الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الأخلاق /

فهرس الموضوعات

الأخلاق

الأخلاق

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/22 ۲۳:۵۴:۳۱ تاریخ تألیف المقالة

و في مقدمة القراء العباد خلال تلک الفتر ة بالبصرة، یقف عامر بن عبدالله بن عبدقیس الذي کان یلاحظ وجوده إلی جانب قراء الکوفة في واقعتین تاریخیتین مهمتین: کان له دور في جهاد أصحاب الإمام علي (ع) بالکوفة (33هـ/ 653م) للمطالبة بالعدالة، بوصفه ممثلاً لجهاد البصریین. ویبدو أنه نفي إلی الشام لهذا السبب (ظ: الطبري، 4/ 327–328، 333؛ أیضاً ابن إباض، 127؛ ابن سعد، 7(1)/ 77–78). کما شارک في حرب صفین ضمن قراء الکوفة بقیادة عبیدة السلماني (ظ: نصربن مزاحم، 188). و في وصف زهده قیل إنه کان یتجنب بشدة مظاهر الدنیا و یمسک عن تناول اللحم و یؤثر العزوبة و یرتدي البرنس کالرهبان (ظ: ابن سعد، 7(1)/ 74–80؛ أبونعیم، 2/ 87–88، 90–91). و بشکل أساسي، فقد کان أسلوبه في الحیاة قریباً تماماً من أسلوب الرهبان النصاري، و ربما کان قد تأثر بهم أیضاً. و علی أیة حال، فلیس عبثاً أن یکون کعب الأحبار قد لقبه براهب هذه الأمة (ظ: ابن سعد، 7(1)/ 79). و إن مشاهدة عامر بن قیس إلی جانب قراء الکوفة و عزلته في بیئة البصرة، کان في الحقیقة بسبب کون الکثیرین من قراء البصرة في أواسط القرن الأول الهجري ذوي میول دنیویة. و قد کانت لهم علاقات حسنة بسعیدبن العاص والي الکوفة البغیض خلال حکمه علی عهد عثمان (ظ: الطبري، 4/ 317)، و لم‌یکن ممثلوها الذین ذهبوا إلی الشام للقاء معاویة، عُبّاداً ذوي نیات خالصة بحسب تقییمه (ظ: ابن سعد، 7(1)/ 80؛ أیضاً أبونعیم، 2/ 92–93: ذم علی لسان عامر بن عبدالقیس).

و مهما یکن، فإن واحداً من زهاد البصرة الآخرین خلال عصر أوائل التابعین، ممن ینبغي اعتباره من المرتبطین بحلقة أصحاب عمر الکوفیة، هو هَرِم بن حیان العبدي الذي کان متأثراً بشکل خاصل بأسلوب أویس القرني (مثلاً ظ: الحاکم، 3/ 406–407)، وکان یعدّ المداومة علی ذکر القیامة و تذکر الجنة و النار عاملین أساسیین في الترغیب و الترهیب الباطنیین (ظ: ابن سعد، 7(1)/ 95–96؛ أبونعیم، 2/ 119–222؛ أیضاً الجاحظ، البیان، 1/ 282، 3/ 125؛ ابن سعد، 7(1)/ 97، مخـ: حول صلة ابن أشیم و البعض الآخر من هذه الطبقة).

و کان لأبي العالیة الریاحي من مشاهیر البصرة في ذلک العصر، تعلیم مدني (ابن سعد، 7(1)/ 83)، و انبری – کما هو متوقع – لمواجهة أسلوب الزهاد، داعیاً إلی تجنب التخلي عن الدنیا، و کان – باعتماده علی الاستغفار – یؤکد علی الرجاء برحمة الله (ظ: ن. ص؛ أبونعیم، 2/ 217–219). و هو في رؤیته الاجتماعیة أیضاً یعمم هذا الرجاء و یتجه إلی الوقف و السکوت في المواقف الحرجة (ظ: ن.ص؛ ابن سعد، 7(1)/ 82، 83). و من تابعی البصرة الآخرین مطرف بن عبدالله بن الشخیر الذي کان له هو الآخر حظ من التعلیم المدني، کان یدعو إلی الاعتدال المصحوب بالورع و یعد الذنب بلاء عاماً للناس، و یؤکد علی الرجاء (ظ: م.ن، 7(1)/ 103؛ أبونعیم، 2/ 201–202، 210؛ للاطلاع علی علاقته بزهاد البصرة، ظ: ابن سعد، 7(1)/ 80؛ الجاحظ، ن.م، 3/ 114).

و أخیراً فإن الأحنف بن قیس الذي عد من رجال هذه الطبقة – و قبل أن یطرح أخلاقاً دینیة – کان حکیماً من سنح الحکماء القدماء ممن حظیت مواعظهم و تعالیمهم الأخلاقیة في المصادر الإسلامیة بالاهتمام (مثلاً ظ: ن.م، 1/ 175، 181، مخـ؛ أبوعلي مسکویه، 122، 133، مخـ؛ المکي، 2/ 382، 454؛ الزمخشري، 2/ 99، 119، مخـ).

و في الفترة الثانیة لجیل التابعین في البصرة و بازدیاد الارتباط بین محافل البصرة و الحجاز، و بشکل خاص، بالانتفاع الشامل بتعالیم الأصحاب المتأخرین مثل ابن عباس، اتخذت التعالیم الأخلاقیة في البصرة منحیً یعتمد علی التدوین بشکل أکبر. و في هذه الفترة تلاحظ نزعتان أساسیتان في التعالیم الأخلاقیة للبصریین: مدرسة أهل الخوف بزعامة الحسن البصري، و مدرسة أهل الرجاء بزعامة ابن سیرین، حیث کان یشار أحیاناً إلی هاتین النزعتین بتعبیر: «الزهد» الحسن و «ورع» ابن سیرین.

و في ختام الحدیث عن العراق تجدر الإشارة إلی مدرسة مشترکة بین الکوفة و البصرة، أي مدرسة المحکِّمة الأولی التي کان أول منظریها من الکوفیین المتلزمین بتعالیم عمر (ظ: الطبري، 5/ 72–75، 191؛ الإمامة...، 1/ 146)، و لم یمض طویل وقت حتی انتقل مرکزهم إلی البصرة. و لیس مستبعداً أن یکون ذلک الفریق من قراء العراق ممن ذکروا في الحوادث التي أعقبت وفاة أویس في صفین و واقعة التحکیم و الذین کان یتزعمهم عبدالله بن وهب الراسبي، زعیم المحکّمة (ظ: ن، م، 1/ 128)، قراء متعلقین بحلقة أویس. کما حدث في الفترة الأکثر تأخراً عندما اعتبر أویس القرني في بعض آثار المحکّمة بشکل صریح، من متقدمي مذهب أهل التحکیم و أهل ولایتهم (ظ: ابن سلام، 79؛ أیضاً «سیرة...»، 228). و مهما یکن، فإن المحکّمة الأوائل مثل أویس و قراء حلقته کانوا یعتمدون في حیاتهم الفردیة علی ممارسة العبادة و الزهد في الدنیا، و في حیاتهم الاجتماعیة علی إقامة الحق و الأمر بالمعروف (مثلاً ظ: الدینوري، 204: رسالة عبدالله بن وهب الراسبي إلی محکّمة البصرة؛ المبرد، 7/ 238–240؛ ابن إباض، 135: رسالة نافع بن الأزرق إلی عبدالله بن الزبیر؛ الجاحظ، ن.م، 2/ 104–106: خطبة لقطري بن الفجاءة). و بحسب تعالیم المحکّمة الأوائل، فإن الخوف من العقاب الإلهي هو الحافز علی العمل، و إن مفهوم السعادة یوضح بالنجاة من نار جهنم (ظ: عباس، 41، 51، 56؛ أیضاً المکي، 1/ 490: أبیات لأبي بلال مرداس و آخرین؛ مصباح....، 181: نسبة رؤیة کهذه إلی أویس القرني). و إن إضفاء الأصالة علی الخوف من العقاب و الوعید الإلهي ظلل مصاناً بینهم کما کان علیه حتی بعد انشقاق المحکّمة إلی فرق مختلفة؛ و من بینهم فإن فرقة النجدات کانت الوحیدة التي اتخذت خلافاً لبقیة المحکّمة موقفاً سمحاً تجاه المذنبین و اتجهت إلی الرجاء (ظ: پاکتچي، 118–119؛ أیضاً عباس، 83–84: أبیات لمسلم بن جبیر من النجدت).

اتسع نطاق فکرة الأمر بالمعروف و إقامة حکم الله خلال العصر الأموي بین رجال المحکّمة و اتخذ شکل مقارعة لاهودة فیها لنظام الجور و انعدام العدالة الاجتماعیة ترافقت مع ثورات متعاقبة (مثلاً ظ: الطبري، 5/ 191: رسالة المستورد إلی سماک بن عبید؛ أیضاً المبرد، 7/ 184، 188، مخـ). و مع وجود خلافات أساسیة بین المحکّمة و الشیعة، فقد نُظر إلی روح المطالبة بالعدالة لدی المحکّمة نظرة تأیید من قبل أئمة أهل البیت (ع) (ظ: نهج‌البلاغه، الخطبة 61؛ الزهني، 218؛ الشیخ الطوسي، تهذیب...، 6/ 144–145).

 

3. التعلیم الأخلاقي في الیمن و الشام

 

الیمن

لا شک في أن تعالیم المتقدمین من أصحاب النبي (ص) مثل الإمام علي (ع) و أبي ذر و معاذ بن جبل قد ترکت تأثیراً کثیراً في تبلور مدرسة الیمن الأخلاقیة، لکن لاینبغي تجاهل أن بیئة الیمن و کذلک الشام و بسبب العلاقة بین تقالید ثقافتیهما و الثقافتین الدینیتین الیهودیة و النصرانیة، کان یمکن من حیث الاستعداد أن یتأثراً بالتعالیم الأخلاقیة لهذین الدینین، و أن هذا التأثر ملحوظ بالفعل إلی حدّما. کانت بلاد الیمن التي تتمتع بحضارة عریقة و علی معرفة بالثقافات المختلفة، مرکزاً أیضاً لنمو «الحکمة» بمفهومها القدیم لدی العرب و بقیة السامیین؛ ویبدو أن عبارة «الحکمةُ یمانیةٌ» الواردة في الحدیث النبوي الشهیر کانت إشارة إلی هذا الأمر (للاطلاع علی مصادر الحدیث، ظ: البخاري، صحیح، 3/ 81؛ مسلم، 1/ 71–72).

و بصورة عامة ینبغي اعتبار المدرسة المهیمنة علی التعلیم الأخلاقي في الیمن و الشام خلال القرن الأول الهجري علی الأقل، مدرسة واحدة کان العنصر الیماني مهیمناً علیها؛ ذلک أن الممثلین الأساسسیین لهذه المدرسة في الشام – کعب الاحبار و أبا مسلم الخولاني و أبا إدریس الخولاني – کانوا أناساً مهاجرین من الیمن، أویمانیي الأصل.

و في الجیل الثاني من تابعي الیمن کانت المدارس الدینیة في تلک المنطقة علی علاقة وثیقظ بالحجاز و بخاصة مکة. و کان هؤلاء التابعون قد تأثروا بشکل خاص بتعالیم ابن عباس و کان من بینهم طاووس الیماني الفقیه و المفسر البارز الذي کانت له تعالیم قریبة من مدرسة مکة بشکل أکبر، و کانت صبغتها الدینیة مقارنة بتعالیم معاصره وهب بن منبه، أکثر وضوحاً (ظ: ابن سعد، 5/ 393؛ أبونعیمف 4/ 3–16). و کان وهب الذي تخصص بشکل أکبر بروایة و نشر آثار المتقدمین، من أوائل الذین وضعوا التعالیم الأخلاقیة القدیمة إلی جانب التعالیم الإسلامیة، و انبری لتنظیم و تدوین کتب المواعظ بأسلوب حِکَم المتقدمین بطابع دیني و باللغة العربیة (ظ: م.ن، 4/ 23–72: نموذج من مواعظه). و کانت مخطوطات من کتاب و عظه متداولة في المحافل الإسلامیة لعدة قرون تحت عنوان موعظة وهب بن منبه، أو حکمة وهب (مثلاً ظ: ابن سعد، 7(2)/ 92؛ ابن خیر، 291–292، 294).

 

الشام

تمتاز تعالیم أبي الدرداء بین الصحابة في بیئة الشام بدور فرید، علی أن لانتجاهل تأثیر تعالیم بقیة الصحابة مثل أبي ذر و أبي أمامة الباهلي في هذه المنطقة. و أبو الدرداء الذي کان معلم أخلاق و قرآن للشامیین، کان في تعلیمه قریباً من أبي ذر في جوانب مثل حب الفقر و الموت و النزوع إلی إعطاء أهمیة للتفکر (ظ: أبونعیم، 1/ 208–211، 217). کما کان یستند إلی عنصر «الاعتبار» في مجال التفکر و في الحقیقة فإن هذا الاعتبار الشخصي إلی جانب ما تعلمه من النبي (ص) و کبار الصحابة هو الذي طرح أبا الدرداء بوصفه حکیماً من الصحابة (ظ: البخاري، التاریخ...، 4(1)/ 77). و قد بقیت من أبي الدرداء مجموعة کبیرة من المواعظ الحکمیة یمکن العثور علیها بشکل متناثر، أو مجامیع في الآثار الإسلامیة (مثلاً ظ: الجاحظ، البیان، 1/ 216–217، مخـ؛ ابن قتیبة، 1/ 83، 107،مخـ؛ أبوعلي مسکویه، 126، 176؛ أبونعیم، 1/ 209–225؛ أیضاً الزمخشري، 2/ 56، 346).

و في النصف الأول من القرن الأول الهجري، قدم إلی الشام کعب الأخبار الذي کان یهودیاً حدیث الإسلام، من حمیر و سکن حمص. و قد لعب و هو الذي اشتهر بکعب الأحبار بسبب اطلاعه الواسع علی آثار الیهود و حکمهم، دوراً مهماً في نشر المواعظ، أو القصص ذات العبر المستقاة من الیهود، أو المنسوبة إلیهم (ظ: أبونعیم، 5/ 364–391، 6/ 3–45: نماذج من مواعظه). و کانت هذه المدرسة الأخلاقیة التي یقف علی رأسها کعب، قد أقیمت علی أساس الحکمة و القصص (أیضاً للاطلاع علی القصاص و رواج لقب «قاص الجماعة» بدمشق في 33هـ، ظ: الطبري، 4/ 328).

و في العقود الوسطی من القرن الأول الهجری کان فریق من قراء الشام قد اتجهوا إلی الزهد، و کان أبومسلم الخولاني علی رأس هؤلاء (ظ: نصر بن مزاحم، 85). و إن وضع العراقیین أبا مسلم في عداد «الزهاد الثمانیة» (أبونعیم، 2/ 87)، و لعبه دور الوسیط في حرب صفین (نصر بن مزاحم، ن.ص)، یُظهر أنه کان شخصیة مقبولة و اکتسب صیتاً ذائعاً، لیس في العصور التالیة فحسب، بل خلال حیاته أیضاً، فلقّبه الشامیون «حکیم الأمة» (ظ: أبونعیم، 2/ 124). و کان المرتبطون بحلقة أبي مسلم الخولاني و باقترابهم من أسالیب الزهد العراقیة یتجنبون المحافل و العلاقات الاجتماعیة (ظ: م.ن، 2/ 123). و خلال هذه الفترة یمکن اعتبار أبي أدریس الخولاني من تابعي الشام الآخرین، من أتباع مدرسة کعب الأحبار بشکل أکبر، و هو الذي جعل أسلوب القصص یزدهر في الشام (ظ: م.ن، 5/ 123). و في الأجیال اللاحقة للتابعین، و ن غیر أن یکون هناک أثر لاستمرار جاد لحلقة زهاد الشام، یلاحظ تیار متواصل من أسلوب القصص و مدرسة کعب الأحبار. و من ممثلي هذا التیار في العقود الأولی من القرن الثاني الهجري اشتهر یزید بن میسرة (ظ: م.ن، 5/ 234–243: مواعظه).

و منذ أواسط القرن الثاني الهجري و تزامناً مع سقوط الخلافة الشرقیة للأمویین في الشام و تولي العباسیین السلطة، یلاحظ تحول في التعالیم الأخلاقیة للشام، ففي مساجد الشام کان للفقیه الشهیر عبدالرحمان الأوزاعي و في نظرته الأخلاقیة، تعالیم مدرستي العراق و الحجاز الورعتین إلی جانب تعالیم الشام التقلیدیة مع نزوع قصصي – حکمي و في البعد الفردي کان یستند إلی الورع، و بوصفه مصلحاً اجتماعیاً کان یوجه الخطاب في تعالیمه إلی الأمراء العباسیین و إلی الخلیفة نفسه. و تشکل القسم الأکبر من کتاباته التي خلفها، مواعظ صریحة موجهة إلی الخلیفة المنصور و بقیة الحکام (ظ: ابن أبي حاتم، 187–202؛ أبونعیم، 6/ 135–140؛ أیضاً ظ: الذهبي، میزان...، 1/ 18: نصوص رسائله).

و الاتجاه الآخر الذي ظهر آنذاک في بیئة ثغور الشام الجهادیة، اتجاه الزاهد الخراساني إبراهیم أدهم [إبراهیم بن أدهم] الذي ربط کحلقة وصل بین أفکار مدرسة أصحاب الحدیث في العراق و التعالیم الصوفیة في الفترات اللاحقة. و من بین الروایات المتناثرة و الأسطوریة أحیاناً لایمکن بسهولة تحدید المقدار الذي تأثر به إبراهیم بالمشایخ العراقیین و المکیین من أصحاب الحدیث، إلا أن الروابط المعروفة بین الأجیال التالیة و المستفیدین من إبراهیم و بین رجال مدرسة أصحاب الحدیث المکیین – العراقیین، و مدرسة مرجئة الکوفة إلی درجة، یوضح إلی حدّ ما مکانة إبراهیم أیضاً. و في طبقات الصوفیة ورد الحدیث عن أن إبراهیم کانت له في مکة صحبة مع سفیان الثوري [و ربما سفیان بن عیینة] و فضیل بن عیاض (ظ: السلمي، 13).

و تکمن أهمیة إبراهیم بن أدهم بشکل أکبر في الدور الذي کان له في تحول زهد و عبادة العلماء المتقدمین إلی الریاضات و المجاهدات الصوفیة و إظهار الشکل البدائي للأفکار الصوفیة. و في هذا الجانب کان متأثراً بشکل لایمکن إنکاره بمنظِّرین عراقیین مثل الحسن البصري و سفیان الثوري (ظ: ن.د، 2/ 98). و من الأمور البارزة في أسالیب إبراهیم بن أدهم، الاستسلام للأعمال الشاقة و العسیرة و کذلک السفر للحصول علی الرزق الحلال و الامتناع عن الزواج (ظ: المکي، 2/ 492؛ أبونعیم، 7/ 319). و استناداً إلی السنة التي کانت سائدة في الشام و بعض المناطق الأخری منذ عه الصحابة، کان إبراهیم یرجح التفکر علی کثرة العبادة. و لذا کان یعتبر معرفة الله أس العبادة، و علی هذا کان یضع التعبد علی أساس المعرفة النظریة (ظ: أبونعیم، 8/ 15، 17). کما یمکن العثور علی مثیل لرؤی إبراهیم في تعالیم یوسف بن أسباط من تلامذة سفیان الثوري الشامیین بشأن موضوعات مثل اعتبار معرفة الله هي الأساس و السعي لکسب الرزق الحلال، بشکل أکثر اعتدالاً (ظ: م.ن، 5/ 237–239، 242).

و مهما یکن، فإن نطاق تعالیم إبراهیم بن أدهم کان قد اتسع في بلاد الشام نهایة القرن الثاني الهجري إلی حد کان قد تأثر معه بأفکاره و تعالیمه حتی علماء الأخلاق في أرض الشام الأصیلة مثل أبي سلیمان الداراني (ظ: المکي، 2/ 110، 507). و من بین الاستثناءات کان أبوعبید القاسم بن سلام الفقیه البغدادي المقیم في طرسوس (ثغور الشام) الذي عارض اتجاهات إبراهیم بن أدهم و أتباعه و خاصة في الامتناع عن الزواج و الإفراط في تجنب الطعام المشتبه فیه. فهودون أن یظهر بمظهر المعارض بشکل مباشر، أوجد بتخصیص دراساته الفقهیة للبحوث المتعلقة بالأموال و کذلک النکاح، تیاراً معارضاً في مواجهة هذا التیار الجارف (ظ: ن.د، 5/ 71، 75–76). و لم یؤید أبوعبید فکرة عدم وجود أمر واجب الاتّباع، سوی في إطار الفرائض الدینیة. و ربما أمکن القول إنه یعد الأوامر الأخلاقیة أیضاً ملزِمة، لکنه في نفس الوقت متمسک بالنصوص بشدة و لا یرتضي توسیع الواجبات الدینیة (ظ: أبوعبید، الناسخ...، 11–12، الأموال، 22).

 

ب- دراسة مدارس معینة و خاصة

 

1.مدرسة أهل‌البیت (ع)

إن سلسلة أئمة هذه المدرسة، هي حلقات متصلة من أئمة أهل‌البیت (ع) الذین قدموا نماذج من مجموعة تعالیم أخلاقیة متناسقة من الإمام علي (ع) حتی الأئمة المتأخرین (لدراسة تعالیم الإمام علي (ع)، ظ: الأقسام السابقة)، لکن مع وجود هذا الترابط و التناسق لاینبغي أن نغفل عن أن تأکید کل واحد من الأئمة علی جوانب خاصة من التعالیم الأخلاقیة لم یکن بمعزل عن الأوضاع الاجتماعیة و الحاجة الثقافیة في عصورهم. و علی هذا الأساس، فلیس مستبعداً أن یکون الإمام الحسین (ع) في أواسط القرن الأول الهجري و تزامناً مع حکم سفیانیي بني‌أمیة، قد أکّد في تعالیمه قبل کل شيء علی قلقه من شیوع الفساد و الضیاع في المجتمع و ضرورة الحیلولة دون ذلک، و کذلک القضاء علی جور الحاکمین و ضرورة تطبیق العدالة الاجتماعیة. و کان ینبري لمعارضة الجور و الطغیان علی عهد معاویة أیضاً (للاطلاع علی الرسالة المنسوبة للإمام الحسین (ع) الموجة إلی معاویة، مثلاً ظ: الکشي، 49–51؛ الطبرسي، 2/ 296–298)، و یهدد الولید بن عتبة والي المدینة بإحیاء حلف الفضول (ظ: ابن هشام، 1/ 124). و قد بلغت معارضة الإمام الحسین (ع) الاجتماعیة ذروتها علی عهد یزید بن معاویة و اعتبرت ثورة الإمام (ع) في 61هـ التي انتهت بواقعة الطف و استشهاده، أکبر ملحمة مناوئة للفساد و مطالبة بالعدالة في تاریخ الإسلام (ظ: الطبري، 5/ 402–403؛ الشیخ المفید، الإرشاد، 204 و ما بعدها؛ الحلواني، 80- 88: نماذج من تعالیمه و مواعظه). و قد تمت متابعة سنّة القیام بالسیف لمقارعة جور النظام الحاکم في الفترات التالیة أیضاً بواسطة بعض رجال أهل‌البیت (ع) و علی رأسهم زیدبن علي نجل الإمام زین‌العابدین (ع) (للاطلاع علی تفاصیل الوقائع التاریخیة، ظ: أبوالفرج، مقاتل...، مخـ)، و عُرفت في الفرع الزیدي من المذهب الشیعي بوصفها تعلیماً أساسیاً (ظ: سعد بن عبدالله، 18؛ الشهرستاني، 1/ 137 و ما بعدها).

و في الثلث الأخیر من القرن الأول الهجري ترک الإمام زین‌العابدین (ع) بوصفه معلماً للأخلاق تأثیراً خاصاً لیس علی شیعة أهل‌البیت (ع) فحسب، بل علی التعالیم الأخلاقیة غیر الشیعیة في الحجاز و العراق. و یلاحظ بوضوح في أفعال و أقوال هذا الإمام تأکید خاص علی التعبد و الزهد في الدنیا إلی جانب تعالیم مثل المداومة علی ذکر الموت و القیامة و الخوف من العقوبة علی الذنوب، و الاستمرار علی مراقبة النفس. لکن في نفس الوقت طُرح عنصر الرجاء في تعالیم الإمام (ع) أیضاًف و اعتُبر القنوط من رحمة‌الله من أکبر الذنوب (فضلاً عن المواعظ الکثیرة الواردة في المصادر، ظ: «موعظته» بروایة سعید بن المسیب، الکلیني، 8/ 74–86؛ ابن‌بابویه، الأمالي، 407–409؛ «صحیفة» بروایة أبي حمزة الثمالي، الکلیني، 8/ 14–17؛ الشیخ المفید، الأمالي، 199–204؛ أیضاً أثر تحت عنوان الموعظة، مخطوطة مکتبة الفاتح، ظ: GAS,I/ 527). و إن المعرفة الوافیة لحقوق الله و حقوق الناس و بقیة الحقوق هي من تعالیم الإمام زین‌العابدین (ع) التي تجلت بشکل خاص في رسالة الحقوق بروایة أبي حمزة الثمالي (للاطلاع علی نص الرسالة، ظ: ابن‌بابویه، من لا یحضره...، 2/ 376–381؛ أیضاً ظ: أبونعیم، 3/ 138؛ کذلک للاطلاع علی رسالة في حقوق الله لزید بن علي، مخطوطات في الفاتیکان و غیرها، ظ: GAS,I/ 559). و من السمات البارزة الأخری في التعالیم الأخلاقیة لهذا الإمام، التأکید علی الصبر و الرضا بقضاء الله و مواصلة الذکر و الحزن و الإنفاق سراً و تجنب الریاء و المنة (مثلاً ظ: الکلیني، 2.62، 89، 91، 99؛ أبونعیم، 3/ 134، 136، 138–139؛ أیضاً ظ: الصحیفة السجادیة، الدعاء 20، الشهیر بدعاء «مکارم الأخلاق»).

الصفحة 1 من11

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: