الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / الأدب /

فهرس الموضوعات

الأدب

الأدب

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/28 ۰۸:۲۶:۲۱ تاریخ تألیف المقالة

اَلْأَدَب، کلمة متداولة في الثقافة الإسلامیة لایعرف لها جذر محدد. ویبدو أنها لم‌تستخدم في الشعر الجاهلي، لکنها وردت مراراً في شعر المخضرمین و الأحادیث النبویة. وکان لها في البدء معنی محدد. ومنذ القرن 2هـ، و في تحول سریع جداً، أطلقت علی الأخلاق و خاصة الأخلاق العملیة. و في القرن 3هـ، اتسع نطاق معناها بشکل مدهش: الأخلاق، السلوک الاجتماعي، السلوک الفردي، التثقف في الأمور غیر الدینیة، معرفة اللغة و الخطابة والشعر . ثم أطلقت علی مجموعة العلوم التي تلیق بالمثقفین. و قد تغلغلت هذه العلوم الشاملة، لکن السطحیة في أوساط المجتمع و شملت أغلب طبقاته. و خلال ذلک، استخدمت بمعنی الظرافة و معرفة الآداب و التحضر. و قد جعلت الشریعة الإسلامیة التي تنظم سلوک و تصرفات الإنسان المؤمن و أخلاقه، جمیع أوامرها ووصایاها تحت هذا الاسم أیضاً. وتبعاً لذلک، أطلق مدرسو العلوم الدینیة بدورهم اسم الأدب علی جمیع قواعد التعلیم و التعلم. ثم ظهر الصوفیة و أطلقوا نفس اللفظ علی طفوسهم الخاصة. وفي القرون الأکثر تأخراً استخدم الأدب غالباً بمعنی العلوم اللغویة و معرفة اللغة، حتی أصبحت أخیراً بمعنی الاداب بمفهومها المعاصر. و في هذه المقالة، لم‌یتناول البحث الأدبَ الصوفي و قلما ت متناول الأدبین الدیني والتعلیمي، و غالباً ما کان الهدف هو أن یُبحث تطور تلک الثقافة الحدیثة الظهور التي نصفها إیراني و نصفها الآخر عربي – یوناني، منذ البدء حتی أواخر عصر الانحطاط. وخلال البحث، لم‌یکن هناک بدّ من استخدام عدة مصطلحات للأدب: الأدب الأخلاقي، و هو الأدب المؤدي إلی شرف وکرامة و احترام الإنسان المثقف والذي یعادل أدب النفس أحیاناً؛ الأدب العام، و هو مجموعة المواعظ و النصائح و الوصایا التي تنظم سلوک الإنسان في شؤونه الخاصة، دو في المجتمع و تعلمه آداب الظرافة و التحضر؛ الأدب الحرفي، و هو مجموعة الوصایا التي تُقدم لأعضاء صنف معین (المعلمین و الکتّاب و...).

 

دراسة المصادر

لم‌یکن الأدب بمعناه الواسع الذي یقدم الآن قد بُحث علی الإطلاق حتی السنوات الأخیرة. ففي آثار المستشرقین، کانت ترد بین الحین و الآخر إشارة عابرة إلی هذا المعنی، إلی أن نشره غولدتسیهر بشکل مقالة مختصرة (ظ: EI1). ثم قدم نلینو في مقالته «تاریخ الأدب»، عملاً أساسیاً نسبیاً (ظ: ص 7-26). وقد أصبحت هذه المقالة أساساً لمقالتین أخریین أکثر فائدة، إحداهما کتبها غابریلي (ظ: EI2)، والأخری لشارل پلا التي نشرت ترجمتها العربیة في دائرة المعارف لفؤاد أفرام البستاني. وقد أشار آخرون بحسب نوع عملهم إلی الموضوع إشارات مفیدة، و من أولئک میکل في «الجغرافیة الإنسانیة» و برجیه في کتابه «أبوحیان...»، ومایر في «آداب و تقالید الصوفیة» (بالألمانیة). أما في اللغة الفارسیة، فلا تتوفر لدینا معلومات کثیرة، عدا مقالة لغت‌نامۀ دهخدا التفصیلیة، لکن المضطربة و المشوشة. ورغم کل هذا، فإن بحث الأدب وأدب الحب في کتاب حدیث عشق من تألیف فاده (ص 426-460) مفید جداً؛ کما ورد في هذا المضمار مختصر في تاریخ أدبیات لمؤلفه عبدالجلیل (ص 126-129) الذي هو بدوره مترجم عن الفرنسیة. و الجهود التي بذلت في هذه المقالة لاتشتمل علی جمیع جوانب الأدب و مصادره القدیمة التي لاحصر لها، وماتزال الحاجة قائمة إلی تألیف کتاب علمي بهذا الشأن.

 

معنی الکلمة

وضعت في اللغة الفارسیة مرادفات متعددة مقابل هذا اللفظ و من بینها، یمکن أن تقدم المعاني التالیة التي أوردها دهخدا مع ذکر مصدرها: الثقافة، العلم، الفن، المهارة، حسن المعاشرة، أسلوب المجاهلة الجیدة، التصرف المقبول، الحیاء، الحرمة، التکریم، العجب والدهشة، التثقف، وغیرذلک. والتعاریف التي جمعت في لغت‌نامۀ دهخدا، تتضمن بصورة عامة المعاني التالیة: 1. عشرة علوم، أو اثناعشر، أو خمسة عشر علماً (الصرف و النحو واللغة و...)؛ 2. التقید بحدود کل شيء؛ 3. العلم الذي یصون الإنسان من جمیع أنواع الزلل؛ 4. حسن الأحوال و السلوک في المجالسة و حسن الخلق و التحلي بالصفات الحمیدة؛ 5. کل ریاضة مقبولة تقود الإنسان إلی فضیلة ما؛ 6. أدب القاضي لدی الفقهاء؛ 7. تستخدم أحیاناً بمعنی التقلید المتعارف علیه؛ 8. لدی أهل الشرع، التقوی ولدی أهل الفلسفة صیانة النفس؛ 9. الفطنة والکیاسة، رقة اللسان و حدة الذکاء... .

إن هذه المعاني و کثیراً غیرها صحیحة بأسرها، لکن لیست في زمن واحد، ذلک أن أوائل مؤلفي المعاجم لم‌ینقلوا شیئاً، وربما کان الأزهري (تـ 370هـ) أول من أشار في التهذیب إلی المعنی الذي تم بحثه.

واستناداً إلی مایستشف من شعر المخضرمین (ظ: البغدادي، 9/ 431-432، شعر الغنوي)، وأوائل الشعراء الإسلامیین، فإن الکلمة الأولی بمعنی عادات العرب و تقالیدها و آدابها القدیمة التي کانت تشکل في الحقیقة الأساس الذي ترتکز علیه التربیة و التعلیم لدی الجاهلیین. ومن هنا، فقد دعیت النتائج التي کان یتمخض عنها هذا التعلیم و تتجلی في رجل ما، أدباً 0ظ: نلینوف 10-11).

وردت هذه الکلمةمراراً في الأحادیث النبویة، و في بحارالأنوار، ذکر ترکیب «أدّبني» 9 مرات، بینما ذکر مصدر «التأدیب» في 11 حدیثاً و کلمة «الأدب» في 6 أحادیث من بین أحادیث أهل السنة (ظ: فنسنک، 1/ 36-37). وهناک کانت – علی مایبدو – تعني التقالید المقبولة لدی العرب و في نفس الوقت تدل علی عدة معاني أحدث وأشمل.

وواضح أن «تأدیب» أشخاص مثل «الرعیة و النساء و الجواري والأولاد و ...»، عبارة عن تهذیب الأخلاق و تعلیم العادات و التقالید الحسنة و المقبولة لدی «العرب»، و بعض الأسالیب الجدیدة التي کان الإسلام یطرحها علی مایبدو. أما عبارات أخری مثل: «هذا الحدیث ینبغي أن یعطی للمؤدب» أو «القرآن أدب الله» (فنسنک، ن.ص)، أو الحدیث المعروف «أدبني ربي» و غیرها،فإنها تدل علی أن الأدب کان یطلق علی التعالیم الإلهیة و النبویة أیضاً.

وخلاصة الکلام، فإن حدیثاً آخر یقدم معنی جدیداً تماماً: «تأدیب الرجل فرسه» (م.ن، 1/ 36) الذي لایعني بطبیعة الحال، سوی تربیة الفرس، رغم أن الأصل هنا أیضاً هو تلقین السلوک و الأخلاق الحمیدة.

لکن یُثار هنا تساؤل: لماذا ظهرت هذه الکلمة في بدء العصر الإسلامي فقط، ولماا لاتوجد لها جذور واضحة في اللغة العربیة. و قد سعی اللغویون القدماء إلی أن یجیبوا علی هذه الأسئلة. فقد کان هؤلاء یعرفون جیداً کلمة الأدب و مشقاتها. فهذه الکلمة لها معنیان أساسیان: 1. العجیب، کل شيء عجیب؛ 2. الدعوة إلی الضیافة، و من هنا، فإن مشتقات: مأدُبة، مأدَبة، أُدْبَة، تعني جمیعها الشيء الذي یُهیّأ للضیافة (ظ: الخلیل، 8/ 85؛ ابن درید، 2/ 1180، 3/ 1304؛ ابن فارس، 1/ 74-75؛ الجوهري؛ خاصة لین، الذي بوّب المعاني)، کذلک: أدِب وأدیب تعني صاحب المأدیة، أو المضیّف، فالأزهري (14/ 209)- وکذلک کثیر ممن تلوه – متصوراً أن الأدب مأخوذ من المعنی الثاني یصرح قائلاً: الأدب هو الشيء الذي یعلّمه الأدیب للآخرین. و سبب هذه التسمیة هو أن الأدیب أیضاً [شأنه شأن من یستضیف جمعاً من الناس علی طعام جید] یدعو الناس إلی أمور حسنة. و قدظل هذا الرأي مقبولاً لقرون، إلا أن البعض الآخر لایعتبر المعنی الأول (= العجب) أیضاً غریباً. ولما کان الأدب محبوباً و عجیباً فلیس من المستبعد إذن، أن یکون مشتقاً من الأَدب بمعنی العجب (ظ: البغدادي، 9/ 432؛ قا: نلینو، 13).

غیر أن هذه التسویغات لاتقنع المعاصرین، و الذي حظي بالقبول بشکل أکبر، هو رأي فولرس الذي تمّ تَفصیله علی ید نلینو (ن.ص). واستناداً إلی هذه النظریة، فإن کلمة دَأْب التي تعني العادة، أو تکرار عمل ما، و من هنا فإنها تشبه التقلید الذي هو أیضاً تکرار لعادات و تقالید المجتمع، لاتوجد لها صیغة جمع. و یحتمل أن یکون العرب قد جمعوا دأب بشکل آداب علی غرار کلمة مثل بئر التي جمعها آبار. ثم و بمرور الزمان، ولدت مفردة «أدب» من لفظ «آداب» و منها أیضاً ألفاظ أخری مثل «أدّب» و «أدیب» (فولرس، 180، الهامش). وبطبیعة الحال، فإن هذا الرأي لم‌یحظ بقبول جمیع الباحثین، خاصة الإیرانیین و علماء الإیرانیات. وأنستاس الکرملي هو دول من اعتقاد أن الکلمة مأخوذة من «إدوئپس» الیونانیة (المرکبة من «إدوس» بمعنی الحَسَن، و«إپُس» بمعنی الکلام). وبعد فترة اقترح یعقوب صرَوف أصلاً یونانیاً للفظ الأَدْب (الولیمة و لاضیافة) التي هي بحسب رأي فولرس أصل کلمة الأدب: «إدافوس» بمعنی الطعام. ثم بحث مصطفی صادق الرافعي وجبر ضومط – رداً علی الکرملي – في الجذور السامیة للکلمة، وجاءا بشاهد من التوراة لکلمة الأدب بمعنی العجب (محیط طباطبائي، أدب وأدیب»، 3-6). ولم یقدّم طه حسین (ص 22-25) – فينقده لأستاذه نلینو – رأیاً جدیداً، سوی أنه شکک في جمیع الأحادیث التي استخدم فیها لفظ الأدب، و أنه لایمکن الرکون إلی أي منها بوصفه سنداً لغویاً؛ وعلی هذا فلفظ الأدب ینبغي أن یکون قد أصبح متداولاً منذ العصر الأموي، و معناه هو تعلم الشعر و أخبار العرب و أیامهم عن طریق الروایة (أیضاً ظ: محیط طباطبائي، ن.ص). ولم یتقبل محیط طباطبائي أیاض من هذه الآراء و هو یعتقد أن «أدیب» و «أدب» استقیتا من الجذور الفارسیة «دیپ» و «دب» بمعنی الکتابة (ن.م، 7-8). وفي 1983م، نشر الباحث الیاباني ناییکي مقالة في حولیة رونشو التي کان قد عرض قبل ذلک أصلها في المؤتمر الخامس و العشرین للاستشراق في الیابان.

ارتأی ناییکي – باطلاعه علی المصادر الفهلویة و العربیة – أن یجعل «آدب» تشترک في المعنی و الأصول مع «آون [ک]» و «أون». وذکّر أن أول معنیً للکلمة الفهلویة هو الطریقة و الأسلوب، مما ورد في خمسة نصوص فهلویة (ظ: ص 417-418). ومعناها الثاني هو آداب و أسالیب التعامل، مما ورد في ثلاثة نصوص. ومعناها الثالث هو الهیئة و الشکل والنوع، مما اکتسب فیما بعد معنی فلسفیاً – دینیاً. وانبری الکاتب لذکر ثلاثة نماذج بهذا المعنی أیضاً (م.ن، 418-420). وهذا المعنی الأخیر لم‌یظهر في العربیة إطلاقاً، أما المعنیان الأوبلان فهما اللذان یلاحظان في أکداس ما تُرجم من الفهلویة إلی العربیة، خاصة «آیین نامه» التي ترجمها ابن المقفع إلی العربیة. و للأسف فإن هذه الکتب لم‌تعد موجودة، إلا أن المقاطع التي نقلها بعض الکتّاب و خاصة ابن قتیبة في عیون الأخبار (مثلاً 1/ 8، 62، 112-115، 133، 151، 312، 3/ 221، 278)، تعدّ شواهد قیمة.

وفضلاً عن هذا، فإن الباحث الیاباني الذي لایشک – بطبیعة الحال – في کون «أدب» هي معرب «أون»، اعتبرها نفس کلمة «أدب» آخذاً بنظر الاعتبار العبارة الفهلویة «أَوِنی گاه خوپ» التي هي نفسها آداب الضیافة و إقامة المجالس. و علی هذا – وخلافاض لرأي نلینو – فإن الکلمتین العربیتین أَدَب و أَدْب تعتبران لفظاً واحداً في الحقیقة أُخذ من «أون» بشکلین (ناییکيف 425-426).

وقد أثبتت بحوث ناییکي بما لایقبل الشک أن أکثر معاني لفط «آیین» الفهلوي انقل إلی لفظي «أب» و «آداب» العربیین، لکن لم‌یثبت إطلاقاً أن لفظ أدب أیضاً هو معر بآون [ک] الفهلویة، ذلک أولاً أن أسلوب التغییرات و التبدلات في تعریب الکلمة لاتسمح بذلک بهذه البساطة، وأن اقتراح محیط طباطبائي («أَدوِن وأَدوِنک» بدلاً من أون وآون [ک])، لایحلّ الإشکال (ظ: «چند نکته ...»، 211 و مابعدها). ثانیاً إن هذا الأمر یتطلب منا أن نؤخر زمن تعریب الکلمة إلی عصر بدء الترجمة، أو کما یقول محیط طباطبائي (ن.ص) إلی زمن ابن المقفع. وهذا التأخیر یؤدي إلی أن نعتبر – شأننا شأن طه حسین – عشرات الأحادیث التي تشتمل علی هذه الکلمة و کذلک شهادة شاهد، أو شاهدین مخضرمین، بأسرها مختلقة. و فضلاً عن ذلک، فإن ابن المقفع و في تلک الفترة التي کانت فیها الکلمات الفارسیة تفد فیه علی العربیة علی شکل مجامیع لتعرَّب، لم‌یکتفِ بدن لم‌یعرِّب حتی ولاکلمة واحدة، بل لم‌یستخدم کلمة فارسیة واحدة لم‌تکن معروفة في الأدب من قبله، و لیس هناک مایدعو إلی أن یضع الشکل الحدیث و الغریب للأدب بدلاً من «آیین». یضاف إلی ذلک أن کلمة «آیین» بشکلها هذا کانت قد عرفت في اللغة العربیة منذ عصره. و کما سیدتي في ثنایا هذه المقالة، فإنها کانت تستخدم في اللغة الفعریة إلی مابعد ذلک بقرنین، أو ثلاثة.

وإثر نشر مقالة ناییکي و الآراء التي أبداها محیط طباطبائي من جدید، تواصل البحث في مجلة آینده إلی دن اقترح محمدعلي سجادیة أن المادة السومریة إدوپا (تلمیذ، متأدّب) بوصفها أصلاً لهذه الکلمة (ص 217-219).

 

القرن 1 هـ

علی مدی هذا القرن، لم‌یُضف إلی معنی الأدب شيء جدید، کما أن الشواهد – الشعریة، أو النثریة التي استخدمت نادرة جداً. و علی هذا، یمکن تصور أن معناه کان مقتصراً علی موضوعین: 1. التقالید العربیة القدیمة والأخلاق الحمیدة لدی الجاهلیین و سلوکهم اللائق. وقد دُعم هذا المعنی في إحدی الروایات أیضاً. و حین یُسأل عیسی: مَن أدّبک؟ یجیب: ماأدبني أحد، رأیت قبح الجهل فجانبته (المجلسي، 14/ 326). فلو قبلنا أن الجهل لیس بمعنی عدم المعرفة، بل بمعنی سوء الخلق و السلوک الجاهلي القبیح (قا: آذرنوش، 1-3)، عندها یقف الأدب في هذا الحدیث مقابل ذلک، أي یکون بمعنی الأخلاق والسلوک الحسن؛ 2. التعالیم الإلهیة و القدوات الأخلاقیة و الاجتماعیة المستنبطة بشکل خاص من السنة المحمدیة. و هذا الأمر یزداد بروزاً ویتسع بشکل مدهش منذ القرن 3هـ و ماتلاه و یؤدي إلی ظهور الأدب الدیني.

فإذا کان معنی الأدب خلال القرن 1هـ محدوداً وانطمر موضوعه في صمت نسبي، فقد برز فجأة و بشکل مدهش في بدایة القرن 2هـ لفظ الأدب بمعنی أخلاقي لاتربطه علاقة قویة بالدین، و شمل قسماً کبیراً من المجتمع الإسلامي.

وذلک الصمت النسبي و هذا الأزدهار المفاجئ، إنما یمکن إدراکه و تبریره إذا ماذکّرنا أن عدة رجال عظام بارعین تماماض باللغتین العربیة و الفارسیة، أدخلوا في بدایة القرن 2هـف الأخلاق و التقالید و الأعراف الإیرانیة إلی المجتمع الإسلامي في إطار اللغة العربیة، ووضعوا أسس ثقافة استمرت حوالي 500 سنة.

 

القرن 2هـ، عبدالحمید و ابن المقفع

یعتبر الباحثون المعاصرون بشکل عام عبدالحمید (تـ 132هـ) و بشکل خاص ابن المقفع (تـ 142هـ) مؤسسي الأدب الأخلاقي. وإن دور عبدالحمید ضئیل جداً مقارنة بما نعرفه عن ابن المقفع، إلا أن له فضل السبق. ففي البدء، کان و في أثریه الصغیرین یبتعد بالنثر شیئاً فشیئاً عن الأسالیب العربیة القدیمة، ویخطو في مجالات أوسع، فیصح و یعلم الأخلاق الحسنة و یهدي من یخاطبه إلی الأمور الضروریة لعمله و شخصیته. و هذان الأثران هما: 1. «الرسالة» التي کتبها إلی عبدالله بن مروان الذي کان آنذاک ولي عهد الخلیفة الأموي، والتي علّم فیها طریقة إدارة الحکم و السیاسة وأسلوب القیادة و قیادة الجیش، فضلاً عن نصائح عامة («رسالة في نصیحة...»، 139-164، مخـ)؛ 2. «الرسالة» التي خاطب فیها الکتّاب «الذین هم أهل الأدب والمروءة». کما تتضمن هذه الرسالة مجموعة من المواعظ العامة، یعدد فیها عبدالحمید العلوم التي ینبغي لکل کاتب أن یتعلمها في البدء («رسالة إلی الکتّاب»، 172-175). وبذلک، فقد حُدد لأول مرة مضمون أدب الکتّاب الذي یشکل أکثر دعائم الأدب رسوخاً في جمیع القرون. و هذه العلوم – فضلاً عن مبادئ الأخلاق – عبارة عن: القرآن الکریم والسنة واللغة وأیام العرب وأخبار الملوک و قلیل من الحساب (قا: البستاني؛ إیرانیکا، وکلتا المقالتین لشارل پلا).

وهنا یلاحظ أن أول لبنة في بناء الأدب هي ثقافة الأشراف و الملوک؛ فإذا کان عبدالحمید قد اهتم بطبقة الکتّاب، فإنما کان ذلک فقط بسبب الانتباه إلی العلاقة التي تربطهم بمرکز القوة. فکل شيء، إنما هو لأجل أن یکتسب الکاتب الجدارة في مجالسة السلطان. و یستمر هذا الأسلوب في آثار ابن المقفع، وعلینا أن نتنظر قرناً، أو قرنین لتخاطب الاثار الثقافیة في الأدب العام و بشکل خاص في الأدب الدیني عامةً الناس أیضاً.

ولاشک في أن مصادر إلهام عبدالحمید لم‌تکن سوی الثقافة الإیرانیة، فما یقدمه، سواء أکان أسالیب الحکم، أو طریقة إدارة الدیوان، شيء لم‌یسبق له مثیل في الحضارة الجاهلیة و الإسلامیة في القرن الأول، بل هو شيء ینبغي البحث عنه في کتب «الآیین» و «التاج» و «الشاهنامات». وهذه المصادر تتجلی بوضوح حینما نصل إلی ابن المقفع. ومع کل ذلک، فإن الکتّاب القدماء أیضاً لم‌یکونوا یجهلون تفاصیل القضایا بطبیعة الحالف فأبوهلال العسکري مثلاً یشیر مرتین (دیوان المعاني، 2/ 89، کتاب الصناعتین، 51) إلی أن عبدالحمید کانیترجم «الأمثال» الإیرانیة من الفارسیة إلی العربیة. أما کلام الجاحظ فأکثر طرافة من هذا ، فهو یقول في البیان و التبیین و بعد ذکره فصلاً في أهمیة فکر الإیرانیین و کلامهم: «نحن لانستطیع أن نعلم أن الرسائل التي في أیدي الناس للفرس، أنها صحیحة غیر مصنوعة وقدیمة غیر مولَّدة، إذا کان مثل ابن المقفع وسهل بن هارون و أبي عبدالله و عبدالحمید وغیلان ... یستطیعون [في الأصل لایستطیعون و یبدو أنه تصحیف] أن یولّدوا مثل تلک الرسائل» (3/ 21-22). وإن موضوع اختلاق هؤلاء الکتّاب للرسائل، رغم أنه دقیق جداً و دلیل علی ذکاء الجاحظ، لکنه لایحظی بالأهمیة الکبیرة في بحثنا، ذلک أن من ذکرهم هم مبدعو الأدب الأخلاقي في اللغة العربیة، سواء ترجموا آثاراً أم خلقوا آثاراً، في نفس تلک البیئة الثقافیة الإیرانیة. وإذا کانت هذه الآثار قد ظهرت بقصد الاختلاق فإنها لامحالة تکتسب هذه المیزةو هي کونها تشبه الأصل قدر المستطاع.

وقد اتخذ الأدب الأخلاقي قوالبه النهائیة في آثار ابن المقفع و حتی في شخصیته و حیاته، لکن و قبل دراسة هذا البحث، فمن اللائق معرفة أین کان یکمن الأدب لدیه: الأدب في الحقیقة مکمل للعقل: «فغایة الناس و حاجاتهم صلاح المعاش و المعاد، و السبیل إلی درکها العقل الصحیح، و أمارة صحة العقل، اختیار الأمور بالبصر و تنفیذ البصر بالعزم» («الأدب الصغیر»، 11). لکن بنبغي تربیة العقل «وللعقول سجیات و غرائز بها تقبل الأدب، وبالأدب تنمی العقول و تزکو ... وسلیقة العقل مکنونة في مغرزها من القلب: لاقوة لها ولا حیاة بها ولامنفعة عندها حتی یعتملها الأدب الذي هو ثمارها و حیاتها و لقاحها ... و جلّ الأدب بالمنطق و جلّ المنطق بالتعلم» (ن.م، 19-20). والخلاصة «لسنا إلی مایُمسک أرماقنا من المأکل والمشرب بأحوج منا إلی مایُثبت عقولنا من الأدب الذي به تفاوت العقول» (ن.م، 15). وفي موضع آخر (ن.م، 46) یقرن الأدب مرة أخری بالرأي، فیقول من الطبیعي أن الرأي لایکمل بغیر الأدب، کما أن الأدب لایمکمل إلا بالرأي، وأن الأدب یزیل عن العاقل، کما یزید من طیش الأحمق (کلیلة...، 186). و من وجهة نظر ابن المقفع، فإن الأدب له مقام أسمی إذا ماقورن بالعلم، ذلک أنه ینصح طالب الأدب إذا کان یطلب نوع العلوم أن یتعلم أولاً أصوله و من ثم فروعه. و تعلم الفروع (= العلم المطلق) لوحده لایجدي نفعاً. و الأصول التي ینبغي تعلمها أولاً هي: صلاح‌الدین، صلاح الجسد، الشجاعة، الجود، الکلام، تدبیر المعیشة ... و خلاصة جمیع المفاهیم التي تشکل أساس الأدب الأخلاقي (ظ: «الأدب الکبیر»، 57-58). وفي بدایة «الأدب الصغیر» (ص 24) شُرح هدف ابن المقفع من تألیفه کتب الأدب: عمارة القلوب وصقالها وإحیاء للتفکیر وإقامة للتدبیر و دلیل علی محامد الأمور و مکارم الأخلاق.

الصفحة 1 من7

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: