الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الأشعري، ابوالحسن /

فهرس الموضوعات

الأشعري، ابوالحسن


تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/27 ۱۰:۵۷:۲۵ تاریخ تألیف المقالة

2. الكلام الإلٰهي

إن البحث بهذا الشأن يتبع نوع النظرة إلى موضوع صفات الله و أحكامها العامة. و على هذا، فرأي الأشعري في كيفية ثبوت الصفات و نفي حدوثها ينطبق على موضوع كلام الله أيضاً. لكن جهوده في حل معضلات الرأيين المتضادين لأصحاب الحديث و المعتزلة في مسألة خلق القرآن القديمة، أوصلته إلى رأي يقوم على الفصل بين الكلام النفسي و الكلام الحادث. و يجب أن تعدّ هذه النظرية المتضمنة لرؤية شاملة للكلام و اللغة أيضاً، واحدة من السمات المميزة للمذهب الأشعري. 
و يرى الأشعري ــ وفقـاً لسنة أصحـاب الحديـث ــ أن كلام الله صفة قديمة و قائمة بذاته نافية لكل أشكال المعاني التي تُفترض منافية لتكلمه. و بحسب رأيه، فإن ذات الله الحية لها جميع الصفات التي يقتضيها مفهوم الحياة مثل الكلام و العلم. ويجعل الأشعري هذا الأمر أساساً للاستدلال على أزلية كلام الله، «فلو كان الله لم‌يزل غير‌متكلم، لكان موصوفاً بضد الكلام». وفي هذه الحالة، فإن كون الكلام الإلٰهي حادثاً يستلزم أن‌يزول ذلك الضد ــ الذي هـو وصـف ثبـوتـي و أزلي لامحـالـة ــ و يظهر الكلام. بينما لايمكن للموصوف القديم أن يزول، أو يحدث، فضلاً عن استحالة فرض وجود موانع التكلم في ذاته الكاملة (الأشعري، ن.م، 17-20؛ ابن فورك، 59). و الاستدلال الآخر للأشعري هو أن الكلام إما قديم، أو حادث. فإذا كان الكلام الإلٰهي حادثاً، فلن يخلو من ثلاث حالات: «أن يحدثه الله في نفسه، أو قائماً بنفسه، أو في غيره. فيستحيل أن يحدثه في نفسه لأنه ليس بمحلّ للحوادث؛ و يستحيل أن يحدثه قائماً بنفسه لأنه صفة و الصفة لاتقوم بنفسها؛ و يستحيل أن يحدثه في غيره، لأنه لو أحدثه في غيره لوجب أن يشتق ذلك الجسم الذي فيه الكلام من أخص أوصاف الكلام اللازمة له لنفسه اسماً و للجملة التي المحل منها اسماً» (الأشعري، ن.م، 22-23).
و نظرية «الكلام النفسي» للأشعري هي من نتائج تأكيده على وحدة كل واحدة من الصفات الذاتية. فالكلام الأزلي شأنه شأن العلم و القدرة الإلٰهيين، و بشموليته اللامتناهية، هو في حقيقته واحد غير قابل للتجزأة. و من وحدة كهذه، فمن الضروري أن يكون كلام الله و في نفس‌الوقت الذي يشتمل فيه على شتى أنواع البيان و كذلك على إخبار عن وقائع زمنية، غير قابل في ذاته للتجزأة و مقيَّداً بزمان؛ كما أن علمه واحد و إحاطته بالظواهر المتغيرة لايكون دليلاً على تغيّره إطلاقاً. و على هذا، فإن الفصل الذي يُفهم من الإخبار عن الماضي و المستقبل في آيات الكتاب الإلٰهي، ليس له محل في حقيقة هذا الكتاب الذي كان إخباره الأزلي شاملاً بشكل متساوٍ لجميع الوقائع من مختلف الأزمنة (ابن‌ فورك، 65). و على هذا النحو، فإن تقسيمات أكثر أهمية حـول مضمون الكتاب أيضاً ممـا عُرف منذ القدم بين المفسريـن و المتكلمين مثل تبويب الآيات إلى أمر و نهي و خبر و وعد ووعيد، لاعلاقة لها بحقيقة الكلام، بل هي أمر اعتباري راجع إلى فهم البشر (م.ن، 62-64، 66-67). و على حدّ تعبير ابن‌ فورك، فإن الكلام الإلٰهي من وجهة نظر الأشعري بالمعنى الذي يُعَدّ فيه بذاته كلاماً، هو في ذاته أمر و نهي و خبر «[إنه] أمر لنفسه كما أنه كلام لنفسه» (ص 58). و على هذا، فإن كثرة وجوه الكلام وأجزائـه لاتحـدث خللاً فـي وحـدة الـذات الإلٰهية و بساطتهـا. و تفسير كهذا يدل على أن إيضاح الأشعري قائم قبل كل شيء علـى مبدأ أن الكـلام الإلٰهي ينبغـي أن يُعـدّ صفـة ذاتية و هـو ــ شأنه شأن بقية الصفات ــ لاتشوبه شائبة التركيب و الحدوث. أما القرآن الذي كان على الدوام مرجعاً لبحث المتكلمين في الكلام الإلٰهي، فهو مجموعة من الحروف و الكلمات بلغة قوم معينين. و إن وصفاً كهذا لكتاب الله لاينسجم و الرأي الذي يعتقده الأشعري بشأن الكلام الإلٰهي. و لذا فهو يفرق بين مفهومين للكلام الإلٰهي: الأول القرآن الكريم بوصفه كتاباً شاملاً للحروف والعبارات التي جرت على لسان النبي (ص) عن طريق الوحي؛ الثاني معنىً أزلي واحد غير متناهٍ قائم بذات‌ الله، أي كلام نفسي و القرآن تعبيره وترجمانه. و بهذا التفريق يغير الأشعري مسألة خلق القرآن المعقدة و التاريخية على النحو التالي: إن ما قاله أصحاب الحديث و أهل السنة و الجماعة في عدم خلق القرآن، يصدق على الكلام النفسي، بينما ينبغي اعتبار القرآن بشكله المتكون من الحروف و الأجزاء، حادثاً بالإرادة الإلٰهية. وعلى هذا بدّل الأشعري محل النقاش مع المعتزلة من خلق القرآن، أو عدم خلقه إلى إثبات، أو نفي مفهوم الكلام النفسي. 
و قد وردت في اللمع و في الإبانة براهين في دحض عقيدة خلق القرآن دون أن يتم الحديث عـن نظرية تفصيلية بهذا الشأن و لهذا فإنه عند نسبة هذه النظرية و مضامينها إلى الأشعري، لامندوحة من الاستناد إلى روايات موثوقة لبعض أتباعه. و هذه الروايات في أغلبها تؤيد بشكل ما بعضها البعض مما لايدع مجالاً للشك في صحة هذه النسبة المشهورة، و إن لم‌يُلاحظ في آثار الأشعري المتوفرة تصريح بذلك. يقول الشهرستاني موضحاً رأي الأشعري في وحدة الكلام الإلٰهي: إن الألفاظ التي نزلت على الأنبياء بواسطة الملائكة لها دلالات على الكلام الأزلي، و الدلالة مخلوقـة و حادثـة، و إن مـداليـل هـذه الألفاظ قديمـة و أزليــة ( الملل، 1 / 96). و يتحدث ابن‌ فورك أيضاً عن هذا المعتقد الثابت للأشعري بأن المعنى الحقيقي للكلام هو في العرف و اللغة وكذلك فيما ينسب إلى الله هو شيء غير الحروف و الأصوات. وإذا أطلق اسم الكلام عليها فذلك من باب المجاز و التوسع في اللغة، كما يحدث أحياناً حين يقال لدلالة الإشارة و الكتابة أيضاً كلام (ص 67، 192). و على هذا، فالكلام هو المعنى القائم بالنفس، أو بتعبير آخر حديث النفس يوضِّحه المتكلم بشكل من أشكال الدلالة (الشهرستاني، نهاية، 320-322؛ النسفي، 1 / 282، 283). ويبيِّن هذا التعريف أصالة الكلام النفسي من وجهة نظر الأشعري. و يقـع في مقابل تصـور المعتزلـة الذيـن عـدّوا الكـلام حروفـاً و أصواتاً منظومة، أي من صنف الفعل (ظ: مانكديم، 535-539؛ ابن عقيل، 1 / 88-89).
و ينقل ابن ‌فورك من كتاب الموجز للأشعري أنه ذكر هذا الوجه لتسمية الكلام الإلٰهي بالقرآن «لأجل أن العبارة عنه قُرِنَ بعضها إلى بعض و أن الجمع و التفرقة في القراءة لا في الكلام. وكان في تسمية كلام الله تعالى توراة و زبوراً و إنجيلاً، إنه كان يسمى بذلك عند حدوث هذه العبارات على اختلاف اللغات، و إنه لا يستحق هذه التسميات في الأزل» (ص 63). و على هذا فوصف «عربي» للقرآن، يعني أن هذا التعبير من الكلام الإلٰهي، هو باللغة العربية (م.ن، 64). أما أوصاف القرآن الأخرى و التي تتعلق بشكله التأليفي و التي استند إلى بعضها المعتقدون بخلق القرآن مثل إعجاز القرآن، تقسيمه إلى سور و آيات، تصنيف الآيات إلى محكم و متشابه و غير ذلك، فليس أيٌّ منها من الصفات الحقيقية للكلام الإلٰهي (م.ن، 63-64، 178، 179). 
و لكون الأشعري يعدّ الكلام حقيقة مجردة من الحرف والصوت، فقد كان يرى «أن كلام الله يجوز أن يُسمع عند العبارة عنه و عند فقدها، و تكون العبارة أيضاً مسموعة إذا وُجدت وكلام الله مسموعاً عند سماعها و ذلك لعامة السامعين. فأما موضع الفضل و التخصيص فالإسماع بلا واسطة، كما حدث بالنسبة لموسى (ع) و نبينا (ص) في المعراج» (ابن ‌فورك، 59-60). و رأي الأشعـري بهذا الشأن ينسجم و رأيه في شروط الرؤية (ظ: النسفي، 1 / 303). 
و حـول تلاوة الناس للقـرآن و كتابتهم لـه الذي كان إثبـات و نفي خلقه ــ شأنه شأن أصـل الكتاب ــ موضعاً للنقاش، يعلن الأشعري ــ خلافاً لعامة أصحـاب الحديث ــ كون قراءة القرآن وكتابته أمراً حادثاً. و يعدّ الحديث عن كون الكلام الإلٰهي مقروءاً و مكتوباً، أمراً مجازاً (ابن ‌فورك، 60، 179؛ قا: الإبانة، 32). ويعدّ الرأي القائل بأن القرآن إذا كُتب يصبح موجوداً في موضع الكتابة، مرفوضاً، بل إن حلول المعاني الحادثة أيضاً في محل الكتابة، ليس أمراً ممكناً بحسب رأيه. و استناداً إلى هذا، فإنه ينبغي تفسير آية «بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ» (البروج / 85 / 21-22)، بكونه مكتوباً في اللوح فحسب (ابن‌ فورك، 61-62، 63). و بحسب رأيه فإن طرح موضوع التلاوة بتعبير مثل «تلفّظ القرآن»، هو أمر مغلوط من الأساس، ذلك أن استخدام «لفظ» الذي يوحي بالحركة و التجسّم لايليق بالكلام الإلٰهي. وعلى هذا فليس هناك مجال للبحث في خلقه، أو عدم خلقه. يقول ابن فورك إن الأشعري كان يسوِّغ كلام بعض أصحاب الحديث ممن لم‌يكونوا يقبلون بأيٍّ من هذين الرأيين، بقوله إن إطلاق القول على ما يجري على اللسان من الكلام الإلٰهي، يوهم الخطأ، وذلك لأن من الصعب وضع فرق بين القراءة و بين ما يُقرأ (ابن ‌فورك، 60-61؛ الأشعري، مقالات، 292).
تدلّ المعلومات التي عرضها الأشعري في مقالات الإسلاميين (ص 584-585) عن آراء ابن‌كلاب حول الكلام الإلٰهي، على مدى تأثير ابن‌كلاب في نظريته. و يمكن القول إن اتفاق وجهة نظر الأشعري مع رأي ابن‌كلاب في أن صفة فعل الله و ما هو موكول إلى مشيئته، لاينبغي تصوره قائماً في الذات الإلٰهية، هو من مبادئ تصور‌الكلام النفسي و دليل على ابتعاد الأشعري عن أصحاب الحديث؛ ذلك أنهم أيضاً كانوا يؤمنون من جهة أن كلام الله المنزل تابع لمشيئته، و من جهة أخرى، سعى الأشعري إلى صيانة و تبيان مفهوم كون الكلام على شكل صفة، أي أزلي و قائم في الذات الإلٰهية. لكن رؤاه ــ التي كانت إلى حد ما ‌شأنها شـأن آراء ابن‌كلاب موضع نقد بعض أصحاب الحديث أيضاً (ظ: ابن الجوزي، 6 / 332؛ ابن‌ حزم، 3 / 13؛ ابن تيمية، موافقة...، 1 / 350-353، 367؛ الشهرستاني، نهاية، 313) ــ تختلف من عدة جوانب مع ما يُنسب إلى ابن‌كلاب. و من ذلك حول منشأ صدور «التعبير»، أي هل أن الكلام حادث إلٰهي، أم كتاب منزل ؟ وكذلك في أن الأشعـري ــ و خلافاً له و هو الذي كان يعدّ مخاطبـة غير المخلوقات أمـراً محالاً ــ تقبَّل الوجوه الضرورية للكلام مثل الأمر و النهي و الخبر فيما يتعلق بكلام الله النفسي أيضاً، و عدّ رأي ابن‌كلاب مستلزماً لحدوث الكلام الإلٰهي (ابن‌‌فورك، 58، 66-67، 197، 328؛ الشهرستاني، ن.م، 303-304؛ أيضاً ظ: ن.د، ابن‌كلاب؛ ولفسن، 255-257,285). 

3. رؤية الله

إن مصدر مسألة الرؤية هو آيات من القرآن الكريم بُشِّرَ فيها بأن المؤمنين سيحظون في الآخرة بلقاء خالقهم (ومن ذلك سورة القيامة / 75 / 22-23). و إن الآراء المختلفة للمتكلمين بهذه المسألة ــ كمـا هو الحال فـي موضـوع الصفـات الخبرية ــ تابع لكيفية فهمهم العام للنصوص الدينية. و استناداً إلى اعتقاده بعدم إمكانية تأويل النصوص الصريحة التي لاتتعارض مع الأسس التوحيدية، يرى الأشعري و بشهادة القرآن أن المؤمنين سيرون الله بأعينهم الحقيقية. و إن أهمية هذا البحث لدى الأشعري حدت بـه إلى تأليف 3 من الكتـب و الرسائل في هذا المضمـار (ظ: ابن عساكر، 128، 131، 134). و بحسب رأيه فإن الاعتقاد بالمعنى الظاهري لأمثال هذه الآيات مشروط بإمكانية قبولها بالوجه الذي لايتنافى و التوحيد. و هكذا، فإن الأدلة العقلية التي يقدمها الأشعري حول الرؤية، موجهة بشكل تام إلى إثبات إمكانية الرؤية. و هو يلخص في البدء و في عدة مواضع الوجوه العديدة التي تؤدي إلى اعتبار نسبة شيءٍ إلى الله أمراً مستحيلاً. ثم يستنتج أنه لو كان هناك وصف لايستلزم أياً من هذه الوجوه، أي‌ أن حدوث الله لايُستلزم من ذلك الوصف، و كذلك أن لايؤدي إلى تشبيهه بمخلوق، أو قلب حقيقته، أو نسبة الجور والكـذب إليـه، فـإن ذلك الوصـف ــ و بغضّ النظر عن شهادة الآيات والأخبار ــ يُعدُّ ممكناً لذاته ( اللمع، 32). و إن ما تصوّره البعض من أن الرؤية مستلزمة للحدوث، أو بقية الأوصاف الممتنعة على الله، نابع من أن رؤانا الاعتيادية كانت على الدوام مصحوبة بحالات خاصة عن شيء مرئي مثل مواجهة بعضنا للبعض الآخر، والتلوّن بلون ما، و البعد المكاني و اتصال الشعاع، لكن هذه هي صفات رؤية الأجسام و ليست الشروط العامة للرؤية (ن.م، 32-33، 36؛ ابن ‌فورك، 80-81، 90). و يعدّ الأشعري الوجود هو الشرط الذاتي الوحيد للرؤية. و على هذا، فإذا لم‌يكن هناك مانع، فإنه لايوجد شرط لأن يصبح مرئياً، سوى الوجود (م.ن، 80، 90؛ الشهرستاني، ن.م، 365). و يقرّ الأشعري بأنه عند الرؤية يكون ما يراه الناظر جهة يمكن الإشارة إليها، و يصل إلى هذه النتيجة الغريبة و هي أن الله إذا ما رُئي فهو قابل للإشارة، لكن هذا استنتاج مجازي على النحو التالي بأنه يمكن أن تكون رؤية جهة خاصة من قبل ناظرها مصحوبة برؤيته. بينما ما‌ يبدو ذا جهة، خال بذاته من الجهة و المكان و الإشارة (ابن ‌فورك، 88، 89). وحين يكون الله مرئياً، فهو منزَّه أيضاً من أي شكل من أشكال الكيفية (م.ن، 82). و هو ينظر إلى موضوع الرؤية أيضاً من منظاره الخاص، حيث إن فاعلية الله عامة إلى الحد الذي لاتُحدَّد معه بعلاقات العلة و المعلول المعروفة. و لو تصورنا علاقة عِلّية بين الرؤية و أوضاع مثل كون المرئي جوهراً، أو وقوعه بشكل متقابل، فإنما هو ناشئ عن تعوّدنا على الرؤى التي خلقها الله فينا على الدوام مصحوبة بهذه الأوضاع. و على هذا، فهو يستطيع أن يخلق الرؤية فينا من غير أن تكون هناك شروط مادية للرؤية (م.ن، 84، 88؛ أيضاً ظ: النسفي، 1 / 393).
و يدل تحليل الأشعري لهذا الموضوع على أنه يعدّ الرؤية من حيث تعلقها بالمرئي من سنخ العلم، بحيث يمكن تصوره بدون تأثير و تأثر بين الرائي و المرئي (ظ: الشهرستاني، نهاية، 356). و لذا فهو يرى نفسه في مواجهة هذا الإشكال و هو أنه استناداً إلى نفس البرهان السلبي الذي أُقيم على إمكانية الرؤية، ينبغي اعتبار إمكانية إدراك الله بالحواس الأربع الأخرى أيضاً أمراً مقبولاً، و يخلص إلى القول إنه لو أمكن قبول أن هذه المعاني إذا لم‌تكن بشكل يستلزم الاتصال و الجسمية، فلامانع من إطلاقها على الذات الإلٰهية، سوى أن الشارع لم‌يأذن بالكلام عليها. و أما ما يتعلق بالسمع، فكما قال جمع من أصحاب الحديث مستندين إلى بعض الآيات، فإن من اللائق أن يجعل الله نفسه مسموع عبده في نفس‌الوقت الذي يكون فيه هو متكلماً ( اللمع، 33-34؛ ابن ‌فورك، 80؛ النسفي، 1 / 413). 
و بعد إثباته جواز الرؤية، ينبري الأشعري لذكر الأدلة النقلية التي يُستند إليها في إثبات وقوع الرؤية. و قد خُصص بحثه في هذا القسم لتفسير الآيات و العثور على شواهد لنفي المعاني المجازية للرؤية فيها (الأشعري، ن.م، 34-35؛ أيضاً ظ: الإبانة، 13- 18؛ ابن ‌فورك، 79، 82، 85؛ الشهرستاني، ن.م، 367-369). ويفسر الأشعري آية «لاتدركه الأبصار» (الأنعام / 6 / 103) بالرؤية في هذا العالم ( اللمع،35؛ أيضاً ظ: الإبانة، 18-20؛ النسفي، 1 / 435). وبحسب رأيه فإن اختصاص الرؤية بالمؤمنين و وقوعها في الآخرة، قابل للإثبات بهذه الشواهد النقلية فحسب (ابن‌ فورك، 79، 81). 

4. الأفعال الإنسانية و نظرية الكسب

إن البحث حول حدود اختيار الإنسان و كيفية ربطه بالخَلق الإلٰهي العام، هو من أهم جوانب علم الكلام الأشعري، فقد حاول بطرحه نظرية الكسب التي اتسعت فيما بعد على يد أتباعه من خلال تمسكه بالاعتقاد بإرادة الله و قدرته الشاملة، أن يفسح مجالاً لما يصدر عن‌ الإنسان نفسه، و يمنح معنى لمبدأ التكليف و الثواب و العقاب.
و قـد خصص الأشعري فصـلاً في اللمع لإثبـات كون الإرادة و القدرة الإلٰهية مطلقة، و التي عُدّت من أخصّ الصفات الإلٰهية في منظومته الكلامية. و المبدأ الأول لديه هو أن كل شيء يتحقق بإرادة الله، و إن إرادته لايمكن أن تتعلق بالأمور المستحيلة ذاتياً فحسب. و على هذا، فإن أفعال الإنسان أيضاً الحسن منها و القبيح لاتخرج عن نطاق إرادته. و إن نسبة السيئات لغير الله إنما هي في حكم الثنوية و الشرك (ص 24-31؛ أيضاً ظ: الإبانة،7- 8، 46-52).
و يستدل الأشعري على شمولية الإرادة الإلٰهية بثلاثة أشكال: 1. الإرادة من صفات الذات، و لهذا فهي لاتُحدّ بحدود؛ 2. كل حادث هو خلق الله، و هو لايخلق شيئاً دون إرادة؛ 3. إذا كان في نطاق مُلكه شيء لم‌يرده هو، لزم حدوث إحدى هاتين النتيجتين البـاطلتين: السهـو و الغفلة، أو الضعـف و العجز عـن نيل المـراد ( اللمع، ن.ص). ثم ينبري للاحتجاج على القدريين و المعتزلة، فإن قُبل بمبدأ وجوب إرادة الله في فعله، لايمكن اعتبار ما ينسب لغير الله أيضاً خارجاً عن إرادته، ذلك أن كل شيء هو فعله (ن.م، 25-29). «فلو كان في العالم ما لايريده الله تعالى،لكان ما يكره كونه؛ و لو كان ما يكره كونه لكان ما يأبى كونه؛ و هذا يوجب أن المعاصي كانت، شاءَ الله، أم أبى، و هذه صفة الضعيف المقهور» (ن.م، 25). و بحسب اعتقاده، فإن من المستحيل أن يريد الله شيئاً خلافاً لعلمه. و على هذا فكما أنه يعلم بوقوع الشرّ من أهل الشر، ينبغي القول إنه أراد الشرَّ منهم و لهم (ظ: ابن‌ فورك، 69-70، 72-73). و استناداً إلى ذلك، يمكن قبول أن الله يأمر بالشيء الذي تعلقت إرادته بتركه من قبل المأمور. كما أن أمره إياه بما يعلم أنه لايقع هو أمر مناسب. و برغم كل ذلك، يقول ابن‌ فورك إن الأشعري كان يصرّ على أنه إذا ما كانت الإرادة بالمعنى الواسع للكلمة تنسجم و معنى الأمر، ينبغي اتّقاء التصريح بأن الله قد أراد لعباده ارتكاب الذنوب. و لذا فإن استخدام أي لفظ يوحي بمعنى مغلوط، أمر غير جائز (ص 70، 98؛ أيضاً ظ: النسفي، 2 / 691). و لم‌يقل الأشعري بوجود فرق بين الإرادة والمشيئة. وهذا ما استند إليه في تفسيره آيات في هذا المضمار (ظ: اللمع، 31؛ ابن‌ فورك، 72). 

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: