الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبوتمام /

فهرس الموضوعات

أبوتمام

أبوتمام

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/20 ۱۹:۳۷:۰۴ تاریخ تألیف المقالة

لقد تابعنا في جمیع مراحل هذه المقالة وإلی حدّما طریقة استنباط البهبیتي، ذلک أنه من بین جمیع الکتّاب الذین درسوا أبا تمام، کان الوحید الذي تتبع بدأب کبیر مافي مضامین قصائد أبي تمام المعقدة والغامضة، وأراد أن یطبق الحوادث التاریخیة علی أقواله هو نفسه، ویعید أخیراً کتابة تفاصیل وقائع حیاة الشاعر بمعونة الشاعر نفسه، إلا أنه قلما وُجد موضع کانت أدلته فیه غیر قابلة للدحض حقاً. فإن أشارت قصیدة بحضور الممدوح إلی واقعة تاریخیة، فلیس ذلک دلیلاً علی أن الشعر کان قد نظم في نفس تلک السنة؛ أو کما رأینا فإن إلقاء الخلیفة کاتباً في السجن لایشکل دلیلاً قاطعاً علی أنه لم یعد إلی عمله مرة أخری. ولهذا الأسباب آثرنا أحیاناً إبدال مواضع تواریخ بعش القصائد قلیلاً (مثلاً قصیدة عموریة).

 

وفاة الشاعر

إن تاریخ وفاة أبي تمام کتاریخ ولادته موضع اختلاف أیضاً. وأقدم مصادرنا و هو الصولي له روایتان بهذا الصدد، فمرة نقل عن ابن أبي تمام أن أباه کان متولیاً لبرید الموصل لمدة سنة وتوفي بعدها في جمادی الأولی 231، ثم نقل هو نفسه عن مخلد بن بکار الموصلي الذي کان یهجو الشاعر، أن وفاته کانت في محرم232 (ن.م، 272-273). وقد کررت هذه الروایات جمیع المصادر الأخری تقریباً (مثلاً ظ: الخطیب البغدادي، 8/252؛ ابن خلکان، 2/17؛ ابن الأنباري، 108)، لکننا لانعلم لماذا آثرت مصادر مهمة أخری مثل المسعودي (7/151) والطبري (9/124) سنة 228 هـ و انتقل رأي هذین الاثنین إلی الکتب التي تلتهما (ظ: الخطیب البغدادي، ابن خلکان، ن.صص؛ ابن الأثیر، 7/9). وقد أضاف ابن خلکان – بشک – 229 هـ أیضاً. وهذان التاریخان الأخیران مغلوطان بلاشک، لأنه – و کما رأینا – قد رثی خالد بن یزید والي أرمینیة الذي توفي في 230هـ.

دفن أبوتمام في الموصل، وروی البحتري أن أسرة ابن حمید الطوسي قدبنت علی قبره قبة (ابن خلکان، ن.ص) . ویضیف ابن خلکان الذي رأی قبره خارج باب المیدان علی حافة الخندق أن الناس کانوا یقولون: هذا قبر أبي تمام الشاعر (ن.ص).

 

علاقته بشعراء عصره

کان المنافس الحقیقي لأبي تمام في تاریخ الأدب هو تلمیذه البحتري، لکن لم یکن أحد خلال حیاته یضمر له من الحقد ما کان یضمره دعبل (تـ 264هـ)، ولیس مستبعداً أن یکونا قد تبادلا الهجاء بینهما (ظ: الصولي، ن.م، 267-268). وکان دعبل یعتقد أن أبا تمام یسرق معانیه (أبوالفرج، 16/286) وکان یصر أیضاً علی هذا الرأي بینما کان یجد دائماً من یردّ علیه بجواب قاس. وحکی الصولي للمرزباني (ظ: المرزباني. الموشح، 270؛ أیضاً أبوالفرج، ن.ص): کنا في حلقة دعبل، فجری ذکر أبي تمام، فقال دعبل: کان یتتبع معانيَّ فیأ خذها. فطلب إلیه أحد الحاضرین أن یقدم نموذجاً، وحین قرأ دعبل بیتین وقارنهما بشعر أبي تمام، قال الرجل: لقد أجاد، وإن کنتَ أخذته منه فما بلغت مبلغه. ولم یکن دعبل لیدع الشاعر و شأنه حتی بعد موته. فقد قدم في 235 هـ من دمشق إلی العراق، وفي أحد المجالس انهم أبا تمام أیضاً بسرقة الشعر، ثم أخرج من بین دفاتره قصیدة لأحد أولاد زهیر وقرأها وکانت شبیهة بواحدة من قصائد أبي تمام (أبوالفرج، 16/396-397؛ ظ: المرزباني، ن.م، 294-295، الذي یعتقد أن تلک القصیدة کانت نفس القصیدة الشهیرة التي رثی بها محمد بن حمید الطوسي). لکن الحسن بن وهب یقول إنه کان یعرف تلک القصیدة کما کان أبوتمام أیضاً یقرأها، ولایوجد شبه بین القصیدتین سوی في الوزن والقافیة (الصولي، ن.م، 199-201).

وفي المقابل کانت لعلي بن الجهم مع أبي تمام صداقة حقیقیة بکل معنی الکلمة، وکان یثني علیه کثیراً، وقد دافع عنه مرة إلی الحد الذي سأل معه أحد الحاضرین إن کان أبوتمام أخاه، فدجابه شعراً قائلاً إنه أخي في الأدب (الصولي، ن.م، 61-62؛ أبوالفرج، 16/386؛ الخطیب البغدادي، 8/251)؛ کما نعلم أنه نظم قصیدة في رثاء أبي تمام (الصولي، ن.م، 276؛ أیضاً ظ: مردم بک، 9، 23، 32، 37). وکان أبوتمام أیضاً یحبه حتی إنه وصف مرة طلاقة وجهه (ط الخیاط، 394).

ولانعلم متی تعرف أبوتمام بالبحتري الشاب، لکننا نعلم أنهما التقیا في حمص. ویقول الصولي (ن.م، 66) وبعد إشارته إلی هذا اللقاء: إن أبا تمام کتب عدة رسائل إلی أهالي معرة النعمان لیمنحوا البحتري مالاً. وفطي روایة أخری (ن.م، 105-106) نقل عن البحتري قوله إنه قرأ قصیدة مدح لأبي سعید الثغري، وکان في المجلس رجل ادعی مازحاً أن الشعر له، ثم کرر إنشاد أبیات من القصیدة، فاحمر وجه البحتري الذي لم یکن یعلم أن هذا الرجل هو أبو تمام، إلا أن أبا سعید قدم الشاعر له في أخر الأمر. ویضیف البحتري: فلزمته بعد ذلک وازداد عجبي من سرعة حفظه. ویبدو أن أبا تمام شحذ همته بصدق لتعلیمه، وقد علمه من بین ما علمه «فن الاستطراد» (الصولي، أخبار البحتري، 59). وقد قال أبوتمام مرة بعد أن سمع شعراً للبحتري: «أنت أمیر الشعراء بعدي» (ن.م، 69). وکان البحتري بدوره یکنّ له احتراماً فائقاً، وکان یقول لأبي الحسن النوبختي: لو رأیتَ أبا تمام لرأیت أکمل الناس عقلاً وأدباً، ولعلمت أن أقل شيء فیه شعره (م.ن، أخبار أبي تمام، 171-172). وکان یقول دائماً إنه أقل منه مرتبة في الشعر وتلمیذه وآکل فتات مائدته (ن.م، 67-68، 120-121)، وقال مرة في مجال المقارنة بین شعریهما: «جیّده خیر من جیدي، وردیئي خیر من ردیئه» (م.ن، أخبار البحتري، 57). وفي مقابل هذا، کان مخلد بن بکار الموصلي یکنّ له حقداً کحقد دعبل ویهجوه علی الدوام، وحتی عندما توفي أبوتمام أنشد فیه هجاء في قالب رثاء (م.ن، أخبار أبي تمام، 240-241). إلا أن أبا تمام و من منطلق کونه لایری فیه وفي الشعراء الذین هم علی شاکلته، من هو في طبقته، کان یمتنع عن الرد علیه (ن.م، 241) وأشهر أهاجي مخلد فیما یبدو، هو الهجاء الذي أشار فیه إلی لکنة أبي تمام (مثلاً ظ: ابن رشیق، 1/110-111).

کما هجته أیضاً مجموعة أخری من الشعراء المغمورین: ابن أبي حکیم الشاعر الماجن (ابن المعتز، 361) والولید (؟) (الصولي، ن.م، 242) و محمد بن عبدالملک بن صالح (ن.م، 248). ولکنه لم یلتق بابن المعذل (ن.ع) الشاعر البصري الماجن، ذلک أنه عندما أراد الذهاب إلی البصرة والأهواز لیمدح الأمیر هناک، استولی القلق علی ابن المعذل بحیث أرسل إلی الشاعر قصیدة بهذا الشأن، فتخلّی أبوتمام عن السفر إلی تلک الدیار (الصولي، ن.م، 241-242؛ ابن خلکان، 2/13).

ولم یکن لإسحاق بن إبراهیم الموصلي الموسیقي الکبیر في زمانه رأي مشجع في أبي تمام و شعره، فقد طلب أبوتمام یوماً إلی الأمیر إسحاق المصعبي أن یدعو الموسیقي الکبیر لیستمع إلی شعره. ومن الواضح أن الشاعر کان یأمل في أن یعجب إسحاق بشعره و یصنع لحناً علی أساسه. لکن إسحاق قال بلهجة جافة: إن أبا تمام معتدٌّ بنفسه بما یفوق الحد و یرغب في ابتکار معانٍ جدیدة (الصولي، ن.م، 221)، بینما کان إسحاق یمیل علی الأغلب إلی المتقدمین (ن.ص؛ قا: المرزباني، ن.م، 295-296).

کان أبوتمام یولي أیضاً بعض الشعراء المغمورین اهتمامه، فمثلاً کان یرضی بمجالسة المعلی بن العلاء ویشجعه في مجال الشعر (ابن الجراح، 101، 114)، أو أنه کان یسمح للأخیطل أن یقرأ علیه أشعاره (ابن المعتز، 411).

أحزنت وفاة أبي تمام الکثیرین من معاصریه، حتی الخلیفة الواثق حسب روایة الصولي (ن.م، 272) حزن لنبأ وفاته، وأنشد ابن الزیات الوزیر مقطوعتین في رثائه، الأولی التي هي عبارة عن «دوبیت»، تضمنت مشاعر صادقة ومؤثرة. وقد بقیت من الحسن بن وهب الذي کان شاعراً مقتدراً، قطعتان في رثاء الشاعر، إحداهما «دوبیت» أیضاً (رغم أن بعض هذه المقطوعات نُسبت إلی آخرین، ظ: الهبیتي، 171). کما لم یلتزم الصمتَ الشعراءُ الکابار لذلک العصر: فقد أنشد البحتري مقطوعة في رثائه ورثاء دعبل، کما نظم کل من علي بن الجهم وعبدالله ابن أبي الشیص مقطوعة من الشعر کلاً علی حدة، لکن الأبیات الثلاثة التي رویت عن البلاذري کانت في هجاء ابن حمید الطوسي أکثر منها في رثاء الشاعر. وقد خصص الصولي آخر أبواب کتابه لهذه المراثي (ن.م، 274-279؛ قا: المسعودي، 7/167-168؛ الخطیب البغدادي، 8/252-253؛ البدیعي، 49-50).

 

سلوک الشاعر و شخصیته و مذهبه

کان أبوتمام طویلاً أسمر فصیحاً حلو الکلام، أجش الصوت، أو ذا تمتمة یسیرة تعرّضه أحیاناً للسخریة (ظ: الصولي، ن.م، 144، 241؛ هجاء مخلد بن بکار و إشارة المعتصم إلی «ذلک الشاعر الأجش الصوت»)، إلا أنه کان یحاول الإبقاء علی لهجة الأعراب البدو التي ربما کانت لدیه منذ الطفولة (ظ: ن.م، 259؛ ابن خلکان، 2/17؛ ابن عساکر، 4/18). وکان یتزیا في شبابه بزي البدو (الخطیب البغدادي، 8/249) و عاش فترة کبیرة من الطمن معدماً لکن توفرت لدیه في النصف الثاني من حیاته جمیع وسائل الراحة علی مایبدو. و کان ابن وهب یرسل إلیه الثیاب الحریر الملأی بالنقوش (الصولي، ن.م، 187). ویقال إنه کان لدیه في بیته أیضاً حمام خاص به (ابن المعتز، 298)، أو أنه ضرب فیما بعد بمدینته خیاماً (ابن نباتة، 326).

ولدینا روایات متعددة تشیر إلی وفائه وکرمه و علو همته، لکن الاعتداد بالنفس الممتزج بنوع من الغرور لدیه کان یؤلم الآخرین أحیاناً. فإسحاق الموصلي – و کما مرّ بنا – قال له بعد سماعه شعره، وبدلاً من أي مدیح: «یافتی! ما أشد ما تتکئ علی نفسک؟» (المرزباني، ن.م، 294).

وکان الصوت الأجش لأبي تمام قد حدا به إلی أن یتخذ له غلاماً حسن الصوت لینشد قصائده أمام الممدوح عند الحاجة. لکن لاینبغي المبالغة في الاستنتاج من هذا الأمر، لأن اختیار شاب جمیل الصوت کان أسلوب کثیر من شعراء العصر العباسي و من بینهم بشار بن برد، ویحتمل أن یکون ذلک استمراراً لسنة اتخاذ الرواة من قبل الشعراء الکبار القدماء، الذین کانت تقع علی عواتقهم إضافة إلی حفظ القصائد مسؤولیة إنشادها. و علی أیة حال، فإن کبار الممدوحین کانوا یفضلون أن یسمعوا مدائح الشعراء بأصوات تأسر القلوب.

وکنا قد ردینا فیما مضی أن ابن أبي دؤاد لما کان مطلعاً علی هذا الأمر، طمأن الخلیفة المعتصم إلی أن أبا تمام قد اصطحب معه راویة حسن الصوت. و ربما کان هذا الدمر هو الذي أعطی فیما بعد ذریعة لأعداء الشاعر لیتهموه – في روایات – بحب الغلمان. ومع کل هذا فإن الحسن بن رجاء لما رآه مرة في الرقة و هو یغازل الغلمان و الخدم، حذّره من ذلک (ابن المعتز، 282-283).

کان المیل لشرب الخمر، والتهرب من المعاییر‌‌الدینیة والأخلاقیة، والتحلل، أموراً شائعة في العصر العباسي إلی الحد الذي یصعب معه العثور علی شاعر خالٍ من الفجور و مبراً من النقد. ولهذا السبب فإن الکتّاب الذین ترجموا لشعراء ذلک العصر قلما أظهروا التعجب والضجر، لکن حینما وصل الدور لأبي تمام، ونظراً لکونه محور النزاعات الأدبیة المحتدمة، فإن الأمر اختلف قلیلاً، حیث أجهد کتّاب – خاصة المعاصرین له ممن نظروا إلیه بشيء من التعصب العربي – في هذا المضمار أقلامهم. وإذا کان البعض الیوم یعتبره متحللاً إلی حدّ ما في أمور‌‌الدین (مثلاً ظ: سلطان، 16-17)، فإن البعض الآخر یعتقد بالتزامه بل تعصبه الشدید (مثلاً ظ: الطائي، 46).

وعلی أیة حال، فتحن نعلم أنه لم یکن معرضاً عن الخمر، کما حدث یوماً حین طلب إلی الحسن بن وهب أن یرسل إلیه خمراً، فارسل له 100جرة خمر مع 100 دینار (الصولي، ن.م، 183-184). ومع کل هذا فربما کان رأي المسعودي (7/151) الذي وصفه بقوله: «کان خلیعاً ماجناً في بعض أحواله»، مبالغاً فیه. وفضلاً عن ذلک فقد اتهموه بالکفر واستندوا في ذلک إلی قول ابن أبي طاهر طیفور الذي قال إنه رأی لدیه دیواني أبي نواس ومسلم بن الولید و کان یقول إنه یعبد هذین الکتابین کاللات والعزی منذ 30 سنة (الصولي، ن.م، 172-173). ونقل ابن المعتز هذه الروایة (ص 283-284) عن محمد بن قدامة و جعل الواقعة في مدینة قزوین. وأشار في هذا المجال إلی روایة عن عدم التزامه بالفرائض‌‌الدینیة. وقد نقل ابن القارح (ص 41) عن الحسن بن رجاء قوله: جاءني أبوتمام إلی فارس، فبلغني أنه لایصلي، فوکلت به من لازمه، فلم یره صلی یوماً واحداً، فعاتبته، فقال: یامولاي قطعت إلی حضرتک من بغداد فاحتملت المشقة وبعد الشقة، ولم أره یثقل عليّ، فلوکنت أعلم أن الصلاة تنفعني وترکها یضرني ماترکتها. فأردتُ قتله فخشیت أن یُحمل علی غیر هذا، واکتفیت بعتابه (أیضاً ظ: المسعودي، 7/151-152، الذي یری هذا الأمر من أبي تمام تماجناً ولیس انعداماً للعقیدة‌‌الدینیة). وعقب المبرد علی هذه الروایة بأن تساءل متعجباً: کیف یمکن لمن یقول:

وأحق الأنام أن یقضي الدَّ ینَ امرؤ کان للإله غریما

أن یکون بلا إیمان؟ ویشیر المسعودي (ن.ص) أیضاً إلی التناقض بین تلک القصیدة و هذه الروایة، لکن التعجب الذي أبداه المبرد و المسعودي لم یقنع الجمیع، ولذا نلاحظ أن أبا العلاء (ص 483-484) ظل معتقداً بتحلله في أمور‌‌الدین.

ومع کل هذا، فله هذه الفضیلة و هي أنه نظم شعراً في مدح أهل البیت (ع) (ط الخیاط، 161-166، هذه القصیدة غیرموجودة في ط عزام)، وسوف نتحدث فیما بعد عن هذا الموضوع. ویحتمل أنه بسبب هذه القصیدة، أورد النجاشي (تـ 450هـ) لأول مرة اسمه في رجاله (1/335) وقال بحقه: «کان إمامیاً، وله شعر في أهل البیت (ع) کثیر».

ولابد أن روایة النجاشي قد وجدت طریقها إلی رجال ابن داود (ص 98) والعلامة الحلي (ص 61)، ومن هناک إلی الکتب المتأخرة. لکن هذه الکتب المتأخرة لم تکتف بتلک الروایة، بل صنعت من أبي تمام مسلماً شیعیاً مؤمناً و طاهراً و جلیل القدر وقوراً. وقد کتب الحر العاملي الذي اکتفی بإشارة في الوسائل (20/160)، ترجمة له في أمل الآمل (1/50-55) ونقل جمیع الأقوال الدالة علی تشیعه: أورد أولاً قول النجاشي والعلامة الحلي، ثم أشار بعد ذلک إلی قصیدته في مدح أهل البیت (ع)، ومراده من هذه القصیدة هو المیمیة التي ذکرها ابن شهرآشوب في المناقب (1/312-316). ویبدو أن مراد النجاشي (1/336) أیضاً کان هذه القصیدة. وهي غیر موجودة في أي من نسخ الدیوان. و لهذا احتمل الأمیني (2/337) حدوث تحریف في طبعات أو مخطوطات الدیوان. وبعد ذلک نقل الحر العاملي من الحیوان روایة الجاحظ التي قال فیها: «کان أبوتمام من رؤساء الرافضة». ولم یُعرف من أین جاءت هذه الروایة التي أُخذت عن رجال النجاشي (ن.ص)، لأننا لم نجدها في الحیوان، ویضیف النجاشي أیضاً والذي لم یرَ بنفسه قصیدة مدح الأئمة (ع) (ربما کانت نفس المیمیة المذکورة في المناقب لابن شهرآشوب) أن «أحمد بن الحسین (ابن الغضائري) رأی نسخة عتیقة لعلها کتبت في أیام الشاعر، و فیها قصیدة یذکر فیها الأئمة (ع)» (قا: ابن داود، 31). وقد کرر أفندي الذي وصف الشاعر بأنه «مجاهر بتشیعه» ذکر جمیع هذه الروایات في ریاض العلماء (1/123-135)؛ وأورد الأمیني في الغدیر (2/333-343) إضافة إلی هذه الروایات، فهرستین قیمین بشروح الدیوان و الحماسة أیضاً.

وأخیراً و عندما جاء دور الأمین، خصص جزءاً کبیراً من أعیانه لترجمة أبي تمام (4/389-539). وبذلک دوّن أکبر مؤلَّف عن الشاعر. وقد جمع تقریباً کل الروایات و الأخبار المتعلقظ به و عرضا في کتابه علی طریقة القدماء، وبالإضافة إلی هذا فقد بحث بشکل تفصیلي الصناعة اللفظیة لدیه و ذکر نماذج لکل موضوع، لکنه حین وصل إلی مدائح أهل البیت (ع) لم یجد سوی المیمیة التي ذکرها ابن شهرآشوب و القصیدة التي أنشدت للمأمون في مدح العلویین (4/520-521).

علی دیة حال، ولما لم یکن لدینا روایات أکیدة عن مذهبه ولأنه لم یرد في دیوانه أیضاً سوی قصیدة واحدة في مدح أهل البیت (ع)، فلم یکن هناک بدّ من أن تکثر النقاشات في هذا الصدد. وقد ناقش البهبیتي الذي لایعتقد بتشیعه، أولاً الأوضاع الاجتماعیة لعصره و میول المأمون نحو التشیع و بکاءه الکثیر عندوفاة الإمام الرضا (ع) في 203هـ ونیل العلویین والذیرانیین السلطة، و هو یعتقد أن أبا تمام الذي کان خلال تلک الوقائع – أو بعبارة أدق في 205هـ - في السابعة عشرة من عمره فقط، أنشد قصیدة رائیة لإرضاء المأمون ولفت انتباهه إلیه (ص 55-56)، إلا أنه و کما نعلم لم یکسب من هذا المدیح نفعاً.

أما موضوع السبع عشرة سنة من عمره فیستنبط من البیت الذي قال فیه: اشتعل رأسي شیباً ولما أکمل السابعة عشرة (ط الخیاط، 162)، إلا أن عمر فروخ لایؤید هذا الرأي ویحتمل أنه تعرف في حمص بدیک الجن الشاعر الشیعي و تأثّر به ومال نحو التشیع (ص 25)، ثم أصبح مخلصاً جداً لهذا المذهب وراسخاً فیه (م.ن، 41). والقصیدة الرائیة أیضاً أنشدت في مصر، ولایشر البیت المذکور فیها أیضاً – حسب رأیه – إلی عمر الشاعر في فترة إنشاده الشعر (م.ن، 27). وقد أصبح کلام فورخ وکذلک عدم استناده إلی مصادر أصیلة موضعاً لنقد عنیف وجّهه الطائي إلیه (ص 37 ومابعدها)، وکان أحد الأدلة التي رفض فیها فکرة تشیع الشاعر هو صداقته المتینة للشاعر علي بن الجهم الذي اشتهر ببغضه للشیعة (م.ن، 38).

 

شعر أبي تمام والنزاع حوله

اتخذ النزاع الناشب حول أبي تمام و منافسه البحتري أبعاداً واسعة بشکل یدعو للعجب حقاً. فذلک النزاع الذي بدأ علی حیاة الشاعر، لیس غیر مذموم فحسب، بل ربما عُدّ أیضاً من أکثر صفحات الأدب العربي إشراقاً. وإذا تجاهلنا حالات محدودة من الغیرة وضیق الأفق، فإن الأدب و الصنعة والذوق وبالنتیجة الشعر نفسه، کانت تشکل دائماً العنصر الرئیس للنزاع، وعلی إثر المعاییر الدقیقة التي لاحصرلها، سواء في المعنی أو اللفة، نما أسلوب النقد الأدبي بشکل ملحوظ و آتی ثماره.

بدأ العداء لأبي تمام خلال حیاته، وقد رأینا فیما مضی کیف کان دعبل یقع فیه مستغلاً کل فرصة، ویتهمه أحیاناً ظلماً بالسرقة وأن ثلث شعره سرقة، حتی إنه کان یمتنع عن ذکر اسمه في کتابه الشعراء (الصولي، ن.م، 244؛ المرزباني، ن.م، 274-275)، لأنه لم یکن یعتبره شاعراً، بل یراه خطیباً (ن.صص).

کان البعض لایدرکون تماماً شعره، وقد رأینا فیما مضی أن الخلیفة المعتصم طلب إلیه ثلاث مرات أن یکرر بیتاً؛ فسأله بعضهم «أیفهم المعتصم شیئاً من شعرک؟» (الصولي، ن.م، 267). ویبدو أن رجلاً کأبي حاتم السجستاني أیضاً ظل متحیراً في شعره إذ لم یستطع توضیح معاني أبیاته للسائل (ن.م، 244؛ المرزباني، ن.م، 274). وربما کان الشاعر لهذا السبب یضطر أحیاناً لشرح أبیات من شعره (الصولي، ن.م، 266-267).

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: