الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإباضیة /

فهرس الموضوعات

الإباضیة


تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/23 ۱۲:۵۹:۳۴ تاریخ تألیف المقالة

ح. وقائع آخر الزمان

إن أهم کتاب للإباضیة یتحدّث بوضوح عن علامات و وقائع آخر الزمان (ن. ع) هو قناطر الخیرات للجیطالي، حیث یعدّد علامات آخر الزمان بالاستناد إلی عدد من الروایات تحت عنوان أشراط الساعة (ن. ع) و یشیر من بینها إلی: اقتتال فرقتین عظیمتین دعواهما واحدة، ویسود الأشرار الأخیار، و یظهر الدجّالون الکذّابون مدّعي النبوة، وتکثر الزلازل، ویقل المطر، وتقطع الأرحام، وتزین المصاحف و تزخرف المساجد، ویمیل العلماء إلی کنز الأموال و … (3/530-531؛ الدرجیني، 1/156)، ویروي الجیطالي عن الرسول الأکرم (ص) قوله: لاتقوم الساعة حتی تکون ست «خصال»: 1. طلوع الشمس من مغربها؛ 2. فتنة الدجال (ن. ع)؛ 3. نزول عیسی بن مریم (ع)؛ 4. خروج یأجوج و مأجوج (ن. ع)؛ 5. خروج دابة الأرض (ن. ع)؛ 6. الخسوف وغیر ذلک من الحوادث الأرضیة والسماویة. وقد شرح هذه الخصال واحدة واحدة بالتفصیل (3/531-537). وعند إباضیة المغرب عقائد عجیبة عن وقائع آخر الزمان تجهلها الفرق الإسلامیة الأخری کلیّاً (لویتسکي، «عقیدة واحدة…»، 317) ومنها أن کل من حفظ دینه و إیمانه من الإباضیة یجتمعون في آخر الزمان في أرض شبه أسطوریة تدعی: «جُغراف» (ن.ص) وجُغراف المنزل الأخیر للمؤمنین والزهاد من الإباضیة، یقیمون فیه إلی حین نهایة العالم. ویروی أن إقامتهم في جُغراف تستغرق 3 سنوات (ن. م، 321). و لاشک في أن الروایات المتعلّقة بأرض جُغراف من إبداع و تلفیق سکان شمال إفریقیا (ن. م، 326-325).
و کان الإباضیون في شمال إفریقیا ینتظرون أن ینتهي عمر العالم في القرن 5 هـ/ 1016 و 1062 م، أن آخر العالم و توجّه المؤمنین إلی جغراف قریب جداً، حتی إن یعض الإباضیین بادروا إلی القیام ببعض الهجرات لیکونوا أقرب من جغراف (ن. م، 322). وکان الحکیم و المصلح الإباضي الکبیر الشیخ أبو عبدالله محمد بن بکر النفوسي (تـ 440هـ/1048م) یؤمن إیماناً راسخاً بقرب آخرالزمان، وأن علی المؤمنین أن یبادروا بالذهاب إلی دیار جُغراف، وکان نفسه مصمّماً علی التوجّه إلیها مع جماعة من المؤمنین، وقد ساروا عدداً من المنازل في جوف الصحراء، ولکنهم اضطروا أخیراً للعودة إلی ورقلة أوأودریغ. ومع ذلک فقد کان طیلة حیاته یتکهّن بأنه سیموت في جُغراف، حتی إن معاصریه کانوا یدعونه بملک جُغراف (ن. م، 323).
ولم یحدّد البربر الإباضیة في البدایة مکاناً معیّناً لجغراف، ولم یشر إلی موضعها في أقدم الروایات، ولکنهم اعتبروها فیما بعد اودریغ نفسها (ن. م، 325). وکان الشیخ أبو عبدالله النفوسي یزعم أنها في الصحراء الواقعة في الطرف الآخر من ورقلة، و زغم محدّث آخر من الإباضیة أن ورقلة نفسها مرکز جُغراف. و کان یعتقد في النصف الثاني من القرن 5 هـ/11م و کذلک في القرن 6هـ/12م أن جغراف هي أُریغ أو أودریغ الحالیة (ن. م، 324)، ولکن من المحتمل جداً أن تکون جُغراف أو جوغرَف هي وادي تُرغَرف أو جُغراف الواقع في سلسة جبال مویدر أو أمدر، غربي منطقة أهَگر الجبلیة، وهوواد مؤنق یمتاز بهواء طیب، کان قدبقي ذکراه في الأذهان (ن. م، 327-326)، وقد ظلّ المضطهدون من الإباضیة یعتقدون بأن ذلک المکان سیکون ملجأهم في غضون البلاء والمصائب في آخر الزمان، ویتوقون للذهاب إلیه.

الآراء السیاسیة

رأینا أن الإباضیة انفصلوا عن الفرق الأخری من الخوارج، واختطوا لأنفسهم نهجاً خاصاً، ولکن وجوه اختلافهم کما سبق وأن لاحظنا کانت في بعض المسائل الکلامیة و نظرتهم إلی الخلفاء الراشدین. إلا أن نظریات الإباضیة في الآراءالسیاسیة ولاسیما في قضیة التحکیم ظلّت الوجه المشترک بینهم و بین فرق الخوارج الأخری. أمّا الإباضیة المعاصرون الذین یحاولون إنکار صلتهم بالخوارج لایعتبرون ذلک دلیلاً علی وحدة اعتقادهم معهم فأنهم یزعمون أن اتفاقهم مع الخوارج في هذه المسائل و في قضیة الخلافة لایعني أنهم طائفة واحدة وفرقة دینیة واحدة (ظ: معمر، 1/37).
ولم یکن الإباضیون الأوائل یبدون هذا القدر من الحساسیة، بل کانوا یعتبرون أنفسهم من المحکّمة الأولی (الأشعري، 1/170، 171). ویذکر الدرجیني في الطبقة الأولی من مشایخ الإباضیة بعد صحابة الرسول (ص)، عبدالله بن وهب الراسبي (2/200) ویجعل حِرقوص ابن زهیر بعده في هذه الطبقة (2/202-204). وهذان من قادة و زعماء الخوارج الأوائل الذین خرجوا علی علي (ع) في قضیة التحکیم.

الف. الإباضیة و الخلفاء الراشدون

رغم أن الإباضیین الجدد یتبرؤون من الخوارج، إلا أن معمراً یدافع في کتابه عن مواقف الخوارج تجاه الإمام (ع) (2(2)/273) و یصّرح باتفاق الإباضیة والخوارج في رأیهم الخاص بالخلافة (1/63-64). ویصف الدرجیني حرکة الخوارج بعد قضیة التحکیم فیقول: إنهم تبیّنوا طریق الاعتدال والعدل، ونجوا من تلک المحن والافتتان (2/202). ویعتقدون بأن معاویة باغ ظالم، و الإمام علي (,) عزل من الخلافة لقبول التحکیم، فلیختاروا عبدالله بن وهب الراسبي خلیفة خامساً (معمّر، 1/24).
 ویعتقد الإباضیة کبقیة الخوارج أن الإمامة حق شرعي لایجوز فیه التردّد، و أنه لیس من حق حتی الإمام علي (ع) نفسه أن یشک في إمامة أجمعت علیها الأمة و لا أن یتساهل فیها، و یدّعون أن الإمام علي (ع) شک في هذا الحق بقبول التحکیم فلم تبق له في أعناق الناس بیعة، واختاروا انتخاب خلیفة آخر (ظ: معمّر، 1/19-20، 23). و رغم أن الإباضیین الیوم لایعتبرون أنفسهم من الخوارج، فهم یدعون أن أهل النهروان یستحقون الثناء و لایرون خلافاً لرأي الأکثریة الساحقة من المسلمین أن علیّاً محقّ في قتالهم (ظ: الباروني، 73-74).
و تتّفق آراء الإباضیة في بقیة الخلفاء الراشدین مع آراء سائر الخوارج أیضاً، فابن إباض یتبرّأ في الرسالة التي أرسلها إلی عبدالملک بن مروان من عثمان لما أتاه من بدع في‌‌الدین و ابتعاده عن طریق السلف، و یری أن أعماله کانت خلافاً لسنة النبي الأکرم (ص)، ولکنه لایورد حکماً صریحاً في الإمام علي (ع) (ظ: الباروني، 19-23).

ب. مسالک الإباضیة الاجتماعیة

للإباضیة في الحیاة الاجتماعیة أربعة مسالک: مسلک الظهور و مسلک الدفاع و مسلک الشِّراء ومسلک الکتمان (معمر، 1/93؛ اسمیث، 284). فإذا عاش المجتمع الإباضي حرّاً مستقلاً في أراضیه عاملاً بأحکام دینه، لایخضع لمعتد ولایستبد به حاکم أو تستولي علیه قوانی خلاف الشرع (من وجهة نظر هذا المذهب) فهو في وضع مسلک الظهور (معمّر، ن. ص) و في مثل هذا الوضع قد اکتملت جمیع الشروط لتأسیس الإمامة، وقد وجد الرسول الأکرم – کما ورد في عقیدة الإباضیي – في أواخر حیاته أن الشروط مناسبة لتأسیس الإمامة (اسمیث، 284-283؛ ظ: الدرجیني، 1/6).
وإذا لمجتمع شروط مسلک الظهور، بأن یسیطر علی المجتمع حاکم جابر لایأبه بالأحکام الإِلهیة أو عدو أجنبي، یصبح المسلمون في وضع مسلک الدفاع، ویجب وضع جمیع الإمکانیات في المجتمع لخدمة الدفاع والقیام بالعمل، و الزعیم في هذه الحالة یسمی إمام الدفاع (معمّر، 1/94)، و إمام الدفاع لیس قائد دولة مکتملة، و إنما هو مقاتل قوي یدافع عن مصالح الإباضیة حتی بالتعاون مع القوات الأجنبیة عند الضرورة (اشتروتمان، 272)، و یعتبر عبدالله بن وهب الراسبي – کما یقول مؤلف عقیدة الإباضیة – نموذجاً لإمام الدفاع (اسمیث، 284).
فإذا ضعف المجتمع الإباضي وضعف عن القتال المباشر حلّ مسلک الشراء أي ثورة قلة منهم (لاتقل عن 40 شخصاً) من الفدائیین، یعلنونها علی الفساد ومواجهة الظلم، وهم یدعون بالشُّراة (جمع شار)، و عندما تضطر الظروف – کالتزود و تأمین حوائجه – أحدهم للعودة إلی مدینته و دیاره فانه یعتبر کالغریب المسافر هناک یقصر الصلاة. والشُّراة یستمرون في قتالهم حتی ینتهي بهم الأمر إلی النجاح أو القتل، وخطر القتل أقرب الأمرین إلیهم. فهم لایستطیعون التخلّي عن قتالهم مالم یصل عددهم إلی ثلاثة، و یری الإباضیة أن الشُّراة باعوا حیاتهم الدنیا لله بالجنة (معمّر، 1/94-95؛ اسمیث، 284).
وقد اقتبس الإباضیة (کالخوارج الآخرین) هذا المعنی من الآیة 111 من سورة التوبة الکریمة (9) (وأیضاً: البقرة/ 2/207؛ النساء/ 4/74).
والوضع الرابع مسلک الکتمان، وهي حالة لایکون في المجتمع إمکان للدفاع والنضال، ولابد من الاستسلام للظلم، وفي هذه الفترة یمارس الإباضیون أمورهم سرّاً (التقیة). وعلیهم و هم یعیشون بین مخالفیهم في‌‌الدین أن یبتعدوا عن مساعدة الظالمین ولاتکون علاقتهم بهم إلا في أیسر طریق، وأن یتولوا شؤونهم فقط (اسمیث، 285-284؛ معمّر، 1/95-96؛ وأیضاً ظ: الدرجیني، 1/6).

ج. الإمامة

حینما تجتمع في مسلک الظهور جمیع الشروط لتشکیل الإمامة، یبادر الإباضیون إلی انتخاب إمامهم، ونصب الإمام واجب، علی أن یکون عددهم نصف عدد أعدائهم أو أکثر، ولهم مایکفیهم من علم ومال وسلاح و… (الباروني، 74؛ اسمیث، 285). ویعرّف محمد بن یوسف بن اطفیش، الملقب بقطب الأئمة، الإمامة بأنها خلافة الرسول (ص) في إقامة ‌‌الدین و حفظ الإسلام، ویری أن نصب الإمام العادل واجب لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، وإقامة الحدود والقیام بالعدل والإنصاف، وردع المعتدي (طعیمة، 136). ویقیم الإباضیة أساس الحُکم علی المذهب و إن الحکم لله، ذلک لأن المذهب الإباضي أقیم کمذاهب الخوارج الأخری علی أساس «لاحکم إلا للَّه».
ویروي معمر رأي الإِباضیة في الخلافة علی لسان جابر بن زید قائلا: «الخلافة اهم مرافق‌الدولة وأعظم مظهر للإرادة الأمة و اقوی سلطة تشرف علی تنفیذ أوامر اللَّه، وهي بهذا الوصف لایمکن أن تخضع لنظام وراثي، ولاأن ترتبط بجنس أو قبیلة أوأسرة، وإنما یجب أن یشترط فیها الکفاءة ‌الدینیة والخلقیة والعملیة والعقلیة، فإذا تساوت هذه الکفاءات في مجموعة من الناس، أمکن أن تجعل الهاشمیة أو القرشیة أو العروبة من وسائل الترجیح» (معمّر، 1/63). وهم یجیزون ولایة المفضول مع وجود الأفضل إذا وجدت في المفضول مزایا ترجّحه لیست للأفضل (طعیمة، 67).
ویعتقد الإباضیة بأن الإمام یجب أن یکون ذکراً بالغاً عاقلاً عالماً بالأصول والفروع، متمکناً في إقامة الحجج وإزالة الشبهات، ذا رأي و خبرة في الحروب، ولایهاب إقامة الحدود، وضرب ارقاب في سبیل‌الله، ومن شروط الإمامة قوة الدیانة والدرایة والغیرة والحکمة والشجاعة والعلم والتقوی، وعلی الإمام أن یحکم بـ القرآن والسنة،فإذا توفرت هذه الشروط في قرشي فهو الأرجح، وإلا یولّی غیره من أهل الحل والعقد في المجتمع الإباضي (الباروني، 75؛ اسمیث، 285؛ طعیمة، 137).
وإذا عقدت الإمامة لمن هو لها أهل لم یجز له ترکها، والهروب من المسؤولیة التي یعقدها المجتمع الإباضي لأحد للتصدي لوظائف الولایة بعد قیام الحجة، إثم (الدرجیني، 1/71؛ الباروني، 74). وإذا کان المؤمنون من جهة أخری تحت لواء إمام عادل، فإن علیهم أن یساعدوه فإن طاعته واجبة مادام عادلاً وعلی حق، أما إذا أحدث ما یخالف الحق ولم یتب، أو اتبع طریق الجور والظلم أو لم یعمل بالفروض، وجب الخروج علیه بطریقة تلحق أقل الضرر والأذی بالمجتمع (الباروني، 74؛ طعیمة، 139-140). وإذا تخلّف الإمام عن القرآن والسنة أو ارتکب معصیة کبیرة واستمر علیها وجب عزله، أما إن تاب فله الرجوع إلی إمامته و ولایته و إلا کان علی المسلمین عزله، فإن کره أن یتوب، ورفض أن یعتزل فدمه حلال، والجهاد واجب ضده، ویذهب بعض علماء الإباضیة إلی أنه في حالة ارتکاب إمامٍ معصیة کبیرة وتاب منها، للمسلمین حریة قبوله إماماً لهم أو عدم قبوله (طعیمة، 141؛ وأیضاً اسمیث، ن. ص). وممّا یوجب عزل الإمام أیضاً عدم صلاحیته للقیام بأعمال الإمامة لضعف جسماني أو لکثرة العاهات (طعیمة، ن ص). ویقول الباروني، الشوری هي أساس الحکم في مذهب الإباضیة (ص 37).
الولایة والبراءة: تعیّن القیمة الاجتماعیة لکل إباضي علی أساس التزامه للدین، ومن یتخلّی عن اعتقاداته و فرائضه تصدّی له المجتمع بشدة.
وقد دعا طالب الحق عبدالله بن یحیی في خطبة له بصنعاء إلی الولایة لأهل ولایة الله والعداوة لأعداء الله (أبوالفرج، 23/317). ومن هنا یتجسّد أحد الأصول الاجتماعیة في المذهب الإباضي وهو الولایة والبراءة، وهما یوجبان علی کل مکلف إباضي أن یتولّی الله وأولیاءه ویتبرّأ من أعداء الله (الجیطالي، 1/254، 2/337-339؛ معمّر، 1/83، 2(2)/229).
وهم یعتقدون بأن الولایة وجوب محبة الإباضي للمؤمن الحریص علی واجباته، المبتعد عن المحارم، والمتخلق بأخلاق الإسلام، المسلم بهدي الرسول (ص)، المقتفي لآثار السلف الصالحین؛ والبراءة: أن یتبرَّأ ممّن یعلن قول الشهادتین، و یتخلّی عن واجباته سرّاً، ویقدم علی ارتکاب المحرّمات، أو یفضّل علی شيء من دین الله شیئاً مما یدعو إلیه البشر، و یتزلّف لمخلوق حي أو میت، فیرجو منه مالایرجوه المؤمن إلا من الله. ویعتقد إلاباضیون أنهم یجب أن یعاملوا مثل هذا الشخص بغلطة، وأن یقطعوا معاملته حتی تضیق علیه الأرض ولایجد ملجأً له غیر الله (ویقال لهذا الجزاء في الاصطلاح «الهجران» و «الإبعاد»)؛ فإذا شرح الله قلبه للإیمان وعاد إلی الصراط المستقیم عومل بما یعامل به سائر إخوانه من المؤمنین (الدرجیني، 1/5؛ الباروني، 71-72).
ولایجوز في المجتمع الإباضي أن ترتکب معصیة ویسکت الناس عنها. أو یحبّون مرتکبها، بل یطرد مرتکبو المعاصي من بین المسلمین و یحادّون (ظ: معمر، 1/84-87).
ویعتقد بعض الإباضیین بعدم وجود مرحلة «الوقوف» بین الولایة والبراءة، أي أن إحداهما صادقة فقط، ویستدلون علی ذلک بأن الشک لایزیل الیقین، فولایة الإباضي لشخص لاتزول بحدث الشک؛ إلا أن البعض الآخر (من أتباع عبدالله بن یزید)یرون أنه في مثل هذه الحالة لایمکن إظهار الولایة، أو البراءة، ولامفرّ من ذلک إلا بالوقوف (الدرجیني، 1/24-25).

الأصول والأسس الفقهیة

لایجیز الإباضیون التقلید في أصول‌‌الدین و یجیزونه في الفروع والمسائل الفقهیة في بعض الحالات ممّا لم ینصب علیه دلیل من کتاب أو إجماع من الأمة أو حجة العقل (الجیطالي، 1/257؛ قا: معمّر، 2(2)/229). ویحتجّون علی ذلک بقولهم إن حقیقة التقلید هو قبول قول القائل بغیر دلیل ولابرهان، وحیث یوجد دلیل من الکتاب أو السنة أو الإجماع من الأمة أو حجة العقل لامعی للتقلید فیه (الجیطالي، 1/258).
والإباضیة لایغلقون باب الاجتهاد خلافاً لأکثر الفرق الإسلامیة (ظ: معمّر، 1/71-72)، ویجیزون استنباط الأحکام علی أساس الکتاب والسنة والإجماع من الأمة و حجّة العقل (الجیطالي، ن. ص)، ویعتقدون بأن علی المجتهد أن یکون عالماً باللغة و أصول‌‌الدین والفقه و مصادر الأدلة (الکتاب والسنة والإجماع)، ولکن یختلف علماء الإباضیة في تجزئة الاجتهاد (معمر، 1/72-73).
ویقول علماء الإباضیة بإمکان وقوع الإجماع من أهل الحلّ والعقد (موسوعة، 3/57). ویعرّف الشیخ أبومحمدعبدالله بن حمید السالمي الإجماع فیقول: «الإجماع في عرف الأصولیین والفقهاء وعامة المسلمین هو اتفاق علماء الأمة علی حکم في عصر، وقیل: اتفاق أمة محمد (ص) في عصر علی أمر؛ وزاد بعضهم: ولم یسبقه خلاف مستمر» (ن. م، 3/53، نقلاً عن طلعة الشمس للسّالمي). وتحدّث السّالمي في مقام حجیة الإجماع قائلاً: إن نتیجة الخلاف في تعریف الإجماع هي کون الإجماع حجة علی کل قول من هذه الأقوال عند القائل به، فمن یعتبر أهل الاجتهاد فقط کان إجماعهم حجّة عنده، وافقهم غیرهم علی ذلک أم خالفهم. ومن یعتبر المجتهدین الکاملین في الایمان دون الفسقة والمبتدعین، کان إجماع المؤمنین الکاملین حجة عنده، وإن خالفهم أهل الأهواء…، وعلی کل حال فإن حجیة الإجماع علی کل قول من الأقوال هي حجیة ظنّیة ولیست قطعیّة (ن. م، 3/64-65). ویقطع السّالمي في حالة فرضیة واحدة بأن تکون حجّیة الإجماع بجمع شروط کثیرة یندر أن تتحقق (ن. ص).
والمذهب الإباضي فقه مدوّن دون بقیة فرق الخوارج، والمذاهب الفقهیة الوحیدة في العالم الإسلامي هي مذاهب السنة والشیعة والإباضیة (ن. م، 32، 34-35).

بعض الأحکام الفقهیة

لاخلاف یذکر بین المذهب الإباضي ومذاهب السنة الأربعة في کثیر من الأحکام الفقهیة کالصلاة (أوقاتها و عدد رکعاتها) والحج (أرکانه ومناسکه) والزکاة (نصابها ومواضع صرفها) والصوم (في أغلب شروط مصححاته و مفسداته) (الباروني، 78). لذلک لیس من حاجة للتفصیل في شرعیاته الفقهیة وأحکامه، وتقتصر علی ذکر بعض الأحکام الفقهیة فقط:
خص الجیطالي في قناطر الخیرات التي هي في الواقع قناطر الإسلام، سبع قناطر بواجبات الشرع العینیة: العلم والإیمان والصلاة والصوم والزکاة والحج والتوبة، ثم یبادر إلی شرح الفرائض ذات الأهمیة الکبری وهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر والجهاد ویعتبر العلم والإیمان من المباحث الکلامیة والصلاة والصوم والزکاة والحج والتوبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر والجهاد من أرکان الإسلام.

وأول رکن الصلاة

ویعتقدون أنها ذات أهمیة کبیرة، فمن ترکها کفر (الجیطالي، 1/352-353). و علی الإباضیة أداء صلاة الصبح والرکعتین الأولیین من صلاتي المغرب والعشاء، وفاتحة الکتاب والسورة أو ثلاث آیات من القرآن جهراً، وصلاة الظهر والعصر والرکعة الثالثة من صلاة المغرب، والرکعتین الثالثة والرابعة من صلاة العشاء بالإخفات. ویمکن الاکتفاء بفاتحة الکتاب (ن. م، 1/375، 381؛ موسوعة، 1/99). ویمنعون القنوت ورفع الیدین و تحریک السبابة في الصلاة. ویعتبرون «بسم‌الله الرحمن الرحیم» في بدایة السور، آیة من کل سورة، وذکرها في الصلاظ واجب (الباروني، 77)، وإنّ تعمّد ترکها یوجب إعادة الصلاة (موسوعة، ن. ص). ویقول الإباضیون بالتقصیر في الصلاة للمسافر مهما طال سفره، ما انتفت النیة في الإقامة (أربعة أیام علیالأقل) واتخاذ الوطن (البارونی، 76). وصلاة الجمعة واجبة حتی وراءالإمام الجائر (طعیمة، 67).
ویقول البغدادي: أوجبت الإباضیة قطع الید في قلیل السرقة وکثیرها (الفرق، 88)، ویمکن للقاضي الحکم بشاهدین في الأموال (الباروني، 77-78)، ولاتقبل شهادة النساء في الفقه الإباضي في مایجری علیه الحد، وتقبل فیما یخصّهن من أمور. ویقبل بعض الإباضیة شهادة المرأة الواحدة کشهادة الرجل الواحد (موسوعة، 2/157).
ویمنع في المذهب الإباضي نکاح الزاني للزانیة (الباروني، 76؛ معمّؤ، 1/112/113)، والمرأة (بکراً أوثیباً) لاإجبار علیها من الولي ولوکان أباً، ولابد من مشورتها، ویجوز للأب أن یزوّج البکر دون البلوغ، ومع‌ذلک فلها حق في ردّاالزواج حین بلوغها (الباروني، 77). ویعتقدون أیضاً بأن من موانع الإرث اختلاف الملل، فلایرث المسلم مشرکاً أو کافراً أو مرتداً، ولایورَث المرتد (موسوعة، 4/99).
وللأمر بالمعروف والنهي عن المنکر عند الإباضیة أهمیة خاصة ویسمّیه الجیطالي «القطب الأعظم في‌الدین» (2/129). وقد ذهبوا في بیان أهمیة الأمر بالمعروف والنههي عن المنکر و فضل أداء کلمة الحق أمام الجائر إلی حد استحبابها حتی مع إمکان خطر القتل علی أن یکون لهذا العمل أثر (م. ن، 2/165). وعلی المجاهد أن یقتحم صفوف الکفار وإن علم أنه یقتل (ن. ص)، فإن کان للابن أبوان فقیران أو کبیران أو مریضان، ولم یکن لهما غنی عنه، فالإقامة معهما أفضل من الجهاد، وذلک حیث لم یتعیّن الجهاد، فإن کان الأب باغیاً فالأفضل أن یوکل الابن قتاله أو قتله لغیره، وإن قتله بنفسه فلا قصاص له (وسوعة، 1/146، 223).

النظام والحیاة الاجتماعیة

أقام الإباضیون نظاماً اجتماعیاً خاصاً في العمل وحسب مقتضیات الزمن دبّر فیه شروط تأسیس المجتمع المراد في نظر أتباع ذلک المذهب، وکذلک المؤسسات الإداریة والثقافیة الضروریة له.
فبعد الهزیمتین الکبیرتین اللتین ألحقها بنو الأغلب والفاطمیون (ن. ع. ع) بالإباضیین اعتقدوا بأن کلاالدولتین الجدیدتین لاتتبعان أحکام الإسلام. وکانوا یریدون أن یحفظوا أحکام الله کما یفهمونها ففکّروا بإقامة نظام للمجتمع الإباضي شبیه بالدولة طالما لایستطیعون تأسیس دولة مستقلة (معمّر، 1/107). وکان هذا النظام في أول الأمر عرفاً، حتی جاء الإمام أبوعبدالله محمدبن بکر الفرسطائي (أواخر القرن 4 و مطلع القرن 5 هـ/11م) فحرّره علی شکل قانون بعد أن وضع التشکیلات المناسبة، ونسّق مواده وأجزاءه لحفظ الحیاة الاجتماعیة علی أساس الأصول الاعتقادیة، وأطلق علی هذا النظام اسم «العزّابة» وکان یسیر علیه الإباضیة و تجري أحکامه في شمال إفریقیا حتی مطلع القرن 14هـ/20م (الدرجیني، 1/4، 8، 167-170؛ معمّر، 1/107-110، 2(2)/147).

العزّابة

هذه الکلمة مشتقة من العزوب والعِزابة (بمعنی العزلة والغربة)، وکل من التحق بـ «حلقة العزّابة» من الإِباضیة سمي عزّابیاً. والعزّابي من لازم طریق‌‌الدین و طلب العلم و سیر أهل الخیر و السلوک، أي أن ینال العلم والإدراک، وأن یثبت في العمل والسیر في الطریق القویم الصحیح (الدرجیني، 1/3-4). والعزّابة أو «حلقة العزّابة» هي في الحقیقة الهیئة الإداریة للمجتمع الإباضي، تمثل خیرة أهل البلد ممّن مرّوا بالمنهج الدراسي فقطعوا مراحله مرحلة مرحلة، ومن حملة کتاب الله والمطلعین علی شؤون المجتمع الإباضي والقائمین بشؤونه، والمعرضین حظوظ النفس، والمبتعدین عن مشاغل الحیاة من أهل ومال وولد، فالعزّابي لایعطي لهؤلاء من جهده و وقته إلا القلیل (معمّر، 1/96-97).
وتختار حلقة العزّابة من بینها شیخاً یکون أعلمهم وأکثرهم کفاءة یسمی شیخ العزّابة، وهو رئیس الهیئة والناطق باسمها ویتولّی الإشراف علی جمیع شؤون المجتمع والمدینة، وحکمه بعد قرار الهیئة نافذ في جمیع الأحکام.
وسمّیت الهیئة بالحلقة، لأن أعضاءها یجلسون علی هیئة حلقة أو دائرة، والمقرّ الرسمي للعزّابة یکون في المسجد، بعیداً عن مجالس الناس لتکون مداولاتهم سریة، وتعلن نتائج القرارات فقط. تنتخب هیئة العزابة ممّن یمارسون أعمالاً اجتماعیة، وتشرف علی جمیع شؤون المجتمع الإباضي (الدینیة والتعلیمیة والاجتماعیة والسیاسیة) إشرافاً تامّاً، وهي في زمن الظهور والدفاع تکون بمثابة مجلس الشوری للإمام، أو النیابة عنه، وفي زمن الشراء أو الکتمان تمثّل سلطة الإمام وتقوم مقامه (معمّر، 1/97-101، 2(2)/137).
ولکل بلد أو قریة هیئة عزّابة تشرف عل الأمور فیها، وینشأ مجلس أعلی للعزّابة في المرکز أو العاصمة یرأسه: «الشیخ الأکبر» ویقوم مقام الإمام في أزمنة الکتمان وله مستشارون من شیوخ حلقات العزّابة في المدن الأخری، والرئاسة الحقیقیة في المجتمع الإباضي، لهذا المجلس وشیخه. أمّا بقیة الحلق فهي مساعدة له و منفّذة لأعماله، وشیخ العزّابة مقیّد بمجلس الشوری، ولایحقّ له أن یصدر رأیاً قبل موافقته (معمر، 1/102-103).
ولا تقتصر مسؤولیة حلقة العزّابة وشیخها علی الأمور الإداریة والاجتماعیة وإدارة أمور المجتمع و شؤونه، بل یتولّی الشیخ رئاسة الحوزة العلمیة، وهدایة العزّابة والطلاب، ویجیب عن المسائل العلمیة العویصة، ویجد الحلول لها (الدرجیني، 1/172-173).
وینقسم الذین لهم صلة بالعلم والتعلیم والتعلم في المجتمع الإباضي إلی أربع فئات: العزابة والعرفاء والتلامیذ والمستمعین (معمّر، 2(2)/137). ویدعی رئیس حلقة العزّابة شیخ الحلقة أو «مستنابه». والعرفاء: أقل مرتبة، وفي هذه المرتبة عدد من العرفاء یمارسون عدداً من الواجبات في الحوزة العلمیة. والتلامیذ (الطلاب): وهم في المرتبة التالیة، ویقومون بتعلم القرآن وحفظه و دراسة العلوم الأخری، ثم المستمعون أو العاجزون: وهم العاجزون عن إتمام دراساتهم لعاهات (جسمیة أو عقلیة) فیهم، ولکنهم یشتاقون إلی طلب العلم. فلهؤلاء حق الاستفادة من الدروس دون أن یتقیّدوا بنظام (الدرجیني، 1/4، 171، 172، 175-178؛ معمّر، 2(2)/138، 145-146).
ولحفظة القرآن من الطلاب منظّمة تدعی «إِیرَوان» لها نظام و سنن وحقو خاصة بهم، وهي کالمجلس الاستشاري المساعد للعزّابة. أو کمجلس النواب بالنسبة للشیوخ، وکثیراً مایسند العزّابة أعمالاً إلی مجلس «إیروان» (معمّر، 1/109).
وقد خصّ الجیطالي أکثر من 50 صفحة من کتابه (ج 2، القنطرة الثامنة) بالحدیث عن الزهد و دمّ الدنیا و تعلّق القلب بالمال والمنال، وضرورة الاهتمام بالآخرة، وخصّه في نفس الوقت ببحوث حول الکسب والعمل وأهمیته من الناحیة الأخلاقیة والمعاشیة في الإسلام، ویمتاز الإباضیون بالتدیّن المقترن بالعمل الجادّ في سبیل الکسب أکثر من اتباع طرق الزهد. وللإباضیة مُنذ أوائل عهدهم مؤیدون أثریاء وهم یباهون بهذا ومع‌ذلک فقد کان في شمال إفریقیا من عاشوا في غایة الزهد والابتعاد عن الدنیا (اشتروتمان، 268).
ویصف اشتروتمان نقلاً عن الشماخي حیاة الإباضیة الیومیة فیقول: المؤمنون نساء ورجالاً یقضون النهار بالعمل وآناء اللیل بالدعاء في الجوامع أو المساجد إلی جانب الشیوخ أو بمفردهم. ویقتصرون غالباً علی غفوة في اللیل، لیقوموا بأعمالهم الدنیویة في الغد (ظ: م. ن، 271). کما لدیهم اجتماع لذکر الله والدعاء عند طلوع الشمس أو عند غروبها یطلق علیه اسم «الختمة» (الدرجیني، 1/5).
ورغم تغلغل الثقافة الغربیة الیوم في المجتمع الإباضي بالمزاب (في شمال إفریقیا) إلا أن هؤلاء القوم لایزالون یراعون قوانینهم و عقائدهم کالماضي، ولایسمحون لغیر الإباضي بدخول مساجدهم، ولایختلطون باتباع الفرق الأخری، ولایتزوّجون علی الأغلب من غیر الإباضیات، وهم متعصّبون في الأخلاق، والمساواة في الشؤون الاجتماعیة أصل أساسي بینهم، وإن کان رؤساء المجتمع مستبدین في الأمور‌الدینیة (اسمیث، 286؛ بریتانیکا، VII/156).
ولم تنتشر أیة طریقة صوفیة في المجتمعات الإباضیة رغم مشاهدة الکثیر من المیول إلی الزهد بینهم، والحقیقة أن المذهب الإباضي یعتبر التصوّف من البدع المحرمة شرعاً، ومع‌ذلک لاینکر الإباضیون وجود الأولیاء والصالحین ولزوم احترامهم (الباروني، 77-78). ویبدو أن الإباضیة یقولون بوجود کرامات عند بعض الصالحین وأن دعاءهم مستجاب (ظ: الدرجیني، 1/84). کما یبالغون أحیاناً في شرح ووصف کراماتهم (اشتروتمان، 279).
وقد روي الکثیر عن زهد النساء الإباضیات وتعلّقهن بالدین في المغرب، وروی اشتروتمان (ص 296 فما بعد) قصصاً حول ذلک. والنساء الإباضیات یتشدّدن في التحجّب، ولایحقّ لهنّ الخروج من المناطق التي یعشن فیها (بریتانیکا، ن. ص)، ولکن یبدو أنه کان لهنّ في الماضي دور کبیر في المجتمع والحیاة الإجتماعیة (ظ: معمّر، 2/(2)/231، 238-240).

 

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: