الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / ابن الجوزي، ابوالفرج /

فهرس الموضوعات

ابن الجوزي، ابوالفرج


تاریخ آخر التحدیث : 1443/7/28 ۱۳:۴۷:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

حیاته الاجتماعیة – الثقافیة

یمکن القول إن حیاة ابن الجوزي الاجتماعیة تبدأ مع أول مجالس وعظه، حیث یعتبر هذا البعد من حیاته أساس شهرته و انعکس حتی نهایة عمره في آثاره وآثار الآخرین.

الخطابة و الوعظ

صعد المنبر لأول مرة في 520هـ/ 1126م، حیث کان في التاسعة من عمره. یقول أخذوني إلی أبي القاسم علي بن یعلی العلوي الهروي. فعلّمني خطابات من الوعظ و ألبسني قمیصاً، ثم خرج هو إلی رباط قریب من سور المدینة للوداع مع أهالي بغداد، و أرسلني إلی المنبر، فشرحت ما تعلمته منه في اجتماع ضم 50 ألف شخص تقریباً (المنتظم، 9/259).
بلغ ابن الجوزي الشهرة في أیام وزارة ابن هبیرة (544-560هـ). من خلال خطاباته التي کانت تقام في منزله کل جمعة (ابن رجب، 1/403). و کانت الخطوط الأساسیة لمحتوی خطبه إحیاء سلطة الخلافة والدفاع الشدید عن السنّة و معارضة أهل البدعة و مدح الإمام أحمد و أتباعه و انتقاد مخالفیهم (ظ: ن. ص؛ EI2). و کان یشارک في مجالس وعظ ابن الجوزي الخلفاء و الوزراء و العلماء  والرؤساء، ویشیر بنفسه في المنتظم إلی بعض هذه المجالس، فمثلاً یقول: بعد وفاة المقتفي و في بدایة خلافة المستنجد (ربیع الأول 555) أقیم مجلس عزاء مدة 3 أیام في بیت النوبة، حیث تحدثت فیه … خلع المستنجد في نهایة شهر من وفاة والده عليّ و علی جماعة من رجال الحکم و العلماء  وأجاز لي الخطابة في جامع القصر فشرعت بالوعظ في هذا الجامع من 28 ربیع الثاني. و کان یشارک دائماً في هذا المجلس بین 10 إلی 15 ألف شخص (10/193-194).
وصل ابن الجوزي إلی ذروة شهرته في فترة خلافة المستضيء (566-575هـ/1171-1179م)، فأصبح معروفاً بأکبر الوعاظ الحنابلة. و قد أمر الخلیفة في 21 جمادی الأولی 574 أن بینوا دکة في جامع القصر لجلوس و خطابة الشیخ أبي الفتح بن المنّي الفقیه الحنبلي و أمر في جمادی الآخرة من نفس السنة أن یبنوا قبر أحمد بن حنبل، فتألم بشدة أتباع المذاهب الأخری لما تمّ من أجل الحنابلة – ولم یکن ذلک مألوفاً. یقول ابن الجوزي: کان یقول لي الناس: «هذا بسببک فإنه ما ارتفع هذا المذهب عند السلطان حتی مال إلی الحنابلة إلا بسماع کلامک فشکرت الله تعالی علی ذلک» (ن.م، 10/283-284).
وتوفي في 527هـ شیخه و دستاذه أبوالحسن ابن الزاغوني الذي کان له مجلس وعظ و مناظرة في جامع المنصور، عند قبر «معروف» و في باب البصرة و کذلک في مسجد ابن الفاعوس، و حلّ محله في هذا المجلس أبوعلي بن الراذاني، حیث لم یُسند ذلک إلی ابن الجوزي لصغر سنه. فحضر بین یدي أنوشروان الوزیر و أورد فصلاً من المواعظ و بهذا أذن له في الجلوس في جامع المنصور للوعظ. یقول فحضر مجلسي أول یوم جماعة أصحابنا الکبار من الفقهاء منهم عبدالواحد بن شنیف  وأبو علي ابن القاضي و أبوبکر بن عیسی و ابن قسامي و غیرهم. ثم تکلّمت في مسجد عند قبر معروف و في باب البصرة و بنهر معلی، و اتصلت المجالس و کثر الزحام (ن.م، 10/30).
و یقدم ابن جبیر صورة واضحة عن أحد مجالس الوعظ ضمن مشاهداته في بغداد (580هـ/1184م). في خبر «مجالس علم و وعظ» مع مدح مبالغ فیه لشخصیة ابن الجوزي العلمیة و الأدبیة والدینیة: ثم شاهدنا صبیحة یوم السبت مجلس الشیخ الفقیه … ابن الجوزي بإزاء داره علی الشط بالجانب الشرقي … أنه یصعد المنبر ویبتدئ القرّاء بالقرآن و عددهم نیف علی العشرین قارئاً، آیات یتلونها علی نسق بتطریب و تشویق .. فإذا فرغوا أخذ هذا الإمام … في إیراد خطبته … و انتظم أوائل الآیات المقروءات في أثناء خطبته فِقَراً، و أتی بها علی نسق القراءة لها، لامقدماً و لامؤخراً، ثم أکمل الخطبة علی قافیه آخر آیة منها … ثم إنه أتی برقائق الوعظ و آیات بینات من الذکر طارت لها القلوب اشتباقاً و ذابت بها الأنفس احتراقاً إلی أن علا الضجیح… و أعلن التائبون بالصیاح و تساقطوا علیه تساقط الفراشعلی المصباح، کلّ یُلقي ناصیته بیده فیجزها … و منهم من یغشی علیه … و في أثناء مجلسه ذلک یبتدرون المسائل، و تطیر إلیه الرقاع، فیجاوب أسرع من طرفة عین، و ربما کان أکثر مجلسه الرائق من نتاج تلک المسائل (ص 196-198؛ قا: ابن رجب، 1/411).
کما یخبر ابن جبیر عن مجلسین آخرین له في نفس السنة: أحدهما بکرة یوم الخمیس 11 صفر بباب بدر في ساحة قصور الخلیفة و الآخر یوم السبت 13 صفر في نفس المکان، نقل في خبر المجلس الأول أنه حضر في هذا المجلس، بالإضافة إلی عامة الناس، الخلیفة وأمه وآخرون من الحرم (ص 198-199، 200).
أشار ابن الجوزي مراراً في المنتظم إلی مجالسه و رغبة الناس فیها. یکتب مثلاً في موضع: بأمر الخلیفة أقیم مجلس یوم الخمیس بعد العصر 5 رجب 570 في باب بدر. و بدأ الناس منذ صلاة الصبح یأخذون أماکنهم واستؤجرت کل ذکة لـ 18 شخصاً بقیمة 18 قیراطاً. و في النهایة وصل الأمر إلی أن یدفع بعض الحاضرین 6 قیراطات لقاء الجلوس مع هؤلاء الـ 18 شخصاً (10/252). ویقول في مکان آخر: في یوم عاشوراء أقیم مجلس بأمر الخلیفة و بحضوره. توجه الناس من منتصف اللیل إلی باب بدر للاستماع إلی حدیثي. کان ازدحام الناس أکثر من الحد، حتی أغلقوا الأبواب. فاضطر جماعة لاحصر لها أن یقفوا في الطرق المتصلة بهذا المکان (ن.م، 10/256). قال في مکان آخر في 11 رمضان 572 جلست للوعظ في منزل ظهیرالدین صاحب المخزن. فحضر الخلیفة، و أُذن لعامة الناس الدخول، فتکلمت فأعجبهم، حتی قال ظهیرالدین لي: قد قال الخلیفة: «ما کأن هذا الرجل آدمي لما یقدر علیه من الکلام» (ن.م، 10/265).
ویشیر ابن الجوزي في مواضع کثیرة إلی مجالسه الأخری التي کان یحضرها الخلیفة و الوزراء و رجال الحکم و العلماء والفقهاء و القضاة والشیوخ و الرؤساء و سائر فئات الناس. قیل إن عدد الحاضرین کان یبلغ أحیاناً 100 ألف شخص (ن.م، 10/284، مخـ؛ ظ: الذهبي، العبر، 3/119؛ الیافعي، 3/489). و غالباً ما کان عدد کثیر یبتوبون في هذه المجالس و یقطع بعضهم شعر رؤوسهم من فرط التأثر (ابن الجوزي، ن.م، 10/263، 267، 269). و ذکر ابن الجوزي أنه تاب علی یده أکثر من 100 ألف شخص (القُصّاص، 117). وأسلم علی یده أکثر من 100 ألف [؟] (نص). أما سبطه فیقول: أسلم علی یده 1,000 یهودي و نصراني (ابن الجوزي، یوسف، مرآة، 8(2)/482). قالوا إن المستضيء کان یحضر مجالس وعظه دائماً حتی حین مرضه (ابن رجب، 1/407).
من أعمال ابن الجوزي التي لم یسبق لها مثیل تفسیر دورة کاملة للقرآن علی المنبر. یقول في 17 جمادی الأولی 570 أنهیت تفسیر القرآن علی المنبر. فسجدت سجدة الشکر في نفس المکان و قلت منذ زمن نزول القرآن ولحد الآن لااعرف واعظاً فسّر جمیع القرآن في مجلس الوعظ (المنتظم، 10/251).
کان ابن الجوزي یشرع بوعظ الخلیفة في المجالس التي کان یحضرها و کما یقول نفسه في المنتظم خاطب الخلیفة قائلاً: «یا أمیر المؤمنین إن تکلمت خفت منک و إن سکت خفت علیک، فأنا أقدم خوفي علیک لمحبتي لک علی خوفي منک» (10/285).

التدریس و التلامذة

لقد استوعب التدریس بالإضافة إلی الخطابة والوعظ قسماً مهماً من حیاة ابن الجوزي الاجتماعیة. فقد کان أستاذاً کبیراً و مدرساً مقتدراً، و یقول إنه کان یدرّس في خمس مدارس (ن.م، 10/284). أما في المصادر فقد أشیر إلی 4 مدارس:
1. ابن الشمحل: بنی ابن الشمحل هذه المدرسة في المأمونیة و کان ابن الجوزي لفترة یعید دروس أبي حکیم النهرواني فیها. ثم أنیطت هذه المدرسة به و شرع بالتدریس فیها (ن.م، 1/201).
2. بنفشة: کانت هذه المدرسة منزل نظام‌الدین أبي نصر بن جهیر، فاشترته بنفشة و جعلته مدرسة و أناطتها بأبي جعفر الاصباغ. و کان مفتاح المدرسة بیده فترة. ثم أخذته منه و أعطته إلی ابن الجوزي دون أن یطلب هو ذلک. کانت هذه المدرسة، کما یقول ابن الجوزي، وقفاً علی أتباع أحمد بن حنبل طبقاً لکتاب وقفها (ن.م، 10/252-253). بدأ ابن الجوزي درسه في هذه المدرسة من 25 شعبان 570 بحضور قاضي القضاة و حاجب الباب و فقهاء بغداد (ن.ص).
3. الشیخ عبدالقادر: کانت هذه المدرسة حتی زمن وزارة ابن یونس الحنبلي (583-584هـ) بید عبدالسلام بن عبدالوهاب بن عبدالقادر الجیلي. و في هذه السنة و بعد اتهامه وإحراق کتبه أخذت منه مدرسة جده أیضاً و سلمت إلی ابن الجوزي (ابن رجب، 1/425-426).
4. درب الدینار: بنی ابن الجوزي هذه المدرسة عند درب الدینار وأوقفها کتبه (الذهبي، سیر، 21/384). یقول: بدأت العمل في هذه المدرسة في 3 محرم 570 و درّست في ذلک الیوم 14 بحثاً في الفروع العلمیة المختلفة (المنتظم، 10/250).
اعتبرت جماعة من المؤلفین و المحققین المتقدمین و المعاصرین، أمثال دولتشاه السمرقندي (ص 152) و الرازي (1/197)، و حالي (ص 4) و نفیسي (ص 125) ابن الجوزي من مدرسي المدرسة النظامیة في بغداد، وأستاذاً لسعدي الشیرازي، شاعر إیران المعروف، خطأً (ح 600-694هـ)، ویعود هذا الخطأ في الأساس علی أکبر الظن إلی ما أشار إلیه سعدي في «بوستان» (ص 350) عن دراسته في النظامیة ببغداد، کما اعتبر في «گلستان» (ص 80) «الشیخ الأجل أبي الفرج بن الجوزي» من أساتذته. و لایمکن أن یکون هذا الکلام صحیحاً نظراً لتاریخ وفاة ابن الجوزي (597هـ) و تاریخ ولادة سعدي و التاریخ المحتمل لدخوله بغداد (ح 621هـ)، فلابد أن یکون ابن الجوزي المذکور في «گلستان» هو أبو الفرج جمال‌الدین عبدالرحمن بن یوسف بن أبي محمد محیي‌الدین یوسف، سبط أبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي والذي أصبح في 631 هـ مدرس الکرسي الحنبلي في المدرسة المستنصریة نیابة عن أبیه الذي کان قد أرسله المستنصر سفیراً إلی مصر و قتل في 656هـ أثناء سقوط بغداد علی أیدي التتر (ظ: کسائي 200- 202). مضافاً إلی ذلک، فإن الخواجه نظام الملک، باني وواقف المدرسة النظامیة ببغداد، کان قد اشترط في کتاب الوقف بأن المدرسة و أملاکها الموقوفة في الأصل و الفرع هي وقف علی أصحاب الشافعي ویجب أن یکون مدرسوها ووعاظها و متولّو کتبها جمیعاً شافعیي المذهب (ابن الجوزي، المنتظم، 9/66). بناء علی هذا لایمکن القبول بوجود رابطي بین المدرسة النظامیة و بین شخص مثل ابن الجوزي الذي نشأ علی المذهب الحنبلي منذ الطفولة واشتهر واعظاً و شخصیة بارزة بین حنابلة بغداد، وهکذا لایعتد بکلام فؤاد البستاني الذي اعتر ابن الجوزي من تلامذة النظامیة، و مدرسیها (ظ: البستاني).
وقد أخذ العدیدون عن ابن الجوزي في العلوم المختلفة، و قرأ علیه جماعة، منهم طلحة العلثي و أبوعبدالله ابن تیمیة، خطیب حرّان الذي قرأ عنده کتابه في التفسیر زاد المسیر (إبن رجب، 1/425).
وسمع منه الحدیث عدد کبیر من الأئمة و الحفاظ و الفقهاء و غیرهم و قرؤوا علیه تصانیفه.
و روی عنه أیضاً جماعة منهم: ابنه الصاحب العلامة محیي‌الدین یوسف، أستاذ دار المستعصم، و ابنه الآخر، علي الناسخ، وسبطه أبوالمظفر شمس‌الدین یوسف بن قزأوغلي (المعروف بسبط ابن الجوزي)، والشیخ موفق‌الدین ابن قدامة، والحافظ عبدالغني، وابن الدبیثي، وابن القطیعي، وابن النجار، والضیاء، والیلداني، وابن خلیل، وابن عبدالدائم، والنجیب عبداللطیف الحراني و هو خاتمة تلامذته بالسماع (ن.مص؛ الذهبي، سیر، 21/367).
ونالت منه جماعة أخری إجازة الروایة. منهم: ابن جبیر الأندلسي وزکي‌الدین عبدالعظیم المنذري و صائن‌الدین محمد بن الأنجب النعّال البغدادي، و ناصح‌الدین بن الحنبلي الواعظ (إبراهیم، 1/36) و الشیخ شمس‌الدین عبدالرحمن و أحمد بن أبي الخیر والخَضر بن حمویه والقطب بن عصرون (الذهبي، ن.ص) و الفخر علي بن البخاري و هو آخرهم (ابن رجب، 1/425).

المنازعات الدینیة – السیاسیة

لم یمارس ابن الجوزي عملاض آخر غیر الوعظ و التدریس و أحیاناً المشارکة في مناظرات علماء المذاهب المختلفة (ابن الجوزي، المنتظم، 10/258) و التألیف الذي شغل کل وقته تقریباً، حتی أنه لم یغادر بغداد إلا للحج (ن.م، 10/120، 182؛ ابن رجب، 1/411). و لم یشغل أي منصب رسمي و سیاسي، بالرغم من رعایة الخلفاء و أصحاب السلطة له (المنتظم، 10/284؛ ابن رجب، 1/409)، ورغم أنه ینتقد مراراً في صید الخاطر (مثلاً ص 508، 511، مخـ) و في آثاره الأخری مثل تلبیس إبلیس، ارتباط العلماء برجال الحکم، فإنه کان نفسه علی علاقة بالخلفاء والوزراء و سائر أصحاب السلطة کما یستنتج ذلک من مختلف صفحات المنتظم (مثلاً 10/257، 259، مخـ). کما یقول نفسه فإن الخلیفة عهد إلیه المسؤولیة في فترتین: الأولي في 569هـ حیث عُیّن خطیباً للحنابلة، الوحید في بغداد، ومُنع جمیع الوعاظ من إقامة المجالس إلا ثلاثة (ن.م، 10/242)، إلا أنه لایمکن اعتبار هذا المنصب مسؤولیة رسمیة و حکومیة، لأن ذلک یعود علی الأکثر إلی قبول الناس و مکانته لدی أهل مذهبه. والأخری في 571هـ و قد اختیر لدفع البدع باقتراح من صاحب المخزن و بأمر من الخلیفة (ن.م، 10/259)، و یبدو کذلک أن هذا المنصب ذو صبغة دینیة أکثر منه تفویضاً حکومیاً و یحتمل أنه اعتبر قبول هذه المهمة واجباً شرعیاً، نظراً لتعصبه علی أهل البدع وقد ظهر ذلک في آثاره خاصة في تلبیس إبلیس و صید الخاطر (ظ: ابن رجب، 1/403).
إن مخالفته و دفعه للفرق و الجماعات التي کان یعتبرها أهل بدعة، في خطبه و مجالس درسه، وکذلک مواقفه المتشددة ضدهم باعتباره مسؤول دفع البدع، قد خلقت له مشاکل في أواخر عمره:
فقد قیل في سبب ابتلائه: عندما تولی ابن یونس الحنبلي في 583هـ/1187م وزارة الناصر، عقد مجلساً، یحتمل أنه کان بإشارة من ابن الجوزي و بحضوره، ضد عبدالسلام بن عبدالوهاب بن عبدالقادر الجیلي، و أصدر فیه أمراً بإحراق مکتبته بسبب احتوائها علی کتب الزندقة و عبادة النجوم و علوم الأوائل، کما أخذت مدرسة جده منه وسلمت لابن الجوزي (ابن رجب، 1/425-426).
في 590 هـ سلم الناصر وزارته إلی أبي المظفر مؤید‌الدین محمد بن أحمد، المعروف بابن القصاب الذي کان شیعیاً. فاعتقل ابن یونس الحنبلي و أخذ بملاحقة أتباعه. فاشتکی عبد السلام بن عبدالوهاب، لدی ابن القصاب ضد ابن الجوزي باعتباره رجلاً ناصبیاً من أبناء أبي بکر وأحد أکبر أعوان ابن یونس، و قال إنهم أخذوا مدرسة جدّي وسلموها له وأحرقوا مکتبتي بإشارة منه. نقل ابن القصاب هذه القضیة إلی الناصر الذي کان یمیل إلی الشیعة و لم تکن له علاقة بابن الجوزي و کان یتعرض للذم أحیاناً في مجالس وعظه. فأمر الخلیفة أن یسلموا أمر ابن الجوزي إلی عبدالسلام الذي جاء إلی منزل ابن الجوزي و شتمه وأغلط علیه، حیث ختم علی داره و مکتبته و شتت أسرته (أبوشامة، 6؛ الذهبي، سیر، 21/377؛ ابن رجب، 1/425-426).
وقد قیدوا ابن الجوزي و حملوه في سفینة إلی واسط و حبسوه في دار عند «درب الدیوان» و عینوا من یخدمه و یکون بوّاباً لمراقبته. و کان هناک من یذهب إلیه و یسمع منه الحدیث في هذه المدة، وأرسل من هناک أشعاراً کثیرة إلی بغداد. و هکذا أمضی 5 سنوات. و یضیف ابن رجب: مع أنه بلغ الـ 80 من عمره، فإنه کان یتولی شؤونه بنفسه: یغسل الثیاب، و یطبخ الطعام و یستقي الماء من البئر. إذ لم یکن مسموحاً له أن یغادر البیت للاستحمام أو لشأن آخر (ن.ص). و نقل عن ابن الجوزي أنه قال: کنت أختم القرآن مرة في الیوم خلال هذه الفترة، و لم أکن أقرأ سورة یوسف بسبب الحزن الذي کنت أشعر به لفراقي ولدي یوسف. وقد أطلق سراحه في 595هـ و عاد إلی بغداد. فخرج جمّ غفیر لاستقباله بالسرور (الذهبي، العبر، 3/110؛ الغساني، 253؛ ابن رجب، 1/427). فصلی الجمعة بالناس و شارک السبت في مجلس وعظ حضره المدرسون والمتصوفة و شیوخ الرباطات حتی بلغ ازدحام الناس حداً لم یکن صوته یصل آخر المجلس.
وقیل عن إطلاق سراحه من السجن أن ابنه محیي‌الدین یوسف الذي کان نفسه خطیباً طلب العون من والدة الخلیفة التي کانت تتعصب لابن الجوزي، فطلبت من ابنها الناصر أن یعیده إلی بغداد. فعاد ابن الجوزي إلی بغداد و اشتغل کالسابق في الوعظ و الدرس والتألیف حتی مات (ن.ص).

عقائده و آراؤه

رغم أن ابن الجوزي عرف باعتباره الشخصیة الحنبلیة الممتازة في أبامه، و اعتبر معاصروه تألق و قوة المذهب الحنبلي بتأثیر جهوده و شخصیته العلمیة، إلا أن کبار الحنابلة من بعده کالشیخ موفق‌الدین المقدسي قالوا فیه، إننا لم نرض تصانیفه في السنة، ولاطریقته فیها (ابن رجب، 1/414-415؛ الذهبي، سیر، 21/381، 383). و یقول ابن القادسي بعد الثناء علی ابن الجوزي في الزهد و العبادة: إن جماعة من مشایخ أئمة مذهبنا لیسوا راضین عنه، لأنه کان یمیل إلی التأویل في کلامه (ابن رجب، 1/414). و یبدو أن لبعض خطبه في مجالس الوعظ و کذلک لبعض آثاره تأثیراً في إثارة السخط بین أصحابه في المذهب. یقول سبط ابن الجوزي: لعن جدّي أبوالفرج یوماً یزیداً علی المنبر و في حضور الخلیفة الناصر و کبار علماء بغداد، فقام جماعة و ترکوا المجلس (ابن الجوزي، یوسف، تذکرة، 261؛ قا: م.ن، مرآة، 8(2)/496). و یقول أیضاً إن جدّي قال في کتاب الرد علی المتعصب العنید المانع من ذم یزید: جاء في الحدیث أن من یرتکب واحداً بالمائة من أعمال یزید فهو ملعون … و ذکر في هذا المجال أحادیث نقلها البخاري و مسلم في صحیحیهما (ن.ص).
وقالوا إنه کان متأثراً بالخطیب البغدادي في التعصب و الهجوم علی الآخرین، وقد أظهر سبطه في مرآة الزمان الاستغراب من هذا الأمر (محفوظ، 22).

 

الصفحة 1 من5

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: