الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و منذ هذه الفترة أثر الركود العلمي الذي كان يعم تدريجياً الكثير من العلوم الشائعة في العالم الإسلامي، على علوم الطب أيضاً، و لم‌تكن الآثار الطبية التي كانت تؤلف من حوالي القرن 6ه‍/12م، عادة سوى شروح و تفسير آثار المتقدمين؛ رغم أننا قد نصادف في هذه الفترة آثاراً بارزة مثل كتاب نور العيون لأبي‌روح محمد بن منصور الجرجاني، المعروف بـ «زرين دست» والذي اشتمل على مواضيع بديعة لانظير لها (مايرهوف، ن.م، مقدمة، 9-10؛ قا: إلغود، «طب...»، 57، «تاريخ...»، 142). كما كانت كتب السيد إسماعيل الجرجاني الطبيب المعروف في القرن 6ه‍، مثل ذخيرۀ خوارزمشاهي، و الأغراض الطبية تتمتع بأهمية و انتشار خاص؛ و خاصة كتاب الذخيرة فبالإضافة إلى فوائده الطبية، فإنه يعتبر أيضاً أثراً قيماً في علم الأدوية (الكتاب التاسع في 5 مقالات). كما أن أسلوب الجرجاني في تصنيف الأمراض و وصفها يعد طريفاً أيضاً.

و تطرق الطبيب المعروف نجم‌الدين محمود بن إلياس الشيرازي في كتاب الحاوي في علم التداوي (مخ‍) إلى مباحث مثل علم الأمراض و معرفة علاماتها. و من بين أطباء العصر المغولي و التيموري يجب ذكر نصيرالدين يوسف بن الكتبي صاحب ما لايسع الطبيب جهله، و نجيب‌الدين السمرقندي صاحب القراباذين و الأسباب و العلامات، حيث كان الكتاب الأخير خاصة متداولاً و يحظى بالاهتمام إلى حد بعيد، و قد وصلنا منه شرح بقلم برهان‌الدين نفيس بن عوض الكرماني. ولعل أهم طبيب بادر في فترة الركود إلى دراسات جديدة و قدم آراء تستحق الاهتمام، هو بهاء الدولة محمد الحسيني نوربخش صاحب خلاصة التجارب الذي قدم ملاحظات مهمة حول أمراض بعض الأعضاء (إلغود، «طب»، مخ‍).

و رغم أن عدد الكتب الطبية في مصر و الشام و إيران و شبه القارة الهندية أخذ يتزايد منذ هذه الفترة، و ظهرت آثار كثيرة في الطب و الصيدلة، و لكن هذه الآثار لاتتمتع بأهمية خاصة في تاريخ الطب، و قد ظلت هذه المسيرة مستمرة حتى دخول الطب الحديث العالم الإسلامي؛ رغم أن أطباء بارزين ظهروا في هذه العصور أيضاً أدخلوا بعض التغييرات في أسلوب المعالجة فقط على أساس تلك النظريات القديمة.

 

المصادر

ابن أبي أصيبعة، أحمد، عيون الأنباء، تق‍ : أغوست مولر، القاهرة، 1299ه‍/1882م؛ ابن ربن، علي، فردوس الحكمة، تق‍ : محمد زبير صديقي، برلين، 1928م؛ ابن سينا، القانون، القاهرة، 1294ه‍؛ ابن النديم، الفهرست؛ أبومنصور موفق الهروي، الأبنية عن حقائق الأدوية، تق‍ : أحمد بهمنيار، طهران، 1346ش؛ الأخويني البخاري، ربيع، هداية المتعلمين، تق‍ : جلال متيني، مشهد، 1344ش؛ البابا، محمد زهير، «الأقربا‌ذينات، أو دساتير الأدوية العربية»، أبحاث الندوة العالمية الأولى لتاريخ العلوم عند العرب، حلب، 1977م؛ البيروني، أبوالريحان، الصيدنة، كراتشي، 1973م؛ م.ن، فهرست كتابهاي رازي، تق‍ : مهدي محقـق، طهران 1366ش؛ الجرجاني، إسماعيـل، ذخيرۀ خوارزمشاهي، ط مصورة، تق‍ : سعيدي سيرجاني، طهران، 1355ش؛ دانش‌پژوه، محمدتقي، «أز إبن هندو تا إبن سرابيون»، مفتاح الطب لعلي بن الحسين ابن هندو، طهران، 1368ش؛ الرازي، محمد بن زكريا، الحاوي، حيدرآباد الدكن، 1396ه‍/1976م؛ م.ن، الجدري والحصبة؛ الرهاوي، إسحاق، أدب الطبيب، فرانكفورت، 1985م؛ السامرائي، كمال، مختصر تاريخ الطب العربي، بغداد، 1404ه‍/1984م؛ السيوطي، حسن المحاضرة، القاهرة، 1299ه‍؛ القفطي، علي، تاريخ الحكماء، تق‍ : يوليوس ليپرت، لايبزك، 1903م؛ محقق، مهدي، بيست گفتار، طهران، 1355ش؛ النجم‌آبادي، محمود، تاريخ طب در إيران پس أز إسلام، طهران، 1353ش؛ نجم‌الدين الشيرازي، محمود، الحاوي في علم التداوي، مخطوطة المكتبة المركزية في جامعة طهران، رقم 6356؛ نفيسي، عباس، «برخي أزگياهان...»، جشن نامۀ ابن سينا، طهران، 1346ش؛ و أيضاً:

 

Elgood, C., A Medical History of Persian and the Eastern Caliphate, London, 1951; id, Safavid Medical Practice, London, 1970; Meyerhof, M., The Book of the Ten Treatises on the Eye Ascribed to Hunain ibn Isħâq, Cairo, 1928; id, «New Light on the Early Period of Arabic Medical and Ophthalmological Science», Augenheilkunde im Islam, ed. F. Sezgin, Frankfurt, 1986, vol. III.

مهدي محقق/خ.

VI. نفوذ الثقافة الإسلامية في أوروبا

 

لايخفى على المطلعين أن أوروبا كانت مدينة إلى الإسلام في حياتها الفكرية و العلمية و الثقافية في الكثير من المناحي، و ذلك في القرون الوسطى و بعدها بفترة. بمعنى أن تراث العلم و الفلسفة في العصر القديم شق طريقه إلى أوروبا بواسطة إنجازات المسلمين.

و يجب اعتبار فتوحات المسلمين في البلدان الأوروبية العامل الأول لنفوذ الحضارة الإسلامية و ثقافتها، ثم معطياتها العلمية إلى أوروبا. فقد كانت الجيوش المسلمة قد سيطرت في عصر خلافة الأمويين في فترة قصيرة (91-95ه‍/710-714م) على جميع شبه جزيرة إيبريا ــ أي إسبانيا و البرتغال ــ تقريباً، و كانوا منذ ذلك الحين يحكمون تلك البلاد عبر أسر حاكمة من الأمويين والموحدين و المرابطين و ملوك الطوائف لقرون عديدة.

و أخيراً، استطاع إثر المساعي العسكرية قادة قشتالة و أرغون المسيحيون و من أجل استعادة السيطرة على البلدان التي كانت مسيحية من قبل و إنهاء حكم المسلمين أن يخرجو بلدي إسبانيا والبرتغال خلال القرون 2-9ه‍/8-15م من سيطرة المسلمين شيئاً فشيئاً. و استولى فرديناند ملك أرغون على مدينة غرناطة آخر مقر لحكم المسلمين في 897ه‍/1492م، و هكذا انتهى حكم المسلمين في إسبانيا.

و من الأحداث التاريخية المهمة الأخرى، فتوحات المسلمين في جزر البحر المتوسط وخاصة في جزيرة صقلية. و قد بدأت السيطرة على هذه الجزيرة منذ 211ه‍/826م على يد الأغالبة، حكام القيروان في شمال أفريقيا، و اكتملت في عصر خلافة الفاطميين في مصر. كانت صقلية تعد خلال 189 سنة جزء من العالم الإسلامي، حتى أنهى الكونت روجر أخيراً في 485ه‍/1092م سيطرة المسلمين على تلك الجزيرة.

يجب اعتبار عصر حكم المسلمين في إسبانيا أكثر عصور تاريخ تلك المنطقة في القرون الوسطى ازدهاراً من الناحية الثقافية. فالعلوم المختلفة التي كانت قد نفذت من المشرق الإسلامي إلى إسبانيا، كانت قد بلغت مرحلة من الازدهار يقل نظيرها. فقد ظهر في تلك البلاد الكثير من علماء الجغرافيا والفلك و الرياضيات و الأطباء و الفلاسفة و الأدباء و الشعراء، و ألفوا المئات من الآثار القيمة في مجالات تلك العلوم. و قد امتزجت في إسبانيا و صقلية عناصر العلم و الثقافة اليونانية القديمة والرومية، و التراث العلمي و الثقافي الإسلامي، لتزيد من غناء كنوز الثقافة الإنسانية.

و في هذا المجال، بدأ النفوذ و الانتشار الحقيقيان للعلوم والثقافة الإسلامية في البلدان الأوروبية عندما كان الأوروبيون قد أخرجوا أراضيهم من سيطرة المسلمين. كما تجب الإشارة إلى أن الحروب الصليبية التي كانت قد استمرت من جانب حكام أوروبا المسيحيين في القرون 5-7ه‍/11-13م، كانت تعتبر عاملاً مهماً آخر في نفوذ و انتشار الحضارة و الثقافة و الفنون الإسلامية في البلدان الأوروبية.

و من جهة أخرى، فقد ظهرت نهضة الترجمة الهامة للغاية قبيل و بعد استقرار المسيحيين مرة أخرى في البلدان الأوروبية، حيث أصبحت وسيلة انتقال و انتشار العلم و الفلسفة و الثقافة الإسلامية. كانت أوروبا المسيحية قد فقدت في أول عهود القرون الوسطى علاقاتها مع العلوم و الثقافة في العصرين اليوناني القديم والرومي، في حين كانت نهضة ترجمة الآثار العلمية اليونانية قد بدأت في نفس الفترة في الشرق الإسلامي، و انتهت فيه، بحيث ترجمت جميع المؤلفات العلمية و الفلسفية اليونانية المهمة إلى العربية، لتتحول هذه اللغة إلى أغنى وسيلة لتعلم و تعليم العلوم المختلفة و الفلسفة، في حين أن اللغة اليونانية كانت قد نسيت تقريباً سوى في بعض المناطق المعينة مثل صقلية، و كانت النهضة التـي حدثـت فـي إمبراطوريــة الـروم الشرقيـة ــ البيزنطيــة ــ محدودة فيها أيضاً.

بدأت عودة الأوروبيين إلى اللغة اليونانية و ثقافتها منذ العصر المعروف بالنهضة، و خاصة عندما استولى الأتراك العثمانيون على العاصمة البيزنطية في 857ه‍/1453م، حيث اكتشف العلماء والمثقفون الفارون من هناك، مرة أخرى، العلوم و الآداب باللغة اليونانية الأصلية، ليعكفوا على ترجمتها إلى اللغة اللاتينية التي كانت اللغة الدينية و العلمية الرسمية في القرون الوسطى. و في هذا المجال، كـان العشرات مـن المثقفين الأوروبييـن ــ و خاصة الإسبانييـن ــ قد تعلمـوا اللغة العربية، و بدؤوا ترجمـة المؤلفات العلمية و الفلسفية للمسلمين إلى اللغة اللاتينية. و كان بعض الحكام المسيحيين المحبين للعلم يشجعونهم على ذلك. كان القرنان 6و7ه‍/12و13م عصر ازدهار الترجمة من العربية إلى اللاتينيـة والعبريـة ــ و أحيـانــاً إلـى اللغـات المحليـة ــ و في النصف الثاني من القرن 6ه‍/12م كان هناك عالم إنجليزي يسكن إسبانيا في الفترة خلال السنوات 535-542ه‍/1141-1147م، يدعى روبرت وهو الذي ترجم سابقاً كتاب الجبر للخوارزمي إلى اللاتينية، فاتحاً بذلك فصلاً جديداً في علم الرياضيات لدى الأوروبيين، قام هذا العالم بترجمة القرآن لأول مرة إلى اللاتينية بالتعاون مع مترجم آخر يدعى هرمانوس دالماتا في 1143م. ولكن النهضة الأساسية للترجمة من العربية إلى اللاتينية، كانت قد بدأت بعد سيطرة المسيحيين على مدينة طليطلة (تولدو) في 478ه‍/1085م. و قد كانت هذه المدينة تعد بعد ذلك أحد المراكز المهمة للتعاليم الإسلامية. وكان أسقفها الكبير ريموند الأول (520-546ه‍/1126-1151م) المشجع الأكبر على الترجمة من العربية إلى اللاتينية. و في هذه المدينة تأسست في 648ه‍/1250م أول مدرسة للدراسات الإسلامية و الشرقية في أوروبا و كان الهدف منها إعداد المبشرين المسيحيين و إرسالهم إلى البلدان الشرقية. و من جهة أخرى، تجب الإشارة إلى أن اتجاه الأوروبيين إلى العلم و الثقافة الإسلامية لم‌يكن متماثلاً دائماً. فمعارضة الإسلام و الآثار العلمية الإسلامية و خاصة الفلسفية تنتهي أحياناً بالعداء و الهدم. و على سبيل المثال فإن الكاردينال خيمنز (839-923ه‍/1436-1517م) الذي كان يبذل منذ 904ه‍/1499م جهوداً متواصلة لحمل المسلمين و اليهود في إسبانيا على اعتناق المسيحية، أمر في مدينة غرناطة أن تبعد المؤلفات العربية، وتحقيقاً لهذا الهدف أحرق الآلاف من المخطوطات العربية في ساحة المدينة. و لكن هذا التصرف كان يعتبر ظاهرة متطرفة. وقبل ذلك، خلال قرنين تقريباً، كانت جميع مؤلفات المسلمين العلمية والفلسفية قد ترجمت إلى اللاتينية. وفي منتصف القرن 6ه‍/12م كان هناك مترجمون كبار مثل قسطنطين الأفريقي و أدلارد الباثي و هرمانوس دالماتا قد ترجموا العشرات من المؤلفات الرياضية و الفلكية و الطبية من العربية إلى اللاتينية. و في حوالي سنة 545ه‍/1150م ترجم مترجمون مثل يوهانس هيسپالنسيس (يوحنا الإشبيلي) دومينيكوس غونديسالوس بأمر الأسقف ريمونـد المذكور، مؤلفـات من العربيـة إلى اللاتينيـة ــ بواسطة ترجمتها إلى اللغة القشتالية أحياناً ــ تجب الإشارة من بينها إلى ترجمة آثار الفارابي و ابن سينا و الغزالي. و كان المنطق والإلٰهيات من الشفاء لابن‌سينا و آثاره الأخرى قد ترجمت كلها إلى اللاتينية. و من بين المتـرجميـن المعـروفيـن الآخـريـن غـراردوس الكـرمـونـائـي (تـ 583ه‍/1187م). كما كان ينشط في طليطلة العالم والمترجم الشهير ميخائيل سكوت (تـ‍ 632ه‍/ 1235م)، و قد ترجم إلى اللاتينية آثاراً كثيرة و خاصة مؤلفات وشروح ابن رشد على آثار أرسطو. و إلى جانب الأشخاص الذين ذكروا، ترجم عدة مترجمين آخرين يهوديين ومسيحيين كنوزاً من الآثار العلمية من العربية إلى اللاتينية والعبرية.

كانت الترجمة اللاتينية لآثار ابن رشد الذي حظي بنفوذ كبير في أوساط أوروبا الجامعية منذ القرن 7ه‍/13م، العامل الرئيس لانتشار النزعة الرشدية؛ بحيث إن بعض مؤلفاته و خاصة شرحه الكبير لكتاب «في النفس» لأرسطو لايوجد إلا باللغة اللاتينية، حيث فقد نصه العربي الأصلي (ظ: ن.د، ابن رشد).

وكما مرت الإشارة، فقد كانت جزيرة صقلية ثاني أكبر وأهم منطقة لنفوذ و انتشار العلم و الثقافة الإسلامية. فقد كان الحكام المسيحيون فيها يديرونها بالنظام الإداري للمسلمين، و على سبيل المثال فإن روجر الثاني (488-549ه‍/1095-1154م) لم‌يحافظ على نظام المسلمين الإداري و حسب، بل إن بلاطه كان يحفل بالعلماء و الفلاسفة و المنجمين و الأطباء المسلمين، حتى إن القسم الأكبر من سكان تلك الجزيرة بقوا على إيمانهم بالإسلام و كان بإمكانهم ممارسة شعائرهم العبادية. و قد كان الجغرافي الشهير أبوعبدالله محمد بن محمد الإدريسي (تـ‍ 560ه‍/1165م) قد قدم كتابه الجغرافي نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، أو كتاب الرجاري باسم روجر الثاني.

و لكن فردريك الثاني إمبراطور ألمانيا و حاكم صقلية (590- 648ه‍/1194-1250م) كان الأبرز بين حكام صقلية، حيث يعتبر الأكثر ثقافة و تنوراً بين حكام أوروبا في تاريخها برمته. ففي عهد حكمه كان نفوذ و انتشار العلوم و الثقافة الإسلامية ـ العربية في صقلية قد بلغا ذروة ازدهارهما. و هو الذي كان عارفاً باللغة العربية، توجه بنفسه في 1228م إلى بيت‌المقدس للمشاركة في الحروب الصليبية، و تعرف هناك أكثر على أسلوب حياة المسلمين و تقاليدهم و أفكارهم. و قد كان يتمتع بروح علمية، وكان مولعاً بشكل خاص بعلمي الحيوان و الطيور. و كان بلاطه مقاماً لجماعة من العلماء و المثقفين المسلمين. و قد كان يتعامل مع المسلمين بمداراة و تسامح لانظير لهما، رغم اصطداماته الكثيرة مع البابوات المعاصرين له. و قد كان قد أقام علاقات سياسية و تجارية مهمة مع الأيوبيين في مصر و خاصة مع الملك الكامل محمد، حيث كانت له مراسلات علمية معه و كان يرسل الأسئلة إلى علماء مصر. و قد اشتهرت إجابات الفيلسوف والعارف الشهير ابن سبعين (ت‍ـ 669ه‍/1271م) على أسئلته تحت عنوان الأجوبة عن الأسئلة الصقلية حول خلود المادة، و مصير وخلود الروح و الإلٰهيات وما إلى ذلك.

كان مركز حكم فردريك في صقلية مدينة بالرمو التي كانت تعتبر أحد أكثر المراكز ازدهاراً في مجال تدريس العلوم و الثقافة و الفن الإسلامي. كان ميخائيل سكوت المذكور يقيم في صقلية خلال 617‍-632ه‍/1220-1235م. و قد ترجم لفردريك خلاصة لمؤلفات أرسطو حول علمي الأحياء و الحيوان مع شرح ابن سينا عليها من العربية إلى اللاتينية. و لكن أهم عمل ثقافي لفردريك كان تأسيس جامعة حكومية في مدينة نابولي بإيطاليا في ربيع 1224م و التي كانت تعتبر أول جامعة في أوروبا بمعناها الكامل. و كانت الجامعات الأخرى التي كانت قبل ذلك في أماكن أخرى مثل باريس، أو بادوفا، تعتبر في الغالب معاهد تخصصية و مراكز لتدريس الإلٰهيات و القانون و الطب. و أما جامعة نابولي فقد كانت تشتمل على برنامج تعليمي محدد و منظم بحيث لم‌يكن يُسْمَح لأي طبيب أن يزاول مهنة الطب دون أن يحصل على شهادة رسمية من تلك الجامعة. و قد كانت الترجمة اللاتينيـة لآثار أرسطو و شراحها العـرب ــ و خاصة ابن رشـد ــ تلعب دوراً كبيراً في برنامج تلك الجامعة. و يجدر ذكره أن الفيلسوف المسيحي الكبير في القرون الوسطى القديس توما الأكويني (1225-1274م) كان من طلبة تلك الجامعة. كان نفوذ وانتشار العلم و الثقافة الإسلامية في أوروبا و خاصة ازدهاره في إيطاليا و صقلية أحد العوامل الرئيسة التي مهدت للنهضة المعروفـة بالرنسانـس ــ الانبعـاث الثقافـي ــ منـذ القـرن 15م ومابعده.

و يمكن ملاحظة تأثير العلم و الفكر الإسلامي في مجال الفكر الفلسفي أكثر من أي مجال آخر. حتى إننا لايمكننا أن نتصور انفصال الفلسفة الأوروبية في القرون الوسطى عن أفكار الفلاسفة المسلمين الكبار و تعاليمهم. و قد كانت الآثار الفلسفية لأشخاص مثل الفارابي و ابن سينا و بخاصة ابن رشد عاملاً رئيساً في بلورة أفكار فلاسفة أوروبا في القرون الوسطى. و يمكننا أن نلاحظ علامات هذا التأثير حتى بعد النهضة و بداية العصور الجديدة. وقد كان ظهور الفكر الفلسفي للعصور الجديدة في أوروبا رد فعل من جهات عديدة إزاء نفوذ الفكر الفلسفي الإسلامي. و كما سبقت الإشارة، فإن الفكر الفلسفي لابن رشد الذي كان قد عرف في القرون الوسطى كأكبر مفسر لآثار أرسطو، كان يعد آخر مرجع للمعرفة الصحيحة لفلسفة أرسطو و أكثرها قيمة. و مما يجدر ذكره أن الرشدية الأوروبية امتزجت بعناصر من الأفكار المنسوبة إليه، رغم أنها كانت أساساً لاتقوم على أفكار ابن رشد الفلسفية. وأبرزها نظرية «الحقيقة المزدوجة» (أي الحقيقة الفلسفية المستقلة عن الحقيقة الإيمانية و الدينية) و التي تعتبر غريبة تماماً عن فكر ابن رشد. و قد امتدت الرشدية إلى عصر النهضة أيضاً، و خاصة في جامعة بادوفا في إيطاليا، حيث اكتسبت نهضة جديدة، وأضحت دافعاً جديداً للبحوث في مجال الطبيعة، بل إنها كانت قد هيأت الأرضية لأشخاص مثل غاليليو و أساتذته.

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: