الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبوتمام /

فهرس الموضوعات

أبوتمام

أبوتمام

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/20 ۱۹:۳۷:۰۴ تاریخ تألیف المقالة

وکان فریق آخر یُعرِضون عن شعره بسبب میلهم إلی الشعر القدیم و تعصبهم له علی مایبدو. و ربما کان إعراض إسحاق الموصلي الذي أشیر إلیه فیما مضی، من هذا الباب، و کذلک عبارة تنسب إلی ابن الأعرابي الذي قال عن شعر أبي تمام: «إن کان هذا شعراً فما قالته العرب باطل» (الصولي، ن.م، 244؛ المرزباني، ن.ص). و مرة أخری قرأ شاب – علی ابن الأعرابي – أرجوزة لأبي تمام ضمن أراجیز قدیمة، فسُجلت في الدفتر بدمر منه، إلا أنه وبمجرد أن عرف لمن هي، أمر بتمزیقها (الصولي، ن.م، 175-176؛ المسعودي، 7/162-164).

ولمرات عدیدة، کان ورود اسمه في مجالس الأدب مدعاة للنقاش. ففي منزل ابن المعتز (الصولي، ن.م، 202) وفي مجلس القاضي أبي إسحاق (انتقد شعره إلی الحد الذي لم یجرؤ المبرد معه علی کتابته، ظ: المسعودي، 7/153-154)، وفي البصرة (الحصري، 3/619-621) وبقیة الأماکن، ورویداً رویداً بلغ الجدال حول شعر أبي تمام حداً اضطر معه رجال الأدب – علی مایبدو – إلی محاولة العثور علی حدّ وسط. وهذه الخطوة شاعت بعد حوالي قرن من وفاة الشاعر؛ صحیح أن الصولي أیضاً وبعد إشارته إلی اختلاف آراء الناس فیه (ن.م، 3 و مابعدها ) خصص کتابه عملیاً للدفاع ععنه، إلا أن المسعودي بالمقابل یقول بکل حیاد: «والناس في أبي تمام في طرفي نقیض ...»[ (7/153). ثم إن أبا الفرج الأصفهاني فصّل القول وبلهجة متأثرة وعظیة في هذا الرأي، فقال خلال کلامه: «وأقوام یتعمدون الرديء من شعره فینشرونه، لیقول الجاهل بهم: إنهم لم یبلغوا علم هذا و تمییزَه إلا بأدب فاضل و علم ثاقب. وهذا مما یتکسب به کثیر من أهل هذا الدهر، ویجعلونه و ماجری مجراه من ثلب الناس وطلب معایبهم، سبباً للترفع وطلب الرئاسة. ولیس إساءة من أساء في القلیل وأحسن في الکثیر، مسقطة إحسانه؛ ولو کثرت إساءته أیضاً ثم أحسن، لم یُقَل له عند الإحسان: أسأت، ولاعند الصواب: أخطأت، والتوسط في کل شيء أجمل، والحق أحق أن یتبع... ولولا أن الرواة قد أکثروا في الاجتماع له وعلیه، وأکثر متعصبوه الشرح لجید شعره، وأفرط معادوه في التسطیر لردیئه والتنبیه علی رذله و دنیئه، لذکرتُ منه طرفاً» (16/383-384). إلا أن أبا الفرج کان متألماً من هذا النزاع إلی الحد الذي لم یخصص لهذا الشاعر الکبیر سوی 17 صفحة (16/383-399). ومع کل هذا ینبغي القول إن الآمدي أیضاً التزم خلال هذا القرن جانب البحتري في الموازنة، وانبری علی الأغلب لنقد أبي تمام، ولیست بحوث المرزباني في الموشح حول أبي تمام ببعیدة عن هذا الاتجاه.

إن دراسة الآراء و الکتب التي ألفت في باب النزاع بشأن أبي تمام، طویل إلی درجة یمکنه أن یکون فیها بحد ذاته موضوع رسالة کبیرة، ذلک أن أیاً من الکتب المؤلفة الیوم في هذا المضمار لیس متکاملاً (ظ: الأمین، 4/298-403؛ محمدصالح، 100-161؛ فروخ، 100-101؛ سلطان، 115-126).

إذا کان عبیدالله بن سلیمان ممدوح الشاعر یستغثّ شعره و یتهرب منه (المرزباني، ن.م، 275)، وإذا کان المأمون لم یعباً به، وإذا کان المعتصم قد عجز عن إدراک شعره، وتحیر أبوحاتم السجستاني في توضیح معانیه، وباختصار إذا کانت مئات النقود الحادة قد کتبت ضده، فکل ذلک – بطبیعة الحال – لم یکن عبثاً تماماً، ولیس صحیحاً علی الإطلاق أن تنسب جمیع النقود إلی التعصب والغیرة، أو أن نتجاهل آراء المشاهیر. فعلم رجالٍ کقدامة والمرزباني والامدي وابن رشیق في الأدب وأحاسیسهم الشاعریة، أکثر رصانة من أن یکون بالإمکان الحط من أعمالهم التحقیقیة. ویمکن أن نلخص أسباب نقود هؤلاء المشاهیر بمایلي:

کان أبو تمام صاحب صنعة، وربما کان مغرماً بها، ویبدو أنه أراد شأنه شأن الشعراء الذین اشتهروا بدمر معین، أن یشتهر هو أیضاً بالصنعة، ولهذا السبب، ربما کان في البدایة متأثراً بمسلم بن الولید (الامدي، الموازنة، 11)، اتجه لاستخدام البدیع، ثم «أفرط فیه وتجاوز المقدار» (ابن المعتز، 235). وقد أشار ابن مهرویه الذي – شأنه شأن بعض التقلیدیین – لم یکن لتعجبه إبداعات الشعراء المحدثین، إلی مسلم و أبي تمام و استخدام البدیع، و وصف هذا التجدید بـ «إفساد الشعر» (الآمدي، ن.م، 19)، ثم أضاف أن أباتمام «أحب أن یجعل کل بیت من شعره غیرخال من بعض هذه الأصناف، لذلک سلک طریقاً و عراً واستکره الألفاظ والمعاني، ففسد شعره» (ن.م، 20). أما ردي عبدالقاهر الجرجاني، فلیس أقل حدة من ذلک، فهو یقول: «أسلم أبو تمام نفسه للتکلف، ویری أنه إن مرّ علی اسم موضع یحتاج إلی ذکره، أو یتصل بقصة یذکرها في شعره، من دون أن یشتق منه تجنیساً أو یعمل فیه بدیعاً، فقد باءَ بإثم، وأخلَ بفرضٍ حتم» (ص 11).

واضح أن کل هذا الإصرار علی استخدام الاستعارة والمحسنات البدیعیة المتنوعة یجعل عمل الشاعر عسیراً. ولم یکن النقاد والقدماء بشکل عام یعارضون الصناعة اللفظیة للشعراء المحدثین، لکنهم لم یتقبلوا إفراط أبي تمام في هذا المجال. ولهذا السبب کتب ابن رشیق یقول: «واستطرفوا ماجء من الصنعة نحو البیت والبیتین في القصیدة بین القصائد، یُستدل بذلک علی جودة شعر الرجل ... فأما إذا کثر ذلک فهو عیب یشهد بخلاف الطبع، وإیثار الکلفة» (1/130). ثم أشار بعد ذلک إلی أبي تمام و البحتري اللذین کانت جمیع أو أغلب قصائدهما ملأی بالصنعة. أما الامدي الذي کان یری البحتري شاعراً مطبوعاً ذاذوق، فقد قال بحق أبي تمام: «إن کنتَ تمیل إلی الصنعة والمعاني الغامضة التي تستخرج بالغوص والفکرة، ولاتلوي علی غیر ذلک، فأبو تمام عندک أشعر لامحالة» (ن.م، 11).

إن أمثال هذا النقد لاحصر له في آثار القدماء و المحدثین، ذلک أنه منذ مایزید علی 1,000 سنة تحدث أهل الأدب في هذا الباب (للاطلاع علی بعض الأبیات التي أصبحت مبهمة إثر تکلف الشاعر، إضافة لما ورد في کتب القدماء، ظ: المقدسي، 195-200)، فإن رأي عبدالقاهر الجرجاني المتعلق بإسراف الشاعر بالصناعة اللفظیة، صادق علی أغلب أشعاره حقاً.فالطباق و الجناس و الاستعارات البعیدة عن الذهن، واستخدام الکلمات البدویة النادرة، تبعد الشاعر – لامحالة – عن متناول عامة الناس و حتی عن بعض الخبراء بالشعر. فالسعي للربط بین المجاز و الواقع یکون أحیاناً بعیداً جداً عن الذوق السلیم خاصة و أن أبا تمام یسعی غالباً للاستفادة من علمه الفلسفي و‌الدیني و التاریخي، وحین تستقر هذه المعاني الغریبة في الاستعارات العجیبة و تمتزج بالجناس والطباق تنتج شعراً یمکن إدراکه فحسب بالشروح اللغویة والمعاني التفصیلیة. فالشاعر لایرید إطلاقاً أن یقدم المعاني المعقدة غیر المألوفة إلی قارئه بلغة مفهومة، بل علی العکس یبدو أنه یحب أن یضع بنات أفکاره الشعریة والمعاني المنطقیة – الفلسفیة و الحوادث التاریخیة في أقدم و أغرب الکلمات بشکل ألغاز معقدة في قالب الشعر، لیقاسي القارئ أو المستمع – الذي هو من أهل العلم و الأدب لامحالة – في فهمها. ولیس عبثاً أن جعل أبا العمیثل و أبا سعد – اللذین کانا یطلبان إلیه أن یقول شعراً مفهوماً – ییأسان، ویطلب إلیهما أن یحاولا فهم مایقوله.

کان مخاطَبو أبي تمام علی الدوام تقریباً، خلفاء وأمراء ووجهاء، فهو الذي مدح أکثر من 60 شخصاً، لم یکن یتوقف في المدح عند حد معقول، غیر مراع شخصیة الممدوح أو آخذٍ بنظر الاعتبار الزمان والمکان، ویسرف في ذلک غیر عابئ. وهنا ینبغي أن نری ما الذي ینتج عن شعر خاص بطبقة النبلاء (ظ: الفاخوري، 2/334-335)، وخال من أفکار عامة الناس من جهة، ومنظوم بلغة معقدة ومتکلفة من جهة أخری؟

وإلی جانب المدیح والثناء اللامتناهیین الواردین في بعض الدراسات المعاصرة، نلاحظ أن الکتّاب العرب لمیتورعوا عن نقد أسلوبه الفني ولو بشيء من الحذر (مثلاً فروخ، 77، 81، مخـ؛ الفاخوري، 2/331-337؛ المقدسي، ن.ص). أما الکتّاب الأوروبیون الذین هم أقل تقیداً بالملاحظات الاجتماعیة للدول العربیة، فقد قالوا بصراحة أحیاناً: «أبوتمام شاعر محترف وله قصائد حافلة بالخیال تخلو من أي نوع من الإبداع والحداثة سواء في الشکل أو المضمون. واستعاراته تخدش الذوق السلیم، ولاشک في أن سبب فخره الوحید هو کتابه الحماسة» (فیت، 62). وهذه المقولة التي تبین مشاعر عامة المستشرقین لاتخلو من عدم الإنصاف بطبیعة الحال.

وربما کان أحد أخطاء أبي تمام یکمن في أنه لم یکن مستعداً لأن یخلّص قصائده من الأبیات الضعیفة والمعقدة وذلک بأخذ أذواق الناس بنظر الاعتبار. روی الصولي أن الشاعر قرأ یوماً علی مسامع أحدهم قصیدة کانت بأسرها جیدة. وکان فیها بیت لم یعجب السامع، لذا فقد طلب إلی الشاعر أن یحذفه، فأجابه أبوتمام مشبهاً القصائد بالدولاد الذین بعضهم جمیل متقدم و بعضهم قبیح متخلف، إلا أن حب الأب لهم جمیعاً متساوٍ (ن.م، 114). وإن هذا الرأي لم یرق للمتقدمین، ویری المرزباني أن «هذه حجة ضعیفة جداً» (الموشح، 289). وکتب أبوالفرج الأصفهاني: «لوکان أبوتمام یسيء بالإساءة ظناً ولایفتتن بشعره، کنا في غنیً عن الاعتذار له» (16/384). إن هذه الاثنینیة في شعره هي التي دعت أبا هفان لأن یقول له: «تعمد إلی درة فتلقیها في بحر خُرء» (المرزباني، ن.م، 274). وقد کرر المبرد أیضاً هذا المعنی بذکاء فقال: إن لأبي تمام إبداعات حسنة، إلا أن شعر البحتري أحسن استواء؛ وأبوتمام یقول البیت النادر و یُتبِعه البیت السخیف؛ وما أشبهه إلا بغائص البحر یخرج الدرة والخرزة فیجعلهما في نظام واحد، وإنما یؤتی هو و کثیر من الشعراء من البخل بأشعارهم، وإلا فلو أسقط من شعره – علی کثرة عدده – ما أنکر منه، لکان أشعر نظرائه (ظ: المسعودي، 7/155)؛ وقد عقب ابن سعد الذي سمع هذا الرأي من المبرد بقوله: «فدعاني هذا القول منه إلی أن قرأت علیه شعر أبي تمام، وأسقطتُ خواطئه وکل ماذُم من شعره، وأفردت جیده، فوجدت مایتمثل به ویجري علی ألسنة العامة وکثیر من الخاصة 150 بیتاً. ولا أعرف شاعراً جاهیلیاً ولا إسلامیاً یُتمصل له بهذا المقدار من الشعر» (م.ن، 7/155-156).

وکلام ابن سعد لیس بعیداً عن الصواب، حقاً إن أبیات قصید أبي تمام ولآلئه وفیرة، وقد کان ذا علم واسع وذکاء هائل وسرعة بدیهة عجیبة، والروایات التي تروی عنه بهذا الشأن کثیرة نسبیاً. فمثلاً کان یجیب السائل قبل أن یتم سؤاله؛ واستطاع بحضور الخلیفة أن یکمل علی الفور شعراً لم یُستسغ؛ وکان یحفظ 14,000 من الأراجیز و حدها ... (عن هذه الروایات، ظ: الصولي، ن.م، 71، 72؛ المرزباني، ن.م، 292؛ ابن خلکان، 2/12، 15، 21). ولیس من المستبعد أن یکون قد تأثر في البدایة – إضافة إلی تأثره بدیک الجن و مسلم بن الولید، کما مرّ بنا – بأبي نواس أیضاً، حیث نقرأ في روایة أنه عندما سمع أرجوزة لأبي نواس تأثر بها إلی الحد الذي ظل معه یحاول لثلاثة أیام أن ینظم مثلها (الصولي، ن.م، 246-247؛ المرزباني، ن.م، 275)، کذلک رأینا کیف أنه کان یعتبر قصائد دبي نواس ومسلم کاللات و العزی (للاطلاع علی روایات أخری، ظ: کلین فرانک، II/28-29). ومع کل هذا فقد وضع سریعاً أسلوب أبي نواس السلس جانباً، ولم یبق علیه من تأثیر مسلم شيء سوی الصناعة اللفظیة، إلا أنه تمکن و بأسلوبه الخاص من أن یثیر إعجاب الناس به، ویصبح فارس المیدان الوحید في عصره علی الأقل.

وکان مخاطَبوه ینفعلون أحیاناً إلی الحد الذي یقومون معه بتصرفات عجیبة. إذ رأینا کیف تمنی أبودلف أن یکون قد استشهد بدلاً من محمد ابن حُمید الطوسي لتکون المرثیة المعروفة باسمه هو؛ ولما سمع محمد ابن الهیثم الذي کان والیاً علی بلاد الجبل شعره في وصف خلعته، منحه جمیع ملابسه التي کانت في خزانته وقال: ومَن لایعطي علی هذا الشعر ملکَه؟ (الصولي، ن.م، 188-190؛ أبوالفرج، 16/393)؛ وحین سمع شعراء خراسان منه مدحه لعبد الله بن طاهر، صاحوا: «مایستحق مثل هذا الشعر غیر الأمیر»، ثم وهبوه عندها جوائزهم أیضاً؛ وحین بلغ الإعجاب مبلغه بممدوح آخر، قرر أن یظل واقفاً إلی نهایة القصیدة (م.ن، 16/392). إن حماس هذا الفریق، وبرود ولامبالاة الفریق المعارض، لایفسرهما سوی اثنینیة شعر أبي تمام، رغم أن التعصب للقدیم والجدید یترک تأثیره أحیاناً علی الأحکام أیضاً.

وقالب شغر إبي تمام هو نفسه قالب القصائد القدیمة التي تبدأ بمقدمة غزلیة ووصف أطلال منازل رفیق الفر، وتختم بالمدح. ومع هذا فإنه لم یراع هذا النسق في بعض القصائد الطویلة خاصة قصیدة عموریة. ففي هذه القصیدة حلّ نقد المنجمین محل «النسیب»، أما بقیة القصیدة التي کان أغلبه الوصف والمدح، فهو شبیه إلی حدّما بقالب القصیدة القدیمة. وهو خلافاً لأبي نواس (شاعر الخمر) و عمر بن أبي ربیعة (شاعر الغزل) وأمثالهما، لم یشتهر بغرض معین، رغم أن المدح یشکل القسم الدعظم من دیوانه.

والهجاء في شعره أقل، وهو لم یبلغ في أي وقت تقریباً مرتبة هجّائي العرب الکبار. والرثاء أیضاً لیس کثیراً عنده، لکن وبفضل عدة مراث مؤثرة کرثائه ابني عبدالله بن طاهر، ورثائه الشهیر لمحمد بن حمید خاصةً، وضع اسمه في مصاف أفضل شعراء الرثاء. الغرض الوحید الذي یمیزه إلی حدّما عن الاخرینف هو شعر الحماسة الذي هو بحسب مقتضیات الزمن و الثورات المتعددة والحروب الطاحنة مع الروم، کثیر نسبیاً في الدیوان.

 

آثاره

مع کل الشهرة التي ذاع بها صیت دیوان شعر أبي تمام، فإنه لم یطبع حتی الآن بشکل لائق وکامل. ولن یتیسر ذلک کما لایمکن تدوین سیرة حیاته بشکل صحیح و شامل إلی أن یتم جمع کل قصائده في مجموعة واحدة، وتُفسر مضامینها و مفرداتها اللغویة و التاریخیة والأدبیة، مع أنه قد بُدئ بجمع قصائده خلال حیاته علی مایبدو، وربما کان أول جامع لدیوانه، هو أبا سعید الکسري الذي لم یکن عمره عند موت أبي تمام یتجاوز العشرین سنة، ذلک أن سلسلة رواة الدیوان الذي دوّنه الخطیب التبریزي تنتهي إلیه و بعده إلی أبي تمام نفسه (الخطیب التبریزي، مقدمة دیوان، 3). ومع هذا فإن ابن الندیم قال عن دیوانه: «لم یزل شعره غیر مؤلَّف، یکون نحو مائتي ورقة إلی أیام الصولي، فإنه عمله علی الحروف نحو ثلاثمائة ورقة. وعمله علي بن حمزة الأصفهاني أیضاً فجوّد فیه علی غیر الحروف بل علی الأنواع» (ص 190). ثم إن مجموعة کبیرة کتبت شروحاً علی دیوانه أشهرها شرح أبي منصور الأزهري (تـ 370هـ) و الرافعي (تـ 380هـ) و المرزوقي (تـ 421هـ) و الخوارزمي (تـ 440هـ) والخارزنجي وأبي العلاء المعري والخطیب التبریزي و فصیح‌‌الدین البغدادي و ابن المستوفي، التي فقد بعضها، بینما یوجد بعضها أو طبع (عن مخطوطات الدیوان و طبعاته المختلفة وشروحه، ظ: عزام، 17 و مابعدها؛ GAS, II/554-557).

ولأبي تمام إضافة لشعره، عدة مجامیع شعریة قام بتجمعها وکانت تحظی دائماً بدهمیة خاصة. وفهرست آثاره في المصادر التي بین أیدینا، مختلف. فابن الندیم (ن.ص) ذکر أسماء 4 کتب له: الحماسة؛ الاختیارات من شعر الشعراء؛ الاختیار من شعر القبائل؛ الفحول. بینما ذکر الآمدي (الموازنة، 51-52) أسماء 6 کتب، وأشار إلی مضمون کل واحد منها، وذکر أیاً منها کان لدیه فقال: «1. الاختیار القبائلي الأکبر، اختار فیه شیئداً من کل قصیدة، وقد مرّ علی یدي هذا الاختیار...؛ 2. ومنها اختیار آخر أسمیته القبائلي، اختار فیه قطعاً من محاسن أشعار القبائل، ولم یورد فیه کبیرَ شيء للمشهورین؛ 3. ومنها الاختیار الذي تلقّط فیه محاسن شعر الجاهلیة والإسلام، وأخذ من کل قصیدة شیئاً حتی انتهی إلی إبراهیم بن هرمة، وهو اختیار مشهور معروف بـ اختیار شعراء الفحول؛ 4. اختیار تلقّط فیه أشیاء من الشعراء المقلّین و الشعراء المغمورین، وبوّیه أبواباً، وهو أشهراختیاراته وأکثرها في أیدي الناس، ویسمی الحماسة؛ 5. اختیار المقطعات، وهو مبوب علی ترتیب الحماسة، إلا أنه یذکر فیه أشعار المشهورین و غیرهم و القدماء والمتأخرین. وقدقرأت هذا الاختیار، ولیس بمشهور شهرة غیره؛ 6. اختیار مجرد في أشعار المحدثین، وهو موجود في أیدي الناس».

وطبقاً لرأي ریتر (ظ: EI2) فإن الکتابین الأول والثاني الواردین في فهرست الآمدي هما نفس الکتاب الذي أسماه ابن الندیم الاختیار من شعر القبائل (قا: کلین فرانک، II/20). إلا أن الذي ذکر في هذین المصدرین القدیمین، ناقص، ذلک أننا نعرف 3 کتب أخری له، اثنان منها موجودان الان: 1. الحماسة الصغری، أو الوحشیات؛ 2. نقائض جریر والأخطل؛ 3. اختیارات من شعر الشعراء و مدح الخلفاء و أخذ جوائزهم.

من آثاره التي وصلت إلینا: الحماسة، الذي سندرسه فیما بعد؛ نقائض جریر والأخطل الذي طبع ببیروت (1891م)؛ الوحشیات؛ اختیار شعراء الفحول الذي توجد منه مخطوطة ( ظ: م.ن، II/21). ویبدو أن عنوان النقائض لم یکن من اختیار أبي تمام، و هو اسموضع لهذا الکتاب فیما بعد (ن.ص). الکتاب الثاني، الحماسة الصغری، أو الوحشیات، الذي طبعه عبدالعزیز المیمني الراجکوتي و محمود محمد شاکر بالقاهرة (1963م)، ودرسه حسین نقشة دراسة تفصیلیة (ص 202-225). وطبقاً لرأي نقشة فإن الباقلاني هو أول شخص ذکر اسم هذا الکتاب في إعجاز القرآن، ثم ذکره العیني في شرح شواهد الألفیة، وسماه الوحشي (ص 202). وکما ورد علی صفحة غلاف الوحشیات فإن أبا تمام کتبه بعد کتابه الحماسة، وإنه وُجد بعد موته مکتوباً بخطه و بعنوان الوحشیات. وأغلب الشعراء الواردین في هذا الکتاب من المغمورین، وموضوعاته قسمت بدقه کالحماسة علی 10 أبواب (ن.ص). إن عدم شهرة الکتاب و طریقة تبویبه تلفت نظر القارئ إلی اختیار المقطعات الذي ذکره الآمدي و تحدو به إلی أن یتصور الکتابین واحداً.

بلغ کتاب الحماسة من الشهرة و کذلک من القبول لدی الشعراء والکتّاب حداً لاتبدو معه العبارة المعروفة للخطیب التبریزي بحقه غریبة، حیث قالک «إن أبا تمام في اختیاره الحماسة أشعر منه في شعره» (مدمة وشرح دیوان الحماسة، 1/3). ولاشک في أن کلمة الحماسة هي الاسم الذي اختاره الشاعر نفسه (الآمدي، المؤتلف...، 276)، لکنها لم تستخدم بالمعنی المعهود بطبیعة الحال، رغم أن الباب الأول الذي کتب بهذا الاسم یضم أیضاً موضوعات الحرب و البطولة والفداء و...، وعلی أیة حال فقد کتبت بعده عدة مجامیع شعریة ضخمة بهذا الاسم. قسم کتاب الحماسة إلی 10 أبواب نادراً ما أورد المؤلف فیه قصیدة بشکل کامل. وأغلب شعراء هذه المقطوعات رجال مغمورون قد نعرف أحیاناً واحداً منهم أو أکثر ممن عاشوا قبل 19 أو 29 هـ، رغم وجود عدة أسماء لشعراء متأخرین کأبي العطاء السندي (تـ أواسط القرن 2هـ) (ظ: بلاشیر، 180).

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: