الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبوبکر /

فهرس الموضوعات

أبوبکر

أبوبکر

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/20 ۱۳:۴۴:۰۰ تاریخ تألیف المقالة

وخلال هذه الأیام و بسبب الاضطرابات الداخلیة والتطورات المتلاحقة في الدولة الساسانیة کان الملوک في طیسفون قد أصبحوا ضعافاً عاجزین وعلی شفیر الانهیار، وکان اثنان من زعماء قبائل بکر وشیبان (المثنی بن حارثة الشیباني و سوّید بن قطبة العجلي) المقیمان علی شطآن الفرات یتحینان الفرض ویغیران علی القری الواقعة ضمن حدود إیران بشکل أکثر جرأة مما کان علیه أیام واقعة ذي قار، ذلک أن دولة اللخمیین التي کانت تمنعهم من مهاجمة إیران، قد اضمحلت منذ سنین، کما أن قبیلة بني حنیفة حامیة إیران و حلیفتها کانت آنذاک تخوض حرباً مع عکرمة بن أبي جهل و شرحبیل بن حسنة وخالد بن الولید قادة أبي بکر في حروب الردة.

کان المثنی بن حارثة قد اعتنق الإسلام في أواخر حروب الردة و جاء إلی المدینة علی أمل نیل أمر بالإمارة و طلب إلی الخلیفة أن یؤمّره علی من أسلم من بني شیبان لیهاجم إیران بمعونتهم. واستناداً إلی روایة البلاذري فإن أبابکر کتب إلیه بادئ الدمر عهداً في ذلک، إلا أنه أوعز فیما بعد إلی خالد بن الولید الذي کان قد انتهی من حرب مسیلمة في الیمامة، بالتوجه إلی العراق، کما کتب کتاباً إلی المثنی یطلب إلیه أن ینضم إلی خالد ویطیعه (فتوح، 242؛ اطبري، ن.م، 3/343، 344، 346). أما سوید بن قطبة (أو قطبة بن قتادة السدوسي أو الذهلي) الذي کان یحمل في قلبه آمالاً کآمال المثنی، فقد التحق أخیراً بخالد (البلاذري، ن.م، 243؛ الطبري، ن.م، 3/343).

ویلاحظ اختلاف کبیر في الروایات المتعلقة بحروب خالد في العراق، وخاصة ترتیبها الزمني و تتابعها، بل وحتی في تاریخ قدومه إلی العراق (ظ: البلاذري، ن.م، 242-251؛ الطبري، ن.م، 3/343-377). فقد روي أن خالداً استعان للقیام بهذه المهمة بالمثنی و بقیة زعماء بکر: عدي بن حاتم من قبیلة طیئ وعاصم بن عمرو من بني تمیم وأرسلهم علی 3 دفعات. فتمکن هؤلاء من تحقیق انتصارات سریعة علی القادة الساسانیین مثل هرمز (في معرکة ذات السلاسل) و قباد و قارن والنوشجان – أو أنوشجان – وهزار سوار وبهمن جادویه و جابان، وقتل وأسر کثیر من الإیرانیین والعرب المتحالفین معهم في مواضع مثل کاظمة والمذار و الثَّني والولجة وألَّیس و أمغیشیا، ثم اتجهوا بعد ذلک إلی الحیرة. وقد جعلت مقاومة آزادبه مرزبان الحیرة، الوصل إلی هذه المدینة أمراً صعباً، إلا أن خالداً تمکن من خلال إلحاقه الهزیمة بجیشه وقتل ابنه، من أن یقترب من باب الحیرة ویحاصر هذه المدینة التي کانت تمثل الصمود في مواجهة العدو. وأخیراً و بعد تقدیمها أعداداً کبیرة من القتلی استسلمت هذه المدینة. وبذلک سقطت بلاد الحیرة بید خالد في صفر سنة 12/ أیار 633 بعد انتصاره في معارک المذار والولجة وأُلیس وعقد أهلها معه الصلح بعد قبولهم دفع 100,000 درهم (أو 80,000 أو 90,000 في روایات أخری) سنویاً، کما وافقوا علی إرشاد المسلمین في الحروب مع إیران و أن یکونا عیوناً علی الإیرانیین شریطة بقاء معابدهم وقصورهم. وعلی هذا أرسل المسلمون أول جزیة من العراق إلی المدینة بعقدهم أول معاهدة صلح في بلاد خارج حدود الجزیرة العربیة (ظ: البلاذري، ن.م، 243-244؛ الطبري، ن.م، 3/344، 345، 348، 351، 353، 355، 358؛ ابن الأثیر، ن.م، 2/384-389؛ زرین‌کوب، 346-350).

بدأ أبوبکر – في روایة ابن إسحاق – بإعداد قوة لإرسالها إلی الشام بعد عودته من حج سنة 12 هـ (الطبري، ن.م، 3/387، قا: 3/386، الروایة الأخری التي تنکر حج أبي بکر خلال خلافته)، وفي روایة الیعقوبي فإن أبابکر استشار علیاً (ع) في الهجوم علی بلاد الشام، فأیّد (ع) هذه الخطوة بقوله: فعلتَ ظفرتَ (2/133). ویقول البلاذري إن أبا بکر أرسل کتباً إلی أهل مکة والطائف والیمن و جمیع العرب بنجد والحجاز یستنفرهم للجهاد و یرغبهم فیه وفي غنائم الروم. فسارع الناس إلیه من بین محتسب للجهاد و طامع وأتوا المدینة من کل أوب، وأقاموا طوال شهر محرم سنة 13/ آذار 634 في مخیمین بالجرف. وکان أبوعبیدة ابن الجراح یصلي بهم خلال تلک الفترة (ن.م، 115-116؛ قا: الطبري، ن.م، 3/406).

وهناک اختلاف في قادة جیش الشام. فاستناداً إلی البلاذري فإن أبابکر عقد في أول صفر 13هـ/ 6 نیسان 634م ثلاثة ألویة لخالد بن سعید بن العاص و شرحبیل بن حسنة و عمرو بن العاص. وقد قیل إن أبا بکر کان ینوي اختیار أبي عبیدة للإمارة، إلا أنه اعتذر عن قبولها. کما قیل إنه اختیر لقیادة الجیش، لکن البلاذري لم تثبت لدیه هذه الروایة، وقال إن إمارة أبي عبیدة علی الشام کانت علی عهد عمر (ن.ص). وبإزاء هذه الروایة ذکرت روایات أخری مفادها أن أبا بکر وجّه عمرو بن العاص إلی فلسطین عن طریق أیلة، ویزید بن أبي سفیان و أبا عبیدة ابن الجراح وشرحبیل بن حسنة إلی الشام عن طریق تبوک. وفي هذه الروایة أیضاً ورد أن أول لواء عقده أبوبکر للتوجه إلی الشام کان لواء خالد بن سعید بن العاص، إلا أنه أقاله من القیادة بتحریض من عمر قبل أن یتحرک، وعیّن مکانه یزید بن أبي سفیان، و بهذا کان یزید أول أمیر توجه إلی الشام (الطبري، ن.م، 3/387-388؛ قا: البلاذري، ن.م، 116). واستناداً إلی روایة لأبي مخنف فإن أبا بکر قال للقادة: «إن اجتمعتم علی قتال فقائدکم أبوعبیدة، وإلا فیزید بن أبي سفیان». وکان عمرو بن العاص أُرسل مدداً للمقاتلین و کان أمیراً علی القوات التي تحت إمرته فقط (البلاذري، ن.ص). وهناک روایات أخری أیضاً بهذا الشأن (ظ: الطبري، ن.م، 3/394، 406؛ ابن الأثیر، ن.م، 2/402-407).

وفیما یتعلق بأول حرب بین المسلمین والروم فالروایات أیضاً مختلفة: اعتبر البعض عَرّبة أو عَربة (موضع في فلسطین)، و البعض الآخر داثن أو داثنة (إحدی قری غزة) هي المعرکة الأولی، إلا أنهم ذکروا أن الانتصار الثالث کان في الدابیة (البلاذري، ن.م، 117؛ الطبري، ن.م، 3/406). وعقب هذه الانتصارات، بادر هرقل إمبراطور البیزنطیین للذهاب إلی حمص وجمع علی الفور جیشاً عظیماً (یقرب من 200,000 مقاتل) من الروم وأهل الشام و الجزیرة وأرمینیة و أرسلهم لمواجهة المسلمین، فالتقی الجمعان في الیرموک. وبعد ثلاثة أشهر (صفر وربیع‌الأول وربیع الثاني سنة 13) من المواجهة و بعض المناوشات العادیة، طلب المسلمون العون من أبي بکر، فأصدر الخلیفة أمراً إلی خالد بن الولید لیتوجه من العراق إلی الشام (البلاذري، ن.م، 140-141؛ الطبري، ن.م، 3/392-414). فترک خالد بدوره المثنی بن حارثة مکانه في الحیرة و تحرک في ربیع الآخر سنة 13، وبعد فتحه عین التمر وصَندوداء و قمعه جمعاً لبني تغلب بن وائل کانوا مرتدین بالمُصیَّخ والحُصید، وسیطرته علی قراقر وسوی – ماء لبني کلب – و علی کواثل وقرقیسیا وفتحه أرکة صلحاً، وصل إلی دومة الجندل. ولکي یختصر الطریق طوی طریقاً وعراً محفوفاً بالمخاوف والمخاطر. وبعد انتصاره علی جمع من جیش الروم في بصری (من ولایة حوران) وأجنادین، وصل أخیراً الیرموک في جمادی الدولی. وفي خضم الحرب وصل إلی الیرمووک روس لمن المدینة یحمل کتاباً من عمر ینبئ بوفاة أبي بکر و تولی عمر الخلافة و عزل خالد عن قیادة الجیش و تأمیر أبي عبیدة علی معارک الشام، إلا أن هذا الکتاب أُخفي إلی أن انتصر المسلمون (البلاذري، ن.م، 118-122؛ الطبري، ن.م، 3/395، 406-407، 434؛ ابن الأثیر، ن.م، 2/407-418).

 

جمع القرآن

بعد وفاة النبي (ص) و وقوع حوادث مثل وقعة الیمامة (11هـ) واستشهاد کثیر من الصحابة و قرّاء القرآن، أحس المسلمون بحاجظ أکبر من ذي قبل لجمع القرآن. وإن المعرفة الدقیقة بالإجراءات التي اتخذت بهذا الشأن من بین الروایات المختلفة أمر عسیر إلی الحد الذي لایمکن معه بشکل موثوق تحدید دور أبي بکر فیه. واستناداً إلی الروایة التي ینقلها البخاري عن زید بن ثابت فإن أبا بکر باقتراح من عمر، دعا زیداً بعد وقعة الیمامة وأمره بجمع القرآن، فمکث زید فترة ثم بدأ بالعمل و جمع السور والایات من کل مکان. وکان بعضها قد دون علی عُسُب النخل و اللخاف، بینما کان بعضها محفوظاً في الصدور. فقد وجد زید مثلاً الآیتین الأخیرتین من سورة التوبة لدی خزیمة الأنصاري ذي الشهادتین (6/98). وبناء علی هذه الروایة فإن تلک الصحف کانت عند أبي بکر حتی وفاته، ثم عند عمر و بعده عند ابنته حفصة (م.ن، 6/98-99؛ رامیار، 304 ومابعدها). ومن خلال دراسة روایات أخری یمکن الحصول علی معلومات أکبر عن کیفیة جمع مصحف زید و أصحاب زید و معاونیه ونوع الصحف المستخدمة في ذلک وغیرها. واستناداً إلی هذه الروایات فإن عثمان استعار هذا المصحف من حفصة لتدوین القرآن بشکل نهائي و أعاده إلیها سالماً علی العکس من المصاحف التي أحرقها. و قد طلب مروان بنالحکم (حکـ 64-65هـ/ 684-685م) الذي کان والي المدینة علی عهد معاویة، هذا المصحف مرة من حفصة لکنها رفضت إعطاءه إیاه. وبعد وفاتها (45هـ/ 665م) وقع المصحف بید عبدالله بن عمر، فأرسل مروان مرة أخری في طلبه فأخذه من عبدالله وأمر بإتلافه لئلا یحوم الشک حول مصاحف عثمان (ن.ص).

 

أسلوب الحکم واختیار العمال و تعیین الخلیفة

لم یضع أبوبکر خلال فترة خلافته القصیرة التي انقضی أغلبها في الحروب، أیة خطة أو نظاماً مهماً (ظ: EI1). فقد کان یسعی بترسیخه دعائم النظام الإسلامي إلی أن یظهر أنه متبع في حکمه القرآن وسنة النبي (ص). وتدعم هذا الکلام بعض أجراءاته مثل إنفاذه بعث أسامة رغم معارضة بقیة الصحابة. وقد کان بطبیعة الحال یزیل العقبات باجتهاده برآیه کلما اقتضت مصالح الحکومة. کتب ابن سعد نقلاً عن ابن سیرین أن أبا بکر کان أشجع رجل في الاجتهاد بالرأي بع النبي (ص). وکان أبوبکر یقول: أجتهد برأبي، فإن کان صواباً فمن الله و إن یکن خطأ فمني وأستغفر الله (3/177-178).

ورغم أن المشهور هو أن دیوان العطاء قد أسس أول مرة في عهد خلافة عمر (أبوعبید، 231-232؛ الماوردي، 249)، إلا أنه استناداً إلی ماورد في المصادر فإن دیوان العطاء کان موجوداً بشکلٍ ما علی عهد أبي بکر. یقول ابن سعد (3/213) وابن الأثیر (ن.م، 2/422) إن بیت ماله کان في السنح قبل أن ینتقل إلی المدینة ولم یکن قد عیّن له حارساً، ذلک أه کان یقسم بین المسلمین کل مایصله و لایترک شیئاً. وبعد انتقاله إلی المدینة وضع بیت المال في داره. وفي روایة أبي یوسف فقد وصل لبیت المال من البحرین في بدایة لاسنة الأولی من خلافة أبي بکر مبلغ، فدفع مقداراً منه لأولئک الذین کان النبي (ص) قد وعدهم بإعطائهم شیئاً، وقسم الباقي بالسویة بین الجمیع من صغیر و کبیر وعبد و حر وامرأة ورجل، فوصل لکل منهم 7 دراهم وثلث الدرهم. وفي السنة التالیة أیضاً، وحین وصل مبلغ أکبر وزعه بالسویة أیضاً، فأصاب کل فرد 20 درهماً. وکان أبوبکر یعمل في هذا المجال بسنة النبي (ص)، ولم یرض باقتراح الآخرین الذین طلبوا إلیه التقسیم علی أساس السبق والشرف و غیرهما (ص 42). وبعد وفاته فتح عمر بیت المال بحضور الوجهاء وکبار الشخصیات فلم یجدوا فیه سوی دینرا کان قد سقط من کیس (ابن سعد، ن.ص؛ ابن الأثیر، ن.ص؛ الیعقوبي، 2/134، 154).

انقضت سنتان وعدة أشهر من خلافة أبي بکر في الحروب، وتوفي والحرب قائمة علی جبهتي إیران و الشام. لذا کان أغلب عمال دولته إلا نفراً قلیلاً، من قادة الجیش. وقد ذکر عماله في المصادر علی النحو التالي: عم ربن الخطاب متولي القضاء؛ أبوعبیدة متولي بیت المال؛ عتاب بن أسید عامل مکة؛ عثمان بن أبي العاص عامل الطائف؛ وکان یتولی الکتابة له علي بن أبي طالب (ع) وزید بن ثابت و عثمان بن عفان وکل من کان حاضر مجلسه (ابن الأثیر، ن.م، 2/420-421). وبحسب روایة الطبري فإن کاتبه کان زیداً وکان عثمان یکتب له الأخبار فقط (ن.م، 3/426؛ لمعرفة بقیة الأسماء، ظ: ن.م، 3/427؛ ابن الأثیر، ن.م، 2/420-421؛ ابن حبان، 2/195؛ الیعقوبي، 2/138). وکان أبوبکر کلما غاب عن المدینة أوکل إقامة الصلاة إلی عمر وعیّن أشخاصاً مثل عثمان وأسامة خلفاء له في المدینة (ابن حبان، 2/182، 191؛ الطبري، ن.م، 3/241، 247). وذکر الیعقوبي أسماء فقهاء عصر أبي بکر علی الشکل التالي: علي (ع)، عمر بن الخطاب، معاذ بن جبل، أبيّ بن کعب، زید بن ثابت، عبدالله بن مسعود (ن.ص). کان نقش خاتمه: «نعم القادر الله» (الطبري، ن.م، 3/427؛ ابن الأیر، ن.ص).

والمعلومات المتعلقة بانتخاب عمر و تعیینه خلیفة مختلفة شأنها شأن بقیة روایات ذلک العصر. فعلی الرغم من أنه جری الحدیث في أغلبها عن استشارة أبي بکر لبعض الصحابة مثل عبدالرحمان بن عوف و سعد ابن أبي وقاص وآخرین، وکذلک زوجته وعائشة ابنته وأبنائه، لکن یتضح من مجموع هذ الروایات أن أبابکر کان مصمماً علی تعیین عمر خلیفة له. ذلک أنه کان یرد بحزم علی المستشارین المعترضین بشأن عمر (ابن حبان، 2/191-192؛ الطبري، ن.م، 3/428؛ الإمامة، 1/19؛ ابن الأثیر، ن.م، 2/425). وهناک شواهد أخری أیضاً تدل علی أن أبابکر کانت له من قبل نیة کهذه و منها: واقعة السقیفة واقتراحه خلافة عمر؛ إیکال إمامة الصلاة وأمر القضاء إلی عمر، اللذین هما برأیه من الأدلة علی الأفضلیة والتقدم علی الآخرین ویلیان إمامة المجتمع؛ استئذانه أسامةَ في بقاء عمر في المدینة بوصفه عوناً للخلیفة.

وفي روایة الطبري (ن.م، 3/429) وابن حبان (2/192) فإن أبا بکر دعا عثمان خالیاً وقال: «اکتب: بسم‌الله الرحمن الرحیم. هذا ما عهد أبوبکر بن أبي قحافة إلی المسلمین، أما بعد …». ثم أغمي علی أبي بکر وهو علی تلک الحال. فکتب عثمان من تلقاء نفسه: «أما بعد، فإني استخلفت علیکم عمرَ بن الخطاب، ولم آلکم خیراً منه». وحین أفاق أبوبکر قال: أقرأ عليّ. فقرأ علیه ماکتبه، فلما سمع أبوبکر اسم عمر کبّر وقال: أراک خفت أن یختلف الناس إن افتُلتت نفسي في غشیتي! قال: نعم. وفي روایتي الیعقوبي (2/136، 137) والإمامة والسیاسة (ن.ص) لم یرد ذکر لإغماء أبي بکر، وإن عهد أبي بکر في هاتین الروایتین یختلف عما هو علیه في المصادر الأخری، کما توجد اختلافات کثیرة في نفس هاتین الروایتین. والنص أکثر تفصیلاً في روایة الإمامة ویتضمن هذه العبارة: لاأعلم الغیب. فإن تروه عدل فیکم، فذلک ظني به ورجائي فیه. وإن بدّل و غیَّر، فالخیر أردتُ (ن.ص؛ أیضاً ظ: المبرد، 1/17، ونصه قریب من هذا المضمون). وأورد ابن حبان في روایته أن أبا بکر بعد سماعه نص العهد من لسان عثمان، دعا له ثم رفع یدیه إلی السماء و قال: اللهمّ ولّیته بغیر أمر نبیک، ولم أرد بذلک إلا صلاحهم، وخفت علیهم الفتنة … فاجتهدت لهم الرأي فولیت علیهم خیرهم لهم و أقواهم علیهم، ولم أرد محاباة عمر (2/192-193). وفي روایة الإمامة والسیاسة توجد عبارة أخری في کلام أبي بکر موجهة للناس و هي قوله: إن شئتم اجتهدت لکم رأیي … ثم بکی وبکی الناس وقالوا: یاخلیفة رسول الله، أنت خیرنا وأعلمنا … حینها دعا عمر وأعطاه الکتاب لیقرأه علی الناس. وهنا ورد أن رجلاً قال لعمر في الطریق: ما في الکتاب یا أبا حفص؟ قال: لا أدري، ولکني أول من سمع وأطاع. قال الرجل: لکني واللهِ أدري مافیه: أمّرته عامَ أول، وأمّرک العامَ (1/19-20؛ قا: ابن سعد، 3/199-200؛ الطبري، ن.م، 3/428-430؛ ابن الأثیر، ن.م، 2/425-427).

 

ملامحه و شخصیته و نمط حیاته

کان أبوبکر رجلاً طویل القامة نحیفاً أبیض الوجه ناتئ الجبهة غائر العینین معروق الوجه ذا لحیة خفیفة یخضبها بالحناء و الکَتَم، وبخضبها أحیاناً باللون الأحمر الکثیر. کما ورد في بعض الروایات أنه کان أحدب لایستمسک إزاره، یسترخي عن حِقویه (ابن سعد، 3/188-191؛ ابن قتیبة، 170؛ الطبري، ن.م، 3/424).

وکان رجلاً سمحاً محبباً سهلاً حسن التعامل (الواقدي، 1/108-109؛ الطبري، ن.م، 2/317؛ ابن عبدربه، 3/284). واستناداً إلی ماورد في الروایات فقد کان رقیق القلب جداً سریع الدمعة (ابن سعد، 3/179-180؛ الإمامة، 1/13-15). وکتب بول أیضاً أنه باستثناء بعض الحالات، لم یشاهد منه تصرف قاس، ویری أن معاملته السلمیة للمرتدین کانت السبب في إعادة الهدوء إلی الجزیرة العربیة (ظ: EI1). وفي مقابل هذه الصورة، فإن لامنس له استناداً إلی المصادر السنیة رأي مختلف جداً في أبي بکر. فهو یقول: إن أبا بکر عُرِض في الروایات بوصفه مؤمناً بسیطاً وإنساناً صالحاً ورقیقاً تنهمر دموعه بسرعة، إلا أنه في الحقیقة رجل قوي حازم قاس، أو غاضب إلی الحد الذي کان یضطر رجلاً عنیداً مثل عمر إلی التراجع. ویقول استناداً إلی روایة للبلاذري (أنساب، 1/415) إن النبي (ص) أیضاً کان له رأي کهذا في أبي بکر، ذلک أنه وصف عائشة بأنها حقاً ابنة أبیها في الشدة. ویعتقد لامنس أن أبابکر لم یکن یسیطر علی عمر بسبب کبر سنه فحسب، بل بفضل ظاهره الوقور واللین و بعد نظره وقدرته علی ضبط النفس (قا: الیعقوبي، 2/138، الذي له رأي مختلف تماماً)، وقادة في یوم السقیفة کتلمیذ مایزال یتعلم، وأقدم علی قمع المتمردین المرتدین بعزیمته الراسخة رغم آراء کبار الصحابة، ولم یدع إلی قلبه سبیلاً للخوف من هجوم المتمردین علی المدینة (ظ: ص 125-127). ویؤید شدة أبي بکر روایة نقلها الواقدي عن ابنته أسماء وعن آل نَضلة. فاستناداً إلی هذه الروایة فإن أبابکر قام و هو مسحرم وبحضور النبي (ص) بضرب غلامه لأنه أضاع بعیراً و طعاماً وعدة السفر (2/1094). وبحسب قول لامنس فإن الصورة التي قُدمت في الروایات الإسلامیة عن شخصیة أول خلیفة للنبي (ص) ظهرت نتیجة عوامل مختلفة واستفید من شتی الوسائل‌الدینیة والسیاسیة والأسریة والقبلیة لتوسیعها و نشرها بسرعة. وهذه الصورة التي فُرضت عن طریق هذه المصادر علی کتابة التاریخ الإسلامي وکذلک علی بحثو المستشرقین، لاتمثل بأي شکل شخصیة أبي بکر الحقیقیة. ویقول: من حیث المبادئ العقائدیة فإنه ینبغي لأبي بکر أن یکون أفضل المسلمین وأکملهم، ولذا فإن مدرسة المدینة المقتدرة والکتّاب الفاعلین من أسرة الزبیریین (من أقارب أبي بکر)، خطوا خطوات في سبیل خلق صورة کهذه، ونجحوا أخیراً في أن یقرنوا اسم أبي بکر بالفضائل والمیزات (ص 114-115).

وقد خصصت في المصادر السنیة من کتب تاریخ و تراجم و سیر، فصول وأقسام لفضائل أبي بکر و مناقبه، واستشهد فیها بآیات من القرآن مما نزل في شأن أبي بکر – علی حد قولهم – و بأحادیث قالها النبي (ص) في فضله – بحسب اعتقادهم – ومنها هذه الآیات: «إن الله اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة» (التوبة/ 9/111)؛ «فأما من أعطی واتقی» (اللیل/ 92/5)؛ «ثاني اثنین… فأنزل الله سکینته علیه» (التوبة/ 9/40) وغیرها (العظم، 14-15؛ أیضاً ظ: ابن حجر الهیتمي، 98-102)، وهذه الأحادیث: لوکنت متخذاً من أمتي خلیلاً لاتخذت أبابکر، ولکن أخي و صاحبي (البخاري، 4/191)؛ مثل أبي بکر کمثل میکائیل ینزل برضاء الله … (الواقدي، 1/109). وأحادیث کثیرة أخری (مثلاً ظ: ابن ماجه، 1/36-38؛ البخاري، 4/189-198؛أیضاً ظ: ابن سعد، 3/175-178؛ السیوطي، تاریخ، 38-67). وقد خصص الأمیني أحد علماء الشیعة القسم الدعظم من الجطء 7 من کتابه الغدیر لنقد الروایات المتعلقة بهذه الفضائل (7/87-312).

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: