الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبومسلم الخراساني /

فهرس الموضوعات

أبومسلم الخراساني

أبومسلم الخراساني

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/12 ۱۷:۳۳:۴۶ تاریخ تألیف المقالة

وعلی أیة حال، فقد سلّم إبراهیم أمر خراسان إلی أبي مسلم و أمر أتباعه بالانصیاع لأمره (م.ن، 7/344). وتم ذلک بطلب من الدعاة أنفسهم، فقد کانوا یرون الوقت دانیاً للجهر بأمر الدعوة بسبب النزاعات المستمرة بین العرب وقیل إن إبراهیم قال لأبي مسلم قبل أن یوجهه: «یا عبدالرحمان إنک رجل منّا أهل البیت»، ثم أصاه قائلاً: «أنظر هذا الحي من الیمن فأکرمهم و حُلّ بین أظهرهم، فإن الله لایتم هذا الأمر إلا بهم، وانظر هذا الحي من ربیعة فاتهمهم في أمرهم، وانظر هذا الحي من مضر، فإنهم العدو القریب الدار، فاقتل مَن شککت في أمره ومَن کان في أمره شبهة و مَن وقع في نفسک منه شيء، وإن استطعت ألا تدع بخراسان لساناً عربیاً فافعل، فأیما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله، ولاتخالف هذا الشیخ – یعني سلیمان بن کثیر – ولاتعصه» (ن.ص؛ العیون، 184؛ المقریزي، المقفی، 4/136، النزاع ...، 95-96).

وقد شکک عدد من الباحثین في صحة نبة هذه الوصیة التي ذکرت في المصادر القدیمة باختلافات یسیرة، و خاصة في وصیته بألا یبقي عربیاً في خراسان (عمر، 169 و ما بعدها؛ فراي، 35-36؛ دانیل، 46-47). ومع الأخذ بنظر الاعتبار وجود عدد من العرب في تنظیمات الدعوة، وأن إبراهیم نفسه عربیاً، فیبدو مستبعداً بعض الشيء صدور مثل ذلک القول منه. وفیما إذا کان أبومسلم قد نفذ تلک الوصیة بشکل کامل أم لا، فإن ذلک لایرتبط کثیراً بأصل الموضوع، ولکن علینا أن نلتفت إلی أن العباسیین کانوا یستعینون في دعوتهم أساساً بالموالي، أي الإیرانیین، وأنهم أقدموا علی أمور کثیرة أخری لم یسبقها مثیل لتحقیق أهدافهم، فلیس من لامستبعد أبداً أن کانوا قد بلغوا هذه الدرجة. ثم إن أمر بني هاشم هنا منفصل عن العرب الآخرین، وإلا لما التف الإیرانیون حولهم. ومما لاشک فیه أن خصوصیاتهم هذه کانت ترتبط بأسلوبهم في العمل، والقاضي بالتأکید علی مبدأ المساواة بین المسلمین، وهو مبدأ لم یکن یهتم به العرب الآخرون. وبالإضافة إلی کل ذلک، فهناک ملاحظتان أخریان تستحقان الاهتمام: الأولی أن أحد أسباب إلقاء القبض علی إبراهیم الإمام ثم قتله، هو توفر الأمویین علی خطاب ینطوي علی مثل هذه الوصایا لأبي مسلم (أخبارالدولة، 392؛ الطبري، 7/722). الأخری أن مضامین هذه الوصیة نفسها قد تکررت فیما بعد و خاصة علی لسان أبي مسلم في خراسان (أخبارالدولة، 284-285)، ویبدو من فحوی الروایة أن خبر هذه الوصیة کان شائعاً في المنطقة.

وقد نقلت المصادر بشکل مضطرب تردد أبي مسلم علی خراسان ولقاءه الأول بالدعاة. وفي الحقیقة فإن أبا مسلم ذهب إلی خراسان في 129هـ/ 747م، ونزل في بیت دحد الدعاة یدعی أبا النجم الذي زوّج إبراهیم ابنته أبا مسلم (الطبري، 7/360). واجتمع جمیع النقباء و الدعاة في بیت سلیمان بن کثیر في قریة سفیدنج علی مایبدو، وکانت من توابع مرو موضع الخزاعیین (م.ن، 7/335)، ودفع أبومسلم خطاب إبراهیم لهم. وقرأ الخطاب علی رؤوس الأتباع شخص یدعی أبا منصور کان یتولی مهمة فتح و قراءة کتب إبراهیم و الرد علیها بخطه. فثارت عقیرة سلیمان بن کثیر، فسب أبا مسلم و أمر أبا منصور بکتابة ما تفوّه به في ذلک المجلس إلی إبراهیم. ورغم أن الدعاة الآخرین وجهوا اللوم إلیه، إلا أنه رمی دواي باتجاه أبي مسلم، فشج ناصیته حتی سال الأم من وجهه، ثم تفرق الدعاة (أخبارالدولة، 270-272؛ أیضاً ظ: الطبري، 7/360). ویبدو أن أبا مسلم رغب في العودة إلی إبراهیم بعد هذه الحادثة، إلا أن أحد الدعاة و یدعی أبا داود خالد بن إبراهیم جمع النقباء و لامهم بشدة لمخالفتهم إبراهیم و سوء سلوکهم مع أبي مسلم. فبعث الدعاة بعض الأفراأ فأعادوا أبا مسلم من منتصف طریق (قومس) (م.ن، 7/360- 361؛ ابن الأثیر، 5/362).

وهناک موضوع آخر أدی إلی نجاح أبي مسلم في هذه المرحلة و هو أن الدعاة کانوا مستائین من سلیمان بن کثیر – الذي کان في غایة الاستبداد کما یبدو – إلی درجة أنهم کانوا یرحبون بالحط من شأن سلیمان من خلال رئاسة أبي مسلم (أخبارالدولة،272). ویری الطبري (7/353) نقلاً عن المدائني أن سبب رجوع أبي مسلم من خراسان، وصول خطاب من إبراهیم یأمره بالعودة إلیه (جمادي الآخرة 129)، ولکن یمکن الشک و التردد في قبول هذه الروایة إذاما أخذنا بعین الاعتبار ماقیل عن إرسال أبي مسلم إلی خراسان. و فضلاً عن ذلک فقد نقلوا أن أبا مسلم کان متجهاً بزي التجار و بدافع الحج، وإذا بخطاب یصل إلیه من إبراهیم حوالي (نسا)، إلا أنه واصل طریقه حتی استلم في قومس خطاباً آخر من إبراهیم و معه بیرق کان یعرف بـ «رایةالنصر»، وأمره بالعودة إلی خراسان أینما کان، و أن یوفد إلیه قحطبة لیلتقیا في موسم الحج، کما أرسل إبراهیم خطاباً إلی سلیمان بن کثیر بهذه الطریقة (م.ن، 7/354- 355). فوصول هذه الکتب وعودة أبي مسلم إلی خراسان مایزالان یلفهما الغموض إلی حدما. وفي الحقیقة لم یرسل إبراهیم إلی أبي مسلم سوی کتاب واحد وصل إلیه متأخراً لتعرض حاملیه للاعتقال. وأیاً کان الأمر الذي انطوی علیه الخطاب، فإن أبا مسلم لم یکن بمقدوره في تلک الأوضاع الطارئة أن یعود إلی خراسان، وعلی هذا واصل طریقه حتی أرجعه الدعاة کم مر آنفاً، ولیس من المستبعد أبداً أن یکون الکتاب الثاني والکتاب الموجه إلی سلیمان بن کثیر قد وصلا إلیه في نفس هذا الوقت. وقد تحدث الطبري (7/344) في أحداث سنة 128هـ عن رفض الدعاة لأبي مسلم. وحسبما أورده فإن إبراهیم قال في اللقاء الذي انعقد في مکة عام 129 هـ بینه و بین رؤوس الدعوة، أنه اقترح سابقاً رئاسة الدعوة علی سلیمان بن کثیر و إبراهیم بن سلمة أیضاً لکنهما رفضا، فما کان منه إلا أن بعث أبامسلم، ثم أکد مرة أخری علی لزوم انصیاع الدعاة لأوامره (ن.ص).

عاد أبومسلم إلی خراسان، واستناداً إلی روایة أبي الخطاب (م.ن، 7/335- 356) دخل في یوم الثلاثاء 9 شعبان 129 فنین الواقعة حوالي مرو و هي قریة أبي داود، ونزل فیها، فبعث عدداً من الدعاة إلی طخارستان و مرو الروذ و خوارزم لیأمروا الأتباع بالتدهب والاستعداد. ودخل هو قریة سفیدنج في أوائل رمضان من نفس السنة و معه خطاب إبراهیم لسلیمان بن کثیر و أعلمه بما أتاه و أقرأه ماکتب إلیه، وکان فیما کتب به إلیه: إن قبل سلیمان القیام بأمر الدعوة و نصب نفسه لذلک فسلم له و إن کره قبول لاقیام فلاتعصین له أمراً. و في هذه المرة أظهر سلیمان اللین، وعادهده أبومسلم في المقابل علی التعاون والطاعة. وحینئذ بعث أبومسلم رجالاً إلی أطراف البلاد لیطالبوا الجمیع بالتأهب لإعلان الدعوة في محرم 130، وأید سلیمان بدوره قراراته (أخبار الدولة، 272-273). وهناک أمرٌ دفع أبا مسلم للتعجیل في نشاطاته: فقد اطلع نصر بن سیار الذي کان مهمکاً في الحرب مع علي بن جدیع الکرماني علی تحرکات أنصار الدعوة، وکان بصدد الهجوم علی منطقة مرو، ولولا خشیته من الیمانیین الذین کان إبمکانهم التحالف مباشرة مع أبي مسلم ضده لنفذ قراره. وقد بلغ أبا مسلم خبرُ قرا رنصر بن سیار، فعزم بعد تشاوره مع سلیمان بن کثیر علی مطالبة رجال الحرکة بالتجمع في عید الأضحی سنة 129 (ن.م، 275-276).

وفي هذه الأیام و قبل عید الأضحی، رفع الدعاة لوائي الظل والسحاب اللذین کان إبراهیم قد أرسلهما لهم، وقد نُسبت إلیه في شأنهما بعض المعتقدات، وارتدی الجمیع الثیاب السود وأضرموا النیران لیلاً علامة علی الجهر بالدعوة حتی أقام جمیع الأنصار الصلاة بإمامة سلیمان بن کثیر وذلک في عید الأضحي عام 129في أواخر فصل الربیع، وقیل إن سلیمان أقام بأمر أبي مسلم الصلاة والخطبة خلافاً لترتیب الأمویین. ثم جلس الجمیع و الفرح یغمرهم علی طعام کان قد أعده أبومسلم (الطبري، 7/356-357، قا: 7/363، الذي أورد روایة تختلف کل الاختلاف بشأن إقامة الصلاة وإعلان الدعوة). واستناداً إلی روایة أخری فقد عُدَّ أبومسلم رجلاً من أهل البیت أو بني هاشم منذ ذلک الحین (م.ن، 7/355)، ومن الواضح أن مثل هذه النسبة کانت لدعم الحرکة فقط، ولایمکن ربطها بأصل أبي مسلم و منشأه. و استمر أبومسلم في إقامته بسفیدنج والتحقت به مجموعات مختلفة من عرب وإیرانیین زرافات، رغم أنه حقق بعض الانتصارات في مواضع أخری أیضاً. وقد بلغ عد أنصار الحرکة مبلغاً بحیث إن خلقاًکثیراً قد التحقوا به في لیلة واحدة هرعوا إلیه من 60 قریة تقع في ضواحي مرو (ن.ص). وعلی هذا، فأوائل من انضموا إلیه کانوا من منطقة مرو القری المحیطة بها، ولایُعلم الآن بالضبط أکثر هذه القری ولا أسماؤها الصحیحة. وقد قیل إن أوائلهم کانوا منأهالي قریة تدعی سقادم (ظ: م.ن، 7/357- 358؛ قا: أخبار الدولة، 274: قصور یقاذم، أیضاً ظ: ها 3)، وقد رأی البعض أنها تصحیف «تقادم»، و أن الملتحقین به کانوا من «أهل التقادم»، أي العرب المقیمن في مرو (شعبان، 158)، وقد أصاب الباحثون فیما ذهبوا إلیه، فمما لاشک فیه أن سقادم سواء کانت مصحفة أم لا، هي إشارة إلی موضع من توابع مرو ذکره الطبري أیضاً مرة قبل ذلک (7/290)، وذکر في موضع بصراحة ترکیب «ربع السقادم»وهو دون شک إشارة إلی مکان (م.ن، 7/358؛ البلعمي، 2/998؛ أیضاً ظ: دانیل، 49, 69، ها 127).

وقد وقعت أول حرب لأبي مسلم مع نصر بن سیار کما ذکر الطبري بعد 18 یوماً (جاء في النص 18 شهراً خطأً)، وانتهت بانتصار جیش أبي مسلم وأسر یزید مولی نصر. وقد خیر أبومسلم بذکاء یزید بین الانضمام إلیهم، أو العودة إلی مولاه بشرط تکذبیه للتهم الموجهة ضد الحرکة. فذهب یزید ألی نصر وقال إنهم مسلمون ویقیمون الصلاة کباقي المسلمین (م.ن، 7/358- 359؛ أیضاً ظ: تتمة المقالة).

وعزم نصر بن سیار الذي لم یکن یثق بهذه الحرکة بالمرة، علی اکتساب معلومات کلیة عنها وعن أبي مسلم نفسه، فبعثرجلی إلی أبي مسلم. وینم رد فعل أبي مسلم إزاء هذا الموضوع عن حنکته و ذکائه: فقبل أن یتحاور مع مبعوثي نصر طلب أولاً من رجال الدعوة کسلیمان بن کثیر و الآخرین أن یحضروا المجلس، ثم عمد إلی دعوتهما لإقامة الصلاة، فدهش مبعوثا نصر من ذلک، إذ قیل لهما أنهم یعبدون السنانیر وأنهم لیسوا من أهل الصلاة، مما یعبر عن الإعلام الموسع المضاد للحرکة في خراسان. ثم یألا أبا مسلم عن نسبه و هدفه من دعوته، فأجاب أن دعوته «إلی کتاب الله و سنة نبیه (ص) و إلی الرضا من آل رسوله» و امتنع عن الإجابة بشکل صریح عن ذکر اسم صاحب دعوتهم، ثم عبّر عن نفسه قائلاً بأنه امرؤ مسلم لایعتزي إلی قبیل دون قبیل، ونسبي الإسلام و نصري لآل محمد (ص). و عاد رسولا نصر و أبلغاه بما کان (أخبارالدولة، 281- 283).

ومن جهة أخری فإن جدیعاً الکرماني و شیبان بن سلمة لاحروري اللذین کان أحدهما في حالة حرب مع نصر و الآخر ساخطاً علیه، لم یکن أي منهما یراوده القلق من حرکة أبي مسلم و أنصاره، خاصة و قد کانا یراقبان عن کثب إلی أي واحد سترجح کفة القوة. وفي هذه الأثناء و عندما تفاقم النزاع بین نصر و الکرماني، بعث أبومسلم رسولاً إلی الکرماني فاستماله إلیه. فانبری نصر للمواجهة ودعا الکرماني لعقد معاهدة صلح في مرو. وعندما ذهب الکرماني إلی مرو، بعث إلیه نصرُ نجلَ الحارث بن سریج بجیش، فقُتل الکرماني وصُلب (الطبري، 7/370-371)، إلا أن هذا الإجراء المتسرع لنصر بن سیار انتهی لصالح أبي مسلم بشکل تام، لذا یری بعض الباحثین أن أبا مسلم کان له ضلع في مقتل الکرماني بشکل وآخر (دانیل، 55-56). وبعدها اختار أبومسلم وسلیمان بن کثیر وآخرون قریة الماخوان للإقامة وخندقوا حولها، وقد انتقل إلیها أبومسلم في 8 ذي الحجة 129 (أخبارالدولة، 278)، وعلی ما روی الطبري فقد ذهب أبومسلم للمرة الثانیة إلی قریة أخری تدعی آلین تقع في نفس المنطقة وذلک خشیة من قطع نصر المیاه علی الماخوان، وأقیمت في عید الأضحی من تلک السنة صلاة العید في آلین (الطبري، 7/367). ومما دعا أبا مسلم للتعلل في إعلان الحرب، وصول کتاب له من أبي سلمة أُمر فیه من جانب إبراهیم بألایسبق نصراً في مبادرة الحرب و أن یؤخرها ما استطاع إلی محرم 130/ أیلول 747 (أخبارالدولة، 277).

ولایمکن فهم إجراءات أبي مسلم اللاحقة دون تقدیم صورة عن أوضاع المنطقة: فها هي خراسان وقد أصبحت فریسة لاضطرابات وفلافل عدیدة و نزاعات مستمرة بین العرب النزاریین و الیمانیین التي تعود بداتها إلی سنوات ماضیة حینما أقام العرب في مناطق شتی من خراسان، وهي تعود بنا إلی «أیام العرب» ومعارکهم. وقد کانت خراسان حینما دخلها أبومسلم بید نصر بن سیار النزاري الذي لم یکن في وئام مع الیمانیین و ربیعة. ورغم أن نصراً قَمع في 128 هـ الحارث بن سریج من بني تمیم الذي کان أحد الثوار الکبار و القدامي في ماوراء النهر وخراسان، إلا أنه واجه مباشرة یمانیاً آخر یدعی جدیع بن علي الکرماني الذي أعان نصراً في إخماد فتنه الحارث، وها هو الآن یسعی للاستیلاء علی الحکم. وقد ضیقت هذه النزاعات و الحروب المتوالیة الخناق علی الخراسانیین لسنین متمادیة. ولاتتوفر لدینا معلومات صریحة عن مشارکة الإیرانیین و خاصة الأسر الإیرانیة العریقة في هذه النزاعات، إلا تعاونهم مع أبي مسلم ضد العرب و الذي یبدو محتملاً إلی حد کبیر.

وفي الحقیقة وعی العباسیون أهمیة خراسان بإیعاز من الإیرانیین أنفسهم مثل بکیر بن ماهان و عدد آخر من رجالهم (ظ: ن.م، 197-198)، فقد أدرک العباسیون أن خراسان مکاناً خصباً للغایة لتقدم الدعوة وازدهارها و ذلک لبعدها عن عیون الأمویین و لکثرة النزاعات و الفتن فیها بین قبائل العرب المتناحرة و لسخط الإیرانیین علی العرب الذین کانوا یتعصبون دوماً لعروقهم العربیة ولدعوتهم إیاهم بـ «العلوج» (جمع علج: الأعجمي الکافر) أو عبّاد السنانیز (ن.م، 287)، وقد تبین فیما بعد بالفعل صحة ما ذهبوا إلیه في مکانة خراسان. و لعلهم کانوا یهدفون من إیکالهم أمور الدعوة للإیرانیین، التظاهر بإیمانهم بالمساواة بین المسملمین في حقوقهم، کما أن قاددة الدعوة الإیرانیین کانوا قد أدرکوا جیداً أن خلاصهم من الوضع القائم إنما یتأتی عن طریق العباسیین فقط، ولذا سعوا بإخلاص لإنجاع الدعوة. ومن جانب آخر فقد کانت الطوائف العربیة الأخری التي النضمت إلی الدعوة بصدد تحقیق مصالحها. ولذلک أوصی إبراهیم الإمام أبا مسلم بالتعاون مع الیمانیین، لأنه کان یعي سهولة الوصول إلی التفاهم معهم، کما أن من شأن ذلک تقلیص قدرة نصر بن سیار، و کما سنری فقد اسنغل أبومسلم الأوضاع السائدة بشکل جید، إذ کان یدرک أمرین إدراکاً جیداً: الأول ألا ضرورة في التحیز إلی قبیلة، أو طائفة، أوقومیة دون أخری، فمن شأنه إضرام نیران الفتنة بین أنصار الدعوة نفسها. ولهذا کان یؤکد دوماً علی أنه مسلم لایعتزي لقبیلة ما، وعبر عن أفکاره لمبعوثي نصر (ن.م، 282-283)، وقد کان موقفه ذاک أحد عوامل نجاحه. والأمر الآخر أنه کان و بإشارة من العباسیین أنفسهم یتجنب إفشاء اسم من کانت تتم له الدعوة للحیلولة دون وقوع الفرقة بین صفوف الحرکة ولاستتباب الأمن، ولایذکر إلا «الرضا من آل رسول الله» (مثلاً ظ: ن.ص؛ الطبري، 7/358، 380). وقد عولج هذا الشعار والختیر بشکل متقن ودقیق: فضلاً عن أنه لایشیر إلی شخص بعینه، إلا أنه و بطرحه بشکل متواصل طوال السنین السابقة، کان یوحي للسامع المطلع، بمفهوم العودة إلی مبدأ «الشوری» بین المسلمین لاختیار الخلیفة (کرونه، 95 و مابعدها، الذي أورد أمثلة متعددظ لمواضع الإفادة من هذا الشعار). وبناء علیه، کان من الطبیعي أن یطمئن لهذا الوعد أشخاص مثل سلیمان بن کثیر و بعض الدعاة الآخرین الذین تبین فیما بعد أنهم ینزعون إلی العلویین أکثر من نزعتهم للعباسیین، و حتی إذا لم یکن لهم أمل في تحققه، فإنهم کانوا یفضلون التعاون مع المناهضین الآخرین إلی أن یتحقق النصر الکامل علی الأمویین. وبالطبع فلابد ألا ننسی أن إخفاء اسم العباسیینکان أحد المبادئ التي أکد علیها العباسیون أنفسهم دوماً، إذ کانوا یصرون علی الدعاة اجتناب التفوه بأسمائهم (ظ: أخبار الدولة، 204)؛ وها الدعوة الآن وقدتم الجهر بها، فقد حظي هذا الشعار بأهمیة قصوط.

وقد کان أبومسلم الذي عظم شأنه الآن للغایة یراقب الأوضاع عن کتب ویسیّر الجیوش إلی المدن الآخری. وقد کانت قوات نصر بن سیار المضریة في حالة صراع مع قوی الکرماني الیمانیة. و رغم علمهما إلی حدما بنشاطات أبي مسلم، إلا أن أیاً منهما لم یهتم بأمره لانشغالهما بصراعاتهما و نزاعاتهما المستمرة. وقد کان العدو الآخر هو شیبان بن سلمة الذي کان خارجیاً من ربیعة و منافساً مستقلاً، وکان علی أبي مسلم إزاحة الأعداء الثلاثة عن طریقه لتحقیق أهدافه في الحکم و استغلالهم جمیعاً في ذات الوقت کوسیلة لإنجاع مهمته. فحینما اشتد الصراع بین نصر و علي بن جدیع الکرماني، أرسل أبومسلم کتباً إلی شیبان و خطط لتقع هذه الرسائل في متناول ید المضریین، فکتب لشیبان في رسالة بأنه في یأس من مصالحة الیمانیین و یرغب في التعاون معه؛ ثم تطرق في رسالة أخری إلی سخطه علی المضریین و أعرب عن نزوعه للیمانیین، وبهذا طمع الفریقان في توطید أواصر الود معه. فقد کان یراسل في آن واحد کلّاً من نصر بن سیار و الکرماني و یخدعهما بمد جسور التواصل معه، وفي الوقت نفسه کان یسیر الدعاة إلی مناطق مختلفة في خراسان مثل: نسا وأبیورد و مرو الروذ وقری مرو الأخری، ویدعو الجمیع إلی الانضمام للحرکة (الطبري، 7/369). ومن جهة أخری، أدت حادثة إلی اتحاد نصر مع شیبان، فقد أوفد نصر بن سیار ثانیة رجالاً آخرین إلی أبي مسلم لیسألوه عن نسبه، فتهرب أبومسلم عن إجابتهم بصراحة، وحینم صرحوا له بأن هذین الشخصین، أي نصراً و شیبان سیقتلانک، رد علیهم متسرعاً: سأقتلهما بإذن الله، فعاد الوفد مسرعاً إلی نصر وأخبروه بما حدث، ثم أطلعوا شیبان أیضاً، فأدی ذلک إلی اتحادهما (م.ن، 7/364). وقد کان لسعي نصر بن سیار في التصالح مع أعدائه اللدودین، سبب آخر أیضاً: فقد سعی نصر بن سیار الذي کان مندهشاً لتعاظم أمر أبي مسلم و فيوجل إلی حد بعید في نفس الوقت، للحفاظ علی سلطته من خلال الاتصال بالخلیفة الأموي مروان و ابن هبیرة عامله في العراق وطلب منهما العون. وقد سعی بأبیات ضمنها کتابه الذي بعثه إلی مروان، التأکید علی تباین حرکة أصحاب الرایات السود و علی رأسهم أبومسلم، عن سائر الحرکات المناوئة السائدة بین العرب، وأن هدفها الأساس اجتثاث شأفة العرب؛ إلا أن کلّاً من مروان و ابن هبیرة – اللذین کانا یواجهان آنذاک اضطرابات و قلاقل أخری في العراق و مرکز الخلافة في لاشام – أسقطا في یده بضوررة أن یتولی بنفسه مهام مواجهة الفتن في خراسان (م.ن، 7/369- 370؛ أخبارالدولة، 311-314؛ ابن الأثیر، 5/368).

وعلی أیة حال، فقد أبلغ جواسیس أبي مسلم خبر اتفاق نصر وشیبان علی الصلح، وانتبه سلیمان بن کثیر لخطأ أبي مسلم، فتوسلا بعلي ابن الکرماني للحیلولة دون هذا الاتحاد، إلا أن هذه الوساطة لم تجدِ، وأبرم شیبان في جلسة حضرها علي أیضاً معاهدة صلح مع نصر لمدة عام (الطبري، 7/364- 365). وقد عزّ علی أبي مسلم هذا الموقف، فسعی مع سلیمان بن کثیر إلی تحریض علیا ابن الکرماني للانتقام لأبیه من نصر، فطلب علي من شیبان العون ضد نصر، ولما رفض شیبان نقضَ عهده مع نصر، بادر علي بطلب العون من أبي مسلم، فسارع الأخیر إلی نجدته وسار للقائه إلی قریة الماخوان بالقرب من عسکر علي، ودعاه أمیراً لیثیر فیه إحساساه بالعظمة والسلطة، فأکرم علي بدوره وفادته، ثم عاد أبومسلم إلی معسکره بعد یومین (م.ن، 7/365- 366: 5 محرم 130).

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: