الصفحة الرئیسیة / المقالات / الامامه /

فهرس الموضوعات

الامامه


تاریخ آخر التحدیث : 1441/11/13 ۱۴:۲۹:۰۱ تاریخ تألیف المقالة

إن الغلاة الشيعة ظهروا في مدينة الكوفة، حيث كانت مسرحاً لنشاطاتهم الدينية والسياسية إبان القرن الأول وحتى القرن الثالث من الهجرة (ظ: القاضي، 118 ومابعدها). لقد كان هولاء ومنذ بدء الظهور تيارات واتجاهات سياسية يطمحون إلى السلطة، في ظل الأجواء السياسية المتدهورة في النصف الثاني من القرن الأول للهجرة متأثرين بقراءة دينية.  ولكن بموقف معين وما يشير إلى كل ذلك هو أولى المؤشرات التي تدلنا على ولادة تفكيرهم على الأصعدة السياسية والاجتماعية والدينية في مدينة الکوفة آنئذ. كما كان الغلاة ومن خلال إعطاء صبغة دينية للحكم والسلطة يحاولون انتزاع شرعية الحكومات القائمة آنذاك ومن ثم يكتسبون الشرعية لنضالهم السياسي. ولايخفى علينا الطابع السياسي لحركة المختار (في النزعة الكيسانية المغالیة) وكذلك حركة الدعوة العباسية بجذورها الشيعية المغالية وکذلک العلاقة التي كانت تربط السياسة بالتفكير الديني في هاتين الحركتين المغالیتین ولذلك، فإن الطابع السياسي كان السمة الأبرز لنظرية الإمامة عند الغلاة الثائرين خلال القرنين الأول والثاني من الهجرة (ن.صص؛ تاكر، 66ff).
من البديهي وبحكم جوانبها المتعددة، فإن نظرية الإمامة عند اتجاهات الغلاة الشيعة كافة تتطلب تأليف المزيد من الدراسات ومن الصعب حصر مثل هذا الموضوع ضمن إطار مقال بعينه، بيد أن تسليط الضوء على أحد الجوانب سوف يقدم لنا صورة أكثر شفافية حيال الغلاة، يتمثل هذا الجانب في أن الغلاة وإن كثروا وتعددوا بحيث يمكن الحديث عن ألوان مختلفة من الغلاة في الأوساط الشيعية الكوفية وباقي المدن الإسلامية منها بغداد، لكنهم يشتركون كافة في الجوانب الدينية والفكرية. بحيث يمكن الكشف عن خطوط اتصال، تنطلق من غلاة الكيسانية (وربما السبئية قبلهم) وتتصل بغلاة الشیعة العباسيين وأتباعهم وتنتقل إلى الغلاة العلويين إلى أن ترتبط بغلاة منتصف القرن 2ه‍ الذين كانوا يميلون إلى أوساط الإمامية، وقد فتح أبرز أجنحتهم أي الخطابية وبعد انشقاقه عن الإمامية، الطريق أمام الإسماعيلية والقرمطية؛ وتتصل خطوط الاتصال تلك أيضاً بغلاة النصف الأول من القرن 3ه‍ حيث اندرجوا ضمن سياق الفرقة النصيرية المغالية التي لها الآن أتباع كثيرون، في ظل بعض التطورات الدينية والفکرية التي طرأت بدورها نتيجة الظروف التاريخية، ومن خلال كل ذلك تتضح لدينا صورة شفافة وواضحة المعالم عن التحول التاريخي لمعتقداتهم المغالیة. بل يصبح بالإمكان تتبع أثر آراء الغلاة عند الصوفية القریبة من الأوساط الإمامية بما فيهم الحلاج، أو الفرق الحروفية وغيرها في القرون اللاحقة(ظ: ماسينيون I / 246-248, 343، مخ‍ ؛ هالم، مخ‍‌ ).
وهكذا، فإن دار الحديث عن المفاهيم الأساسية لنظرية الإمامة عند الغلاة، فإنه بالإمكان اعتبارها قضية عامة على الأقل من حيث الجوانب العامة. وبناء على ما ذكرنا، فلابد من الإشارة إلى نماذج قديمة عن عقائد الغلاة وآرائهم منها: نظرية رفض وفاة الإمام وادعاء الغيبة (والوقف طبعاً) بشأنه. وبالطبع، فإنه من الضروري دراسة مثل هذه الأمور وأسبابها، ولكن يمكن تقديم نماذج قديمة عند غلاة القرن 1ه‍ بعد استشهاد الإمام علي (ع) (ظ: الجاحظ، 813؛  بعد وفاة محمد بن الحنفية في 81ه‍ ، ظ: القاضي، 168 وما بعدها؛ أيضاً ظ: جعفر بن حرب، 26-27). في ضوء نظرية غيبة الإمام، تطرح قضية دوره في «آخر الزمان» فانتصاره على الظلم والجور: الرجعة والمهدوية. وأما النظرية الأخرى، فهي قضية تأليه الأئمة التي كان يتميز بها الغلاة وهناك نماذج قديمةً جداً تشير إلى هذه القضية (ظ: سعد بن عبد الله، 21، 32، 51-55؛ النوبختي، 45، 57-59؛ الكشي، 480، 518-521، 555؛ أيضاً ظ: القاضي النعمان، 1 / 61).
كما كان حلول روح القدس، أو نور الله في جسم الإمام والتناسخ من المفاهيم الأساسية لدى الغلاة. فالإمام حسب هذا المعتقد مظهر روح الله وموضع حلول شعاع من النور الإلٰهي. حيث كانت روح القدس في النبي(ص) ثم انتقلت إلى الأئمة على التوالي (مثلاً ظ: جعفربن حرب، 33، 37، 39، 40-41). وكان الحديث يدور أحياناً عن إلٰه الأرض في مقابل إلٰه السماء وبالطبع فقد كان المقصود من إلٰه الأرض، الإمام (عن عقيدة بيان بن سمعان النهدي، ظ: الكشي، 304؛ عن أبي الخطاب الأسدي، ظ: ن.د، 4 / 565- 568).
وكان الغلاة عند تفسيرهم المرجعية الدينية للإمام وكيفية علاقته بالله، يزعمون أن الله تعالى يلهم الإمام ويخطر العلم والصواب بباله ومن ثم لديه العلم اللدني (مثلاً ظ: جعفربن حرب، 36؛ أيضاً عن عقيدة المفوضة ــ طائفة من الغلاة ــ في هذا الباب، ظ، الصفار، 122-130؛ الكشي، 540؛ الأشعري، 1 / 88).
وفي مجال الشريعة، كان الغلاة يرون في تفسيرهم الباطني للمصحف الشريف أن معرفة الإمام هي أساس التدين وجوهرة الإيمان ومن ثم أصبحوا يميلون إلى الإباحية وتعطيل الشريعة (مثلاً ظ: جعفربن حرب، 32، 41).

المصادر: 

  الأشعري، علي، مقالات الإسلاميين، تق‍ : محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، 1969م؛ الجاحظ، عمرو، البيان والتبيين، تق‍ : عبد السلام هارون، القاهرة، 1968م؛ جعفربن حرب، مسائل الإمامة، تق‍ : فان إس، بيروت، 1971م؛ سعد بن عبد الله الأشعري، المقالات والفرق، تق‍ : محمد جواد مشكور، طهران، 1360ش؛ الصفار، محمد، بصائر الدرجات، قم، 1404ه‍ ؛ القاضي، وداد، الكيسانية في التاريخ والأدب، بيروت، 1974م؛ القاضي النعمان، دعائم الإسلام، تق‍ : آصف فيضي، القاهرة، 1963م؛ الكشي، محمد، معرفة الرجال، اختيار الطوسي، تق‍ : حسن مصطفوي، مشهد، 1348ش؛ النوبختي، الحسن، فرق الشيعة، النجف، 1355ه‍ ؛ وأيضاً:

Daftary, F., The Ismāªīlīs: Their History and Doctrines, Cambridge, 1990; Halm, H., Die islamische Gnosis, München, 1982; Massignon, L., La Passion de Husayn ibn ManŞûr Hallâj, Paris, 1975; Tucker, W., »Abū Manԩūr al-‘Ijlī and the ManŞūriyya«, Der Islam, 1977, vol. LIV, no. l.
حسن أنصاري / غ.


V. الإمامة لدى أهل السنة


قبل الخوض في تاريخ تحول الفكر السياسي لدى أهل السنة ــ حيث يراد منهم في هذه المقالة جميع الفرق غير الشيعية والمحكّمة ــ فلابد من الإشارة إلى أن الإمامة عند أهل السنة تقوم على أساس التجربة التاريخية للأمة الإسلامية بعد النبي (ص) ولذلك، فإن الالتفات إلى مسيرة تطورات مؤسسة الخلافة في الإسلام من شأنه أن يؤدي إلى فهم دقيق لموضوع الإمامة لدى أهل السنة. وقد بين المعتزلة والمرجئة وحتى العلماء الأشعريون وأحياناً الحنابلة موقفهم إزاء هذه التجربة حسب منظومتهم الدينية والفكرية. وتتمثل أهم ملاحظة في هذا المجال في وجهة نظر هذه الطوائف بالنسبة إلى عصر الخلافة الأول، أي عصر الخلفاء الراشدين والفترة الانتقالية منه إلى العصر الأموي؛ لاسيما وإن هذا العصر يعتبر بالنسبة إلى الفئات غير المعتزلة لأهل السنة والتي تبدي حساسية إزاء «سنّة» الجماعة، النموذج الدائم لـ «الجماعـة»، أو السلف الصالح لـ «الأمـة» هنا لابد من مناقشة مفهوم الإمامة في إطار ظهورها التاريخي في الخلافة؛ ذلك لأن الخلافة، هي الصورة التاريخية لفكرة الإمامة في الإسلام؛ ومن جهة أخرى، فإن الإمامة في الإسلام السني تمثل مفهوماً أعم من الخلافـة ويمكـن أن تتحقـق نظريـاً خـارج الإطـار المفهومـي ـ التاريخي للخلافة؛ رغم أن الخلافة قُدمت دوماً من جانب أهل السنة باعتبارها المؤسسة المشروعة للإمامة.


النظرة العامة لأهل السنة:

عند قراءة الرؤية العامة للفرق غير الشيعية ‌ـ غير المحكمة الإسلامية في موضوع الإمامة، دون التوقف عند حركة تطورات الفكر السياسي لأهل السنة وخلافاتهم والتي طرأت نتيجة للظروف التاريخية، فسوف تطالعنا الأصول الأساسية التالية: ففضلاً عن التعريف اللفظي للإمام (ظ: ابن منظور، الجوهري، أيضاً تاج العروس، مادة أم). فقد قدّم أهل السنة تعريفاً موحداً تقريباً للإمامة: فالإمامة عندهم منصب تم تحديده لخلافة النبوة على الدين وسياسة الدنيا. إن هذا التحديد والتعريف الذي طرحه الماوردي (ص 5)، قد تكرر على لسان علماء أهل السنة الآخرين بنفس العبارات تقريباً، أو بألفاظ قريبة من تلك المفاهيم (الجويني، غياث... ، 15؛ أيضاً ظ: النسفي، 233؛ عضدالدين، 395؛ ابن خلدون، 151). أما ابن خلدون، فيشير إلى مفهومين أساسيين هما «الرأي الشرعي» و«المصالح» (ن.ص). فالإمام في رؤيته هو من يقود الأمة مستعيناً بالشرع والشريعة، تحقيقاً للمصالح الدينية والدنیویة للأمة. وعلى هذا، فإن الإمامة، تهبط في المنظومة الدينية لأهل السنة، إلى مستوى القيادة الشرعية للأمة الإسلامية، وهنا يفترق طريقها عن الإمامية التي ترى في الإمامة دعامة وركيزة للدين (عن لفظ الإمام في القرآن، ظ: البقرة  / 2 / 124؛ التوبة / 9 / 12؛ الأنبياء  / 21 / 73؛ الفرقان / 25 / 74؛ القصص / 28 / 5، 41؛ أيضاً ظ: الطبري، تفسير، 1 / 415-416، 10 / 62-63، 17 / 36، 19 / 34، 20 / 19، 50؛ في الحديث والسنة، ظ: ابن حجر العسقلاني، 13 / 141؛ أحمد بن حنبل، مسند، 2 / 54). انطلاقاً من الصلة التي تربط الخلافة بالإمامـة ــ والتي سبقت الإشارة إليهـا ــ فإن أهل السنة يعتبرون مفاهيـم الإمامـة والخلافة وإمرة المؤمنين كلها واحدة (ظ: النووي، روضة ... ، 10 / 49؛ ابن خلدون، ن.ص؛ رضا، 101؛ لخلفية استخدام مصطلح أمير المؤمنين والخليفة، ظ: ابن سعد، 3 / 281؛ الهيثمي، 9 / 61؛ ابن الجوزي، 78-79).
وفضلاً عن بعض الآراء المخالفة لوجوب الإمامة، فإن أهل السنة يعتقدون بوجوب الإمامة كالشيعة (الماوردي، ن.ص؛ أبو يعلى، الأحكام ... ،19؛ ابن حزم، الفصل، 4 / 87، مراتب ... ، 124؛ ابن تيمية، السياسة ... ، 161؛ أيضاً ظ: القرطبي، 1 / 264؛ ابن الأزرق، 1 / 71). ويستند أهل السنة عموماً بشأن وجوب الإمامة إلى أحاديث عن النبي (ص) والإجماع (ظ:  مسلم، 3 / 1478، مخ‍ ؛ أيضاً ظ: ابن تیمیة، الحسبة، 11؛ الشهرستاني، نهاية ... ، 480)، بحيث يرون أن قيـام الدين لايمكن إلا بالإمامـة، ذلك لأن معظـم أمور الديـن كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحج والجهاد، والجماعة والحدود، مرتبطة بوجود الإمام (ابن تيمية، السياسة، 161-162). ويعتبر أهل السنة عموماً نظام الدنيا ضرورياً لنظام الدين ويرون أن وجوب الإمامة من ضروريات الشرع (ظ: الغزالي، الاقتصاد ... ، 147-149).
ومن أجل معرفة منزلة الإمام عند أهل السنة، يجب الانتباه قبل كل شيء إلى مقاصد الإمامة وأهدافها. والهدف والغرض الرئيسان من وراء الإمامة في رؤية أهل السنة، هما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ظ: ابن تيمية، الحسبة، 14). ومسؤوليات الإمام وواجباته تكتسب المعنى في هذا الإطار: المحافظة على الدين وصيانته وتطبيقه وتدبير الشؤون الدنيوية للمسلمين (ظ: م.ن، مجموع ... ، 28 / 262). وفي مجال إقامة الدين، وبمعزل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ظ: ن.م، 15 / 165) تأتي فريضة الجهاد والتي هي أهم أركان منظومة أهل السنة الفقهية ـ الكلامية وتنتظم في إطار الإمامة (ظ: السبكي، 16-17؛ أيضاً ظ: الجويني، ن.م، 156). كما تندرج في هذا الإطار حماية أمن المجتمع وسيادة دار الإسلام ومنع ظهور الفتن الداخلية (ظ: الماوردي، 16؛ أبو يعلی، ن.م، 27؛ الجويني، ن.ص). كذلك في مجال تطبيق أحكام الدين، طرح أهل السنة واجب إقامة الحدود وإدارة الأمور المالية ‌ـ الدينية للمسلمين (ظ: ابن تيمية، الحسبة، 55، 73). وقد طرح تدبير الشؤون الدنيوية للمسلمين والذي یکتسب الضرورة من وجهة نظر أهل السنة في إطار مصالحهم الدينية (ظ: م.ن، مجموع، 28 / 262)، إلى جانب المحافظة على الدين وصيانته باعتبار ذلك واجب الإمام ومسؤوليته.
كما يجب القول إن الأغلبية الساحقة من المسلمین ومنهم أغلبية أهل السنة، تشترط أن يكون الإمام واحداً فريداً، حيث لايجوز أن تتجسد الإمامة عند شخصين مختلفين حتى وإن كان كل منهما في جانب من العالم (ظ: ابن حزم، ن.ص؛ القاضي عبد الجبار، 20 / (1) / 243؛ أيضاً ظ: الماوردي، 9؛ النووي، شرح ... ، 12 / 233-234؛ ابن حجر الهيتمي، تحفة ... ، 9 / 78).


التجربة التاريخية للإمامة والتنظيرات:

من أجل فهم أفضل لمفهوم الإمامة ودورها لدى أهل السنة، من الأحرى أن يجـری تحليل للتجربـة التاريخيـة لسلف الأمـة، أي صحابـة النبي (ص). وعلى حد قول ماديلونغ، فإن أهل السنة المعاصرين يدعون خلافاً لسنة الأنبياء السابقين، أنه ليس من الضروري أن يعيّن الله أحد أقرباء النبي (ص) خليفة لخاتم الأنبياء بل إن الله قدر لإيضاح هذا الموضوع أن يتوفى جميع أبنائه (ص) في الطفولة. ولذلك، فإن النبي (ص) لم يعين شخصاً خليفة له، لأنه كان يريد أن يوكل أمر الخلافة إلى الأمة على أساس مبدأ الشورى القرآني. ولكن ماديلونغ يرفض مثل هذا التحليل ويقول بعد تبيان سنة الاستخلاف في القرآن: ليس هناك من سبب لأن لايتمكن النبي (ص) من تعيين أحد أفراد أسرته لقيادة الأمة الإسلامية دينياً ودنيوياً من بعده. ويضيف قائلاً بأن أبناء الأنبياء وأقربائهـم من ولدهم ــ حسب مـا جاء فـي القرآن ــ هم ورثـة ملكهم وحكمهم وحكمتهم وكتابهم وإمامتهم. فمع وجود استثناء موضوع النبوة، لماذا لايتولى خلافة النبي (ص) أحد أقربائه كما كان شأن الأنبياء السابقين ؟ ثم يقول ماديلونغ في معرض رفضه تحليل العلماء السنة حول سنّة اختیار الخليفة بين الأقرباء من قبل الأنبياء السابقين: إن توصية القرآن للمؤمنين في حسم الأمور عن طريق الشورى لاتشمل مسألة الخلافة. وهذا الأمر يتم بنص القرآن بالاختیار الإلٰهي فيما يتعلق بالأنبياء السابقين والله يختار خلفاءهم عادة من أقربائهم هم أنفسهم، سواء كان هؤلاء الخلفاء أنبياء أم لم يكونوا (ص 6-18).
وقد أشار أبو بكر نفسه في سقيفة بني ساعدة إلى ضرورة أن تتولـى قـريـش الأمـر (= الحكم) لاختیـار خليفـة النبـي (ص) (ظ: البخاري، 4 / 120). وقد ورد في رواية أخرى نقلها الطبري في تاريخه، أن أبا بكر يعتبر في اجتماع السقيفة المهاجرين عشيرة النبي (ص) وذوي حقوقه ويرى أنهم أحق الناس بالحكم (3 / 220). وفي الرواية نفسها، رفض عمر وجود أميرين في عصر واحد، وصرح بأن العرب سوف تعارض حكم الأنصار وإمارتهم، لأن النبي (ص) لاينتمي إليهم، في حين أنهم لن يمتنعوا عن قبول إمارة من كان النبي (ص) منهم، ثم اعتبر عمر نفسه من أولياء النبي (ص) وعشيرته (ن.ص).
من جهة أخرى نلاحظ في قضية استخلاف عمر أن أبابكر نفسه اختار عمر قبل وفاته وبشكل مباشر (ظ: ابن سعد، 3 / 199-200؛ الطبري، ن.م، 3 / 428-429؛ ابن الجوزي، 71-75). وخلال قضیة اختيار الخليفة، صرح عمر ذات مرة بأنه كان يختار سالم بن معقل مولى أبي حذيفة خليفة له لو كان على قيد الحياة (ابن عبد البر، 2 / 568). وبالطبع، فإن هذا يعني خلافة شخص من غير قريش. ومع كل ذلك، قرر عمر أن يشكل شورى تشتمل على 6 أشخاص من أصحاب رسول الله (ص)، أي علي (ع) وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي الوقاص وأن يطلب منهم اختيار أحد من بينهم إماماً (ظ: البلاذري، 5 / 16، 18-19، 21؛ ابن سعد، 3 / 342). ومن الطريف أن عبد الرحمن بن عوف طلب من الشخصين اللذين كانا قد رُشِّحا للخلافة، أي علي (ع) وعثمان، العمل بكتاب الله وسير النبي (ص) وأبي بكر وعمر إن تم اختيار أحدهما، فإن علياً (ع) تعهد بأن يعمل بكتاب الله وسيرة النبي (ص) فقط (ظ: البلاذري، 5 / 21-22؛ اليعقوبي، 2 / 162؛ أيضاً ظ: أحمد بن حنبل، مسند، 1 / 192).
ويرى أهل الحديث أن عمر كان يعتبر أمر الحكم عن طريق الشوری ويعتبرها ضرورية لاختیار الخليفة (ظ: الصنعاني، 5 / 446، 7 / 278، 10 / 103). وفي الحقيقة، فإن عمر على حد قول ماديلونغ (ظ: ص 28-29)، كان يخشى من أن يتكرر أمر الخلافة مـرة أخرى مثل قضية خلافة أبي بكر وكيفيتها والتي كانت «فلتة» حسب تعبيره ــ أي بتسرع وبشكل مفاجئ ودون تفكيـر ــ ليستخلفه علي (ع) هذه المرة. وخلال عملیة اختيار علي (ع) بعد مقتل عثمان، قال (ع) ملبياً طلب أهل المدينة وإصرارهم على قبول مسؤولية الإمامة، إن من رضي به أصحاب بدر فهو خليفة وفي رواية أخرى أشار إلى رضى المسلمين في أمر الخلافة (ظ: البلاذري، 5 / 70؛ الطبري، تاريخ، 4 / 427). كما تحدث في رسالة إلى معاوية، عن شورى المهاجرين والأنصار وعن اجتماعهم على اختيار الإمام (ظ: نصر بن مزاحم، 29).
تمثل هذه الروايات التاريخية ــ بغض النظر عن صحتها، أو عدمها ــ فكرة المسلمين ورؤيتهم بشأن عصر الخلافة الأولى. وبالطبع، فإن هذا العصر الذي يعتبر نموذجاً خالداً لأهل السنة، يوضح أساس مشروعية الحكم وصيغته في رأيهم. ومن البديهي أن الفئات والفرق المختلفة غير الشيعية ‌ـ غير المحكمة ليس لها تحکیم واحد بشأن هذا العصر، ولكن كلاً منها، سعى لأن يظهر أساس فكره السياسي في هذا العصر. وقبل كل شيء، فإن شروط تعيين الإمام وتنصيبه وأوصافه بين أهل السنة كانت منبثقة عن سنة الجماعة الأولى في اختيار الإمام وهذا ما يحظى بتصديق أكثر بين أصحاب الحديث وأهل السنة والجماعة خصوصاً. وقبول الاختيار (لا النص) وكون الخليفة قرشياً واختيار الإمام من قبل الإمام السابق ووحدة الإمام والاعتماد على الشورى كل ذلك هو من جملة المواضيع التي يتم الاستناد فيها إلى سنة الصحابة (لنماذج، ظ: ابن حزم، الفصل، 4 / 87 وما بعدها؛ أيضاً ظ: الماوردي، 7-11؛ أبو يعلى، الأحكام، 20 وما بعدها؛ الجويني، الإرشاد، 353-359؛ القرطبي، 1 / 269، 273؛ الجرجاني، 8 / 351-353).

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: