الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبومسلم الخراساني /

فهرس الموضوعات

أبومسلم الخراساني

أبومسلم الخراساني

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/12 ۱۷:۳۳:۴۶ تاریخ تألیف المقالة

أَبو مُسْلِمٍ الْخُراسانيّ (ح 100-137هـ/ 718-754م)، القائد الإیراني الشهیر. و تناولت المقالة ترجمته في قسمین: 1. بدایة أمره حتی خلافة العباسیین، 2. من بدایةخلافة العباسیین حتی مقتله:

 

1. بدایة أمره حتی خلافة العباسیین

إن من العسیر بمکان علی الباحث أن یقدم دراسة حول شخصیة مثل أبي مسلم، و یصور أحداث حیاته و کیفیة موته؛ هذه الشخصیة التي انصهرت سیرتها في بوتقة نفوس الناس وثقافتهم، وبلغت الإشادة بها أحیاناً إلی حد العبادة. وفیما یتعلق أبي مسلم نواجه نوعین من الروایات: روایات کان للعباسیین – دون شک – دور في اختلاقها وبثها، فحرفوا فیها ما استطاعوا حقیقة سیرة هذه الشخصیة وخاصة بایة حیاتها، و طمسوها بین الشائعات والإبهامات؛ وروایات أخری تسرد سیرة أبي مسلم البطولیة، وقد سجلها الشعب الإیراني بشکل أسطوري في قصصه و حکایاته. و فضلاً عن ذلک فقد أحیطت الأحوال السیاسیة و الاجتماعیة لعصر أبي مسلم و بلاد خراسان إبان انهیار الحکم الأموي بهالة من الغموض، بحیث لایمکن معه الحدیث بسهولة عن کثیر من جوانب الثورة العباسیة و دقائق أمورها، وخاصة و هو الأهم مدی استقلال أبي مسلم في قیادة الحرکة التي انتهت إلی انهیار تام للدولة الأمویة و ظهور الدولة العباسیة. ففي جمیع المصادر التي عمدت إلی التفصیل في ذکر أحداث تلک الفترة، توجد إشارات وجیزة حیناً و مفصلة حیناً آخر عن بدایة حیاة أبي مسلم، إلا أن هناک روایات – کما سنری – مختلفة و أحیاناً متضادة، خاصة حول أصل أبي مسلم و منشأه وصلته اللاحقة بشبکة دعاة العراق و خراسان، لایمکن البت في صحتها أو عدم صحتها.

وقد امتزج البحث في أصل أبي مسلم و منشأه مع حکایة ارتباطه بالدعوة المناهضة للأمویین بحیث لایمکن دراسة أي منهما دون الآخر. وقد کان الجهاز الذي أوجده رجال الدعوة معقداً و سریاً للغایة، ولاتتوفر لدینا بطبیعة الحال سوی بعض المعلومات المتناثرة بین الروایات التي زادت التحریفات اللاحقة، أو التسامح في نقلها، من غموض مضامینها. فقد صُمم جهاز الدعوة بدقة متناهیة، و کان یخضع لمراقبة شدیدة للغایة، کما لم یکن جمیع من کان لهم دور في هذا النشاط، متآلفین و متحدین من حیث الدهداف و الأسالیب و التقالید الاجتماعیة التي کانت تربطهم بهذه الحرکة. فالدعاة العراقیون لم یکونوا منذ البدء علی وفاق مع الدعاة الخراسانیین في بعض القضایا، فکان بدیهیاً أن یخفوا بعضاً من أنشطتهم عن بعضهم الآخر.

وعلی أیة حال، فإن الأخبار المتعلقة بأبي مسلم قد اکتسبت فیما بعد من الأهمیة بحیث إن کاتباً مثل أبي عبدالله المرزباني (تـ 386هـ/ 996م) قد جمعها في أکثر منمائة ورقة وضمها تحت عنوان أخبار أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة (ظ: یاقوت، الأدباء، 18/269)، وإن عدمنا أي أثر له فیما یبدو. ولدینا روایة مهمة أخری عن حمزة بن طلحة السلمي حول بدایة أمر أبي مسلم، وقد أوردها المدائني أیضاً (الطبري، 7/198)، ویبدو أنها کانت مشهورة (السهمي، 427؛ أیضاً ظ: الخطیب، 10/207). وقد روي قسم منها عن ذوي أبي مسلم، و لهذا فهي تتمتع بأهمیة فائقة، و من شأنها کما سنری أن توضح الکثیر من دقائق الأمور. کما أن البعض ممن أوردوا ملاحظات حول بدایة حال أبي مسلم، کانوا من القریبین من عصره. و علی سبیل المثال فهناک روایة تنتهي إلی أحد ذویه ترتبط بعلاقات أبيمسلم بآل معقل (أخبارالدولة...، 264). وهناک روایة أخری تنسب إلی أحد أحفاد إبراهیم الإمام (البلاذري، 3/119)، وروایة أخری أیضاً تنسب إلی أحد أولاد قحطبة الطائي (م.ن، 3/120). وقد لف الغموض سند بعض الروایات، و نقلت فقط عن «أهل العلم بالدولة» (مثلاً ظ: الیعقوبي، 2/327). وفضلاً عن ذلک ، هناک مؤرخون آخرونیعتد بهم مثل هشام الکلبي (البلاذري، ن.ص) و محمد بن موسی الخوارزمي المنجم و الریاضي المعروف الذي له کتاب في التاریخ (ابن الندیم، 333)، قد أوردوا معلومات عن سیرة أبي مسلم (البلاذري، 3/207)، إلا أن أهم الأخبار المتوفرة لدینا الآن حول حیاة أبي مسلم و نشاطاته و أحداث خراسان بشکل عام، هي روایات المدائني، التي أورد الطبري معظهمها في کتابه (مثلاً ظ: 7/353، 363، 385، مخـ)، و یحتمل جداً أن تکون روایات المدائني التي وردت متفرقة في بعض المصادر الأخری أیضاً (مثلاً ظ: البلاذري، 3/120؛ ابن خلکان، 3/148؛ الذهبي، سیر...، 6/58) مقتبسة من کتاب الدولة المنسوب إلیه (ظ: ابن الندیم، 116)، وإن یحتمل أیضاً أن یکون قد نقل بعضها حسب اقتضاء الحال من کتبه الأخری مثل کتاب عبدالله بن معاویة (م.ن، 114)، أو مما کان لدیه من الکتب المستقلةحول أخبار الخلفاء (م.ن، 115)، إلا أن المصدر المهم الآخر الذي أورد الطبري أخباره عادة في قبال روایات المدائني و یحتوي أحیاناً علی معلومات أکثر قیمة، هو روایات أبي الخطاب (مثلاً ظ: الطبري، 7/355، 366، 380)، ولیس بمستبعد کثیراً أن تعود إشارات الطبري الأخری التي رویت بشکل مبهم (مثلاً : 7/360، 389، 415) إلی نفس هذا الراوي. وقد استند إلیه مرة في أخبار الدولة العباسیة بشدن هذا الموضوع (ص 253). و مما یثیر العجب هو أن أبا الخطاب هذا رغم کونه – نظراً لمصادر أخباره – من المقربین لبلاط الخلفاء العباسیین و رجال الدعوة (ظ: الطبري، 7/377، 380، 8/247؛ المسعودي، 3/257)، إلا أنه لایمثل شخصیة معروفة، وبطبیعة الحال فعلینا أن نحتاط من عدّه و حمزة بن علي، راوي و شیخ أبي مخنف شخصاً واحداً (ظ: الطبري، 10/230، الفهرس). کما نُقل أیضاً عن أبي مخنف بعض أخبار عن فتوحات جیش خراسان (ظ: م.ن، 7/414، 417).

وفضلاً عن ذلک، یجب الإشارة إلی عدة کتب أُلفت حول أبي مسلم باسم أبومسلم نامه (ن.ع) و رُسمت فیها و بشکل مثیر شخصیته البطولیة لدی الإیرانیین و أدبهم الشعبي، و من الطریف أن أخبار مثل هذه الآثار قد تسللت أیضاً إلی النصوص التاریخیة البحتة (مثلاً ظ: هندوشاه، 79).

وقد ظل أبومسلم في العصور التالیة وجهاً لامعاً لدی المؤرخین والکتّاب، إلا أنه لم یکن بإمکان أولئک الذین کانوا ینظرون إلی الأخبار المتعلقة بسقوط الأمویین و ظهور العباسیین دون أن یدققوا في الجزئیات التي تحظی الیوم بأهمیة بالغة، أن یعوا أن ماتحقق من نجاح باهر و عظیم کهذا، لم یکن لیَحدث دون تأثیر مباشر لهذا القائد الإیراني. ومع کل ذلک، فإن مصادرنا حول بعض الأحداث المهمة، قلیلة بمکان بحیث لوتم العثور علی مصدر واحد لکان من شأنه أن یلقي ضوءاً یستحق الاهتمام علی تفاصیل حادثة موغلة في الغموض.

وقد عدت أحداث هذا العصر وشخص أبي مسلم في الدراسات الجدیدة أیضاً و الخاصة بالمناطق المرکزیة والشرقیة للخلافة، منعطفاً هاماً، وقد أجریت دراسات و بحوث في هذا المضمار حتی في شخصیته الأسطوریة في الکتب التي تدعی أبومسلم نامه. ومن بین الکتّاب الشرقیین، ألف عدد من الباحثین العرب مؤلفات متخصصة في هذا المجال، وکان من أبرز جوانبها هو إضفاء الأهمیة علی حضور العنصر العربي في الثورة المناهضة للأمویین. وقد کانت هذه النظرة – الجدیدة بالمرة – تؤدي أحیاناً إلی ضعف هذه الدراسات لغفلتها عن الکثر من الوثائق و الحقائق، ولذلک لابد من الحیطة کثیراً من الاستناد إلیها. ویعد کتاب أبومسلم سردار خراسان لغلام حسین یوسفي أهم کتاب بالفارسیة في هذا المضمار. فقد بُذل فیه الجهد لإخضاع المصادر القدیمة و من بینها عدد من المصادر الجدیدة أیضاً، للدراسة مرة أخری؛ ولاشک في أن الإتیان بشيءبکر و تقدیم تحلیلات جدیدة استناداً إلی مصادر من الدرجة الأولی، لایعدان الان عملاً هیناً، ولذلک مازالت هناک أسرار کثیرة في هذا العصر المثیر، یحیطها الغموض.

ویبدو من بعض الروایات أن اسم أبي مسلم و کنیته کانا أولاً: أبوإسحاق إبراهیم بن حیکان (أو ختککان: أخبارالدولة، 255؛ وربما کلاهما تصحیف بُختگان، ظ: بقیة المقالة) (ن.م، 254، 266؛ البلاذري، 3/85؛ المقریزي، المقفّی ...، 4/128، 133: جیکان). وقد أطلق علی أبیه أیضاً اسم عثمان (البلاذري، 3/120؛ أیضاً ظ: أخبار الدولة، 257)، ویبدو أن هذا الاسم قد ورد في سلسلة الأنساب التالیة التي جاءت في أبي مسلم، ولکن عندما قدم أبومسلم علی إبراهیم الإمام – قبیل الذهاب إلی خراسان کما یبدو – ارتأی الأخیر احتیاطاً أن یغیر اسمه وکنیته إلی أبي مسلم عبدالرحمان بن مسلم (ن.م، 254- 255؛ البلاذري، 3/85، 118؛ الخطیب، 10/207؛ ابن خلکان، 3/145). وإن مقولة من یری أن منح الکنیة کان امتیازاً وهبه العرب للإیرانیین (ظ: EI2، مادة العباسیین)، وأن مافعله إبراهیم الإمام هو نوع من التکریم لأبي مسلم، لایقومان علی أي سند قوي و دلیل متین. فتغییر الاسم والکنیة لم یکن تصرفاً لم یعهد سابقاً، فقد سبق وأن طلب الداعیة محمد بن علي أیضاً من أحد الدعاة الآخرین و هو أبوعکرمة (ن.ع) أن یغیرکنیته حفاظاً علی أسرار الدعوة و حیاة أتباعه. و علی أیة حال، فقد اشتهر عبدالرحمان بن مسلم کاسم ونسب، وأبومسلم ککنیة له: وإبراهیم الإمام نفسه قد قدّم أبا مسلم بهذا الاسم و النسب في الخطاب الذي وجهه إلی الدعاة (أخبارالدولة، 269). ومع کل ذلک، فقد أُطلق اسم عبدالرحمان بن عثمان أیضاً علی أبي مسلم في بعض سلاسل نسبه (ظ: أبونعیم، 2/109؛ ابن عساکر، 10/186؛ الذهبي، سیر، 6/68).

وقال أحد رجال آل معقل، الذین کانوا یدّعون دوماً بأنهم تولوا تربیته: لقد کان لنا معلم باسم و کنیة أبي مسلم عبدالرحمان بن مسلم، وعندما شبّ عبدالرحمان بن مسلم، سمی نفسه باسم و کنیة ذلک المعلم (أخبار الدولة، 265). وقد تکرر مضمون هذه الروایة مع اختلاف یسیر في نفس ذلک المصدر، سوی أن أبا مسلم – و قد کان ابن جاریة – کان اسمه في البدء سَلم، ثم تسمی فیما بعد باسم ذلک المعلم، و قد جاء في ذیل الروایة أن عیسی بن معقل کان قد رأی في المنام مستقبلاً زاهراً لأبي مسلم منذ البدء (ن.م، 258).

وفي أحد المواضع، قدّم أبومسلم نفسه في صدر خطابه إلی المنصور، باسم عبدالرحمان بن مسلم (ن.م، 282؛ البلاذري، 3/203؛ أیضاً ظ: ابن الأعثم، 8/223)، کما أن المنصور کان یخاطبه باسم عبدالرحمان (الآبي، 3/82؛ الذهبي، تاریخ ...، 357؛ قا: المبرد، 59؛ ابن قتیبة، عیون ...، 1/26). وفي روایة تتلاءم مع نفسیة رواة القصص، فإن تماثل الحرف الأول من اسم المنصور (= عبدالله) وأبي مسلم (= عبدالرحمان) کان کما یبدو موضوعاً جیداً للمداولة في حضور المنصور نفسه (ظ: الیغموري، 264- 265؛ الصفدي، 17/322). و في روایة منقولة عن الأعمش (ن.ع مرفوعة إلی أمیر المؤمنین علي (ع)، تم الإخبار – في خضم معرکة صفین – عن أبي مسلم – مع التصریح بهذه الکنیة – باعتباره الرجل الذي یقتل الشامیین و یقوض ملک بني أمیة (ظ: ابن شهرآشوب، 2/262؛ المجلسي، 41/310-311). وکذلک بناء علی روایة یشتشف منها النظرة المؤیدة للإمام الصادق (ع) بالنسبة إلی أبي مسلم، فقد تم تقدیمه للإمام باسم عبدالرحمان (ظ: الطبرسي، 272-273؛ المجلسي، 47/109، 274-275).

وفیما یتعلق باسم أبي مسلم فهناک عدة روایات لها صلة بموطن أبي مسلم وأصله: فقد وردت في عدد من الروایات أسماء إیرانیة لأبي مسلم وأجداده. ففي روایة وردت سلسلة نسبه علی أنه: بهزادان (ظ: البلاذري، 3/120؛ زادان) بن بنداد هرمز (ن.ص؛ یاقوت، الأدباء، 13/204، نقلاً عن حمزة الأصفهاني؛ «تاریخ خلفا»، الورقة 109). واستناداً إلی هذه الروایة فإن اسم والد أبي مسلم قبل إسلامه کان بنداد، ثم غیّر فیما بعد إلی عثمان. وذُکر في روایة أخری أن اسم جده هو شنفیرروز ولعله تصحیف شه فیروز (النسفي، 224؛ أیضاً ظ: الخطیب، 10/207: عبدالرحمان بن سملم بن سنفیرون بن إسفندیار ). وهناک روایة أخری ذُکر فیها إبراهیم بن عثمان بن یسار بدلاً من عبدالرحمان بن مسلم (ن.ص؛ بشأن أسباب تغییر الأسماء و الألقاب، ظ: تتمة المقالة). ولایبدو مستبعداً أن یکون لأبي مسلم وأجداده أسماء إیرانیة فضلاً عن أسمائهم العربیة، ولکننا نری نسبه في بعض سلاسل نسبه یصل فجأة بعد اسم جده إلی شیدوَش (= شیدوخش) ابن گودرز الذي عُد من أبناء بزرجمهر (ظ: الخطیب، ن.ص؛ ابن خلکان، 3/145).

وبإمعان النظر في النقاط المهمة من هذه الروایة، یمکننا التوصل إلی بعض النتائج: فعندما طلب إبراهیم الإمام من أبي مسلم أن یغیّر اسمه و کنیته، جاء في طائفة من المصادر أنه قال له: «غیر اسمک فإنه لایتم لنا الأمر [أمر الدعوة] إلا بتغییر اسمک» (ظ: الخطیب،ن.ص). وطلب إبراهیم هذا من شأنه أن یسلّط الضوء علی نقطة مهمة و هي: احتمال أن اسمه و نسبه لم یکونا عربیین، فطلب منه ذلک کي لایتذرع بهما أعداء الدعوة، إذ کان بإمکانهم اتهام الحرکة بعناوین مختلفة و أغلبها یرتبط بالنزاعات الإیرانیة. ومع کلذلک لابد من القول بأن وجود هذه الأسماء في شجرةنسبه، ربما یکون له معنیً مستعار یتعلّق بقدرة أبي مسلم وقوته وحنکته في أمر الدعوة. کما أن شیدوخش – الذي یتصل به نسب أبي مسلم – في روایة الطبري (1/508) هو أول من لبس السواد تعبیراً عن عزائه و رغبته في أخذ ثأر سیاوخش، وقد کان أبومسلم و جمیع من کان لهم دور في إسقاط الدولة الأمویة، یعرفون کمانعلم باسم المسوّدة، وفضلاً عن ذلک، فوجود اسم بزرجمهر بُختکان – الوزیر التحریر لأنوشروان الذي نسب بدوره إلی مرو (ظ: نولدکه، 251، ها 1) – من شأنه أن یعبر عن ذکاء أبي مسلم و حنکته.

وفیما یتعلق بمنشأ أبي مسلم و أصله، فعلینا الالتفات إلی بضع ملاحظات أساسیة: إن بقاء نسب أبي مسلم و أصله مجهولان في السنین الأولی من الدعوة هو جزء من سیاسته و سیاسةالعباسیین العامة. وقد کان له فوائد جمة: فهو من جهة یدل علی إخلاصه للدعوة في خضم ذلک العصر المضطرب في خراسان إلی جانب النزاعات العربیة؛ و من جهة أخری مکّنه من إبداء الموالاة و الاتحاد بحریة مع القبائل المختلفة عند الضرورة؛ و من جهة ثالثة فقد کان دیدن العباسیین بعد اعتلائهم العرش وهیمنتهم علی الأوضاع هو الحط ما أمکن من شأن الآخرین و دورهم في الحرکة، أو إظهارهم علی أقصی حد بمظهر المرتزقة لهم.

وقد عُد والد أبي مسلم موالیاً في کثیر من الروایات، وقد طالعنا آنفاً الأسماء المختلفة التي أطلقت علیه. و ذُکر في مواضع أخری علی أنه یمني من قبیلة مذحج (أخبار الدولة، 264)، أو أن أباهکان في الدساس شخصاً آخر یدعی عُمیر بن بُطین العجلي (الدینوري، 338)، ولانعلم بالضبط من هو (قا: الروایات الخاصة بتربیة أبي مسلم في أسرة معقل العِجلي في تتمة المقالة). وفضلاً عن تلک الروایات فهناک مجموعة أخری یَعدکلّ منها أبا مسلم شخصاً عربیاً، ولکننا لو أخذنا بنظر الاعتبار دقة العرب و تشددهم في حفظ أنسابهم، لاستبعدنا حدوث کل هذا الاختلافات فينسب رجل عربي. و فضلاً عن الروایة الوحیدة التي تنص علی ن أبامسلم کان ینسب نفسه إلی قبیلة بني مراد (= «إنه اعتزی إلی مُرادٍ»: أخبار الدولة، 265)، ولایبدو منها أنه عربي، فهناک روایة في غایة الشیوع تفید بأنه کان یدعو نفسه من ذریة سلیط بن عبدالله بن العباس. وقصة سلیط هذا هي بدورها قصة عجیبة أخری، فهناک تناقض غریب فیما ورد في روایات المصادر القدیمة التي تحدثت عنه، و هو مدعاة لملاحظة أصابع تحریف العباسیین في أصل القصة. فقد نقلت أقدم روایة موجودة عن علي بن محمد المدائني (ظ: الشابشتي، 214-216؛ ابن حجر، 3/436)، وتبدو أقل تعرضاً للتحریف، تفید أن جاریة بربریة ولدت صبیاً في المدینة في منزل عبدالله بن العباس، فأطلقوا علیه اسم سلیط، فنشأ فیها، ثم رحل مع علي بن عبدالله بن العباس – جد العباسیین – إلی الشام. و حینما استلم الولید بن عبدالملک زمام الخلافة (86هـ/ 705م) ادّعی سلیط أنه ابن علي بن عبدالله بن العباس. و تشیر روایات أخری إلی أن سلیطاً الذي یبدو أنه یرتبط – وفق هذه الروایات – بعلاقات ودیة مع الأمویین و خاصة الولید بن عبدالملک، قد حاک مثل هذا الادعاء بتحریض منهم (البلاذري،3/76- 77؛ ابن الأثیر، 5/257-265). وعلی أیة حال، فإن العباسیین الذین لم یکن بمقدورهم قبول مثل هذا الادعاء، قد وقفوا حیاله بصلابة، وانتهی بهم المطاف إلی قاضي دمشق. و هنا یبدو أن الحکم قد صدر بصحة نسب سلیط بتحریض من الولید الذي کان یسعی للحط من شأن العباسیین بتأکید صحة نسبه لتلک الجاریة و لعلي بن عبدالله بن العباس. و آنذاک ثارت عقیرةالعباسیین، فبادروا إلی قتل سلیط في بستان و إخفاء جسده، مما أدی إلی سوء ظن الخلیفة بعلي بن عبدالله، فضربه بالسوط لیحمله علی الاعتراف بفعلته وأمر بالطواف به في لامدینة، وقد ادعی العباسیون فیما بعد أن جلده قد تم لتطلعه إلی الخلافة لتکون لأبنائه (ظ: المقدسي،مطهر، 6/57 و ما بعده؛ أخبار الدولة، 139). ولم تشر أیة واحدة من هذه الروایات إلی سن سلیط ولا إلی ذویه، إلا روایة کتاب العیون و الحدائق (ص 183) التي تختلف عن بقیة الروایات. ویبدو أنه ذکر سلیط و أسرته و ذویه لشهرة انساب أبي مسلم له. و مهما یکن، فإن أیّاً من العلماء النسابة الذین وصلتنا مؤلفاتهم، لم ینسبواً ولداً لسلیط. ویبدو أن منشأ هذه الروایة یتعلق بحکایة أخری جری فیها حوار بین أبي مسلم و المنصور إذ عدّ الأخیر إقرار الأول بهذا النسب ذنباً علیه (البلاذري، 3/205؛ الدینوري، 381؛ الیعقوبي، 2/367؛ ابن حبیب، 195؛ الطبري، 7/491؛ ابن خلکان، 3/154)، وقد تسلل هذا الحوار فیما بعد إلی المصادر دون الإشارة إلی مرجعه (مثلاً ظ: أخبار الدولة، 256؛ ابن قتیبة، المعارف، 420؛ الشابشتي، 217؛ ابن حزم، 19). وبناء علیه، فلابد من الاحتیاط کثیراً في قبول انتساب هذا الدعاء لأبي مسلم، إذ لم یعرف عنه أنه ادعی مثل هذا لیعاتبه الخلیفة علی ذلک، خاصة وأن بعضاً من هذه الروایة قد نقل عن المنصور فقط (مثلاً ظ: الذهبي، تاریخ، 358، سیر، 6/65). وواضح أن الانتساب إلی سلیط یُعد ذنباً کبیراً لدی العباسیین، و من شأنه أن یکون أحد المبررات المناسبة لاتهامه و القضاء علیه (ظ: البلاذري،3/79؛ للاطلاع علی دراسة مختلفة عن هذا الموضوع، ظ: یوسفي، 30-31).

ومن النماذج الأخری لتسلل الروایات المختلقة إلی المصادر التاریخیة التي لاتخلو من الطعن فیه، بیت هجاء لأبي دلامة (ن.ع) الشاعر المهرّج في بلاط المنصور، والذي أنشده في ذم أبي مسلم وادعی أنه من «الأکراد» (ظ: أخبار الدولة، ن.ص؛ البلاذري، 3/207؛ ابن قتیبة، عیون، 1/26، الشعر...، 489؛ ابن خلکان، 3/155؛ الصفدي، 18/276).

وهناک روایات أخری کثیرة تربط بدایة حیاة أبي مسلم بآل معقل العجلي. و نری في جمیع هذه الروایات والد أبي مسلم عبداً و مولیً لآل معقل، و أمّه جاریة لایُعْلَم بالضبط ممن حملته، وطبقاً لهذه الروایات فقد وُلد أبومسلم في بیت إدریس بن معقل و عیسی بن معقل بأصفهان، و قد کان حتیذهابه للکوفة و انضمامه لشبکة الدعوة، مملوکاً و غلاماً لهما. ولعل شهرته الواسعة هي التي أدّت إلی کل هذه المبالغات وإلی ادعاء آل معقل بتنشئتهم له و تربیته لدیهم. وقد عدّه المنصور في حواره المذکور آنفاً عبداً لعیسی بن معقل محقراً إیاه بذلک (ظ: ابن أعثم، 8/227). وقد أُشیر بصراحة إلی هذا الأمر في البیت الذي أنشده أبودلامة في هجائه (م.ن، 8/228). وفضلاً عن ذلک، فهناک مجموعة روایات حُقّر فیها أبومسلم إلی حد کبیر: فاستناداً إلی روایة قدیمة، قیل إن المراد من «لُکَع ابن لُکَع» الواردة في کلام منسوب للنبي الدکرم (ص) هو أبو مسلم (ظ: نعیم بن حماد، الورقة 53 ألف)، و یمکن أن یکون المقصود من کلمة لکع هو العبد الدني و اللئیم والأحمق الجاهل مطلقاً (ابن منظور، مادة لکع). وفي روایة أخری تنطوي أیضاً علی تنبؤات عن الحرکة المضادة للأمویین و «الرایات السود»، ذُکر أبومسلم باعتباره رجلاً «مجهول النسب» (ابن الفقیه، 136). کما وصفه أحد قواده باللقیط (الصابي، 63-64؛ ابن قتیبة، عیون، 3/106)، واعتبره الداعي الخراساني سلیمان ابن کثیر عند دخوله خراسان مجهول النسب (أخبار الدولة، 270-271). کما نری رجلاً ینصح نصر بن سیار بتجنب الفتنة في خراسان قائلاً: سیظهر عاجلاً رجل «مجهول النسب» یلبس السواد ویدعو الناس إلی دولة و یحقق النصر (الطبري، 7/338-339).

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: