الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب الفارسی / آدم /

فهرس الموضوعات

آدم، أو آدم أبوالبشر، أول انسان و أبوالناس جمیعاً. ورد عن خلقه و حیاته روایات و قصص متماثلة ومتشابهة في الأدیان الثلاثة الیهودیة و المسیحیة و الاسلام. و یرجع هذا التماثل و التشابه الی وحدة مصدر الوحي في هذه الأدیان الثلاثة. لذلک لایخلو من الفائدة إیراد دراسة مختصرة عن خلق آدم و حیاته في‌الدینین الیهودي و المسیحي و إلقاء نظرة عابرة علی علم الانسان فیهما قبل التحقیق حول ذلک في الثقافة الاسلامیة.

 

الاشتقاق

اقتبست کلمة آدم من اَدَم العبریة، ولکن لایعلم بدقة أصلها في اللغة العبریة. و یعني مونثها اَدَمَه في العبریة الأرض أو التربة. و استعمالُها في شکلیها المذکر و المؤنث «اَدَم» و «اَدَمَه» في سفر التکوین (2: 7) یوحي بمعنی ترابي (مخلوق من التراب). ولأصل أَدم صلة أیضا باللون «الأحمر». و ربّما کان هذا إشارة الی لون التراب الذي خلق منه آدم. و تعني کلمة أدمو في اللغة الأکدیة الدم و اَدمتو «الدم الأسود» (في حالات المرض) و جمعها ادماتو یعني التراب الأحمر و الفاني الذي یستعمل في الصباغة. و یبدو أنه لاصلة بین کلمة أدمو و أتمو (بمعنی طفل) و بین اَدَم. و انما ترتبط بالمصدر و ت م و الکلمة العبریة یتوم (بمعنی یتیم). و یعني أصل کلمة أدم في العربیة الجنوبیّة القدیمة الخادم و العبد، و جاءت کلمة أدمو في أحد فهارس المترادفات في اللغة الأکدیة بمعنی الشخص المهم و الشریف. کما نلاحظ في الأکدیة و البابلیة القدیمتین أسماء علم مثل ا – د – مو، ا – دم – او (جودائیکا، 2/235؛ و ظ: أیضاً هستنجز، 1/84). و لکن الشواهد التي بین أیدینا تؤید اشتقاق هذه الکلمة من «ادمه» بمعنی التراب. و قد ورد في أغلب أساطیر ما بین النهرین و آسیا الغربیة أن الانسان خلق من التراب أو من تراب ممزوج بدم الآلهة. و کانت کلمة «آدم» تعني عند الکنعانیین الانسان من جهة، و إسماً لإِله الأرض من جهة أخری (ظ: ویدن گرن، 174).

و یبدو ان «آدم» في بعض الأسماء المرکبة مثل «عبد آدم» في کتاب صموئیل الثاني (6: 10 فما بعد؛ جودائیکا، 2/235) اسم هذا الإِله أیضاً.

کما ان لمصدر کلمة «ادم» في اللغة العربیة استعمالات کثیرة. فمن مفرداتها «اُدمَة بمعنی باطن الأرض، و«اَدیم» بمعنی ظاهرها و سطحها (الزبیدي)، و«اُدمة» بمعنی وسیلة المعاشرة و الإِختلاط و«ادمة» في الجمل بیاض مع سواد في العینین، و السمرة الشدیدة في الناس. و«الأدمة» السمرة و«آدم» بمعنی الشخص الأسمر (الجوهري؛ الأزهري؛ الزبیدي). و یقول الأزهري نقلاً عن الزجاج في سبب تسمیة أبي البشر بـ «آدم» ان الکلمة مشتقة من «أدیم الأرض» لأن الانسان خلق من الأدیم. و یورد راعب الأصفهاني مزیداً من التفاصیل و یعدد أربعة أوجه؛ 1. لأن جسم آدم أخذ من تراب سطح الأرض (الأدیم)، 2. لأن بشرته سمراء؛ 3. لأنه خلق من مزج عناصر و قوی مختلفة (الأدمة: الألفة و الاختلاط)؛ 4. لأنه أصبح عَطِراً بنفخ روح اللَّه فیه (الاِدام: ما یُطیّب الطعام و یزکّیه) (1/38 39).

 

1. آدم في الیهودیة

 

في التوراة

ورد الحدیث عن خلق آدم في العهد القدیم مرتین وبأسلوبین: مرة في الإِصحاح الأول من سفر التکوین و مرة أخری في الإصحاحات الثاني إلی الخامس، وقد دلت التحقیقات في نصوص التوراة أن مصدرهما روایتان مختلفتان (ظ: التوراة، المقدمة، سفر التکوین، وأیضاً ص 3، الهامش). فقد ورد الحدیث في الإِصحاح الأول عن خلق العالم في ستة أیام وخلق آدم هو کمال الخلق ونهایة العطف الإِلهي، وبعد أن خلق اللَّه السموات و الأرض، و أمر النور فکان بإرادته، فصل بین المیاه التي تحت الجلّد و المیاه التي فوق الجلّد، وملأسطح الأرض بالنباتات المختلفة وأنواع الحیوانات و الطیور. وجعل الأجرام في السماء. و قال في الیوم السادس: «نعمل الإِنسان علی صورتنا کشبهنا فیتسلط علی سمک البحر و علی طیر السماء وعلی البهائم وعلی کل الأرض وعلی جمیع الدبابات التي تدبّ علی الأرض، فخلق اللَّه الانسان علی صورته، علی صورة اللَّه، خلقه ذکراً و أنثی، خلقهم وبارکهم اللَّه، وقال لهم: أثمروا و أکثرُوا و املأوا الأرض و أخضعها» (سفر التکوین، 1).

کما ورد في الإِصحاحات الثاني الی الخامس قصة أکثر تفصیلاً لخلق آدم مع کثیر من الجزئیات التي تشاهد في الروایات المسیحیة والاسلامیة تقریباً. و ذکر في هذا القسم آدم و زوجه حواء و جنة عدن و الشجرة المنهیّة و إغواء حواء و الأکل من ثمر تلک الشجرة (الخطیئة الأولی) و الإِخراج من جنة عدن، و الحیاة علی سطح الأرض، و الزواج و انجاب الأطفال وغیرها.

و بعد خلق السموات و الأرض، خلق اللَّه آدم لیعمل علی الأرض، کان خلق آدم من تراب الأرض ونفخ اللَّه في أنفه نسمة الحیاة، فصار آدم «نفساً حیّة» ثم غرس جنّة في عَدن شرقاً، وأنبت في وسطها «شجرة الحیاة» و «شجرة معرفة الخیر و الشر». و وضع آدم هناک لیعمل علی الأرض و یحفظها، و أوصاه ألّا یأکل من ثمر «شجرة معرفة الخیر والشر» وقال له «یوم تأکل منها موتا تموت» ثم أحضر الرب کل حیوانات البریّة و طیور السماء و الأرض التي خلقها من التراب الی آدم لیری ماذا یدعوها، وکل اسم دعا به احداها کان لها. و کان آدم وحیداً، و أراد الرب أن یخلق له زوجاً تعینه، فألقی علیه سباتاً فنام، وأخذ واحدة من أضلاعه، وخلق منها حواء. لذلک یترک الرجل آباه و أمه، و یأنس و یألف امرأته، ولذلک کانت المرأة بضعة من الرجل. و کانت الحیة أحیل جمیع الحیوانات، فأتت حواء و أغوتها وأغرتها بالأکل من ثمر «شجرة معرفة الخیر والشر» وقالت: منعکما اللَّه عن الأکل منها لعلمه أنه «یوم تأکلان منها تنفتح أعینکما وتکونان مثله عارفي الخیر والشر». فأکلت حواء من ثمر تلک الشجرة، و أعطت أدم قطعة فأکل، فانفتحت أعینهما وعلما الخیر والشر وأنهما عریانان وسترا نفسیهما من الحیاء بأوراق شجرة التین.

غضب الرب علیهما لمعصیتهما وحکم علی حواء بتکثیر أتعاب حَبَلِها وأن تلد بالوجع و یسود علیها زوجها الی الأبد. وقال لآدم: «ملعونةُ الأرض بسببک» تأکل الحبز منها بالتعب و العذاب کل أیام حیاتک، وشوکاً وحسکاً تُنبت لک حتی تعود الی التراب. ولعن الحیة التي أغوت حواء وحکم علیها بالسعي علی بطنها، وأن تأکل التراب، و وضع عداوة بینها وبین بني آدم. و قال الرب: «هو ذا الانسان قد صار کواحد منا عارفاً الخیر و الشر»، و لعله یمد یده و یأکل من «شجرة الحیاة» ویخلد ولایموت. فأخرج الرب آدم من جنة عدن لیعمل علی الأرض التي خلق منها ویحیا، وأشکنه في الکَروبیم شرقي جنة عدن. وأقام لهیب سیف متقلب لحراسة طریق شجرة الحیاة، وبدأ آدم و حواء حیاتیهما علی الأرض، فولدت حواء قائن (قابیل) ثم هابیل. وکان قابیل عاملاً في الأرض وهابیل راعیاً للغنم. وبعد 130 عاماً وُلد شیث و وضعت حواء بعده صبیاناً وبنات آخرین. وعاش آدم 930 سنة (ظ: سفر التکوین، الاصحاحات 2 5). لم یرد في التوراة خبر عن آدم بعد ولادة شیث لمدة 800 عام سوی أنه ولد له صبیان و بنات. أما عن الانسان بمعناه العام («آدم» باللغة العبریة) فقد وردت معلومات في بعض کتب العهد القدیم تتعلق بشکل ما بما جاء في الاصحاحات الأربعة الأولی من سفر التکوین، فقد أشیر في مزامیر داود، الی خطیئة الإِنسان و رحمة الرب ومحبته (الإِصحاحات 90 و 130) وجاء أن اللَّه وضع علی رأس الإِنسان «تاج الجلال والاکرام» وجعله حاکما لجمیع مخلوقاته (الإِصحاح 8). ثم یعیده الی التراب، ویقول: اِرجعوا «یا بني آدم» (الإِصحاح 90)، کما ورد في سفر أیوب حدیث عن قِصَرِ عُمرِ آدم ومرارته في هذا العالم، وعدم استقراره، و رغبته بالعودة الی قرب الربّ واستعادة السعادة والهناء المفقودین.

 

في الکتب غیرالرسمیة وآداب ما بین العهدین

کل ما ورد من إشارات الی آدم و قصة حیاته یعتمد کلیاً علی ما جاء في سفر التکوین، لکن مؤلفي هذه الکتب اقتبسوا من العقائد والروایات الأخری التي طهرت علی مرّ الزمن حول هذا الموضوع وأضافوا الیها أحیاناً آراءهم ونظریاتهم الشخصیة. فیسوع بن سیراخ في کتابه الحکمة (25: 23 وما بعدها) یعتقد بأن معصیة آدم وابتلاءه بالموت کانا نتیجة لمعصیة حوّاء. وجاء في حکمة سلیمان (2: 23) ان اللَّه خلق الانسان لیخلد مثله. إلّا ان إبلیس حسد آدم ودفعه لارتکاب المعصیة فوجد الموت طریقه الی العالم. فابلیس هنا یمثل الحیّة ویُنسب سقوط آدم الی حسد إبلیس. وجاء في الکتاب الثاني لـ «عزرا» (3: 4 21) ان آدم لم یعاقب ویُخرَج من الجنة وحده بالمعصیة التي ارتکبها، بل أخرج معه کل الجنس البشري. ویشکو الکاتب ‌في نفس هذا الکتاب (7: 46 59) ویندب لأن جمیع أبناء آدم یجب أن یعاقبوا ویجازَوا بالموت بسبب معصیة آدم. وبذلک یبدو أن مسالة «الخطیئة الأولیٰ» التي أصبحت في الفترات النالیة من أهم مسائل علم الکلام في المسیحیة، وردت لأول مرة في هذا الکتاب. وبالارغم من أن کتاب مکاشفات باروخ (54: 15) یتحدث عن خطبئة و هبوط آدم و استمرار ذلک ‌في أبنائه و لکنه یورد من ناحیة أخری موضوع الاختیار و حریة الانسان في اختیار الخیر و الشر، وعبارة هذا الکتاب المعروفة «کل شخص آدم نفسه» تتضمن هذا المعنی و تعبر عن أن سعادة و شقاء کل شخص فیه ومنه (هستنجز، 5/703). وجاء في کتاب أسرار خنوخ أن أجزاء آدم خلقت من 7 جواهر: فلحمه من التراب، ودمه من قطرات الندیٰ، وعیناه من الشمس، وعظامه من الحجر، وعروقه وشعره من النبات، وفکره من السحاب وخفة سیر الملائکة، و روحه من روح‌اللَّه ومن الریح، واسمه من أربعة أحرف a, d,a, m (الحروف الأولی لأسماء الجهات الأربع باللغة الیونانیة). وقد خلق آدم من عالمین: روحي وجسمي. وهو یتمتع بالحکمة الإِلهیة کالملائکة و قد دلَّه الرب علی طریق النور وطریق الظلمة، ومنحه قوة التمییز بین الخیر والشر وانتخاب أحدهما. ولکنه هبط لجهله بحقیقة نفسه وعدم علمه بأصله (30: 13 وما بعدها). وما حاء في کتاب أسرار خنوخ عن خلق آدم نوع آخر من المقابلة والمناظرة بین العالم الصغیر والعالم الکبیر الذي یشاهد ‌في بعض الأدیان القدیمة ولدی بعض المدارس الفلسفیة في الفترات التالیة. فقد أراد الکاتب ‌في هذا القسم من الکتاب أن یجد تعلیلاً لهبوط آدم. وأن یبحث عن سببه في وجوده. وتتم أعمال الخلق في کتاب یوبیل بإرادة اللَّه و لکن بتنفیذ الملائکة وذلک للابتعاد عن تصوّر تشبیه أو تجسیم ذات اللَّه. (ظ: آلبرایت، 348). کما ان اللَّه في کتاب أسرار خنوخ (30: 10)، یأمر أیضاً بـ «حکمته» أن یخلق آدم من الجواهر السبعة التي مرَّ ذکرها. وکان المسیحیون قد أوردوا علی الأغلب معلومات عن ظهور المسیح و رفعه الی السماء ‌في عدد من الکتب المتأخرة بین العهدین عن حیاة آدم و حواء و توجد الآن ترجمات وروایات منها ‌في اللغات الیونانیة واللاتینیة والصقلبیة والعربیة والسریانیة والحبشیة، وتختلف هذه الکتب بعضها عن بعض اختلافاً کبیراً رغم أنها تتحدث جمیعها عن حیاة آدم و حواء بعد اخراجهما من الجنة. وکل منها یشیر إلی جانب من جوانب حیاتهما وحیاة أبنائهما علی الأرض. فندَمُ آدم وحواء لما ارتکبا من معصیة، و الوعد بالعفو الإِلهي، وإعادة الأخیار من أبناء آدم الی الجنة، وصراعهم مع الشیطان، وصمودهم أمام دسائسه، والخصام بین قابیل وهابیل، و ولادة شیث، وموت آدم و مراسیم دفنه: وافتتان أبناء شیث ببنات قابیل، هي الحوادث التي وردت في هذه الکتب وهي نماذج لاتساع الروایات والقصص التي شاعت شفویاً بین الیهود منذ القدیم حول هذا الموضوع. (ظ: جودائیکا، 2/245 247؛ اندروز، 73 74؛ «الکتب المفقودة للکتاب المقدس»، 3 81).

 

في التلمود

غالباً ما کانت المواضیع والمسائل العقائدیة تخضع للتفسیر والشرح في قسم من التلمود یدعی الهکّادا (= الروایة) ویشتمل علی قصص و روایات شفوّیة وأمثلة دینیة وأخلاقیة. و تورد الروایات و الحوادث التي جاءت في الإِنجیل تفاسیر جدیدة. کما تم شرح و تفسیر المواضیع التي وردت عن آدم و حواء في عدد من الإِصحاحات الأولی من سفر التکوین بالتفصیل في هذا القسم من التلمود وأضیف إلیها روایات وتنویهات مختلفة.

وکانت غایة الأمر من تفسیر عبارة «خلق اللَّه آدم علی صورته» أن لایُتصور أن الانسان بشبه اللَّه أو بالعکس، وقیل إن معنی ذلک أن الانسان یتمتع بالعزة والجلال الإِلهي ولدیه القدرة علی الوصول الی هذه المنزلة والمکانة.

أما في ترتیب الخلق، فکل ما ظهر في الفترات الأکثر تأحراً کان أفضل مما قبله وأسمیٰ. فآدم وحواء اللذان خُلقا بعد الجمیع أصبحا أفضلهم وتسلطا علیهم. فقد خلق آدم في النهایة لتوجد المخلوقات الأخری جمیعها من أجله ولأجله (کما تُمد المائدة في المضافة ویحضر الضیف بلاتأخیر وانتظار). وخلق آدم بعد جمیع الاشیاء الأخری أیضاً حتی إذا ما داخله الکبر والغرور صرخوا في وجهه: حتّی البعوضة خُلقَت قبلک.

وآدم هو الوحید الذي یستطیع أن یقف منتصباً بین جمیع الحیوانات ویتبختر، وهو في ذلک کالملائکة التي تتولی شئون العالم. فقد خلق آدم کاملاً راشداً. وتکوَّن وحواء بشکل شابین یبلغان من العمر 20 ربیعاً. «وکان کعب قدم أدم أروع من جلال الشمس، و أین هذا من وجهه، فآدم خلق لیخدم اللَّه، والشمس لتخدم الانسان».

خلق آدم في الیوم الأول من السنة الجدیدة. یوم أول تشرین، و حدث کل ما یتصل به في نفس هذا الیوم. ففي الساعة الأولی جمع ترابه، وفي الساعة الثانیة جبل طینه و أصبح مهیّأ، وفي الساعة الثالثة رُکِّبت أعضاؤه بعضها فوق بعض، وفي الساعة الرابعة نُفخَت فیه الروح، وفي الساعة الخامسة نهض و وقف منتصباً، و في الساعة السادسة دعا کل شيء باسمه، و في الساعة السابعة جيء له بحواء، و في الساعة الثامنة ولد لهما قابیل و هابیل، و في الساعة التاسعة أُمرا ألّا یأکلامن شجرة الخیر والشر، و في الساعة العاشرة ارتکبا المعصیة، و في الساعة الحادیة عشرة حُکم علیهما، و في الساعة الثانیة عشرة أُخرجا من جنة عدن.

حینما تمّت مشیئة اللَّه بخلق آدم، دعا الملائکة للمشورة، فوافق بعضهم بأمل ما سیظهر منه من عطف و محبة. و خالف آخرون خوفاً مما سیثیر من فساد و فتنة. و أخیراً کانت إرادة الذات القدسیة فخلق آدم. ولما رأی الملائکة جلال و عظمة خلق آدم داخلهم الذعر و أرادوا عبادته. الا أن آدم أشار آنئذ الی الأعلی (أي ان العبادة للَّه). و قیل أیضاً إن اللَّه أوقع سباتاً عمیقاً علی آدم لیری الملائکة مدی عجزه و ضعفه. و هناک روایة أخری تقول: إن اللَّه أمر الملائکة أن یسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبلیس أبی و استکبر فألقي به في أطباق الجحیم. و لذلک یحمل في قلبه لآدم حقداً دفیناً.

و قد ورد في سفر التکوین کما ذکرنا شرح لخلق آدم و قصة حیاته منذ أولها و حتی إخراجه من الجنة، دون أن یرد أي ذکر بعد هذه الفترة لا في هذا السفر و لا في الأسفار الأخری من العهد القدیم عن أحواله و کیف وفَّق بین حیاته و الشروط الجدیدة علی الأرض. ولکن یشاهد في الروایات التي وردت في الهکّادا إشارات کثیرة في هذا الشأن. فقد قیل إنه لما غربت الشمس و أظلم العالم، غلب الخوف علی آدم، و فکَّر بأن الحیة ستأتي و تقتلني، فأعطاه الرَّب حجرین لیقدحهما و یولد منهما ناراً و نوراً.

ولما عصی آدم ربه، فقد جلاله، و زال جلال أشیاء أخری بمعصیته «وإن کانت جمیعها خلقت بکمالها».

و مع تعاقب الأحیال تناقص جمال البشر. وقد اتخذ ابلیس الحیة وسیلة له لأنها کانت أحیل الحیوانات و أدکاها و کانت أشبه بآدم من الآخرین لأن اللَّه منحها الأبدي والأرجل، و ذهب بعضهم الی أن شجرة الخیر و الشر کانت الکرمة و قال آخرون کانت الحنطة أو اللیمون أو التین. و قدقیل عن شجرة التین إن آدم و حواء لما ارتکبا المعصیة شعرا بالحیاء لعریهما و سترا جسمیهما بأوراق هذه الشجرة، إذاً لا بدمن أن تکون الثمرة التي منعا عن أکلها هي التین، و هناک اختلاف حول جنة عدن التي أخرج آدم منها، هل هي في هذا العالم أو في عالم آخر.

قال قابیل لآدم: «لقد تبت و غُفر لي» تعجب آدم لهذا القول و صفع قابیل و قال: «أکان للتوبة هذه القوة والأثر الکبیرین و لم أعلم؟» و لکن ورد في کتاب آدم و حواء شرح مفصل لتوبة آدم بعد الخروج من جنة عدن. و الوصایا والشرایع التي نزلت علی آدم قبل ظهور دین موسیٰ: وجوب اعتبار یوم السبت من زمنه، و أول من قدم الذبیحة، ولولم یرتکب المعصیة لنزلت علیه التوراة کلها (ظ: جودائیکا، 2/236 238 للمصادر المتعلقة بالقسم ج).

 

في الفلسفة‌ الدینیة و العرفانیة لدی الیهود

غالباً ما بادر المفکرون الیهود الی تأویل و تفسیر الاصحاحات الأولی من سفر التکوین بالتمثیل في العصر الهلیني و هي الفترة التي انتشرت فیها الثقافة الیونانیة و کان لها تأثیر علی أفکار أبناء أوروبا و أجزاء من آسیا الغربیة. و کانوا یعتبرون آدم النموذج الأصلي و الأول للجنس البشري، و حیاته و مصیره بیان تمثیلي لوضع الانسان في العالم. و لکنهم في نفس الوقت غالباً ما کانوا یقبلون الحقیقة التاریخیة لشرح سفر التکوین، و یعتقدون بأن له جانباً تاریخیاً و آخر تمثیلیاً. و کان فیلون الاسکندري (النصف الأول من القرن الأول المیلادي) الذي کان ملماً بفلسفة أفلاطون یقول: خلق اللَّه نوعین من الإِنسان: الإِنسان السماوي «بشکل اللَّه» (سفر التکوین، 1: 27) و الإِنسان الأرضي الذي خلق من التراب (2: 7).

والإِنسان السماوي لیس مادیاً و الإِنسان الارضي مرکّب من عنصرین: مادي و معنوي، جسم و عقل و فکر. والذي خلق «بشکل اللَّه» هو عقل و فکر آدم لاجسمه. و کان آدم الأرضي یفضُل جمیع بني آدم في قدرته و عقله، و في جسمه، و نال غایة السعادة. ولکنه لم یبق في هذه المنزلة. فقد فَقَد بأکله من شجرة معرفة الخیر و الشر خلوده و سعادته وابتلي بالموت و التعاسة. و یری فیلون أن الأکل من الشجرة المنهیة تمثیل لاستسلامه للّذات و الشهوات الجسمانیة. ولما استسلم آدم لرغباته الجسمیة انخفض فهمه من أعلی مستویات العلم الی أدنی المستوی الفکري. و کان فیلون یقبل أحیاناً المعاني اللفظیة لسفر التکوین، و یفسرها بشکلها الظاهري. و لکنه کان یسعی بصورة عامة الی أن یجد لجمیع العناصر معاني مجازیة، و لذلک فآدم في فلسفته مظهر للعقل و حواء مظهر للتلقي الحسي و الحیة مظهر للهوي النفسي و شجرة المعرفة مظهر للفکر و التدبیر.

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: