الصفحة الرئیسیة / المقالات / الإسماعیلیة، احدي /

فهرس الموضوعات

الإسماعیلیة، احدي

الإسماعیلیة، احدي

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/21 ۱۶:۵۰:۱۲ تاریخ تألیف المقالة

كما توجد رواية معارضة للإسماعيلية حول الدعوة الإسماعيلية و قادتها الرئيسين في القرن 3ه‍ مصدرها الرئيس رسالة بقلم عبدالله بن محمد بن علي بن الرزام الطائي الكوفي الذي كان يعيش في النصف الأول من القرن 4ه‍/10م، و كان يتولى رئاسة ديوان المظالم في بغداد. و قد فقدت رسالة ابن‌الرزام في الرد على الإسماعيلية، و لكن هناك مختارات منها نقلت في المصادر المتأخرة، منها الفهرست لابن النديم (ص 238- 239). وقد كان أحد أعداء هذه الفرقة الآخرين، و هو الشريف أبوالحسن محمد بن علي المعروف بأخي محسن، قد استند بشكل خاص إلى رسالة ابن الرزام التي كانت قد أعدت لإبطال الحركة الإسماعيلية بشكل كامل. كان أخو محسن الذي كان يعتبر نفسه من أخلاف محمد بن إسماعيل، و كان أيضاً من مدوني أنساب السادة العلويين، يعيش في دمشق، و توفي في حدود 375ه‍/985م. فُقد كتاب أخي محسن أيضاً في الرد على الإسماعيلية و الذي كان يضم فصولاً مستقلة حول تاريخ معتقداتهم و أصولها، و لكن المؤلفين الأكثر تأخراً و خاصة 3 من المؤرخين المصريين المعروفين، أي النويري (25/187-317)، و ابن الدواداري (6/6 ومابعدها، 17-21، 44-157) و المقريزي ( اتعاظ، 1/22-29، 151-201، الخطط، 1/391-397) نقلوا فصولاً مفصلة منه. و قد أصبحت رواية ابن الرزام و أخي محسن هذه، في القرون التالية المصدر الرئيس للأحكام العدائية لغالبية المؤلفين المسلمين حول الإسماعيلية، و ظل المستشرقون يستندون حتى عقود مضت، إلى هذه الرواية المعارضة للإسماعيلية.

و استناداً إلى هذه المصادر، يمكن إيجاز الملاحظات الرئيسة للدعوة الإسماعيلية في القرن 3ه‍ كالتالي: في 261ه‍/875م، أو قبل ذلك ببضع سنين، بدأ حمدان القرمط ابن الأشعث و الذي كان من أهل السواد، الدعوة الإسماعيلية في المناطق المحيطة بالكوفة ومناطق جنوب العراق الأخرى، و قام بتنظيمها، و عين أيضاً دعاة للمناطق المهمة فيها. و قد كان حمدان نفسه قد اعتنق المذهب الإسماعيلي على يد الداعي الحسين الأهوازي الذي أرسل إلى العراق من جانب القائد الأصلي للحركة. و في تلك الفترة، كان مركز الدعوة يتخذ من السلمية مقراً له، و كان نشاط حمدان جزء من الحركة الإسماعيلية الموحدة التي كانت تدار تحت إشراف القادة الأصليين. و مالبث حمدان حتى استقطب أتباعاً كثيريين عرفوا بالقرامطة (جمع قرمطي، نسبة إلى قرمط). و خلال فترة قصيرة أطلقت كلمة القرامطة على الفئات الإسماعيلية الأخرى التي لم‌تكن ذات علاقة بحمدان القرمط. و قد كان المساعد الرئيس لحمدان زوج أخته (أو أخا زوجته) و يدعى عبدان، و كان من أهالي الأهواز. كان عبدان يتمتع بنوع من الاستقلالية في العمل، وكان يربي بنفسه الدعاة و يبعثهم إلى المناطق المجاورة و خاصة جنوب إيران (ابن الدواداري، 6/46-47، 55، 67؛ النويري، 25/191-192، 233؛ المقريزي، اتعاظ، 1/155، 160، 166، 168).

و حمدان الذي كان يجبي ظرائب من أتباع الدعوة، كان قد بنى في 277ه‍/890م داراً منيعة للهجرة لهم بالقرب من الكوفة. وبعد أن غفل العباسيون لعدة سنوات عن هذه الحركة، انتبهوا أخيراً في 278ه‍ إلى أهمية الحركة الإسماعيلية و مخاطرها (الطبري، 10/24-25)؛ و مع كل ذلك، فإنهم لم‌يتخذوا إجراء فورياً للقضاء على الإسماعيليين في العراق الذين بدأوا أولى ثوراتهم في 284ه‍/897م و بعد فترة قصيرة، اتخذ الخليفة العباسي المعتضد سياسة أكثر حسماً إزاء الإسماعيليين، و حال دون أن تحقق الإسماعيلية نصراً محتملاً في العراق من خلال القمع الشديد لثوراتهم اللاحقة طيلة سنوات 287-289ه‍/900-902م. إن الأصول العقائدية التي كان يروج لها حمدان القرمط و عبدان و الدعاة التابعون لهما كانت نفسها المعتقدات التي نسبها النوبختي وسعد‌بن عبدالله إلى القرامطة، و تم تأييدها في رواية ابن الرزام وأخي محسن أيضاً؛ و مالبثت هذه العقائد أن انتشرت هي أيضاً على يد دعاة البلاد الأخرى و بين الفئات الإسماعيلية (القرمطية) الأخرى. و كانت الدعوة الإسماعيلية قد بدأت أيضاً في مناطق أخرى خلال نفس ذلك العقد 260ه‍، و كانت هذه الدعوة تخضع في جنوب إيران لإشراف حمدان و عبدان و قيادتهما. و كان الداعي أبوسعيد الحسن بن بهرام الجنابي الذي كان من أهالي جنابة (گناوة) على ساحل الخليج الفارسي، و الذي تخرج على يد عبدان نفسه، يمارس نشاطه في جنوب إيران في البدء. و في فارس، كان أخو عبدان المعروف بالمأمون أول داع محلي ولذلك، عرف الإسماعيليون الأوائل هناك باسم المأمونية (الديلمي، 20-21).

و تأسست الدعوة في اليمن التي كانت دوماً إحدى القواعد المهمة للإسماعيلية، و كان لها منذ البدء علاقات وثيقة مع قادة النهضة المركزيين، على يد داعيين يدعيان ابن حوشب، المعروف بمنصور اليمن، و علي بن الفضل، حيث كانا منذ 270ه‍ ينشران الدعوة الإسماعيلية بشكل علني هناك. و قد أسس ابن حوشب وعلي بن الفضل كما فعل حمدان القرمط، دوراً حصينة للهجرة في القواعد الجبلية التي كانت تمثل مراكز نشاطهما و نشرا منها الدعوة بشكل سريع إلى المناطق الأخرى. كانت القاعدة الرئيسة لابن حوشب في عدن بالقرب من جبل مَسْوَر و كان علي‌بن‌الفضل قد كرس في البدء نشاطه في جَنَد في المناطق الجنوبية. وانتشرت الدعوة الإسماعيلية بسرعة في اليمن من خلال دعم بني همدان والقبائل اليمنية المهمة الأخرى، بحيث أن جميع أرجاء اليمن تقريباً خضعت لنفوذ الدعاة الإسماعيليين بفتح مدينة صنعاء في 293ه‍/906م على يد علي‌بن‌الفضل. و بالطبع فإن إسماعيليي اليمن لم يكونوا قادرين على حفظ هذه الفتوح خلال العقود التالية، فقد تخلوا عن جزء مهم من المناطق المسيطر عليها إلى الزيديين الذين كانوا قد أسسوا دولة مستقلة في اليمن في 280ه‍/893م (القاضي النعمان، افتتاح...، 32-47؛ إدريس، /4/396 و مابعدها؛ يمن...، 139-152، نقلاً عن أخبار القرامطة باليمن للجندي؛ الهمـدانـي، الصليحيـون...، 27 و مـابعـدهـا؛ هـالـم، « سيرة...»، 107-135؛ دفتري، 116 و مابعدها).

انتشرت الدعوة تدريجياً من اليمن إلى المناطق المجاورة مثل اليمامة، في شبه الجزيرة العربية. كما بعث ابن حوشب دعاة إلى البحرين و البلدان الأبعد؛ ففي 270ه‍/883م أرسل ابن أخيه الهيثم إلى السند كأول داع إسماعيلي، فانتشرت الدعوة من هناك إلى المناطق الأخرى من شبه القارة الهندية (القاضي النعمان، ن.م، 45، 47). و أرسل ابن حوشب فيما بعد، أي في 279ه‍/892م الداعي أباعبدالله الشيعي إلى المغرب، و انتشرت الدعوة الإسماعيلية في بلاد البرابرة بشمال أفريقيا بعد نشاط لأبي عبدالله دام عقدين، وتهيأت مقدمات تأسيس الخلافة الفاطمية. و في حدود سنة 281ه‍/894م أو حتى قبل ذلك ــ بدأت الدعوة الإسماعيلية في منطقة البحرين شرقي الجزيرة العربية، و أرسل حمدان أبا سعيد الجنابي إلى البحرين كي ينظم و يقود الدعوة فيها (ثابت، 12-16؛ ابن الدواداري، 6/55-62، 91 و مابعدها؛ النويري، 25/233 ومابعدها؛ المقريزي، اتعاظ، 1/159 و مابعدها؛ دي‌خويه، 33-47، أيضاً 69 ومابعدها؛ مادلونغ، «الفاطميون...»، 34 ومابعدها). و قد جاء في المصادر أن من المحتمل أن داعية آخر يدعى أبا زكريا الطمامي (أو الظمامي) كان قد بدأ الدعوة في البحرين من جانب ابن حوشب. و نجح أبو سعيد أخيراً في أن يخضع القسم الأكبر من البحرين لنفوذه حتى 286ه‍/899م و يؤسس دولة مستقلة فيها.

و بُعيد 260ه‍/874م، بدأت الدعوة الإسماعيلية في مناطق من وسط إيران و شمال غربيها، أي المنطقة التي كان يسميها العرب بالجبال، ثم انتشرت إلى خراسان و بلاد ماوراء‌النهر أيضاً (نظام‌الملك، 282-295، 297-305؛ سترن، «أول...»، 56-90). وفي منطقة الري التي كانت مركز الدعوة في الجبال، كان الداعي خلف الحلاج البادئ للنهضة الإسماعيلية و لذلك فقد عرف الإسماعيليون هناك لفترة طويلة بالخلفية. استقر خلف الذي كان قد كلف من جانب قادة الفرقة الأصليين، في قرية كلين في منطقة بشابويه، و بدأ الدعوة السرية باسم محمد بن إسماعيل. و من بعد خلف أصبح ابنه أحمد زعيم الدعوة في الجبال، ثم تولى من بعده المساعد الرئيس لأحمد و يدعى غياث الذي كان من كلين، زعامة الدعوة في الجبال؛ و قد استطاع أن يكسب أتباعاً كثيرين في مدن مثل قم و كاشان بسبب مكانته العلمية. و قد كان يشارك في جلسات النقاش و المناظرة مع علماء أهل السنة، و قد أثار هؤلاء العلماء أنفسهم أخيراً بقيادة فقيه يدعى الزعفراني، أهالي الري ضد غياث، و تسببوا في هروبه إلى خراسان. و في مرورود تعرف غياث على أحد الأمراء السامانيين المهمين و هو الحسين بن علي المرورودي (أو المروزي) و استقطبه إلى المذهب الإسماعيلي. و دخل بالتالي الكثير من الناس في المناطق الخاضعة لنفوذ الأمير في خراسان مثل طالقان و ميمنة و هرات وغرجستان و غور، المذهب الإسماعيلي. و بعد فترة عاد غياث إلى الري و اختار أبا حاتم الرازي مساعداً له. كان أبوحاتم واحداً من أهم الدعاة و المفكرين الإسماعيليين المتقدمين، و قد بعث بالإضافة إلى قيادة الدعوة في الري، دعاة إلى أصفهان وآذربايجان و مازندران و جرجان و نجح في أن يكسب إلى المذهب الإسماعيلي عدداً من الأمراء و الحكام المحليين مثل حاكم الرى أحمد بن علي (ظ: دفتري، 120-122).

و في خراسان، و بلاد ماوراء‌النهر أيضاً، افتتحت الدعوة رسمياً في آخر عقد من القرن 3ه‍ على يد الداعي أبي عبدالله الخادم. اتخذ أبوعبدالله الذي كان قد كلف من جانب قادة الفرقة المركزيين، من نيسابور مقراً له، و بدأ منها نشاطه كأول داعية مستقل في خراسان. و بعد أبي عبدالله، تولى أبو سعيد الشعراني رئاسة الدعوة في خراسان في حدود سنة 307ه‍/ 919م و استطاع أن يكسب إلى صف الإسماعيلية عدداً من أمراء خراسان وأشرافها. وكان الداعية التالي في خراسان و المناطق المجاورة، الأمير الحسين بن علي المروندي الذي كان ينتمي هو نفسه إلى طبقة الأشراف. و اختار الداعي الأمير الحسين الذي نقل مركز الدعوة من نيسابور إلى مرورود، محمد بن أحمد النسفي (النخشبي) خليفة له، و شجعه على نشر الدعوة في بلاد ماوراء‌النهر. و استطاع النسفي من خلال العمل بوصية سلفه، أن ينشر الدعوة بنجاح ملفت للنظر لفترة في مناطق آسيا الوسطى ويحصل على قاعدة مهمة في بخارى، و لدى آل سامان. كما كان النسفي أول مؤلف و فيلسوف إسماعيلي مزج الفكر الديني لهذه الفرقة مع نوع من الفلسفة الأفلاطونية المحدثة المنتشرة في العالم الإسلامي (م.ن، 122-123).

 

إصلاحات قيادة السلمية في الإمامة و افتراق الإسماعيلية

تزامناً مع الانتشار السريع للدعوة الإسماعيلية، ظهر افتراق مهم في الحركة الإسماعيلية في 286ه‍/899م. فقد كان حمدان القرمط الذي كان مايزال يتولى القيادة المحلية للدعوة في العراق والمناطق المجاورة، ينظر نظرة القبول إلى القيادة الأصلية للإسماعيلية، وكان يراسل بشكل منظم هؤلاء القادة الذين كانوا في السلمية. و في 286ه‍، و بعد تولي عبيدالله المهدي القيادة الأصلية للإسماعيلية بفترة قصيرة، لاحظ حمدان تغييرات مهمة في التعليمات الكتبية الصادرة من السلمية و التي كانت تعكس آراء جديدة في أصول عقائد قيادة الحركة. فالقائد الجديد للإسماعيلية، عبيدالله، لم‌يعد ينتظر رجعة محمد بن إسماعيل بوصفه المهدي الموعود للإسماعيليين، بل كان يدعي الإمامة لنفسه و لأجداده الذين كانوا القادة الأصليين السابقين (ابن الدواداري، 6/65- 68؛ النويري، 25/216، 227-232؛ المقريزي، اتعاظ، 1/167- 168؛ مادلونغ، «إمامة...»، 59 و مابعدها؛ دفتري، 125-126). و بعد انكشاف هذا الموضوع، قطع حمدان في الفور علاقته مع السلمية و القيادة الأصلية و طلب من الدعاة المطيعين له أن يوقفوا الدعوة في المناطق الخاضعة لإشرافهم. و بعد هذه الأحداث بفترة قصيرة، اختفى حمدان، و قتُل عبدان أيضاً بمؤامرة من زكرويه بن مهرويه أحد دعاة العراق الذي كان وفياً في البدء لعبيدالله المهدي وإصلاحاته في العقائد (ن.ص).

كان الإسماعيليون الأوائل يعتبرون محمد بن إسماعيل إمامهم السابع و الأخير حتى 286ه‍، و كانوا ينتظرون ظهوره باعتباره القائم (ظ: جعفر، الكشف، 62، 77، 103-104، مخ‍؛ ابن حوشب، 198 و مابعدها)، و لكن عبيدالله أنكر فجأة و علنياً مهدوية محمد بن إسماعيل بادعائه إمامة الإسماعيلية لنفسه و أسلافه قادة النهضة الأصليين. و قد كان استمرار الإمامة في أعقاب الإمام الصادق (ع) و التي أصبحت فيما بعد النظرية الرسمية للإسماعيليين، يقوم على أن القيادة الأصلية للإسماعيلية في الفترة بين الإمام الصادق (ع) و عبيد الله ابن المهدي، تكون بيد عدد من «الأئمة المستورين»، الذين كانوا يكتمون بأشكال مختلفة هويتهم و أسماءهم الحقيقية. و قد أوضح عبيدالله هذه المواضع في رسالته المهمة إلى الإسماعيليين في اليمن (الهمداني، في نسب، 1 و مابعدها؛ الهمداني و دوبلوا، 173 و مابعدها).

و قد أصبح من المسلّم به الآن للباحثين أن قادة الإسماعيلية الأصليين كانوا قد ادعوا لأنفسهم قبل إصلاحات عبيدالله منصب حجة الإمام المستور و القائم، فكان بإمكان المؤمنين عن طريق الحجة أن يطلعوا على تعليمات الإمام القائم (جعفر، ن.م، 97-99، 102 ومابعدها؛ ابن الدواداري، 6/65؛ النويري، 25/230؛ أيضاً مادلونغ «إمامة»، 54-58؛ دفتري، 126 و مابعدها). و استناداً إلى إيضاحات عبيدالله، فقد كان قادة الإسماعيلية المركزيون الذين كانوا منذ البدء يعتبرون أنفسهم الأئمة الشرعيين، يعملون لفترة تحت غطاء حجج الإمام القائم (محمد بن إسماعيل) حفظاً لأمنهم، و كانوا ينشرون الدعوة باسمه، و كانوا يستخدمون من باب التقية أسماء مستعارة مثل المبارك و الميمون و السعيد؛ في حين أن الإمامة كانت قد استمرت في أعقاب الإمام الصادق (ع)، و كان اسم محمد بن إسماعيل أيضاً أحد تلك الأسماء المستعارة التي كان يستخدمها أخلاف عبيدالله.

قسمت إصلاحات عبيدالله وثورة حمدان و عبدان ضد القيادة المركزية، الفرقة الإسماعيلية إلى فرعين رئيسين وذلك في 286ه‍.‍ حيث وافق أحدهما على إصلاحات عبيدالله العقائدية، و بقوا أوفياء للقيادة المركزية للحركة؛ و قد قبلوا مبدأ استمرار الإمامة، و اعترفوا بعبيدالله و القادة المركزيين السابقين للإسماعيلية كأئمة لهم بعد الإمام الصادق (ع). فيما رفض فرع آخر من الإسماعيليين الأوائل، إصلاحات عبيدالله، و بقوا متمسكين بعقيدتهم الأولى بشأن مهدوية محمد بن إسماعيل و رجعته القريبة‌الوقوع، حيث عرفـوا منذ ذلك الحيـن ــ بـشـكــل أخـص ــ باسم القرامطة. ولم‌يتمتع قرامطة جنوب العراق الذين كانوا في الأصل رواد الجناح المعارض لعبيدالله، بقيادة محلية حاسمة لفترة بعد حمدان، حتى تولى زعامتهم عيسى بن موسى و دعاة آخرون، وظلوا يقودون دعوة القرامطة باسم محمد بن إسماعيل حتى أوائل القرن 4ه‍/10م (المسعودي، 391؛ عريب، 137؛ الديلمي، 20؛ المقريزي، اتعاظ، 1/185). وفي البحرين، دافع أبوسعيد الجنابي الذي مالبث أن ادعى نيابة الإمام القائم أيضاً، عن آراء حمدان وعبدان (ابن‌حوقل، 2/295؛ مادلونغ، «إمامة»، 45-46). وأصبحت دولة القرامطة في البحرين التي استمرت حتى 470ه‍/1077م، القاعدة الرئيسة للقرامطة، و العقبة المؤثرة في طريق انتشارالنفوذ السياسي للفاطميين في الشرق.

كما أصبح الجناح القرمطي يتمتع أيضاً بدعم فئات في الجبال و خراسان و ماوراء‌النهر. و اعتبر أبوحاتم الرازي و دعاة الري الآخرون بشكل أخص و الذين كانوا يراسلون القادة القرمطيين في العراق و البحرين، معتقدات عبيدالله باطلة، و ظلوا أوفياء لمهدوية محمد بن إسماعيل. و من جهة أخرى، انضم عدد ملفت للنظر من الإسماعيليين الأوائل في خراسان إلى فرع الإسماعيليين الفاطميين. و قد كانت القاعدة الرئيسة لأتباع عبيدالله الذين كانوا قد قبلوا الاستمرار في الإمامة، في اليمن بشكل رئيس، و رغم أن الداعي علي بن الفضل انضم هناك أيضاً في 299ه‍/912م إلى الجناح القرمطي، و أعلن نفسه المهدي الموعود؛ و لكن ابن‌حوشب (تـ‍ 302ه‍/914م) قاوم ضغوط علي بن الفضل، و بقي وفياً لعبيدالله حتى آخر عمره. و في السند و شمال أفريقيا أيضاً، حيث كان دعاة مبعوث ابن حوشب قد بدأوا الدعوة، قبل الإسماعيليون استمرار الدعوة.

انضم زكرويه الذي كان قد ظل في البدء وفياً لعبيدالله، إلى جناح القرامطة بعد عدة سنوات، و خلق إشكاليات جديدة لنهضة الإسماعيلية. و نجح زكرويه بمساعدة أبنائه و دعم عدد كبير من بني‌كلب له في أن ينظم خلال السنوات 289-294ه‍/902-907م الثورات القرمطية في الشام و العراق. و قد هجم هؤلاء القرامطة الذين كانوا قد انشغلوا بالحروب و الغارات مع العباسيين، أخيراً على مقر عبيدالله في السلمية، و دمروها في 290ه‍؛ و لكن عبيدالله الذي كان قد علم بنية زكرويه في الوقت المناسب، كان قد غادر السلمية إلى الأبد قبل هجوم القرامطة بسنة. و أخيراً هزم زكرويه و أتباعه في العراق بشكل نهائي في 294ه‍ على يد العباسيين؛ وبقي بعض أتباع زكرويه الذين عرفوا بالبقلية ينتظرون رجعته لفترة طويلة، و انظموا في نهاية المطاف إلى جناح القرامطة (الطبري، 10/97-100، 103-104، مخ‍؛ عريب، 4-6، 9- 18، 137؛ المسعودي، 370-376، 391؛ ثابت، 16-35؛ ابن الدواداري، 6/69-90؛ النويري، 25/246-276؛ المقريزي، اتعاظ، 1/ 168 ومابعدها، 179-180؛ أيضاً هالم «أبناء....»، 30-53).

بدأ عبيدالله بعد مغادرته السلمية رحلته الطويلة و المصيرية إلى المغرب في 289ه‍، و دخل أخيراً في 292ه‍/905م مدينة سجلماسة في شرق مراكش، و سجن لفترة. و كان الداعي أبوعبدالله الشيعي الذي أشاع منذ 280ه‍/893م دعوة الإسماعيلية في المغرب بأمر من ابن‌حوشب، قد أعد من البربر المعتنقين لهذا المذهب قوة عسكرية ملفتة للنظر، و أطلق سراح عبيدالله على أثر الفتوح المهة في المغرب، و إسقاط الحكومات المحلية الواحدة تلو الأخرى، و في ربيع الآخر 297، تم الاعتراف رسمياً بعبيد الله كخليفة خلال مراسم خاصة، و تأسست السلسلة الفاطمية في أفريقية. و مع بدء خلافة عبيدالله المهدي في أفريقية، انتهت مرحلة الستر و عهد الأئمة المستورين في تاريخ الإسماعيليين الأوائل، و أصبح الأئمة الإسماعيليون الذين كانوا الآن قد حصلوا على الخلافة أيضاً خلال فترة الكشف، أو الظهور، على رأس أتباعهم بشكل علني (القاضي النعمان، افتتاح، 54- 258؛ النيسابوري، 96 و ما‌بعدها؛ إدريس، 5/44-112؛ ابن حماد، 6 ومابعدها؛ ابن عذاري، 1/124 و مابعدها؛ المقريزي، ن.م، 1/55-66؛ دشراوي، 89-102؛ ناغل، 11-55).

 

الأفكار الدينية للإسماعيليين الأوائل و أصول عقائدهم

يمكن استنباط و استخراج أخبار النظام الفكري للإسماعيليين الأوائل و أصول عقائدهم بشكل ناقص من المصادر اللاحقة للإسماعيلية، و خاصة المصادر المتعلقة بالعهد الفاطمي، و من بين مؤلفات المعارضين لهم. و على أية حال، لاشك في أن القالب الأساسي لتعاليم الإسماعيلية و فكرها الباطني، كان قد دون من قبل الإسماعيليين الأوائل في النصف الثاني من القرن 3ه‍ بشكل رئيس. و قد كان الإسماعيليون الأوائل يفرقون بين ظاهر النصوص المقدسة و الأحكام الشرعية و باطنها، و كانوا يعتقدون بأن كل معنى ظاهري و لفظي يعكس معنى باطنياً و حقيقياً. وبالتالي فإن المعاني الظاهرية و الباطنية للقرآن الكريم و شريعة الإسلام المقدسة تتميز عن بعضها بشكل كامل حسب الفكر الديني للإسماعيلية. و استناداً إلى عقيدة الإسماعيليين الأوائل، فإن ظاهر الدين كان يتغير مع كل نبي شارع يأتي بشريعة جديدة، ولكن باطن الدين الذي يشتمل دوماً على حقائق أبدية، يبقى غير قابل للتغيير. و لم‌يكن الوصول إلى هذه الحقائق الثابتة التي تتماثل في الأديان و الشرائع المختلفة، ميسراً، إلا على الإسماعيليين (الخواص)، في حين أن غير الإسماعيليين (العوام) لم يكونوا قادرين، إلا على إدراك المعاني الظاهرة للأديان. و قد عرف الإسماعيليون بين المسلمين باعتبارهم الممثلين الأساسيين للسنة الباطنية بين المسلمين، و اشتهروا بـ‍ «الباطنية» بسبب الأهمية الخاصة التي كانوا يولونها إلى الباطن و الحقائق الكامنة في باطن الدين.

الصفحة 1 من7

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: