الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبومسلم الخراساني /

فهرس الموضوعات

أبومسلم الخراساني

أبومسلم الخراساني

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/12 ۱۷:۳۳:۴۶ تاریخ تألیف المقالة

وثارت ثائرة نصر حین سماعه خبر اتحاد أبي مسلم و علي ابن الکرماني فسعی إلی کسب تأیید الأخیر ضد أبي مسلم، لکنه اضطر حینما أخفق في تحقیق مأربه إلی استدعاء عدد من فقهاء العرب وزهادهم ودعاهم إلی تأییده ضد المسودة (أخبارالدولة،289-290). ومن جهة أخری قرر أبومسلم بعد مضورته مع رجال الدعوة إعلان مواقف الحرکة علی رؤوس الأشهاد مرة أخری، ولذا قال بعد صلا العصر في حشد من الأنصار، إن نصراً اتهمنا بدننا علی غیر دین الإسلام وأننا استحلنا المحارم ولم نعمل بکتاب الله وسنة نبیه (ص)، إلا أن إمامنا أمرنا برعایة العدل و دفع الظلم و التمسک بکتب الله و سنة نبیه (ص)، وها أناذا أول من یبایع علی کتاب الله و سنة نبیه (ص) والعمل بالحق و دفع الظلم و الجور عن الضعفاء و أخذ الحق من الأقویاء، وحینئذ بایع الجمیع علی هذه الشاکلة. ولما بلغ الخبر نصراً ندم کثیراً وأسقط في یدیه لانضمام من کان یفترض فیه تحریض الناس علی أبي مسلم لمروقه عن الإسلام، و ها هو الآن وقد انضم إلی حرکته (ن.م، 291- 293).

وخلال هذه التفرة استعد دهالي جرجان أیضاً للانضمام إلی حرکة المسودة، فقد کان لمشارکة داعیة کبیر مثل أبي عون (ن.ع) بالغ الأثر في هذا الأمر (ن.م، 293). وها هو نصر یواجه الان وأوضاعاً مضطربة للغایة، ولم تتمخض مساعیه لاستمالة علي ابن الکرماني إلیه عن أیة نتیجة. فاضطر إلی إرسال خطاب لأبي مسلم یدعوه فیه بحسن معاملة المضریین الذین ینتمي إلیهم نفسه. فأمر أبومسلم بإرسال مجموعتین من المضریین و القحطانیین إلی قریة آلین لیختار أنصار الحرکة أیة مجموعة یبتغونها. و هکذا مالت الأوضاعٍ الان إلی کفة أبي مسلم: فکلا المجموعتین من العرب ألفیا] مؤثراً ومتنفذاً في خراسان إلی درجة أن التمسوه التحالف معهم لقمع منافسهم (یوسفي، 77). وعلی أیة حال، فقد أوصی أبومسلم أنصار الدعوة باختیار ربیعة وقحطان لا المضریین الذین قتلوا یحیی بن زید. و في نهایة المطاف تحدث بعض الرجال ضد المضریین في مجلی حضره کبار الدعاة، ثم اختاروا علیاً ابن الکرماني وأعوانه الذین کانوا من قحطان و ربیعة (الطبري، 7/377- 378؛ أخبار الدولة، 285-288)، وبعدها عاد أبومسلم إلی الماخوان (منتصف صفر 130).

وفي هذه الأثناء، ترک شیبان الصراع مع منافسیه و ذلک کما یبدو بتحریض من علي ابن الکرماني، ولدنه لم یکن یری لنفسه طائلاً من النزاع القائم بین أبي مسلم و نصر، کما لم یکن یتمتع بقاعدة قویة إلی حدما في خراسان. وبعد إبرامه معاهدة صلح مع أبي مسلم تقضي بعدم تعرضه له، اتجه صوب سرخس (ربیع الثاني 130)، وانبسطت لذلک سرائر أبي مسلم أي انبساط (ن.م، 309-310).

وبذلک أصبح الطریق ممهداً تقریباً لأبي مسلم لیسیطر علی مرو مرکز خراسان. وقد اکتنف دخول أبي مسلم مرو غموضاً کثیراً، ولکن من خلا لفحوی الروایات یمکن دن نخمن أنه لم یکن ینوي دخولها بنفسه أولاً. ولذا سیر رجالاً إلی مرو لیحرضوا أهلها علی الانضمام للحرکة. ثم دفع في البدء علیاً ابن الکرماني للتغلغل في المدینة خشیة من حدوث اتفاق بینه و بین نصر بن سیار عند استیلائه علی المدینة. وفي هذه الأثناء نشب نزاع بین مجموعة أبي مسلم القلیلة العدد و بین أنصار نصر بن سیار المضریین. وولج ابن الکرماني مدینة مرو بحجة مساعدة مجموعة أبي مسلم، وبینما کان الصراع لم یزل قائماً بین الفرق المتنازعة دخلها أبومسلم (9 جمادی الأولی 130) دونما قلق یعتریه. وبعدها مباشرة أمر بأخذ البیعة ثانیة من الجند، وقیل إنه لم یبق في مرو أحد إلا وانضم إلیه (الطبري، 7/378- 379؛ أخبارالدولة، 310، 315 وما بعدها). أما نصر ابن سیار الذي کان یعسکر في الناحیة الأخری من المدینة، فقد أسقط في یده أنه لم یعد قادراً علی القیام بأي عمل، وقد تعمد لاهز بن قریظ الذي کلفه أبومسلم بالتفاوض معه للانضمام إلی الحرکة، قراءة آیة من القرآن الکریم، فأدرک نصر من مضمونها بأنه مقتول لامحالة بعد تسلیمه نفسه، ولذا هب فاراً إلی سرخس (10 جمادی الأولی 130) مع عدد من المضریین بشکل لم یقدر معه کلّ من أبي مسلم و علي ابن الکرماني اللحاق به. وقد أمر أبومسلم بضرب عنق لاهز لما بدر منه في تحذیره نصراً (الطبري، 7/384- 385؛ أخبارالدولة، 318). ثم استقر أبومسلم في دار الإمارة بمرو. وقد تحقق أول نصر لأبي مسلم، ولکن هناک طریق طویل حتی تستتب له أمور السلطة کاملة. فبعث أبومسلم کتاباً إلی إبراهیم أخبره فیه باستیلائه علی مرو و هروب نصر بن سیار (ن.ص)؛ إلا أن نصراً تحصن في نیسابور و کان بصدد حشد جیوش للعودة ثانیة إلی خراسان (ن.م، 319).

وفي هذه الأثناء، أعلن أبومسلم للناس بأن إبراهیم الإمام قد أمر بالهجوم علی العراق بجیش یقودة قحطبة بن شبیب الطائي (ن.م، 321). ثم بعث برسالة إلی شیبان الذي کان یقیم في سرخس و قد انضمت إلیه مجموعة من قبیلة بکر بن وائل، أمره فیها بمبایعته. فامتنع شیبان، فسیر أبومسلم بسامَ بن إبراهیم بجیش لقتاله. وفي بادئ الأمر ذکّر شیبان جیش أبي مسلم بالعهد الذي بینه و بین أبي مسلم، ولکنهم لم یکترثوا بحدیثه و شنوا هجوماً مباغتاً، فقتلوه هو والکثیر من أنصاره وبعثوا برأسه إلی أبي مسلم (15 شعبان 130: الطبري، 7/385- 386؛ أخبارالدولة، 321-322). وسیطر قحطبة علی طوس و نیسابور و جرجان و قومس ومدن أخری، و في نفس الوقت کان یراسل أبامسلم و یطلعه بأخبار فتوحاته (ن.م، 323-334).

وهکذا فقد حان الوقت لیزیل أبومسلم الصعوبات التي تواجهه و یزیح منافسیه الرئیسیین في خراسان. وقد کانت المعضلة الأولی وجود علیي وعثمان ابني جدیع الکرماني اللذین کان بإمکانهما أن یسببا المتاعب له. ولهذا فصل أبومسلم في بادئ الأمر الأخوین عن بعضهما الآخر. ثم حاک مؤامرة مع أبي داود النقیب لقتل عثمان، فنفّذت. وبعدها سار أبومسلم مع علي إلی نیسابور، وتذرع بطلب أسماء أعوانه لیکافأهم بهدایا و مناصب، ثم قتلهم جمیعاً وعلیاً أیضاً (شوال 131 أو 28 محرم 132: الطبري،7/386-388).

کماکان أبومسلم یواجه عقبة کأداء أخری تتمثل فيوجود عبدالله ابن معاویة. وعبدالله هذا کان قد ثار في الکوفة، ثم ولی هارباً إلی أصفهان و سیطر علیها لفترة، ثم هزمه جیش ابن ضبارة، فلاذ بأبي مسلم لما سمع بهیمنته الکاملة علی خراسان و دعوته إلی «الرضا من آل محمد (ص)»، فأمر أبومسلم بالقبض علیه تواً، إذ لم یکن من المستبعد أبداً أن یکون وجوده ذریعة بید من کانوا یطالبون بـ «هاشمي» آخر لیعرضوا عن العباسیین. وقد بعث عبدالله رسالة إلی أبي مسلم توسل فیها إلیه بالصفح عنه، إلا أن أبا مسلم أمر بقتله (دانیل، 81-80).

وبعدها انصب جمیع اهتمام أبي مسلم علی قمع جمیع الأشخاص والحرکات التي کان بإمکانها تشکیل قدرة في خراسان بشکل وآخر. وممایلفت النظر في هذا المضمار،ظهور المعتقدات المغالیة التي وجدت لنفسها کما یبدو بیئة مناسبة للغایة؛ إلا أن من الصعب تقییم مدی اهتمام أبي مسلم بالقضایا العقائدیة لدی قمعه لهذه الحرکات؛ فرغم طابعها الدیني و بلوغها الذروة بعد مقتل أبي مسلم، إلا أنه من الصعوبة بمکان الفصل بین العقائد الدینیة وردود الأفعال السیاسیة آنذاک، فکلا العاملَین قد تبادلا التأثیر و التأثر. وفي الحقیقة فقد وضع أبومسلم نصب عینه استغلال أي شخص أو مجموعة لتحقیق النصر الکامل، وربما لهذا السبب احتمل بعض الباحثین انضمام عناصر مزدکیة في معسکره، وقد کانت قبل تعیش في خفاء لفترة طویلة (کلیما، 59-60).

کما أن أکثر الأعمال دهشة مما قام به أبومسلم قبل انتضاره الکامل في خراسان، هو قضاؤه علی بهافرید و قمعه لمن انضم إلیه. وتندر المصادر فیما یتعلق ببهافرید، وکما قال الباحثون بحق، فلیس بالإمکان تحدید مبادئ وأسس مذهبه الذيادعاه (ظ: صدیقي، 111-112). کما لایمکن البت بتاریخ إعلانه لمذهبه. ولکن هناک روایة تنص علی أن الموابذة و الهرابذة قد اجتمعوا إلی أبي مسلم حین دخوله نیسابور و عرّفوه بما أحدثه بهافرید من بدع في دیانتهم الزرادشتیة (البیروني، 210-211)، ونحن نعلم أن أبا مسلم في 131هـ - وربما في شهر صفر من هذه السنة التي فتح فیها قحطبة الري (أخبار الدولة، 334). دخل نیسابور (الطبري، 7/404؛ أخبار الدولة، 337-338؛ بشأن سنة 129هـ کبدایة لإعلان بهافرید مذهبه، ظ: صدیقي، 123). وعلی أیة حال، تفید المصادر أن مذهب بهافرید الذي کان یمثل حداً وسطاً بین الإسلام و الزرادشتیة قد حظي کثیراً باهتمام أهالي خواف التي تبعد عن نیسابور قلیلاً، والتف حوله جم غفیر منهم (ظ: الخوارزمي، 38؛ الثعالبي، 34). وحینما حل أبومسلم في نیسابور استمع إلی شکوی الموابذة من بهافرید، أمر أحد قادته ویدعی عبدالله بن شعبة من دعاة خراسان الکبار (أخبارالدولة، 223) بإخماد الفتنة، فقبض علی بهافرید في نواحي بادغیس، فأمر أبومسلم بقتله؛ وقد ورد أیضاً أن أبا مسلم ظل یطارد أتباعه و یعمل فیهم السیف لفترة (البیروني، 211؛ الثعالبي، 35؛ الگردیزي، 266-267؛ شرف الزمان، الورقة 7 دلف – ب). واستناداً إلی روایةٍ فإن بهافرید أسلم أولاً ولبس السواد، إلا أن أبا مسلم رفضه وقتله (ابن الندیم، 407-408، نقلاً عن الصولي). وقد عُدت مواجهة أبي مسلم لبها فرید والتي انتهت لصالح الموابذة و الهرابذة، دلیلاً علی اتفاقه حتی مع المجموعات و التنظیمات المعادیة للإسلام، وذلک تحقیقاً لوصوله للنصر (کلیما، 59).

وبغض النظر عن هذا الموضوع، فعلینا أن نأخذ بنظر الاعتبار حادثة تزامنت مع ظهرو بهافرید. فقد زحف ابن ضبارة بجیوشه إلی حوالي الجبال و أصفهان و کرمان، بأمر ابن هبیرة لقمع عبدالله بن معاویة والمسودة. وقد عُدّ هذا الزحف خطراً جدیاً لکلّ من أبي مسلم في خراسان و الجیش الذي کان یقوده قحطبة باتجاه العراق، إلی درجة أن أصر أبوسلمة علی أبي مسلم في خطاب أرسله إلیه، بالمسارعة في تسییر جیش لنجدة قحطبة (أخبارالدولة، 337). کما خشي أبومسلم من ابن ضبارة، فجاء بنفسه إلی نیسابور و خندق فیها (الطبري، ن.ص). وبهذا فقد کان لابد وأن یواجه أي أمر یمکن أن یؤدي إلی انحراف أذهان الناس، خاصة و هو الآن بحاجة إلی قوات جدیدة، ویحتمل أن یکون الموابذة قد تعاونوا معه بعد تلک الحادثة (لمزید من التفصیل، ظ: ن.د، بهافرید). وفي هذه الأثناء لجأ نصر بن سیار إلی همدان عند فراره من أمام جیش خراسان أملاً في وصول الإمدادات، إلا أنه مرض في الطریق في 12 ربیع الأول 131، وتوفي وهو في سن الخامسة والثمانین (أخبار الدولة، 334).

ومن الجانب الاخر، انتخب ابن ضبارة و خلافاً لما کان یُتَوقَّع خیار الحرب مع قحطبة، فسار قحطبة الذي انتظر 5 أشهر وصول إمدادات أبي مسلم، لقتال ابن ضبارة في رجب 131. وانتهت الحرب بعد عدة أیام من القتال بهزیمة ابن ضبارة و جیشه في 23 رجب 131 بالقرب من قریة جابلق. وبعد توقف قصیر لقحطبة في أصفهان، بادر إلی فتح نهاوند بالقوات الجدیدة التي سیرها أبومسلم إلیه (5 ذي‌القعدة 131). وبسقوط نهاوند، حُسم أمر المناطق المرکزیة في إیران لصالح أنصار الحرکة، وسیطر قحطبة أخیراً ثم ابنه الحسن علی الکوفة بعد اشتباکات عدیدة في العراق، وفي نهایة المطاف استطاع القادة الخراسانیون المعتمدون لدی أبي مسلم مبایعة أبي العباس السفاح و إجلاسه علی کرسي الخلافة رغم کل الصعوبات التي واجهوا (لمزید من التفصیل، ظ: ن.د، أبوسلمة الخلال و السفاح).

 

2. من بدایة خلافة العباسیین حتی مقتل أبي مسلم

وهکذا، وعندما استلم العباسیون زمان الخلافة، کان أبومسلم یقیم في خراسان ویحکم ولایات إیران الشرقیة و المرکزیة، ویوسع من نطاق نفوذه بسرعة إلی دقضی نقاط ماوراء النهر. أما الخلیفة السفاح الذي کان یری ظهور الدولة العباسیة الفنیة و دوامها رهناً بتدبیر وقدرة هذا القائد الرهیبة، فإنه لم یکن یجرؤ في أوائل خلافته علی أقل تقدیر، علی القیام بعمل مهم دون التشاور معه، خاصة وأن أبراهیم الإمام کان یثق به و یعتمد علیه إلی درجة أن عدّه «رجلاً من أهل البیت» (الطبري، 7/355؛ المقریزي، النزاع، 95)، کا کان السفاح وأخوه أبوجعفر ینظران إلیه بمثابة العم لهما (ظ: الإمامة، 2/121)، کما أن مَن أخرج السفاح من مخبئه وبایعه للخلافة بعد موت إبراهیم هو أبوالجهم بن عطیة أحد أعوان أبي مسلم المعتمدین لدیه (البلاذري، 3/140؛ العیون، 209). وحقاً إن التحلیل الدقیق لهذه الفترة من حیاة أبي مسلم و الحوادث التي أدت إلی مقتله، لایخلو من الصعوبات رغم غزارة المصادر، وذلک بسبب تناقض الروایات التي یبدو أنها وُضعت فیما بعد بدوافع قومیة، أو تحیزیة للعباسیین، لیتجاهلوا دوره في التحول العظیم الذي کان له الفضل في إحداثه. ویمکن لمس هذه التناقضات بوضوح وخاصة في الآثار المتأخرة التي حال کلّ منها إلی اتجاه معین. ولکن مما لاسبیل إلی إنکاره أن انتصارات أبي مسلم کانت مدعاة لآثارة من کانوا یهابونه لیقفوا ضده، فحینما دارالحدیث بین السفاح و أبي جعفر المنصور و أعوانه بشأن نزوع أبي سلمة الخلال للعلویین، انبری أحدهم واتهم أبا مسلم بدفعه إلی ذلک. کما نری السفاح الذي اعتراه هلع شدید من جراء ذلک، وفي نفس الوقت کان یهاب غضب أبي مسلم فیما إذا بادر بنفسه إلی القضاء علی أبي سلمة (البلاذري، 3/154-155؛ الطبري، 7/448)، یبعث أخاه أبا جعفر إلی خراسان لأخذ البیعة للخلیفة ولولایة عهد أبي جعفر والتعرف علی رأي أبي مسلم في أبي سلمه (ن.صص). وهناک روایات أخری تنص علی أن السفاح بعث خطاباً یستطلعه الرأي في أبي سلمة، فأناط البت في أمره بالخلیفة نفسه (البلاذري، 3/156؛ قا: المسعودي، 3/270-271)؛ إلا أن مشاوري السفاح الذین کانوا یظنون بأبي مسلم الظنون حرضوا الخلیفة علی مطالبته بتسییر لقمع أبي سلمة (الإمامة، 2/120- 121؛ قا: الدینوري، 370).

وعلی أیة حالف فقد توجد أبو جعفر مع مجموعة من حاشیته إلی خراسان و ربما لخشیته من عواقب الأمور. وحینما علم وهو في الري بالخطاب الذي وجهه أبومسلم إلی عامله فیها طالباً إیفاده في لافور، ازداد هلعاً، لکنه اطمأن بالاً حینما علم في نیسابور بدنه کان یقصد من ذلک الحیلولة دون هجوم الخوارج الذین کانوا منتشرین في المنطقة. وحینما حل في مرو (132هـ)، خرج أبومسلم لاستقباله (الطبري، 7/448-449). وهناک أقوال متناقضة حول کیفیة استقبال أبي مسلم له: فروایة ابن القتات عن أبي جعفر نفسه تشیر إلی أن أبا مسلم أکرم وفادة شقیق الخلیفة غایة التکریم (البلاذري، 3/154-155)، وعلی حد قول حاجب أبي جعفر لم یکن یُسمح لحاکم خراسان بالدخول علیه إلا بإذن منه (الطبري، 7/449)، في حین أن هناک روایات أخری تفید بأن أبا جعفر انتظر مدة في بلاط أبي مسلم إلی أن أُذن له بالحضور، کما لم یحظ بحفاوة تلیق بشقیق الخلیفة (البلاذري، 3/151-153؛ الطبري، 7/468). وهناک روایة متأخرة تفید بأن أبا مسلم کان غاضباً لاختیار أبي جعفر لولایة العهد دون المشورة معه (الحموي، 172). وفي هذه الأیام نفسها قال سلیمان بن کثیر – من أوائل الدعاة العباسیین البارزین – الذي لم یکن یطمئن لأبي مسلم و یطعن فیه لأبي جعفر محتمیاً کما یبدو بحضوره: «إنما کنا نحب تمام أمرکم وقد تم بحمدالله ونعمته فإذا شئتم قلبناها علیه»، أي علی أبي مسلم (البلاذري، 3/168). إلا أن روایة الإمامة والسیاسة (2/125) تفید أن سلیمان بن کثیر تحدث في شأن إعادة الخلافة للعلویین، إلی رجل علوي یدعی عبیدالله بن الحسین من أحفاد الإمام علي (ع) کان قد وفد مع أبي جعفر إلی خراسان، فأطلع ذلک الرجل أبا مسلم بما صدر من سلیمان ظناً منه بأنها خدیعة دبرهاله أبومسلم نفسه، فأمر أبومسلم في الحین بقتل سلیمان في حضور أبي جعفر، فقتل (أیضاً ظ: ابن الأثیر، 5/436-437؛ الحموي، 170-171).

صحیح أن أبا مسلم کان یعلم من ذي قبل بطعون سلیمان فیه و معارضاته له بسبب مقتل ابنه محمد الذي کان یؤید خدّاش، وکذا مخالفته لتفویض القیادة لأبي مسلم (البلاذري، ن.ص)، کما کان یتوجس مه خطراً یهدده، إلا أن قتله لسلیمان في حضور أبي جعفر یبدو وکأنه کان استعراضاً في الغالب لشکمیته وقدرته أمامه دکثر من أن یکون انتقاماً من سلیمان الذي کان بإمکانه الانتقام منه دون آثارة للتقوّلات. وبالفعل فهذه الحادثة و کذا تسییر شخص من مرو إلی الکوفة لقتل أبي سلمة وفق الروایة التي تری قتله قدتم بعد لقاء أبي جعفر أبا مسلم في خراسان (الطبري، 7/449)، کل ذلک کان مدعاة لإلقاء الرعب في نفس أبي جعفر. و حینما عاد الأخیر إلی الکوفة قال للخلیفة: «لستَ خلیفةً ولا أمرک بشيء إن ترکت أبامسلم ولم تقتلهف قالک و کیف؟ قالک والله مایصنع إلا ما أراد، قال أبوالعباس: اسکت فاکتمها» (م.ن، 7/450)، ویبدو أن تلک الواقعة قد بعث القلق أیضاً في نفس السفاح، ذلک أن الروایات التي تحدثت عن التحریض علی الثورة في خراسان و تخطیط السفاح لقتل أبي مسلم (ظ: تتمة المقالة) تعود کلها إلی ما بعد رجوع أبي جعفر من خراسان. ولکن الخلیفة کان یعلم جیداً أنه مادام أبومسلم في خراسان فلا محالة من الصبر علی غطرسته، إذ نراه لم یجد بداً من الصمت حیال عدم إیذان محمد بن الأشعث عامل أبي مسلم في ولایة فارس بالدخول لعیسی بن علي عم السفاح و عامله هناک (م.ن، 7/458). کما نری أبا مسلم یفرض علیه رأیه من خراسان حین خروج ابن هبیرة علیه. فعندما خرج أبوجعفر لمواجهة ابن هبیرة، ثم حسم الأمر بتصالحهما، وأحاط أبوالجهم بن عطیة الذي کان یتواجد في بلاط الخلیفة ویراسل خراسان بأخباره، أبا مسلم علماً بذلک الصلح، فمنع الأخیر الخلیفة من التوقیع علی معاهدة الصلح وطالبه بقتل ابن هبیرة، فما کان من الخلیفة إلا الانصیاع لأمره و مطالبة أبي جعفر بقتله خلافاً لما عاهده علیه (م.ن، 7/454؛ الإمامة، 2/129- 130). ولاشک أن هذه الحادثة کانت قد أغضبت أبا جعفر إلی حد کبیر، إذ کان یری نفسه دون أبي مسلم في عین أخیه السفاح، وأن هذا الرجل الخراساني قد سیطر في الواقع علی مقالید الأمور في مشارق الخلافة ومغاربها. ولاشک أیضاً أن کل ذلک کان له أثر بالغ في أن یحمل الضغینة في نفسه علی أبي مسلم فیا بعد.

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: