الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبوبکر /

فهرس الموضوعات

أبوبکر

أبوبکر

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/20 ۱۳:۴۴:۰۰ تاریخ تألیف المقالة

وإن إحدی مهامه المثیرة للجدل هي إمارته الحج في السنة 9 هـ و إبلاغه سورة البراءة، فاستناداً إلی روایة ابن إسحاق فإن النبي (ص) بعد غزوة تبوک في ذي الحجة من السنة 9 أرسل أبابکر إلی مکة بوصفه أمیراً للحاج. و عندما غادر المدینة نزلت سورة البراءة، فقال النبي (ص): لایبلغ عني إلا أنا أو رجل مني، و أرسل علیاً (ع) علی جمله إلی مکة لإبلاغ السورة (ابن هشام، 4/188-191). ویختلف المفسرون والمؤرخون کثیراً بشأن عدد الآیات التي قرأت في موسم الحج و موضع قراءتها و زمان نزولها (قبل تحرک أبي بکر أم بعده) و عزل أبي بکر من إمارة الحج و تعیین علي (ع) مکانه (ظ: الواقدي، 2/1077؛ ابن سعد، 2/168-169، 3/177؛ الترمذي، 5/272-276؛ الطبري، ن.م، 10/41-47؛ الطوسي، 5/169؛ ابن حزم، 206؛ الطبرسي، الفضل، 5/6).

وأورد ابن الأثیر بروایته عن أصحاب السیر أن أبا بکر لم یول مدبراً في أي من ساحات القتال التي حضرها مع النبي (ص)، وکان واحداً من المجموعة التي ثبتت في أحد وحنین ولم تهرب (ن.ص)، إلا أنه توجد روایات أیضاً تنقض هذا الکلام (المتقي الهندي، 10/424-425؛ المفید، ن.م، 45، 74، 87).

وکانت آخر مهمة لأبي مهمة لأبي بکر و عمر و أبي عبیدة ابن الجراح و فریق آخر من کبار الصحابة علی حیاة النبي (ص) هي الاشتراک في جیش أسامة بهدف الذهاب إلی مؤتة في الشام (ابن حجر، فتح …، 8/124). وفي روایة الواقدي (2/1117) و ابن سعد (2/189-190) فإن النبي (ص) أمر یوم الاثنین لأربع بقین من صفر بعد حجة الوداع و قبل وفاته بعدة أیام، بالتأهب لغزو الروم واستدعی أسامة في الغد و أوکل إلیه قیادة الجیش (قا: الطبريف تاریخ، 3/184؛ ابن هشام، 4/253)، لکن رغم تأکید رسول الله (ص) الکثیر، فإن هذا الجیش لم یتحرک بسبب اعتراض بعض الصحابة علی حداثة سن أسامة أولاً، ثم بذریعة إعداد العدة للسفر، وأخیراً بسبب وصول نبأ اشتداد مرض النبي (ص) إلی أسامة و عودته و أبي بکر و عمر و غیرهم من معسکر الجُرف إلی المدینة (الطبري، ن.م، 3/186؛ ابن أبي الحدید، 1/159-162). ویر یالعلماء الشیعة أن هؤلاء بامتناعهم عن تنفیذ أمر النبي (ص) الصریح و المؤکد بالمشارکة في جیش أسامة و التوجه نحو الشام، قد ارتکبوا معصیة (المفید، 96-98؛ الدمین، 1/292-293؛ أیضاً ظ: ابن أبي الحدید، ن.ص).

وبإنعام النظر في الدخبار المتعلقة بأیام مرض النبي (ص) التي تدل علی أن النساء و بقیة الحاضرین حول فراش رسول الله لم یکونوا یعبأون بأوامرة، و کانوا یؤوّلو و یحرفون أوامره أحیاناً بما یتلاءم و مصالحهم وأهدافهم (مثلاً ظ: أحمد بن حنبل، 1/356؛ الطبري، ن.م، 3/192-193، 196؛ ابن سعد، 2/217، 242-245)، یمکن احتمال أن یکون استدعاء أسامة من المعسکر و منع جیشه من التحرک قد تمّ بواسطة بعض هؤلاء الحاضرین حول فراش التنبي (ص) و بهدف تحقیق بعض الأهداف مما یمکن معه و الحالة هذه القبول بکلام ابن أبي الحدید (1/161-162) بصواب رأي الشیعة في هذا المضمار (أیضاً ظ: المفید، ن.ص).

وتزامناً مع تلک الأیام التي کان فیها النبي (ص) سعی إلی إرسال جیش أسامة إلی الشام، اشتد مرضه إلی الحد الذي لم یکن معه قادراً علی النهوض و الذهاب إلی المسجد لإقامة الصلاة عندما رفع بلال صوته بالدذان. فرأی أن یرسل أحداً لیؤدي الصلاة بدلاً منه. و یوجد اختلاف في الأخبار المتعلقة بکیفیة إقامة هذه الصلاة و من عُیّن إماماً وعدد الصلوات التي أقیمت دون حضور النبي (ص)، وهل أن صلاة – ولو کانت واحدة تامة – قد أقیمت بإمامة أبي بکر أم لا؟ (ظ: ابن سعد، 2/215-224، 3/178-181؛ الطبري، ن.م، 3/197؛ ابن سلام، ن.ص؛ ابن حبان، 2/130-132).

ویدل الکثیر من هذهالأخبار التي ینتهي سند أغلبها إلی عائشة علی أن النبي (ص) قال: لیصلِّ أبوبکر في الناس (ابن سعد، ن.ص). وتقول بعض هذه الروایات إن النبي (ص) دون أن یسمي أحداً، قال: لیصلِّ أحدٌ بالناس (أبو داود، 4/215؛ المفید، ن.ص). وورد في الروایة التي ینتهي سندها إلی ابن عباس أن النبي (ص) قال في الیوم الذي اشتد فیه مرضه: ابعثوا إلی علي فادعوه، فاقترحت عائشة أن یرسل أحد إلی أبي بکر، وقالت حفصة أرسلوا أحداً لیدعو عمر، وتحلق الجمیع حول النبي، فقال (ص): انصرفوا، فإن تکن لي حاجة أبعث إلیکم (الطبري، ن.م، 3/196؛ قاک أحمد بن حنبل، ن.صغ المفید، ن.م، 99).

وتنتهي جمیع هذه الروایات رغم کل الاختلافات الموجودة بینها، إلی أن أبا بکر وقف للصلاة مکان النبي (ص9 في المسجد، إلا أن رد فعل النبي (ص) تجاه هذه الصلاة أیضاً روي بالختلاف کبیر: في الخبر الذي ینتهي سنده من طرق مختلفة إلی أنس بن مالک، ورد أنه عندما کان أبوبکر یصلي في الناس یوم الاثنین، أزاح النبي جانباً ستارة حجرته، وبینما هو واقف وسط الباب کان یبتسم و هو ینظر صفوف المصلین، فانسحب أبوبکر ظناًمنه أن النبي (ص) ینوي إقامة الصلاة، لکن النبي (ص) أشار إلیه بیده أن أکمل الصلاة (ابن سعد، 2/216-217). ومقابل هذا الخبر روی خبر عن عائشة: عندما کان أبوبکر في الصلاة وجد النبي (ص) في نفسه تحسناً، فنهض و ذهب إلی المسجد متکئاً علی رجلین ورجلاه تخطان الدرض، و ما إن علم أبوبکر بحضور النبي (ص9 حتی انسحب إلی الخلف، إلا أن النبي (ص) أشار إلیه أن یبقی في مکانه، ثم تقدم النبي و جلس إلی یسار أبي بکر و صلی جالساً بینما صلی أبوبکر واقفاً مؤتمّاً بالنبي والناس مؤتمون بأبي بکر (م.ن، 3/179؛ ابن حبان، ن.ص؛ البلعمي، 1/336). ومع هذا فإن بعض علماء أهل السنة اهتمواه في إمامة أبي بکر الصلاة بدل النبي (ص)، فأبرزوها بوصفها أحد الأدلة المهمة علی أولویة أبي بکر في الإمامةالعامة أي الخلافة، إلی الحد الذي قالوا معه إن النبي أیضاً ائتمم بأبي بکر في الصلاة (ظ: ابن الجوزي، 49-50؛ ابن حبان، 2/132). وهذا الکلام المبالغ فیه شقّ حتی علی بعض کبار أهل السنة وحدا بعالم مثل أبي الفرج عبدالرحمان ابن الجوزي المفسر و الفقیه الحنبلي الکبیر (تـ 597هـ/1201م) إلی أن یؤلف کتاباً بعنوان آفة أصحاب الحدیث في الرد علیهم (أیضاً ظ: البخاري، 1/174، 175، 183؛ أحمد بن حنبل، 6/234).

وقد ناقش علماء الشیعة حکایة صلاة أبي بکر في أیام مرض النبي (ص) من عدة جوانب: 1. رغم أن الأحادیث المرویة عن عائشة متنفقة تقریباً بهذا الشأن، إلا أن هذا الخبر لیس متواتراً علی أیة حال، و لایمکن الاحتجاج به في أي موضع. ومن جهة أخری یحتمل أن تکون عائشة قدتحدثت لمصلحتها في هذه الروایة في دحض شهادة علي (ع) في قضیة فدک علی حد تعبیر الخلیفة الثاني عمر؛ 2. بإجماع کتّاب السیر والمؤرخین (مثلاً ابن سعد، 2/189-190؛ الطبري، ن.م، 3/184، 186؛ ابن الأثیر، الکامل، 2/334؛ ابن أبي الحدید، 1/159-160؛ أیضاً ظ: المفید، ن.م، 98)، فإنه کان علی أبي بکر أن یکون في تلک الأیام بأمر من النبي (ص) في معسکر الجرف ضمن جیش أسامة ولیس في المدینة. وعلی هذا فلو کان صلی بالناس في المدینة، فذلک لم یکن بأمر من النبي (ص). وهناک شواهد عدیدة تؤید هذا الأمر: ألف- الخبر الذي یأمر فیه النبي (ص) باستدعاء علي (ع)، لکنه لایجد أذناً صاغیة، بل و یستدعی بدلاً منه أبوبکر و عمر و العباس (أحمد بن حنبل، 1/356؛ الطبري، ن.م، 3/196)؛ ب- نقل خبر في المصادر مضمونه أن النبي (ص) عندما علم بوقت الصلاة قال: «لیصلِّ أحد بالناس»، ووقوف عمر للصلاة (أبوداود، 4/215؛ أیضاً ظ: المفید، ن.م، 97)؛ ج- مجيء النبي (ص) و هو في حالة من الضعف بمعونة شخصین – علي (ع) والفضل بن العباس – إلی المسجد وإقامته الصلاة بنفسه (ابن سعد، 3/179؛ ابن حبان، 2/131؛ أیضاً ظ: المفید، ن.م، 98). ومع کل هذا ففي رأي علماء الشیعة، أنه علی فرض القبول بصحة الروایات المتعلقة بصلاة أبي بکر في أیام مرض النبي (ص) فإن هذا الأمر لن یکون دلیلاً علی أفضلیة أبي بکر في الخلافة، ذلک أن النبي (ص) قبل تلک الأیام أمر مراراً بقیة الصحابة مثل أبي عبیدة ابن الجراح و عمرو بن العاص و خالد بن الولید و أسامة بن زید و علي (ع) – بل إنه کان قد أمر أبا بکر مرةً قبل ذلک – بأن یصلوا بالناس (المیلاني، 28).

 

بیعة السقیفة

توفي النبي (ص) یوم الاثنین 12 ربیع الأول من السنة 11، وفي روایة محدثي الشیعة في 28 صفر من نفس السنة. انتشر خبر وفاة النبي (ص) بسرعة في المدینة الصغیرة آنذاک. و یبدو أن البعض ممن کانوا یبیتون نوایا للوصول إلی السلطة منذ أیام اشتداد مرض النبي (ص) واحتمال وفاته إثر ذلک المرض، بادروا إلی التحرک فور سماعهم هذا النبأ تقریباً، عندما کان علي (ع) و الفضل بن العباس و عدد آخر مایزالون منهمکین بتغسی لجثمان رسول الله الطاهر. و کان سعد بن عبادة زعیم الخزرج یجلس في سقیفة بني ساعدة و هو مریض محموم بین فریق من الأنصار – الأوس و الخزرج – وکان ناطق باسمه یتحدث عن فضائل الأنصار و کونهم أحق بالخلافة من المهاجرین.

ولیس معلوماً ما إذا کان الدافع لتصرف سعد بن عبادة واجتماع الأنصار في السقیفة دون تمهید و ناجماً عن طلبهم الرئاسة، أم إثر معلومات مستقاة من هنا و هناک شواهد دالة علی بعض توقعات و تدابیر مسبقة لزعماء المهاجرین. إن مایبدو أکثر منطقیة هو أن یکون طرح الأنصار کلاماً کهذا في تلک الساعات رد فعل في مواجهة إجراءات المهاجرین، ولیس موقفاً في مواجهة وصایا النبي (مثلاً حدیث الدار، حدیث المنزلة، حدیث غدیر خم و غیر ذلک). وربما أمکن اعتبار تخلف بعض زعماء المهاجرین عن جیش أسامة، رغم تأکید النبي الکثیر علی إنفاذه سریعاً (ظ: ابن أبي الحدید، 1/159-162؛ المفید، ن.م، 96-98) ومنع إتیان النبي بالکتف و الدواة (ابن سعد، 2/242-245؛ المفید، ن.م، 98) و کذلک تنبؤ النبي حرمان الأنصار من حقوقهم الاجتماعیة وتواتر الفتن المظلمة في المستقبل القریب (ابن سعد، 2/204؛ البخاري، 8/86 ومابعدها؛ الواقدي، 2/1113؛ ابن ماجه، 2/1303-1307؛ ابن هشام، 4/304-305؛ المفید، ن.م، 96-97)، من العوامل التي حدت بالأنصار إلی أن یجتمعوا في السقیفة لیصونوا مکانتهم و مصالحهم کما یظنون (قا: جعفري، 27 و مابعدها؛ البهبودي، 23-25)، لکنهم بتصرفهم المتسرع هذ مهدوا الأرضیة بأیدیهم لخلق أکبر فتنة في تاریخ الإسلام بأسره (ظ: مثلاً الکلیني، 58؛ الشهرستاني، 1/30) مما اندلع منها بشهادة التاریخ کثیر من الفتن التي کان النبي الکریم (ص) قد أشار إلیها من قبل.

وقد اختلفت الروایات في المکان الذي کان فیه أبوبکر خلال تلک الساعة: تقول بعض الروایات إنه کان حاضراً إلی جانب النبي (ص) و ذکر في روایة أنه کان ذاهباً لزیارة مجموعة من الناس في المدینة، وفي روایة أخری خلاصتها أنه لم یکن حاضراً لا في المسجد و لاقرب النبي (ابن سعد، 2/265، 269؛ الطبري، ن.م، 3/200-202)، واستناداً إلی القول المشهور فقد کان في السنح (ن.صص؛ البخاري، 5/142-143)، عندما أخبره سالم بن عبید بهذا النبأ (ابن کثیر، 5/244). وطبقاً لهذه الأخبار فإن أبابکر وصل إلی المسجد في الوقت الذي کان فیه عمر یقف بین الناس غاضباً علی من قال إن الني توفي – واصفاً إیاهم بالمنافقین – و مهدداً بالقتل. فقد ورد في هذه الروایات أن أبابکر و بمشاهدته هذا المنظر ذهب إلی بیت النبي دون أن یعبأ بشيء، وأزاح الغطاء عن وجه النبي و قبّل مابین عینیه، وبعد تفوّهه بعدة کلمات جاء إلی المسجد و قال لعمر: علی رِسلک، ثم استشهد بآیة من القرآن (آل عمران/3/144 أو المزمر / 39/ 30 أو کلتا الآیتین) مؤیداً وفاة النبي (ابن هشام، 4/305-306؛ الطبري، ن.م، 3/200-203؛ ابن سعد، 2/265-270). وکان العباس عم النبي أیضاً قد منع عمر من هذا الکلام قبل حضور أبي بکر في المسجد و تذکیره عمر بوفاة النبي، إلا أن عمر لم یعر کلامه اهتماماً (م.ن، 2/267؛ البلاذري، أنساب، 1/567).

وفي تحلیل القضایا المتعلقه بالسقیفة والإعداد لخلافة أبي بکر، جری البحث في عمل عمر هذا و قیل إنه یبدو مستبعداً أن یکون تصور واهٍ کهذا بشأن وفاة النبي قد خطر علی بال عمر، أو أنه کان جاهلاً بوجود الآیات التي تلاها أبوبکر علیه. ویغلب علی الظن أنه کان متیقناً من أن رسول الله (ص) قد توفي، لکنه مراعاة للمصلحة وخوفاً من أن یُبایَع غیرُ الذي کان یبتغیه، أنکر وفاة النبي إلی أن یحین الوقت المناسب و یحضر ذلک الشخص. والذي یدعم هذا الرأي واستناداً إلی عدة روایات (مثلاً ابن سعد، ن.ص) هو أن عمر لم یکن لیتوقف عن تردید کلامه ذلک في المسجد أو یسکت عنه، إلا بعد حضور أبي بکر و تنبیهه إیاه.

وعن هذه المرحلة من الحوادث المتعلقة بالسقیفة و انتخاب أبي بکر للخلافة، أي منذ وصول أبي بکر إلی المسجد حتی انضمامه و عمر و أبي عبیدة ابن الجراح إلی حشد الأنصار في السقیفة، توجد روایات مختلفة (ابن هشام، 4/306-308؛ ابن سعد، 3/181-182؛ الطبري، ن.م، 3/203-204؛ الإمامة …، 1/5؛ البلاذري، ن.م، 1/581). واستناداً إلی بعض هذه الروایات فقد احتمل أن یکون أبو بکر و عمر و أبو عبیدة قد عقدوا في دار أبي عبیدة مجلساً للتشاور في أزمة اختیار خلیفة للنبي قبل اطلاعهم علی اجتماع الأنصار في السقیفة والتحاقهم بهم (جعفري، 45).

والأخبار المتعلقة بما حدث في السقیفة و مادار بنی المهاجرین والأنصار، مشهورة. وتقول المصادر إن انتخاب أبي بکر کان مصحوباً بجدال و نزاع شدیدین حتی إن الحباب بن المنذر من الأنصار شهر سیفه علی المهاجرین، و قام سعد بن عبادة الذي کاد أن یسحق بالأقدام بجذب عمر من لحیته (الطبري، ن.م، 2/220-223؛ الحلبي، 3/359). وتؤید اضطراباتِ و صراعاتِ هذا المجلس التي بلغت حد معرکة جادة، خطبةُ عمر المنظِّم الأصلي للبیعة التي ألقاها في خلافته من علی منبر المدینة عن کیفیة البعة ورواها ابن عباس المستمع الحاضر ذلک المجلس. وروی هذه الوثیقة التاریخیة ابن هشام (4/308-310) والطبري (ن.م، 3/204-206) وابن حبان (2/152-156) وآخرون. فاستناداً إلی هذه الخطبة وبقیة المصادر فإن الهدوء عاد إلی السقیفة بتدخل أبي بکر وإخراج سعد بن عبادة المریض من المکان. و خلال ذلک دخلت المدینة قبیلة بني أسلم ذات العلاقة بالمهاجرین بحیث ملأ أفرادها الأزقة فبایعت أبابکر (الطبري، ن.م، 3/205؛ فیاض، 131). وروي عن عمر (البلاذري، ن.م، 1/590-591؛ عن أبي بکر) قوله: إن بیعة أبي بکر کانت فلتة وقي الله الناس شرها (الطبري، ن.ص؛ البلاذري، ن.م، 1/583، 584؛ ابن الأثیر، ن.م، 2/326-327؛ قا: نهج البلاغة، الخطبة 136)، وهو الذي کان یقول: ما هو إلا أن رأیت أسلم فأیثنت بالنصر (الطبري، ن.م، 3/222).

وعن الوقائع التي حدثت منذ لحظة وفاة الرسول الکریم (ص) حتی استتباب خلافة أبي بکر بشکل رسمي ولم تستمر سوی یومین ولیلتین، توجد روایات کثیرة، إلا أنه لایمکن أن نستنتج منها لاترتیب وتتابع الحوادث بشکل دقیق ولاالحصول علی أجوبة لهذه الأسئلة: لماذا أطلع عمر أبا بکر فقط علی اجتماع الأنصار في السقیفة؟ لماذا توجه هؤلاء الثلاثة فقط (أبوبکر و عمر و أبوعبیدة) إلی السقیفة لمجابهة الأنصار؟ لماذا وصل بنو أسلم المدینة في هذا الوقت بالذات و کیف؟ ولماذا توجه الجمیع إلی أبي بکر وبایعوه بدل المشارکة في مراسم تکفین و دفن النبي (ص)، أو اللقاء ببقیة المهاجرین؟ و نواجه في هذه المصادر أجوبة لهذه الأسئلة لیست غیرمقنعة فحسب، بل تجعل الشک یتسرب بشکل أوسع إلی صحة بیعة أبي بکر. وقد أورد الشیخ المفید مثلاً روایة عن أبي مخنف أن بني أسلم کانوا قد جاؤوا المدینة لشراء الطعام، فقیل لهم إن نصرتمونا في مبایعة خلیفة رسول الله فستعطیکم طعاماً، لذا هبّ بنو أسلم لنصرة أبي بکر علی أمل الحصول علی طعام إلی الحد الذي کان یضرب معه ویُجرّ للبیعة کلُّ من یمتنع عنها (الجمل، 59). وقد کتب لامنس استناداً إلی مواد تاریخ ابن الفرات أن المجموعة الثلاثیة (أبو بکر و عمر و أبو عبیدة) کانوا واثقین من تعاون بني أسلم (ص 142، ها 7).

وقد سعی بعض الباحثین الشیعة (ظ: مثلاً الصدر، 57-60) آخذین بنظر الاعتبار هذه الشواهد و الدلائل إلیالعثور علی أجوبة أکثر وضوحاً للدسئلة المذکورة: 1. ترک جیش أسامة والعودة إلی المدینة (ابن أبي الحدید، 1/159-160؛ أیضاً ظ: الطبري، ن.م، 3/184، 186)؛ 2. نفي عمر وإنکاره وفاة النبي (ابن هشام، 4/305؛ ابن سعد، 2/266-267، 270؛ الطبري، ن.م، 3/200)؛ 3. الحؤول دون الإتیان بکتف ودواة للنبي (ص) (مسلم، 2/1257-1259؛ البخاري، 1/37؛ ابن سعد، 2/242-245)؛ 4. السعي لإمامة الصلاة بدلاً من النبي (ص) خلال أیام مرضه (أحمد بن حنبل، ن.ص؛ الطبري، ن.م، 3/190، مخـ؛ المفید، الإرشاد، 97-99)؛ 5. قول علي لعمر یوم بیعة أبي بکر: «احلِب یا عمر حلباً لک شطره. اشدد له الیوم أمرَه لیردّ علیلک غداً» (ابن أبي الحدید، 6/11)؛ 6. رسالة معاویة إلی محمد بن أبي بکر و إشارته إلی تواطؤ أبي بکر و عمر ضد علي (ع) و غصبهما الخلافة (المسعودي، مروج …، 321-22)؛ 7. تسلیم أبي بکر الخلافة لعمر؛ 8. حدیث عمر بعد أن ضربه أبو لؤلؤة: لو کان أبو عبیدة حیاً لاستخلفته (ابن سعد، 3/413). فاستناداً إلی کل هذه الدلائل، فإن بیعة أبي بکر لم تکن عملاً متسرعاً وفلتة، بل کانت خطة قدأعدت سلفاً. کما ورد حدیث في الروایات الشیعیة عن هذه الخطة التي أعدت سلفاً (علی عهد الرسول الکریم) (الطبرسي، أحمد، 1/110). وقد فصّل لامنس القول في مقالة له بعنوان «الشوری الثلاثیة» في ائتلاف هؤلاء الثلاثة الذي تم منذ زمن بعید جداً، وأورد فیها – استناداً إلی روایات أهل السنة – أن عمر اعترف فیما بعد بحضور ابن عباس بأن أبابکر اقترح خطة عزل بني هاشم، ذلک أنه کان یعتقد أن الخلافة والنبوة لاینبغيأن تجتمعاً في بیت واحد. وعلی هذا فقد تسلم اثنان من أعضاء الشوری الثلاثیة هذه أعلی سلطة لإدارة الأمور الواحد بعد الاخر علی التوالي. وتدل الروایات الموجودة أن أبا عبیدة لو لم یکن قد مات في وباء عمواس لکان بناء علی وصیة عمر (ظ: أحمد بن حنبل، 1/18؛ ابن سعد، 3/342-343؛ الطبري، ن.م، 4/277) خلیفة المسلمین الثالث (لامنس، 113-117, 137-138, 142-143).

وفي تحلیل ماجری في السقیفة وانتهی بانتصار أبي بکر قیل کلام وقدِّمت أدلة:

1. النزاعات القبلیة الناشبة بین أرهاط قریش (المهاجرین، خاصة بین بني هاشم و بني أمیة و بني مخزوم)، جعلت قبول زعامة رجل مثل أبي بکر الذي هو من رهط بني تیم الأقل أهمیة أمراً سهلاً، ذلک أن بني تیم و بسبب الموقع الضعیف الذي کان لهم بین أرهاط قریش الحاکمة، لم یکونوا قد اشترکوا إطلاقاً في حرب السلطة و الصراعات السیاسیة التي کانت قد انهکت الناس المتورطین فیها، ولهذا السبب فقد کانت الدرضیة ممهدة للمساومة علی انتخاب أبي بکر مع الأخذ بنظر الاعتبار شخصیته و منزلته بین الناس (جعفریي، 49-47).

2. کان العداء القدیم المتجذر بین الأوس والخزرج و المنافسة والغیرة بین عشائر کل من هاتین القبیلتین، عاملاً قویاً في انتصار أبي بکر في السقیفة. وإن کلام الحباب بن المنذر لبشیر بن سعد بن ثعلبة، و هو أول شخص من الأنصار (الخزرج) بایع أبابکر بعد عمر و أبي عبیدة، وکذلک کلام أسید بن حضیر من وجهاء الأوس مخاطباً الأوسیین و مخوفاً إیاهم من الإمارة المحتملفة للخزرج (الطبري، ن.م، 3/220-222؛ الیعقوبي، 2/124؛ الإمامة، 1/8، 9)، یدعم صحة هذا الرأي و قوته (ظ: المفید، ن.م، 101؛ جعفري، ن.ص؛ البهبودي، 14-15؛ الصدر، 63 و مابعدها).

3. جعل انشغال علي (ع) والعباس و بقیة وجهاء بني هاشم في تغسیل الجثمان الطاهر للنبي (ص) و عدم حضورهم الانتخاب والبیعة (ظ: المفید، ن.ص؛ الطبرسي، أحمد، 1/94؛ الإمامة، 1/12)، انتصار أبي بکر أسهل. ویعزز هذا الرأيَ جوابُ المنذر بن أرقم (أحد الأنصار) لعبد الرحمان بن عوف بقوله: إن الرجل الذي ذکرتَ – أي علي بن أبي طالب – لوطلب هذا الأمر لم ینازعه فیه أحد (الیعقوبي، 2/123).

وقد أوجز الشیخ المفید أسباب هذا النصر في عدة جمل کما یلي: انهماک علي بن أبي طالب (ع) في أمر النبي (ص)؛ ابتعاد بني هاشم عن الساحة بسبب المصیبة التي حلّت بهم؛ اختلاف الأنصار؛ کراهیة «الطلقاء و المؤلفة قلوبهم» لتأخیر الأمر (ن.م، 101).

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: