الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / ابن الجوزي، ابوالفرج /

فهرس الموضوعات

ابن الجوزي، ابوالفرج


تاریخ آخر التحدیث : 1443/7/28 ۱۳:۴۷:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

اِبنُ الجَوزيّ، أبو الفرج جمال‌الدین عبدالرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبدالله بن حُمّادي بن محمد بن جعفر الجوزي القرشي التیمي البکري البغدادي (ح 511-597هـ/ 1117-1201م)، مؤرخ وواعظ و مفسر و فقیه حنبلي. یصل نسب عبدالرحمن إلی ابن الخلیفة الأول محمد بن أبي بکر (الذهبي، تذکرة، 4/1342). جاءت شهرته بابن الجوزي بسبب انتساب جده إلی فرضة من فرض البصرة یقال لها جوزةأو محلة الجوزة في غرب بغداد (ابن الجوزي، یوسف، مرآة، 8(2)/481؛ ابن خلکان، 4/142؛ قا: الذهبي، ن.ص). وقد لقبه بعض من روی عنه بالصفار لاشتغال أسرته بتجارة النحاس (الذهبي، ن.م، 4/1344؛ قا: ابن خلکان، ن.ص).
ولد عبدالرحمن في محلة درب حبیب (أو باب حبیب) ببغداد (ابن رجب، 1/400). وذکر المؤرخون ولادته بین سنتي 508-512هـ/1114-1118م. وقد نقل ابن رجب روایتین لابن الجوزي حول سنة ولادته: الأولی أنه کتب بخطه: «سنة ولادتي لیست معلومظ بشکل دقیقف والذي أعرفه هو أنني کنت في حوالي الثالثة، حیث توفي والدي في 514هـ»؛ والأخری هي: في عام وفاة أستاذي، ابن الزاغوني (527هـ)، بلغت سن البلوغ» (ن.ص). وعلی هذا تکون ولادته في 511 أو 512هـ.
أمضی ابن الجوزي طفولته بالصلاح و الرفاه و العفاف (ابن الجوزي، عبدالرحمن، صید الخاطر، 578؛ ابن رجب، 1/412) و تحت رعایة أمه و عمته، لم یختلط بأحد، ولم یلاعب الأطفال (ابن کثیر، 13/32). و ذکر أن أمه لم تکن تهتم به کثیراً (عبدالواحد، 4، نقلاً عن صید الخاطر)، وأرسلته عمته إلی خاله، أبي الفضل محمد بن ناصر البغدادي لطلب العلم (ابن رجب، 1/400، 412؛ ابن خلکان، 4/293؛ الذهبي، ن.ص؛ ابن العماد، 4/330). و یقول في المنتظم: «وهو [أبوالفضل البغدادي] الذي تولی تسمیعي الحدیث، فسمعت مسند الإمام أحمد بن حنبل بقراءته و غیره من الکتب الکبار والأجزاء العوالي علی الأشیاخ و کان یثبت لي ما أسمع» (10/162-163، وأیضاً 7-8، 164). وقال أیضاً في أول مشیخته: «حملني شیخنا ابن ناصر إلی الأشیاخ في الصغر، وأسمعني العوالي [أحادیث لها أسانید عالیة] و أثبت سماعاتي کلها بخطه، وأخذ لي إجازات منهم، فلما فهمت الطلب کنت ألازم من الشیوخ أعلمهم و أوثر من أرباب النقل أفهمهم، فکانت همتي تجوید العُدد لاتکثیر العَدد» (ص 53؛ ابن رجب، 1/401).
کان أول سماع ابن الجوزي في الخامسة من عمره (516هـ) (الذهبي، ن.م، 4/1342). و یقول في صید الخاطر: «إني رجل حُبِّبَ إليّ العلم من زمن الطفولة فتشا غلت به، ثم لم یحبَّب إليّ فنّ واحد منه بل فنونه کلها» (ص 95). و«لقد کنت في حلاوة طلبي العلم ألقی من الشدائد ماهو عندي أحلی من العسل من أجل ما أطلب و أرجو. کنت في زمن الصبا آخذ معط أرغفة یابسة فأخرج في الحدیث وأقعد علی نهر عیسی فلا أقدر علی أکلها إلا عند الماء. فکلما أکلت لقمة شربت علیها و عین همتي لاتری إلا لذة تحصیل العلم» (ص 316). فکان معجباً بالمطالعة کما یقول: «ما أشبع من مطالعة الکتب… ولقد نظرت في ثبت الکتب الموقوفة في المدرسة النظامیة فإذا به یحتوي علی نحو 6,000 مجلد، و في ثبت کتب أبي حنیفة و کتب الحمیدي و کتب شیخنا عبدالوهاب بن ناصر و کتب أبي محمد بن الخشاب و کانت أحمالاً، و غیرذلک من کل کتاب أقدر علیه. ولوقلت إني طالعت 2,000 مجلد کان أکثر، و أنا بعد في الطلب» (ن.م، 571-572).

دراسته و أساتذته

إن ماکتبه ابن الجوزي في المشیخة ووفیات المنتظم في باب مشایخه و أساتذته، یعطي صورة واضحة نوعاً ماعن العلوم التي تعلمها. و بملاحظة تاریخ وفاة أساتذته یتضح أنه حضر في طفولته و فتوَّته جلسات درس کثیر من عظماء العلم و الأدب و أخذ منهم إجازة تحریریة أو شفهیة في علوم العصر المتداولة. وأشهر اساتذته هم:
1. أبوالفضل محمد بن ناصر بن علي بن عمر البغدادي (تـ 550هـ/ 1155م)، المعروف بالسلامي، الحافظ والأدیب الذي تولی أول تعلیمه و توجیهه و إرشاده العلمي و الأخلاقي (المشیخة، 53).
2. أبوالقاسم علي بن یعلی العلوي الهروي الذي هو أول أستاذ له في الخطابة و کان صعود ابن الجوزي المنبر في التاسعة من عمره بتشجیعه (ن.م، 114-115).
3. أبوالسعادات أحمد بن أحمد … بن المتوکل (تـ 521هـ/1127م) الذي علَّمه الحدیث و کتب له إجازة بخطه و أوصل نسبه فیها إلی المنصور الدوانیقي (ن.م، 65-67، المنتظم، 10/7).
4. فاطمة بنت الحسین بن الحسن بن فضلویه الرازي (بنت محمد بن الحسین بن فضلویه الرازي البزاز: مشیخة، 198) التي قرأ علیها ابن الجوزي کتاب ذم الغیبة تألیف إبراهیم الحربي، کذلک قرأ علیها بعض مجالس ابن سمعون و مسند الشافعي و غیرها (المنتظم، 10/7-8).
5. أبوعبدالله الحسین بن محمد بن عبدالوهاب (تـ 524هـ/1130م)، النحوي اللغوي و الشاعر المعروف بالبارع، علَّمه الحدیث وأجازه تحریریاً (المشیخة، 73-75، المنتظم، 10/16-19).
6. أبو نصر أحمد بن محمد بن عبدالقاهر الطوسي (تـ 525هـ)، علّمه الحدیث و أجازه نقل جمیع روایاته (المشیخة، 110-111، المنتظم، 10/21).
7. أبوالقاسم هبة الله بن محمد الشیباني الکاتب (تـ 525هـ) علّمه مسند أحمد بن حنبل و الغیلانیات و أجزاء المزکّی. و یشیر ابن الجوزي إلی أنه درس عنده غیر ذلک من الکتب و کتبها، علی قراءة شیخه أبي الفضل محمد بن ناصر (المشیخة، 53-54، المنتظم، 10/24).
8. أبو العز أحمد بن عبیدالله، المعروف بابن الکادش (تـ 526هـ) وقد أجازه روایة ماسمعه منه (المنتظم، 10/28).
9. ابوالحسن علي بن عبیدالله الزاغوني (تـ 527هـ)، المحدث والنحوي اللغوي و الفقیه الخطیب، کانت لابن الجوزي صداقة معه و قرأ علیه الحدیث و الفقه و الوعظ (المشیخة، 79-81، المنتظم، 10/30، 32).
10. أبوبکر محمد بن عبدالله العامري (تـ 530هـ/ 1136م). المعروف بابن الجنازة، المحدث الفقیه و الواعظ المتصوف الذي علّمه الحدیث والتفسیر (المشیخة، 142-145، المنتظم، 10/64).
11. أبوالقاسم نصر بن الحسین المقري، المعروف بابن الحبار (تـ 531هـ) تعلّم عنده قراءات القرآن (المنتظم، 10/71).
12. أبوبکر أحمد بن محمد بن أحمد الدینوري (تـ 532هـ). الفقیه والمحدث و أستاذ المناظرة، اشترک ابن الجوزي في دروسه مدة (المنتظم، 10/73).
13. أبو سعد إسماعیل بن أحمد المؤذن النیشابوري (ت 532هـ)، الفقیه الکبیر الذي أجازه تحریریاً في نقل جمیع روایاته (المشیخة، 109-110، المنتظم، 10/74).
14 و 15. أبو المظفر عبدالمنعم بن عبدالکریم بن هوازن القشیري (تـ 532هـ) و أبو القاسم الزاهر بن الطاهر الشحامي (تـ 533هـ) و قد أجازاه الروایة (المنتظم، 10/75، 79، 80).
16. شافع بن عبدالرشید الجیلي (تـ 541هـ). و کان ابن الجوزي في طفولته یحضر حلقة درسه و یتعلم علیه (ن.م، 10/121-122).
و من أساتذته الذین أجازوه أغلبهم في نقل الحدیث هم:
17. أبوبکر الوجیه بن طاهر النیشابوري (ن.م، 10/124).
18. أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي (تـ 542هـ/1147م) الذي علّمه کتاب شمائل النبي تألیف أبي عیسی الترمذي و غیر ذلک (المشیخة، 141-142، المنتظم، 10/128).
19. أبوالفتح عبدالملک بن عبدالله بن أبي القاسم عبدالله بن أبي سهل الکروخي (تـ 548هـ)، سمع منه ابن الجوزي، جامع الترمذي و مناقب أحمد بن حنبل و غیرهما (المشیخة، 87-88، المنتظم، 10/154).
20. أبوإسحق عبد الأول بن عیسی السجزي الهروي (تـ 553هـ/ 1158م)، مدرس الحدیث في النظامیة ببغداد (ابن خلکان، 2/392). وقد روی لابن الجوزي صحیح البخاري علی روایة الداودي و کذلک مسند الدارمي و منتخب مسند عبدبن حمید (ابن الجوزي، عبدالرحمن، المنتظم، 10/177، 182-183).
21. أبوحکیم إبراهیم بن دینار النهرواني (تـ 556هـ)، العالم بالمذهب الحنبلي و الخلاف و الفرائض و مدرس مدرسة ابن الشمحل و مدرسة باب الأزج. یقول ابن الجوزي: تعلمت القرآن و المذهب و الفرائض عنده و أعدت درسه في مدرسة ابن الشمحل فترة و بعده أنیطت المدرسة بي وقمت بالتدریس هناک (المشیخة، 184، 186، المنتظم، 10/201-202؛ ابن رجب، 1/404).
22. أبوالبرکات سعدالله بن محمدبن علي بن أحمدي (تـ 557هـ)، الذي سمع عنه ابن الجوزي کتاب السنة للالکائي بروایة الطریثیثي (المنتظم، 10/204، المشیخة، 191-193: سعدالله بن علي بن محمد).
33-31. أبوبکر محمد بن عبدالباقي الأنصاري (المشیخة، 54-58، المنتظم، 10/92-94)؛ أبوالقاسم إسماعیل بن أحمد السمرقندي (المشیخة، 82-85، المنتظم، 10/98)؛ أبو نصر أحمد بن منصور بن احمد (حمدبن منصور بن حمد: المشیخة، 163-164) الصوفي الهمداني (المنتظم، 10/99-100)؛ الحافظ أبو البرکات عبدالوهاب بن مبارک الانماطي (المشیخة، 85-86، المنتظم، 10/108، صید الخاطر، 200)؛ أبوالمعالي عبدالخالق بن أحمد بن عبدالصمد الشیباني، المعروف بابن البدن (المشیخة، 101-103، المنتظم، 10/109)؛ أبوالحسن محمد بن أبومنصور محمد بن عبدالملک بن الحسن بن إبراهیم بن خیرون المقري، کان آخر من روی بالإجازة عن الجوهري (صاحب الصحاح) (المشیخة، 81-82، المنتظم، 10/115)؛ أبوسعد أحمد بن محمد البغدادي الأصفهاني (المشیخة، 93-96، المنتظم، 10/116-117)؛ أبو منصور موهوب بن أحمد الجوالیقي (تـ 540هـ) مدرس الأدب في نظامیة بغداد (السیوطي، بغیة، 401) الذي درس ابن الجوزي عنده الحدیث وغریب الحدیث والأدب و اللغة و قرأ کتابه المعرّب و بقیة مؤلفاته (المشیخة، 124-126، المنتظم، 10/31، 118، صیدالخاطر، 200).
ذکر ابن الجوزي في أکثر صفحات المنتظم و خاصة في وفیاته ذلک (ج 9، 10) أکثر من 70 و في المشیخة (ص 197-202) 89 من أساتذته الذین نال الإجازة بالروایة من أکثرهم (ابن رجب، 1/401).

عصره

تزامنت فترة حیاة ابن الجوزي مع خلافة 6 من الخلفاء العباسیین: المسترشد (512-529هـ/1118-1135م)، الراشد (529-530هـ)، المقتفي (530-555هـ)، المستنجد (555-566هـ)، المستضيء (566-575هـ) والناصر (575-622هـ).
کانت بغداد في هذه الفترة شأنها شأن بقیة المدن، و مثل کثیر من الفترات، ملیئة بالاضطراب و مرکزاً للمواجهات الحادة بین الفرق المختلفة و الجماعات الکلامیة و المذاهب الفقهیة والتي کانت تظهر بأشکال مختلفة کالمناظرة والمجادلة والنزاعات الشیدیدة. و في هذه المواجهات کانت فرقة أو جماعة ما تهیمن علی بقیة الجماعات من خلال انتقال السلطة من خلیفة إلی آخر و أحیاناً أثناء عزل وزیر و تعیین آخر أو تسنّم أمیر زمام الأمور. کذلک کان یحدث أحیاناً أن یحمل بعض العلماء خلیفة أو وزیراً علی المیل إلی مذهبه بقوة بیانه أو شخصیته العلمیة أو المذهبیة و یهیيء ظروف تفوق و تألق مذهبه و إقصاء المعارضین عن الساحة. وماورد من الأحداث المذکورة في المنتظم یمکن أن یعکس إلی حدما الصورة الفکریة والاجتماعیة آنذاک.
وفي 515هـ قدم بغداد القاضي أبوالقاسم إسماعیل بن أبي العلاء الصاعد البخاري، المعروف بابن الدانشمند، مدرس الحنفیین، وجلس للوعظ في دار السلطان و کان السلطان و خاصّته یحضرون مجلسه، واشتکی الشافعیون إلی دار الخلافة بأن ابن الدانشمد لایحترم کبار مذهبنا (9/224).
کان لأبي الفتوح محمد بن الفضل الإسفراییني، المعروف بابن المعتمد (ت 538هـ) مجلس في رباطه، یتحدث فیه وفقاً للمذهب الأشعري. وقد أثارت أحادیثه الفتن و اللعنات و حدثت مشادّات بینه وبین أبي الحسن علي بن الحسین الغزنوي (تـ 551هـ). وأخذ أحدهما یشتم الآخر علی المنبر. فذهب أبوالحسن الغزنوي إلی السلطان و قال: إن أبا الفتوح یثیر الفتنة، و أثار في بغداد الشغب مراراً، و من الأصلح طرده من المدینة. فأمر السلطان و طُرد أبوالفتوح في رمضان من نفس العام (10/107-108، 110-111).
لم یکن دبوالحسن الغزنوي الذي کان یمیل إلی التشیع کما یقول ابن الجوزي یحترم أسرة الخلافة کثیراً، فبعد وفاة السلطان مسعود (547هـ/ 1152م) تعرض نفسه للمحنة، و صودرت أمواله و مُنع من الخطابة (10/ 168، وأیضاً ظ: 125).
وفي بدایة خلافة المستضيء، شرع أبوالمظفر محمد بن محمد البروي (تـ 567هـ) بنشر المذهب الأشعري و ذم الحنابلة (10/239). وذکر ابن الجوزي أنه قال في خطبته في النظامیة لو کان الأمر بیدي لفرضت الجزیة علی الحنابلة. ولهذا سمّهُ الحنابلة و ابنه الصغیر و زوجته (ن. ص، الهامش).
وکانت حدة الصراع و الاختلافات بین الفرق و المذاهب تشتد أحیاناً بحیث تنتهي إلی منع الوعاظ من صعود المنبر، و کما جاء في المنتظم، منع الوعاظ من أواسط 550 هـ إلی بدایة 552 هـ من الخطابة علی المنابر إلاثلاثة (10/169).
وفي خضمّ الأحداث التي ذکرها في المنتظم، و رغم الضغوط الکثیرة التي مارسها أهل السنة والحکام العباسیون فإن هناک دلائل علی محاولات الشیعة الاثني عشریة للوصول إلی السلطة:
وقد قبض في 547هـ علی شخص متصوف کان یعظ الناس، فحمل إلی الدیوان، فعثروا عنده علی ألواح من الطین کتب علیها أسماء الأئمة الاثني عشر، ثم طافوا به مکشوف الرأس في محلة باب النوبي بتهمة الرفض و فرضوا علیه الإقامة في بیته بعد تأدیبه (10/147-148). وفي 559هـ جاب المحتسب بأمر الوزیر جماعة من حاکة الحصران في المدینة، کانت جریمتهم کتابة أسماء الأئمة الاثني عشر علی الحصران (10/208).
وتتحدث روایات أخری أیضاً عن الجو الملائم لقبول التشیع. کما یعتبر ابن الجوزي أحد أسباب اهتمام الناس بصدقة بن الوزیر الواسطي الذي کان یخطب في بغداد، هو أحادیثه الرافضیة (10/204). ویمکن أیضاً أن یکون ذهاب المقنفي في 553 هـ لزیارة مرقد الإمام الحسین (ع) أحد الأدلة علی نفوذ التشیع وقوته آنذاک (ظ: 10/181). وجاء أیضاً في أحداث سنة 571هـ أن التشیع کان قد قوي في هذه الأیام، حتی أن صاحب المخزن یکتب إلی الخلیفة بوجوب تقویة ابنالجوزي في مواجهة البدع (10/259؛ ابن رجب، 1/407). وفي هذه الفترة وجد التصوف فرصة مناسبة للرقي أیضاً، وتؤید الروایات هذا الکلام: أسست بنفشة، جاریة الخلیفة المستضيء، رباطاً في سوق المدرسة للنساء افتتحته بنفسها وتحدثت فیه و خصَّصته لأخت أبي بکر الصوفي شیخ رباط الزوزني (المنتظم، 10/271). وجعل أبوالحسن محمد بن المظفربن علي بن مسلمة (تـ 542هـ) منزله في دار الخلافة رباطاً للصوفیة (ن.م، 10/129).
وهکذا بصور ابن الجوزي أیامه في صید الخاطر: «احذر کل الحذر من هذا الزمان و أهله فما بقي مواس و لامؤثر، و لامن یهتم لسدِّ خلّه، ولا من لوسئل أعطی إلا أن یعطي نذراً بتضجر» (469). و یقول في موضوع آخر: «وأکثر القوم یخاف علی منصبه، فیفعل ما أمر به و إن لم یجبر. و ربما رأیت في هذا الزمان أقواماً یبذلون المال لیکونوا قضاة أو شهوداً، و مقصودهم الرفعة، ثم أکثر الشهود یشهد علی من لایعرفه، ویقول إنه معروف و یدري أنه کذاب، و إنما عرف لأجل حبّة یُعطاها. وکم وقعت علی غیر المشهود علیه، أو علی مکره» (ص 445). ویقول حول المدارس: «تم إن بناء المدارس الیوم مخاطرة. إذ قد انعکف أکثر المتفقّهة علی علم الجدل، و أعرضوا عن علوم الشریعة، و ترکوا التردد علی المساجد واقتنعوا بالمدارس و الألقاب» (ص 475). ویقول عن الرباطات و الخانات: «وأمابناء الأربطة فلیس بشيء أصلاً، لأن جمهور المتصوفة جلوس علی بساط الجهل والکسل، ثم یدعي مدعیهم المحبة والقرب، ویکره التشاغل بالعلم، وقد ترکوا سیرة سري و عادات الجنید» (ن.ص).
یعتبر ابن الجوزي أیامه عهد الریاء و طلب الشهرة و خداع العوام و تربیة المریدین و یقول: «فتری أحدهم یلبس الثوب الذي یری بعین الزهد، و یأکل أطایب الطعام، ویتکبر علی أبناء الجنس و یصادق الأغنیاء، و یباعد الفقراء، و یحب الخطاب بمولانا، و یمشي بحاجبه، ویضیع الزمان في الهذیان، و یتقوّت بخدمة الناس له و التسلیم علیه» (ن.م، 485). وأکثر السلاطین یحصلون الأموال من وجوه ردیة وینفقونها في وجوه لاتصلح، و کأنهم قد تملکوها ولیس مال الله، والعلماء لقوة فقرهم و شدة شرههم یوافقون الأمراء و ینخرطون في سلکهم (ن.م، 510).
والمسألة التي تثیر التأمل في عصر ابن الجوزي (القرن 6 هـ/ 12م) هي السکوت الواضح إلی حدّما لجهاز الخلافة و عظماء بغداد إزاء أحد أکبر أحداث تاریخ العالم، أي الحروب الصلیبیة (490-690هـ/ 1094-1291م) والتي وقعت بین المسلمین و المسیحیین و بعبارة أخری بین الشرق و الغرب، و استمرت قرابة 200 عام. عاصر ابن الجوزي و هو المسلم و العالم و المؤرخ فترتین من هذه الحروب تقریباً و عاشهما: فترة الفتوحات الصلیبیة، أي احتلال قسم کبیر من الشام و إقامة الإمارات اللاتینیة في مدن القدس و أنطاکیة و طرابلس و أورفة، و فترة ردّ فعل المسلمین مقابل الصلیبیین بقیادة قادة المجتمع الإسلامي أمثال عماد‌الدین زنکي و نورالدین زنکي، ثم صلاح‌الدین الأیوبي واستعادة القدس و بقیة المدن المهمة والذي کان ردّ فعل ذاتي تقریباً من دون الارتباط بمرکز الخلافة.
لقد کان الخلفاء العباسیون الضعاف، والأمراء والوزراء الباحثون عن السلي و علماء بغداد الغافلون من شغلین باللعب السیاسیة و النزاعات و تحقیق السلطة الفردیة، والنزاعات الکلامیة والصراعات الدینیة إلی حدّ لم یتخذوا إجراءً لإثارة المسلمین و إرسال القوات للمواجهة، بل بقیت طلبات الإغاثة المکررة لجماعات من أهالي الشام المتضررین بالحرب والذین لجأوا إلی بغداد من دون جواب (حتی، 807-822).
ولانلاحظ في آثار ابن الجوزي أیضاً، ما یشیر إلی تعاطفه وقلقه إزاء هذه الحرب الکبیرة کما هو متوقع؛ حتی أننا لانجد في المنتظم، و هو أکبر کتبه التاریخیة شیئاً جدیراً بالاهتمام أیضاً سوی أخبار قصیرة عن هذه الحروب التي کانت تتخلّل أحیاناً الحوادث السنویة التي کان یذکرها.

 

الصفحة 1 من5

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: