الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و بعد سنة من بداية فتوح طارق في الأندلس، دخلها موسى‌بن‌نصير في رمضان 93/حزيران 712 بقوة منتخبة (ابن‌عذاري، ابن الأثير، ن.صص؛ مؤنس، فجر، 90-91). و قد ذكرت أقوال مختلفة حول الأسباب التي دعت موسى إلى إصدار الأمر بتوقف تقدم طارق فيما يتعلق بدخول الأندلس ( الإمامة، 2/74؛ ابن الأثير، 4/565؛ الحُميدي، 5؛ ابن القوطية، ن.ص؛ ابن‌عذاري، 2/ 18-19؛ المقري، 1/ 269، نقلاً عن ابن حيان؛ عنان، ن.ص). و رغم أن بعض الباحثين لايستبعدون حسد موسى لطارق، و لكن بما أن طارقاً هجم على إسبانيا من جانب موسى، و كان يحيطه علماً بجميع تحركاته، فإنهم يرون أن السبب الرئيس لدخـول موسى تلك المنطقـة هـو الاعتبـارات العسكريـة ـ السياسية؛ ذلك لأن موسى كان يخشى اتساع خطوط الاتصال بين القوات المسلمة في أعماق شبه جزيرة الأندلس و المخاطر الناجمة عن ذلك. خاصة وإن طارقاً كان قد تقدم من وسط الأندلس، في حين أن المدن والمناطق الواقعة على يمين هذا المسار و يساره لم‌تكن جميعها قد أُمنت و تمت السيطرة عليها (م.ن، 1/ 49؛ مؤنس، ن.م، 84). و إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تقدم موسى فيما بعد في ماوراء البرتات و في مناطق الفرنج الحدودية، فإن من الممكن أن لاتتفق مع الرأي القائل بأن دافع موسى من الذهاب إلى الأندلس كان خشيته من الأخطار المحتملة التي كانت تهدد المسلمين. خاصة إذا قبلنا الادعاء المنسوب إلى موسى و هو إنه كان يريد أن يصل حتى روما و القسطنطينية و الشام من خلال فتح أوروبا (المقري، 1/277؛ عنان، 1/51)، و هو الهدف الذي لايمكن أن يتفق مع الاحتياط و الخوف من الخطر. و أما تحرك موسى في الأندلس لإكمال فتوح طارق و تأمين المناطق المسيطر عليها فإنه يتفق مع مسار حركة موسى في شبه الجزيرة، حيث يمثل طريقاً موازياً لمسار طارق و لكن من جهة الغرب.

نزل موسى في الجزيرة الخضراء أولاً و بدأ هجومه منها، واستولى بعد معركة ضروس على المدن القديمة المحصنة والكبيرة مثل قرمونة و إشبيلية ثم ماردة و ذلك في رمضان 94. و في هذه الفترة ثار أهالي إشبيلية على المسلمين، و لكن عبدالعزيز بن موسى قمعهم، و توجه من هناك إلى لبلة و باجة واستولى على هاتين المدينتين و عاد إلى إشبيلية. و بعد أن استولى موسى على ماردة سار إلى طليطلة، و قدم طارق أيضاً، والتقيا في البيرة، أو طلبيرة و لم‌يتساهل موسى في توبيخ طارق و معاقبته (ابن الأثير، ن.ص؛ أخبار مجموعة، 15- 18؛ مؤنس، ن.م، 85). بل إنه كان ينوي قتله على ماقال البعض (عنان، 1/ 49-50)، ولكنه تركه على مايبدو بوساطة مغيث الرومي (مؤنس، ن.م، 85-86).

و بعد تصالح القائدين، استمر طارق في قيادة القوات المتقدمة، و تقدم موسى مع قواته خلفه باتجاه الثغر الأعلى (حدود إسبانيا مع دولة الفرنج) و فتحوا سرقسطة و توابعها. و قد خرجت هذه القوة منتصرة في كل مكان دخلته، و لم يواجهها أحد، و طلب الجميع الصلح (ابن الأثير، 4/566-567؛ المقري، 1/273، نقلاً عن ابن حيان). و استناداً إلى ماذكره المؤرخون، فقد تقدم طارق وموسى حتى بلاد الفرنج في وادي الرون (وردَنة، رودانة)، ووسعت سرايا طارق من رقعة هجماتها حتى برشلونة و أربونة وأبنيون و قلعة لوذون، و ابتعدوا عن الساحل الذي كانوا قد نزلوا فيه. و نشب بين قوات شارل مارتل أمير الفرنج، و جيش المسلمين اشتباك عنيف قرب أربونة، ليتحول وادي الرون إلى حد بين المسلمين و الفرنج (ابن الأثير، ن.ص؛ المقري، 1/273-274). ويبدو أن جميع المناطق الإسبانية الشمالية من منطقة البَشكَنس و حتى جليقية امتثلت لطاعة المسلمين، و حينئذ اتجهت القوة الفاتحة إلى أطراف البرتات، و تقدمت بعد فتح سرقسطة وبرشلونة من الممر الشرقي للجبل باتجاه شماله في وادي الرون. كان تقدم المسلمين هذا عجيباً و مثيراً للمخاوف في نفس الوقت و لذلك فقد أثار اعتراض المسلمين. كما بعث الخليفة الأموي الوليد شخصاً و أمر موسى بالرجوع ( الإمامة، 2/78-81؛ ابن الأثير، 4/566). و مع كل ذلك، لم‌يشأ موسى أن يوقف التقدم والانتصار، و استمر في التقدم حتى بلغ صخرة بَلاي في جليقية إلى جانب البحر الأخضر (المحيط الأطلسي). و هنا قدم رسول الخليفة، و أوقف موسى عند حده و أخرجه من الأندلس. و عاد طارق من منطقة الفرنج الحدودية، أو من إسترقة و التحق بموسى، و سلك الجميع طريق العودة (م.ن، 4/565-566؛ مؤنس، فجر، 106).

و مع الأخذ بعين الاعتبار الظرف المناسب لتقدم المسلمين في مناطـق ماوراء الأنــدلس ــ بحيث أنه كان قد أطمع موسى بالذهاب إلى بلاد الروم و القسطنطينية و ربط الممتلكات الأوروبية التي سيطر عليها المسلمون في الشمال من المغرب إلى المشرق ــ فإن أمر الخليفة القاضي بعودتة يبدو عجيباً. و يرى بعض الباحثين أن قرار الخليفة هذا مصدره التردد الذي كان يسيطر على الخلافة بحيث وصل به الأمر إلى أن يفكر في الحيلولة دون فتح إسبانيا (عنان، 1/51-52). على أن هذا التبرير ليس مقنعاً رغم جميع القرائن الروائية التي يمكن أن تؤيده. و منذ عهد الخليفة الراشدي الثاني و حتى عهد عمر بن عبد‌العزيز، كان البعض من الخلفاء يبدون قلقهم بشأن الظرف الذي كانت تمر به الجيوش الإسلامية في المناطق الحربية، بل إن الخليفة الأخير كان ينوي سحب المسلمين من الأندلس ( أخبار مجموعة، 23؛ ابن‌القوطية، 38). و لكن بعض الخلفاء لم‌يروا ضيراً في الفتوح عندما رأوها مفيدة، بل إن عبدالملك كان يشجع موسى بن نصير على مواصلة فتوحه في المغرب. و في عهد الوليد، حيث كان يطلع باستمرار على مصير جيوشه في الأندلس و نتائج تقدمهم، ولم‌تكن قد نزلت مصيبة عليهم بعد، فإنه لايمكن أن يكون قد انتابه القلق عليهم. و على هذا، ربما يكون التبرير المنطقي الوحيد هو أن الخليفة كان يخشى استفحال أمر قادته، و قد كانت بعض الروايات مثل أقوال مغيث الرومي ضد موسى و ربما ضد طارق أيضاً، تزيد من هذا القلق (ظ: عنان، 1/52). كما أن السلوك العنيف لسليمان خليفة الوليد مع موسى يدل أيضاً على وجود مخاوف في أذهان الخلفاء من جهة القادة البارزين. و على أي حال، فعلى الرغم من أن والي الأندلس كان أحياناً ينفصل ويستقل عن والي أفريقية كما كان يحدث في عهد خلافة عمر‌بن‌‌عبدالعزيز (ابن القوطية، ن.ص؛ المقري، 1/249)، و لكنه ظل مرتبطاً بجهاز الخلافة عن طريق ممثل الخليفة في المغرب (أفريقية) ( أخبار مجموعة، 22؛ أيضاً ظ: الحميدي، 9؛ عنان، 1/82). و بعد سقوط خلافة الأمويين في دمشق و بداية الخلافة العباسية، ابتعدت الأندلس عن مركز الخلافة أكثر فأكثر و حدث اضطراب أكثر في إدارة هذه البلاد، حتى أسس عبدالرحمان‌بن‌معاوية المعروف بـ «الداخل» في 138ه‍/756م إمارة الأمويين وخلافتهم في الأندلس (الحميدي، 9-10؛ بازورث، 32-33).

و في عهد الولاة، تركت اضطرابات مركز الخلافة في الشرق و انعكاساتها في المغرب آثارها في الأندلس أيضاً، خاصة قضية العرب و البربر و التعصب القبلي، حيث و رطت العرب الحاكمين للأندلس بالأحقاد والسلوكيات الجاهلية إزاء بعضهم البعض بحيث أننا لايمكن أن نتصورها حتى في حق الأعداد في الدين (مثلاً ظ: ابن عذاري، 2/45؛ مؤنس، ن.م، 213-217).

و هكذا، فقد خضعت الأندلس كلها لسيطرة المسلمين العرب والبربر خلال 3 سنوات تقريباً، أي منذ دخول طارق و حتى خروجه هو و موسى من الأندلس، و بذلك انتهت عملية فتحها. وقد كان ذلك يمثل بحد ذاته حادثة محيرة لم‌تصبح ممكنة، إلا بمساعدة الظروف و العوامل، كما أسهمت مروءة الفاتحين المسلمين و بُعدهم عن التعصب في تسريع هذه السيطرة، إلى درجة أن المسيحيين الإسبانيين الذين حافظوا على ديانتهم في ظل حكم المسلمين، عرفوا باسم «المُستَعرَبين» بسبب اهتمامهم باللغة و الثقافة العربية و الإسلامية، و عاشوا إلى جانب أعقاب (المُوَلَّدين) من السكان الأصليين المسلمين (المُسالِمة)، و حلت اللغة العربية محل اللاتينية حتى في الكنيسة (آرنولد، 98-104؛ مؤنس، ن.م، 425)، و لكن الأندلس كانت البلاد المفتوحة الوحيدة من قبل المسلمين التي لم‌تهدأ فيها أبداً بشكل كامل الحركة المناهضة، بل إن ماحدث كان على العكس من ذلك، إذ تحولت من حالة مقاومة بدائية لاتستحق الاهتمام إلى حركة هجومية عرفت باسم حركة «الاسترداد» و أخيراً، فقد أطيح بالحكم الإسلامي في آخر منطقة في الجنوب بعد 8 قرون من بداية الفتح. و اعترف أبو‌عبدالله محمد الحادي عشر آخر أمير نصري في 898ه‍/1493م بهذه النهاية رسمياً، و ترك الأندلس باتجاه المغرب (عنان، 5/462). و قد اعتبرت غفلة الفاتحين المسلمين الأوائل للأندلس عن إسترقة و جليقية بسبب صغرهما و قلة أهميتهما في الظاهر، من العوامل المهمة لظهور و نمو حركة «الاسترداد»؛ ذلك لأن تلك المنطقة تحولت إلى ملجأ لبقايا القوط الذين كانوا يراقبون منها التحولات، و بعد أن استفحل أمرهم تدريجياً، وضعف المسلمون لأسباب داخلية مختلفة، دحروا المسلمين من مدينة إلى مدينة و من موضع لآخر، حتى استردوا أخيراً جميع أرجاء شبه الجزيرة (مؤنس، فجر، 308-310).

 

الإسلام في أوروبا

 

جنوب فرنسا

استناداً إلى رواية المؤرخين المسلمين، فعندما تلاقى موسى بن نصير و طارق بن زياد، اتجها إلى بلاد الفرنج (ظ: انتشار الإسلام في الأندلس في هذه المقالة) و تقدما حتى وادي نهر الرون (ابن الأثير، 4/565؛ المقري، 1/273)، و بلغا حدود دولة الفرنج (قا: مؤنس، ن.م، 242).

إن وقوع ولاية سبتيمانية الإسبانية في الجانب الآخر من البرتات و وجود ولاية أقطانية في غرب و شمال غربي هذه الولاية الإسبانية في منطقة غالية و التي كان يسيطر عليها الدوق أود، و قوة الفرنج الكارلية المتزايدة و التي كانت تهدد استقلالها، كل ذلك كان يمثل عوامل تدفع فاتحي إسبانيا إلى التقدم في الجانب الآخر من البرتات. و كانت دولة الميروفنجية (أبناء كلوفيس) التي كانت ماتزال قائمة بمساعدة الرأي العام وتعـاون الحجّاب، أي محافظـي القصر الكارليين معها ــ و الذين كانوا يوسّعون من سلطتهم باسم الملوك الميروفنجيين غير الكفوئين ــ كانت هذه الدولة تسير نحو الانحطاط، و كان هؤلاء الحجّاب على وشك نقل الحكم الملكي لأنفسهم، و كانوا يعملون على قمع القبائل الجرمانية و الدوقيات المستقلة وإخضاعها. و قد كان أمير الأسرة الكارلية المقتدر يحمل اسم ببين دي هرشتال عند الفتح الإسلامي لإسبانيا و قد توفي في 96ه‍/715م و بعد بضع سنوات من النزاعات العائلية، تولى الإمارة أحد أبنائه ويدعى قارله منذ 102ه‍/720م، على جميع الفرنج بمنصب الحاجب (ليونار، 343,348؛ عنان، 1/ 78-80).

و هزم الدوق أود الذي كان يدعى للمساعدة أحياناً من جانب بعض المدعين خلال النزاعات بين الكارليين، على يد قارله و قبل الصلح معه (ن.ص). و في هذه الأثناء عين السمح بن مالك الخولاني والياً على الأندلس من قبل عمر بن عبدالعزيز و توجه إليها في 100ه‍/ 718م (ابن الأثير، 5/55؛ أخبار مجموعة، 23). هاجم السمح ولاية سبتيمانية بعد أن أعاد أمور الأندلس إلى نصابها و سيطر على حاضرتها و تقدم حتى طرسونة و طولوشة حاضرة أقطانية و خرج الدوق أود الذي كان أعقاب القوط وأهالي نافار قد أحاطوا به، و كان يفكر في مواجهة قارله، لمواجهة المسلمين. و قتل السمح خلال حرب ضارية (يوم عرفة 02ه‍/10 حزيران 721م) و عاد المسلمون إلى سبتيمانية (عنان، 1/81؛ مؤنس، ن.م، 245). و تشجع أهالي مناطق لانغدڪ (أطراف طولوشة) و البرتات لسماع هذا الخبر، فثاروا على المسلمين. ولكن المسلمين كانوا مايزالون يسيطرون على أربونة كما كانت تقبل إليهم من الأندلس قوات إضافية (شكيب أرسلان، 72). وعلى إثر إعادة المسلمين لبناء قواتهم بفضل جهود أحد قادة الجيش و يدعى عبدالرحمان بن عبدالله الغافقي، اختاره جيشه لولايتهم وقيادتهم، و لكن عنبسة بن سحيم الكلبي مالبث أن تولى القيادة و الحكم من قبل والي أفريقية (عنان، 1/82؛ مؤنس، فجر، 245-246).

دخل عنبسة الأندلس في صفر 103/آب 721 (عنان، ن.ص) وهاجم في أواخر ولايته التي دامت 4 سنوات (ظ: عنان، ن.ص: في أواخر 105ه‍/أوائل 724م) بلاد الفرنج وسيطر على مدينة قرقشونة بعد المحاصرة، صلحاً و ضمن شروط (ابن الأثير، 5/136، مادة حوادث 107ه‍ (. و استولى من بعدها على مدينة نيم و واصل تقدمه السريع حتى وادي نهر الرون دون مقاومة وتقدم حتى نهرسايون و مدينة أوتن في بورغونية واستولى عليها، وهاجم مدينة صانص (30 كليومتراً جنوب باريس). وفيها طلب الدوق أود الصلح مع المسلمين خشية هجومهم على رقعة حكمه (عنان، 1/83؛ مؤنس، ن.م، 247). و قد جرح عنبسة خلال عودته إلى الجنوب في معركة ضارية مع الفرنج و توفي (عنان، ابن‌الأثير، ن.ص؛ قا: مؤنس، ن.ص). و لم‌يتم الاستعداد من بعده لفترة لهجوم جديد. و في عهد ولاية الهيثم بن عبيد الكلابي، أو الكناني (111-112ه‍/729-730م) أستؤنفت التحركات العسكرية في ماوراء سبتيمانية في وادي الرون حتى ساحل سايون و في جنوب بورنية، و لكنه لم‌تستمر بسبب الاختلافات الداخلية بين العرب والبربر، بل إن المدن المسيطر عليهـا فقدت (عنان، 1/83-84). وفي الحقيقة فإن الاضطرابات و المشاكل الداخلية في جهاز الخلافة الأموية و ولاتهم في الولايات البعيدة في هذه الفترة كانت بشكل بحيث أن عصر الفتوح الكبرى كان قد ولى، واكتسبت التحركات العسكرية لقادة مثل عنبسة و غيره طابع الهجمات غير المنظمة في الغالب؛ بحيث لم‌تبذل أية محاولة لتأسيس قاعدة مركزية في منطقة جنوب فرنسا تؤمن و تدعم استمرار حضور الجيش الإسلامي في المنطقة (مؤنس، ن.م، 247-248).

و في أوائل سنة 113ه‍/731م أصبح عبدالرحمان الغافقي والياً للأندلس و قد دفعته دوافع مثل الانتقام و مواجهة بعض التحركات الخيانية، إلى التحرك في مناطق جنوب فرنسا و ذلك في أوائل سنة 114ه‍. و استولى المسلمون على مدينة آرل بعد معركة ضروس، و قهروا قوات أود بعد اجتياز نهر غارن وسيطروا على مدينة بردو، وسقطت جميع أرجاء أقطانية بيد المسلمين. و عاد عبدالرحمان إلى جانب الرون. و تغلبت قواته أيضاً على ليون و بيزانصون و تقدمت بعض السرايا حتى صانص بالقرب من باريس. و هكذا، سيطر عبدالرحمان خلال بضعة أشهر على نصف جنوب فرنسا من المشرق حتى المغرب (عنان، 1/86-92؛ مؤنس، فجر، 262-265). و توجهت قواته بعد ذلك باتجاه تور، ثاني مدن المنطقة و استولت عليها، و هدمت كنيسة سان مارتن المعروفة (ن.م، 266). و في هذه الفترة بادر قارله الذي كان يرى نفسه في خطر، كما كان يتمنى توسيع رقعة حكمه، إلى إعداد قوة كبيرة لمواجهة المسلمين، و هيأ جيشاً من قبائل الفرنج المختلفة، و الجرمن و القبائل الوحشية الشمالية، و توجه إلى الجنوب. و لانعلم بالضبط نقطة التقاء قارله مع المسلمين، و لكننا نعلم أن الحرب نشبت منذ أواخر شعبان 114/تشرين الأول 732 في السهل بين مدينتي پواتييه وتور (شكيب أرسلان، 90-91). ولايمتلك المؤرخون المسلمون معلومات كافية عن تفاصيل هذه الحادثة الكبيرة. و رغم كل الحماس الديني، فقد كانت هناك عدة عوامل غير مساعدة تكتنف معسكر المسلمين و تجعل نتيجة المعركة في غير صالحهم. و بعد عدة أيام من المعارك غير المنظمة، بدأت المعركة الحقيقية، و في اليوم الثاني حدثت ثغرة في صفوف المسلمين، فتراجعوا ليلاً باتجاه سبتيمانية (أوائل رمضان، 114). و قد سمى المؤرخون المسلمون هذا الموضع «بلاط الشهداء» بسبب كثرة القتلى، فيما سمى المؤلفون الأوروبيون هذه المعركة معركة پواتييه (م.ن، 84؛ عنان، 1/100-104؛ مؤنس، 267-275). و قد حددت هذه المعركة آخر حد لتقدم جيش المسلمين في بلدان الغرب (حتي، 1/277). و قد أولى المؤرخون الأوروبيون أهمية كبيرة لهذه المعركة، و اعتبروها جميعهم تقريباً السبب في تحرر أوروبا و المسيحية من تسلط الإسلام و العرب (ظ: عنان، 1/113-114).

و بانتشار خبر هذه الهزيمة ثار أهالي جنوب غالة و شمال إسبانيا على المسلمين. و سارع والي أفريقية إلى تعيين عبدالملك‌بن قَطَن الفهري والياً على الأندلس. فباشر عبدالملك دون تأخير في العمل لتثبيت موقع المسلمين. و بعد أن هاجم منطقتي نافار وآراغون في جنوب البرتات و اجتياز الممر الجبلي، دخل لانغدك، و نظم تحصينات المسلمين. فطلب الحكام المحليون لمنطقة سبتيمانية الذين كانوا يتخوفون من استيلاء الدوق أود وقارله كليهما، المساعدة من المسلمين، و لكن عبدالملك لم يدخل بلاد الفرنج لعدم امتلاكه الجيش الكافي، فعاد إلى الجنوب، و عند عبوره البرتات هاجمته مجاميع المقاتلين المحليين و كبدوه أضراراً فادحة، فعاد إلى قرطبة. و لم‌يدم حكمه طويلاً، فقد عزل في رمضان 116/تشرين الأول 734. ولي الأندلس عقبة بن‌الحجاج السلولي في شوال من نفس السنة. و بسط عقبة باعتباره قائداً شجاعاً و حازماً و ذا هيبة، سيطرة الإسلام مرة أخرى في الولايات الشمالية و بلاد غالة، و عزز تحصينات المسلمين على ضفة نهر الرون و جعل من ثغر أربونة قاعدة للجهاد (م.ن، 1/117-118). وفي هذه الفترة لم‌يقدم قارله على مواجهة المسلمين، ولكنه عندما توفي أود في 117ه‍ قدم إلى أقطانية مسرعاً و عين نجل أود بدلاً من أبيه، و أجبره على الإطاعة له (م.ن، 1/ 119؛ مؤنس، ن.م، 279).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: