الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن المقفع، أبومحمد عبدالله /

فهرس الموضوعات

ابن المقفع، أبومحمد عبدالله

ابن المقفع، أبومحمد عبدالله

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/7 ۱۸:۵۶:۵۲ تاریخ تألیف المقالة

واستناداً إلی الروایة التي أوردها البلاذري (3/218) فإن ابن المقفع کان مجوسیاً في البدایة، فرغب في الإسلام، حضر مع کبار الشخصیات عشاء عیسی بن علي، فکان یزمزم و هو یتناول الطعام، فقال له عیسی: أتزمزم وأنت علی الإسلام غداً؟ فقال: إني أکره أن أبیت لیلة من غیر دین (أیضاً ظ: ابن خلکان، 2/151). ورغم أن بعض المستشرقین قالوا إن کلام ابن المقفع هذا ینطوي علی نوع من المزاح، إلا أنه لایمکن إنکار حقیقة کونه مجوسیاً قبل الإسلام لامانویاً. وإن التعارض بین الدیانة المجوسیة والدیانة المانویة هو بالمقدار الذي یتعارض فیه‌الدین الإسلامي مع المجوسیة؛ إذن کیف یمکن اعتبار ابن المقفع في کلا الحالتین سواء أکان مجوسیاً أم مسلماً (حتی ولو کان إسلامه ظاهریاً)، مانویاً؟ ومن الممکن أن لایکون ابن المقفع – کما یبدو من مجالسته للمتهمین بالإلحاد – قد اعتنق الإسلام بعمق. لکن هذا الأمر لیس دلیلاً علی أنه اعتنق الدیانة المانویة. وقد دافع غابریلي في مقالة بعنوان «آثار ابن القفع» عن کون ابن المقفع مانویاً (ص 244-236)، لکن دلیله غیرمقنع شأنه شأن أدلة بقیة المستشرقین.

وفي رد القاسم بن إبراهیم الرسي (169-246هـ) علی الکتاب الذي ینسبه لابن المقفع و یدعوه مانویاً ویکیل له السباب بعد کل عدد من الأسطر و یدعو علیه، لایوجد دلیل علی أن هذا الکتاب هو لابن المقفع حقاً. وخلافاً لما یراه غابریلي والآخرون، فإن أسلوب الکلام الذي نقل في هذا الکتاب عن ابن المقفع یختلف تماماً عن أسلوبه في رسائله. وکما یقول غویدي فإنه لم یرد في هذا الکتاب أساساً شيء مهم من کلام ابن المقفع نفسه، ولایتعدی مجموعه 40 سطراً متناثراً (المقدمة، 5). وعلی العکس مما قاله غویدي فإن هدف ابن المقفع من هذا الکتاب لم یکن معارضة القرآن؛ ولایمکن أن تکون عبارة «بسم النور الرحمان الرحیم» (ظ: القاسم بن إبراهیم، ن.ص) دلیلاً علی معارضة القرآن. وفضلاً عن ذلک واستناداً إلی الأخبار الواردة فإن ابن المقفع أراد حیناً معارضة القرآن، لکنه تراجع عن ذلک علی الفور (الباقلاني، 47).

ولو کان ابن المقفع قد ألف کتاباً في دحض القرآن أو معارضته، لکان أبوبکر الباقلاني اطلع علیه، ذلک أنه یقول: «ادعی قوم أن ابن المقفع عارض القرآن، وإنما فزعوا إلی الدرة والیتیمة» (ص 46). ویلاحظ هنا أن المدعین لم یذکروا کتاباً غیر هذین الکتابین. وقد عاش الباقلاني أواخر القرن 4 و أوائل القرن 5هـ، بینما عاش من ادعی – حسب قوله – أن ابن المقفع عارض القرآن، في القرنین 3 و 4 هـ، ولم یشر أي منهم إلی ذلک الکتاب. ثم یقول الباقلاني: «لیس یوجد له کتاب یدعي مدعٍ أنه عارض فیه القرآن» (ص 47).

وعلی هذا ینبغي القول إن مانسبه القاسم بن إبراهیم إلی ابن المقفع من الأمور المتعلقة بدحض القرآن و الإسلام، لیس صحیحاً. ولما کان ابن المقفع قد اشتهر بالزندقة، فقد کتب أولئک الذین کانوا یدینون بالممانویة و یریدون الطعن بالإسلام و القرآن، کتاباً في هذا الموضوع بعد وفاته ونسبوه إلیه لیخفوا أنفسهم وراء اسمه ولیعلنوا في نفس الوقت أهدافهم.

نقل المسعودي في فصل خلافة القاهر بالله من مروج الذهب، کلاماً عن أحد ندمائه في أوصاف الخلفاء العباسیین، و نسب فیه هناک إلی ابن المقفع ترجمة عن کتب ماني ومرقیون وابن دیصان (ط داغر، 4/222-224). لکننا لانصادف کتاباً کهذا في قائمة آثار ابن المقفع المذکورة في الفهرست (ظ: ابن الندیم، 132). وواضح أن یقول ذلک الندیم الذي لم تکن له معرفة کافیة بابن المقفع کلاماً مبالعاً فیه في مجلس اللهو والخمر من أجل إرضاء الخلیفة الثمل الذي یحمل بیده سیفاً یهدده به.

 

آثاره

1. کلیلة ودمنة. أهم آثار ابن المقفع هو ترجمته کلیلة و دمنة من البهلویة إلی العربیة. ونثر هذه الترجمة من النماذج الراقیة للنثر العربي الکلاسیکي (عن أصل کلیلة ودمنه و ترجماتها البهلویة والسریانیة والعربیة والفارسیة، ظ: ن.د، کلیلة و دمنة). وسنتحدث هنا عن الإضافات إلی هذا الکتاب التي یقال إنها لابن المقفع.

أصل کتاب کلیلة ودمنة باللغة الهندیة (السنسکریتیة) هو پنچه تَنتره (الفصول الخمسة) ویضم خمسة من الأبواب الموجودة في الترجمات العربیة و السریانیة و الفارسیة، والفصول الثلاثة الأخری من هذه الأبواب هي من الکتاب الکبیر ملحمة الهند المسمی مهابهارتا. والبعض الآخر من أبواب هذه الترجمات، إما أن تکون له أصول هندیة، أو هو من إضافات الإیرانیین، وأشهر تلک الأبواب باب برزویه الطبیب الذي یقال إنه من إنشاء ابن المقفع نفسه، لکنه نسب في النص العربي لکلیلة ودمنة (ط عزام) إلی بزرجمهر بن البختکان، رغم أنه هو الآخر نقله عن برزویه. وبدایة هذا الفصل کالآتي: «قال بزرجمهر: إن برزویه رأس أطباء فارس و هو الذي ولي انتساخ هذا الکتاب و ترجمه من کتب الهند، قال …» (ص 25).

وهذا الباب کلام نقل عن برزویه الطبیب الذي تحدث فیه عن حیاته و تطوره الروحي و حواره مع نفسه و بحثه للوصول إلی السعادة والحقیقة، وفي الشکوی من حال الزمان وأبناء الزمان، مما جعله یتجه أخیراً إلی الریاضة والزهد و الإعراض عن الدنیا وإلی العمل للآخرة. وبعد بلوغ هذه النتیجة استنسخ عدداً من الکتب الهندیة وجاء بها إلی إیران و من بینها کتاب کلیلة و دمنة هذا. ویستنتج من قراءة هذا الباب أنه ینبغي أن یکون من إنشاء برزویه نفسه، لکن أباریحان البیروني العالم الإیراني الشهیر في الریاضیات و الهندیات یعتقد في کتابه تحقیق ماللهند أن هذا الباب إضافة من ابن المقفع ویقول: ویودّي إن کنت أتمکن من ترجمة کتاب پنچه تنتره وهو المعروف عندنا بکلیلة ودمنة فإنه تردد في الترجمة علی ألسنة قوم لایؤمن تغییرهم إیاه کعبدالله بن المقفع في زیادته باب برزویه فیه قاصداً تشکیک ضعفاء العقائد في‌الدین و دعوتهم إلی الدیانة المانویة … (ص 123).

وقد وافق من بین العلماء الأوروبیین علی کلام البیروني هذا تقریباً کل من نولدکه و هرتل و غابریلي الذي یقول: إن ابن المقفع قدأضاف إلی کلام برزویه علی الأقل القسم المتعلق بالتشکیک في الأیان (ظ: کراوس، 14). ویقول کراوس: إن غابریلي لم یحدد علی وجه الدقة المواضع التي یری أن ابن المقفع أضافها إلی برزویه، لکنه یعتقد أن المؤکد هو أن فصل اختلافات الأدیان و تناقضاتها کان من إضافات ابن المقفع نفسه، ویحتمل کراوس أن ابن المقفع قد فصّل النص الذي کان بین یدیه ووسعه، غیر أنه یری وجود مواضع في النص البهلوي تتعلق بالشک في الأدیان (ص 14-15).

ودلیل کراوس علی ذلک هو نص باللغة السریانیة في المنطق من تألیف بولس الإیراني الذي یبدو أنه کان من سکان ریو أردشیر (ریشهر) وکان متبحراً في العلوم‌الدینیة والفلسفة، وکان یرید أن یصبح مطراناً في فارس ورئیسا لأساقفتها، ولما لم ینل ذلک المنصب، اعتنق المجوسیة (ص 16).

یقول بولس في مقدمة هذا الکتاب عن الفرق بین الفلسفة والدین: لما کان‌الدین عرضة للشک، فإن الأدیان المختلفة في خلاف وخصام مع بعضها. ولذا فهو یعتبر الفلسفة أفضل من‌الدین (م.ن، 17). وقد قارن کراوس بین مقدمة منطق بولس و بین باب برزویه في کلیلة و دمنة (القسم الخاص بدراسة الأدیان والخصومات والنزاعات الناشبة بینها)، وخلص إلی نتیجة مفادها أن کلاماً کهذا یمکن أن یقال فحسب في بلاط ملک مثل أنوشروان، ذلک أنه توجد شواهد کثیرة علی أن هذا الملک کانت له رغبة في الحوار الحر حول المعتقدات والأدیان (ص 17-19).

یقول کراوس: إن بولس الإیراني و برزویه الطبیب قد عاش کلاهما في بلاط أنوشروان، ومن هنا یمکن إدراک أن ادعاء الذین یقولون إن الأفکار الحرة المطروحة في باب برزویه لایمکن أن تکون موجودة في بلاط أنوشروان هو ادعاء غیرصحیح، بل علی العکس، فإن الووضع في زمان ابن المقفع الذي کان یُطارد فیه ذوو الأفکار الحرة بتهمة الزندقة، هو الذي لم یکن مناسباً لهذه الأفکار. وبطبیعة الحال – و کما یقول کراوس – فإنه توجد فروق واضحة في الملاحظات النفسیة والوجدانیة بین برزویه وبولس الإیراني:

فکلام بولس الإیراني موجه إلی ملک إیران، بینما وجه برزویه کلامه إلی المهذبین من أبناء زمانه؛ وکان بولس من أتباع الفلسفة الغربیة، أما برزویه فمولع بالریاضة و الزهد البوذیین؛ وبولس یعتبر العلم و الفلسفة هما الخیر الأسمی للإنسان، بینما یُعرض برزویه عن العلم ویتجه للأخلاق. ویعتقد بولس أن معرفة‌الدین لاتمکّن من التغلب علی الفلسفة، ولاتستطیع أن تبرر نفسها إلا في حالة موافقتها و مطابقتها لها، بینما یُعرض برزویه عن الأدیان ویقف في الجبهة المعارضة للدین (ص 19-20).

واستناداً إلی أقوال کراوس فإن أهمیة تاریخ إیران الروحي تکمن في کونها کالجسر بین الشرق و الغرب. ففي جندیسابور وبقیة مدارس إیران العلیا کانت التعالیم الهندیة و الیونانیة تمتزج مع بعضها و تنمّي کل منهما الأخری،. وبولس الإیراني وبرزویه الطبیب نموذجان بارزان لهذه الحقیقة.

وقد جرت العادة علی أن تنسب الاتجاهات المنفتحة و المستنیرة في الشرق إلی المذهب المانوي والمذاهب والتیارات المشابهة له (وبصورة عامة إلی «الزندقة»). ولهذا السبب نسب نولدکه وغابریلي ذلک القسم من باب برزویه الذي یضم انتقاداً للأدیان و المذاهب إلی محرره بالعربیة ومهذبه ابن المقفع، ذلک أنهم اعتبروه زندیقاً و مانویاً یخفي دینه. یقول کراوسک أظهرت أبحاثنا أن المهذبین و المثقفین علی عهد أنوشروان لم یکونوا ملتزمین بدن معیّن وقد کان لکلام برزویه مایشبه في أثر معاصره بولس الإیراني (ص 20).

ویدعم رأي کراوس هذا أن أنوشروان و رغم کونه مجوسیاً مؤمناً لم یکن متعصباً دینیاً، بل کان یحترم آراء ومعتقدات الشعوب المتحضرة الأخری (الهندیة و الیونانیة) و هو مانقله أبوعلي مسکویه في تجارب الأمم من کتاب سیرة أنوشروان. وماورد في تجارب الأمم هو قطعة في سیرة أنوشروان و سیاسته بقلمه (ظ: أبوعلي مسکویه، 1/100-110). یقول أنوشروان في هذه القطعة: «ولما فرغنا من النظر في سیر آبائنا … نظرنا في سیر أهل الروم و الهند فاصطفینا محمودها، وجعلنا عیار ذلک عقولنا و میزناه بأحلامنا. فأخذنا من جمیع ذلک مازین سلطاننا… ولم تنازعنا أنفسنا إلی ماتمیل إلیه أهواؤنا. وأعلمناهم (الیونان و الرومان) وأخبرناهم به، وکتبنا إلیهم بما کرهنا لهم من السیر و نهیناهم عنه … غیر أنا لم نکره أحداً علی غیر دینه و ملته، ولم نحسهم ماقبلنا، ولا أنفنا من تعلم ماعندهم، فإن الإقرار بمعرفة الحق والعلم والاتباع له من أعظم ماتزینت به الملوک» (م.ن، 1/110).

أما ماذکره البیروني من أن ابن المقفع أراد بإضافته هذا الباب أن یشکک في عقائد ضعاف‌الدین ویدعوهم إلی مذهب المانویة، فهو أمر فرضه علی ابن المقفع، ذلک أنه لدی مطالعة القسم المذکور من هذا الباب، لایستنبط إطلاقاً أن کاتب هذا الباب کان له هدف کهذا، بل کان یقصد جمیع الأدیان و منها المانویة. فإن ادعی أحد أن جمیع الأدیان علی خطأ، فمن البدیهي أنه لایقصد الترویج لدین بعینه، خاصة إذا ادعی أنه لم یجد من الماضین مَن یقول أکثر من الثناء علی دینه و ذم دین الآخرین، وکذلک إذا ادعی أن کلام أرباب الأدیان و استجاباتهم قائمة علی هوی النفس و میولها و لیس علی العدالة، وأنه لم یشاهد أحداً من أرباب الأدیان یتمتع بالعدالة والاعتدال و یعرفه العقلاء و یرضونه (ظ: کلیلة و دمنه، 30).

لکن البدیهي هو أن ابن المقفع قد أضاف إلی کلیلة و دمنة، «باب عَرض الکتاب» الذي اعتبره عزام في مقدمة کلیلة و دمنة لابن المقفع. فقد ورد في آخر هذا الباب «لما رأنا أهل فارس قد فسروا هذا الکتاب وأخرجوه من الهندیة إلی الفارسیة، ألحقنا باباً بالعربیة لمن أراد قراءته وفهمه والاقتباس منه» (ص 12). والدلیل الآخر هو أن الشخص الذي أشیر إلیه بوصفه مثالاً في هذا الباب کان یرید تعلم اللغة العربیة وثقافتها. ویؤدي هذا إلی أن هذا الباب لاعلاقة له بالعهد الساساني (ص 5).

کما اعتُبر باب «الفحص عن أمر دمنة» أیضاً من إضافات ابن المقفع، ذلک أن هذا الباب غیر موجود في پنچه تنتره، کما أنه غیر موجود في الترجمة السریانیة القدیمة. وقیل إن السبب في إضافة هذا الباب أن الکاتب أراد أن لایتصور الناس أن دمنة المثیر للفتن قد تخلص من العقاب. ولایعتقد فتح الله مجتبائي بأن هذا الباب من إضافات ابن المقفع، ذلک أن تأثیر الإملاء البهلوي واضح في کتابة أسماء أعلام قصص هذا الباب ، و یتضح من الدقة في تلک الأسماء أنها بأسرها قد نقلت من اللغة البهلویة إلی العربیة، کما أن الاختلافات التي تشاهد بین النسخ في هذا الباب، تبلغ من السعة أحیاناً أن لایمکن معها تصور أنها جمیعاً من تألیف شخص واحد (ص 33-63). وعدم وجود هذا الباب في الترجمة السریانیة القدیمة، یؤدي بنا إلی أنه لم یکن موجوداً أیضاً في الترجمة البهلویة. ولایوجد دلیل علی أن الترجمة البهلویة قد کتبت مرتین. والاختلاف بین النسخ العربیة یشمل جمیع الأبواب ولایقتصر علی باب «الفحص عن أمردمنة»، لکن رأي مجتبائي بشأن الأعلام في هذا الباب مهم و جدیر بالملاحظة و التدقیق.

2-4. الأدب الکبیر، الأدب الصغیر، الیتیمة. استناداً لقول ابن الندیم فإن ابن المقفع کان أحد المترجمین من الفارسیة (البهلویة الساسانیة) إلی العربیة، وأن من بین الکتب التي ترجمها: الآداب الکبیر (أو الأدب الکبیر) المعروف بـ ماقرا جسنس (؟)، والأدب الصغیر والیتیمة في الرسائل (ص 132). وقد کثرت البحوث أخیراً في الکتب الثلاثة هذه، واعتبر البعض أن الیتیمة، أو الدرة الیتیمة هو نفس کتاب الأب الکبیر. والذي یمکن قوله هنا هو أنه إذا وثقنا بقول ابن الندیم فإن الیتیمة کتاب مستقل. إضافة إلی أنه یقول: الیتیمة في الرسائل، بینما الأدب الکبیر الذي بین أیدینا موضوعه في المواعظ و السیاسة و إدارة شؤون الدولة.

وقد نقل نلینو (ص 130) وکردعلي (ص 115) وعباس (ص 555) عبارة من کتاب إعجاز القرآن لأبي بکر الباقلاني (تـ 403هـ) قیل إنه قال فیها: الدرة الیتیمة کتابان، أحدهما یتضمن حکماً منقولة، والآخر فیه موضوعات عن الدیانات. لکن عبارة الباقلاني هي بالشکل التالي: «وقد ادعی قوم أن ابن المقفع عارض القرآن، وإنما فزعوا إلی الدرة و الیتیمة، وهما کتابان یتضمن أحدهما حکماً منقولة توجد عند حکماء کل أمة مذکورة بالفضل، فلیس فیها شيء بدیع من لفظ ولامعنی، والآخر في شيء من الدیانات …» (ص 47-46). إذن بناء علی قول الباقلاني فقد کان الدرة والیتیمة کتابین یضم أحدهما الحکم و الآداب و المواعة، والآخر یتضمن الدیانات، لا أن الیتیمة نفسه کتابان.

ویروي کردعلي (ص 115-118) عن ابن أبي طاهر طیفور (204-280هـ) في کتابه المنثور و المنظوم «والناس جمیعاً یعتقدون أنه لم یقل أحد مثلها (مثل یتیمة ابن المقفع)»؛ ویضیف ابن أبي طاهر: و هذه الرسالة لانظیر لها ولاأشباه، وهي أرکان البلاغة و منها استقی البلغاء. ثم نقل بعد ذلک مقتطفات من أولها. و هذه المقتطفات لاتوجد في الأدب الصغیر ولا في الأدب الکبیر، ویشکل هذا بحد ذاته دلیلاً علی أن الیتیمة هي غیر الکتابین المذکورین. کما أن نلینو (ص 131-132) نقل موضوعاً عن کتاب جامع بیان العلم وفضله لابن عبدالبر (تـ 463هـ) بواسطة أحمد ابن عمر المحمصاني (عن المختصر) الذي یضم فصلاً من الیتیمة لابن المقفع. وهذا الفصل أیضاً غیر موجود في کتابي الأدب الکبیر و الأدب الصغیر، ویدور حول «الدین» و فیه یقول: إن‌الدین لیس أمراً إنسانیاً موکولاً بالظن و عقیدة الناس و یؤدي إلی إیجاد الخصومات. وهذا الکلام أیضاً غیرموجود في الکتابین المذکورین، و هو مدعم لقول الباقلاني من أن الیتیمة کانت عن الدیانات.

وبناء علی مامر، یمکن الاستنتاج أن مادعاه الباقلاني بـ الدرّة کان في الأصل الدرة الیتیمة، الذي هو نفسه الأدب الکبیر؛ و أن مادعاه بـ الیتیمة، کتاب آخر لم یعثر علیه، وقد وردت مقتطفات منه في عیون الأخبار لابن قتیبة (ظ: 1/74، 85، مخـ) و کتاب ابن أبي طاهر طیفور ومختصر المحمصاني. والمشکلة التي ظلت قائمة هي أن ابن الندیم قال عنه إنه «في الرسائل»، بینما ذکر الباقلاني أنه «في الدیانات»، وهي مشکلة لایمکن حلها إلا عندما یتم العثور علی رسالة الیتیمة بکاملها. وقد اعتبر ابن الندیم الکتب الثلاثة: الأدب الکبیر والأدب الصغیر والیتیمة، مترجمةً، لکننا نقرأ في بدایة الدرة الیتیمة (ص 55) التي هي نفسها الأدب الکبیر: «قال عبدالله بن المقفع». ویستنتج من هذه العبارة أن ابن المقفع کان مؤلف هذا الکتاب ولیس مترجمه. یقول العامري (تـ 381هـ): «إن للمجوس کتاباً یعرف بـ أبِستا و هو یأمر بمکارم الأخلاق و یوصي بها، وقد أتی بمجامعها عبدالله بن المقفع في کتابه المعروف بالأدب الکبیر» (ص 159-160). ویستنبط من کلام العامري هذا أن الأدب الکبیر مترجم. ویقول ابن الندیم – کما مرّبنا – إن الاسم الاخر للأدب الکبیر هو «ماقراجسنس»،وهذا أیضاً یدعم القول بأن أصل الکتاب کان باللغة البهلویة، وإلا فلامعنی لأن یطلق اسم کهذه علی کتاب عربي. فالجزء الثاني من هذا الاسم «جشنس» وهو معرب «گشنسب» هو من الأسماء الإیرانیة، أما جزؤه الأول فلیس معلوماً وربما کان «مهر آزاد»، وفي هذه الحالة یکون اسم الکتب هو «مهر آزاد گشنسب». وهو اسم أحد مؤلفات علي بن عبیدة الریحاني (ابن الندیم، 133). وربما أمکن التوفیق بین هذین الاحتالین بالقول إن ابن المقفع جمع حکماً وأمثالاً ومواعظ من نصوص بهلویة مختلفة وترجمها وأطلق علیها اسم الأدب الکبیر. وقد أعلن إحسان عباس أن بعض المقاطع من الأدب الکبر ذات أصل یوناني (للاطلاع علی الأقوال المنقولة في الأدب الکبیر، ظ: عباس، 543-546).

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: