الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

انتشار الإسلام في نجد

أبدت قبائل نجد ردود فعل مختلفة فيما يتعلق بقبول الإسلام، بل إن البعض منها مثل قبائل من غطفان تحالفت مع قريش ضد الإسلام، و السبب في ذلك أن منطقة نجد لم‌تكن تشكل عند ظهور الإسلام وحدة سياسية متماسكة، فكانت أجزاؤها المختلفة خاضعة لنفوذ شتى القوى القبلية، و كان جزء منها تابعاً لملوك كندة (ظ: دنر، 238). و نحن نعلم استناداً إلى المصادر التاريخية أن قبيلة كندة الكبيرة كان لها في الفترة التي تعنينا حكم ملكي في وسط الجزيرة العربية، و لكن من الصعوبة بمكان دراسة تقدم قبائل كندة المختلفة و تأخرها في قبول الإسلام، ذلك لأن الكثير من الأخبار المتعلقة بكندة في المصادر التاريخية الإسلامية لم‌يتم فصلها عن بعضها بشكل مطلوب.

و تعتبر معلومات ابن‌سعد حول وفد مراد أحد التقارير القصيرة، و الحساسة للغاية و القابلة للاستفادة في هذا المجال في نفس الوقت؛ فقد ذكر ابن‌سعد في روايته عن الواقدي بصراحة أن شيوخ قبيلة مراد، انفصلوا خلال إرسال وفدهم إلى المدينة، عن التبعية لمملكة كندة، و بايعوا النبي (ص) و أسلموا عندما كانت تلك المملكة تمر بآخر أيامها (1(2)/63). و رغم المحدودية الكبيرة في المعلومات المتعلقة بأواخر عهد هذه المملكة، يبدو أن تقدم الإسلام فيها، كان بنفس الشكل السابق و هو انفصال كل واحدة من القبائل، و انضمامها التدريجي إلى الإسلام، فقد تآكل نظام الحكم في هذه المنطقة من الداخل. و في الحقيقة، يتضح من سكوت التاريخ أنه يجب البحث عن سبب سقوط هذه المملكة لصالح الإسلام في هذه الوفود، لا في المواجهة العسكرية.

و من بين القبائل المهمة المتحالفة مع مملكة كندة، تعتبر قبيلة أسد الساكنة في المناطق الشمالية الغربية من نجد، ذات تاريخ عريق في الاطلاع على الدين الإسلامي و اعتناقه. فإن أحد شيوخ أسد و يدعى أباسنان و الذي كان له حضور ملموس في صلح الحديبية، اعتبر نفسه قديماً في الإسلام عند دخول وفد أسد على النبي (ص) (ظ: م.ن، 1(2)/31؛ ابن الأثير، 2/203، 244، 287). ومع ذلك، فإننا يجب أن لانعمم مبادرة بعض الأسديين واشتياقهم إلى الإسلام على جميع بطون هذه القبيلة؛ ففي خلال حوادث الردة، اتضح عدم ثبات طائفة من بطون هذه القبيلة على الإسلام.

و في أواخر حياة النبي الأعظم (ص)، جمع طليحة بن خويلد الأسدي من خلال ادعائه النبوة، جماعة من أسد و غطفان و طيّئ القبائل المجاورة، و أعلن ارتداده. و قد ولى النبي (ص) ضرار‌بن الأزور على بني أسد لإخماد نار الفتنة، و بوفاة النبي (ص) اشتدت نار هذه الفتنة، و فكر أتباع طليحة في الهجوم على المدينة، و لكنهم هزموا في النهاية أمام جيش أبي‌بكر و لاذوا بالفرار (ظ: الطبري، 3/242؛ أبوعلي‌مسكويه، 1/163-164؛ ابن‌الأثير، 2/344-345).

و كانت قبيلة طيّئ الكبيرة إحدى القبائل المهمة التي كانت تقطن شمال غرب نجد، حيث كانت تعتبر من مراكز القوى في المنطقة. و في 7ه‍ أسلمت بعض بطون قبيلة ثُعَل من طيّئ، على أثر إرسال النبي (ص) الدعوة لهم (ابن‌سعد، 1(2)/23؛ قا: ابن حزم، 400 وما‌بعدها)، و لكن قسماً مهماً من طيّئ كان في تلك الفترة مايزال على دينه القديم. وتزامن تمهيد الطريق لإسلام الطائيين مع سقوط القوة المركزية لزعامة طيّئ، حيث كان عدي بن حاتم مستنداً إلى منصبه. و قد أطيح بهذه القوة بشكل حاسم على أثر سرية بقيادة الإمام علي (ع) قادها بهدف تحطيم الصنم المعروف باسم فَلْس،

باسم فَلْس، معبود الطائيين، و تمخضت عن فتح المناطق الواقعة في‌عمق منطقة طيئ ‌منطقة أَجأ (الواقدي، 3/984؛ الكلبي، 59-60؛ ابن‌حبيب، 316). وفي هذه السرية، وقبل وصول جند الإسلام إلى مركز زعامة طيىٔ، ترك عدي بن حاتم مع أسرته تلك المنطقة، وبذلك خضعت منطقة طيئ لجيش الإسلام دون مقاومة جدية. وبعيد ذلك، وفد عدي‌بن‌حاتم بنفسه إلى النبي (ص)، ووضع بإسلامه فصل الختام لتاريخ طيئ الجاهلي (ن.صص).

و في عداد القبائل النجدية الأخرى التي كانت‌ تسكن المناطق القريبة من المدينة، يجب أن نذكر‌ غطفان من قبيلة قيس عيلان الكبيرة، حيث كان عدد منها قد انضم إلى صفوف المسلمين قبل 3ه‍ (مثلاً ظ: الواقدي، 2/551). و من جملة الوجهاء المتقدمين في الإسلام من هذه القبيلة، نعيم‌بن‌مسعود من عشيرة الأشجع الذي كان قد أسلم سراً و استطاع أن يؤدي في معركة الأحزاب دوراً مهماً في‌ تشتيت صفوف المشركين (ابن‌هشام، 3/294 و ما بعدها).

كان القسم الأكبر من غطفان إلى جانب المشركين لسنوات طويلة، وكان حضور عشائر غطفان المختلفة في مواجهة المسلمين مشهوداً في وقائع مثل غزوة ذات الرقاع في 4ه‍ (ظ: م.ن، 3/213 و مابعدها)، و معركة الأحزاب في 5ه‍ (م.ن، 3/225-226)، وغزوة ذي قرد، وسرية زيد بن حارثة في 6ه‍، و أخيراً معركة خيبر في 7ه‍ (ظ: الواقدي، 2/564-565، 642، 650). و كانت بداية الاعتناق العام للإسلام بين غطفان، بعد معركة تبوك في 9ه‍، حيث وفد رسل من العشائر الغطفانية التي لم تسلم بعد مثل فزارة و مرة على رسول الله (ص) (ابن سعد، 1(2)/42-43).

 

المصادر

ابن أبي داود، عبدالله، المصاحف، بيروت، 1405ه‍/1985م؛ ابن الأثير، الكامل؛ ابن حبيب، محمد، المحبر، تق‍ : ليختن شتيتر، حيدرآباد الدكن، 1361ه‍/1942م؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، القاهرة، 1328ه‍؛ ابن حزم، علي، جمهرة أنساب العرب، بيروت، 1403ه‍/1983م؛ ابن سعد، محمد، كتاب الطبقات الكبير، تق‍ : زاخاو، ليدن، 1917م؛ ابن عبدالبر، يوسف، «الاستيعاب»، في هامش الإصابة (ظ: هم‍، ابن حجر)؛ ابن عساكر، علي، تاريخ مدينة دمشق، [عمان]، دار‌البشير؛ ابن قتيبة، عبدالله، عيون الأخبار، بيروت، 1343ه‍/1925م؛ ابن هشام، عبدالملك، السيرة النبوية، تق‍ : مصطفى السقا و آخرون، القاهرة، 1375ه‍/1955م؛ أبوعلي مسكويه، أحمد، تجارب الأمم، تق‍ : أبوالقاسم إمامي، طهران، 1366ش؛ أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني، بيروت، 1383ه‍/1963م؛ أحمد بن حنبل، مسند، بيروت، دارالفكر؛ أطلس تاريخ الإسلام، تق‍ : حسين مؤنس، القاهرة، 1407ه‍/1987م؛ البخاري، محمد، صحيح، القاهرة، دارالطباعة؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، ج 4(1)، تق‍ : إحسان عباس، بيروت،1400ه‍/1979م، ج 5، تق‍ : غويتين، بغداد، مكتبة المثنى؛ م.ن، فتوح البلدان، تق‍ : دي‌‌خويه، ليدن، 1886م؛ الخطيب البغدادي، أحمد، تاريخ بغداد، القاهرة، 1349ه‍؛ الذهبي، محمد، سير أعلام النبلاء، تق‍ : علي أبوزيد، بيروت، 1406ه‍/1986م؛ السمعاني، عبد الكريم، الأنساب، تق‍ : عبدالله عمر البـارودي، بـيـروت، 1408ه‍/ 1988م؛ السهيـلي، عبـدالـرحمـان، روض الأنــف، تق‍ : عبدالرحمان الوكيل، القاهرة، دار الكتب الحديثة؛ الشهرستاني، محمد، الملل والنحل، تق‍ : محمد بن فتح الله بدران، القاهرة، 1375ه‍/1956م؛ الطبري، تاريخ؛ عبد‌الرزاق الصنعاني، المصنف، تق‍ : حبيب الرحمان الأعظمي، بيروت، 1403ه‍/1983م؛ كشف الغمة الجامع لأخبار الأئمة، تق‍ ‍‌: أحمد عبيدلي، نيقوسيا، 1405ه‍/1985م؛ الكلبـي، هشام، الأصنام، تق‍ : أحمـد زكي باشا،مع ترجمة فارسيـة، طهران، 1348ش؛ الواقدي، محمد، المغازي، تق‍ : مارسدن جونس، لندن، 1966م؛ ياقوت، البلدان؛ وأيضاً:

 

Donner, F.M., «Muħammad’s Political Consolidation in Arabia up to the Conquest of Mecca», The Muslim World, Hartford, 1979, vol. LXIX; Gil, M., «The Constitution of Medina: A Reconsideration», Israel Oriental Studies, Jerusalem, 1974, vol. IV; Margoliouth, D. S., «South Arabia and Islam», The Moslem World, New York, 1966, vol. XIX.

فرامرز حاج منوچهري/خ.

 

الإسلام في إيران

إن سيطرة العرب المسلمين على إيران و بداية أسلمة هذه البلاد و التي يجب اعتبارها أهم حادث في تاريخ العالم و نهاية عصر إيران القديم، هما وليدتا عوامل سياسية و اجتماعية و اقتصادية مختلفة لم‌تخضع كلها بعد بشكل دقيق للدراسة و التحليل الشاملين، و ربما لايمكن أن تخضع لمثل هذه الدراسة. ذلك، علينا القول هنا إن جميع المعلومات الحالية حول الفتوح و نفوذ الإسلام في إيران تستند تقريباً إلى المصادر التي ألفها المسلمون، العرب منهم و الإيرانيون، من وجهة نظر منحازة في الغالب إلى جانب الفاتحين. وفقدان المصادر المقابلـة ــ سواء التي لم‌تكتب أصلاً، أو التي فقدت ــ يحول دون مقارنة روايات المصادر الإسلامية مع الأخبار و الروايات التي جمعت حوادث الفتوح و مسيرة انتشار الإسلام في إيران من وجهة نظر مخالفة لمؤرخي العصر الإسلامي، أو كان من الممكن أن تجمع. و لهذا أيضاً فإن تعيين نسبة صحة، أو عدم صحة الروايات التي توجد في هذه الأبواب يتم اليوم في الغالب من خلال مقارنتها في مصادر العصر الإسلامي المختلفة، و التدقيق في التفاصيل العديمة الأهمية في الظاهر و التي جاءت في هذه الروايات، و الاهتمام بالنتائج المسلم بها لبعض الحوادث التي بالغت المصادر في مقدماتها و أسبابها و عواملها، أو سكتت عنها، أو ذكرت معلومات متناقضة مع بعضها، و أخيراً الاطلاع على الأوضاع العامة للعالم في ذلك العصر. و مع كل ذلك، فنحن نعلم اليوم أن أوضاع إيران السياسية و الاجتماعية في آخر سنوات الدولة الساسانية كانت بشكل بحيث كانت تستوجب تحولاً أساسياً لايمكن اجتنابه و لاشك في أن الإيرانيين كانوا يرحبون بأي تحول جذري. إن انعزال طبقات المجتمع الإيراني عن بعضها، والاختلافات الدينية، و القمع الشديد لمعارضي دين الدولة الرسمي، و جشع الموبذين و فسادهم و تدخلهم في جميع الأمور (آرنولد، 209؛ صديقي، 19-23)، و تآكل كيان الدولة الساسانية التي استمرت 400 سنة و خاصة بعد الحروب الطويلة و المكلفة والعديمة الجدوى مع الروم، و الضعف الشديد لنظام الحكم، حيث تولى العرش بعد كسرى الثاني أكثر من 10 أشخاص خلال فترة قصيرة، و الاختلاف و النزاعات بين الأمراء و النبلاء الإيرانيين، والهجمات السريعة للعرب المتحمسين، حيث كانت صعوبة الحياة في الجزيرة العربية، و وعد النبي الأعظم (ص) لهم بالانتصار على الأكاسرة و القياصرة، دون شك دوافع قوية لهجماتهم، كل ذلك من جملة العوامل التي مهدت الطريق للمسلمين لدخول إيران والسيطرة عليها، بحيث صالوا و جالوا في القسم الأكبر من رقعة دولة عريقة من الغرب إلى الشرق و من الجنوب إلى الشمال خلال مايقرب من 3 عقود. و لكن دراسة مسيرة نفوذ الإسلام وانتشاره في إيران تعتمد دون شك على تقديم تصميم عام وموجز عن الخارطة السياسية للمنطقة و التطورات التي حدثت في القرن 7م إثر الحروب بين إيران و الدولة الرومية وسقوط المناذرة، وأدت إلى سقوط الساسانيين و تغلب المسلمين. كما أن تقديم صورة عن انتشار الإسلام في إيران و الذي بدأ بهجوم العرب المسلمين على هذه البلاد، لايمكن دون إلقاء نظرة على تاريخ هذا الفتح، حيث يمكن من خلاله التوصل إلى ملاحظات مهمة حول كيفية نفوذ الإسلام و اعتناقه.

و في العصر الساساني ظهرت في بلاد مابين‌النهرين منذ القرن 3م بشكل تدريجي المستوطنات و المعسكرات الإيرانية التي كانت تديرها في الغالب بعض الأسر النبيلة، حيث أدت إلى إيجاد خط دفاعي إيراني على شكل معسكرات ــ مدن مثل عين التمر والقادسية و الحيرة و الأنبار و سنجار و تكريت و به أردشير وكسكر، و كذلك الواحات المعروفة باسم عيون الطف (موروني، 41-42). و لكن العامل الأهم في إبقاء نفوذ الساسانيين و سيطرتهم على السواحل الجنوبية للفرات حتى بادية الشام وشرق الجزيرة العربية و شمال شرقيها، كان يتمثل في الدولة العربية العميلة لإيران في الحيرة، أي المناذرة و كذلك بعض القبائل التابعة مثل بعض العشائر من بني‌تغلب و ربيعة و طي و إياد (الطبري، 2/201-208؛ نولدكه، 503، 506، 507، 510) حيث كانت تعتبر سداً منيعاً أمام هجوم الأعراب البدو و محاولات الروم للنفوذ في رقعة حكم إيران ففي الجنوب فضلاً عن البحرين التي كانت تدار بشكل مباشر من قبل إيران و قبائل عبدالقيس و بني‌بكر، حيث كانت تابعة لإيران، كما فإن اليمن كانت من المراكز الرئيسة لنفوذ إيران في شبه‌الجزيرة العربية و لعب «الأبناء» (ن.ع) أو الإيرانيون في تلك الديار دوراً هاماً في تاريخ هذه المنطقة منذ عهد سيطرة الأحباش و حتى أوائل العصر الإسلامي و أحداث الردة و فتح إيران (أيضاً ظ: تقي زاده، 94-96، 120-129، 139).

و في أواخر القرن 6 و بداية القرن 7م، أسهمت بعض الأحداث الكبيرة في تغيير أوضاع المنطقة. فقد حدثت أولاً في داخل إيران ثورات ضدكسرى أبرويز على يد بهرام چوبين و بندويه و بسطام و رغم أن هذه الثورات تم قمعها و سيطر كسرى على الأوضاع وخاصة بمساعدة الروم (الطبري، 2/176-180؛ نولدكه، 424-429؛ زرين‌كوب، تاريخ مردم إيران، 1/ 509-511)، و لكن نزعة كسرى التوسعية غير الحكيمة في الهجوم الواسع الذي شنه على الروم وأدى إلى سيطرته على سورية و فلسطين و مصر و أرمينية وآسيا الصغرى، أدت إلى إضعاف الدولة الساسانية. فعلى الرغم من انتصاراته هذه على الدولة الرومية المسيحية و التي أثقلت أوزارها في تلك الفترة على المسلمين، حيث يمكننا ملاحظة انعكاس ذلك، و التنبؤ بتغيير الأوضاع في القرآن الكريم (الروم/30/1- 8)، إلا أنه لم‌يستطع الصمود أمام هرقل، فانسحب حتى طيسفون (الطبري، 2/180-186، زرين كوب، ن.م، 1/511-520). الحادثة المهمة الأخرى التي وقعت خلال هذه الأوضاع، كانت انقراض دولة المناذرة في الحيرة، و سجن و قتل النعمان بن المنذر آخر حكامها على يد كسرى أبرويز، حيث أدى ذلك أخيراً إلى نشوب معركة بين الإيرانيين و بين شيبان في ذي‌قار، واستطاعوا بمساعدة بعض القبائل العربية المتحالفة مع إيران أن يهزموا الجيش الإيراني. و قد أبهج هذا الانتصار الذي لابد و أنه قد حدث بين سنة 604 حتى 610م، العرب إلى درجة بحيث بث فيهم روح الحماسة و نظموا الأساطير في وصفه و اعتبروه من أهم أيامهم (الطبري، 2/193-212؛ نولدكه، 491، 504-507، 510)، كما أن هذه الحادثة حطمت أسطورة قوة الإيرانيين و بطشهم لدى العرب، و شجعتهم على شن هجمات متفرقة فيما بعد، حيث لم‌يكونوا يرون أمامهم عقبة في طريق هذه الهجمات بعد انقراض المناذرة ثم نقلوا عن النبي (ص) رواية يقول فيها إن العرب انتقمت من الفرس في ذي قار (الطبري، 2/193-200، ابن الأثير، 1/482-490). و فضلاً عن ذلك فإن هجوم الشعوب شبه المتوحشة في الشرق و الشمال على إيران، و الطاعون الذي فشا سنة 628م، و فيضان دجلة الكبير و الخسائر الضخمة التي تسبب فيها، كل ذلك أسهم في ضعف الدولة الساسانية في سنواتها الأخيرة.

و في هذه الفترة كان النبي (ص) قد استقر في المدينة منذ بضع سنين، و نشر الإسلام ظله تدريجياً على شبه الجزيرة. و بعد صلح الحديبية، كان كسرى أبرويز أيضاً من الملوك الذين دعاهم النبي (ص) إلى الإسلام، و لكن جواب كسرى أبرويز كان عنيفاً، فأمر الأمير الإيراني لليمن باذان أن يذهب إلى الحجاز، و يأتي له بالنبي (ص)؛ و لكن هذا الأمير و الإيرانيين في اليمن أسلموا عندما بعث النبي (ص) خبر موت كسرى (الطبري، 2/644-656، قا: 3/ 158)؛ و لكن الإيرانيين في البحرين اكتفوا بالطاعة و دفع الجزية (م.ن، 2/ 29، 137، 215؛ إيضاً ظ: زرين‌كوب، ن.م، 2/291). و قيل إن النبي (ص) أبقى باذان على حكم اليمن، و تولى الحكم من بعده إيرانيون مثل عامر ابن شهر و شهر بن باذان وفيروز الديلمي و داذويه (الطبري، 3/217- 228، 318؛ ابن الأثير، 2/213-215).

و على أي حال، فقد ابتليت إيران كلها بالفتن و الاضطرابات بعد موت كسرى. و أخذت تتضح آنذاك نتائج هزائم كسرى العسكرية و السخط الداخلي الناجم عن عمليات المطاردة و القمع و الاضطهاد التي كان يمارسها الموبذون ضد الناس و خاصة ضد المزدكيين و المانويين و المسيحيين. و مما زاد من هذه الاضطرابات، المذابح التي ارتكبها شيرويه بحق الأمراء حتى لم‌يبق شخص يعيد الأمور إلى نصابها (الطبري، 3/371-372؛ أيضاً ظ: تقي‌زاده، 13-14، 20- 28). و في أثناء ذلك كانت بعض القبائل العربية تهاجم مدن إيرانية في الحدود الجنوبية الغربية و السواد، وتوسع بشكل تدريجي من نطاق هجماتها. و قد بدأت حروب الردّة و خروج الأسود و مسيلمة منذ هذ الفترة و فضلاً عن تدخل إيرانيي اليمن الحديثي الإسلام فيها، فإنها تبدو مهمة في هذه الدراسات. لأنها أصبحت مقدمة لاتجاه أنظار المسلمين إلى حدود إيران الجنوبية و الجنوبية الغربية. و خلال هذه الحروب و حركات التمـرد، فقد أظهر الإيرانيـون في اليمن وفاءهـم للديـن الجديـد، و أدوا دوراً هاماً في القضاء على الأسود و المرتدين المؤيدين لمسيلمة (الطبري، 3/229-236، 318-324؛ ابن الأثير، 2/337-341، 346؛ قا: البلاذري، 105-107؛ البسوي، 3/262). و عندما فرغ خالد بن الوليد من قمع مرتدي اليمامة، كلفه أبوبكر بتسوية أمر العراق. وقيل أيضاً إنه ذهب إلى المدينة، و توجه منها إلى العراق بأمر الخليفة (الطبري، 3/343-344)، و لكننا لانعلم بالضبط لماذا كلف خالد بالقتال في هذه المنطقة. و لعلنا نستطيع القول إنه بما أن هدف قادة الحكومة الإسلامية الفتية توحيد العرب تحت لواء الإسلام، و القضاء على المعارضين و المرتدين و الذين كانت حركتهم قد امتدت حتى حدود إيران، و هذا ما كان يصطدم مع إرسال خالد إلى تلك المنطقة. و من جهة أخرى فإن قمع بعض القبائل الموالية لإيران مثل بني حنيفة في أيام الردة، كان من شأنه أن يتيح فرصة أكبر لبني شيبان و بني عجل للهجوم على رقعة الإمبراطورية الإيرانية، و في هذه الأثناء اكتسب المثنى بن حارثة شيخ بني شيبان نجاحاً و شهرة أكبر، و كان هو الذي طلب من أبي‌بكر بأن يأذن له رسمياً بالهجوم على المناطق الخاضعة لنفوذ إيران في السواد. و هكذا فقد أرسل الخليفة خالداً إلى هناك أيضاً و أمر المثنى بطاعته (م.ن، 3/343-345؛ الدينوري، 111-112؛ زرين‌كوب، تاريخ إيران، 291)، و هناك فيما يتعلق بهذه الأحداث و كذلك أولى المناطق التي هاجمها خالد و المثنى و القادة العرب الآخرون، روايات مختلفة و متناقضة. و على أي حال، فقد تصالح خالد فـي المرحلة الأولى مع رؤساء قرى السواد مثل بانقيا وباروسما و أُلّيس، كما أذعن قبيصة بن إياس الطائي و نبلاء الحيرة للصلح و دفع الجزية (الطبري، 3/343-346؛ عن تحالف أمراء الحيرة مع المسلمين، ظ: نولدكه، 551، الهامش). ومنذ ذلك الحين هزم خالد مرزبان حفير في معركة ذات السلاسل وسيطر على إبله (الطبري، 3/348-349، قا: 3/350؛ ابن الأثير، 2/385-386)، و لكنه اضطر إلى القتال للسيطرة على جميع أرجاء الحيرة و هزم من أجل الاستيلاء عليها الإيرانيين و العرب المسيحيين المتحالفين معهم في عدة مواجهات أخر (البلاذري، 242-243؛ الطبري، 3/350، 352-356). كان فتح الحيرة و هروب مرزبانها آزادبه، و كذلك هزيمة الإيرانيين بقيادة فرخ بنداد، مفتاح السيطرة على مدن الحيرة الشمالية و الغربية (م.ن، 3/ 358-364). وتصالح دهاقنة هذه المناطق تدريجياً مع خالد و تعهدوا بالجزية، شريطة أن يحتفظوا بأملاكهم و يسلّموا أملاك الأكاسرة إلى المسلمين (البلاذري، 244؛ الطبري، 3/ 368).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: