الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن المقفع، أبومحمد عبدالله /

فهرس الموضوعات

ابن المقفع، أبومحمد عبدالله

ابن المقفع، أبومحمد عبدالله

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/7 ۱۸:۵۶:۵۲ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ الْمُقَفَّع، أبومحمد عبدالله (ح 106-142هـ/724-759م)، کاتب کبیر و مترجم الآثار البهلویة إلی العربیة.

 

دراسة المصادر

لم یرد في الکتب القدیمة ترجمة مما یتناسب وهذه الشخصیة الشهیرة، کما لم تکن تتوفر وإلی فترةٍ مالدی الباحثین الروّاد مصادر أخری عدا المصدرین الرئیسین اللذین یشکلان في الواقع المصدرین الفریدین النافعین و بشيء من التفصیل عن جوانب من حیاته الاجتماعیة و صراعاته السیاسیة، وهذان الأثران الرئیسان هما: أنساب الأشراف للبلاذري (تـ 279هـ) والوزراء و الکتّاب للجهشیاري (تـ 331هـ). ورغم کون المعلومات التي قدمها ابن أعثم (تـ 314هـ) أقدم من معلومات الجهشیاري، إلا أنها لم تکن نافعة بالمستوی الذي قدمه هذا المصدران. ومع ذلک فإن القسم الأکبر من روایات هذین الکتابین وبأسلوب مغایر و قلیل من الاختلاف قد جمع في وفیات الأعیان لابن خلکان. إن المؤلفین المتأخرین الذین استفادوا جمیعهم تقریباً منه، لم یبتعدوا في هذا القسم من الروایات عن طریق الصواب، إلا أنهم کانوا في حیرة من أمرهم في بیان التفاصیل و ربط الوقائع ببعضها. والدلیل البارز علی ذلک النقص یمکن ملاحظته فیما کتبه غابریلي؛ فقد استفاد عند شروعه بکتابة مقالته في 1931-1932م بالدرجة الأولی من وفیات الأعیان، ثم اعتمد بعد ذلک علی حشد من الروایات ذات الأهمیة الثانویة التي هي غالباً مشکوک فیها و تحیط بها التساؤلات. واستفاد بعد ذلک من آثار آخرین أمثال ابن الندیم وابن الجوزي والصفدي وأبي الفرج الأصفهاني وابن قتیبة (ظ: غابریلي، 245). وفي 1954م انبری سوردل الذي عثر علی المصدرین الأساسیین المذکورین، لإکمال مقالة غابریلي، ونظراً لاهتمامه بالقضایا التاریخیة، فقد استطاع أن یقدم مستعیناً بهذین المصدرین و بعض الشواهد التاریخیة ترجمة واضحة نسبیاً لحیاة ابن المقفع.

وهذا النقص واضح بطبیعة الحال في المؤلفات الشرقیة أیضاً، ومن ذلک أن النقص الناجم عن عدم الاعتماد علی ذلکما المصدرین کان واضحاً في مقالة عباس إقبال آشتیاني الوافیة والقیمة. وفي الشرق بدأت البحوث المتعلقة بابن المقفع في الحقیقة بهذا الأثر الذي نشر في مجلة کاوه (برلین، 1926م)، ولقد استفاد إقبال – إضافة لاستفادته من المصادر العربیة المتداولة وخاصة وفیات ابن خلکان – من الآثار الفارسیة القدیمة أیضاً أمثال تاریخ طبرستان لابن إسفندیار، لکنه لم یکن قد اطلع علی المصدرین الرئیسین (البلاذري و الجهشیاري) وعدة آثار أخری مما نُشر فیما بعد. ولذا فإن عمله رغم أسلوبه الجید في التحقیق والاستفادة من دراسات المشتشرقین، لم یکن – و کما أشار مینوي إلی ذلک (ص «یز») – خالیاً من النقص.ولم یضف کتاب ابن المقفع لخلیل مردم الذي طبعه بعد 4 سنوات (1930م) من ذلک التاریخ، شیئاً مهماً للمعلومات التي نشرت فیما مضی. وفي کتاب ابن المقفع لمحمد سلیم الجندي (1936م) وردت معلومات جدیدة ضئیلة، إلا أن تحلیل حیاة وآثار ابن المقفع قد بدأ. وقد اطلع عبداللطیف حمزة علی أهم المصادر وعلی کتاب إقبال و مصادره الفارسیة أیضاً، وقدم ترجمة جیدة نسبیاً لابن المقفع مصحوبة بالتحلیل والآراء الشخصیة الکثیرة (1937م)، ودرس خلال ذلک آثاره أیضاً، لکن البحوث الجانبیة غلبت علی کتابه.

وفي المقالة الموسعة التي کتبها محمد کردعلي (1948م) تستلفت النظر بشکل أکبر الآراء الخاصة للکاتب. ولم یأت کتاب ابن المقفع لعمر فروخ (1949م) بشيء جدید. وقد کرر حنا الفاخوري في کتابه ابن المقفع (1957م)، مع قلیل من التحویر ماکان قد کتبه في مقالة له في کتابه تاریخ الأدب. واتخذ محمد غفراني خراساني، ابن المقفع موضوعاً لرسالة ماجستیر، ونشر في 1965م کتاباً بلاشک هو أفضل کتاب ألف في الشرق عن ابن المقفع. فقد استطاع أن یدرس تقریباً جمیع المصادر القدیمة والحدیثة العربیة والفارسیة ووضعها بأسرها طبقاً لأسلوبه واستناداً إلی آرائه الخاصة في بوتقة النقد. وتستلفت النظر شجاعته، فهو ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن کتابه قد طبع بمصر، انبری لدحض آراء مشاهیر من أمثاله طه حسین و عزّام.

 

I. حیاته

کان اسم والد ابن المقفع في الواقع داذویه (ابن خلکان، 2/155؛ أیضاً ظ: یوستي، 82)، رغم أن داذویه تحرف أحیاناً إلی داذبه (مثلاً البلاذري، أنساب …، 3/218؛ ابن إسفندیار، 11؛ تاج العروس، مادة قفع). وقد ذکر ابن الندیم (ص 132) أن اسم أبیه الإسلامي هو مبارک الذي یبدو أنه الترجمة العربیة للاسم روزبه، لکن الزبیدي في تاج العروس دعاه بـ «داذجشنش» (دادگشنسب). ومع کل ذلک فإن مینوي (ن.ص) یعتقد أن اسم عبدالله قبل إسلامه کان داذبه الذي صُحف إلی روزبه. کما کان لأبیه أیضاً اسم داذجشنس (= داذگشنسپ الذي مخففه داذویه). کان داذویه من أشراف أهل فاس (البلاذري، ن.ص)، و عندما کان الحجاج بن یوسف والیاً علی العراق، عینه مأموراً لجمع خراج فارس، إلا أنه مدّ یده وأخذ الأموال فعذبه الحجاج حتی تقفّعت یده (البلاذري، ابن الندیم، ابن خلکان، ن.صص؛ قا: غابریلي، ن.ص؛ سوردل، 308). ویذکر اسم خالد بن عبدالله القسري أحیاناً محل اسم الحجاج، وأن الذي عذبه هو یوسف بن عمر الثقفي (ابن خلکان، ن.ص)، إلا أن نتیجة الروایة واحدة علی أیة حال و هي أن «المقفع» أصبع لقباً لداذویه، فدعي ابنه روزبه بابن المقفع.

کان ابن المقفع قبل إسلامه قد اشتهر بروزبه وکان یکنی بأبي عمرو. وبعد اعتناقه الإسلام اختار اسم عبدالله وکنیة أبي محمد (البلاذري، ابن الندیم، ن.صص؛ عن القراءات الأخری لکلمة مقفع، ظ: ابن مکي، 139؛ ابن خلکان، ن.ص).

یبدو أن روزبه قد ولد في جور (= گور) التي هي نفسها فیروزآباد بفارس (ظ: الجهشیاري، 75؛ EI2؛ قا: ابن الندیم، ن.ص). وکان مایزال طفلاً عندما ذهب إلی البصرة مع أبیه الذي کان حریضاً علی تأدیبه، یجمع إلیه الأدباء و یأخذه بمشاهدة مجالسهم (ظ: البلاذري، ن.ص)، ثم اختار لتربیته اثنین من فصحاء عرب البادیة هما أبوالغول وأبوالجاموس اللذان کانا یفدان علی البصرة بشکل دائم (ن.ص؛ ابن الندیم، 50). وبالإضافة إلی علم ابن المقفع الواسع باللغة البهلویة والذي کان قد اکتسبه في فارس (إقبال، 10-11)، فإنه قد تعلم العربیة من ألسن الفصحاء و الأدباء المهرة باللغة العربیة إلی الحد الذي أصبح فیه في مصاف الفصحاء. وتدل بضع دعابات نسبها إلیه البلاذري (ن.م، 3/220) علی اهتمامه باللغة والفصاحة علی الأغلب.

یبدو أنه قبل سنة 126هـ/ 744م کان المسیح بن الحواري حاکماً علی سابور و کان ابن المقفع کاتباً عنده. ثم أن عبدالله بن عمر بن عبدالعزیز عزل المسیح عن الحکم وأرسل سفیان بن معاویة المهلبي بدلاً منه. وقد توجه سفیان إلی مقر عمله. إلا أن المسیح الذي کان مدرکاً لعدم سیطرة الخلیفة علی تلک البلاد و ما تعج به من اضطرابات في القسم الشرقي، امتنع عن تسلیم الولایة لسفیان واقترح علیه أن یعطیه 500,000 درهم لیعود أدراجه، أو أن یعطي هذا المبلغ للمسیح لیتخلی له عن السلة ویصبح حاکماً، لکن سفیان رفض ذلک العرض. غیر أن ابن المقفع الي کان علی مایبدو سفیراً بینهما، أطال أمر المفاوضات إلی أن تمکن المسیح و کاتَبَ الأکراد الذین کانوا متنفذین في تلک البلاد وجمع أصحابه، وعندما قوي أمره، طلب إلی سفیان أن یعود من حیث دتی. وفي القتال الذي دار بین الاثنین تمکن المسیح من أن یکسر بضربةٍ ترقوة سفیان الذي انهزم إلی دورق علی حدود خوزستان وحمل في قلبه الحقد علی ابن المقفع. وسوف یُلاحظ کیف أن هذه المعلومات الدقیقة التي ذکرها الجهشیاري (ص 72) والتي لاتوجد في أي مصدر آخر، ستکون علی جانب کبیر من الأهمیة في إلقاء الضوء علی مقتل ابن المقفع.

وأخیراً، وبعد أن طرد المسیح في 129هـ من سابور (الطبري، 7/372)، عاش ابن المقفع لفترة من الوقت في کرمان. وهو مایستفاد من کلام الجهشیاري (ص 75) الذي قال إن ابن المقفع کان کاتباً لداود بن یزید بن عمر بن هبیرة في کرمان، وإنه تمکن من أن یجمع ثروة کبیرة آنذاک (أیضاً ظ: البلاذري، ن.م، 3/218). وما ذکره البلاذري في کتاب الفتوح (ص 650) مدعاة للنظر؛ فاستناداً لقوله: لما ولي صالح بن عبدالرحمان خراج العراق (96هـ/715م) تقبّل منه ابن المقفع بکور دجلة، ویقال بالبِهقُباد، فحمل مالاً فکتب رسالته في جلد وصفّرها بالزعفران. یقول الرواي: والسبب في ذلک هو علمه بأمور العجم. صحیح أن براعة کهذه لیست بعیدة عن أدب ابن المقفع، لکن إذا تقبلنا – وکما سیأتي لاحقاً – أنه ولد في 106هـ/724م، فسیکون التاریخ المذکور یسبق بعشر سنوات میلاد ابن المقفع. وفي هذه الحالة ینبغي التردد في قبول روایة البلاذري. أما إقبال فإنه و من غیر أن ینتبه إلی هذه النقطة تقبل ماذکره البلاذري و نقله في کتابه (ص 10).

لاشک في أن ابن المقفع لم یمکث طویلاً في کرمان، ذلک أن الحروب المتعاقبة بین أبي مسلم و من معه من الأمراء المؤیدین للعباسیین قد اجتاحت بسرعة جمیع أرجاء إیران وسقطت الدولة الأمویة في 132هـ. وقد قتل کبار شخصیات هذه الدولة، بینما اختفی بعضهم، وشمل العفو کثیراً منهم أیضاً و ظلوا في مناصبهم. ومع کل ذلک فقد بقي ابن المقفع یعیش في أمن، لکنه غادر کرمان واتجه إلی البصرة و هناک – وکما یستفاد من مجموعة روایات – عاش في دعة ورفاهیة متردداً علی کبار الشخصیات، وأصبح صدیقاً لمعن بن زائدة و مسلم بن قتیبة و عمارة بن حمزة و ابن أبي لیلی وابن شبرمة (ظ: سوردل، 310).

إضافة إلی ذلک، فقد أشار البعض إلی لاقة حمیمة له بعید الحمید الکاتب (مقـ 132هـ) أیضاً. إن قصة هذه الصداقة التي ظلت کیفیتها خافیة علینا، والتي یمکن الشک أیضاً في أصهلا بسبب بعد المسافة بین الکاتبین، أوردها الجهشیاري (ص 52) وابن خلکان (3/231)، ثم تقلبها تقریباً جمیع الکتّاب الشرقیین بدءاً من إقبال (ص 22)، ثم مَن تلاه و نقلوها في آثارهم، وخلاصتها أن عبدالحمید، الکاتب الوفي لمروان فرّ من مطاردة العباسیین واختفی في أحد الأماکن ببلاد الجزیرة، وحین بلغت الشرطة العباسیة المکان الذي اختفی فیه وجدت فیه اثنین، فقال الذین دخلوا علیهما: أیکما عبدالحمید؟ فقال کل واحد منهما: أنا، خوفاً من أن ینال صاحبه بمکروه. کان الشخص الثاني هو ابن المقفع الذي أراد بادعائه ذاک أن یضحي بنفسه لإنقاذ صدیقه. إن الصیاغة الأسطوریة لهذه الروایة وطابع المبالغة فیها، و کذلک استبعاد سفر ابن المقفع إلی شمال العراق أو انحدار عبدالحمید إلی البصرة في تلک الأوضاع المضطربة، تدعو جمیعها إلی التردد في القبول بصحة هذه الروایة (ظ: سوردل، 310-311).

والروایة الأخری التي تدعو أیضاً إلی التردد في قبولها، لقاؤه بالخلیل بن أحمد (تـ 175هـ)، ومع أن معرفة ذلکما الاثنین ببعضهما في مدینة البصرة لیس أمراً غریباً، إلا أن ماورد في الروایات رغم کونه مذکوراً في المصادر القدیمة، غیرمعقول. ویبدو أن أصل القصة جاء من البلاذري (أنساب، 3/220) الذي یقول: کان بعض من یحسده یقول: إن أدبه أکثر من عقله. وبعد فترة نقل أبوالفرج الأصفهاني مایشبه هذا الکلام علی لسان الخلیل (20/223): وکان العالمان یرغبان في لقاء بعضهما، فقام شخص بتدبیر هذا اللقاء، وبعد فترة سأل هذا الشخص الخلیل: کیف رأیت ابن المقفع؟ فقال: ماشئت من عمل و أدب، إلا أني رأیت کلامه أکثر من علمه. وقال ابن المقفع في حقه نفس الکلام سوی أنه قال: إن عقله أکثر من علمه. وقد وردت العبارة المنسوبة للخلیل فیما بعد مراراً و قیل «علمه أکثر من عقله» (ظ: ابن خلکان، 2/151؛ ابن إسفندیار، 11؛ قا: إقبال، 21-22). وفي معجم الأدباء لیاقوت وردت العبارة بشکل أکثرحدة: «علم وافر و عقل قاصر» (9/112).

وفي البصرة أصبح ابن المقفع في خدمة أسرة عباسیة و هم آل علي ابن عبدالله عم الخلیفة المنصور، وکان یمیل بشکل أکبر إلی عیسی بن علي من بین أفرادها (البلاذري، ن.م، 3/218). وعلی هذا نجده انفصل عن الأمویین وانضم إلی العباسیین، إلا أنه توجد ثغرة في هذه الصلة أیضاً، ذلک أن هذه الأسرة کانت تدعي الخلافة لنفسها عن طریق عبدالله ابن علي الذي ثار علی المنصور، وکان المنصور هو الآخر یجهد في إخفاء قلقه منها (الجهشیاري، 70). و مهما یکن، فإن ابن المقفع قد أصبح بشکل ما کاتبها الرسمي،وربما أخذ علی عاتقه – کما ذکر الجاحظ – مهمة تعلیم أبناء سلیمان بن علي أیضاً (البیان…، 138).

وفي تلک الفترة، تخلی ابن المقفع – صادقاً کان، أم لأهداف اجتماعیة وسیاسیة – عن معتقداته التي کان یؤمن بها واعتنق الإسلام، ودعي أبا محمد عبدالله. إلا أن الرواة المتقدمین أرادوا أن یأتوا لعلمه هذا أیضاً بسبب واقعي ومثیر في نفس الوقت، لذا قال بعضهم: إنه مرّ یوماً بکتاب و کان أحد الصبیان یقرأ بصوت مرتفع: «ألم نجعل الأرض مهاداً …» (النبأ/ 78/6)، فوق، حتی أتم الصبي قراءة سورة النبأ. فقال: حقاً! إن هذا لیس کلام مخلوق (ابن إسفندیار، ن.ص). وأخیراً – و کما سیرد في القسم II من هذه المقالة – أسلم ابن المقفع، وقد عاش حوالي 10 سنوات في الإسلام، و یحتمل أن یکون قد ألف في تلک الفترة جمیع آثاره أو أغلبها. وبین أیدینا من هذه الفترة عدة حکایات و روایات تلقي أضواء علی شخصیته وبعض جوانب حیاته، لکنها لاتسعفنا کثیراً علی إعادة تدوین سیرته خلال تلک الفترة.

 

مقتله

إن أحد العوامل الرئیسة لمقتل ابن المقفع هو قضیة سفیان الذي رأینا کیف أنه قدم إلی سابور لحکمها، لکنه – و بتدبیر ابن المقفع – هُزم وفرّ. والعامل الثاني هو أولاد علي بن عبدالله بن العباس، أي أعمام الخلیفة المنصور الذین کان ابن المقفع یعمل لدیهم، و أن أحدهم واسمه عبدالله و خلافاً لأمر السفاح الذي کان قد طلب مبایعة المنصور من بعده، أعلن العصیان و حکم لسنوات حران و نصیبین و حلب و عدة مناطق أخری أملاً بالخلافة. وأخیراً ذهب أبومسلم و بأمر من المنصور لحربه في نصیبین وتواصلت الحرب مدة 15شهراً حتی هُطم عبدالله في النهایة واختبأ عند أخیه سلیمان الذي کان حاکماً علی البصرة (137هـ/754م)، لکن أبا مسلم منح المهزومین الأمان و کفّ یده عنهم (ابن الأثیر، 5/464-468). عاش أبناء علي لفترة في البصرة بدعةٍ و هدوء، خاصة و أن أبامسلم قد قتل في 137هـ، کما بایع عبدالله، المنصور في 138هـ (م.ن، 5/468، 486). غیر أن المنصور لم یشعر علی الإطلاق بالأمان من جانبهم، وکان یصر علی أن یرسلوا عبدالله إلیه. فطلب سلیمان و إخوانه من الخلیفة کتاب أمانٍ لیطمئنوا بأن حیاة أخیهم ستکون بمأمن من الخطر.

وفي هذا المضمار فإن روایة الجهشیاري (ص 70-71) دقیقة وواضحة جداً وقد ترجمها سوردل (ص 314-316) بأکملها. وخلاصةهذه الواقعة التي أثرت تأثیراً عمیقاً في حیاة ابن المقفع هي أن: عیسی طلب إلی کاتبه أن یعدّ نص کتاب الأمان، فکتبه مستخدماً فیه ألفاظاً محکمة والتزم فیه جانب الحیطة بشکل لم یدع فیه للمنصور سبیلاً إلی حیلة؛ إلا أن الذي شقّ علی المنصور في هذا النص هو ماکتبه: وأن یکتب المنصور في أسفل کتاب الأمان بخط یده: وإن أنا نلتُ عبدالله بن علي، أو واحداً من أقاربه سراً أو علانیة بمکروه، فلست ابن محمد بن علي وکنت ابن زنی ووجب علی المسلمین خلعي و حربي، وأن زوجتي وجواريّ و… حرام عليّ. ویضیف سوردل أن الطبري (7/501) والیعقوبي (2/368) قالا: إنه وقع علی کتاب الأمان هذا. واستناداً إلی ذلک الأمان ذهب عبدالله إلی المنصور. لکن یبدو أن المنصور رفض أن یوقع علی الکتاب وقال: إن هذا الأمان یصح إذا وقعت عیني علی عبدالله نفسه، لأني لا آمن أن أعطیه إباه فیسیر في البلاد ویسعی عليّ بالفساد. وحینها سأل: من الذي کتب کتاب الأمان هذا؟ فقیل: ابن المقفع کاتب عیسی بن علي. فقال المنصور: فما أحدٌ یکفینیه؟ فأوصل الخصیب هذا النبأ إلی سفیان فسعی – و هو الذي یضمر لابن المقفع حقداً – إلی قتله (الجهشیاري، 72). أما البلاذري (ن.م، 3/221) فقد أورد هذه الواقعة في عدة أسطر وأشار في بدایتها إلی ولایة سفیان بن معاویة علی البصرة خلال کتابة ابن المقفع کتاب الأمان، وأضاف في النهایة أن المنصور کتب رسالة إلی سفیان، أو في روایة أنه قال له عند وداعه: اکفني ابن القفع (أیضاً ظ: سوردل، 316-321).

وبناء علی ذلک، ولما کان سلیمان قد عُزل في 139هـ/757م، وعین سفیان بدلاً منه (ابن الأثیر، 5/497)، فلا مفرّ من الافتراض بأن ولایة سفیان قد امتدت 3 أو 4 أو 6 سنوات حتی تمکن من قتل ابن المقفع.

وبعد عزل سلیمان، غادر عیسی إلی ملطیة (الطبري، 7/497). ویشیر سوردل إلی أنه استصحب معه أیضاً کاتبه ابن المقفع (ص 318). فإذا کان ابن المقفع قد سافر أیضاً إلی تلک الدیار، فهو علی أیة حال لم یمکث طویلاً هناک وعاد بسرعة إلی البصرة. وتروی عن وجوده في البصرة مجموعة من الروایات التي یتعلق بعضها بسفیان. عاش. عاش ابن المقفع لسنوات هادئ البال في کنف أسرة علي و کان منشغلاً بالتألیف. ویبدو أن أغلب الحکایات التي تدور حوله و حول الکتّاب و الشعراء العرب المعروفین، تعود إلی هذه الفترة. کا کان في نفس تلک الظروف یتردد علی مجلس عدوه سفیان و یسخر منه دائماً. وتدل الروایات الواردة بهذا الشأن بأنه قد حدثت بین هذین الاثنین لقاءات متکرره. کنا قد اطلعنا قبل هذا علی علاقته بسفیان في مدینة سابور، لکن ابن المقفع کان في البصرة یوجه أسئلة لسفیان، وحین یجیبه هذا، کان ابن المقفع یعقب مستهزءاً: أخطأتَ (الجهشیاري، 71؛ أیضاً ظ: البلاذري، ن.ص؛ ابن خلکان، 2/153).

إضافة إلی غضب المنصور بسبب کتاب الأمان الذي کتبه و حقد سفیان الذي أشیر إلیه فیما مضی، فإنه کانت هناک عوامل أخری ذات تأثیر في قتل ابن المقفع بحثها سوردل بأسرها و بشکل وافٍ. ویبدو أن سفیان لم یکن له حتی ذلک الحین من السلطة مایجعله یقدم من غیر إذن الخلیفة علی قتل کاتب عمه، ولم یکن ینبغي للخلیفة أیضاً أن یحقد علی کاتب مغمور فیما یبدو بسبب کتاب الأمان الذي کتب بأمر من أعمامه سلیمان و عسی و عبدالله فحسب؛ إذن فغضب الخلیفة کان له لامحالة سبب مهم آخر، وذلک السبب وفي حدود اطلاعنا عثر علیه طه حسین وبیّنه.

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: