الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبوبکر /

فهرس الموضوعات

أبوبکر

أبوبکر

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/20 ۱۳:۴۴:۰۰ تاریخ تألیف المقالة

بدایة خلافته

بعد یوم واحد من واقعة السقیقة جلس أبو بکر علی المنبر للبیعة العامة. وقد افتتح عم رالمجلس بخطبة قصیرة أوّل في بدایتها الکلام الذي کان قد قاله بالأمس بشأن وفاة النبي، وانبری بعدها إلی ذکر مناقب أبي بکر و أمر الناس بمبایعته. فنهض الناس و بایعا أبا بکر مرة أخری بعد بیعتهم له في السقیفة. و عندها تقدم أبوبکر لیخطب حیث حمدالله و قال: أیها الناس! فإني قد وسلّیت علیکم ولست بخیرکم، فإن أحسنت فأعینونيف وإن أسأت فقوّموني … الضعیف فیکم قوي عندي حتی أریح علیه حقه إن شاء الله، والقويّ منکم، الضعیف عندي، حتی آخذ الحق منه إن شاءالله. لایدعْ أحد منکم الجهاد في سبیل الله، فإنه لایدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل… أطیعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصیت الله و رسوله فلاطاعة لي علیکم. قوموا إلی صلاتکم رحمکم الله (ابن هشام، 4/311؛ الطبري، ن.م، 3/210؛ قا: البلاذري، ن.م، 1/590-591؛ ابن حبان، 2/159-161). وقال في خطبته الأخری بعد حمد الله: أیها الناس، إنما أنا مثلکم؛ و إني لا أدري لعلکم ستکلفونني ماکان رسول الله (ص) یطیق؛ إن الله اصطفی محمداً علی العالمین وعصمه من الآفات؛ وإنما أنا متبع ولست بمبتدع؛ فإن استقمت فتابعوني، وإن زغت فقوّموني … ألا وإن لي شیطاناً یعتریني، فإذا أتاني فاجتنبوني … (ابن سعد، 3/212؛ الإمامة، 1/16؛ الطبري، ن.م، 3/223-224؛ قا: البلاذري، ن.ص).

ومن وجهة نظر العلماء و اباحثین من أهل السنة فإن هاتین الخطبتین دلیل علی أدب و تواضع أبي بکر و تمسکه بالسنن البنویة، وتعتبر إرشادات قیمة للأجیال القادمة في أسلوب إدارة الدولة (العظم، 90-91؛ دروزة، 30)، إلا أن علماء الشیعة یعتبرون بعض أجزاءهما من الطعون علی أبي بکر و عدم لیاقته للخلافة، وانبروا لبحث هذا الأمر استناداً إلی عقائدهم (مبدأ الإمامة) (الکنتوري، 1/197-224؛ الفیروزآبادي، 9-11).

ورغم أن خلافة أبي بکر قد أصبحت راسخة في ذلک المجلس، إلا أن فریقاً من المهاجرنی و الأنصارامتنعوا عن مبایعته، نذکر أسماء بعض من وردوا في المصادر: علي (ع)، سعد بن عبادة، العباس بن عبدالمطلب، الفضل بن العباس، الزبیر بن العوام، خالد بن سعید، المقداد ابن عمرو، سلمان الفارسي، أبوذر الغفاري، عمار بن یاسر، البراء بن عازب، أبي بن کعب، حذیفة بن الیمان، خزیمة بن ثابت، أبوأیوب الأنصاري، سهل بن حنیف، عثمان بن حنیف، أبوالهیثم بن التیهان، سعد ابن أبي وقاص، أبوسفیان بن حرب (الیعقوبي، 2/123-126؛ البلاذري، ن.م، 1/588؛ ابن عبدربه، 4/259-260؛ الطبرسي، أحمد، 1/97؛ ابن أبي الحدید، 2/44-61). ومن بین هؤلاء سوی سعدبن عبادة الذي کان یدعي لنفسه الحق في الخلافة وأشخاصٍ مثل أبي سفیان و أنصاره الذین کانت لهم مآرب دنیویة (البلاذري، ن.ص؛ حسین، 848)، کان هناک فریق یری الخلافة حقاً لعلي (ع) استناداً إلی ماضیه في الإسلام وخدماته الجلّی و قرابته من النبي (ص)، أي الأدلة التي استُند إلیها في السقیفة في تفضیل أبي بکر لأمر الخلافة، وکان علي (ع) وبنو هاشم أیضاً یحتجون بها لمجرد إلزام المخالفین (الإمامة، 1/11-12؛ البلاذري، ن.م، 1/582؛ الیعقوبي، 2/125-126؛ نهج‌البلاغة، الخطبة 67)؛ وفریق آخر – شیعة علي (ع) – یری أفراده مسألة الخلافة و قیادة المجتمع الإسلامي أعلی منصب دیني، و یعتقدون بالنص و التعیین في الخلافة مستندین إلی آیة «إن الله الصطفی آدم و نوحاً و آل إبراهیم آل عمران علی العالمین. ذریة بعضها من بعض …» (آل عمران/ 3/33-34)، وإلی کون النبي (ص) وأهل بیته من آل إبراهیم و لهم نفس الفضائل و المزایا (جعفري، 14)، وکذلک آیة «إنما ولکیک الله رسوله والذین آمنوا الذین یقیمون الصلاة و یؤتون الزکاة و هم راکعون» (المائدة / 5/55) وآیات أخری (ظ: المفید، الجمل، 32-33؛ أیضاً أبو مجتبی، 488)، واستناداً إلی أحادیث متواترة أیضاً مثل حدیث الدار (الطبري، ن.م، 2/319-321؛ أحمد بن حنبل، 1/111؛ ابن الأثیر، ن.م، 2/62-63؛ ابن أبي الحدید، 13/212؛ المتقي الهندي، 13/131-133) و حدیث المنزلة (الگنجي، 281؛ المتقي الهنديف 13/150-151؛ ابن سعد، 3/23-24؛ المفید، ن.م، 33-34؛ الترمذي، 6/640-641؛ ابن الصباغ، 39) و حدیث الغدیر (المحب الطبري، ذخائر …، 67-68؛ ابن کثیر، 5/208-214، 7/346-351).

 

أخذ البیعة من المعارضین

بدأ أبوبکر خلافته بشکل رسمي بأخذ البیعة من المعارضین. ففي بادئ الأمر أرسل أحداً إلی سعد بن عبادة وطلب إلیه المجيء لیبایع کالأنصار وسائر الناس، فأجاب سعد: «أما والله [لاأبایع] حتی أرمیکم بکل سهم في کنانتي من نبلف وأخضب منکم سناني ورمحي»، وکان عمر یعتقد أنه ینبغي أن تؤخذ البیعة منه بالقوة، إلا أن أبابکر ترک سعداً و شأنه عملاً بنصیحة بشیر بن سعد و خوفاً من تمرد الخزرج. فلم یکن سعد لیحضر إطلاقاً صلاة الجماعة ولایحضر الاجتماعات و کان یعتزل الاخرین أیضاً في موسم الحج. و لم یزل کذلک إلی أن توفي أبوبکر فهاجر إلی الشام في خلافة عمر، وفي حوران وجد قتیلاً في منتصف إحدی اللیالي (الإمامة، 1/10؛ الطبري، ن.م، 3/222-223؛ ابن سعد، 3/616-617). أما البلاذري، فقد أورد استناداً إلی روایة المدائني و أبي مخنف والکلبي أن عمر أرسل رجلاً إلی حوران وأمره أن یغري سعداً ویدعوه للبیعة، فإن أبي فلیستعن اللهَ علیه. فذهب ذلک الرجل للقاء سعد و حینما لم یتمکن من أخذ البیعة منه قتله بسهم، ثم أشار البلاذري بعد ذلک إلی الروایة الشهیرة التي تقول إن سعداً قتلته الجن (ن.م، 1/589؛ قا: ابن عبدربه، 4/260؛ لامنس، 142). وقد ذکرت بعض المصادر اسم الشخص الذي کلفه عمر بهذه المهمة (الطبرسي، أحمد، 1/94؛ قا: عبدالمقصود، 1/153).

ولحسن حظ أبي بکر – علی حد تعبیر لامنس – فإن أباسفیان لم‌یکن في المدینة خلال تلک الأیام (ص 134)، ذلک أن النبي (ص) کان قدأرسله لجمع الزکاة. و عندما عاد و علم بوفاة النبي والبیعة لأبي بکر قال: «إني لأری فتقاً لایرتقه إلا الدم» (البلاذري، ن.ص؛ قا: کلام الواقدي الذي رواه البلاذري، ظ: ن.ص)، لکنه سرعان ما بایع بعد أن أدرک أن محاولاته إثارة علي (ع) لمواجهة أبي بکر (البلاذري، ن.ص؛ ابن أبي الحدید، 1/221) وإشاعة الاضطرابات في مدینة الرسول قلب الإسلام، غیرمجدیة (ظ: الیعقوبي، 2/126؛ البلاذري، ن.م، 1/588؛ ابن أبي الحدید، ن.ص)؛ وأنه سیکافأ هو و أسرته لقاء مبایعته الخلیفة (الطبري، ن.م، 3/387-388؛ ابن أبي الحدید، ن.ص)، خاصة وأن عثمان و آخرین من بني أمیة ممن حضروا معه في المسجد کانوا قد بایعوا بعد ساعات من بیعة السقیفة (الإمامة، ن.ص).

واستناداً إلی روایة الیعقوبي فإن أبابکر عندما علم بامتناع العباس ابن عبدالمطلب و ابنه الفضل و مجموعة أخری عن البیعة و انضمامهم إلی علي (ع)، تشاور مع عمر وأبي عبیدة والمغیرة بن شعبة للعثور علی حل. فرأی هؤلاء المصلحة في أن یلتقوا العباس و یعدوه بإعطائه و أبناءه نصیباً في الإمارة و یجعلوه من خلال کسب دعمه حجة علی علي (ع) و بنة هاشم. إلا أن العباس بعد سماعه کلام أبي بکر و عمر استند إلی أقوال أبي بکر مشیراً إلی التناقض في کلامه، و أدان انتخابه و مبایعته، وباعتبار أن إمارته مغتصبة وصف جمیع أعماله و تصرفاته بأنها غیر مشروعة (2/124-126؛ قا: الإمامة، 1/15). في الحقیقة فإنه لم یرد في تاریخ الیعقوبي و لافي الإمامة و السیاسة مایشیر إلی نفي أو إثبات بیعة العباس.

أما الأخبار المتعلقة بامتناع علي (ع) عن البیعة وکیفیة وزمان بیعته لأبي بکر فهي مختلفة و أحیاناً متناقضة، ویمکن تقسیمها إلی مجموعتین رئیستین: مجموعة تضم – بقلیل من الاختلاف في اللفظ و المضمون – مافحواه أن علیاً (ع) بایع أبا بکر طوعاً أو کرهاً بعد ساعات من البیعة العامة (البلاذري، ن.م، 1/585، 587؛ الإمامة، 1/11)، حتی إنه ورد في إحدی هذه الروایات التي یلاحظ اسم سیف بن عمر أیضاً في سلسلة أسانیدها (للاطلاع علی دحض روایات سیف، ظ: العسکري، 1/69-86، 2/29-34)، مایلي: عندما سمع علي (ع) أن أبابکر جلس للبیعة، جاء إلی المسجد متعجلاً دون إزار ورداء خشیة التأخر في هذا الأمر، لیبایع، ثم جلس إلیه وبعث إلی البیت من یأتیه بثیابه (الطبري، ن.م، 3/207). والمجموعة الأخری هي الروایات المتضمنة لامتناع علي (ع) عن البیعة و ممارسة الضغوط والغلظة بحقه و حتی أسرته وأنصاره لأخذ البیعة منه، وإشارة أو إعلان صریح عن امتناعه عن البیعة إلی 40 أو 75 یوماً أو إلی وفاة فاطمة الزهراء (ع)، أي بعد 6 أشهر (الیعقوبي، 2/126؛ البلاذري، ن.م، 1/586؛ الإمامة، 1/14؛ الطبري، ن.ص؛ المسعودي، ن.م، 2/308). ورغم أن عمر بن الخطاب قال في خطبته من علی منبر مسجد المدینة ضمن شرحه لمجریات السقیفة: «إن علیاً والزبیر و من معهما تخلّفوا عنا في بیت فاطمة» (ابن هشام، 4/308-310؛ الطبري، ن.م، 3/204-205)، و بهذاالکلام اعترف بامتناع علي (ع) عن البیعة وانضمام فریق إلیه، إلا أن مؤرخي أهل السنة – عدا قلة سمنهم – لم یبدوا رغبة في ذکر، أو تفصیل هذا الموضوع. و مع هذا فإن سرد هذه الحادثة کان یرد في المصادر هنا و هناک.

ولما کان کل خبر بهذا الشأن قد روي منفصلاً دون ربط بخبر آخر ودون تحدید لتسلسل الحوادث، لایمکن معرفة ما إذا کان طلب البیعة من علي (ع) و أصحابه قد تمّ فور الانتهاء من اجتماع السقیفة و المجيء إلی المسجد، أم بعد البیعة العامة، أم بعد دفن النبي (ص) (ظ: البلاذري، ن.م، 1/582؛ الیعقوبي، 2/124-126). وقد ورد في الإمامة و السیاسة خبران بهذا الشأن هما أکثر شمولیة من بقیة الأخبار:

ورد في الخبر الأول: ذهب عمر إلی بیت علي (ع) في عصابة فیهم أسید بن حضیر وسلمة بن أسلم، فطلبوا إلیه وإلی بني هاشم أن ینطلقوا إلی المسجد و یبایعوا أبابکر، لکنهم رفضوا، وشهر الزبیر بن العوام سیفه، فأخذ سلمة – بأمر من عمر – السیف من یده و ضرب به الجدار، ثم أخذوا الزبیر معهم فبایع، کما بایع بنو هاشم، إلا أن علیاً (ع) وقف في مواجهة أبي بکر واستند إلی احتجاج أبي بکر علی الأنصار قائلاً إن الخلافة من حقه هو. فقال عمر: إنک لست متروکاً حتی تبایع. فقال له علي: إحلب حلباً لک شطره، واشدد له الیوم أمروه یردده علیلک غداً. فقال له أبوبکر: فإن لم تبایع فلا أُکرِهک. عندها طلب إلیه أبوعبیدة ابن الجراح أن یسلم الدمر إلی أبي بکر. ثم إن الإمام علیاً (ع) ألقی کلمة خاطب بها المهاجرین مبیناً حقه و أهل البیت في الخلافة و حذرهم من اتباع هوی أنفسهم و من الانحراف عن طریق الله. فقال له بشیر بن سعد الدنصاري: لوکان هذا الکلام سمعته الدنصار منک یاعلي قبل بیعتها لأبي بکر، مااختلف علیک اثنان. وفي المساء حمل علي (ع) فاطمة (ع) بنت رسول الله (ص) علی دابة و ذهب إلی مجالس الأنصار لتسألهم النصرة، وکانوا یقولون: یابنت رسول الله! لو أن زوجک سبق إلینا قبل أبي بکر ماعدلنا به … (الإمامة، 1/11-12؛ قا: المفید، الاختصاص، 184-187؛ الطبرسي، أحمد، 1/95-96).

وورد في الخبر الثاني الذي یحتمل أن یکون قسماً من الخبر الأول قد تغیّر موضعه: تفقّد أبوبکر قوماً تخلفوا عن بیعته عند علي (ع)، فبعث إلیهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي (ع)، فبوا أن یخرجوا، فدعا بالحطب (في روایة البلاذري، ن.م، 1/586: جاء عمر و بیده النار) وقال: والذي نفس عمر بیده، لتخرجن أو لأحرقنها علی من فیها. فقیل له: یا أبا حفص! إن فیها فاطمة، فقال: وإن (قا: البلاذري، ن.ص). فخرجوا فبایعوا إلا علیاً (ع) (الإمامة، 1/12). ثم رویت بعد هذه الوقائع تفاصیل ماحدث، أي خطاب علي (ع)، عتاب فاطمة (ع)، إرسال مجامیع متتالیة بتحریض من عمر لأخذ البیعة من علي (ع)، اقتیاد علي إلی المسجد و تهدیده بالقتل، کلام علي (ع) الغاضب، دعاء فاطمة (ع) وتأوهها، وأخیراً بکاء أبي بکر وقوله: أقیلوني بیعتي (ن.م، 1/13-14؛ قا: ابن عبدربه، 4/259-260؛ الیعقوبي، 2/126؛ الطبري، ن.م، 3/202؛ المفید، ن.م، 185-187، الجمل، 56-57).

وحول هذه الدخبار فقد أُبدیت وجهات نظر مختلفة، واستنکر عامة الباحثین – علی فرض صحة هذه الروایات – تصرفات أبي بکر و عمر، إلا أن عباراتهم بهذا الشأن متباینة، فقد قال البعض إن تأثیر معتقدات شیعة الهاشمیین و العلویین والعباسیین تبدو واضحة في أغلب روایات الإمامة والسیاسة، ویغلب الاحتمال أن تکون هذه الروایات ناتجة عن الصراع و التنافس اللذین ظهرا بین الأمویین و الهاشمیین بعد الخلفاء الراشدین، وإلا فإن فاطمة و علي (ع) کانا أکثر إیماناً و نزاهة و عقلاً من أن یقوما بما یتعارض و مصالح المسلمین، وإن عمر أسمی و أکثر إباءً من أن یقدم علی إحراق بیت فاطمة (ع) (دروزة، 21).

ورغم أن بعض المصادر امتنعت مراعاة لظروف سیاسیة أو عقائدیة عن نقل هذا الخبر بشکل کامل أو حتی الإشارة إلیه في موضعه، لکنها أیدت تلک الواقعة عن علم أو عن غیر علم بنقلها کلام أبي بکر و هو علی فراش مرض موته. فاستناداً إلی هذه الروایة فإن أبا بکر قال أواخر أیام حیاته: إني لا آسی علی شيء من الدنیا إلا علی ثلاث فعلتهن وددت أني ترکتهن، وثلاث ترکتهن وددت أني فعلتهن … فوددت أني لم أکشف بیتَ فاطمة عن شيء وإن کانوا قد غلّقوه علی الحرب … (الطبري، ن.م، 3/430-431؛ المسعودي، ن.م، 2/308؛ قا: الیعقوبي، 2/137؛ ابن عبدربه، 4/268؛ المتقي الهندي، 5/631-632).

واستناداً إلی روایات الشیعة وأهل السنة مما یمکن الوثوق به فإن علیاً (ع) امتنع عن مبایعة أبي بکر إلی 6 أشهر، أي حتی وفاة فاطمة (ع) (الطبري، ن.م، 3/208؛ الیعقوبي، 2/126؛ البلاذري، ن.ص؛ ابن عبدربه، 2/22، 4/260؛ ابن حبان، 2/170-171؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 3/222-223؛ المسعودي، التنبیه، 250)، بل ورد في بعض الروایات أن أیاً من بني هاشم لم یبایع أبابکر قبل أن یبایعه علي (ع) (الطبري، ن.ص). وبعد ذلک أو قبله بقلیل بایع هؤلاء و مجموعة من أتباع علي (ع) وأنصاره مثل حذیفة بن الیمان و خزیمة بن ثابت و أبي أیوب الأنصاري وسلمان و أبي ذر و خالد بن سعد و غیرهم (البلاذري، ن.م، 1/588؛ الطبري، ن.م، 3/387؛ الطبرسي ، أحمد، 1/95-105؛ جعفري، 51-53). وقد بیّن کل واحد من هؤلاء خلال البیعة رأیه أو شعوره نحو علي (ع) والخلافة. کما أوردت المصادر السنیة کلام سلمان الذي کان قسم منه بالفارسیة والآخر بالعربیة، فقد قال: «کرداذ و ناکرداذ [أي: عملتم و ماعملتم]، ول بایعوا علیاً لأکلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم» (البلاذري، ن.م، 1/591؛ الطبرسي، أحمد، 1/99).

وورد في مصادر أهل السنة أن علیاً (ع) خلال مبایعته لأبي بکر اعتذر لتأخره في هذا الأمر و قال إنه لم یکن یرید مغادرة الدار قبل جمع القرآن الذي کان النبي (ص) قد أمر به (البلاذري، ن.م، 1/586-587؛ الإمامة، 1/16؛ حسین، 849). ومن وجهة نظر الباحثین الشیعة فإن ماقاله علي (ع) خلال مبایعته أبابکر لم یکن اعتذاراً، بل بیان للحقیقة إعلان عن کونه علی حق. ویدعم هذا الرأيّ کلامُ أصحاب علي (ع) مثل سلمان و أبي‌ذر و غیرهما خلال البیعة (البلاذري، ن.م، 1/591؛ الطبرسي، أحمد، ن.ص). إلا أن ماجعل علیاً (ع) یبایع أبابکر لم یکن – خلافاً لما ورد في بعض الروایات – إعراض الناس عنه بعد وفاة فاطمة (ع)، بل اتساع نطاق حرکة الردة و تمرد القبائل و ظهور مدعي النبوظ في الجزیرة العربیة (البلاذري، ن.م، 1/587؛ الطبري، ن.م، 3/207). و احتملت بعض المصادر أن وجود الضغوط علی علي (ع) و خوفه علی حیاته لم یکونا دون تأثیر في قبوله المبایعة، ذلک أنه روي أن أباحنیفة سأل مؤمن الطاق یوماً: إن کانت الخلافة حقاً مشروعاً لعلي (ع) فلماذا لم یثر لأخذ حقه؟ فأجاب: خاف أن تقتله الجن کما قتلا سعدبن عبادة (الطبرسي، أحمد، 2/381).

 

قضیة فدک

فدک قریة تبعد مسیر یومین أو ثلاثة (250 کیلومتراً) عن شمال المدینة، وإلی الجنوب من خیبر. وفیها میاه وفیرة و مزارع وبساتین نخیل. وکانت قبل الإسلام – شأنها شأن خیبر- یسکنها الیهود. وبعد أن نزل النبي (ص) بها و فتح المسلمون قلاعها، خاف أهل فدک وطلبوا من النبي (ص) أن یصالحهم علی النصف من ثمارهم وأموالهم، فأجابهم إلی ذلک؛ ولم کان هذا القسم من أراضي فدک مما لم یوجف المسلمون علیه بخیل ولارکاب (ظ: الحشر/ 59/7,6) فقد کان فیئاً خالصاً للنبي (ص) (یاقوت، 3/855-858؛ البلاذري، فتوح …، 42-43؛ ابن هشام، 3/368). إلا أن الشیعة وخاصة الاثني عشریة رأوا لفدک علی مدی تاریخهم قیمة تفوق ذلک، و نظروا إلیها بوصفها قیمة رمزیة وعیّن لهابعض العلماء استناداً إلی روایة عن الإمام موسی بن جعفر (ع)، حدوداً رمزیة غیر الحدود الجغرافیة المذکورة لها في المصادر (الصدر، 25) تشمل تقریباً جمیع حدود بقاع العالم الإسلامي الشاسع بعد کل الفتوحات. وعلی ذلک فربمااعتبر غصب فدک في رأیهم رمزاً لغصب الخلافة وإخراج ولایة أمر المسلمین من أیدي أهل بیت النبي (ص).

ووفقاً لمصادر الشیعة فإن النبي الأکرم (ص) أرسل علیاً (ع) إلی فدک بعد استسلام أهلها لیکتب عقدالصلح و یوفع نیابة عنه، ثم منحها خالصة لابنته فاطمة (ع) لتنفقها في معاشها وأبنائها بعدما نزلت آیة «فآتِ ذا القربی حقه» (الروم / 30/ 38). وعلی هذا فقد کانت أراضي فدک – و حتی استقرار دعائم حکومة أبي بکر – تحت تصرف ابنة النبي (ص)، وکان القیّم علیها یرسل إلیها عائداتها سنویاً. وکانت إحدی إجراءات أبي بکر في الأیام الأولی للخلافة مصادرة فدک عنوة (الطریحي، 3/371؛ أیضاً ظ: ابن أبي الحدید، 16/268-269). ورغم أن بعض مصادر أهل السنة أشارت إلی مصادرة فدک واحتجاج فاطمة (ع) و طلبها حقها و جواب أبة بکر وغضب ابنة الني علیه (مثلاً الطبري، ن.م، 3/207-208)، وتناول البعض أیضاً الموضوع بتفصیل أکبر بعد نقلهم روایات مختلفة (مثلاً البلاذري، ن.م، 44-46)، إلا أن إغلبهم و بقبولهم فرض کون دعوی فاطمة (ع) بملکیة فدک قائماً علی الإرث فقط، اعتبروا القضیة منتهیة بروایتهم کلام أبي بکر الذي أورده عن النبي (ص) إلی درجة أن بعضهم (مثلاً عبدالجبار المعتزلي وفخرالدین الرازي) قال: إن فاطمة (ع) عندما سمعت هذا الکلام من أبي بکر تنازلت عن دعواها (ابن أبي الحدید، 16/253-254؛ ظ: القزویني، 109-110). واعتبر الشهرستاني أیضاً – رغم إشارته إلی ملکیة فاطمة (ع) علی أساس النحلة – قضیة فدک من باب التوارث عن النبي (ص) وعدها سادس خلاف من عشرة خلافات رئیسة وقعت بین المسلمین من قبیل منع إتیان النبي بالکتف والدواة خلال مرضه، والتخلف عن جیش أسامة و غیرذلک (1/27-31).

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: