الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الأخلاق /

فهرس الموضوعات

الأخلاق

الأخلاق

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/22 ۲۳:۵۴:۳۱ تاریخ تألیف المقالة

یقول القاضي عضدالدین الإیجي في الموقف خلال البحث حول: هل أن الحسن و القبح عقلیان، أم شرعیان؟: یستخدم الحسن و القبح في ثلاثة معان: الأول، إن الحسن و القبیح صفتان للکمال و النقص، و بهذا الشأن لانزاع إطلاقاً في أن القوة المدرکة لهما هي العقل. الثاني، إن الحسن و القبیح صفتان لملاءمة الغرض و منافرته مما یعبر عنهما بالمصلحة، أو المفسدة؛ و بهذا المعنی فإن الحسن و القبح لدی کلا الفریقین (المعتزلة و الأشاعرة) عقلیان. الثالث، بمعنی ارتباط المدح و الثواب، أو الذم و العقاب بالفعل، و هذا المعنی هو محل النزاع بیننا و بین المعتزلة، ذلک أنه شرعي عندنا، و عقلي عند المعتزلة (ظ: الجرجاني، 8/ 182–183).

و یستنبط من کلام صاحب المواقف أنه بحسب رأیه فإن الخلاف بین المعتزلة و الأشاعرة لیس في مَن هو الذي یدرک الحسن و القبح (حیث هو العقل في نظر الاثنین)، بل الخلاف في کیفیة ارتباط المدح و الذم بالأفعال الذط هو عقلي في رأي أحدهما و شرعي في رأي الآخر. و الشرع من وجهة نظر المعتزلة تابع للعقل، بمعنی أن الشرع لا یُثبت الحسن و القبح، أو قیمة الأفعال و لا یصوغها، بل إن العقل یکشف عن الحسن و القبح ، أو قیمة الأفعال و ینبئ عنها. کما أن العقل لایحکم لمجرد العلم، علی حسن الأفعال و قبحها، بل إن الإنسان و بعد آن أدرک بإنعام النظر حُسن الحَسَن و قبح القبیح و علم أنه یستحق الذم لارتکبه المعاصي، و المدیح و الثناء لأدائه الطاعات، یختار الطاعة و یتجنب المعاصي.

العدل: یعتبر علماء الکلام المعتزلة أن العدل أهم مبادئ الأحکام الأخلاقیة، و رغم أنهم اشتهروا بالقول بالأصول الخمسة (ظ: الخیاط، 188–189)، لکنهم یرکزون بشکل أکبر علی أصلي التوحید و العدل، لدرجة أنهم اشتهروا بالعدلیة، و قد قدموا أحیاناً العدل علی التوحید و سموا أنفسهم أهل العدل و التوحید (ظ: الشهرستاني، 1/ 43). و هم یسوغون العلاقة بین صفتي العدل و التوحید في الله باشلک التالي: إن التوحید أهم صفات ذات‌الله، و العدل أهم صفات فعله، و لهذا السبب تغدو صفة العدل – باعتبارها أهم صفات الفعل - مصدراً و منطلقاً للأحکام الأخلاقیة (ظ: القاضي عبد الجبار، المجموع...، 11). و من وجهة نظر المعتزلة فإن جمیع أفعال الله قائمة علی العدل ولا یمکن إطلاقاً صدرو الظلم عنه (ظ: الأشعري، مقالات...، 1/ 252–253).

و هنا یتبین واحد من أهم نقاط الخلاف بین المعتزلة و الأشاعرة: فبینما یؤکد المعتزلة علی صفة العدل، یؤکد الأشاعرة علی صفة قدرة‌الله المطلقة. و کما أن المعتزلة هم من أصحاب حجیة العقل، فینبغي اعتبار الأشاعرة من أتباع أصالة الإرادة. و من وجهة نظر المعتزلة فإن العدل هو العمل بمقتضی العلم و الحکمة الذي هو عبارة عن صدور الفعل علی وجه الصواب و بمقتضی المصلحة، و من هذا المنطلق فإن المعتزلة یؤکدون علی العلم (العقل) و الحکمة و العمل بمقتضاهما، سواء في أفعال الله، أوفي الأعمال الأخلاقیة، بینما یؤکد الأشاعرة علی صفتي الإرادة و القدرة؛ و کأن العلم و الحکمة بعدان تابعین لمقتضیات الإرادة و القدرة. و العدل عند الأشاعرة هو التصرف في الملک بمقتضی الإرادة، فالله بحسب رأیهم فعال لما یشاء، و کلما أراد – و إن کات إرادته ممتنعة من وجهة نظر العقل – فهو عین العدل. فهو یتصرف في ملکه ماشاء و کیفما شاء. و علی هذا فإن صفة العدل لدی الأشاعرة – خلافاً للمعتزلة – لیست أهم الصفات الإلهیة، بل تابعة للقدرة و الإرادة، بینما هي لدی المعتزلة أهم أصل، و تصدر الأصول الأخری عنها.

 

الخیر و الشر الأخلاقیان

یعتبر الفلاسفة الشر عدمیاً و هو فقدان الخیر. ولا ینکر المعتزلة وجود الشر. لکنهم لاینسبون لله اشر الأخلاقي، بل یعتبرونه نتیجة لإرادة الإنسان و اختیاره، إلا أنهم لا یعتبرون وجود شرور أخری منافیاً للعدل الإلهي. یقول الخیاط في الانتصار في دحض رأي ابن الراوندي الذي اعتبر وجود الشرفي العالم منافیاً للحکمة الإلهیة: إن المصائب و الشرور التي تصیب الإنسان، إنما هي نتیجة ظلمه وجوره هو، ولا یمکن اعتبار الله فاعلها (ص 92–93، 137–138). و یدعم القاضي عبدالجبار هذا الرأي و یقول: إن الکلام القائل بأن ما ینفر منه الطبع و یکرهه قبیح، هو قول قبیح، ذلک أنه یحدث أحیاناً أن یکون ما ینفر منه الطبع حسناً کما في الحجامة و الفصد. إذن فمن الواجب أن یتقبل الإنسان الألم و المعاناة شریطة أن یکون نفعهما أکثر من ضررهما. و لما لم‌یکن ممکناً نسبة الفعل القبیح إلی الله، فالآلام التي تصیب الإنسان منه لیست ظلماً. و إن الشرور و المصائب و الأمراض لیست بإرادة الله ولا هي عدم محض ولا هي عدم محض ولا هي بجهة کون قدرة الله محدودة، بل بجهة مصلحة المکلفین (ظ: مانکدیم، 132–133؛ أیضاً ظ: الأشعري، مقالات 1/ 287).

 

قاعدة اللطف

إن قول المعتزلة بأصل العدل و اختیار الإنسان و أصل التکلیف، و کذلک القول بالحکمة الإلهیة، یستلزم أن یهدي اللهُ الإنسانَ في اختیار الخیر و الشر (ظ: ن.م، 1/ 287–288). و یروي الشهرستاني في کتاب الملل و النحل عن أبي علي الجبائي قوله: إن الله عادل في قضائه و رحیم بمخلوقاته و بصیر بمصالح عباده. لا یحب الفساد و لا یقبل الکفر لعباده ولا یرضی بظلمهم، و هو لم یخفِ عن عباده ما علم أن أداءه یؤدي إلی إطاعتهم له و صلاحهم. و لما کان قد خلق فیهم الشهوة و المیل للقبیخ و النفور من الأمر الحسن، فإنه یجب علیه عند تکلیفهم بأمرٍ إکمال عقلهم و نصب الأدلة و إیجاد القدرة و الاستطاعة له (1/ 81، 84).

و یفرّق المعتزلة بین اللطف الإلهي و الإلجاء، أي الإلزام و الإرغام و یقولون إن اللطف الإلهي لا یعنی أن یُجبر العبد و یکره و یلزم بفعل، بل یعني الحالة التي یکون بوجودها المکلف أقرب إلی اختیار الطاعة، إلا أنه یجوز أن یعدل عنها المکلف باختیاره (ظ: مانکدیم، 519–524). لکن إذا أدی اللطف الإلهي إلی الطاعة، سمي ذلک توفیقاً، و واضح أن التوفیق في رأیهم یرافق کل طاعة، لکنه لایرافق کل لطف (ظ: الأشعري. ن.م، 1/ 300). و قد اتهم ابن حزم المعتزلة بأنهم اعتبروا بتبیانهم قاعدة اللطف، قدرةَ الله علی إتیان الخیر متناهیة، و قدرته علی فعل الشرور غیر متناهیة (3/ 205–206).

 

إکمال العقل

إن من فروع قاعدة اللطف، إکمال العقل الذي یُعد من مستلزمات التکلیف، ذلک أن من الضروري أن یعرف المکلف وجه وجوب الفعل و یمیز بین ذلک الفعل و غیره و یشخص أوصاف ذلک الفعل، و إلا فإن توقع صدور الفعل المعقول عنه لیس صحیحاً. و لهذا السبب فإن التکلیف ساقط عن الطفل و المجنون اللذین یفتقران إلی العقل، و إن تکلیفهما هو بحکم التکلیف بما لایطلق. کما أن المعتزلة یرون أن الأعتقاد السابق للرأي جهل، و أن الرأي المؤدي إلی المعرفة واجب (ظ: القاضي عبدالجبار، المجموع، 6–8، مخـ).

 

وجوب الشرائع

یبدو للوهلة الأولی أن المعتزلة لما کانوا یقولون بالحسن و القبح الذاتیین و الواجبات، فإن الإحکام الأخلاقیة بحسب رأیهم ینبغي أن تکون منفصلة تماماً عن الدین و الشرائع الإلهیة؛ کما فسر البعض کلام المعتزلة علی هذا النحو، بینما الحقیقة هي أن رأیهم لیس هذا. و قد انبری القاضي عبدالجبار في الجزاین الثاني عشر و الثالث عشر من کتابه المغني للبحث في هذا الموضوع و قال: رغم أن المکلِّف و بمقتضی العقل یمیز بین أعمال الخیر و الشر، لکن إرادة الله لهدایة الإنسان لا تکتمل بالعقل فقط. و علی هذا فإن العقل ملزم بالشرع. و في الأمور العقلیة فإن وجود الشرائع لطف إلهي، ذلک أنه بوجود الشرائع یکون المکلِّف أقرب إلی اختیار الطاعة و أداء الأعمال الصالحة. و قد بین الله عن طریق الشرائع قبحَ الأعمال القبیحة و علمنا أن أعمالاً کهذه قبیحة، لأنها تؤدي إلی الفساد. و إنما فرض علینا الامتناع عن هذه الأعمال لقبحها، و إن هذا الامتناع هو بجهة قبحها و لیس بجهة الثواب، أو العقاب المترتب علی الفعل، ذلک أن فقدان الثواب و العقاب لایلغي وجوب أداء الفعل، أو ترکه، و یجب علی المکلِّف أن یبین في الأحکام التشریعیة جهة وجوبه و حکمته.

 

غایة فعل الله

إن عدل الله یستوجب أن لا تکون أفعاله إلا علی وجه الصواب و المصلحة، و حکمته تقتضي أن یکون کل شيء في العالم لأجل خیر الإنسان و رعایة مصالح العباد. العالم لم یخلق عبثاً و کل ما فیه یدل علی وجود العلم و التدبیر و المشیئة و العنایة. و کل شيء في العالم یرمي إلی غایات مستحسنة و محبذة، إلا أن الأشاعرة أنکروا تعلیل أفعال الله و اعتبروه تقییداً للإرادة الإلهیة. و قد انتقد فخرالدین الرازي في کتاب الأربعین في أصول الدین، نظریة المعتزلة هذه حیث یقول: إن کل شخص أدی عملاً لکسب منفعة، أو دفع مفسدة، إذا کان کسب تلک المنفعة أفضل له من عدم کسبها، استفاد ذلک الفاعل بأدائه ذلک الفعل؛ و کل من یستفید من فعله، ناقص (ص 249). وردّ المعتزلة علی إشکاله هو أن سبب ترجیح الفعل، علی عدمه لایعود علی فاعل الفعل، بل علی نفس الفعل و مقتضی الحکمة.

 

وجوب فعل الأصلح

إن فعل الله لایتم إلا بمقتضی الحکمة ولا یمکن أن یکون أي من أفعاله خالیاً من المصلحة، کما أن الحکمة الإلهیة تقتضي أن تکون الأفعال الصادرة عنه علی الوجه الأصلح. و علی هذا الأساس یجیب المعتزلة علی قضیة الشر و یقولون: إن خلق الوحوش و الأحیاء المؤذیة لا یتنافی و فعل الأصلح، ذلک أن في خلقها منافع، و إن منح الحیاة و إعطاء القدرة و الخلق هو بذاته فضل إلهي، ثم إن هناک منافع دینیة و دنیویة تترتب علی خلقها، فالمنافع الدنیویة مثل التریاق النافع لدفع السموم، یستخرج من ناب الأفعی و ذنب العقرب؛ و المنافع الدینیة هي أن الإنسان برؤیته هذه الحیوانات القبیحة و الکریهة المنظر یتذکر عذاب الآخرة؛ فلو فرضنا أن حیوانات مؤذیة کهذه لم‌تکن موجودة، لما حصل لدینا الخوف من الوعید و العقاب الإلهي في الآخرة.

 

استحقاق الثواب و العقاب

تؤمن بعض الفرق الإسلامیة استناداً إلی أدلة سمعیة، بالثواب و العقاب و الوعد و الوعید، لکن المعتزلة یعتقدون أن الإیمان بذلک واجب عن طریق العقل و عن طریق السمع. فالتکلیف الأخلاقي بحسب رأیهم یستلزم الحساب و الثواب و العقاب و الوعد و الوعید، و إلا فسیکون التکلیف أمراً عبثاً. و یعتبر المعتزلة – شأنهم شأن بعض المدارس الأخلاقیة في الشرق و الغرب – وجوب الآخرة من مقتضیات الأفعال الأخلاقیة في الشرق و الغرب – وجوب الآخرة من مقتضیات الأفعال الأخلاقیة و لذلک یقولون بوجوب الوعد و الوعید. و من جهة أخری فإنهم في التکلیف، یؤکدون علی مسألة الاستحقاق، بمعنی أن الإنسان إنما یستحق الثواب بالطاعة، و العقاب بالمعصیة. و یختلف الأشاعرة مع المعتزلة بشأن الاستحقاق، و یسمون الاستحقاق في حالة الثواب تفضلاً و في حالة العقاب عدلاً.

وفي رأي المعتزلة فإن استحقاق الثواب هو بمعنی السعادة الأبدیة، و استحقاق العذاب بمعنی العذاب السرمدي، و الثواب بحکم المدح، و العقاب بحکم الذم. ولما کان الثواب و العقاب مترتبین علی الحسن و القبح الذاتیین للأفعال، و کان حسن الأفعال و قبحها دائمیاً، إذن وجب أن یکون الثواب و العقاب أیضاً أبدیین (ما نکدیم، 667–669). کما أن المعتزلة لا یعتبرون غفران الذنوب جائزاً ما لم‌یکن مصحوباً بالتوبة (م. ن، 678)، ذلک أن أمراً کهذا هو إغراء للمکلف بفعل القبیح. و لهذا السبب، فإنهم لا یقولون بالشفاعة و الغفران لأهل الکبائر، کما لا یعدون التوبة جائزة مع الإصرار علی فعل القبیح (م.ن، 688–689).

 

مقارنة الإیمان بالتکلیف

کانت ضرورة مقارنة الإیمان بالعمل الصالح أحد مواضع الخلاف بین الفرق الکلامیة، و یجدر الانتباه إلی أن هذه المسألة هي التي أدت إلی انفصال المعتزلة عن جمهور أهل السنة، کما أن السبب في ظهور فرقة المعتزلة کان باعتزال واصل بن عطاء من حلقة درس الحسن البصري في موضوع منزلة الفاسق من حیث الکفر و الإیمان (ظ: م.ن، 138). کان واصل بن عطاء یعتقد أن الإیمان عبارة عن مجموعة الخصال الخیرة التي إذا اجتمعت في شخص، سمي مؤمناً. و علی هذا، فإن من یفتقر إلی هذه الخصال الخیرة، یفتقر إلی الإیمان. ولذا فقد کان یقول بشأن الفاسق (مرتکب الکبیرة) إنه یشبه المؤمن في العقیدة و لیس في العمل؛ و یشبه الکافر في العمل و لیس في العقیدة؛ إذن فمنزلته بین منزلتي الکفر و الإیمان، و علی هذا فإن المعتزلة یعتبرون الإیمان هو مجموع العقیدة و العمل، و یعدون ترک القبائح و اجتناب الکبائر من ضرورات الإیمان (ظ: الشهرستاني، 1/ 47–48).

وفي مقابل المعتزلة، یعتقد الأشاعرة أن مرتکب الکبیرة مؤمن و موحد بسبب کون اعتقاده صحیحاً، لکنه من حیث العمل فاسق، و عمله فاسد. وفي جمیع الأحوال فإن أفعال أعضائه و جوارحه لا تتنافي و إیمانه القلبي.

 

ضرورة الاختیار في التکالیف الأخلاقیة

إن مسألة الاختیار لدی المعتزلة لاتتعلق فحسب بمسألة القضاء و القدر الإلهیین و الجبر و الاختیار، بل إن أهمیتها تکمن بشکل أکبر في علاقتها بمسألة التکلیف الأخلاقي. و کان المعتزلة من أوائل الفرق الکلامیة في الإسلام التي اعتبرت اختیار الإنسان من ضرورات التکالیف الأخلاقیة، ذلک أنهم کانوا یعتقدون أنه لایترتب ثواب، أو عقاب علی الفعل الإجباري. و من جهة أخری، فإن نقض الاختیار یتنافی و الحکمة و العدل الإلهیین، ذلک أنه یستلزم أن ینسب لله ظلم الظالمین و فساد الفسادین و أن تکون الأفعال القبیحة و المعاصي بإرادة الله، کما یستلزم أن یکون الکافر مطیعاً لأمر الله و ینتج عنه تساوی الکفر و الإیمان، و اتّباع إبلیس و معارضة الأنبیاء للأمر الإلهي.

 

الأشاعرة

یقف الأشاعرة في مسائل فلسفة الأخلاق علی الطرف المناقض للمعتزلة، و موقفهم قائم علی أصالة الإرادة و أصالة الإیمان في مقابل أصالة العقل. و واضح مدی التأثیر المهم الذي ترکه هذا الاختلاف في مسائل ماوراء الطبیعة، و أکثر من ذلک في الحکمة العملیة و البحوث الأخلاقیة. یثبت الأشعري صفة الإرادة لله بقوله إن الله إذا لم‌یکن متصفاً یوصف الإرادة فیجب أن یتصف بضد ذلک، و إذا کان متصفاً بضد الإرادة، ینبغي أن لا یرید شیئاً و یتطلب الأمر أن تکون هذه الصفة قدیمة، إلا أن الشواهد تثبت خلاف هذه الأمر، و هي دالة علی أنه أراد أموراً. إذن فإنکار صفة الإرادة لله باطل، و تثبت إرادته القدیمة. یقول الأشعري إن کل شيء تجوز إرادته، فإن الله أراده. و لایجوز أن یخلق اللهُ شیئاً لم یرده. کما یعتبر الباقلاني صفة الإرادة أعم صفات الله و أشملها.

 

الکسب و الاستطاعة

إن مسألة أفعال الإنسان و کیفیة صدورها هي من المسائل المهمة في کلام الأشعري، فالأشعري أحل نظریة الکسب محل نظریتي الخلق و «التولید» عند المعتزلة، و خلافاً للمعتزلة یقول إن الإنسان لیس خالق أعماله، بل الله یخلقها و الإنسان یکتسبها. و هو في رأیه هذا متأثر دون شک بکثیر من الآیات القرآنیة (مثلاً البقرة / 2/ 286؛ الروم/ 30/ 41) التي نسب فیها کسب الأعمال للإنسان و خلق الأعمال إلی الله (ظ: الأشعري، اللمع، 38–44، 54، 56؛ القاضي عبدالجبار، المجموع، 428–439).

و یقیم الأشاعرة براهین علی نظریتهم فیقولون: نحن نری أن الکافر یحاول جهده لیظهر الکفر حسناً و حقاً، بینما الأمر علی خلاف ماینویه. و کذلک نری أن المؤمن لو أراد أن لایکون الإیمان مؤلماً و مضنیاً، فلایمکن أن یکون کما یرید، ذلک أن الأمر لیس بإرادته. إذن نکتشف أن المؤمن و الکافر لیسا محدثین للکفر و الإیمان، و أن کل فعل بحاجة إلی محدِث، و محدثهما هو الله. و علی هذا، اختار الأشاعرة قولاً هو حد وسط بین قولي المجبرة و المعتزلة. و بحسب رأیهم فإن الفعل الصادر عن الإنسان له 3 أوجه: 1. إتقان الفعل؛ 2. الاستطاعة علی الفعل؛ 3. الإرادة الخاصة بأحد الأمور الممکنة. و إن إتقان الفعل و الاستطاعة خارجان عن ذات الإنسان، ذلک أن الإنسان یفتقر إلیهما أحیاناً و یعجز عن إتیان الفعل. و من ناحیة فإن الاستطاعة علی الفعل إذا کانت من خلق الله و الإنسان معاً، استلزم ذلک اجتماع مؤثرین في الوجود، و هو أمر محال، لکن الإرادة التي تتعلق بأحد الأمور الممکنة و تختار واحداً منها، فهي خاصة بالعبد، و قد دعا الأشاعرة نصیب الله في فعل الإنسان، أي إتقان الفعل و الاستاعة خلقاً و إیجاداً و اختراعاً. و عبروا عن إرادة العبد بالکسب. فالله یخلق في العبد الفعل و الاستطاعة، و العبد یتصرف في هذا الفعل و الاستطاعة کیفما شاء و یوجههما نحو فعل الخیر، أو الشر و یکتسب الثواب، أو العقاب (ظ: الباقلاني، 70–71).

کما یعتقد الأشعري أن الإنسان یستطیع باستطاعةٍ هي غیره، لأنه یکون تارة مستطیعاً و تارة عاجزاً، فوجب أن تکون استطاعته معنیً غیره. فلو کان الانسان مستطیعاً بنفسه، یستحیل انفصال و مفارقة الاستطاعة منه و لایجوز أن یکون مرة مستطیعاً و مرة غیر مستطیع (الأشعري، ن.م، 54).

و من جهة أخری، فإن حدوث الاستطاعة مقترن بالفعل، فلا یتقدم علیه، أو یتأخر عنه، ذلک أن الاستطاعة إذا حدثت بعد الفعل، أو قبله، وجب أن یکون حدوث الفعل و وقوعه بقدرة معدومٍ، فمثلاً یجوز وقوع الأحراق بحرارة نارٍ معدومة، أو القطع بسیفٍ لیس موجوداً، و هذا أمر محال؛ إذن حدوث الاستطاعة مقترن بحدوث الفعل (ن.م، 54–55).

 

العدل

إن إحدی نتائج الخلاف بین المعتزلة و الأشاعرة في مسألة أصالة العلم و الإرادة في المسائل الأخلاقیة، هي تجویز، أو عدم تجویز وجوب الأصلح بالنسبة لله. فالأشاعرة لایجیزون لله وجوبَ فعل الأصلح و یعتبرون ذلک مانعاً للمشئیة و الإرادة الإلهیة المطلقة، و علی هذا یقولون بجواز أن یعذب الله في الآخرة الأطفال الأبریاء، و هذا هو عین العدل. کما أن الله یستطیع أن یبتلي مرتکبي الذنوب الصغیرة بالعذاب الأبدي، کما یستطیع أن یخلق من یعلم بکفرهم، و یستطیع أن یخلد المؤمنین في العذاب و یثیب الکافرین بنعیم الجنة. و إن کل ذلک هو عین العدل منه، و لیس لأحد أن یسأله عن ذلک. لکن الله لا یفعل مثل هذه الأفعال، ذلک أنه أخبرنا أنه یعاقب الکافرین، و استناداً إلی إخباره لایجوز صدور الکذب عنه. ولو أن الله لم‌یکن قد أخبر بخبر کهذا، لجاز أن یفعل خلاف ذلک، ذلک أن لیس خارجاً عن قدرته و إرادته (ظ: ابن حزم، 3/ 137 و ما بعدها).

 

الحسن و القبح

خلافاً للمعتزلة، فإن الأشاعرة لا یعتبرون حسن الأفعال و قبحها ذاتیاً و عقلیاً، بل یرون الحسن و القبح شرعیین و سمعیین. والله هو الذي یحدد القیم الأخلاقیة، فإن أراد أحل الحرام و حرم الحلال. و إن العقل لوحده لا یستطیع أن یوجب شیئاً و یکون بذاته علة للتحسین و التقبیح. فالله نفسه قال «و ما کنّا معذِّبین حتی نبعث رسولاً» (الإسراء/ 17/ 15). کما أن شکر المنعم و إثابة المؤمن المطیع و معاقبة المذنب، جمیعها تصبح واجبة بالسمع و لیس بالعقل. و إن عقل المخلوق لایمکنه إطلاقاً أن یفرض شیئاً علی الله الخالق، فلا الصلاح ولا الأصلح و لا اللطف واجباً علی الله. و إن ما یقتضیه العقل بسبب الحکمة، یقتضي نقیضه أیضاً بوجه آخر. کما أن أصل التکلیف لیس واجباً علی الله، فهو یستطیع أن یتفضل علی عبد و یثیبه من غیر عمل، فلطفه کله فضل، و ثوابه و عقابه کله عدل، کما أن إرسال الرسل لیس واجباً علی الله ولا ممتنعاً، بل من الأمور الجائزة، لکن و بعد أن بعث الله رسلاً لأمة، وجب تأیید هم بالمعجزات و بعصمته (ظ: الشهرستاني، 1/ 101، 102).

الصفحة 1 من11

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: