الإسماعیلیة، احدي
cgietitle
1442/9/21 ۱۶:۵۰:۱۲
https://cgie.org.ir/ar/article/236239
1447/3/22 ۰۴:۳۶:۲۴
نشرت
7
صنفت المصادر الدعاة إلى 3 طبقات هي حسب ترتيب الأهمية: «داعي البلاغ» و «الداعي المطلق» و «الداعي المحدود (المحصور)». و لاتتوفر معلومات خاصة حول الواجبات المختلفة لهذه الأنواع الثلاثة من الدعاة؛ و من المحتمل أن الداعي المحدود كان المساعد الرئيس للداعي المطلق، و كان الداعي المطلق فيها يخول صلاحيات كاملة في غياب الحجة و داعي البلاغ في كل جزيرة. و كان داعي البلاغ يتولى غالباً دور حلقة الوصل بين التنظيم المركزي للدعوة في العاصمة الفاطمية و مركز الدعوة المحلي في كل جزيرة. و في أوائل عصر الفاطميين، كانت تستخدم أحياناً عناوين أخرى مثل «الجناح» بدلاً من الداعي، وذلك في المناطق الإيرانية (الهمداني، «تحول...»، 109، نقلاً عن كتاب الإصلاح؛ أيضاً أبويعقوب، ن.م، 91، 100، 128).
كان الدعاة يمارسون نشاطهم بمساعدة معاونين يعرفون بشكل عام بـ «المأذون». و كان يوجد في تنظيمات الدعوة في كل جزيرة نوعان من المأذونين على الأقل: المأذون المطلق والمأذون المحدود (المحصور)؛ و قد اكتسب المأذون المحدود أخيراً عنوان «المُكاسِر». و قد كان المساعد الرئيس للداعي والذي كان في الغالب يرتقي تلقائياً إلى مرتبة الداعي «مأذوناً» بأن يأخذ العهد، أو الميثاق من المنضمين حديثاً إلى الجماعة الإسماعيلية. كما كان يعلّم الإسماعيليين الجدد المقررات المتداولة. و قد كانت المسؤولية الرئيسة للمكاسر الذي كانت صلاحياته محدودة، تحديد و اختيار الأشخاص للدخلول في الجماعة الإسماعيلية. وكان تعليم المأذونين على عاتق الدعاة، وكان الدعاة أنفسهم يدربون غالباً في دارالعلم و المؤسسات التخصصية الأخرى في القاهرة، ثم يرسلون إلى الجزيرة التي ينفذون فيها مهمتهم. وفي نفس الوقت الذي كان يوجد فيه ارتباط مستمر بين كل جزيرة ومركز الدعوة في العاصمة الفاطمية، فقد كان الدعاة يتمتعون بدرجة ملفتة للنظر بالاستقلالية في العمل في مواضع مأمورياتهم. و لميكن الإسماعيليون العاديون يتمتعون بدرجة في تنظيمات الدعوة، و كانوا يسمون عادة بـ «المستجيبين». و قد شرح الداعي الكرماني تسلسل مراتب الدعوة السبع، من الباب (داعي الدعاة) و حتى المكاسر (المأذون المحدود)، مع مسؤولياتهم الرئيسة و الرمزية (راحة العقل، 134-139، 224-225؛ أيضاً ظ:كوربن، «زمان»، 90-95).
حافظ الإسماعيليون الفاطميون بشكل عام على إطار التعاليم العقائدية للإسماعيليين الأوائل، و ميزوا كأسلافهم بين ظاهر الدين و باطنه؛ و لكن الإسماعيليين الفاطميين اعتبروا الظاهر و الباطن مكملين و كانوا يوجبون مراعاة التعادل بينهما خلافاً للإسماعيليين الأوائل الذين كانوا يؤكدون على الباطن والحقائق المكتومة فيه. و لذلك، لميكن من الممكن بالنسبة إلى الإسماعيليين الفاطميين التوصل إلى «الحقيقة» دون «الشريعة»، فقد كانت الحقائق مرتبطة دوماً بالشرائع، أو ظواهر الدين (القاضي النعمان، دعائم، 1/53، أساس، 33 و مابعدها، 347 ومابعدها، 364 و مابعدها، تأويل، 1/69-71؛ المؤيد، المجالس، 1/114، 124، 162، 189، 192، 260، 332، 351؛ ناصرخسرو، وجه دين، 77-83، 318-319). و بالتالي، كانت الدعوة الفاطمية تبطل بشكل رسمي مواقف القرامطة الإباحية و الفئات المتطرفة الأخرى التي كانت تؤكد على الباطن، و تنفي الظاهر (الشريعة).
ألف الدعاة و العلماء الفاطميون آثاراً كثيرة في مجال العلوم الظاهرية و العلوم الباطنية و علم التأويل، و لكن الإسماعيليين الفاطميين لميكونوا يعيرون أية أهمية إلى علم التفسير، و كانوا يكتفون في هذا المجال بتعاليم أئمتهم. و ذلك، فقد كانوا يطلقون على الإمام الإسماعيلي اسم «القرآن الناطق» أيضاً، و يسمون نص الكتاب الإلٰهي « القرآن الصامت» (القاضي النعمان، الدعائم، 1/25-27، 31 و مابعدها؛ المؤيد، ن.م، 1/410-411). و لأسباب مشابهة، فقد كان اهتمام الإسماعيليين الفاطميين بعلم الحديث محدوداً أيضاً، فكانوا يكتفون في هذا المجال بتعاليم أئمتهم وأقوالهم؛ و على أي حال، فقد كانوا يولون الأهمية للأحاديث النبوية و الروايات المنقولة عن أئمتهم السابقين و خاصة الإمام جعفر الصادق (ع). و قد جمع الكثير من هذه الأحاديث و الأخبار القاضي النعمان الفقيه الأبرز في العصر الفاطمي، و خاصة في كتابيه دعائم و شرح الأخبار (قم، 1409-1412ه).
كان القاضي النعمان و هو في الأصل مؤسس علم الفقه الإسماعيلي، يتولى مناصب مختلفة في جهاز حكم الفاطميين منذ عهد عبيدالله المهدي و حتى موته في 363ه/974م، و حظى أخيراً بالقربة الخاصة لدى المعز الفاطمي باعتباره أبرز فقيه إسماعيلي. ومايزال الإسماعيليون المستعلويون ـ الطيبون يستندون إلى أحد أهم مؤلفاته الفقهية، أي دعائم الإسلام. و تجمع الفقه الإسماعيلي أوجه شبه كثيرة مع فقه الإمامية، و لكن هناك اختلافات ظهرت بين هذين المذهبين الشيعيين و خاصة في مجال التوارث و كيفية إجراء بعض الفرائض الدينية (ظ: فيضي، «قاضي النعمان...»، 1-32؛ «زبدة...»، مخ؛ پونـه والا، 109-115؛ مادلونغ، «منابع...»29-40).
حافظ الإسماعيليون الفاطميون على الرؤية الدورية للإسماعيليين الأوائل حول التاريخ الديني للبشر، و لكن الفاطميين أحدثوا تدريجياً تغييرات في نظرية أسلافهم في مجال الإمامة لأنهم كانوا يدعون الإمامة. و قد أعادوا النظر بشكل خاص في طول الدور التاريخي السادس، أي دور الإسلام، و عدد أئمة ذلك الدور؛ بحيث يصبح بالإمكان الاستمرار غير المحدود في الإمامة و وجود أكثر من 7 أئمة في دور الإسلام. كان الفاطميون الذين كانوا لفترة طويلة يعتبرون أنفسهم خلفاء الإمام القائم محمد بن إسماعيل، يدعون أنهم تولوا مسؤولية التنفيذ التدريجي لواجباته باعتباره القائم. و في عهد المستنصر الفاطمي، اتخذ نوع من التفسير الروحاني حول ظهور محمد بن إسماعيل، لأن الإسماعيليين الفاطميين لميعودوا ينتظرون رجعته الجسدية. و في عهده أيضاً، كان الإسماعيليون الفاطميون يعتقدون بأن أحد الأئمة الإسماعيليين من أعقاب محمد بن إسماعيل و المستنصر الفاطمي سوف يبدأ في آخر الزمان باعتباره القائم و الناطق السابع، آخر دوره في التاريخ البشري (المؤيد، المجالس، 1/363؛ الصوري، 41-71؛ ناصرخسرو، وجه دين، 13، 16، 43، مخ، زاد، 476-484، جامع...، 121-122، 163-165؛ أيضاً مادلونغ، «إمامة»، 127-132).
و كما ذكرنا سابقاً، فقد كان الداعي النسفي مبتكراً لنوع من علم الكونيات الأفلوطوني المحدث ـ الإسماعيلي (القرمطية) والذي كان قد شرحه في كتابه المحصول. و قد تكامل علم الكونيات هذا الخاص و الذي دونه أبو حاتم الرازي بشكل مستقل إلى حدما، على يد أبي يعقوب السجستاني، و حظى منذ القرن 4ه/10م بقبول جميع الفرق القرمطية في المناطق الشرقية. وقد كان هؤلاء الدعاة البارزون في خراسان و الجبال قد خضعوا بشدة لتأثير التيارات الفلسفية الأفلاطونية المحدثة، و خاصة وجهات نظر الأفلوطونيين المحدثين حول صفات الخالق الذاتية، ومعرفتهم للحياة الانبعاثية و التي كانت قد انتشرت في نيسابور منذ القرن 4ه. و قد ألف النسفي و الدعاة القرامطة الآخرون بين بعض آراء المذهب الأفلاطوني المحدث و بين التعاليم و المفاهيم القرآنية و الإسلامية و دونوا علم كونيات فريد من نوعه حظى بقبول دعوة الإسماعيليين الفاطميين كذلك في عهد المعز الفاطمي. و قد خضع علم الكونيات هذا في العقود الأخيرة لدراسة الباحثين على أساس آثار الداعي السجستاني العديدة، و خاصة الينابيع و الافتخار و كشف المحجوب (ظ: كوربن، «زمان»، 173 و مابعدها؛ هالم، «علم الكونيات» 128-138؛ واكر «مفردات...»، 75-85، «طبقات...»، 14-28، «العالم»، 355 و مابعدها؛ دفتري، 245-239).
و حسب علم الكونيات هذا لدى الأفلاطونية المحدثة ـ الإسماعيلية، فإن الرب الذي هو موجد العالم و مبدع جميع الأشياء، متعال و لايمكن معرفته. و الموقف الكلامي هنا حول الصفات الإلٰهية مخالف للتشبيه و للتعطيل. و قد كان العقل أول موجود أبدعه الله بأمره و مشيئته. و قد اعتبرت لفظة الإبداع هنا و التي تعني الخلق من العدم، مرتبطة بكلمة «كُن» القرآنية. ولذلك، كان الله الرب المبِدع، أو الموجد، و كان العقل الذي سمي أيضاً «الأول» و «السابق»، المبدع الأول، لأن الأمر الإلٰهي وكلمة الله كانا قد امتزجا بوجوده. و حسب هذا التفكير، فإن العقل أزلي، ومفرغ من الحركة، و كامل و مصدر النور. و قد انبعثت النفس، أو النفس الكلية التي تسمى أيضاً «الثانية» و «التالية»، من العقل. و النفس التي هي موجود أكثر تعقيداً من العقل، ناقصة وفي خدمة العقل. و قد تحركت النفس التي هي مصدر الهيولى والصورة، بسبب نقصها، و انبعثت منها في المرحلة الانبعاثية التالية، الأفلاك السبعة و كواكبها و تحركت الأفلاك بحركة النفس، و ظهرت في سلسلة المراتب التالية أشياء أخرى عن طريق الانبعاثات، أو تجلت بعبارة أدق، لأن الله كان قد خلق جميع الأشياء و الموجودات في العالمين الروحاني و الجسماني دفعة واحدة. ثم انبعثت على أثر حركات الأفلاك، و الكواكب المفردات الأربع (الحرارة و البرودة و الرطوبة و الجفاف) وتمازجت المفردات، و ظهرت العناصر المركبة مثل التراب والماء و الهواء. و في المراحل الانبعاثية التالية ظهرت حسب الترتيب النباتات (مع النفس النامية) ثم الحيوانات (مع النفس الحسية) وأخيراً، الإنسان (أو النفس الناطقة). و من أجل المطابقة أكثر بين علم الكونيات هذا و التعاليم الإسلامية، فقد تم ربط بعض مفرداته حول العالم الروحاني مع المفردات القرآنية. و تمت بالتالي مطابقة العقل مع القلم و العرش، و وجدت النفس مترادفيها القرآنيين في اللوح و الكرسي (أبويعقوب، كشف..، 4-15، 29-31، إثبات، 2-3، 18، 28، 44، 127- 128، 145، «الينابيع»، 22-29، 32 و ما بعدها، 56، 61 و مابعدها، الافتخار، 38-42، «تحفة...»، 148 و مابعدها؛ ناصرخسرو، جامع، 120-232؛ أيضاً الكرماني، الرياض، 59-65، 68-69، 102 و مابعدها، 220).
حظى علم الكونيات الأفلاطوني المحدث ـ الإسماعيلي هذا منذ عهد المعز و بتأييده بقبول الدعوة الفاطمية التي لمتكن قد أدت أي دور في تدوينه، و قد أصلحه و أكمله في العصور التالية الدعاة الفاطميون مثل حميدالدين الكرماني و ناصرخسرو في فلسفاتهم الميتافيزيقية. و دون الداعي الكرماني بشكل أخص علم كونيات أفلاطوني محدث ـ إسماعيلي إلى حد ما على أساس الآثار الفلسفية و آثار الدعاة الآخرين المتقدمين القرامطة ـ الإيرانيين و كذلك استناداً إلى منظومات مابعدالطبيعة للفلاسفة المسلمين و خاصة ابنسينا. على أن علم الكونيات هذا الذي تم تبيينه في راحة العقل للكرماني (تأليف في 411ه/1020م)، لميحظ أبداً بقبول الدعوة الفاطمية، و لكن الإسماعيليين الطيبين في اليمن استندوا إليه فيما بعد مع بعض التغييرات. و قد حل علم الكونيات الأفلاطوني المحدث للداعي الكرماني الذي يمثل نظاماً قائماً على 10 عقول، محل المبدأين المتمثلين في العقل و النفس في النظام السابق (ص 134 و مابعدها).
و حسب علم الكونيات للكرماني، حيث كان كل من حدود العالم السماوي العشرة منبعثاً من الحد السابق، تحول «العقل» في النظام الأفلاطوني المحدث السابق إلى «العقل الأول»، و حل «العقل الثاني» الذي كان يسمى أيضاً المنبعث الأول، محل «النفس». و تطابق العقل الثالث، أو المنبعث الثاني الذي كان أول موجود بالقوة، مع الهيولى و الصورة. و انبعث من المبدأين الأولين، أي العقل الأول و العقل الثاني، 7 عقول أخرى كانت تعكس 7 كلمات إلٰهية. و كان العقل العاشر الذي كان يسمى العقل الفعال أيضاً، يشرف على العالم الجسماني. و فضلاً عن ذلك، فقد كان الكرماني قد طبّق تركيبات العالم الجسماني و سلسلة المراتب الدنيوية للدعوة في نظامه على طبقات العالم السماوي. وفي الحقيقة، فقد كان يؤكد على التماثل و التمثيل بين الطبقات السماوية و الجسمانية من جهة، و واجبات الحدود و سلسلة المراتب في هذه الطبقات من جهة أخرى.
و قد تجاهل الكرماني جميع الكلمات و المفاهيم المتقدمة في حين أن النسفي و الرازي و السجستاني كانوا قد حافظوا على بعض مصطلحات علم الكونيات الأولى للإسماعيلية مثل الجد والفتح و الخيال مع معان أخرى في نظامهما الأفلاطوني المحدث. و لميخصص الكرماني في راحة العقل سوى فصل قصير للحروف العلوية (ص 121-131)، و لميذكر اسمي المبدأين الأولين لعلم الكونيات السابق («ك ـ و ـ ن ـ ي» و «ق ـ د ـ ر») سوى مرة واحدة في أحد آثاره (الرياض، 157). و لاشك في أن نظام الكرماني كان متأثراً بالفكر الأفلاطوني المحدث أكثر من نظام الدعاة القرمطيين المتقدم.
انعكست الفلسفة الأفلاطونية المحدثة بوضوح في رسائل إخوان الصفاء. و لميعد ارتباط مجموعة المؤلفين الموسومين بإخوان الصفاء (ن.ع) و مجموعة رسائلهم المعروفة البالغة 52 مع النهضة الإسماعيلية قابلاً للشك الآن، رغم أن الماهية الخاصة لهذه العلاقة ماتزال مبهمة. و قد نسب الإسماعيليون أنفسهم منذ القرون الوسطى هذه الرسائل التي كانت تشتمل على جميع العلوم المعروفة آنذاك، إلى أحد أئمتهم الأوائل في عهد الستر، أي أحمدبن عبدالله بن محمد بن إسماعيل (إدريس، 4/367-394). ومن جهة أخرى، يبدو استناداً إلى تذكرات أبي حيان التوحيدي (تـ ح 414ه/1023م)، أن هذه الرسائل كتبت في أواسط القرن 4ه/10م من قبل عدد من الكتّاب و العلماء الذين كانوا على ارتباط بنهضة الإسماعيلية، و كانوا يعيشون في البصرة، (أبوحيان، 2/4 ومابعدها، 157-160؛ القاضي عبدالجبار، 610 و مابعدها؛ سترن، «معلومات...»، 405-428). كما يرى بعض الباحثين المعاصرين أن عدداً من الدعاة الإسماعيليين كانوا قد ألفوا الرسائل بالتعاون مع العلماء غير الإسماعيليين في العقود التي سبقت تأسيس الخلافة الفاطمية بين سنتي 260ه و 297ه/874 و910م. و ترى هذه الجماعة أن الأشعار و المواضيع المتعلقة بالعهود المتأخرة، أضيفت إلـى رسائل إخوان الصفاء على يد الكتّاب اللاحقين (الهمداني، «أبوحيان...»، 345-353، «تنظيم...»، 110، 97).
و على أي حال، يبدو أن أعضاء جماعة إخوان الصفاء لميكونوا يتبعون الدعوة الفاطمية، رغم أنهم كانوا يعيشون في القرن 4ه، ذلك لأنهم نسبوا تعاليمهم إلى الإمام السابع للإسماعيلية، أي المهدي الموعود الذي كان القرامطة ينتظرون رجعته باعتباره القائم. و قد كان علم الكونيات لإخوان الصفاء، كما هو الحال بالنسبة إلى النسفي و الدعاة القرامطة الآخرين، قائم على الفلسفة الأفلاطونية المحدثة. لمتترك رسائل إخوان الصفاء أي أثر على أدبيات العصر الفاطمي، كما لميشر المؤلفون الإسماعيليون في ذلك العصر إلى هذا الأثر الكبير؛ و لكن هذه الرسائل اكتسبت منذ حوالي قرنين بعد تاريخ التأليف أهمية خاصة في آثار الإسماعيليين الطيبين في اليمن، بحيث أن إبراهيم ابن الحسين الحامدي (ت 557ه/1162م) و عدداً من خلفائه درسوا دوماً هذه الرسائل باعتبارهم الدعاة المستعلويين ـ الطيبين المطلعين، وكتبوا عليها تفاسير مختلفة.
بعد موت الخليفة المستنصر، استطاع الأفضل بن بدر الجمالي الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في منصب الوزارة، أن يحرم نزاراً الابن الأكبر للمستنصر و الذي نص الإمامة و الخلافة قد تعين عليه، من حقوقه، بهدف تعزيز مكانته هو نفسه، و في المقابل تمكن أن يحل محله أصغر إخوته أبا القاسم أحمد بلقب المستعلي بالله. فما كان من الأفضل إلا أن حمل المسؤولين الرفيعي المستوى في الحكم على أن يبايعوا المستعلي و يعترفوا به خليفة للمستنصر. و قد أدت هذه المبادرة غير المسبوقة إلى أن تواجه النهضة الإسماعيلية أزمة شديدة، فافترق الإسماعيليون الذين كانوا يشكلون حتى تلك الفترة نهضة واحدة، إلى فرعين رئيسين هما المستعلوية و النزارية. و في أواخر سنة 488ه/1095م، قتل نزار مع أحد أبنائه بأمر المستعلي في السجن (ابن ميسر، 59 و مابعدها، ابن الدواداري، 6/443 و مابعدها؛ المقريزي، الخطط، 422-423، اتعاظ، 3/11 ومابعدها).
أدى الافتراق في جماعة الإسماعيلية إلى هذين الفرعين اللذين تحولا منذ البدء إلى متنافسين متخاصمين، إلى إضعاف الدعوة الإسماعيلية بشكل كامل لايمكن تلافيه. و قد قبلت غالبية الإسماعيليين في مصر، و كل الجماعة الإسماعيلية في اليمن وكجرات و الكثير من إسماعيليي الشام، إمامة المستعلي، و لكن عدداً كبيراً من إسماعيليي الشام و جميع إسماعيليي العراق وإيران وربما بدخشان و بلاد ماوراءالنهر، بقوا أوفياء لنص المستنصر الأول فأذعنوا لنزار باعتباره إمامهم التاسع عشر، و خليفة أبيه الشرعي. و في القرون التالية، عمل المستعلويون و النزاريون على بسط دعواتهم المستقلة في المناطق الغربية و الشرقية من العالم الإسلامي، و اجتازوا مسارات دينية ـ سياسية منفصلة تماماً. وفي هذه الأثناء، كان معظم الإسماعيليين في مصر و الكثير منهم في الشام، و كل الجماعة الإسماعيلية في اليمن، قد وافقوا على المستعلي كخليفة للمستنصر. و بمقتل خليفة المستعلي، الآمر بأحكام الله في 524ه/1130م، واجه المستعلويون أزمة جديدة أدت إلى افتراق المستعلوية إلى فرعين الحافظية و الطيبية. و كان الآمر قد رزق قبل موته ببضعة شهور بولد دعي الطيب و كان ابنه الوحيد (ابن ميسر، 109-110؛ سترن، «خلافة...»، 193 ومابعدها)، و لكن الطيب لميذكر عملاً خلال الأحداث التي وقعت بعد موت الأمر. و بعد سنة من النزاع مع المعارضين، جلس على مسند الحكم ابن عم الآمر، أبو الميمون عبدالمجيد الذي كان أكبر أفراد أسرة الفاطميين، و المدعي للسلطة، و قد أمسك بزمام الأمور في البدء باعتباره ولياً للعهد، و ادعى الخلافة و الإمامة في ربيعالآخر 526 و اختار لنفسه لقب الحافظ لدين الله (ابن ظافر، 94-101؛ ابن ميسر، 113-114؛ ابن الدواداري، 6/506-556؛ المقريزي، الخطط، 1/357، 490-491، 2/17- 18، اتعاظ، 3/135-192).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode