الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الأشعري، ابوالحسن /

فهرس الموضوعات

الأشعري، ابوالحسن


تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/27 ۱۰:۵۷:۲۵ تاریخ تألیف المقالة

و في فصل تحت عنوان «القدر»، تناول الأشعري مبدأ فعل الله و نظرية الكسب. فمن وجهة نظره فالخالق و الفاعل الحقيقي لكل شيء هو الله. و قد رفض رأي بعض المتكلمين الذين فصلوا حكم الفعل عن الخلق و عدّوا الإنسان الفاعل الحقيقي لعمله (ن.م، 37، 39؛ أيضاً ظ: ابن‌ فورك، 28، 91). و استناداً إلى رأيه في الحدوث (ظ: الأشعري، ن.م، 37- 38)، فإن خالق كل شيء و فاعله هو مَن يخلقه بكل خصائصه و وفقاً لإرادته، بينما أفعال الناس لاتتطابق و النية و التصور الذي لديهم عنها، فالكافر مثلاً يظن فعله حسناً، بينما خالق الكفر هو من أراده قبيحاً و باطلاً، كما أن المؤمن ينوي عمله الصالح خلافاً لما يحدث في الغالب، خالياً من مصاعبه العملية (ن.م، 38-40). 
و من هنا يقدم الأشعري للفعل الإنساني مفهوماً يكون على أساسـه فعـل الإنسان و في نفس الوقـت الـذي ينسب فيـه إليـه و يقوده إليه الاختيار و التكليف، من صنع الله. و قد عبّر الأشعري عن هذا المفهوم بالكسب و عدّ الإنسان مكتسباً لعمله، أي الذي يجعل العمل من صنعه. و بحسب تعريف الأشعري، فإن الكسب هو «وقوع الشيء من المكتسب له بقوة محدثة» (ن.م، 42؛ ابن ‌فورك، 92). و بهذا فإن ملاك نسبة الفعل إلى الإنسان لاتتعدى وجود حالة الإرادة و القدرة على أداء ذلك الفعل أيضاً، فضلاً عن الفعل نفسه. و على هذا الأساس، فإن العمل الذي يؤديه الإنسان مختاراً يتمتع بجانبين: الأول إن إرادة الإنسان تتعلق به، و كذلك تظهر فيه القـدرة عليه؛ الثاني إن الله يُحدِث ذلك الفعل بإرادتـه و قدرته. و يشبه الأشعري هذه الحالة الثنائية بالحركة التي يخلقها الله في جسم ما، بينما الجسم هو الذي يوصف بالتحرك، بفارق أن الفعل الاختياري يتحقق وفقاً لرغبة الإنسان (الأشعري، ن.م، 40، 52؛ ابن‌ فورك، 92، 96؛ النسفي، 2 / 652-653). و هو يعتقد أن الكسب هو في نفس‌الوقت فعل الله و خَلْقه، و هذا الوجه الموجود في نسبة الحركات الاضطرارية (اللاإرادية) للإنسان إلى خلـق الله يصدق أيضاً على الكسب الـذي هو من حيث الصـورة و شروط كالزمـان و المكان مثلُ بقيـة الحركات (ن.م، 41-44). و برغم كل ذلك، إن ما يميز الكسب عن الفعل اللاإرادي هو أن الإنسان يدرك الاختلاف بين هذين النوعين من الحركة في نفسه بشكل مشهود. فبحسب هذا المفهوم، فإن أساس اختيار الإنسان هو إدراكه لاختياره (ن.م، 41؛ ابن ‌فورك، 100). و كان الأشعري يؤمن بمبدأ الاختيار و يرى أنه بمعنى الإرادة، لكن مبدأ شمولية الإرادة الإلٰهية عنده كان يحتّم أن تكون إرادة الإنسان و قدرته أيضاً مرتبطة بإرادة الله و خلقه. يقول ابن ‌فورك إنه كان يعتقد أن الله يمنح الإنسان من اختياره و قدرته. و هذه المعاني تحدث له تزامناً مع خَلْق الفعل فيه (ص 76). 
وفـي علـم الكلام الأشعري، فإن البحث في الاستطاعـة ــ أي الحالـة التي تجعل الإنسان قـادراً علـى أداء فعـلٍ مـا ــ و كيفية علاقتها بالفعل، هو في الحقيقة مكمل لنظرية الكسب. ومن وجهة نظره فإن مفهوم الاستطاعة لايختلف عن مفهوم القدرة و ينبغي أن يُعَدّ معنىً حادثاً، أو عرضاً قائماً بالجوهر الحيّ (ظ: اللمع، 54؛ ابن‌ فورك، 107). و تعريف الأشعري مستند إلى الخصيصتين اللتين كان يراهما للاستطاعة: الأولى أن الاستطاعة شيء غير الذات الفاعلة، بسبب أن الإنسان لايتمتع بالاستطاعة في جميع الأحـوال، و إن هذا يستلـزم أن تكون الاستطاعـة ــ شأنها شأن الحركة، أو العلم ــ صفة منفصلة عن الذات الإنسانية (ن.صص). و الخصيصة الثانية للاستطاعة هو اقترانها بالفعل. و في استدلاله على هذا الموضوع يعتمد الأشعري على رأيه حول عدم ثبات الأعراض (ابن‌ فورك، 108- 109) و على هذا الأساس، يعلن أن‌ تقدم الاستطاعة على الفعل أمر غير ممكن، و ذلك لأن «الفعل لايخلو من أن يكون حادثاً مع الاستطاعة في حال حدوثها، أو بعدها؛ فإن كان حادثاً معها في حال حدوثها فقد صحّ أنها مع الفعل للفعل، وإن كان حادثاً بعدها ــ و قـد دلّت الدلالـةُ علـى أنهـا لاتبـقى ــ وجب حدوث الفعل بقدرة معدومة» (الأشعري، ن.م، 54). واستناداً إلى ذلك، فإن الاستطاعة هي استطاعة بالمعنى الحقيقي عندما تتعلق بالفعل الذي يحدث معها و بعبارة أخرى، أن يتطابق زمان ومكان وجودها مع زمان و مكان صدور الفعل. ولذا فإنه من غير الممكن لقدرة واحدة أن تتعلق بإرادتين، أو عملين. ومن هنا يستنتج الأشعري أنه لايمكن القول إن فاعلاً يقدر في وقت واحد على الفعل و ضده. ذلك أن شرط القدرة الحادثة هو أن يكون وجودها مصحوباً بوجود المقدور (ن.م، 55-56؛ أيضاً ظ: ابن‌ فورك، 101، 109، 118- 119، 223). أما الحالات الأخرى التي أوردها المتكلمون فـي معنى الاستطاعـة كالسلامة و قـوة الأبدان، فلا تربطهـا ــ من وجهة نظر الأشعري ــ علاقة ضرورية بمفهوم الاستطاعة (ن.م، 57- 58؛ النسفي، 2 / 567).
و على هذا، فتشكيل الفعل الاختياري من وجهة نظر الأشعري هو أن الله و إثر إرادة الإنسان للفعل ــ الذي هو حادث بالإرادة الإلٰهية ــ يمنحه القدرة على أدائه، و تزامناً مع ذلك يخلق نفس الفعل في جسده. و استناداً إلى نقل ابن‌فورك من بعض آثار الأشعري المفقودة، فإنه كان يعدّ علاقة الاستطاعة بالفعل هي نوع من علاقة العلة و المعلول. و كان يستعين بهذا التصور لتبيان اقتران الاستطاعة بالفعل و نفي التقدم الزمني للاستطاعة (الأشعري، ن.م، 54-55؛ ابن ‌فورك، 110، 119). و في نفس الوقت، ينبغي معرفة أن هذه العلاقة ــ شأنها شأن أي نموذج آخر من العلاقة العلِّية ــ هي في الفكر الأشعري خالية من الضرورة الذاتية. و على هذا، فإن الله في جميع الأفعال الإنسانية يخلق الإرادة والقدرة والفعل على سبيل الإبداع و الاختراع (م.ن، 76، 91، 94، 109-110؛ الشهرستاني، نهاية، 72، 78؛ أيضاً ظ: قسم الخلق و العالم في هذه المقالة). و النتيجة الأخرى التي يصل إليها الأشعري ــ بحسـب وجهة نظره في الفعـل ــ هي إنكار مفهوم التولّد (ما ينسب إلى الفاعل بوصفه الأثر الخارجي للفعل) الذي له مكان في علم الكلام لدى المعتزلة (ظ: ابن ‌فورك، 131-134، 282؛ أيضاً ن.د، التولّد). 
و نفي مفهوم التولد بمعناه الأوسع يشمل كل أنواع العلّية بين الظواهر (ظ: قسم الخلق و العالم في هذه المقالة). و من النتائج التي يستخلصها الأشعري من نفي العلّية أنه لاتوجد في عملية الاستدلال علاقة علّية ضرورية بين المقدمات و النتائج. و يعبّر الأشعري عن الاستدلال أيضاً بالكسب، بمعنى أن العلوم الاكتسابية هي الأخرى شأنها شأن تحصل بالخلق الإلٰهي والكسب الإنساني. فالله ــ إثر خلقه مقدمات كل رأي و استدلال في ذهن الإنسان ــ يخلق هو نتيجته الخاصة أيضاً، كالعلاقة الموجودة بين القدرة و الفعل الكسبي (ابن ‌فورك، 14، 19، 33، 263). 
و كان لمصطلحي «الكسب» و «الاكتساب» بمعنى الفعل الإرادي للإنسان وجود قبل الأشعري أيضاً (ظ: الأشعري، مقالات، 199، 542، 549؛ البغدادي، الفرق،107؛ الشهرستاني، الملل، 1 / 47؛ أيضاً ظ: ولفسن، 665-666). لكن استخدامهما كان يقصد منه الوضع الثنائي للفعل، بمعنى أن الكسب ــ و مع التأكيد على كون الفعل مخلوقاً من قِبل الله ــ وضع للدلالة على نصيب الإنسان في أفعاله. و إن استخدام الكسب بمعنى مشابه لهذا، نسب أيضاً إلى شخصيتين معتزليتين سبقتا الأشعري و هما ضرار و النجار، إلا أن رأيهما بهذا الشأن كان من مواضع خلافهما مع المعتزلة (ظ: الأشعري، ن.م، 281، 408، 566؛ أيضاً الشهرستاني، ن.م، 1 / 89 ، 91).
و مع كل هذا، فبسبب الدور الكبير الذي كان للأشعري في تبيان و تثبيت هذا المفهوم، يجدر أن نعدّ نظرية الكسب من منجزاته. و قد أضفى اثنان من مشاهير أتباعه و هما القاضي أبوبكر الباقلاني و أبو ‌المعالي الجويني، صوراً أخرى على معنى الكسب (حول اتساع نطاق هذه النظرية، ظ: ن.د، الأشاعرة، أيضاً الكسب؛ بشأن نقود عليها، ظ: القاضي عبد الجبار، 8 / 83-96؛ يحيى بن عدي، 303-313). 
و بحسب رأي الأشعري، فإن القضاء والقدر يشمل كل الأمور، و إن الأفعال الكسبية أيضاً خلقها الله و أخبر عنها ( اللمع، 45). وعلى هذا فإن القضاء الإلٰهي اذا استخدم بمعنى الخلق أيضاً ، شمل طاعات العباد و كذلك معاصيهم. لكن خلق الذنب و الشر ليس نقصـاً لذاته، فكما يقول الأشعري فـإن الله و كما هو فاعل للإرادة‌ و الشهوة و الحركة في المخلوق و لايوصف هو نفسه بتلك‌ الحالات على الإطلاق، فإنه خالق الظلم و فاعله، و بصورة عامة الشر «للمخلوق و ليس لنفسه» (ن.م، 40، 44، 47، 52؛ ابن‌ فورك، 97، 143، 148). و لذا فإن الأشعري لايقبل التفسير القائل إن القضاء و القدر في مسألة الأفعال الاختيارية، كان بمعنى الأمر و التشريع فحسب (ن.م، 45). و على هذا، فإن مسألة وصف الله بالقدرة على الظلم و التي كانت مثار نقاش بين المتكلمين تتخذ لديه شكلاً آخر. فهو يرى أنه إذا كان المقصود بالظلم الفعل الذي يصبح الله ظالماً بمنحه صورة، فإن قدرته على الظلم مستحيلة. لكن يمكن اعتباره قادراً على الظلم، بمعنى أن ظلم العباد يظهر بقدرته. و لأنه يخلق الظلم لغيره فإنه لايوصف به على الإطلاق (ابن‌ فورك، 148- 149؛ النسفي، 1 / 89). 
و بحسب تصور الأشعري للاستطاعة، فإن نسبة «التكليف بما لايُطاق» إلى الله، أمر جائز ذلك أنه كلّف الكفار بالإيمان. لكن لوكانت لهم القدرة على الإيمان لكان الإيمان من مستلزمات استطاعتهم. و برغم كل ذلك، فإن كان المراد من «ما لايطاق» عملاً يعجز الإنسان عن أدائه، فالتكليف به من قِبل الله أمر مستحيل. و يوضح الأشعري أن المفهوم المقابل للاستطاعة ليس العجز. فمن يترك عملاً و ينبري لممارسة ضدِّه، هو من وجهة نظره لايمتلك الاستطاعة لهذا الفعل، و في نفس الوقت لايمكن القول إنه عاجز عنه (الأشعري، ن.م، 58-60؛ الإبانة،55؛ ابن ‌فورك، 111، 125، 230-236؛ النسفي، 2 / 586).

5. العدل الإلٰهي

إن نظرية الأشعري، حول العدل الإلٰهي إحدى أهم جوانب فكره الكلامي، و أنموذج بارز لخلافاته المبدأية مع المعتزلة. و إن فصلاً من اللمع عنوانه «في التعديل و التجوير» مخصص لهذا الموضوع، لكن الأثر العميق لنظرة الأشعري لمسألة العدل تطلّ بين الحين و الآخر في الأبواب الأخرى من علم الكلام لديه. 
فمن وجهة نظر الأشعري، فإن أفعال الله بأسرها عادلة وحكيمة، لكن ملاك عدلها و حكمتها لايعدو كونها صادرة عن الذات الإلٰهية. فإذا عُدَّ فعل الله عدلاً فليس لأن المعايير المعروفة لدى الناس عن العدل تنطبق عليه، بل ينبغي القول إن فعلاً كهذا هو ملاك العدل و عين العدل، ذلك أنه ينبغي اعتبار عمل‌ ما جوراً و خلافاً للعدل إذا عُدّ تجاوزاً للحدود المقررة، بينما لاتوجد حقيقة فوق ذات الله و خارج نطاق ملكه ليمكنها وضع حدّ لفعله. و على هذا فالبحث في أوجه الحكمة في الأفعال الإلٰهية من قبيل إظهار نفع، أو دفع ضرر فيها، هو لغو و باطل. ذلك أن فعله في نفس‌الوقت الذي هو حكيم فيه يمكنه أن لايشتمل على تلك الأوجه ( اللمع، 71؛ ابن ‌فورك، 96، 102-104، 125، 140-141). ويرى الأشعري أن الاعتقاد بكون الفعل الإلٰهي و بسبب النتائج المترتبة عليه، من باب الحكمة، له نفس التتابع الفاسد الذي يُنسب فيه فعل الله إلى أغراض غايات خارجة عن ذاته (ظ: م.ن، 140). و إن واحداً من أدلته بهذا الصدد هو: لو أنّ حكمة الأفعال الإلٰهية تُنسب إلى أمور غير الأفعال نفسها، لاستلزم ذلك القول بقدم العالم، ذلك أن العلل التي تُفترض حكمة الأفعال الإلٰهية قائمة عليها هي إما قديمة، أو حادثة. فإن كانت حادثة فستكون هي محتاجة إلى علل أخرى، و‌هذا يؤدي إلى التسلسل الباطل؛ أما إن كانت قديمة فإن فعل الله، أي خلق العالم ينبغي أن يكون هو الآخر قديماً، و هذا رأي باطل (ظ: م.ن، 141). و إن جميع البحوث التي طرحها الأشعري قائمة على مبدأ أن الأسس المتحكمة بحسن و قبح أعمال الإنسان لاينبغي تطبيقها على الفعل الإلٰهي. و قد عُبِّر عن هذا المبدأ بـ «الحسن و القبح الشرعيين» في مقابل «الحسن والقبح الذاتيين، أو العقليين». و بذلك فإن الحديث عن ماهية الأفعال اللائقة بالذات الإلٰهية لا أساس لها، سوى أنه أَعْلَمَ العبادَ بها (ظ: م.ن، 141-142، 147- 148). 
و في رأي الأشعري، فإن الله يمكن أن يمنّ على الكافرين بلطف كي يؤمنوا، لكنه إن لم‌يفعل ذلك ليس دليلاً على بخله، ذلك أن أي مخلوق ليس له على الله حقّ ( اللمع، 70؛ ابن‌ فورك، 125). و على هذا فإن الله و حتى عقلاً ليس ملزماً بإدخال المؤمنين الجنة و الكافرين النار، إلا لأنه أخبرنا هو بذلك، و لأن الكذب غير جائز في كلامه (الأشعري، ن.م، 71؛ ابن ‌فورك، 99-100). كمـا أن عدم جواز هذا الكـذب ليس بسبب قبحه الذاتـي و إنما لأنه يُعدّ محالاً لذات الله، لكونه يتناقض و صفة الصدق الثابتة، كالذي يمكن قوله بشأن الجهل. و استناداً إلى ذلك فلو أن الله لم‌يكن قد‌ قبّح الكذب لما كان فيه قبح. كما كان بإمكانـه وفي نفس‌الوقت الذي يستحيل فيه لذاته الكذب، أن يأمر العباد بالكذب (الأشعري، ن.م، 71-74؛ ابن ‌فورك، 142-143). 
و ليس هناك في كلام الأشعري مكان لقاعدة «الأصلح» و«اللطف» المعتزلية. فبحسب رأيـه فإن المادة اللغوية لـ «صلاح» و «أصلح» لها علاقة بمعنى النفع و الحظ، و استخدامها إنما يكون مناسباً في الموضع الذي يكون فيه نفعاً. و على هذا فمن غير الجائز الحديث عن هذه المعاني فيما يخص أفعال الله (ظ: م.ن، 126). كما أن الاعتقاد بالأصلح يستدعي كون مقدورات‌ الله متناهية؛ بينما لايوجد أي صلاح، أو نفع في أن لايستطيع الله أن يزيدها إلى ما لانهاية (م.ن، 36، 127- 128). و هو يؤكد أن المصلحة لاتلازم بينها و بين الحكمة والعدل. و أفعال الله بأسرها تنسجم و الحكمة و العدل، لكن بعضها ليس الأصلح على الإطلاق لحال أولئك الذين هم موضوع تلك الأفعال، مثلما هو الأصلح للفرد المكلَّف أن يكون سعيداً و في راحة من عناء العبادات. كما عدّد الأشعري أمثلة أخرى لايمكن تسويغها من وجهة نظره هو مع قاعدة الأصلح (ظ: م.ن، 128-130). و على هذا فإن لطف الله أمر إذا حلَّ بأحد، فلاشك في أن نتيجته ستكون طاعته. ذلك أن اللطف الحقيقي بحسب رأي الأشعري هو الذي يؤدي إلى النتيجة المتوخاة منه. لهذا فإن اللطف لاينطبق على معنى سوى القدرة، حيث القدرة يتبعها مقدورها دائماً (م.ن، 124-125). إذن فإن لم‌يكن للكفـار ــ بحسب رأي الأشعـري فـي الاستطاعـة ــ قدرة على الطاعة وجب القول إنهم محرومون من لطف الحق في أمر الدين. ذلك أن لطف‌‌الله غير متناه وخلافاً لما يراه المعتزلة، كـان باستطاعته أن يمنح الكافر أيضاً اختياراً و كسباً إيمانياً ( اللمع، 70؛ الإبانة، 53-54، 60-65؛ ابن‌‌‌ فورك، 34-36، 125-126).

6. الإيمان

بشكل عام، فإن رؤية الأشعري للإيمان قريبة من رؤية أهل السنة و الجماعة. فهم بين الموقفين المتطرفين للخوارج و المرجئة و ضمن اعتقادهم بوجود منزلة في مراتب الإيمان للعمل بأحكام الدين، لم‌يكونوا يعدّون ارتكاب الكبائر دليلاً على زوال الإيمان. لكن دراسة آراء الأشعري تظهر أن له في هذا المضمار رؤى خاصة تختلف في مواضع عما ينسب إلى أهل السنة و الجماعة. 
يرى الأشعري أن الإيمان هو التصديق بوحدانية الله. و هو يستند في هذا التعريف الذي يخرج قيمة العمل من مفهوم الإيمان، إلى معتقده في تفسير النصوص الدينية القائلة إن الدلالات الشرعية للألفاظ ليست منفصلة عن دلالاتها العرفية، بمعنى أن الألفاظ الواردة في الكتاب الإلٰهي مهما استخدمت استخدامات اصطلاحية، فإنها تحافظ على معناها اللغوي. و على هذا فإن ما هو معتدّ به بمعنى الإيمان ليس شيئاً أكثر من معناه اللغوي، أي التصديق ( اللمع، 75؛ ابن‌ فورك، 149-150، 153-156، 191). لكن حقيقة الإيمان أمر قلبي، و الإقرار باللسان إن كان مصحوباً بالإنكار القلبي فليس إيماناً، و إن صدق عليه الحكم الظاهري والفقهي بأنه إيمان. و على هذا النحو، فإن الإنكار باللسان إن لم‌يكن مصحوباً بإنكار قلبي، ليس كفراً حقيقياً (ظ: م.ن، 151). وفي رأي الأشعري فإن الإنسان المؤمن إذا ارتكب ذنباً فهو فاسق، لكن فسقه لاينفي كونه مؤمناً، بسبب أن صفتي الفسق والإيمان تختلف عن بعضهما من حيث المعنى اللغوي. و لذا فإذا كـان الإنسـان ــ انطلاقــاً مـن عقيـدتـه ــ مؤمناً بالتوحيد، فإن إيمانه لايبطل إلا بالإنكار. و رأيه هذا يتفق مع رؤيته في مسألة الاسم و الصفة أيضاً. ذلك أن الإيمان اسم إنما يكتسب المعنى باتصاف الشخص به. و لهذا لايمكن افتراض أن لايكون الشخص المؤمن كافراً بارتكابه الفسق و لايُدعى ــ فـي نـفـس الوقـت ــ مؤمناً أيضاً و على هذا الأساس انبرى لردّ المبدأ المعتزلي القائل بـ «المنزلة بين المنزلتين» (ظ: م.ن، 154، 194). 

 

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: