الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن المقفع، أبومحمد عبدالله /

فهرس الموضوعات

ابن المقفع، أبومحمد عبدالله

ابن المقفع، أبومحمد عبدالله

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/7 ۱۸:۵۶:۵۲ تاریخ تألیف المقالة

وبناء علی ذلک، فإن اللغة العربیة مدینة في نثرها الفني بأسره لعبدالحمید وابن المقفع. فعبد الحمید هو الذي بدأ هذا الأسلوب الجدید، وفي نفس ذلک الزمان بلغ به ابن المقفع درجة من الکمال لم یعد باستطاعة أحد أن یضیف إلیه شیئاً، ولقد طوی النسیان عشرات محاولات التقلید و التدوین و النظم التي جرت علی مر القرون لکلیلة ودمنة. ولهذا السبب فإن المحققین جمیعهم تقریباً سواء أکانوا مستشرقین، أم إیرانیین، أم عرباً یعتبرون النثر العربي، نثراً فاریاً في ثوب عربي (مثلاً ظ: حمزة، 129؛ محمديف 420 ومابعدها).

وأول ظاهرة تلفت النظر إلیها في نثر ابن المقفع هي البناء المنطقي للأسلوب، فالموضوع یقسم بشکل طبیعي، ویتسع ثم یختتم بالنتیجة. لم تعد موجودة فیه القافیة و السجع اللذان تتوالی فیهما الألفاظ لوحدها مراعیة اللحن الآسر. فاللفظ ثوب خیط علی قیاس المعنی ولاحاجة به لأکثر مما أورده ابن المقفع، إلا أن الإنقاص منه یؤدي إلی إصابة معاني العبارات بضرر. والتمایز الرئیس بینه و بین عبدالحمید هو في هذا الأمر، فعبد الحمید کان مایزال آنذاک أسیر القافیة وتناغم أجزاء الجملة، ورغم الجهود التي قام بها في بسط الجمل والبیان الواضح للمعاني، فما زالت الکلمات و الانتقالات هي التي تجره خلقها. أما ابن المقفع فقد انعتق تماماً من هذا القید. المعنی هو الأصل و اللفظ فرعه. الموضوع هو الهدف والکلمة وسیلة. امتزجت في وجوده آثار الثقافتین الیونانیة والهندیة مع الثقافة الإیرانیة، فصنعت منه مفکراً یسعی لإصلاح سیاسة الدولة وأخلاق عامة الناس من جهة، وفناناً مترجماً ترجم و ألف کلیلة ودمنة من جهة أخری. ولم تدع له عقلانیته و کذلک الترامه الشدید بالمعنی و رغبته العارمة في توضیحه و تبیانه، مجالاً للتزویق اللفظي.

کان ابن المقفع قد تعلم العربیة جیداً، وتلقی جمیع بدائعها و صعوباتها و کلماتها الواسعة جداً، سواء من بدو بني هلال، أو من أصحابه علماء اللغة. ولهذا یبدو أنه کان یختار الکلمات المناسبة لواقع الحال دون أن یتعب و یؤذي الذهن و الطبع. حقاً إن الأمر کما یقول: «إن الکلام یزدحم في صدري فیقف قلمي لأتخیّره» (أبوحیان، 1/65؛ أیضاً ظ: حمزة، 142؛ الفاخوري، 548). فنحن نقرأ کلیلة و حتی کتابي الأدب و رسالة الصحابة بیسر وراحة و نفهمها بسهولة لانصدق معها أن المؤلف کلف نفسه عناءً خلال التألیف وأجهد ذهنه في اختیار الکلمات التي هي في متناول الجمیع و علی مقدار المعاني بهذا الشکل الطبیعي. و یبدو أن ذلک هو ماجعل نثره نموذجاً رفیعاً للنثر العربي و جعل جمیع علماء العربیة طیلة 12 قرناً یغرمون به.

إلا أن الأمر لاینبغي أن یکون قد تمّ لابن المقفع بهذه البساطة، إذ یبدو أنه کانت له رسالة تمنح اللغة العربیة من القابلیة و المرونة مایجعلها تتمکن من أن تستوعب داخل إطار تراکیبها و کلماتها حشداً عظیماً من المفاهیم العلمیة و الفلسفیة و الفنیة و الاجتماعیة الحدیثة التي کانت تصب فیها کالسیل الجارف من جمیع أرجاء العالم الإسلامي، و تحولها من لغة محلیة إلی لغة عالمیة. وهذا یعني أن علیه أن یضع جانباً جمیع الأسالیب القدیمة من نثر و شعر – التي کانت فخر العرب طیلة قرون – ویأتي بطروح جدیدة نابعة من صمیم أسالیب اللغة الفارسیة. وأن علیه أن یختار کلمات بعیدة عن الوعورة، و مفهومة للجمیع و تجري علی الألسن بیسر، ولها القدرة علی أن تجد لها مدیً أوسع بمقتضی الزمان، و تغطي جیداً المفاهیم الأوسع للثقافة الجدیدة. و في هذا السبیل لم یخلق ابن المقفع أیة کلمة جدیدة و لم یستعر أیة کلمة من لغته الأم ولم یستخدم أیاً من حشد الکلمات الفارسیة التي وجدت طریقها إلی اللغة العربیة بعده بقلیل. فالکلمات الفارسیة في آثاره هي نفسها التي یمکن ملاحظتها في القرآن الکریم و في الشعر الجاهلي ولغة العصر الأموي أیضاً. وقد کان علمه الواسع و حسه اللغوي القوي یمکنانه من أن یستفید من کنز الکلمات العربیة فحس و یصون حرمة تلک اللغة. و کانت نتیجة اختیاره ذاک أنه لما وضع وحشي الکلامه و بدویه جانباً، تجنب الإتیان بالمترادفات، الذي هو من خصائص أغلب الکتّاب العرب حتی في العصر الراهن. لاجرم إذن أن یبدو إطار الکلمات في آثاره محدوداً جداً.

والعبارات التي نقلت عنه جذابة جداً، فهو ینصح الکتّاب بقوله: «إیاک والتتبع لوحشي الکلام طمعاً في نیل البلاغة، فإن ذلک هو العيّ الأکبر»؛ وقال لکاتبٍ: «علیک بما سهل من الألفاظ مع التجنب لألفاظ السِفلة» (الشریف المرتضی، 1/95)؛ وسئل: ما البلاغة؟ فقال: إذا سمعها الجاهل ظن أنه یحسن مثلها (ن.ص؛ للاطلاع علی روایات أخری، ظ: غفراني 475 وما بعدها).

إن ترکیب الجملة في القرآن الکریم والنثر في القرن الأول الهجري أو في الکتابات المنسوبة للعضر الجاهلي بسیطة في الغالب، و تتکون مجموعة کبیرة من الآیات أو العبارات و الخطب من مبتدأ وخبر، تضم کل واحدة منها کلمة أو اثنتین. وحین یحتاج الکلام إلی توسیع، تهرع المفاعیل و الظروف المختلفة لإسعاف الجملة. وعبارات الحکمة والموعظة والأمر و ماشابهها، لها غالباً خلال الکلام نفس هذا البناء البسیط. و في حالة الحاجة إلی توسیع أکبر، یتم بطبیعة الحال الستخدام الموصولات و حروف الربط، إلا أن الجملة تظل علی حالها بسیطة و خالیة من التعقید. و عند تبیان مفاهیم أوسع غالباً ماتُصب أجراء مفهوم موسع في عبارات قصیرة تُرصف جنب بعضها. لکن تبیان المضامین الفلسفیة و الأخلاقیة و الاستدلالیة و الجدلیة، وکذلک روایة القصص الطویلة، لن یکون بإمکانه أن یأخذ مکانه في بناء الجملة القصیر والمضغوط، وغالباً ما تنشطر الجملة الأصلیة اضطراراً لتدخل فیها جملة أو عدة جمل تابعة، ثم یزین کل من هذه الأجزاء بصفات و ظروف و تراکیب إضافیة و عشرات الأدوات الأخری، لتتضح أخیراً بشکل کامل الفکرة التي نضجت في مخیلة الکاتب؛ ولهذا تبدو عبارات کلیلة و دمنة أکثر تفصیلاً من العبارات المعهودة في ذلک العصر.

ولاشک في أن اللغة الأصلیة و هي البهلویة لم تکن دون تأثیر في هذه الترجمة، ولایظهر اختلاف کبیر بین نثر ابن المقفع في هذه الترجمة و نثر کتاباته و ترجمته الأخری. ومع کل ذلک، وحیثما تطرق الحدیث إلی النصیحة و الحکمة العامة و إرشاد الناس، شعر القارئ أن العبارات أقصر و کأن القائل ینوي أن یترک تأثیراً في مستمعه ویمضي. و في مثل هذه المضامین یشبه نثر ابن المقفع إلی حدّما نثر الخطب، الذي کان یعرفه هو أیضاً بشکل جید و هذا التشابه الذي و عاه حمزة جیداً واستنتج منه أن ابن المقفع و عبدالحمید قد تأثرا بنثر الخطابة (ص 132-133).

ولاشک في أن المفاهیم الإیرانیة، بل وحتی الهندیة والیونانیة التي اتخذت شکلها في ذهن ابنالمقفع، کان علیها أن تتلاءم قدر المستطاع مع ثقافة و لغة عامة الناس أیضاً. ولذا – و کما یقول عبدالجلیل – فإنه أضفی علی لغة أبطاله لوناً إسلامیاً وجعل الکثیر من جوانب الفکر والحیاة الاجتماعیة و المادیة التي تظهر بوضوح في کلیلة و دمنة متطابقة و عصره، إلا أن قیمة الکاتب تتضح أیضاً بشکل أکبر في قدراته الأدبیة: فقد نجح في إنتاج نثر في غایة البساطة و المتانة، واستخدم تراکیب واسعة و متناسقة بمهارة یندر معها أن یجد الزلل إلیها سبیلاً. واللغة العربیة في کتابه ما تزال کالماء الکدر الذي یعلوه الزبد، لکنه ینساب أحیاناً بحیث تظنه نهراً انحدر من جبلٍ، شفافاً و کأنک تستطیع لمس عمق مائه أیضاً (ص 129).

إن دراسة نثر ابن المقفع و نقده هو أمر دأب علیه الکتّاب العرب منذ أمد بعید، رغم أن الروایات المتعلقة بهذا الأمر لیست کثیرة. والروایة الشهیرة جداً هي التي نقلها السیوطي (2/158) عن الأصمعي وقال فیها: قرأت آداب ابن المقفع، فلم أرَ فیها لحناً، إلا وضعه الألف و اللام في أول «بعض» و«کل». ویبدو أنه لم یکن منه ضیر و کان متداولاً بین الشعراء و الکتّاب (ظ: غفراني، 496-499).

ربما و بتأثیر من القدماء – خاصة الجاحظ (ظ: الحیوان، 1/76) – شهر طه حسین سیف النقد. فهو و بعد بحث وافٍ عن سعة الثقافة واللغة الیونانیة، یدحض رأي المستشرقین الذین یرون بتأثیر من الشعوبیة أن النثر العربي مدین جداً لفارسیة (2/428-429؛ قا: ضیف: 140-144)، ویعتقد أن العرب مدینون للیونانیین بشکل أکبر (حسین، 2/430). وبشأن ابن المقفع نقل طه حسین أولاً قول ولیم مارسیه الذي یتساءل فیه «إلی أي مدیً ترکت اللغة الفارسیة أثراً في کتابات و ترجمات ابن المقفع؟ وهل کانت ترجمة حرفیة بصبغة فارسیة، أم ترجمة حرة بصبغة عربیة؟». ویجیب مارسیه نفسه علی هذا بقوله: إن الإجابة علی هذا السؤال غیر ممکنة، ذلک أن النصوص البهلویة لتلک الاثار مفقودة الآن (2/431). ویدعي طه حسین أنه یمکن الوصول إلی جواب مقنع حتی من غیر تلک النصوص و هو یقول بهذا الصدد: «عندما تقرأون کتابته تجدون فیها شیئاً من الالتواء والدوران، و نحس و نحن تقرأ، أن الکاتب یجد مشقة في التعبیر عن المعاني التي یحسها، ونحس هذا الضعف الذي یکلفه الکاتب للعربیة، نحسه لابعقولنا فحسب، بل بآذاننا، فنجد ابن المقفع یکلف النحو العربي تکالیف ربما لم یکن النحو العربي مستعداض لأن یتحملها. وإن ابن المقفع مع أنه زعیم الکتّاب و صاحب الایات … لم یکن عظیم الحظ من الفصاحة و النحو العربي … إنه لم یکن أکثر من مستشرق یحسن اللغة العربیة و الفارسیة» (2/431-432).

وبعد طه حین کان عبدالوهاب عزام هو الأدیب المعروف الآخر الذي تناول هذه القضیة مرة أخری، والذي عثر علی أقدم مخطوطة موجودة من کلیلة و دمنة (مکتوبة في 618هـ)، وطبعها في 1360هـ/ 1941م بالقاهرة. وقد أورد في مقدمته الوافیة عدة نماذج من نص الکتاب والتي هي ترجمة حرفیة أو مستقاة من تراکیب اللغة الفارسیة (= البهلویة) (ظ: حمزة، 138-139). وانبری حمزة هذه المرة للتحقیق في الموضوع واعتبر السبب الأصلي لتلک الحالة هو الترجمة (ص 134-135). وعند ذلک قال: توجد في الکتب الثلاثة الأدب الکبیر و رسالة الصحابة و کلیلة و دمنة التي یعدها العرب «آیة البلاغة العریة ومعجزة النثر العباسي»، جمل ضعیفة بکثرة. ثم ذکر من بینها خمسة نماذج عیهبا استعمال حرف الجر «علی» بلامسوّغ في نقل أجزاء الجملة، والاضطراب في عود الضمائر (ص 135-138).

ویبدو أن شوقي ضیف لایؤید کثیراً هذه الآراء، فهو یشیر إلی ثناء الجاحظ علی ابن المقفع إذ یقول: «لم یفسر البلاغةَ تفسیرَ ابن المقفع أحدٌ قط» (البیان، 76)، ثم یتناول قسماً من أشد نقود طه حسین حدة ویدحضها جمیعاً، ذلک أنه أولاً یری أن آثار ابن المقفع مضی علیها أکثر من ألف عام قبل أن تطبع، وکانت تتداولها أیدي الناسخین، و إن مالاحظه ربما رجعت تحریفاته إلی أصناف هؤلاء الناسخین؛ وثانیاً أن ابن المقفع نشأ في بیئة عربیة وفي آل الأهتم، و کان شاعراً کما کان کاتباً، ولذا لایمکن عده کأحد المستشرقین؛ خاصة وأن ابن الندیم (ص 140) جعله من البلغاء العشرة الذین قاموا علی رأس أدباء العصر العباسي وکتّابه، کما أن الجاحظ أثنی علیه (ضیف، 141). ومع کل هذا لاینبغي المبالغة بحقه واعتبار جمیع ترجماته من الطراز الأول، فمثلاً یبدو أن ترجمته لمنطق أرسطو لم تکن موفقة کثیراً، کما أن الجاحظ (الحیوان، 1/76) انتقده في هذا المضمار (ضیف، 140).

إن جمیع الکتّاب العرب أوردوا مقلدین بعضهم البعض الآخر، نقاط شعف ترجمته بعبارات عامة، لکن لاطائل من وراء ذکرها (مثلاً ظ: الفاخوري، 549).

وتجدبنا القول إن غفراني قد نقل تقریباً جمیع النقود و أورد في ردها ملاحضات وأدلة متعددة کان بعضها صائباً حقاً (ص 496-508).

 

المصادر

ابن الأثیر، الکامل؛ ابن إسفندیار، محمد، تاریخ طبرستان، تقـ: عباس إقبال، طهران، 1320ش؛ ابن أعثم الکوفي، أحمد، الفتوح، حیدرآبادالدکن، 1395هـ/ 1975م؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن عبد ربه، أحمد، العقد الفرید، تقـ: أحمد أمین وآخرون، بیروت، 1402هـ/1982م؛ ابن المقفع، عبدالله، آیین بزرگي (الترجمة الفارسیة لکتاب الأدب الکبیر)، تجـ: ذبیح بهروز، طهران، 1337ش؛ م.ن، «الأدب الکبیر» (= «الدرةالیتیمة»)، رسائل البلغاء، تقـ: محمد کرد علي، القاهرة، 1331هـ/ 1913م؛ ابن مکي، عمر، تتقی، اللسان، تقـ: عبدالعزیز مطر، القاهرة، 1386هـ/1966م؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبوتمام، حبیب، دیوان الحماسة، شرح الخطیب التبریزي، دمشق، 1331هـ؛ أبوحیان التوحیدي، الإمتاع و المؤانسة، تقـ: أحمد أمین وأحمد الزین، القاهرة، 1939م؛ أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني، القاهرة، 1392هـ/1972م؛ الأشعري، سعد، المقالات والفق، تقـ: محمدجواد مشکور، طهران، 1963م؛ إقبال آشتیاني، عباس، شرح حال عبدالله بن المقفع فارسي، برلین، 1926م؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، تقـ: عبدالعزیز الدوري، بیروت، 1398هـ/ 1978م؛ م.ن، فتوح البلدان، تقـ: عبدالله أنیس الطباع و عمر أنیس الطباع، بیروت، 1407هـ/1986م؛ البیهقي، إبراهیم، المحاسن و المساوئ، بیروت، 1390هـ/1970م؛ تاج العروس؛ الجاحة، عمرو، البخلاء، تقـ: أحمد عوامري بک وعلي الجارم بک، بیروت، 1403هـ/1983م؛ م.ن، البیان والتبیین، تقـ: فوزي عطوي، بیروت، 1968م؛ م.ن، الحیوان، تقـ: عبدالسلام محمد هارون، بیروت، 1385هـ/ 1966م؛ الجهشیاري، محمد، الوزراء و الکتّاب، القاهرة، 1357هـ/1938م؛ حسین، طه، من تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1982م؛ حمدالله المستوفي، تاریخ گزیده، تقـ: عبدالحسین نوایي، طهران، 1362ش؛ حمزة، عبداللطیف، ابن المقفع، القاهرة، 1937م؛ الخطیب التبریزي، شرح دیوان الحماسة (ظ: همـ، أبوتمام)؛ السیوطي، المزهر، تقـ: محمد أحمد جاد المولی وآخرون، بیروت، 1406هـ/1986م؛ الشریف المرتضی، علي، أمالي، القاهرة، 1325هـ/1907م؛ ضیف، شوقي، الفن و مذاهبه في النثر العربي، القاهرة، 1971م؛ الطبري، تاریخ؛ عبدالجلیل، ج.م.، تاریخ أدبیات عرب، تجـ: آ. آذرنوش، طهران، 1363ش؛ غفراني خراساني، محمد، عبدالله بن المقفع، القاهرة، 1965م؛ الفاخوري، حنا، الجامع في تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1986م؛ الماوردي، علي، أدب الدنیا والدین، تقـ: مصطفی السقا، بیروت، دارالکتب العلمیة؛ محمدي، محمد، فرهنگ إیراني پیش از إسلام، طهران 1356ش؛ مینوي، مجتبی، مقدمة وحواش علی نامۀ تنسر، طهران، 1311ش؛ یاقوت، الأباء؛ الیعقوبي، أحمد، تاریخ، بیروت، 1379هـ/1960م؛ وأیضاً:

EI2; Gabrieli, F., «L’ opera di Ibn al-Muqaffa’», RSO, Rome, 1931-1932, vol. XIII; Justi, F., Iranisches Namenbuch, Hildesheim, 1963; Sourdel, D., «La biographie d’Ibn al- Muqaffa’ d’ après les sources anciennes», Arabica, 1954, vol. I; Wiet, Gaston, Introduction á la littérature arabe, Paris, 1966.

آذرتاش آذرنوش/ هـ

 

II. معتقداته و آثاره

 

الزندقة

إن التهمة التي وجهت لابن المقفع بوصفه زندیقاً أو مانویاً هي أمر قابل للبحث، فقد کان للزندقة معنیً عام وواسع و هو عبارة عن الإلحاد و انعدام‌الدین والاستهزاء بالشعائر‌الدینیة، أو عدم إعارة تلک الشعائر أهمیة، وإظهار اللامبالاة بها. کما کان لها معنیً خاص و محدد وهو اتّباع دین ماني. ومنذ بدایة استخدام هذه الکلمة و شیوعها بین المسلمین، کان کلا معنییها شائعاً، لذا أحاطت هالة من الغمضو و الشک بالذین اشتهروا بها: تری هل کان المتهم بالزندقة هو الملحد و عدیم‌الدین و اللامبالي بالشعائر‌الدینیة، أم من یدین بالدین المانوي؟ إن مثل هذه الهالة من الغموض تحیط بابن المقفع أیضاً. فقد دعاه بعضهم زندیقاً فحسب، واعتبره البعض مثل أبي ریحان البیروني (ظ: ص 123) علی‌الدین المانوي. و من بین الکتّاب و الرواة الأوائل، کان ابن المقفع متهماً بالزندقة فحسب، لکنه واعتبر منذ القرن 3 هـ و مابعده، مانویاً بسبب کون لفظ «زندیق» مشترکاً بین الإلحاد و المانویة علی أقوی احتمال. ویلاحظ هذا الأمر في الروایة التي نقلها المسعودي (مروج …، ط داغر، 4/224)، وقد دعاه البیروني مانویاً کما ذکرنا آنفاً.

ومن بین الکتّاب الإسلامیین تناول الشریف المرتضی (تـ 436هـ) بشکل أفضل من بقیة المؤلفین معنی الزندقة و المتهمین بها 01/88 ومابعدها). فقد تحدث في هذا الفصل عن أولئک الذین کانوا یتسترون بستار‌الدین الإسلامي لیصونوا دماءهم وأموالهم. و هو یصفهم بأنهم «الزنادقة الملحدون والکفار المشرکون»، و یعدهم خطراً کبیراً علی الإسلام و المسلمین، ذلک أنهم بتظاهرهم بالإسلام یحققون سراً مآربهم التي یکتمونها، کما ادعی عبدالکریم ابن أبي العوجاء بعد إلقاء القبض علیه أنه اختلق 4 آلاف حدیث. ویری الشریف المرتضی أن عدد أولئک کان کثیراً و ذکر من بینهم الولید بن یزید (الخلیفة الأموي) و حماد عجرد وحماد الرواویة و حماد بن الزبرقان و عبدالله بن المقفع و عبدالکریم بن أبي العوجاء و بشار بن برد و مطیع بن إیاس و یحیی بن زیاد الحارثي وصالح بن عبدالقدوس الأزدي و علي بن خلیل الشیباني (1/88-89). ویلاحظ بین هؤلاء المعروفین بالزندقة، أشخاص لایوجد دلیل علی مانویتهم کالولید بن یزید الذي کان متجاهراً فحسب بالفسق و الفجور وإهانة القرآن، أو حماد الراویة الذي کان فاسقاً معاقراً للخمر (ظ: م.ن، 1/89-93).

وکان الشریف المرتضی یذکر نقلاً عن الجاحظ أسماء أشخاص کانوا یجتمعون مع بعضهم و یشربون الخمر و یقولون الشعر و یهجو بعضهم بعضاً، و یورد من بین هؤلاء اسم ابن المقفع. ویقول الجاحظ کان أولئک جمیعاً متهمین بالإلحاد. لکنه لم یشر إلی کونهم مانویین جمیعاً (الشریف المرتضی، 1/90؛ أیضاً ظ: الجاحة، الحیوان، 4/447-448).

إذن یمکن القول بصورة عامة إن «زندیق» کانت تطلق بمعناها العام علی الذین لم یکونوا یرغبون في الإسلام علی مایبدو، وکانوا من أهل الأدب والشعر، و کانت لهم مجالس خاصة یتحدثون فیها بحریة عن الأدب و الثقافة و ربما استهزأوا ببعض المتظاهرین بالورع و المتشددین في‌الدین. یقول الشریف المرتضی عن حماد بن الزبرقان و أبي الغول النهشلي إن هذین الاثنین اتفقا علی أن لایأمر النهشلي حماداً بالصلاة، ولایدعو حمادٌ النهشليَّ إلی الشراب (1/92). ونقل الشریف المرتضی عن ابن المقفع تمثّله ببیتین شهیرین للأحوص خلا مروره قرب بیت نار للمجوس (1/94). وتمثل ابن المقفع قرب بیت النار هذایمکن أن یکون دلیلاً علی مجوسیته لامانویته. کذلک نقل الشریف المرتضی عن الخلیفة العباسي المهدي أنه قال علی مایبدو: ماوجدت کتاب زندقة قط، إلا وأصله ابن المقفع (1/93-94). فإذا کان هذا الکلام صحیحاً فإن هذه هي الزندقة بمعناها العام، إذ کیف یمکن القبول بأن ابن المقفع کان مصدر الآثار المانویة وأصلها. ولانعرف لابن المقفع مؤلفات کهذه سوی الکتاب الذي نسبه له القاسم بن إبراهیم (ص 8)، ویغلب الظن أن یکون هذا مختلقاً أیضاً. فقد وصف الشریف المرتضی نفسُه، ابنَ المقفع بأنه قلیل‌الدین (1/94). ویستشف من ذلک أنه لم یکن یعتبره مانویاً.

وعن تمثل ابن المقفع ببیتي الأحوص الشهیرین، فقدوردت في الأغاني روایة أخری تقول: أخذ قوم من الزنادقة وفیهم ابنٌ لابن المقفع، فمروا بهم علی أصحاب المدائن، فلما رآهم ابن المقفع خشي أن یسلم علیهم فیؤخذ، فتمثل بالبیتین المعروفین للأحوص، ففطنوا لما أراد، فلم یسلموا علیه، ومضی (أبوالفرج، 21/107-108). ویبدو أن روایة الأغاني هذه غیر صحیحة، ذلک أن المؤخین لم یوردوا اسم نجل ابن المقفع ضمن المتهمین بالزندقة؛ ولو کان ابنه اعتقل بسبب الزندقة، فلماذا لم یعتقل هو الذي کانت له شهرة کهذه بین أعدائه؟ إضافة إلی ذلک فإن اعتقال الزنادقة تم أکثر ماتمّ في عهد المهدي الذي لم یکن ابن المقفع حیاً فیه. وروایة الأغاني هذه منفردة من جمیع جوانبها ولیس لدینا مایؤیدها من مصدر آخر.

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: