الصفحة الرئیسیة / المقالات / الإسماعیلیة، احدي /

فهرس الموضوعات

الإسماعیلیة، احدي

الإسماعیلیة، احدي

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/21 ۱۶:۵۰:۱۲ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإسْماعيليَّة، إحدى الفرق الشيعية التي ظهرت في أواسط القرن 2ه‍/ 8م ثم انقسمت إلى فروع و مجموعات مختلفة. كان الإسماعيليون يعتبرون الإمامة بالنص كما هو حال الشيعة الإمامية و لكنهم اختلفوا فيما يتعلق بسلسلة الأئمة بعد الإمام الصادق (ع)، عن أتباعه الآخرين. أخذت هذه الفرقة اسمها من إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق (ع). و في الوقت الحاضر، تنتشر الإسماعيلية التي تعود بشكل رئيس إلى الفرع النزاري من هذه الفرقة، في أكثر من 25 بلداً في قارات آسيا و أفريقيا وأوروبا و أميركا.

 

القسم الأول ـ الظهور و المرحلة الأولى

 

لم تتضح للباحثين بشكل كامل بعد، كيفية ظهور الإسماعيلية و تاريخ نشوئها حتى زمن تأسيس الخلافة الفاطمية في 297ه‍/910م. و مع الأخذ بنظر الاعتبار أن المصادر المعتبرة المتبقية من تلك المرحلة الأولى ــ و التي استمرت حوالي قرن ونصف ــ و خاصة الآثار الإسماعيلية الأصيلة، قليلة للغاية، لايبدو أن الباحثين يستطيعون إزالة جميع الإبهامات المتعلقة بتاريخ الإسماعيليين الأوائل و أصول عقائدهم إطلاقاً. و مع ذلك، فقد تكونت الآن صورة أوضح عن ماهية حركة الإسماعيليين الأوائل و تعاليمهم نتيجة الدراسات الحديثة التي بدأت منذ حوالي سنة 1349ه‍/1930م على أساس النصوص الإسماعيلية المتبقية من العصر الفاطمي و العصور التالية (ظ: دفتري، 1-4,22-29,91-93).

 

الإسماعيليون و أولى التنظيمات الفرقوية

مع وفاة الإمام جعفر الصادق (ع) في 148ه‍/765م، انقسم أتباعه من بين الشيعة الإمامية إلى مجموعات يمكن اعتبار مجموعتين منها بوصفها أولى الفرق الإسماعيلية. و استناداً إلى بعض الروايات، فقد اختار الإمام الصادق (ع) أولاً ابنه الأكبر إسماعيل خليفة له، و نص عليه بالإمامة، و لكن روايات غالبية المصادر، تفيد بأن إسماعيل كان قد توفي قبل أبيه ببضع سنوات. فانفصلت الفرقتان الإسماعيليتان المذكورتان و اللتان كانتا قد ظهرتا في الحقيقة على شكل فئات شبه إسماعيلية بعد وفاة إسماعيل وخلال حياة الإمام الصادق (ع)، عن الشيعة الإمامية الآخرين بعد وفاة الإمام (ع)، و بدءا حياتهما المستقلة في الكوفة.

و أنكرت إحدى الفرقتين موضوع البحث، موت إسماعيل، وبقيت تنتظر رجعته باعتباره الإمام القائم و المهدي الموعود. وقد سمى النوبختي و سعد‌بن‌عبدالله الأشعري، المؤلفان المتقدمان لكتب فرق الشيعة و اللذان تعتبر مؤلفاتهما أهم المراجع حول ظهور الإسماعيلية، هذه الفرقة بالإسماعيلية الخالصة (ظ: النوبختي، 57- 58؛ سعد‌بن‌عبدالله، 80)، فيما سمى الشهرستاني، المؤلف المتأخر الذي كان يحيط علماً بأصول عقائد الإسماعيلية، هذه الفئة بالإسماعيلية الواقفة الذين كانوا قد آمنوا بإسماعيل‌بن‌جعفر كآخر إمام لهم و مهديهم (1/35، 149). و قد كانت هذه الفرقة تعتقد بإن الإمام الصادق (ع) أعلن موت ابنه إسماعيل من أجل المحافظة على حياته من العباسيين.

و أما الفرقة الثانية من الإسماعيليين الأوائل فقد كانت قد أذعنت بموت إسماعيل بن جعفر خلال حياة أبيه، و بعد وفاة الإمام الصادق (ع) اعتقدوا بإمامة ابن إسماعيل الأكبر، محمد. وترى هذه الفرقة المعروفة ب‍ »المباركية»، أن انتقال النص والإمامة من الأخ إلى الأخ غير جائز. إلا فيما يتعلق بالإمامين الحسن والحسين (ع)، و لذلك فإنهم رفضوا إمامة موسى الكاظم (ع)، أو إخوة إسماعيل الآخرين (ظ: النوبختي، 58؛ سعد‌بن‌عبدالله، 80-81؛ الأشعري، 26-27؛ البغدادي، 70-71؛ الشهرستاني، 1/35، 149، 171).

و يرى مؤلفو كتب الفرق، أن اسم المباركية منسوب إلى المبارك، الذي هو على قولهم إمام هذه الفرقة، و أحد موالي إسماعيل بن جعفر. و لكن اتضح اليوم أن المبارك كان من أسماء إسماعيل المستعارة. و قد كانت المباركية التي اعتقدت بإمامة إسماعيل فيما بعد، ترى بأن الإمام الصادق (ع) اختار بنفسه بعد موت إسماعيل، ابنه محمداً كخليفة له. و بذلك، يبدو أن المباركية كانت من أول أسماء سماها فيما بعد مؤلفو كتب الفرق و خاصة النوبختي و سعد بن عبدالله الأشعري، بالإسماعيلية (ظ: أبويعقوب، إثبات...، 190؛ الهمداني، في نسب...، 10؛ دفتري، 96).

كان معاصرو الإسماعيلية الأوائل، يخاطبونهم في الغالب بالباطنية، أو الملاحدة، ثم القرامطة أيضاً منذ أواسط القرن 3ه‍/9م، و لكن الإسماعيليين أنفسهم كانوا يسمون نهضتهم الأولى «الدعوة»، أو «الدعوة الهادية» (ظ: ابن حوشب، 212؛ أيضاً سترن، («الإسماعيليون...»، 100). و في عصر الفاطميين كان الإسماعيليون يستخدمون غالباً نفس المصطلحين السابقين، أي الدعوة، أو الدعوة الهادية، و يتجنبون استعمال اسم الإسماعيلية (المستنصر، 157، 168، 176، 178، 179؛ آمر، 7؛ مجدوع، 3؛ القلقشندي، 9/ 18-20، 10/434-435، 13/ 238، 246).

و يرى النوبختي و سعد‌بن‌عبدالله الأشعري أن لافرق بين الإسماعيلية الخالصة و الخطابية أتباع أبي الخطاب الغالي الشيعي؛ و هما يؤكدان بشكل عام على تأثير الخطابية في ظهور الإسماعيلية، و يذكّران بأن عدداً من الخطابيين انضموا إلى أتباع محمد بن إسماعيل بعد موت أبي الخطاب، و ادعوا أخيراً أن روح أبي الخطاب حلت في محمد بن إسماعيل (ظ: النوبختي، 58-61؛ سعدبن‌عبدالله، 81، 83). و قد ذكر الخطابية باعتبارهم مؤسسي المذهب الإسماعيلي و ذلك في أم الكتاب الذي دون أصل نصه العربي على الأرجح في النصف الثاني من القرن 2ه‍/ 8م بين فرقة المخمّسَه الذين كانوا من غلاة الشيعة في جنوب العراق، و شق طريقه في القرون التالية إلى مكتبات الإسماعيليين النزاريين الخاصة في بامير و بدخشان (ظ: إيوانوف، «المذكرات...» 419-478؛ هالم، «عرفان...»، 113-198)، كما تحدث عدد من المصادر المتأخرة أيضاً عن العلاقة الوثيقة بين الخطابيين و الإسماعيليين الأوائل (ظ: لويس، 33-35). و لم‌تتضح بعد حقيقة العلاقات التي من المحتمل أنها كانت موجودة بين الإسماعيلية الخالصة والمباركية من جهة، و هذه الفرق الإسماعيلية و الخطابية الأولى، من جهة أخرى و لكن من المسلم به أن الفرق الإسماعيلية الأولى ظهرت في بيئة الشيعة الإمامية في جنوب العراق، و خاصة الكوفة التي كان ينشط فيها أيضاً الخطابية و غلاة الشيعة الآخرون، حيث أمضوا فيها العقود الأولى من حياتهم المستقلة.

 

إسماعيل و محمد بن إسماعيل

تعد المعلومات المتوفرة عن إسماعيل محدودة للغاية. حيث لاتذكر المصادر الإسماعيلية، ومنها عيون الأخبار الذي يعتبر أهم تاريخ عام للإسماعيلية والذي كتبه مؤلف إسماعيلي؛ إي إدريس بن الحسن (ت‍ 872ه‍/1467م) معلومات مفصلة و دقيقة حول حياته، فهي تكتفي بمدحه، والدفاع عن إمامته (4/332 و مابعدها). و من جهة أخرى، فإن المصادر الاثني عشرية التي تشير إلى إسماعيل، لاتعتبر مصادر محايدة فيما يتعلق بإسماعيل بسبب انحيازها إلى إمامة موسى الكاظم (ع)، فهي تنسب إليه أحياناً أفعالاً قبيحة مثل شرب الخمر (ظ: الكشي، 474).

وعلى أي حال، فقد كان إسماعيل، و أخوه للأبوين عبدالله الأفطح ــ الذي أصبح إمام جماعة من الإمامية تسمى الأفطحية ــ أكبر أبناء الإمام الصادق (ع) من بطن فاطمة حفيدة الإمام الحسن (ع). و نحن لانعلم بالضبط تاريخ ولادة إسماعيل و لكن قيل إنه كان أكبر بحوالي 25 سنة من أخيه للأب الإمام موسى الكاظم (ع) الذي ولد في 128ه‍/746م (ظ: جعفر، سرائر...، 258). ولذلك، يبدو أن إسماعيل ولد في العقد الأول من القرن 2ه‍/ 8م. كما لانعلم بالضبط تاريخ وفاة إسماعيل أيضاً؛ و قد ذكرت غالبية المصادر أنه توفي قبل أبيه ببضع سنوات في المدينة، و دفن في مقبرة البقيع. و مع الأخذ بنظر الاعتبار المعلومات المتوفرة حول حياة إسماعيل، يمكن القول إن وفاته كانت بين سنوات 132-145ه‍/750-762م، ومن المحتمل أنها حدثت بُعيد خلافة المنصور العباسي في 136ه‍/753م (ن.م، 262؛ إدريس، 4/332-350؛ ابن‌عنبة، 233).

كان إسماعيل يتعاون مع بعض الشيعة الثائرين و غلاة الشيعة، مثل أبي الخطاب و المفضل بن عمر الجعفي، حيث توجد أخبار وروايات مختلفة حول هذه العلاقات (جعفر، ن.م، 256-257؛ الكشي، 321، 325-326). كما نقل أن إسماعيل شارك في عدد من الخطط المناهضة للحكم العباسي، و أنه تعاون في إحداها مع بسّام ابن عبدالله الصيرفي في الكوفة. و بعد انكشاف الخطة الأخيرة التي من المحتمل أنها تتعلق بسنة 138ه‍، تم استدعاء الإمام الصادق (ع) و إسماعيل و بسام إلى العاصمة العباسية في الحيرة، حيث أصدر فيها الخليفة الأمر بقتل بسام و العفو عن إسماعيل. و قد كان ذلك إحدى الحالات التي أبدى فيها الإمام الصادق (ع) بشكل علني عدم رضاه عن تعاون إسماعيل مع غلاة الشيعة و الفئات التي كانت تتسبب في ضلال ابنه (م.ن، 244-245؛ أيضاً دفتري، 98-99).

و قد استغل الإسماعيليون الأوائل بعض مصطلحات أبي الخطاب و أتباعه الأوائل و أساليبهم و تعاليمهم، مثل مفهوم الناطق و الصامت، و تأكيدهم على التأويل، و فكرة الحقيقة الدورية لتاريخ البشرية الديني، و ذلك بأشكال أخرى فيما بعد، وفي قالب نظام غنوصي و صوفي؛ و لكن كانت هناك بشكل عام اختلافات كبيرة بين أصول معتقدات الخطابية الذين كانوا يعتقدون بألوهية أئمتهم، و بين الإسماعيلية، و في عهد الفاطميين، لعن الإسماعيليون الفاطميون أبا الخطاب بشدة باعتباره ملحداً، وأنكروا أي نوع من العلاقة بين أسلافهم و الخطابية (القاضي النعمان، دعائم...، 1/ 49-50، المجالس...، 84-85).

كما لاتتوفر لدينا معلومات كثيرة حول محمد بن إسماعيل الإمام السابع للإسماعيلية. و قد كان محمد الابن الأكبر لإسماعيل، و تفيد الروايات بأنه كان في السادسة و العشرين عند وفاة أبيه، و من المرجح أن ولادته كانت في حدود سنة 120ه‍/ 738م. و قد هاجر من موطن أسرته في المدينة إلى العراق بُعيد 148ه‍/765م، حيث كانت غالبية الشيعة الإمامية تدين بالإمامة للامام موسى الكاظم (ع)، و بدأ حياته السرية و لذلك عرف بلقب «المكتوم». و تعتبر هذه الهجرة بداية «مرحلة الستر» في تاريخ الإسماعيليين الأوائل و التي استمرت حتى تأسيس الخلافة الفاطمية و ظهور الإمام الإسماعيلي. كان محمد يعيش بعد الهجرة بشكل سري و بأسماء مستعارة مثل «الميمون» في البلدان المختلفة، و ظل يحافظ على علاقته بالمباركية الذين كان مركزهم الكوفة. و بعد فترة من الإقامة في جنوب العراق، ذهب إلى خوزستان خشية إيذاء العباسيين الذين كانوا يبحثون عنه دائماً، وأمضى الردح الأخير من حياته هناك بين مجموعة من أتباعه. وقد توفي في عهد خلافة هارون الرشيد (170-193ه‍/786-809م)، و من المحتمل بعد 179ه‍/795م بفترة قصيرة. كان لمحمد عدة أبناء أمسك أحدهم ــ كمـا يـرى الإسمـاعيليـون الفاطميـون ــ و هو عبدالله بزمام قيادة المباركية بعد وفاة أبيه (ظ: إدريس، 4/351-356؛ أيضاً ابن عنبة، 234 و مابعدها).

 

سلسلة الأئمة لدى الإسماعيليين الأوائل

استناداً إلى إشارات النوبختي (ص 61) و سعدبن‌عبدالله (ص 83)، و مع الأخذ بنظر الاعتبار المعتقدات اللاحقة للإسماعيلية، يبدو أن المباركية انقسمت إلى فرعين مع وفاة محمد ابن إسماعيل، و لم‌يتبق سوى مجموعة صغيرة للغاية اعتقدت باستمرار الإمامة في أخلاف محمد‌بن إسماعيل. و مما يجدر ذكره أن المصادر المعاصرة لهذه المجموعة لم‌تشر أية إشارة إلى الحياة المستقلة لها و لأسماء أئمتها، حتى أذعن الإسماعيليون الفاطميون بشكل رسمي باستمرار إمامة الإسماعيلية و ذلك في 286ه‍/ 899م. فيما أنكرت المجموعة الأخـرى و تضـم غالبيـة المباركية، مـوت محمـد‌ بـن ‌إسماعيـل، و بقيت تنتظر رجعته باعتباره الإمام القائم و المهدي الموعود. وقد كان محمد‌بن‌إسماعيل الإمام السابع و الأخير لهذه المجموعـة التـي عرفـت فيمـا‌بعد باسـم القرامطة بشكـل أخص، و لذلك فقد عرفت الإسماعيلية بشكل عام باسم السبعية أيضاً. يجدر ذكره أن النوبختي وسعد‌بن‌عبدالله لم‌يذكرا في الفهرس السباعي اسم إسماعيل بن‌ جعفر، و لكنهما يذكّران في موضع آخر أن الإمامة كانت قد انتقلت في حياة الإمام الصادق (ع) منه إلى إسماعيل حسب معتقدات القرامطة (ظ: النوبختي، 61، 62؛ سعدبن عبدالله، 84). و على أي حال، فإن الموضوع يكتنفه الإبهام ويبدو أن جماعة من‌ القرامطة (الإسماعيلية ‌الأوائل)، كانوا يعتبرون إسماعيل هو الإمام، فيما لم‌يكن البعض الآخر يعتبرون الإمامة من حقه.

و قد اكتسب الإمام علي (ع) مقاماً أهم باعتباره «أساس الإمامة» و ذلك في فهرس الأئمة الذي أذعن له الإسماعيليون الفاطميون فيما بعد، و بذلك فقد كان الفهرس يبدأ باسم الإمام الحسن (ع)، و ظل اسم إسماعيل بن جعفر يحتل موقعه في الفهرس باعتباره الإمام السادس. و مايزال هذا الترتيب يحظى بقبول الإسماعيليين المستعلويين في تعداد الأئمة الأوائل للإسماعيلية، في حين أن الإسماعيليين النزاريين الذين يعتقدون بتساوي مقام جميع الأئمة، و يبدأون فهرسهم باسم الإمام علي (ع)، ثم يذكرون الإمام الحسين (ع) كثاني إمام لهم. و لايذكر النزاريون اسم الإمام الحسن (ع) في فهرسهم، فهم يرون أنه الإمام المستودع، و لم‌تستمر الإمامة في أخلافه خلافاً للأئمة المستقرين. و هكذا فإن النزارية أيضاً يذكرون دوماً إسماعيل‌بن‌جعفر و محمد بن إسماعيل باعتبارهما الإمامين السادس و السابع.

 

قيادة الإسماعيلية في مرحلة الستر

لاتتوفر لدينا معلومات تستحق الاهتمام عن التاريخ التالي لهذه الفرق الإسماعيلية الأولى الذين كانوا يتخذون من الكوفة مركزاً لهم و كان ينتمي إليهم أعضاء معدودين، حتى ظهر الإسماعيليون بشكل مفاجىٔ على مسرح التاريخ الإسلامي من خلال تأسيس حركة واحدة بُعيد أواسط القرن 3ه‍/9م. و يبدو أنه كان هناك زعماء ينشطون في الخفاء خلال هذا القرن بشكل مستمر لتأسيس نهضة واحدة وفاعلة بين الفئات الإسماعيلية الأولى. و من المحتمل أن يكون هؤلاء الزعماء أئمة الفئة التي كانت قد انشقت عن المباركية بموت محمد بن إسماعيل، و قبلت باستمرار الإمامة. و قد كانوا يسلكون سبيل التقية للمحافظة على أرواحهم من تعرض العباسيين، ولم‌يكونوا يدعون الإمامة بشكل علني لفترة طويلة؛ و قد انعكس هذا الموضوع بشكل واضح في رسالة من عبيدالله المهدي إلى إسماعيلية اليمن. و قد ادعى عبيدالله المهدي آخر هؤلاء الزعماء و الذي كان قد تولى لتوه في 286ه‍/ 899م القيادة المركزية للإسماعيلية، بشكل علني إمامته هو و أسلافه ثم أسس الخلافة الفاطمية في شمال أفريقيا. و لذلك لم‌يكن النوبختي وسعد‌بن‌عبدالله اللذان كانا يحيطان علماً بالانشقاقات الداخلية للشيعة، قادرين على ذكر أسماء الأشخاص الذين اعتبروا أئمة من قبل هذه الفئة بعد محمد بن إسماعيل. و مع ذلك، فإن فهارس أسماء هؤلاء القادة و عددهم، تتشابه تقريباً في روايات الإسماعيليين الفاطميين و المصادر غير الإسماعيلية؛ والإسماعيليون الفاطميون النسب هم وحدهم الذين ينحدرون بنسب هؤلاء الأئمة إلى الإمام الصادق (ع) (النيسابوري، 95؛ الهمداني، في نسب، 10-12). فيما يقدم ابن‌الرزام و المصادر الأخرى المعارضة للإسماعيلية، شخصاً غير علوي يدعى ميمون القدّاح على رأس هؤلاء الزعماء (ابن النديم، 238؛ ابن الدواداري، 6/17-20؛ المقريزي، اتعاظ...، 1/23-26).

و من المسلّم به أن مقام هؤلاء القادة كان في البدء في الأهواز و عسكر مكرم في خوزستان ثم انتقل إلى البصرة، و أخيراً إلى مدينة السلمية في شمال الشام (سورية). و قد بقيت السليمة مركزاً للدعوة الإسماعيلة و مقاماً للزعماء الرئيسين لهذه النهضة حتى 289ه‍/902م. و قد تمخضت الجهود السرية لهؤلاء الزعماء عن نتيجة أخيراً بعد حوالي قرن في حدود سنة 260ه‍/874م وظهرت فجأة منذ هذا التاريخ شبكة من الدعاة الإسماعيليين في البلاد الإسلامية المختلفة، و بدأت نشاطاً واسعاً لنشر الدعوة الإسماعيلية. و في ذلك التاريخ بقيت الدعوة الإسماعيلية لاتزال تحت إشراف القيادة المركزية المستقرة في السليمة، و لاتزال الهوية الحقيقة لهؤلاء القادة باقية طي الكتمان بأشكال مختلفة. وكان القادة الإسماعيلية في المركز لفترة طويلة يدعون باسم محمد بن إسماعيل من أجل كسب دعم أكبر عدد من الإسماعيليين الأوائل، حيث كان الاعتقاد بإمامته و مهدويته يشكل الرأي الأساسي للمباركية و أهم فئة انشقت عنها. و بعبارة أخرى، فقد كان القادة في المركز يؤكدون على هذا الرأي نفسه، وقد أسسوا النهضة الإسماعيلية الموحدة في القرن 3ه‍ على أساس هذا الرأي بشأن الإمامة نظراً إلى أن غالبية الإسماعيليين الأوائل كانوا ينتظرون رجعة محمد بن إسماعيل باعتباره المهدي و نشر حكومته العادلة.

 

الانتشار السريع للدعوة في القرن 3ه‍/9م

توجد مصادر وروايات مختلفة حول بداية الدعوة الإسماعيلية و انتشارها في النصف الثاني من القرن 3ه‍، و كذلك الهوية و المكانة الدينية للقادة الذين أسسوا الحركة في مرحلة الستر و قادوها. و قد لخصّ الداعي إدريس بن الحسن الرواية الرسمية للإسماعيلية نفسها التي تم تدوينها في عهد خلافة الفاطميين (4/357-404). و قد أدرج الطبري إيضاحات مفصلة عن بداية الدعوة في العراق و هي تستند بشكل رئيس إلى الاستجوابات التي كان أحد العمال العباسيين ويدعى محمد بن داود بن الجراح (تـ‍ 296ه‍/ 909م) قد أجراها في 291ه‍ مع أسير إسماعيلي (الطبري، 10/23 و مابعدها). و من جهة أخرى، فقد ذكر نظام‌الملك، الوزير السلجوقي المعروف الذي قتل على يد الإسماعيليين في 485ه‍/1092م، أكثر الشروح شمولية حول بداية الدعوة الإسماعيلية و انتشارها في مناطق الجبال وخراسان و ماوراء‌النهر و ذلك في كتابه سياست‌نامه (ص 282-305).

الصفحة 1 من7

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: