الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الأخلاق /

فهرس الموضوعات

الأخلاق

الأخلاق

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/22 ۲۳:۵۴:۳۱ تاریخ تألیف المقالة

و من بین حکماء العرب في عهد لیس بعیداً عن البعثة النبویة، اشتهر أکثم بن صیفي (ظ: ابن حبیب، 134)، الذي کانت حکمه متداولة بین العرب لقرون بعد ظهور الإسلام. و قد اعتبر الکثیر من الأمثال العربیة الشهیرة من حکم أکثم (ظ: الزمخشري، 1/ 298، 303، 333، مخـ؛ أیضاً ابن عبد ربه، 3/ 76–80). و جمعت أقواله الطویلة و القصیرة في شتی مصادر الأدب (مثلاً ظ: الجاحظ، ن.م، 2/ 54، 3/ 160؛ أبو حاتم، 14–25؛ السیوطي، المزهر، 1/ 501–502، نقلاً عن أمالي ابن درید؛ أیضاً للاطلاع علی مؤلف تحت عنوان أخبار أکثم لعبد العزیز الجلودي، ظ: النجاشي، 243).

و أخیراً، ینبغي أن نذکر قُسّ بن ساعدة الإیادي الذي کانت أواخر سني حیاته متزامنة مع طفولة النبي (ص)، و بحسب روایاتٍ فإن النبي (ص) کان یثمن حکمه (ظ: أبو حاتم، 89؛ ابن بابویه، کمال‌الدین، 1/ 167). و إلی القرن 4هـ/ 10م کانت حکم کثیرة منثورة و منظومة ما تزال متداولة عن فس بن ساعدة (ظ: المسعودي، 1/ 83–84)، و یمکن أن نجد نماذج من حکمه في الآثار الإسلامیة القدیمة (مثلاً ظ: ن.ص؛ أبوحاتم، 88- 89؛ ابن بابویه، ن.م، 1/ 166–169؛ أبوعلي مسکویه، 155–156؛ الشیخ المفید، الأمالي، 342؛ أیضاً للاطلاع علی حکم لبقیة الحکماء العرب القدماء، ظ: أبوحاتم، 28، 59–64؛ ابن بابویه، ن.م، 2/ 551، 568–569، 573–575).

 

الأخلاق في القرآن

کانت الحکمة لدی العرب في عصر ماقبل الإسلام تعني الحکمة الأخلاقیة، و قد حافظت علی هذا المعنی في القرآن الکریم أیضاً، و أشیر إلیها برؤیة مادحة و ورد أن الله آتی لقمان الحکمة (لقمان/ 231/ 12؛ أیضاً النحل / 16/ 125: عطف الموعظة الحسنة علی الحکمة). و في القرآن الکریم وفي معرض الحدیث عما آتی الله أنبیاءه، وردت الحکمة مراراً مقرونة بالکتاب (مثلاً ظ: البقرة/ 2/ 231). و في تبیان أهداف الرسالة أیضاً، احتل تعلیم الحکمة مکانة إلی جانب تعلم الکتاب (البقرة / 2/ 129، 151،...).

کما أن کلمة التزکیة التي وردت بمعنی تطهیر النفس من الرذائل و تزیینها بالفضائل الأخلاقیة، اعتبرت في عدة آیات من القرآن الکریم، من أهداف رسالة النبي (ص) إلی جانب تعلیم الکتاب و الحکمة. و فیما عدا آیة واحدة (البقرة/ 2/ 129)، قدمت التزکیة علی التعلیم دوماً (البقرة / 2/ 151؛ آل عمران / 3/ 164؛ الجمعة/ 62/ 2). کما ورد الحدیث في آیاتٍ أن التزکیة هي مدعاة لفوز الإنسان في الحیاة الأخرویة (ظ: الأعلی / 87/ 14؛ الشمس/ 91/ 9). و علی هذا الأساس و قبل کل حدیث ینبغي الالتفات إلی حقیقة أن تحلی الناس بالأخلاق الفاضلة کان من بین الأهداف الرئیسة للتعالیم القرآنیة و رسالة النبي (ص).

 

الإنسان المخاطب بالتعالیم الأخلاقیة في القرآن

توجد في القرآن الکریم آیات تقدم الإنسان بوصفه المخلوق الأفضل (المؤمنون / 23/ 14؛ التیین/ 95/ 4). وفي قصة خلق آدم أیضاً صُور الإنسان للملائکة علی أنه خلیفة الله في الأرض (البقرة/ 2/ 30). و مع کل هذا، فقد ذُم الإنسان مراراً في القرآن بسبب الأخلاق غیر الحمیدة و نسبت إلی الإنسان بشکل عام صفات مثل الظلم و الجحود و العجلة و الجهل (مثلاً ظ: إبراهیم/ 14/ 34؛ الإسراء/ 17/ 11؛ الأحزاب / 33/ 72). وفي تحلیلنا لهذه الآیات یمکن القول: إن الإنسان في رأي القرآن هو مخلوق ذو استعداد للانحراف عن جادة الصواب و الاتجاه إلی الأعمال غیر المقبولة، و هو بحاجة إلی قوة مقتدرة لتحول بینه و بین هذا الانحراف (أیضاً ظ: یوسف / 12/ 53). و في الثقافة القرآنیة توجد قوتان: النفس و الشیطان، تدعوان الإنسان لارتکاب القبائح، إحداهما من الباطن و الأخری من الخارج، و الإنسان مکلف بالامتناع عن اتباع الاثنتین:

 

النفس

النفس الإنسانیة في الثقافة القرآنیة هي طبیعة ذات نزعات متقابلة، تقف أحیاناً موقف الواعظ و تلوم الإنسان بسبب ارتکابه المعاصي (النفس اللوامة) (ظ: القیامة/ 75/ 2)، لکن تم التأکید في أغلب الآیات القرآنیة علی دور النفس باعتبارها تبعد الإنسان عن العمل الصالح و تأمره بعمل السیئات (النفس الأمارة) (ظ: یوسف / 12/ 53،...). و للنفس أهواء تجر الإنسان إلی شتی الاتجاهات، و إن اتباع هوی النفس لایؤدي إلا إلی الضلال و ارتکاب القبائح (ظ: النجم/ 53/ 23،...). و لذا فإن الإنسان الذي یخشی الله مکلف بأن ینهی النفس عن الهوی (النازعات/ 79/ 40). و أشمل الأقوال بشأن النفس یشاهد في سورة الشمس (91/ 7–10) التي ألهم الله – استناداً إلیها – الإنسان الفجور و التقوی، و أن الإنسان هو الذي یصل إلی الفلاح بتزکیة نفسه و یسیر علی خط الخسران باتباعه هوی النفس.

 

الشیطان

عُرّف الشیطان في القرآن بوصفه عدو الإنسان الخفي (یوسف/ 12/ 5؛ الإسراء / 17/ 53) الذي یسعی دائماً إلی خذلان الإنسان (الفرقان/ 25/ 29)، وفي بدایة الخلقة أیضاً کان هو من أخرج آدم و حواء من الجنة بوساوسه و خدعه (البقرة/ 2/ 36). وفي القرآن عُرّف الشیطان بوصفه رمز الرذائل الأخلاقیة الذي یدعو الإنسان إلی ارتکاب الفحشاء (مثلاً ظ: البقرة/ 2/ 268؛ المائدة/ 5/ 90–91). و في آیات کثیرة نهي الإنسان بشدة عن اتّباعه (البقرة/ 2/ 168...،).

و الشیطان في الثقافة القرآنیة – شأنه شأن أي مخلوق آخر – هو تحت سیطرة الله و لیس سوی عامل لابتلاء الإنسان؛ و لیس له في تضلیل الناس قدرة واسعة، بل کیده ضعیف کما عبّر عنه القرآن (النساء / 4/ 76). و اعتُبر ظهور کید الشیطان في تزیین الرذائل في أعین مرتکبیها (الأنعام/ 6/ 43،...). و الأهم من کل ذلک إنساؤه الإنسانَ ذکرَ الله (الأنعام/ 6/ 68،....). وفي آیة من سورة المائدة (5/ 91)، اعتبر – بشکل صریح – المنع من ذکر الله و التحریض علی الفحشاء، من خصائص الشیطان.

و لدی المقارنة بین الآیات المتعلقة بالنفس و الشیطان، تلاحظ أحیاناً خصائص مشترکة؛ فمنقذ الناس من وساوس النفس و الشیطان هو رحمة الله (یوسف / 12/ 53: عن النفس؛ النساء/ 4/ 83: عن الشیطان). و اتباع الإنسان وساوسَ النفس و الشیطان، مدعاة للخسران (الشمس/ 91/ 10: عن النفس؛ النساء/ 4/ 119: عن الشیطان؛ أیضاً ظ: العصر/ 103/ 2).

 

الخُلق و العمل

الإنسان – في الثقافة القرآنیة – یحمل بشکل عام بعض الصفات الذمیمة بوصفها طبیعة و خُلقاً. فإلی جانب الآیات التي تصف الإنسان بصفات مثل الجحود و الظلم، تقترن بالإنسان أحیاناً خلال الخلق بعض الصفات الذمیمة. فقد ورد في آیة من سورة المعارج (70/ 19) أن الإنسان خلق هلوعاً، بل و ورد في آیة أخری (الأنبیاء / 21/ 37) أن الإنسان خلق من عجل. و إن وضع هذه الآیات إلی جانب الآیات التي تضع أمام الإنسان بعد الخلق طریقین: مستقیم و معوج (مثلاً الإنسان / 76/ 2–3؛ الشمس / 91/ 7–10)، یوضح أن هذه الآیات لایمکن أن تکون بمعنی کون بعض الصفات الذمیمة، أصیلة في جبلّة الإنسان و فطرته. و الآیة الوحیدة في القرآن الکریم (الروم / 30/ 30) التي تتحدث عن کیفیة خلق الإنسان و فطرته، عُدت الصفة الکامنة في وجوده هي البحث عن الله و الاتجاه نحو الصراط المستقیم (أیضاً ظ: الآیات الخاصة بالقلب السلیم، الشعراء/ 26/ 89).

ولم یشر القرآن الکریم إطلاقاً إلی وجود اختلاف بین الناس من حیث الخلقة و الفطرة، ولا تلاحظ في القرآن مبدئیاً فکرة الجبلّة الحسنة و السیئة. و من وجهة نظر القرآن فإن النفس البشریة خلقت بشکل یکثر فیها استعدادها لارتکاب المعاصي، و لهذا تم التأکید مراراً علی وجود صفات ذمیمة في الإنسان، و في جمیع أرجاء القرآن و بالإشارة إلی مدنِّسات النفس، اعتبرت التزکیة و تطهیر النفس من القبائح، من أهم أهداف إرسال الأنبیاء.

إن وجود السجایا و الطبائع بوصفها ملکات تهیمن علی النفس البشریة أمر مسلّم به في القرآن، کما حدث في مدح النبي الأکرم (ص) حین وصف بأنه علی خلق عظیم (القلم / 68/ 4). و علی الطرف الآخر عُرضت صفات مثل الشح بشکل یمکن معه اعتبارها سجیة للنفس (ظ: النساء/ 4/ 128). و الأمر الجدیر بالاهتمام هو أنه لم تمنح أصالة للسجایا في القرآن، و أن الخُلق النفسي کالشح یمکن السیطرة علیه (ظ: الحشر/ 59/ 9؛ التغابن/ 64/ 16). و الثقافة الأخلاقیة في القرآن منحت الأصالة للعمل أکثر من أي شيء آخر، و إن الصفات الإنسانیة القیمة مثل التقوی أیضاً لا یمکن نیلها إلا بالقب. و قد استخدمت في القرآن الکریم تعابیر شتی لتقییم أعمال الإنسان: و صفت الأعمال الحمیدة بتعابیر مثل «صالحاً/ الصالحات»، «الحسنة/ الحسنات»، «خیر/ الخیرات»، و «المعروف»؛ بینما دعیت الأعمال الذمیمة بتعابیر مثل «السیئة/ السیئات»، «الفحشاء/ الفواحش» و «المنکر».

 

الخطوط العامة للنظام الأخلاقي في القرآن

إن النظام الأخلاقي المطروح في القرآن الکریم، نظام دیني، و أس مبادثه علاقة الإنسان بالله، فقد تلقی الإنسان الهدایة الأولی من الله، و له القدرة بشکره الهدایة الإلهیة، علی سلوک الصراط المستقیم، أو الطریق المعوج (ظ: الإنسان / 76/ 2–3؛ الشمس/ 91/ 8–10). و قد وضع القرآن الکریم مراراً، إطاعة الرسول إلی جانب إطاعة الله (مثلاً: آل عمران / 3/ 32)، و ورد في آیة بشکل واضع الأمر بقوله تعالي: «ما آتاکم الرسول فخدوه و ما نهاکم عنه فانتهوا» (الحشر / 59/ 7). و قد وصف القرآن الکریم، الرسولَ بأنه أسوة حسنة للمؤمنین (الأحزاب / 33/ 21). و علی هذا لم تطرح أوامر الرسول (ص) الکلامیة فحسب، بل أفعاله أیضاً بوصفها نموذجاً أخلاقیاً للمسلمین.

إن طرح حب‌الله و بغضه تجاه شتی الأفعال في نظام القیم في القرآن، أخرج التعالیم الأخلاقیة عن شکل الأمر المولوي المحض، و منح حالة خاصة؛ فاستناداً إلی آیات عدیدة في القرآن، فإن الله یکره الأعمال الذمیمة مثل الفساد (البقرة / 2/ 205،...). و إن حب‌الله و بغضه الذي وُجِّه في بعض الآیات إلی الأفعال، یعود في أغلب الحالات علی فاعلها. و یتجلی في قالب حب‌الله لفاعلي الأعمال الحسنة و عدم حبه لمرتکبي المعاصي (ظ: الآیات المذکورة). و علی هذا، فإن عمل الإنسان یمکن أن یؤدي إلی جلب محبة الله، أو سلبها. لذا طلب القرآن، إلی أولئک الذین یحبون الله أن یهیئوا الأرضیة اللازمة لیحبهم الله أیضاً و ذلک باتباعهم أوامر النبي (ص) (آل عمران/ 3/ 31؛ أیضاً للاطلاع علی الحب المتبادل بین الإنسان و الله، ظ: المائدة / 5/ 54).

ولدی دراسة النظام الأخلاقي في القرآن، نجد أن مفهومي البر و التقوی یحظیان بأکبر قدر من الأهمیة، کما تربطهما ببعضهما علاقة وثیقة:

 

البِر

البر في اللغة و التفاسیر بمعنی الإحسان، لکن یستشف من بعض استخداماته القرآنیة (مثلاً الطور / 52/ 28؛ عبس/ 80/ 16) أن البر في کلمات القرآن لا یعني محض العمل بالأحکام الشرعیة، بل یشمل مبدئیاً الإحسان بالمعنی العام (أیضاً ظ: أبو هلال: الفروق...، 162).

و اعتبر القرآن الکریم في إحدی الآیات البر متضمناً لبعض العناصر الدینیة من العقائد و الفرائض و کذلک التحلي بصفات حمیدة مثل إکرام الفقراء و الوفاء بالعهد و الصبر عند الشدائد (البقرة/ 2/ 177). و البر في القرآن تعبیر واضح و شامل لجمیع الفضائل الدینیة الأخلاقیة. و علی هذا الأساس عُرّف الأبرار في آیات عدیدة بأنهم الفائزون السالکون طریق الجنة (ظ: المطففین / 83/ 18، 22،...).

و قد وضع القرآن الکریم في أحد المواضع (المائدة / 5/ 2) البر في مقابل الإثم و أورده في موضعین آخرین (الانفطار / 82/ 13، 14؛ المطففین / 83/ 7، 18) في مقابل الفجور. و إن اعتبار البر و التقوی متعادلین في آیة من سورة البقرة (2/ 189)، و جعل البر و التقوی قرینین في مواضع أخر (المائدة/ 5/ 2؛ المجادلة/ 58/ 9)، و وضع التقوی مقابل الفجور في آیات أخر (ص / 38/ 28؛ الشمس / 91/ 8)، دلیل علی العلاقة الوثیقة بین مفهومي البر و التقوی.

 

التقوي

ینبغي القول من خلال دراسة المفاهیم القرآنیة للتقوی أنه لیس لها مفهوماً سلبیاً واحداً بشکل مطلق، بمعنی تجنب الأعمال الذمیمة، بل هي ملکة في باطن الإنسان تدعوه فضلاً عن إبعاده عن القبائح (الفجور)، إلی الإحسان (البر) بحیث اقترنت صفة التقوی في آیات کثیرة بأعمال حسنة متنوعة، و لیست مقترنة بشکل مطلق بترک الأعمال الذمیمة فحسب. و من ذلک اقتران التقوی بأعمال أخلاقیة صالحة مثل الوفاء بالعهد (آل‌عمران/ 3/ 76،...)، العفو (البقرة / 2/ 237) و الصبر (آل عمران / 3/ 120،...). و إن الصفتین المتقارنتین البر و التقوی هما نموذجا النظام الأخلاقي الدیني في القرآن. و قد اعتبرت آیات عدیدة بتعبیر «و من یتق‌الله..» و «...لعلکم تتقون / لعلهم یتقون»، تخلق الناس بالبر و التقوی من أهداف الرسالة، کما کانت دعوة الأنبیاء المتقدمین أیضاً إلی التقوی علی الدوام (ظ: الشعراء / 26/ 106، 124، 142، 161، 177؛ الصافات / 37/ 124). و القرآن الکریم نفسه هو هدیَّ للمتقین (البقرة / 2/ 2)، و إن أکرم الناس عندالله أتقاهم (الحجرات / 49/ 13). و لدی النظر إلی عاقبة الإنسان فالتقوی هي خیر زاد للآخرة (البقرة / 2/ 197)، و هي مدعاة للفوز (النبأ / 78/ 31).

 

تأثیر الدافع في قیمة العمل

مما لا شک فیه أن العمل المقبول – من وجهة نظر القرآن الکریم – هو ماتم إنجازه في سبیل نیل رضا الله، و هذا العمل هو الذي یترتب علیه أجر عظیم (البقرة/ 2/ 207، 265؛ النساء / 4/ 114،...). وفي تقییم أعمال مثل الإنفاق الذي یمکن أن تکون فیه شائبة من دافع نفسي مثل الریاء، روعي علی الدوام اتقاء هذه الشائبة، و قُدّم الإنفاق سراً علی العمل العلني (ظ: البقرة / 2/ 274،...). و یعتبر القرآن الکریم الإنفاق المصحوب بالمنّ علی الشخص الفقیر، باطلاً و عدیم القیمة، و یجعله قرین الریاء (البقرة / 2/ 262–264). و في القرآن الکریم جری الاهتمام بالریاء و التظاهر أمام الناس في شتی الأعمال الفردیة و الاجتماعیة مثل إقامة الصلاة و الإنفاق و الجهاد، ولم یُکتف بالحدیث عن بطلان العمل بالریاء، بل اعتبر بذاته عملاً غیر أخلاقي، کما أوعد علیه بالعذاب الإلهي (ظ: الماعون / 107/ 5 -6؛ النساء/ 4/ 38؛ الأنفال، / 8/ 47).

 

إلزامیة التعالیم الأخلاقیة القرآنیة

إن النظام الأخلاقیة المطروح في القرآن الکریم و الذي هو نظام أخلاقي دیني، مصحوب بشکل من الرقابة و المحاسبة الخفیة؛ فهناک رقباء من قبل الله (کراماً کاتبین) یدونون أعمال الإنسان الصالحة و الطالحة في کتاب سیعطی بیده یوم القیامة لتتم بموجبه محاسبته علی أعماله (ظ: الانفطار / 82/ 11،...). و هذه المحاسبة دقیقة بشکل سینال فیها کل من عمل مثقال ذرة خیراً أجره؛ و من عمل مثقال ذرة شراً عقابه (ظ: الزلزلة / 99/ 7–8). و إن وجود الرقابة الإلهیة المتواصلة و جزاء الأعمال الصالحة و السئة اللذین تجلیا في القرآن الکریم بأسره بوصفها الثقافة المهیمنة علی النظام الأخلاقي، هو ضمان وثیق لتطبیق التعالیم الأخلاقیة في حالة الذکر، أي الحالة التي یذکر فیها الإنسان المؤمن الرقابة الإلهیة علی أعماله و کذبک الجزاء الأخروي.

 

الذکر

یحظی الذکر في الیقافة القرآنیة بأهمیة کبیرة، و ورد الحدیث عنه في مواضع شتی من القرآن. و إن الإعراض عن ذکرالله یؤدي من جهة إلی أن یقترب الإنسان من الشیطان ویتجه نحو المعاصي (الزخرف / 43/ 36). و یؤدي إلی ضنک العیش من جهة أخری (طه / 20/ 124).

و الإنسان مکلف بذکرالله حتی حینما لایکون في حالة عبادة (ظ: النساء، / 4/ 103؛ الأحزاب / 33/ 41،...)؛ و إن أهل التقوی متی ما و اجهتهم وسوسة من الشیطان، أبعدوها عنهم بذکر الله (الأعراف/ 7/ 201). و استناداً إلی آیة في سورة الرعد فإن القلوب تطمئن بذکرالله (13/ 28). وفي وصف الحالات القلبیة للإنسان، قرن القرآن قسوة قلوب العاصین بنسیان الله (الأنعام / 6/ 43–44) و خشیة الصالحین و خشوعهم بذکره (طه/ 20/ 3؛ الحدید / 57/ 16؛ الأعلی / 87/ 10). و فضلاً عن الذکر النفسي، فقد کان النبي (ص) مأموراً بأن یحث الناس علی الذکر (الذاریات / 51/ 55؛ الأعلی / 87/ 9،...). و سُمي القرآن الکریم نفسه مراراً وفي آیات مختلفة، الذکر (مثلاً: الحجر / 15/ 9). و في آیات عدیدة من القرآن ورد الحدیث عن التذکیر و نتیجته «التذکر» و أشیر إلی أن المؤمنین (الذاریات / 51/ 55) و أولي الألباب (البقرة/ 2/ 269،...) یستفیدون من هذا التذکیر. و التذکیر. و التذکیر أحیاناً یصدر من جانب المؤمنین (الأعراف / 7/ 165،...)، و الذي یرتبط في الثقافة القرآنیة بالأمر بالمعروف و النهي عن المنکر.

و اعتبر القرآن الکریم أن أول العبادات الواجبة – أي الصلاة – إنما هي لذکر الله (طه / 20/ 14). و لذا ورد الحدیث عن میزة الصلاة في النهي عن الفحشاء و المنکر. ومع الأخذ بنظر الاعتبار آیة من سورة العنکبوت (29/ 45) فإن الصلاة لکونها نوعاً من الذکر، تنهی الإنسان عن الفحشاء و المنکر، لکن أُکد في آخر هذه الآیة علی أصالة الذکر «و لذکر الله أکبر» (أیضاً ظ: البقرة / 2/ 45).

 

الأخلاق القرآنیة و الفقه

علی الرغم من أن الأخلاق اجتازت في عصر تدوین العلوم الإسلامیة مساراً لها مستقلاً نسبیاً عن علم الفقه، إلا أن وضع حد بین التعالیم الأخلاقیة و الأحکام الفقهیة في الثقافة الإسلامیة، أمر غیر ممکن. ففي کل موضع من القرآن وردت التعالیم التي عدّت في المصادر الفقهیة من موضوعات علم الفقه مثل إقامة الصلاة و إیتاء الزکاة إلی جانب تعالیم مثل الأمر بالصبر، مما لم یتخذ لنفسه علی الإطلاق صورة موضوع فقهي. و إن عدم وجود عدد من التعالیم الأخلاقیة القرآنیة في المصادر الفقهیة، لا ینبغي أن یعني أن هذه التعالیم غیر ملزمة من وجهة نظر القرآن و أن ترکها لن یستوجب العقاب، بل إن هذه التعالیم إنما لم تجد طریقها إلی المصادر الفقهیة، فلأن موضوعاتها هي أحیاناً نفسیة مثل الصبر (لیست عملاً)، و أحیاناً تکون أعمالاً هي من العموم و الشمولیة – مثل کنز المال – لایمکن معها وضعها – بشمولیتها هذه – في إطار القوانین الفقهیة.

و بهذه المقدمة ینبغي التذکیر بأن التعالیم الأخلاقیة و غیر الفقهیة للقرآن لاتقل أحیاناً في الوعد و الوعید عن التعالیم الفقهیة. فالقرآن الکریم أوعد بجهنم من ینمّي في نفسه حالة البخل، أو التکبر (آل‌عمران / 3/ 180؛ الزمر/ 39/ 60،...). و کنمذج للأعمال هدد بجهنم من یکنزون الذهب و یمتتعون عن إنفاقه (ظ: التوبة / 9/ 34؛ الهمزة / 104/ 1–2). و قد ورد التعبیر الصارم و المخدِّر «کبر مقتاً عندالله» بشأن من لا یفعلون ما یقولون (الصف / 61/ 3).

الصفحة 1 من11

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: