الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب الفارسی / آدم /

فهرس الموضوعات

أجمعت الأمة الاسلامیة علی أن اللَّه تعالی منزَّه عن مشابهة المخلوقات وقد قام البرهان العقلي والبرهان النقلي علی هذه العقیدة، فکانت هي الأصل المحکم في الاعتقاد الذي یَجب أَن یُرَدَّ الیه غیره، وهو التنزیه فاذا جاء في نصوص الکتاب أو السنة شيء ینافي ظاهرة التنریه، فللمسلمین فیه طریقتان:

احداهما، طریقة السلف و هي تنزیه اللَّه عن مجانسة أي شيء أوتوهم أوفکرة ومعرفة أنه أکبر من القیاس والظن والوهم حیث أیَّد العقل فیه النقل کقوله تعالی (لیس کمثله شيء) و قوله عزّوجل (سبحان ربک رب العزة عمّا یصفون)، وهذا یلزم تفویض الأمر إلی اللَّه تعالی في فهم حقیقة ذلک، مع العلم بأن اللَّه یُعلمنا بمضمون کلامه ما نستفید به في أخلاقنا وأعمالنا و أحوالنا و یأتینا في ذلک بما یُقرِّب المعاني من عقولنا و یُوصلها لمُحیَّلاتنا.

و الثانیة، طریقة الخلف و هي التأویل یقولون: إنَّ قواعد ‌الدین الاسلامي وُضعت علی أساس العقل فلایخرج شيء منها عن المعقول فاذا جزم العقل بشيء و ورد في النقل خلافه یکون الحکم العقلي القاطع قرینة علی أن النقل لایراد به ظاهره و یجب إیجاد معنی بوافقه بطریقة التأویل، والاستعانة باللَّه في هذا الامر الصعب واحالة ما یصعب حَلّه إلیه. ولانتشار نظریات الفلاسفة و مذاهب المبتدعة المتقدمین و المتأخرین، یمکننا فتح باب «التأویل» باسلوب عقلي، وتقریب المعاني الحقیقة الی أذهان الناس بهذا الأسلوب (رشیدرضا، 1/251 255).

2. ما معنی (خلیفة) في قوله تعالی: إني جاعل في الأرض خلیفة» (سورة البقرة 2/30)، للمفسرین في ذلک أقوال مختلفة ذهب أکثرهم فیها الی أن آدم خلیفة اللَّه في الأرض، ووردت روایات متفاوتة ومختلفة أجمع المفسرون فیها أخیراً علی خلافته للَّه هذه. وقدأورد الطبري في البدء روایة تُشیر الی أن آدم کان خلیفة لأسلافه من الجن. ثم یقول نقلا عن الحسن البصري: «خلیفة» تعني أن أبناءَه یخلفونه جیلاً بعد جیل، ثم یورد روایة عن ابن مسعود وابن عباس یقول فیها بصراحة: أراد إني جاعل في الأرض خلیفة یخلفني في الحکم بین الخلق، وهو آدم و من قام في طاعة اللَّه والحکم بالعدل بین خلقه (تفسیر، 1/156 157). ویورد الطوسي أیضا روایة ابن مسعود و یضیف: قیل إن المراد من «خلیفة» انه یخلفني في إنبات الزرع و إخراج الثمار و شق الأنهار، أو قوم یخلف بعضهم بعضاً في إقامة الحق و عمارة الأرض (1/131). وینقل الفخر الرازي کلاالقولین باختصار (2/165 166). ویقول المَیبُدي: «سمي آدم خلیفة لأنه خلف من کانوا قبله في الأرض، ویخلف أولادهم في کل جیل مَن قبلهم (1/133) ویقول محمدرشیدرضا: الانسان غیر محدود الاستعداد ولامحدود الرغائب ولامحدود العلم ولامحدود العمل فهو علی ضَعف افراده یتصرف بمجموعه في الکون تصرفاً لاحدّله باذن اللَّه وتصریفه وهو أحقّ المخلوقات لهذه الخلافة (1/258 260). ویقول الطباطبائي: کانت کیفیة تکوین الانسان سبب خلافته (17/52).

3. حینما قال اللَّه للملائکة إني جاعل في الأرض خلیفة قالوا «أتجعل فیها من یُفسد فیها ویسفک الدماء» (البقرة/2/30)، فکیف عرفت الملائکة أن البشر سیبتلون بهذین البلاءین العظیمین؟

لقد أورد بعض المفسرین روایات و أقوالاً مختلفة حول ذلک لایمکن أن یوخذ منها أکثر من نتیجة أو اثنتین. وذکر الطبري روایات کثیرة منها: انه کان کما یقول بعضهم جنّ یسکنون الأرض قبل آدم یفسدون و یسفکون الدماء، فتصور الملائکة أن آدم و ذریته سیکونون مثلهم، و قال البعض: قال اللَّه للملائکة «إني جاعل في الأرض خلیفة، قالوا: ما ذاک الخلیفة. فأجابهم، یفسد فیها ویسفک الدماء، قالوا: ولِمَ تخلقه، قال إني جاعل فیه من الحسن والخیر مالاتعلمون، وقال آخرون إن اللَّه تعالی أعلم الملائکة قبل خلق آدم بعض المعلومات وأخفی أخری فسألوه قیاساً علی مالدیهم من العلم فقال لهم و هوالعالم بکل شيء» إنّي أعلم مالاتعلمون فمنهم سیظهر أنبیاء وأئمة وعلماء و زعماء کبار (تفسیر، 1/158 166) وقد أورد الطوسي ما یشبه أقوال الطبري (1/132 133)، وذکر الفخر الرازي أقوالاً مختلفة یُعلِّلُ فیها قول الملائکة و یدرس کلّاً منها بتفصیل کبیر وأدلة قویة محکمة، ویورد لکل منها أَشکالاً ثم یقول: ربما ان الملائکة علمت بأن البشر سیفسدون في الأرض ویسفکون الدماء من طریقین: الأول أنهم قاسوه علی حال الجنّ الذین کانوا قبل آدم علیه السلام في الأرض. والثاني أنهم عرفوا خلقه و عرفوا انه مرکب من الأخلاط الأربعة فلابدّ و ان تترکب فیه الشهوة والغضب فیتولد الفساد عن الشهوة، و سفک الدماء عن الغضب (ن.م، 2/166 170). ویقول الطبرسي في هذا ثلاثة أقوال: الأول کان قبل البشر في الأرض جنّ أفسدوا فیها وسفکوا الدماء فقال الملائکة ذلک قیاساً علیهم. الثاني ان الملائکة قالت ذلک علی سبیل الاستفهام فقط، أي؛ یا اللَّه أیکون من طبیعة آدم الفساد وسفک الدماء أو لا؟ ثالثاً ان اللَّه تعالی أخبر الملائکة أنه سیکون کذلک ولکنه لم یعلمهم ببقیة فوائد خلق آدم لیزید یقینهم بِحکمة اللَّه وعلمه (1/74). ویقول العلامة الطباطبائي: إنما فهم الملائکة مصیر آدم فبما ان الموجود الأرضي مادي مرکب من القوی الغضبیة والشهویة والدار دار التزام محدودة الجهات وافرة المزاحمات مرکباتها في معرض الانحلال وانتظاماتها واصلاحاتها في مظنة الفساد و مصب البطلان، لاتتم الحیاة فیها إلّا بالحیاة النوعیة ولا یکمل البقاء فیها الّا بالاجتماع و التعاون فلاتخلو من الفساد و سفک الدماء (1/115).

4. «وعلّم آدم الأسماء کلها» (البقرة / 2/31). ما کانت هذه الاسماء و کیف تعلمها آدم؟ یروي الطبري عن ابن عباس أن المراد من علّمه الأسماء کلها التي یتعارف بها الناس: إنسان و دابة وأرض وسهل وجبل و بحر، ویقول مجاهد: علم اللَّه آدم اسم کل شيء، (تفسیر، 1/170 171). ویقول الطوسي: معنی الآیة أن اللَّه علَّم آدَم معاني الأسماء من قِبَل أن الاسماء بلامعان لافائدة منها ولاوجه لایثاره الفضیلة بها. و هنا تتبادر الی الذهن المشکلة التالیة: إن اللَّه قال «ثم عرضهم علی الملائکة» ولم یقل «ثم عرضها» فما المراد من ذلک. الأسماء أو أصحاب الأسماء، العقلاء و غیر العقلاء جمیعاً أو العقلاء فقط؟ قال بعضهم إن کلام العرب یقتضي انه عرض العقلاء علی الملائکة فقط. ولکن هذا غیر صحیح، ذلک ان العرب یأتون بلفظ واحد و یریدون به العاقل وغیرالعاقل من باب التغلیب. و یبقی اللفظ علی العموم و معناه أن اللَّه علم أدم أسماء کل الناس و الحیوانات والأشیاء و عرضهم علی الملائکة و قال «أنبئوني بأسمائهم إن کنتم صادقین» (1/138 139). و یقول الفخر الرازي في تفسیر هذه الآیة: قال الأشعري والجبائي والکعبي: اللغات کلها توقیفیة واحتجوا علیه بهذه الآیة و یضیف: من الناس من قال: أَي علَّمه صفات الأشیاء ونعوتها وخواصها، ذلک أن الفضیلة في معرفة حقائق الأشیاء أکثر من الفضیلة في معرفة أسمائها (2/175 176).

وعلاوة علی ما قال الرازي، إن کانت الأسماء تعلیمیة و اللغات توقیفیة فَلِمَ کل هذا التيور والتقدم فیها؟

یقول الطبرسي: أبان اللَّه في هذه الآیة لملائکته فضل آدم علیهم و علی جمیع خلقه بما خص به من «العلم»، فالمراد من «وعلم آدم الأسماء کلها» أي علمه معاني الأسماء إذ الأسماء بلامعان لافائدة منها (1/76) و یقول المیبدي: قال أهل الاشارات: إن مقتصی العموم فیها أن آدم تعلم کل ما کان من الأسماء: أسماء الخالق و أسماء المخلوقات. فآدم اذن یتفوّق علی الملائکة و یختص ویتمیز عنهم بمعرفته لأسماء المخلوقات، وعِلمه بأسماء اللَّه سرّ بینه و بین الحق لاتعلمه الملائکة، فکانت ثمرة علم اسم المخلوق في حق آدم أن سجدت الملائکة له، و ثمرة علم الخالق أن وصل الی مشاهدة الحق و سمع کلام الحق (1/ 137). ویقول رشید رضا: «وعلم آدم الأسماء کلها» أي أودع في نفسه علم جمیع الأشیاء من غیرتحدید و لاتعیین. فالمراد بالأسماء المسمیّات، عبّر عن المدلول بالدلیل لشدة الصلة بین المعنیٰ واللفظ الموضوع له و سرعة الانتقال من أحدهما الی الآخر. والعلم الحقیقيّ إنما هو إدراک المعلومات أنفسها. والألفاظ الدالة علیها تختلف باختلاف اللغات التي تجري بالمواضعة والاصطلاح، والمعنی لاتغییر فیه و لااختلاف، فعلم اللَّه آدم کل شيء، ولافرق في ذلک بین أن یکون له هذا العلم في آن واحد أو في آنات متعددة. واللَّه قادر علی کل شيء، ثم إن هذه القوة العلمیة عامة للنوع الآدمي کله. ولایلرم من ذلک ان یعرف أبناؤه الأسماء من أول یوم، فیکفي في ثبوت هذه القوة لهم معرفة الأشیاء بالبحث والاستدلال (1/262 263). ویضیف الطباطبائي: الأسماء هنا جمع محلی بالألف واللام وهو یفید العموم علی ما صرحوا به مضافاً الی أنه مؤکد بقوله «کلها» فالمقصود هو ان اللَّه علّم آدم الاسماء کلّها بلاقید ولاشرط، ثم عرض مسمیّات الأسماء علی الملائکة وقال: «أنبئوني بأسماء هؤلاء إن کنتم صادقین» (1/117 118).

وقد أدرک أدباؤنا و عارفونا أیضاً قدرة الانسان التي لاحدود لها للوصول الی أعلی مدارج الکمال. فهم یعتقدون بأن ابن آدم یملک طبیعة قویة فیّاضة و قدرة عالیة یستطیع بها أن یقطع بکل خطوة مسافة الکون. وقد استخرج مرة جوهره الصافي من قلب الصخر، وبخطوة أخری یصل الی الملائکة، ویصبح منهم و یصیر ما لایدخل في الوهم ولاحدود لطیرانه آنذاک.

5. وجاء بعده قوله تعالی: «ثم عرضهم علی الملائکة» أي المسمیّات وقال: «أنبئوني باسماء هؤلاء إن کنتم صادقین» (البقرة)، فما معنی هذه الجملة وفي أي شيء یجب أن یثبت الملائکة صدقهم؟ للمفسرین أقوال مختلفة في ذلک، یروی الضّحاک عن ابن عباس: إن کنتم تعلمون لِمَ أجعل في الأرض خلیفة فـ «أنبئوني بأسماء هؤلاءإن کنتم صادقین». و روي عن ابن مسعود و عدد من أصحاب الرسول: «إن کنتم صادقین» انَّ البشر سیفسدون في الأرض و یسفکون الدماء. وقال قتادة: فأنبئوني بأسماء هؤلاء إن کنتم صادقین أني لاأخلق أکرم منکم ولاأعلم منکم. وأفضل ما قیل عن ابن عباس: المراد إني إن جعلت الخلیفة منکم أَطعتموني و قدستموني و لم تعصوني، و إن جعلته من غیرکم أفسدفیها و سف الدماء. فإنکم إن لم تعلموا أسماء هؤلاء وأنتم تشاهدونهم، فبأن لاتعلموا ما یکون منکم و من غیرکم و هو مغیب عنکم أولی وأحری. فانتم و غیرکم تجهلون الحکمة البالغة في خلق العالم و تدبیر أعماله. وقد ذکرت تعلیلات أخری في ذلک: أحَدُها: ان الملائکة هجس في نفوسها أنه لو کان الخلیفة منهم بدلا من آدم و ذریته لم یکن فساد ولاسفک دماء کما یکون من ولد آدم؛ لأنهم کانوا لایعلمون ماتتطلبه الحیاة في هذه الکرة الأرضیة. فقال اللَّه لهم «أنبئوني بأسماء هؤلاء إن کنتم صادقین» فیما ظننتم في هذا المعنی. لیدلهم علی أنهم اذا لم یعلموا باطن ما شاهدوا، کانوا من ان یعلموا ما غاب عنهم أبعد. ثانیها: وقع في نفوس الملائکة أنه لم یخلق اللَّه خلقاً إلاکانوا أفضل منهم في سائر أبواب العلم. ثالثها: قال ابن عباس ان کنتم تعلمون لِمَ اجعل في الأرض خلیفة. «أنبئوني باسماء هؤلاء إن کنتم صادقین». رابعها: ان کنتم صادقین فیما تخبرون «أنبئوني عن أسمائهم» لعلم اللَّه بعجزهم ولیظهر لهم محدودیة علمهم (الطبري، تفسیر، 1/171 173؛ الطوسي، 1/139 140؛ الفخر الرازي، 1/178؛ الطبرسي، 1/77؛ المیبدي، 1/137).

وقال آخرون المراد: إن کان هناک موقع للدهشة والاستغراب من جعل الخلیفة في الأرض من البشر و کان ما طرق نفوسکم و طرأ علی أذهانکم أولا حالاًّ محله و مصیباً غرضه، ولمّا تعرفُوا حقیقة ما یمتاز به الخلیفة فانبئوني بأسماء ما عرضته علیکم إن کنتم صادقین (رشیدرضا، 1/263).

6. شوهد في موضعین (الحِجروص) قول اللَّه تعالی: «ونفخت فیه من روحي». کما أضیفت کلمة الروح الی اللَّه في مواضع أخری (في الحدیث عن آدم و عیسی)، فمن أي باب هذه الإِضافة؟ لاشک في أن العلاقة هنا علاقة خلق و عطاء لاغیر. و معنی النفخ، العطاء، ولیس ما یتبادر من ظاهر الکلمة، وقد نوّه المفسرون إلی النقاط الضروریة في هذا الموضوع: فالنفخ الإِجراء للریح في الشيء باعتماد، فلما أجری اللَّه الروح علی هذه الصفة في البدن، کان قد نفخ الروح فیه، وأضاف روح آدم إلی نفسه تکرمة له، و هي اضافة الملک، لما شرَّفه و کرَّمه، والروح جسم رقیق روحاني فیها الحیاة التي تُحیي الحي فاذا خرجت الروح من البدن کان میتاً (الطوسي، 6/232)؛ أضاف اللَّه سبحانه روح آدم الی نفسه تکریماً و تشریفاً له (ن. م؛ الفخر الرازي، 19/182)؛ معني «ونفخت فیه من روحي» «وهبته الحیاة» فلانفخ ولانفخة وإنما تمثیل لحصول الحیاة (الزمخشري، 2/390)؛ وقیل المراد من هذه الآیة ایجاده تعالی الروح الانساني بما له من الرابطة والتعلق بالبدن و لیس بداخل فیه دخول الهواء في الجسم المنفوخ فیه. فإضافة الروح الیه تعالی للتکرمة والتشریف (الطباطبائي، 12/154 155).

7. أجمع المفسرون علی أن سجود الملائکة لآدم لم یکن سجود عبادة، فقد اتفق المسلمون جمیعاً علی أن العبادة – للَّه فقط: وأي نوع من العبادة لغیر اللَّه کفر و شرک. فما معنی سجود الملائکة لآدم، والجواب الجامع لمختلف الأقوال أن السجود کان تکریماً و تعظیما لشأنه.

یقول رشید رضا نقلاً عن محمد عبده في حدیثه عن القوی الروحانیة في هذا العالم والتي یعترف بها کل من یفکر بوجودها تفکیراً سلیماً (ولو لم یدرک حقیقتها): لایستبعد أن تکون الإِشارة في الآیة الی أن اللَّه تعالی لما خلق الأرض و دبّرها بما جاء من القوی الروحانیة التي بها قوامها ونظامها و جعل کل صنف من القوی مخصوصاً بنوع من أنواع المخلوقات لایتعداه ولایتعدی ما حُدِّد لَه من الأثر الذي خُصَّ به، خلق بعد ذلک الانسان و أعطاه قوة یکون بها مستعدّاً للتصرف بجمیع هذه القوی و تسخیرها في عمارة الارض، و عبَّر عن تسخیر هذه القوی له بالسجود الذي یفید معنی الخضوع والتسخیر، و جعله بهذا الاستعداد الذي لاحد له و التصرف الذي لم یعط لغیره خلیفة اللَّه في أرضه لأنه أکمل الموجودات في هذه الأرض (1/267 275). ویقول الفخر الرازي نقلاً عن الصوفیة: الملائکة الذین أمروا بالسجود لآدم هم القوی النباتیة والحیوانیة الحسیة والحرکیة فانها في بدن الانسان خوادم النفس الناطقة (26/228 229).

8. لوحظ أن الملائکة سجدوا لآدم، أما إبلیس أبی، فما دور إبلیس في ذلک و ما کان عنصره؟ قال البعض انه کان منهم بدلالة استثنائه من جملتهم فیما أورده اللَّه من قصة آدم. فاستثني إبلیس من الملائکة في سبعة مواضع، وأکَّد هذا الاستثناء في موضعین: فسجد الملائکة کُلُّهم أجمعون إلا ابلیس (الحجر وص)، و مثل هذا. الاستثناء في کلام العرب یقتضي أن یکون المستثنی من جنس المستثنی منه. کما جاء في قوله تعاله: «ثم قلنا للملائکة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبلیس لم یکن من الساجدین قال ما منعک الاتسجد اذ أمرتک» (الأعراف) فقوله «إذأمرتک» یبرهن علی أنه کان من املائکة. وذهب آخرون الی أن إبلیس لم یکن من الملائکة واحتجوا أولاً بقوله تعالی «إلا إبلیس کان من الجن ففسق عن أمر ربه» (الکهف/ 18/50) والثاني: جاء في القرآن انه خلق من النار، والملائکة خلافاً له باتفاق الجمیع من النور. والثالث صرح في القرآن في مواضع عدیدة بتباین الجن عن الملائکة: «ثم یقول للملائکة أهؤلاء إیاکم کانوا یعبدون، قالوا: سبحانک أنت ولیُّنا من دونهم بل کانوا یعبدون الجنَّ أکثَرهُم بهم مؤمنون» (سبأ/ 34/40 41). وقد أورد کل من فخرالدین الرازي والطبرسي بحثاً وافیاً حول هذا الموضوع (ظ: فخرالدین الرازي، 2/213 215؛ الطبرسي، 1/82 84).

9. ورد مراراً في الآیات المتعلقة بخلق آدم و حیاته قوله تعالی «وقلنا یا آدم اسکن انت و زوجک الجنة و کُلا منها رغداً حیث شئتما» فما هذه الجنة وأین کانت؟

قال بعضهم: هي بستان من بساتین الدنیا، لأن جنة الخلد لایصل الیها إبلیس و وسوسته، واستدل البلخي علی أنها لم تکن جنة الخلد بقوله تعالی حکایة عن إبلیس لما أغوی آدم قال له: «هل أدلک علی شجرة الخلد» فلوکانت جنة الخلد لکان عالماً بها فلم یحتج الی دلالة، وقال الحسن البصري و عمر و بن عبید و واصل بن عطاء وأکثر المعتزلة کأبي علي والرمّاني و أبي بکر بن الأخشید و علیه أکثر المفسرین أنها کانت جنة الخلد، لأن الالف و اللام للتعریف، و صار کالعلم علیها ویجوز أن تکون وسوسة إبلیس من خارج الجنة فیسمعان خطابه و یفهمان کلامه. قالوا: و قول من یقول: إن جنة الخلد من یدخلها لایخرج منها لایصح فذلک بعد البعث، اما قبله فممکن (الطوسي، 1/156؛ الطبرسي، 1/84 85).

وقال أبوالقاسم البلخي و أبومسلم الأصفهاني: هذه الجنة کانت في الأرض، و حملا الإِهباط علی الانتقال من بقعة الی بقعة کما في قوله تعالی «اِهبطوا مِصراً» (البقرة/ 2/61) و احتجا علیه بوجوه: أحدها: إن هذه الجنة لوکانت دار الثواب لکانت جنة الخلد، ولو کان آدم في جنة الخلد لما لحقه الغرور من إبلیس. و ثانیها: أن من دخل هذه الجنة لم یخرج منها. و ثالثها: ان ابلیس لما امتنع عن السجود لُعِنَ، فما کانِ یقدر مع غَضب الله علی أن یصل الی جنة الخلد. و رابعها: جاء في القرآن الکریم أن الجنة التي هي دار الثواب لایفنی نعیمها، ولو کانت هي التي دخلها آدم لما فنیت و لما خرج منها آدم. و خامسها: أنه لایجوز في حکمته تعالی أن یبتديء الخلق في جنة یخلدهم فیها و لاتکلیف و تحمّل عذاب الدنیا. وسادسها: لانزاع في أن الله خلق آدم في الأرض ولم یذکر في هذه القصة انه نقله إلی السماء. القول الثاني من الجبائي: ان تلک الجنة کانت ‌في السماء السابعة و الدلیل علیه قوله تعالی «اهبطوا منها» ویقول الجبائي کان لآدم إهباطان: الإِهباط الأول من السماء السابعة الی السماء الأولی، والإهباط الثاني من السماء الی الأرض. والقول الثالث: لأکثر الأشاعرة ان هذه الجنة هي دار الثواب و یحتجّون علی ذلک بدخول الألف و اللام علی «جنّة» و المراد الجنة المعهودة والمعروفة لدیٰ المسلمین. والقول الرابع: إن کل ذلک ممکن و علی کل حال فان البراهین النقلیة ضعیفة و متعارضة ولایمکن القطع بها (الفخر الرازي، 3/3 4).

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: