الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الأشعري، ابوالحسن /

فهرس الموضوعات

الأشعري، ابوالحسن


تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/27 ۱۰:۵۷:۲۵ تاریخ تألیف المقالة

آراؤه و عقائده

1. الله و صفاته

يفتتح الأشعري كتابه اللمع بالاستدلال على وجود الذات الإلٰهية. و يقوم برهانه على أساس احتياج العالَم الحادث و المتغيّر إلى خالق مدبِّر. و أفضل مثال على ذلك تطور الإنسان من النطفة حتى بلوغه الكمال الإنساني، الذي اقتبسه الأشعري من القرآن الكريم (الواقعة / 56 / 58- 59). فهو يقول كما أن الإنسان لايمكنه أن يتصور وجود المصنوعات التي حوله من غير صانع خارجي، منظومة الوجود أيضاً سواء في الخَلق، أم في التحولات المستمرة ينبغي أن تنسب إلى صانع يتمتع بالتدبير (الأشعري، ن.م، 6-7؛ أيضاً ظ: الشهرستاني، نهاية، 12، 67- 68). ثـم يرفض الأشعري فرض كـون أن الجـزء الأول من كـل شيء ــ مثلاً النطفة بالنسبة للإنسان ــ قديم و ليس محتاجاً إلى صانع وهو الذي يؤدي إلى التكامل الطبيعي، بسبب أن التغير و التحول هو سمة الحدوث، و «لأن القديم لايجوز انتقاله و تغيره و أن تجري عليه سمات الحدث» (الأشعري، ن.م، 7). و كان استدلال الأشعري في هذا الكلام مسبوق بسابقة و يُعبَّر عنه ببرهان «إتقان الصنع» (أيضاً ظ: ابن ‌فورك، 287). و فضلاً عن برهان إتقان الصنع الذي يثبت بشكل مباشر كون العالم مخلوقاً، يورد الأشعري برهاناً آخر نتيجته إثبات حدوث العالم. و خلاصة هذا البرهان الذي يرويه الشهرستاني هو أننا إذا افترضنا الجواهر، أي الذرات المكونة للعالم، قديمة، فلامناص من أن ننسب عمليتي اجتماعها، أو افتراقها التي يتشكل العالم من مجموعة منها، إلى ذات الجواهر، بينما الذرات ــ استناداً إلى ذاتهـا ــ ليست تخلو من اجتماع، أو افتراق لأن الذرة بذاتها تستلزم كلا الحالتين. و على هذا، فالعالم المركب له مبدأ يختلف عن وجود أجزائه (الشهرستاني، ن.م، 11؛ ابن‌ فـورك، 203؛ أيضاً ظ: ولفسن، 386-392؛ أيضاً قسم الخلق و العالم من هذه المقالة). 
و يستنتج الأشعري من نفي حدوث الله، أن الله لايشبه مخلوقاته على الإطلاق، ذلك أن هذا الشبه و لو افتُرض مقتصراً على جانب معين، فإنه يعني أن ذاته حادثة في ذلك الجانب المعين (الأشعري، ن.م، 7- 8؛ أيضاً ظ: النسفي، 1 / 142). و برغم أن هذا المبدأ هو موضع اتفاق جميع الفرق، فإن تأكيد الأشعري عليه، كان أساسه نفي التشبيه (ظ: ابن ‌فورك، 22). و استدلال الأشعري على وحدانية الله قائم على فكرة النظام، لأن الاثنين لايجري تدبيرهما على نظام، و لايتسق على إحكام، و لابد أن يلحقهما العجز، أو واحداً منهما و نفي ألوهيته (الأشعري، ن.م، 8). و هذا البرهان الذي عُرف بـ «التمانع»، له سابقة في كلام المعتزلة أيضاً (ظ: مانكديم، 285).
انبرى الأشعري في اللمع لإثبات 7 صفات ذاتية لله تعود إليها مفاهيم صفات أخرى: العالم، القادر، الحي، المريد، المتكلم، السميع و البصير. فالله عالم، ذلك أن العلم شرط الصحة و رسوخ الفعل وكما أن إبداع صورة جميلة، أو صنع شيء بحاجة إلى علم، فإن خالق العالم يجب أن يكون عالماً (ص 10؛ أيضاً ظ: الشهرستاني، ن.م، 67- 68). كما أن فعلاً كهذا لايمكن أن يصدر عن أحد ليس قادراً و لا حياً، ذلك أن هاتين الصفتين لو لم‌يكونا شرطاً لوجب إمكانية قبول أن ما يفعله الناس ممكن صدوره عنهم في حال عجزهم، أوموتهم، و هذا محال (الأشعري، ن.م، 10-11). ويرى الأشعري أن 4 صفات أخرى ملازمة لصفة الحي، لأن إحداها إذا انتفت وصفت الذات بضدها و إن ذلك في حالة ذات الحي، الذي تليق به هذه الصفات، يستلزم ظهور آفة تمنع هذه الصفة. فنفي صفة المريد مثلاً عن الله تعني اتصاف ذاته بأحد موانع مثل السهو، و هي جميعها من سمات الحدوث. كما استخدم الأشعري هذا الاستدلال في بحثه صفتي «العالِم» و «القادر» (ظ: ن.م، 11-12، 17- 18؛ ابن فورك، 41، 69). و بتقسيمه الصفات إلى مجموعتين، عَدَّ الأشعري صفات مثل الحياة و العلم و القدرة، أفعالاً إلٰهية. و المجموعة الثانية تشكّل صفات مثل السمع و البصر و الكلام و البقـاء التـي تُثبت عن طريق نفـي النقص عن الـذات الإلٰهيـة (ظ: م.ن، 41؛ عن صفة البقاء، ظ: الشهرستاني، الملل...، 1 / 95؛ ابن ‌فورك، 43، 237؛ النسفي، 1 / 235-236، 240). و فضلاً عن هذا التقسيـم، فقد تقبّل التقسيـم، الشهير للصفـات إلـى ذات وفعـل (ظ: ابن ‌فورك، 46، 52، 53، 55). و قد أورد ابن ‌فورك مفصَّلاً بأقواله حول أدلة و معاني كل واحدة من الصفات (ص 42- 59). 
و فيما يتعلق بالصفات التي لايشهد لها العقل، لكن ذكرها ورد في كتاب الله، أو في الأخبار المتواترة (الصفات الخبرية) مثل وجود الوجه و اليد، فعقيدة الأشعري هي ضرورة التصديق بصفات كهذه، لكن بالمعنى الذي يتناسب و ذاته المقدسة. و إذا كان لهذه الألفاظ دلالة على أعضاء و جوارح بالنسبة للإنسان، فهي نعوت و صفات بالنسبة لذات البارئ (ابن‌ فورك، 41، 58؛ أيضاً ظ: الأشعري، أصول...، 70). و يبدو أن لكلام الأشعري وجهين يضعان رأيه في موضع بين المعتزلة و الحشوية. فاعتقاده بكون هذه المعاني صفات، ينفي رأي المعتزلة الذين بتأويلهم لها بمعان أخرى كتأويل «اليد» بالقدرة، أو النعمة، أفرغوها في حقيقة الأمر من معانيها الخاصة (ظ: الإبانة، 33-41). و من جهة أخرى، فهو يرفض أن تؤدي المعاني الظاهرية لهذه الألفاظ إلى شكل يفضي إلى جعل الله جسماً، أو شبيهاً بالإنسان، و هذا أحد أوجه تميّزه عن بعض الحنابلة. و من وجهة نظره، فإنه ليس من المحال أن ينسب الله إلى نفسه صفات من هذا القبيل مثل «الجسم»، أو «المتحرك»، لكن ليس بمعناها الظاهري (ظ: اللمع، 9-10؛ ابن‌فورك، 58). و فيما يتعلق بالصفات الخبرية مثل الاستواء على العرش أيضاً و التي يعدّها صفات فعل الله، فكما يقول ابن‌ فورك (ص 22، 42) فإن الأشعري يرى أن «ما اقتضى العقل إثباتها وورد السمع مؤكداً لذلك، فلا اشتباه في معناها». و مع كل هذا، فإنه يتجنب بذل أي جهد لكشف معاني الصفات، و هو يسلّم برأي أهل السنة و الجماعة الذين كانوا يعتقدون بها دون بحث في كيفيتها «بلاكيف» (مقالات، 211، 290؛ أيضاً ظ: «الفقه الأكبر»، 13، 14). غير أن اشتراط التناسب مع الذات الإلٰهية و بُعد معاني هذه الألفاظ عن شوائب الحدوث و التركيب في كلام الأشعري، يعني نوعاً من تجاوز الظاهر. و على هذا يمكن أن نعدّ موقفه بهذا الشأن حداً وسطاً بين التشبيه و التنزيه، أو الوقف و التأويل. وبهذا فإن قاعدة «بلاكيف» التقليدية في فكره، تبين عجز العقل عن فهم معاني الصفات، أكثر من كونها بمعنى القبول بظاهر النص. 
و من القضايا التي كانت مثاراً للجدل بين الفرق الكلامية في باب الصفات الإلٰهية، حدود أحقية العباد في إطلاق صفة على الله، و بعبارة أخرى، طريق المعرفة بالصفات. فأصحاب الحديث و أهل السنة و الجماعة لم‌يكونوا يرون من المناسب إطلاق أية صفة يعدّها العقل مناسبة للذات الإلٰهية، و يوكلون لكتاب الله و السنة حـقَّ الحديث عن الصفات و تحديدها. و قد عُبِّر عن هذا الـرأي ــ برغم كل الاختلافـات القائمة في تفاصيلـه ــ باعتبار الأسماء و الصفات الإلٰهية «توقيفية». و الأشعري أيضاً و برغم كونه يلجأ إلى الدليل العقلي لإثبات بعض الصفات، فإنه ملتزم بقاعدة التوقيف (ظ: اللمع، 10؛ ابن‌ فورك، 41-42، 49-50، 57؛ الغزالي، 192). و من وجهة نظره، فإن اعتبار الألفاظ المترادفة مع كل واحدة من الصفات صفة، هو الآخر مشروط بالتوقيف (ابن ‌فورك، 11، 44، 45). يعدّ الأشعري إجماع الأمة توقيفاً، كما يتقبل صفة «القديم» التي ورد مرادفها (الأزلي) فقط في الكتاب و السنة، من باب إجماع الأمة (م.ن، 42، 326). و رأي الأشعري في التوقيف يتناسب و نظريته العامة في اللغة؛ كما كان يعبّر عن محدودية الإنسان العرفية في الاستخدام العام للمفردات بـ «التوقيف»، بمعنى أن أهل اللغة وضعوا كل كلمة للدلالة على حدود معنى خاص مرتبط بعالَمها المعروف، و لايمكن تطلّب معنى خارج عن هذه الحدود في الكلمة (ظ: م.ن، 41-42، 105، 149). و على هذا فحديث الإنسان عن الذات الإلٰهية لاينبغي له أن يكون خارج التعابير التي استخدمها هو بحق نفسه. و رواية ابن‌فورك عن رأي الأشعري بأنه يوجد تمايز في أساس الوضع بين أسماء وصفات الله و بين المخلوقات (ص 42)، يجب أن يفسر بهذا المعنى. 
و يعد البحث في أي نوع من الثبوت تتمتع به صفات الله بالنسبـة إلى ذاته، من أكثر البحوث إثارة للنقاش و أشدها تعقيداً. و رأي الأشعري بهذا الصدد هو نتاج تبيانه العقلي لرأي أصحاب الحديث الذين اعتقدوا بوجود واقعية في الذات الإلٰهية لكل واحدة من الصفات التي وُصف بها الله في الكتاب الإلٰهي. و كما عَدّ الشهرستاني عنوان «الصفاتية» العام منطبقاً على مذهب الأشعـري ( الملل، 1 / 93)، فهو مشهور بإثبات صفات الله القديـم و الأزلي و القائم بذاته. و مع كل ذلك، فإن الدراسة الوافية لآرائه وملاحظاته بهذا الشأن، تقدم رؤية أكثر دقة عن موقفه. كما تظهر هذه الدراسة أنه حاول ــ من خلال المحافظة على الرؤية العامة لأصحاب الحديث ــ أن يشق طريقاً لتحليل الموضوع يظل بمنأى عن التتابع الباطل للاتجاهين المطلقين: الأول التصديق بالحقيقـة العينيـة للصفة بشكـل يستدعي تعـدد الـذات القديمـة، و الثاني تجريد ذات الله من أي شكل من أشكال الصفات، من خلال التأكيد على وحدتها و بساطتها. و في تاريخ النقاشات الكلامية كان الاتجاه الأول موضعاً لنقد أصحاب الحديث، بينما نسب الاتجاه الثاني للمعتزلة. 
يبدأ الأشعري بحثه بهذا الشأن من نقطة افتراق هذين الاتجاهين. إن التصديق بالصفات الإلٰهية بالشكل الذي يُبَيَّن في إطار الصفة المشتقة (مثل «عالِم»)، و بالشكل الذي نُسبت به إلى الله في القرآن الكريم، هو أمر تتفق عليه جميع الفرق؛ إلا أن موضع النزاع هو ثبوت الحالة الاسمية للصفة (مثل «العلم») الذي يعدّ مصدر اشتقاق الصفة. و من بين الصفات يختار الأشعري العلم الإلٰهي كمثال للبحث، فينبري في البدء لدحض أحد الأدلة التي أوردها المنكرون للصفة بالمعنى الاسمي. و ملخص قوله إنه خلافاً لما يدّعيه المنكرون إذا قلنا إن الله لديه علم، فلا يلزم أن يكون العلم غير ذاته ولا بمعنى كونه حادثاً ( اللمع، 13-14). و استناداً إلى رأيه القائل «إن الله عالم بعلم»، يستدل الأشعري بأننا لو فرضنا عدمَ ثبوت العلم لذاته، فكونه عالماً لايخرج من إحدى حالتين: إما أن يكون عالماً بواسطة الذات و ليس بالعلم الذي لديه، أو أن يكون عالماً بعلم لاشك في أنه غيره. و لامجال للجدل في بطلان الفرض الثاني، كما لايمكن قبول الفرض الأول، ذلك أنه يستلزم أن تكون ذاته ذلك العلم. و يرى الأشعري بشكل صريـح أن من المستحيـل أن يكون العلـم عالماً، أو العالم علمـاً، و يتحدث بشكل عام عن الفصل بين ذات الله و صفاته (ن.م، 14). و من وجهة نظره، فإن حقيقة العلم هي «ما به يعلم العالم المعلوم» (ابن ‌فورك، 10). و هذا التعريف الذي يورده الأشعري في المعنى العام للعلم دال على رأيه في الفصل بين العلم و العالم، و بالنتيجة بين الصفة و الموصوف. و كون العالم عالماً من حيث المعنى، هو الاسم الذي فيه، و هو مبدأ اشتقاق الصفة في المفهوم و كذلك في اللفظ (م.ن، 11، 44). و في رأي الأشعري فإن حكماً كهذا عام، و استناداً إلى هذا فهو ينطبق على الذات الإلٰهية أيضاً. ويظهـر هذا الأمـر اتجاهه إلـى أصالة اللغـة و الدلالة العرفيـة (ظ: الأشعري، ن.م، 12-13؛ ابن ‌فورك، 44، 288- 289). و على هذا، فجميع الصفات الذاتية لله كالحياة و القدرة و السمع و البصر وغيرها، تتمتع بالثبوت (الأشعري، ن.م، 14). و ينسب الشهرستاني إلى الأشعري برهاناً آخر يقوم على أن الحكم إذا كان بين الصفة والموصوف، يعني ذات الله واحدة، بمعنى أن تكون صفاته المتعددة أيضاً مع بعضها واحدة. لكن لاشك في وجود الاختلاف بين مفاهيم الصفات مثل صفتي العالم و القادر. و لايمكن افتراض مردّ هذا الاختلاف خارج الأمور الثلاثة التالية: إلى مجرد اللفظ، أو إلى الحال ــ كما يقول بعض المعتزلة (ظ: ن.د، الأحوال) ــ أو إلى الصفة. و قد بطل رجوعه إلى اللفظ المجرد. كما أن الحال محال من وجهة نظر الأشعري. و النتيجة هي أنه يجب أن يُعَدّ كل واحد من تلك الصفات راجعاً إلى معنى قائم بذات الله ( الملل، 1 / 94-95). يقول ابن‌ فورك إنه كان يجيز إطلاق الشيء و الموجود والقديم على الصفات (ن.ص؛ قا: النسفي، 1 / 56، 258؛ ابن حزم، 5 / 76). 
و قبل هذا كان قد نُقل عن الأشعري أن التصديق بوجود صفة كالعلم في ذات الله، لايعني أن تلك الصفة هي غير ذاته. و إن هذا القول دليل على اهتمامه بمشكلة التفسير الذي يفسر الصفات بدون قيد، على أنها زائدة على الذات و يتقبل ثنائيتها. و إن تهمة الاعتقاد بأكثر من إلٰه واحد التي كان المعتزلة يلصقونها بالصفاتية، ناجمة عن تفسير كهذا. و على هذا، فإنه و في الوقت الذي عَدَّ الصفات أزلية و قائمة بالذات الإلٰهية، لم‌يجد إطلاق أيّ من تعبيري «عين الذات» و«غير الذات» بشأنهما أمراً مناسباً (الشهرستاني، ن.م، 1 / 95). كما يقول ابن‌ فورك إنه لايمكن من وجهة نظره اعتبار الصفة عين الذات و لاغيرها (ص 38). و لذا فإن رأي الأشعري في النسبة بين الصفات نفسها أيضاً كان مصحوباً بالاحتياط، بحيث كان و في نفس الوقت الذي يعتقد فيه بواقعية الصفات، يتجنب القول إنها متّحدة، أو مختلفة عن بعضها (ابن ‌فورك، 40، 58، 209). و كان لرأي الأشعري القائل إن الصفة ليست عين الذات و لاغيرها، سابقة في المعتقدات الكلامية، خاصة في آراء ابن‌ كلاب (كان حياً في 240ه‍ ( الذي ينسب الأشعري في مقالات الإسلاميين إليه و إلى أتباعه تعبيرات من هذا الرأي (ص 169-172). لكن و برغم أنه لم‌يُقَدَّم تفسيرٌ عقلي لهـذا الرأي الظاهر التناقض الـذي يفصل صفـة الله ــ في نفس وقت اتحادها بالذات ــ عن الذات، فإن هذا الـرأي ــ من وجهة نـظـر أتـبـاع الأشـعـري ــ ينسجم مع المعنى العرفي للصفة والموصوف بشكل أكبر مما قالت به المعتزلة في الصفات، ذلك أنه في العالم المحسوس أيضاً يمكن الحديث عن هذه النسبة الثنائية بين الصفة و الموصوف (ظ: الشهرستاني، نهاية، 182، 190؛ ابن ‌فورك، 214). و قد أدى كون رأي الأشعري بهذا الشأن مجملاً إلى ظهور تفاسير متباينة بين أتباعه، يقوم بعضها على شكل من أشكال نظرية «الأحوال» (ن.ع) لأبي‌ هاشم الجبائي المعتزلي، النظرية التي ربما أمكن ملاحظة انسجام بينها و بين رؤية الأشعري (ظ: الشهرستاني، ن.م، 131؛ الجويني، 80-84؛ ولفسن، 211-217 ؛ ن.د، الأحوال) 
و استنـاداً إلـى ابـن‌ فـورك، فـإن الأشـعـري ــ خلافاً لبعض المتكلمين ــ لايفرق في موضوع صفات الذات الإلٰهية بين الاسم والصفة، وكان يعتقد بثنائية الصفة للموصوف: فتارة تكون له صفة بأن تكون الصفة غير منفصلة عن الموصوف، و تارة تكون له صفة بأن تكون خبراً عنه و ذكراً يرجع إليه و يتعلق به. و على هذا فكل وصف و لو كان لله فهو في رأيه يحمل الوجهين (ابن ‌فورك، 39-40). و كان يعدّ الترابط بين الاسم و المسمى ترابطاً ذاتياً و مباشراً، و يعتقد أن للصفات دلالات منفصلة يشكل مدلول كلِّ واحد منها معنى متميزاً في الذات الإلٰهية (ظ: م.ن، 38). وبإزاء هذه الرؤية، فإن النزعة العامة للمعتزلة الذين كانوا يحاولون إرجاع دلالة الصفات إلى مدلول عينيٍّ موحَّد، أي ذاته، كانت تستلزم أن يعدّوا الاسم غيرالمسمى، و في الحقيقة عين التسمية، أي تابعاً لتفكير و لغة مَن يتحدث عن الشيء (لمزيد من المعلومات، ظ: ابن‌تيمية، الأسماء...، 1 / 96-115؛ آلار، «صفات»، 227-229,304).
و في مجال كون صفات الذات أزلية يستدل الأشعري على ذلك بقوله إذا لم‌تكن أية واحدة من هذه الصفات أزلية، فإن الذات القديمة الأزلية ستوصف بسلب الصفة، أي بضدها، و هذا يعني أزلية الضد. و في هذه الحالة لايمكن لهذا الضد أن يزول بوصف كونه أزلياً، و تحتل الصفة مكانه. ذلك أن ما هو قديم وأزلي لايفنى ( اللمع، 11-12، 18). و هذا البرهان تعبير آخر عن مبدأ أن عدم كون صفات الذات أزلية يستلزم اتصاف الذات القديمة للباري بالحدوث. و يرى الأشعري أن أي تجدد في الذات الإلٰهية أمر مستحيل. و ينتج عن هذا الحكـم أن لاتستطيع صفات كالعلم و الإرادة مـع كـل ما فيها من الشموليـة تجـاه الظواهر المتغيـرة و المحددة بزمان، أن ترافق بذاتها هاتين الخصيصتين. وبذلك فالصفـة في حقيقتها واحدة وتعلقها بالأمـور المتكثرة تعلق واحد وأزلي. والعلم والإرادة الإلٰهية تشمل كل ظاهرة بإطارها الزمني الخـاص، لكن العلم و الإرادة بحدّ ذاتهما منزهان عن هذا القيـد (ظ: الشهرستاني، ن.م، 218- 219، الملل، 1 / 95-96). 
و بالتمييز الذي يقول به الأشعري بين صفات الذات و صفات الفعل، مثل الخلق و الرزق و العدل، لايمكن لصفات الفعل أن تكون قديمة بحسب رأيه. و استناداً إلى هذا المبدأ، فإنه لمّا كان الخلق حادثاً و غير أزلي، فإن الله لو وصف نفسه في الكلام الأزلي خالقاً، فما كان ذلك، إلا باعتبار خَلْقه في المستقبل ( اللمع، 19-21؛ ابن ‌فورك، 58، 231). 

 

 

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: