعل و منفعل. وهنا یقول: فیما یتعلق بهذا القسم من النفس الذي بواسطته تفکر و تعرف – کجسم منفصل عن الجسم، أم کمعنی و مفهوم قائم بذاته – تجدر دراسة اختلافها (عن بقیة قوی النفس) و کیف ینتج عنها التفکیر، أو التعقل. فإن کان التفکیر مثل الإحساس، فینبغي أن یکون منفعلاً من قِبل المعقول، و هذا الجزء برغم کونه غیر منفعل، ینبغي أن یتقبل صورة الشيء (المعقول) و یکون هو ذلک بالقوة، لکنه لیس ذلک، أي أن العقل أیضاً ینبغي له أنه یکون تجاه المعقولات کالجسد المتحس تجاه المحسوسات. لکن لما کان العقل یفکر في کل شيء یجدر أن لایکون مختلطاً [بموضوعات التفکیر]. وهنا فإن ذلک القسم من النفس الذي یسمی العقل – المقصود ذلک القسم من النفس الذي یتم بواسطته التفکیر و الحکم – و قبل أن یفکر، لیس أیاً من الموجودات بالفعل. إذن فلیس من الصحیح القول إنه ممتزوج بالجسد؛ ذلک أنه [لو کان کذلک] سیکون بشکل ذي کیفیة، باردٍ، أو حارٍ، و وجب أن یکون کالأجسام المحسوسة، له أدوات؛ لکنه لیس کذلک. وإن أولئک الذین یرون العقل مکناً للصور محقّون، غیر أنه ینبغي القول: لیست کلها کذلک، بل إن النفس المفکرة هي کذلک، و إن الصور فیها لیست بافعلیة و الواقعیة، بل بالقوة، لکن کون القوة الحاسة و القوة المفکرة لیستا سواء في تقبل الانفعال، إنم یتضح عندما نضع في الاعتبار الأعضاء الحاسة مع الإدراک الحسي؛ ذلک أن الحس لایستطیع إحساس المحسوس الشدید، فهو لایستطیع مثلاً سماع صوت بین أصوات مرتفعة، أو رؤیة لون بین الألوان الصارخة، أو شم رائحة بین الروائح النقاذة. لکن العقل حین یفکر في معقول شدید، لایفکر بشکل أقل في الأضعف منه، بل بشکل أفضل. ولاتوجد أداة حسیة من غیر جسد، لکن العقل منفصل. والآن لو أن العقل یکونکل واحد من الأشیاء،کما في حالة القول بشأن رجل عالم بالفعل، أي عندما یستطیع تفعیل نفسه، و حتی عند ذاک أیضاً، فإن العقل هو بشکل ما بالقوة، و إن لمیکن بالشکل الذي کان علیه قبل التعلم و الاکتشاف. فضلاً عن ذلک، فإن العقل یستطیع کذلک أنی فکر بنفسه (ن.م، الکتاب III، الفصل 4، الورقة 429a، السطر 10، الورقة 429b، السطر 10).
ثم یتساءل أرسطو: إذا کان العقل بسیطاً و غیر قابل للانفعال ولایشترک مع أي شيء في أي شيء، إذن کیف یفکر؟ ذلک أن التفکیر شکل من أشکال الانفعال، و أنه لو کان هناک أمر مشترک بین العقل والمعقول، إذن فلأحدهما فعلیة و للآخر انفعالیة. ومن جهة أخری یمکن التساؤل عما إذا کان المعقول هو نفس العاقل، أي هل یستطیع العقل التفکیر بنفسه؟ والجواب هو أن العقل إما أن یکون موجوداً في أشیاء أخری أیضاً – إذا لمیکن العقل نفسه معقولاً بشکل آخر – و واحداً في الصورة مع المعقول، أو له شکل من أشکال الامتزاج یجعله معقولاً (في التفکیر بأشیاء أخری). واستناداً إلی ما ذکر آنفاً من أن الانفعال یحدث العتماداً علی أمر مشترک، إذن فالعقل هو المعقولات بشکل ما، لکن بالفعل، فهو قبل أن یفکر لیس أیاً منها، و هنا ینبغي أن یکون العقل کلوح لیست فیه بالفعل أیة کتابة. والعقل نفسه أیضاً یصبح کالمعقولات الأخری معقولاً؛ ذلک أنه في الأشیاء غیر المادیة یکون العاقل هو نفس المعقول [أحد مصادر نظریة اتحاد العاقل والمعقول (ن.ع) في الفلسفة الإسلامیة]؛ حیث إن العالم و المعلوم هو في المعارف، أو العلوم النظریة واحدٌ بنفس النحو. و في الأشیاء المادیة یوجد کل واحد من المعقولات بالقوة، ذلک أنه لایوجد فیها عقل، و العقل معها – من غیر مادتها – واحدة بالقوة، لکن العقل یمکنه أن یکون معقول نَفسِهِ (نفس الفصل، الورقة 429b، السطر 23، الورقة 430a، السطر 9).
وأخیراً ینهي أرسطو بحث العقل بقوله: کما أن شیئاً واحداً هو في کل الطبیعة مادة لکل الأجناس (الذي بالقوة کل واحد منها)، و شیئاً آخر هو العلة والفاعل الذي یصنع الجمیع – کما یفعل الفن بمادته – فإنه و بنفس النحو هناک شکل من العقل بصبح کل شيء، و شکل آخر أیضاً یصنع کل شيء کخصلة، أو قابلیة، مثل النور، ذلک أن النور أیضاً یجعل بشکل ما الألوان الموجودة بالقوة، ألواناً بالفعل. وبنفس النحو، فإن العقل منفصل عن المادة لایقبل الانفعال و غیر مختلط و هو في جوهره فعلیةٌ، ذلک أن الفاعل هو علی الدوام أسمی من المفعول و کذلک المبدأ أسمی من المادة. والعلم بالفعل هو المعلوم، والعلم بالقوة من حیث الزمان متقدم في الفرد، لکنه لیس مقدماً بکل کلي. ولیس الأمر بأن العقل یفکر حیناً ولایفکر حیناً آخر، لکنه حین یکون منفصلاً فهو في الواقع نفسه. والعقل المنفصل هو لوحده السرمدي و الخالد، لکننا لانتذکره لأن قسماً منه غیر قابل للانفعال. بینما العقل المنفعل فهو فانٍ ومن غیره أیضاً لایوجد هناک تفکیر (نفی الکتاب، الفصل 5، الورقة 430a، السطور 10-25).
وکما أسلفنا، فإن نظریات أرسطو في العقل أثارت تساؤلات لدی المفسرین و الباحثین و قُدِّمت لها أجوبة أیضاً، لکن المسألة لاتزال معقدة یکتنفها الغموض. فمن جهة، فإن مایقوله بشأن العقل المنفصل واضح نوعاًما، بمعنی أن عمل هذا العقل هو تقبّل الصور المعقولة بمعزل عن مادتها. و یتمتع بنو البشر جمیعاً بهذا العقل. و هذا العقل هو کل شيء بالقوة. لکن من جهة أخری یعلن أرسطو أن هذا العقل قابل للفناء، أي أنه یضعه إلی جانب بقیة قوی الروح التي تفنی بموت الإنسان. والإشکال الرئیس یدور حول العقل الذي یسمیه أرسطو العقل الفاعل، الذي دعاه فیما بعد إسکندر الأفرودیسي (القرنان 2-3م) شارح آثار أرسطو، باسم «العقل الفعّال»، ثم وجد طریقه إلی الفلسفة الإسلامیة أیضاً عن طریق الترجمات العربیة. و عمل هذا العقل هو جعل المعقولات بالقوة، معقولات بالفعل؛ و لذا یقول أرسطو عنه إن هذا العقل «یصنع کل شيء». وهنا یمکن التساؤل: کیف تکون علاقة هذا العقل بروح الإنسان الفردیة؟ هل هي منفصلة عنه، أم داخله؟ لقد رأینا أن أرسطو یعتقد أن هذا العقل فحسب خالدٌ و غیر قابل للفناء، تری هل یتمتع جمیع بني الإنسان بهذا العقل؟
توجد لأرسطو في اثنین من مؤلفاته المهمة الأخری إشارات إلی قضیة العقل ربما أمکن العثور فیها علی إشارات أکثر وضوحاً. یقول في موضع: أما بشأن العقل و کیف تسامفیه الأحیاء و متی و من أین، فهناک مسائل معقدة و علینا أن نتناولها قدر استطاعتنا و إلی الحد الممکن. وفي ختام بحثه ینتهي إلی هذه النتیجة: «إن الشيء الوحید الذي یبقی هو العقل الذي یرد من الخارج، و هو إلهی فسب، ذلک أنه لیس له أي شکل من الاشتراک مع الأفعال الجسمانیة» («في کون الحیوان»، الکتاب II، الفصل 3، الورقة 736b، السطور 27-29).
وفي موضع آخر و بعد بحثه في الحیاة السعیدة و کیفیة شروطها، أي الحیاة المنسجمة مع النشاط العقلي الذي هو التأمل و التفکیر، یقول: إن نشاطاً عقلیاً کهذا هو الإقبال، أو السعادة الکاملة، لکن حیاة کهذه تفوق طاقة الإنسان، و إن الإنسان لیس من حیث کونه إنساناً، بل من حیث الشيء الإلهي الموجود داخله، یستطیع نیلَ حیاةٍ کهذه. والآن إذا کان العقل – مقارنة بالإنسان – شیئاً إلهیاً، إذن فالحیاة المنسجمة مع العقل هي للإنسان أمر إلهي. وعلینا – ولأجل نیل الخلود – أن نسعی قدر المستطاع و نفعل کل شيء لنجعل الحیاة تنسجم مع ما هو أسمی شيء في الإنسان، ذلک أن حجم هذا العمل مهما کان صغیراً، لکن أسمی بکثیر من کل شيء من حیث التأثیر و لاقیمة («الأخلاق إلی نیقوماخوس»، الکتاب X، الفصل 7، الورقة 1177b، السطر 26، الورقة 1178a، السطر 1). وفي موضع آخر من نفس الکتاب یشیر أرسطو مرة أخری إلی قضیة العقل فیقول: إن من یعیش بشکل منسجم مع نشاط العقل و ینمّي العقل ویرعاه، فقد اختار أفضل حیاة و هو الأکثر حباً لدی الآلهة؛ ذلک أن الآلهة إذا کانوا – و کما یعتقد الناس – یشرفون بشکلٍ ما علی الأمور الإنسانیة، فمن الصحیح القول إنهم یُسَرّون لما هو أفضل في الإنسان و ماهو أکثر قرابة منهم – أي العقل – و یکافئون بالحسنی إنساناً کهذا یکرم أسمی شيء و یجله. و واضح أن صفات کهذه توجد في الإنسان العالم أکثر من غیره. و بذلک، فإن إنساناً کهذا هو الأکثر محبة لدی الآلهة (نفس الکتاب، الفصل 8، الورقة 1179a، السطور 23-31). وعلی هذا، ربما أمکن الاستنتاج بأن مایسمیه أرسطو «العقل المنفصل ومن الخارج» هو نفس العنصر الإلهي الذي یکون الإنسان لوحده من بین جمیع الأحیاء شریکاً فیه کما یقول هو في مؤلَّف آخر («في أعضاء الحیوان»، الکتاب II،الفصل 10، الورقة 656a، السطر 7). وهذا العقل – أي هذا العنصر الإلهي – هو الذي لایقبل الفناء لدی الإنسان.
والآن یمکن التساؤل: تری هل إن هذا العقل هو خالد في کل فرد من بنيالبشر، أم في النوع الإنساني؟ بعبارة أخری: هل له بقاء شخصي، أم نوعي؟ منذ القدم کان قد طُرح هذا السؤال: تری هل أن أرسطو یعدّ کل الأرواح، أو النفوس خالدةً، أو لا؟ وکما رأینا، فإنه یعدّ جمیع قوی النفس – عدا العقل الفاعل – مرتبطة بالجسد، و فانیة بموته. وبصورة عامة، فالظاهر أن أرسطو منذ شبابه و حتی نهایة حیاته اعتقد بخلود عنصر إلهی في الإنسان، أي العقل؛ ذلک أنه وضَح في أحد آثاره المسمی پروترپتیقوس الرأي بأن الإنسان لایملک أي شيء جدیر بأن یُعدّ إلهیاً و مبارکاً، سوی ما کان فیه من عقل و فکر. و من جمیع مالدی الإنسان، یبدو أن هذا هو الوحید الخالد و الإلهي، ولما کان یمکنه أن یکون له نصیب فیه، فإن الحیاة برغم کونها سیئة و عسیرة، لکنها نُظمت بشکل ذکي وکأن الإنسان قیاساً إلی بقیة الموجودات، هو إله، ذلک أن العقل هو الله فینا (روس، المقطع 10c).
والأمر الآخر الملفت للنظر بشدة في أقوال أرسطو عن الروح هو العبارة التي وردت في مؤلَّف مهم آخر له، حیث یتساءل فیه: ماهو مبدأ الحرکة في الروح؟ ویجیب: من الواضح، کما هو الحال في العالم کله ففي الروح أیضاً یحرک الله کل شيء؛ ذلک أن کل ما هو إلهي فینا هو بشکلٍ ما سببُ جمیعِ الحرکات فینا. و مبدأ العقل لیس عقلاً، بل شيء أسمی و أقوی من العقل. والآن – و فیما عدا الله – تری أي شيء أسمی من العقل و أقوی؟ («الأخلاق إلی أودیموس»، الکتاب VIII، الفصل 2، الورقة 124a، السطور 25-29).
لکتابات أرسطو في الفلسفة والأخلاق أهمیة و قیمة خاصة، و کانت في العصر الراهن موضعاً للبحث و الشرح و التفسیر أکثر من جمیع الموضوعات. ولدینا الیوم بهذا الشأن 3 آثار: «الأخلاق الکبیر»، «الأخلاق إلی أودیموس»، «الأخلاق إلی نیقوماخوس»؛ و«الأخلاق الکبیر» هو أصغر مؤلفات أرسطو في هذا المضمار و ربما کان السبب في تسمیته بـ «الکبیر» هو أن قیاسات أوراق البردي التي کتب علیها هذا الأثر کانت أکبر من الحجم المتعارف علیه. کما أن تقسیمات هذا الأثر و عنوانه أُنجزت في العصور اللاحقة. أما «الأخلاق إلی أودیموس» فذن أغلب علماء الأرسطیات یعدّونه الیوم مؤلفاً لأرسطو نفسه برغم کونه علی شکل مقاطع. و قد فُقد منه الکتابان الرابع و السادس اللذان نجدهما الیوم بشکل متغیر في الکتب الخامس حتی السابع من «الأخلاق إلی نیقوماخوس»، کما أنه لیس معلوماً ماذا کان السبب في تسمیته؛ لکن المتیقّن هو أن مؤلفه لیس أودیموس الرودسي تلمیذ أرسطو الشهیر. وأسلوب تألیفه أیضاً یختلف عن أسلوب أرسطو. والکتاب الموجود منه الیوم هو بقایا أثر أکبر. و«الأخلاق إلی نیقوماخوسم هو أهم وأکمل کتابات أرسطو حول فلسفة الأخلاق. وکان قد دلفه إحیاء لذکری والده، أو باحتمال أقوی لذکری ابنه الذي توفي شاباً. وهذا الکتاب هو آخر کتابات أرسطو و یمکن تخمین أنه نشر بعد وفاته علی ید تلامذة مدرسته وسمي باسم ابنه الذي توفي شاباً. وفیما عدا هذا الأثر – وکما أسلفنا – فإن بقیة مؤلفات أرسطو کانت جمیعها في بادئ الأمر خطابات و دروساً مستقلة جمعت فیما بعد و نشرت. ویُفهم من أسلوب الکتابة و أنماط البیان في هذا المؤلّف أن شکله الحالي یرجع إلی أرسطو نفسه. و المیزة البارزة فیه هي دقة الاستدلال والهیکلیة الفکریة و النبرة الهادئة وخلوّه من أسلوب الجدل في عرض القضایا.
ویشتمل هذا المؤلف علی 10 کتب. و خلاصة موضوعاته هي: الکتاب الأول: الخیر هو الهدف الرئیس لکل شيء؛ نظریات متنوعة حول الخیر؛ أفضل خیر یستطیع الإنسان الحصول علیه عن طریق العمل، الحیاة سعیدة؛ السعادة شکل من أشکال أنشطة الروح بالانسجام مع أسمی الفضائل؛ کیفیة اکتساب هذه الفضائل التي بعضها أخلاقي و بعضها فکري و معنوي. الکتاب الثاني، الفصل 1 إلی الکتاب الثالث، الفصل 8: نظریات متنوعة في الفضیلة. الکتاب الثالث، الفصل 9 و مابعده: بحث حول کل واحدة من الفضائل الأخلاقیة (بحث اجتماعي و علم ظاهراتي)؛ مبحث القاعدة، أو المعیار، أو الفهم السلیم المهم ... الکتباب السادس: الفضائل الفکریة، أو العقلیة؛ المهارات الفنیة؛ المعرفة،أو العلم؛الذکاء العملي؛ الحکمة؛ العقل. الکتاب السابع: بحث في الشهوات و السیطرة علیها، أو استحواذها علی الإنسان؛ الإسراف والانضباط؛ في اللذة. الکتابان الثامن و التاسع: بحث في الصداقة. الکتاب العاشر: في اللذة وآراء الاخرین بشأنها. ثم بحث في أن الحیاة الفلسفیة و الحیاة السعیدة هي الحیاة الخُلقیة السامیة و تُنال بالسعي والجهد و هي لیست لعباً؛ أسمی سعادة هي الحیاة العقلیة السامیة و تُنال لاسعي والجهد و هي لیست لعباً؛ أسمی سعادة هي الحیاة العقلیة والفکریة والشرط اللازم لنیلها التفرّع لها و لنیبلغ هذا الهدف، إلا النخب. وبعدها فإن أسمی حیاةٍ هي الحیاة الأخلاقیة؛ أهمیة الخیر الخارجي؛ مع زوال السلامة و بقیة أنواع الخیر الخارجي لایمکن العیش بسعادة؛ کل من عاش الحیاة المعنویة، فقد نال أسمی سعادة؛ یمکن عن طریق التربیة أن یصبح الأنسان خیَّراً؛ الانتقال للبحث التالي، أي فلسفة المجتمع والسیاسة.
کان لفلسفة الأخلاق لدی أرسطو وبشکل خاص في «الأخلاق إلی نیقوماخوس»، أبعد الأثر و أعمقه في أفکار العالم الغربي، وکانت تُعدّ أنموذجاً لجمیع أنواع التفکیر والبحث في مجال الأخلاق. کان أرسطو أول مؤسس لنظام القِیم و مایضادها في الفکر الغربي بأسلوب واقعي وعقلي. وقد قیل إن أرسطو یقسم المعارف، أو العلوم إلی مجموعتین رئیستین: المعرفة النظریة و المعرفة العملیة. و هدف المعرفة النظریة الحقیقة، و هدف المعرفة العملیة الفعل. و من جهة أخری، فإن العلوم العملیة بدورها علی قسمین: الأخلاق و السیاسة. وفلسفة الأخلاق تبحث في الخصال الفردیة لبني الإنسان من حیث کونهم یعیشون في المجتمع، بینما تبحث السیاسة في الحیاة و تصرفات و أعمال الناس الاجتماعیة. وبذا فإن فلسفة الأخلاق لدی أرسطو ذات طابع اجتماعي، وفلسفة السیاسة لدیه ذات طابع أخلاقي. و علی هذا، فإن فلسفة الأخلاق لدی أرسطو ذات صلة بالعمل قبل کل شيء. فالعسي لمعرفة الخصال الإنسانیة لیس هدفاً بذاته، و إنما هو وسیلة لبلوغ هدف آخر، وه و الفعل، أو العمل الإنساني. و من هنایسمي أرسطو الأخلاق والسیاسة «فلسفة الأمور الإنسانیة» («الأخلاق إلی نیقوماخوس»، الکتاب X، الفصل 11، الورقة 1181b، السطر 15). وبذلک یتضح الهدف الرئیس من فلسفة الأخلاق؛ یقول أرسطو إن هدفه من تألیف «الأخلاق إلی نیقوماخوس» لمیکن البحثَ النظريَّ کما هو شأن بقیة الکتب؛ ذلک «أن بحثنا لیسفي أن نعرف ما هي الفضیلة، بل في أن نصیر من الدخیار؛ لأن الأمر لو لمیکن کذلک، فلا جدوی من ذلک البحث، إذن فمن الضروري أن نبحث فژ الأعمال و کیفیة القیام بها» (ن.م، الکتاب II، الفصل 2، الورقة 1103b، السطور 21-30).
واستناداً إلی هذا الأساس، یقول أرسو إن هدف کل فن و کل بحث علمي، مثل أي فعل و اختیار، الخیر فیما یبدو؛ إذن، صحیح ما قیل من أن مایصبو إلیه الجمیع هو الخیر (ن.م، الکتاب I، الفصل 1، الورقة 1094a، السطر 1 ومابعده)، لکن الناس یبحثون عن الخیر في أشکال و في أمور مختلفة، و لذا فإن أهدافهم هي الأخر متباینة، و لما کانت الأهداف کثیرة و نحن نختار بعضها لأجل شيء آخر، إذن فمن الواضح أن جمیع الأهداف لیست کاملة، و أفضل شيءٍ کامِلُهُ. وعلیهذا، فإن کان هناک شيء کامل، فینبغي أن یکون هو مرامنا، و إن کانت هذه الأشیاء کثیرة، فینبغي لنا أن نبحث عن أکملها (نفس الکتاب، الفصل 7، الورقة 1097، السطور 26-31).
ومن جهة أخری و لأن الأهداف کثیرة فیمکن أن نتابع هدفاً من أجل هدف آخر، أي أن نتخذه وسیلة لبلوغ هدف آخر؛ لکن هناک هدفاً نتمناه لذاته و نتمنی الأشیاء الأخری لأجله. لکننا لو کنا نختار کل شيء لأجل شيء آخر إلی مالانهایة، لذهبنا إلی مالانهایة، ولذهبت آمالنا سدیً. إذن فمن الواضح أن هدفنا لایمکن أن یکون شیئاً آخر سوی الخیر فحسب، بل أفضل الخیر (نفس الکتاب، الفصل 2، الورقة 1094a، السطور 18-23).
والان یمکن التساؤل تری ماهو الخیر الذي یتمناه کل الناس، ذلک أننا ردینا أن هدف کل معرفة و اختیار هو خیر، و أغلب الناس وکذلک أکثرهم ذکاءً متفقون حول اسم أفضل الخیر هذا و یسمونه السعادة ویعتقدون أن الحیاة الطیبة و حسن الفعال هو السعادة. لکنهم یختلفون في ماهیة السعادة. ولایتفق عامة الناس مع العلماء في تعریفهم لها، إذ یعدّها البعض أمراً بدیهیاً و واضحاً کاللذة و الثروة و الفخر، بینما یصفها آخرون بشکل آخر (نفس الکتاب، للفصل 4، الورقة 1095a، السطور 14-24).
ولایتناول أرسطو نظریات الآخرین في السعادة، لکنه یعتبر حیاة الناس في 3 مقولات شاملة: یعتقد عوام الناس و أوضعهم أن السعادة في اللذة، و بذلک یفضلون الحیاة باللهو؛ بینما یختار آخرون الحیاة السیاسیة، و الفریق الثالث یختار حیاة أهل النظر، أو الحیاة النظریة (التعمق في الحقائق) (نفس الکتاب، الفصل 5، الورقة 1095b، السطور 17-19).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode