الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبوتمام /

فهرس الموضوعات

أبوتمام

أبوتمام

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/20 ۱۹:۳۷:۰۴ تاریخ تألیف المقالة

أَبوتَمّام، حبیب بن أوس الطائي (188-231هـ/804-846م)، شاعر عربیي کبیر. قلّما أمکن العثور في ترجمة حیاته و شعره علی موضوع لم یؤد إلی حدوث نقاش و نزاع بین المحققین. فأسرته المسیحیة، واسم أبیه المتغیر، ونسبه «الطائي» المشکک فیه من قبل البعض، وأسفاره التي لاتحصی الممتدة من القاهرة إلی خراسان، وتجدیده في الشعر، وإبداعه في مجال الصناعات اللفظیة، ونزوعه إلی استخدام الألفاظ الغریبة والقدیمة وفي نفس الوقت نجاحه في بناء قصائد خلّابة، وصیته الذائع، وحصوله علی أموال طائلة، وحسد الشعراء الآخرین له ... کل ذلک أدی إلی ظهور آراء متناقضة جداً حوله، ثم إن مشاعر التعصب التي ظهرت لتأییده، أو الوقوف ضده، حدث بذاتها بالکثیرین إلی تألیف کتب أو رسائل عنه. و ربما کان من العوامل التي أججت نیران تلک النزاعات، ظهور شاعر مثل البحتري الذي کان قد تعلم فن الشعر علی یدیه: کان البحتري یطلب إلی الکثیرین أن یقارنوه بأبي تمام. و نتیجة لتلک المقارنة أصبحت أشعار هذین الاثنین من حیث اللغة و لاصناعة و المضمون و الفصاحة، موضع دراسة العلماء المتخصصین في الشعر بدقة مدهشة.

 

مصادر دراسته

یمکن العثور علی ترجمة حیاة أبي تمام أو نقد آثاره في جمیع المصادر القدیمة، کما نعرف أکداساً من الکتب التي أُلفت عنه أو خصصت لشعره. ولحسن الحظ فإن عدداً من تلک الکتب قد بقي إلی الیوم. ولیس لدینا شيء عنه من معاصریه، فکتاب ابن أبي طاهر طیفور (تـ 280هـ) الذي عنوانه سرقات البحتري من أبي تمام (ظ: یاقوت، الأدباء، 3/91) لم یعد موجوداً الیوم. وأول مصدر نقل عدة أخباره بشأنه وبواسطة واحدة علی الأغلب، هو ابن المعتز (تـ 297هـ) الذي دأب علی مدح شعره (ص 282-284). وکان لدی أبي حیان التوحیدي (2/698) رسالة من تألیف ابن المعتز کان قد أشار فیها إلی «مساوئ و محاسن» شعر أبي تمام، لکنه لایوجد أثر لتلک الرسالة الیوم.

أشار ابن الجراح إلی اسمه مرتین فقط في الورقة (ص 101، 114) واکتفی الطبري (تـ 310هـ) بذکر تاریخ وفاته (9/124). وعلی العکس من ذلک، تحدث المسعودي (تـ 346هـ) خلال ترجمته لحیاة الواثق، وبشکل تفصیلي لایتناسب و کتابه في التاریخ، عن أبي تمام، وأبدی آراء رصینة بشأنه (7/151 و مابعدها). و خصص له أبوالفرج الأصفهاني بحثاً یبدو صغیراً جداً إذا ماقورن بشعراء من الطبقة الثانیة والطبقة الثالثة المذکورین في الأغاني (16/383-399)، و حتی ذلک القدر أیضاً قد أخذه بشکل خاص عن أخبار الصولي فیما یبدو. وقد أشار بطبیعة الحال إلی هذا المصدر، إلا أن مانقله من مصادر أخری هو الآخر یشبه روایات الصولي. کما أخذ المرزباني (تـ384هـ) أیضاً جمیع روایاته من الصولي إلا في المواضع التي أبدی رأیه هو فیها (الموشح، 274-296). وذکر ابن الندیم (تـ 385هـ) کتبه (ص 190)، ونقل الجرجاني عنه في الوساطة (مخـ) ربما فیما یزید علی 100 موضع.

وتبدأ مصادر القرن 5 هـ بأبي حیان التوحیدي الذي اکتفی بذکر روایتین أو ثلاث عنه، إلا أن مصادر هذا القرن عدیدة: ابن رشیق، اب البغدادي، السمعاني، ابن عساکر، ابن خیر الإشبیلي، أبوالبرکات ابن الأنباري و ...، لکن أیاً منهم لم یأت بجدید و الشيء الجدید الوحید ظهور اسمه في رجال النجاشي (تـ 450هـ) (1/335). ومنذ ذلحین وضع أبوتمام في مصاف «رجال الشیعة». وفي القرن 6 هـ أید ابن شهرآشوب کلام النجاشي ونقل عنه قصیدة دالة علی تشیعه (1/312-13). وفي القران 7هـ، فرغم أن یاقوتاً ذکره عدة مرات، بل و دافع عنه أیضاً (في ترجمته للآمدي و ذکره لکتابه الموازنة، ظ: الأدباء، 8/84-85)، لکنه لم یشأ أن یخصص له مقالة. وفي نفس القرن أورد ابن خلکان ترجمة له (2/11-26). و ترجمته هذه جمعت من عدة مصادر مهمة من بینها: الموازنة وأخبار الصولي. والملفت للنظر في هذا الکتاب هو أن بعض الروایات المنقولة عن الموازنة وأخبار أبي تمام، غیر موجودة الیوم في هذین الکتابین. و منذ هذا التاریخ و ماتلاه، لایمکن العثور بین أکداس الروایات التي تحدثت عن حیاته، علی شيء سوی تکرار الروایات القدیمة. و حتی في الآراء النقدیة للکتّاب أیضاً لم یأت شيء جدید.

وإلی جنب تلک المقالات، فقد أُلفت منذ البدایة کتب أیضاً خصصت بأکملها لأبي تمام أو شعره، اشتهر أکثرها بعنوان «أخبار أبي تمام». و من بین جمیع تلک الکتب لم یبق سوی أثرین أحدهما – ولحسن الحظ – هو أقدمها أیضاً. فهذا الأثر القدیم هو للصولي (تـ 335هـ) و قد روي بعد أبي تمام بـ 100 سنة تقریباً، وعنوانه أخبار أبي تمام. و یشتمل هذا الکتاب فضلاً عن الرسالة التي کتبها إلی مزاحم بن فاتک حول تألیف أخبار أبي تمام، علی الموضوعات التالیة: 1. ماجاء في تفضیل أبي تمام؛ 2. أخبار أبي تمام مع کبار الشخصیات (ویشکل الجزء الأعظم من الکتاب)؛ 3. معایب شعر أبي تمام؛ 4. مارواه أبوتمام؛ 5. الوصف الظاهري لأبي تمام؛ 6. أخبار متفرقة عن أبي تمام؛ 7. وفاته و مدة حیاته والأشعار التي أُنشدت في رثائه. والأثر الآخر هو القول الفائق... وذکری حبیب لضیاء‌‌الدین محمد ابن الأثیر (تـ 637هـ)، توجد مخطوطة منه في جامعة إستانبول (GAS, II/553). والکتب الأخری هي: أخبار أبي تمام والمختار من شعره لأبي الحسن علي الشمشاطي (تـ ح 377هـ)؛ أخبار أبي تمام للمرزباني (تـ 384هـ)؛ کتاب في أخبار أبي تمام و محاسن شعره لأبي عثمان سعید الخالدي (تـ ح 400هـ).

وفي القرن 11هـ/ 17م أضیف کتابان آخران إلی المجموعة المذکورة، آنفاً، أحداهما هبة الأیام لیوسف البدیعي (تـ 1073هـ) الذي کان و ما یزال موضع استفادة المحققین، والآخر أخبار أبي تمام لمحمد علي بن أبي طالب (تـ 1084هـ) (عن هذه الکتب، ظ: عزام، 17 ومابعدها؛ GAS, II/552-554). لکن مایبدو غریباً جداً، عدد الآثار التي أُلفت عن شعر أبي تمام أو نقده. فمنذ عصر الشاعر نفسه و حتی أوائل القرن 5 هـ نجد 12 کتاباً تبین شدة الصراع المحتدم بین مؤیدیه و أعدائه: ألف ابن أبي طاهر طیفور (ن.ع) الذي کان علی معرفة به کتابین، أحدهما سرقات أبي تمام (ظ: الآمدي، الموازنة، 103) الذي یحتمل أن یکون جزءاً من کتابه سرقات الشعراء، والآخر سرقات البحتري من أبي تمام (ظ: یاقوت، ن.م، 3/91). وذکر المرزباني (ن.م، 277) وأبوحیان (2/698-699) أنه کانت لابن المعتز أیضاً رسالة في موضوع محاسن و مساوئ شعر أبي تمام؛ وکما أُشیر من قبل فإن ابن المعتز قد روی أخباره بواسطة واحدة. أما الکتّاب الآخرون الذین انبروا للدفاع عنه، أو لنقده: تتبَّع بشر بن محیی سرقات البحتري من أبي تمام (GAS, II/562)، وکتب ابن عمار (تـ ح 319هـ) کتاباً في أخطاء شعر أبي تمام، وقد کتب الآمدي الذي أشار هو نفسه إلی هذا الکتاب (ن.م، 125-126)، رداً علیه (ظ: ابن الندیم، 172). وکان الآمدي قد خصص لأبي تمام – فضلاً عن هذا الکتاب – کتابین آخرین: معاني شعر أبي تمام و کتاب الأبیات المفردة. وتدل هذه الآثار علی اهتمامه الخاص بشعر أبي تمام، لکننا نلاحظ أنه في کتابه الآخر الموازنة بین أبي تمام و البحتري الذي هو موضع بحثنا، کان یفضّل البحتري علی أبي تمام، ویبدي مساوئ شعر أبي تمام علی الأغلب.

وفي العقود الأخیرة من القرن 4هـ ألّف مرة أخری کتابان ضد أبي تمام: تفضیل أبي نواس علی أبي تمام للشماطي و مجلس لأبي علي محمد بن الحسن الحاتمي (تـ 388هـ) الذيضّل البحتري علیه. وبعد عدة سنوات انبری المروزقي (تـ 421هـ) للدفاع عن أبي تمام فألف کتاب الانتصار من ظلَمة أبي تمام. و منذ القرن 4هـ وما بعده توقف النزاع حول أبي تمام بشکل تام تقریباً. وبعد حوالي 6 قرون شرع البدیعي و محمد علي بن أبي طالب بجمع أخباره من جدید. وما کان یظهر خلال تلک الفترة هو الشروح التي کانت تکتب علی أشعاره: قام کل من المرزوقي في بدایة القرن 5هـ، والخطیب التبریزي في بدایة القرن 6 هـ، و أبوالبرکات ابن المستوفي في القرن 7هـ، ومحمد الأسود في البدر التمام في شرح دیوان أبي تمام (GAS, II/556-557)، بشرح أشعاره هذه الآثار، فضلاً عن المصادر القدیمة خاصة ابن الندیم، ظ: عزام، 17 و ما بعدها؛ GAS, II/552-554).

وحین نبلغ العصر الراهن تظهر فجأة أکداس من الکتب و المقالات حول أبي تمام، لکن أیاً منها لایضیف شیئاً إلی المعلومات التي کانت لدینا من قبل عن حیاة أبي تمام. فقد ظلت وقائع بعض أسفاره العدیدة و کثیر من حوادث حیاته و کذلک تاریخ کثیر من مدائحه، غامضة کما کانت، وکما یقول ریتر: مایزال من الضروري دراسة أشعاره من هذا الجانب أیضاً (ظ: EI2). لکن من حیث التحلیل الفني لآثار أتمام فقد بذل المحققون المعاصرون جهوداً کبة و حققوا أحیاناً نتائج جدیرة بالاهتمام، رغم أن القارئ یسأم أحیاناً لتکرار المکرّر فیها. ویبدو في بعض هذه الآثار أن ذلک الصراع القدیم حول أبي تمام قد بُعث من جدید بشکل من الأشکال. ومن المناسب أن نشیر إلی کتابین علی سبیل المثال:

ألّف عمر فروخ ة 1935 م کتابه أبوتمام الذي لایتمتع برصانة کافیة. ویبدو أنه کان متأثراً بمحاضرة ألقاها طه حسین عن أبي تمام (الطائی، 5) وانتهج مضطراً نفس نهج حسین، وذلک بأنن بلاشک من أسرةِ و إن اسم أبیه کان تدوس وإن انتسابه إلی قبیلة طیئ کان بالولاء وإنه کان قد تأثر بالث الرومیة – الیونانیة و ...، وهذا الأّسلوب في البحث أثار بشدة المحقق العراقي خضر الطائي إلی الحد الذي خصص فیه کتابه أبوتمام الطائي بأسره لدحض آراء فروخ وطه حسین أحیاناً. وهو یری أن أبا تمام کان من عرق عربي أصیل، ولم یکن أبوه – خلافاً لرأي الآخرین – خماراً، ولم تکن قبیلتا طیئ وإیاد مسیحیتین (ص 9-26)، وکان أبوتمام نفسه أشد الناس محافظة علی فرائض‌‌الدین و ... (م.ن، 46). إلا أن الآراء المتطرفة لخضر الطائي نفسه أدت إن یفتقر کتابه إلی القیمة العلمیة. وإلی جانب هذه الکتب ألف مقالات کثیرة أیضاً، فقد انبری محققون عرب معروفون مثل أنیس المقدسي و بطرس البستاني و شیخو و خفاجي و شوقي ضیف وإحسان عباس و ... لتقدیم ترجمة لحیاته أو نقد آثاره. ومن البدیهي أیضاً أن أیاً من کتب تاریخ الأدب العربي لایخلو من ترجمة لأبي تمام.

ولم ینجز حول أبي تمام باللغات الأوروبیة عمل یعتدّ به، وحتی المقالات المکتوبة عنه فهي قلیلة جداً: فمقالة عبدالحق في «الثقافة الإسلامیة» ذات أسلوب جید، لکنه لم یطلع علی کتاب الصولي أخبار أبي تمام؛ ظ ریتر (ظ: EI2) وهي علمیة ورصینة. وسنشیر خلال الإلی بعض المقالات الأوروبیة أو الشرقیة الأخری.

 

حیاته

إذا کان یشکک أحیاناً في نسبه الطائي، فإن الصولي (أخبار أبي تمام، 59) وأبا الفرج (16/383) والسمعاني (9/23) وآخرین یؤکدون علی نسبه الأصیل (ظ: ابن خلکان، 2/11)، إلا أن هذا الدمر ذاته لایمکنه نفي کون أسرته نصرانیة، ذلک أنه لیس من المستبعد أن تکون جماعات من الطائیین الذین کانوا قد هاجروا إلی شمال جزیرة العرب قبل الإسلام بقرن أو اثنین، قد اعتنقوا النصرانیة شأنهم في ذلک شأن أغلب عرب تلک النواحي.

أما قضیة نصرانیة أسرة أبي تمام، فتتضح من إحدی روایات الصولي (ن.م، 246) حیث یقول: کان اسمه حبیب بن تدوس. وکان أبوه نصرانیاً ولما أسلم تغیر اسمه إلی أوس، ثم لُفقتله أیضاً شجرة نسب في طیئ (قا: ابن خلکان، ن.ص). واعتبر مارغلیوث اسم تدوس (الذي ورد بأشکال مختلفة) معرب ثیودوس (ظ: EI1)، إلا أن النجار (2/72) أشار إلی أن «تدوس» لم یُحرف بل کان شائعاً بهذا الشکل لدی السریان المسیحیین. ویبدو أن هذا الاسم و هذه الروایة هي التي حدت بطه حسین إلی أن یعود إلی أسلوبه المتعارف ویوصله من خلال ذلک إلی الحضارة الیونانیة، ویعدّالشاعر بشکلٍ ما یوناني الأصل (حسین، 2/339). وقد أذعن أغلب المحققین الیوم – و بقلیل من الشک أحیاناً – بنصرانیته (ظ: عبدالحق، 16؛ ضیف، 268؛ فروخ، 23)، إلا أن جماعة أیضاً ثاروا لکونه غیر طائي أو نصرانیاً، ومن بینهم خضر الطائي الذي حمل لهذا السبب بشدة علی عمر فروخ. ومع کل هذا فمن المناسب أن نشیر إلی أنه وفي القصائد التي مدح فیها الطائیین لم یتطرق إلی ذکر شيء عن نصرانیتهم (عبدالحق، ن.ص).

ولد أبوتمام في قریة جاسم قرب دمشق. واعتبر المسعودي، جاسمَ من أعمال دمشق بین بلاد الأردن و دمشق بموضع یعرف بالجولان (7/147)؛ بینما اعتبرها أبوالفرج قریة من منبح (ن.ص)، وذکر یقاوت أن هذه القریة تقع علی بعد 8 فراسخ من دمشق علی الطریق إلی طبریة (البلدان، 2/8).

وهناک اختلاف في تاریخ ولادته، فبین سنتي 172 و 192هـ الواردتین في المصادر (ظ: ابن خلکان، 2/17)، یوجد فاصل زمنیي أمده 20 سنة، وهذا الأمر یجعل عمل المحقق لتحدید فترة طفولته وبدایة شبابه اللتین قضاهما في مصر، أمراً عسیراً للغایة.وقد ذکر هو أنه ولد في 190هـ (الصولي، ن.م، 272)؛ وروی ابنه تمام أن ولادة أبیه کانت في 188 هـ (ن.م، 273؛ قا: ابن الأنباري، 108؛ ابن عساکر، 4/18؛ الخطیب البغدادي، 8/252؛ قا: ابن الأنباري، 108؛ ابن عساکر، 4/18؛ الخطیب البغدادي، 8/252؛ ابن خلکان، ن.ص). ولانجد في آثاره سنداً یُعتدّ به نستطیع علی أساسه تحدید تاریخ ولادته: فقد أشار هو مرة في قصیدة له إلی أنه مکث في مصر 5 سنوات [أخمسة أحوالٍ مضت لمغیبه] (ظ: ط سعید، 241، ط الخیاط، 421)، وفي قصیدة أخری قالها في مدح الحسن بن سهل في العراق، أشار إلی أنه کان حینها ابن 26سنة (ط عزام، 1/115). إذن ومع الأخذ بنظر الاعتبار التواریخ التي قیلت في ولادته، فإن هذا الشعر قد قیل إما في 198هـ أو 214هسنة 192هـ بعیدة جداً إلی الحد الذي تتعارض فیه بشکل واضح مع الوقائع التاریخة). ولاشک في أن أبا تمام کان في العراق فعلاً في 214هـ و هي السنة التي قتل فیها محمد بن حمید الطوسي علی ید بابک الخرمي، حث نظم إحدی أجمل قصائدة في رثائه. ومن الممکن أن تثبت أن أبا تمام کان في العراق سنة 198هـ أیضاً. وفي بدایة عهد الحسن بن سهل التحق برکبه و مدحه. وقد درس البهبي هذا الأمر بجهد کبیر و أشار إلی عدة ملاحظات تاریخیة بإمکانها أن تدل علی وجود أبي تمام في العراق سنة 198هـ (ص 51-60)، إلا أنه کان مدرکاً لعدم کون تلک الأدلي قاطعة. ومع کل هذا فهو یفضل أن یجعل تاریخ ولادته في 172هـ.

ولانعلم بدقة ماذا کانت صنعة أبیه النصراني: أکان عطاراً (ابن خلکان، 2/11)، أم خماراً في دمشق (ابن عساکر، 4/19)، أم کانت له صنعة أخری؟ وواضح أن صنعة بیع الخمر أو حتی العطارة لوالد أحد أکبر شعراء العرب لاترضي بیع الخمر أو حتی العطارة لوالد أحد ؤ شعراء العرب لاترضي بعض أنصاره أو المتعصبین من العرب فیشککون في صحة مثل هذه الروایات (مثلاً الطائي، 19-20؛ البهبیتي، 62 و مابعدها).

أما عن طفولته فهناک أیضاً روایتان: هل کن في طفولته «یخدم حائکاً ویمل عنده» (ابن خلکان، 2/17)، أم «غلاماً یعمل مع قزاز» (ابن عساکر، ن.ص). وکما یبدو فإنه و عائلته لم یکونوا في بلهنیة من العیش، بل کان الصبي مضطراً للعمل لتأمین لقمة العیش. وإذا أخذنا بالرأي الشائع وقلنا إن أسرته کانت مسیحیة، فلامحالة أن یطرح هذا السؤال نسه، و هو أنه متی أسلم؟ فحین ذهب إلی مصر کان یقضي أغلب وقته في المساجد. وعلی هذا لایمکن التشکیک في أنه کان قد أسلم قبل ذلک. لذا ینبغي اعتبار أن اعتناقه الإسلام کان بدمشق في حداثته.

ولیس لدینا اطلاع علی بقیة أوضاعه في دمشق، و ما قیل من أنه «ذهب إلی الکتّاب مثل بقیة الصبیان الفقراء و تعلم القرآن» (البهبیتي، ن.ص)، لیس بعیداً عن الخیال. ومع کل هذا ربما أمکن إضافة روایة عباس خالد البرمکي الواردة في کتاب الموشح للمرزباني (ص 292) إلی أوضاعه في دمشق: أول مانبغ أبوتمام أتاني بدمشق یمدح محمد بن الجهم، وعندما أنشده قصیدته أعطاه ابن الجهم دراهم یسیرة، ثم قال: «إن عاش هذا الشاب لیخرجن شاعراً مجیداً...». إلا أن التصدیق بحدوث هذه الواقعة خلال إمارة محمد بن الجهم لدمشق التي کانت بشهادة ابن عساکر (15/192) و الصفدي (أمراء دمشق، 96) في 225ه، یبدو أمراً عسیراً، ذلک أن أبا تمام کان في تلک السنة في أوج الشهرة والثراء، ولم یکن لیقنع بدراهم یسیرة من أمیر مجهول. و علی هذا فإما أن تکون الروایة مختلقة، أو أن محمداً بن الجهم کان له قبل هذا التاریخ بعشرین سنة منصب أقل أة، وأن أبا تمام کان قد ذهب عنده.

وفیما تلا ذلک أشارت مصادرنا إلی وجوده في مصر، لکن فروخ (ص 25) یعتقد أنه قد ذهب من دمشق إلی حمص وانبری هناک لمدح أسرة ابن أبي عبدالکریم الطائي الذي کان شاعراً، ولهجاء عتبة بن أبي عاصم أیضاً (المرزباني، معجم...، 106؛ ظ: الأمین، 4/496)، ورافق الشاعر الشیعي، المعروف بدیک الجن (تـ 235هـ) ویحتمل أن یکون قد تعلم علیه فن قول الشعر، وتأثر به کثیراً (ظ: الفاخوري، 2/331). ولیس من المستبعد أن تکون میوله الشیعیة مستقاة من هناک. إضافة إلی هذا، فإن فروخ الذي یعده بشکل قاطع غیر طائي (ن.ص)، تصور أنه قد اکتسب نسبة «الطائي» عن طریق الولاء بسبب تقربه في هذه المدینة من أسرة بني عبدالکریم الطائیة. ویری مارغلیوث أیضاً أن ذهابه إلی بي عبدالکریم کان قبل سفره إلی مصر (ظ: EI1)، إلا أن هذا أن یتنافی وروایة ابن خلکان (2/21) الذي یقول نقلاً عن علي بن محمد بن عبدالکریم: لما صار إلینا أبوتمام مقدمه من مصر عمل هذه القصیدة. کما حاول البهبيتي (ص99-100) هو الآخر إثبات عدم إمکانیة هذا الأمر، خاصة وأن الشاعر قد تحدث في إحدی هجاءاته لعتبة عن تأثیر الشام والحجاز والمشرق في شعره (ط یونس، 289، البیت 11). أي أنه کان قد سافر قبلها إلی جمیع تلک المناطق واکتسب شهرة واسعة. فضلاً عن أن هذا الرأي یواجه أیضاً هذه الصعوبة وهي أنه کیفي أبوتمام الثري المغرور – الذي لم یکن یعاشر سوی کبار الشخصیات، والذي کان یأبي أن یهجو شعراء أقل منه درجة – أن یمدح أمیراً مجهولاً و یهجو شاعراً أکثر مجهولیة منه.

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: