الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإباضیة /

فهرس الموضوعات

الإباضیة


تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/23 ۱۲:۵۹:۳۴ تاریخ تألیف المقالة

ب. الإیمان و الإسلام

تنطلق حرکة الخوارج من العواطف والتعصّب‌الدیني الشدید، وکان لهذه العواطف والتعصب أثر کبیر في نمو هذه الفرقة. فقد ساقهم تعریفهم الخاطئ للإسلام و الأعمال والعقائد والحرکات التعصّبیة المبنیة علی هذا التعریف إلی حیاة مقرونة بالحرب والنزاع، بحیث لا مجال فیها للنقاش وإبداء الرأي ومع‌ذلک فقد أقاموا لهم خلال تاریخ حیاتهم الطویل أساساً فکریاً متیناً نسبیاً. فأنهم یرون أن قوة الدلیل في العمل لافي القول. یقول معمر: فأنت عندما ترجع إلی تاریخ علم الکلام الطویل تجد الإباضیة فرقة أقل الفرق کلاماً وأکثرها عملاً وأخفّها حدثاً وأرجحها إیماناً (1/67).
وقیل إن الإباضیة یعتقدون بأن کل ما فرض الله علی عباده جزء من الإیمان، أي إذا لم یعمل المسلم بما فرضه الله علیه فإیمانه ناقص (م. ن، 1/77) و یعتقدون أیضاً بعدم تجزئة دین الله، و عدم التفریق بین القول والعملف وعدم طمع المصرّین علی ارتکاب الذنب غیر التائبین في رحمة الله (م. ن، 1/80-81). و یرون أن الإسلام یتجلّی في العقیدة والقول والعمل، ولاتتمّ العقیدة إلا بالقول والعمل، فالقول: النطق بکلمة الشهادة، والعمل: الإتیان بجمیع الفرائض واجتناب جمیع المحرّمات، والوقوف عند جمیع الشبهات (م. ن، 1/77؛ الباروني، 71). ومقوّمات الإیمان الثلاثة (أو کما یقول الإباضیون: مقامات الإیمان) هي: 1. الاعتقاد بالقلب، أو بعبارة أدق انطواءالقلوب والنفوس علی اعتقاد التوحید؛ 2. الإقرار باللسان؛ 3. العمل بالأرکان والجوارح و تحقیقه بالاعتقاد والإقرار في الأفعال. و الإیمان یصحّ بالعمل، والعمل برهان علی صدق الاعتقاد و صدق اللسان. و من ضیّع أحد مقامات الإیمان هذه فهو کافر کفر نعمة لاکفر الشرک، وهؤلاءهم «الخاسرون» و «المفسدون» و«الکاذبون» (الجیطالي، 1/264-265، 286؛ طعیمة، 112، 113، 116). ورغم أن الإباضیة یعلمون أن القرآن فرّق بین الإیمان والإسلام: «قالت الأعرب آمنّاف قُل لَم تُؤمِنوا ولکن قُولُوا أسلَمنا….» (الحجرات/ 49/14)، إلا أنهم یقولون إن الإیمان والإسلام بمعنی واحد وأنهما مترادفان (طعیمة، 109). الإیمان الإسلام والإسلام الإیمان، والدین کلاهما وأصل الإیمان تصدیق، وأصل الإسلام انقیاد و خضوع، و کل خصلة من الإسلام إیمان و دین و کل خصلة من الإیمان إسلام ودین، وکل خصلة من‌‌الدین إیمان وإسلام (الجیطالي، 1/281-285). ولایؤمن العبد مالم ینطق بأربع شهادات للإیمان: شهادة أن لا إل إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن ماجاء به حق من عندالله، والاعتقاد بالبعث بعد الموت، والقدر، فإذا نطق العبد بهذه الشهادات الأربع فإیمانه في نظر الناس کامل، واختلف في أن إیمانه عندالله کامل أیضاً أم لا (م. ن، 1/242-243، قا: 3/552).
إن معرفة التوحید و الاعتقاد به و التصدیق اللساني واجب علی کل مکلف، فالتصدییق اللساني هو أداء «کلمة الشهادة» أو «کلمة التوحید» أو «جملة التوحید»، و بأدائها یعرف الشخص مسلماً،  یحق له جمیع الحقوق المتعلّقة بالمسلمین، و تسلب منه هذه الحقوق إذا کفر بعد إیمان وزنی بعد إحصان، وقتل النفس (معمّر، 1/77؛ طعیمة، 88، 89). ومعنی اصطلاح «جملة التوحید» کما یقول محمد بن یوسف الأطفیش، من أئمة الإباضیة، أن یشهد المرء أن لا إله إلا الله وأن محمداً (ص) رسول الله، ویعتقد بأن ما جاء به محمد (ص) من عند الله حق، و یؤمن بالملائکة والأنبیاء و الکتب التي أنزلها الله علیهم، و بأن الموت حق و النار حق، ویؤمن أیضاً بالقضاء و القدر، و کل من یعتقد بکل هذا فقد تم إیمانه بینه و بین الله، و بینه و بین الناس (طعیمة، ن. ص؛ الجیطالي، 1/242، 250-251).
وقد ورد بین الإباضیة الحدیث عن نقص الإیمان و زیادته، فیری البعض أن الإیمان یزید و ینقص، ویقول بعضهم بزیادة الإیمان و یعتقدن أنه إن زال جزء من الإیمان زال کله، والإیمان في رأي الجماعة الأولی یزید بالطاعات و ینقص بالغفلة والنسیان، أو یزید بالطاعة والعلم و یضعف بالمعصیة والجهل (طعیمة، 114-115)، وهو مایعتقد به الجیطالي أیضاً: فالطاعة عنده تزید الإیمان، والعصیان یضعفه (1/268)، ونقصان الإیمان في رأي الجماعة الثانیة یؤدي إلی القول بنقصان الإعقاد، ونقصان الإعتقاد ینقلب إلی شک، والشک ینافي الإیمان، وعلیه فإن نقصان الإیمان، إما أن یؤدي إلی کفر الشرک وإما إلی کفر النعمة، وکل منهما مناف للإیمان (طعیمة، 116-117).
ویری الإباضیون درجات للإیمان في البحث عن نقصه و زیادته: 1. الإیمان بالمعنی الذی کلّف الله به عباده المؤمنین، و تصدیق عامة المسلمین؛ 2. درجة الظن، وهي درجة أعلی من الدرجة الأولی یصل إلیها العبد بعد تحقیق الإیمان و رسوخه في القلب، والمراد من الظن هنا، الظن الذيمدح الله به المؤمنین في قوله: الّذین یَظُنّون أَنَّهُم مُلاقوا رَبَّهم… (البقرة/2/46)، وهو ظن یؤدی إلی الیقین ولیس الشک؛ 3. درجة العلم، وتحصل إذا قوي الظن وتسکن النفس به؛ 4. درجة الیقین، وهو العلم الراسخ في القلب، والذي یزیح الشک؛ 5. درجة المعرفة، وتتحقّق إذا قوي الیقین، وقداختلف في معناها (طعیمة، 115؛ الجیطالي، 1/266-280).
ولایری الإباضیون أن قوة الإیمان والعلم اکتسابیان، فالعلم نور یقذف في قلب المؤمن فیبعده عن الدنیا، ویعده للموت والخلود (م. ن، 1/269). وإن معرفة الله وطاعته واجبة بایجاب الله تعالی وشرعه لابمجرد العقل، وتمییز الطاعة من المعصیة بموجب الشرع، والعقل وحده یستطیع تمییز النفع والضرر في هذه الدنیا، لکنه غیر قادر علی إصدار حکم عن الآخرة والثواب والعقاب الأخرویین (م. ن، 1/239-241)، کما إن تفسیر القرآن بالرأي من غیر نقل کفر، وصاحب مثل هذا التفسیر في النار (م. ن، 3/384).
والعقل في رأي الإباضیة لاحکم له في الأمور الشرعیة – الأصولیات أوفروعها – ولایجب أيّ شيء من هذا القبیل من الأمور علی أحد قبل الشرع قلیاً، وهذا مایصدق أیضاً علی التوحید، فإن العقل وإن أدرک بالضرورة أن له صانعاً، لایوجب هذا الأمر شیئاً من العبادات، فمعرفة «جملة التوحید» بالشرع لا بالعقل، ومعرفة الله تقوم علی إرسال الرسل. ومعرفة أحکامه تتوقّف علی هدایة الله لهم علی ألسنة رسله (طعیمة، 89-90).

ج. أسماء الله وصفاته

لایطلق أيّ اسم وصفة علی الله مالم یرد به الشرع (طعیمة، 91)، فیجب الرجوع إلی الشرع إذن لتعیین الصفات الإلهیة.
والله قدیم لا أول لوجوده (الجیطالي، 1/224)، فمن حصل له اسم القدم حصلت له الألوهیة، والصفات الکاملة، ولاقدیم إلا الله، واستأثر الله بالکمال (م. ن، 2/23). والله عالم وقادر وحي وقی.م و مرید و سمیع و بصیر و متکلّم و منزه عن حلول العوارض والآفات (م. ن، 1/228-230).
أما تکلّم الله فله و جهان: 1. إن التکلّم من صفاته الذاتیة ولایزال موصوفاً به؛ 2. إنّ التکلّم من أفعاله، والذي هو القرآن والکتب السماویة الأخری (م. ن، 1/230).
والله فعّال لما یردید، وکیف لایکون، لأن مشیئته توجب  تجوز أن یصدر عنه ضد کل فعل صدر عنه، فکیف  یکون إلهاً قادراً من یکون في ملکه مالایریده (م. ن، 1/229). وکان کثیر من الإباضیة یعتقدون بأن إرادة الله سبحانه، لم یزل مریداً لما یعلمه أنه کائن (الأشعري، 1/174، 189).
ویعتقد الإباضیون بأن صفاته تعالی عین ذاته، ولیس غیرها وهي غیر متغایرة بینها، لاتنفصل عنه ولاتلازمه، ولیست قائمة بذاته، فصفات الله أزلیة ولیست طارئة (الجیطالي، 1/231-232). ویقولون لإثبات ذلک: إذا لم تکن صفات الله عین ذاته، دعت الحاجة إلی تعدد القدماء (الباروني، 71)؛ ودلیلهم الثاني: إن وصفه تعالی بأنه علم بعلم أوقدر بقدرة، یوهم علیه الاستعانة بها، ولذلک لایجوز هذا القول، والصحیح أن یقال علم بنفسه و بذاته (الجیطالي، 1/233). ویقول السالمي وعبد الکافي وهما من کبار الإباضیة، إن وجود الإله الکامل یغنینا في وصف الله عن فرض أي صفة أزلیة وقائمة بذاته کالعلم والقدرة والإرادة (ظ: طعیمة، 92، 93). کل صفة تخبر عن ذات الله فقط وقولنا الله حي إخبار عن الذات أنها لیست بمیتة وقولنا الله مریدٌ أی أن الذات غیر مکرهة… (الجیطالي، 1/231). وهذا کله دلیل علی قدم الأسماء والصفات، ویعتقد الإباضیة أن کل من قال بخلق أسماء الله لیس منهم (اسمیث، 285).
وما قیل هو رأي متکلمي إباضیة المغرب، أما المفکّرون من إباضیة المشرق فقد کانوا أدقّ في الحدیث عن هذا الموضوع. فهم یقسمون صفاته تعالی إلی قسمین: الصفات الذاتیة، وهي کل صفة لاتجامع ضدها في الوجود، ولو اختلف المحل، کالعلم والقدرة والإرادة؛ والصفات الفعلیة، وهي کل صفة جاز أن تجامع ضدها في الوجود عند اختلاف المحل، کأن یرحم أحداً ویغضب علی آخر، وهذه صفات فعلیة لایجوز أن یتّصف بها الباري تعالی في الأزل (طعیمة، 94)، أي إن هذه الصفات محدثة ومخلوقة.
لیس الله جوهراً متحیّزاً بحیز ولاجسماً، أي لاتتعلّق به العوارض والحوادث القائمة في الجسم (الجیطالي، 1/225)، ویتنزّه تعالی عن الاختصاص بالأمکنة والجهات، فرفع الأیدي عند السؤال إلی جهة السماء إشارة إلی أوصاف الجلال والکبریاء، وتنبیهاً بقصد جهة العلو والمجد والعظمة، فإنه تعالی فوق کل مخلوق بالقهر والاستیلاء (م. ن، 1/226)، ولیس الإشارة إلی مکانه (م. ن، 1/227). وینفي الإباضیون رؤیة الله في الدنیا والأخری (الباروني، 71)، فالله أکبر من أن یدرک بالعین أو الحواس الأخری: «لا تُدرِکُهُ الأبصارُ وَ هُوَ یُدرِکُ الأبصارَ…» (الأنعام/ 6/103). ویقولون: کفر من یعتقد بأن الله یُری في العالم الآخر، بناء علی قوله «وُجُوهٌ یَومَئِذٍ ناضِرَةٌ إلی رَبِّها ناظِرة» (القیامة/ 75/22، 23)، فهم یفسّرون کلمة ناظرة بمنتظرة (اسموکوزوسکي، 264-263).
ورغم أن الإباضیة لایجیزون التعقّل في الشرع، فقد نفوا عن الله تعالی الوجه والعین والید والیمین والتجلّي و… التي وردت في القرآن والأحادیث النبویّة، وأوّلوها کیلا یقعوا في ورطة التشبیه والتجسیم (طعیمة، 96) لأنه تعالی إذا وصف بصفات الحدوث لزم فناء الحادث فأبطل البقاء (الدرجیني، 1/123)، وحجة الإباضیة في تنزیهه تعالی عن مشابهة الخلق تستند إلی آیات القرآن المحکمات، و یؤولون ماورد فیها ممّا یوهم التشبیه، بما یقتضیه المعني من السیاق، کتأویل «الاستواء» بالاستیلاء «والید» بالقدرة وما إلی ذلک (معمّر، 1/60).

د. القرآن والمعجزة

اختلف الإباضیة الأوائل في وجوب المعجزة، فقال بعضهم: إن کل رسول یبعثه الله تعالی إلی خلقه، یبعثه بدلیل یدل علیه. ویعتقد البعض الآخر: بأن الله تعالی قد یبعث رسولاً بلادلیل أو معجزة، ولیس واجباً علی الله والرسول إظهار المعجزة (الأشعري، 1/172؛ البغدادي، الفرق، 63؛ الشهرستاني، 1/246) وتستند هذه الفرقة من الإباضیة علی قول رسول الله: أنا نبي، فنفسه حجّة لایحتاج معها إلی برهان (البغدادي، ن. م، 135؛ ابن الفرّاء، 155). ویری الجیطالي (کان حیاً: 722هـ/1322م) أن صدق الرسول یعرف بالمعجزة (1/241)، ویذکر لخاتم الأنبیاء (ص) علاوة علی معجزة القرآن الظاهرة الخالدة، معجزات أخری کشقّ القمر، وإنطاق الأخرس و … (م. ن، 1/241-242).

هـ. خلق القرآن وقدمه

یختلف إباضیو المغرب عن إباضیي المشرق في هذه المسألة، فیعتقد إباضیو المغرب بأن القرآن کلام الله وحاصل فعله، وهذا یعني قدمه، یؤید هذا الادعاء آیات في القرآن الکریم مثل «في لوح محفوظ» (البروج/ 85/22) و «… في صدور الذین أوتوا العلم…» (العنکبوت/ 29/49) وألفاظ أخری أوردها الله في القرآن مثل الذهاب و الحدوث والنزول وغیرها ممّا یدلّ علی حدوث کلام الله وخلقه (الجیطالي، 1/230)، ویقول الشیخ عامر الشماخي: الله خالق کلامه و وحیه ومحدثه وجاعله ومنزله، ووصلت أهمیة هذا الکلام إلی حد أن بعض الإباضیة قالوا: من قال بأن القرآن غیرمخلوق فهو لیس منّا (طعیمة، 103). وورد مثل هذا القول في عقیدة الإباضیة، ویتحدّث البِرّادي أیضاً في الجواهر عن کتاب ألّفه المتکلّم الإباضي إبراهیم الغَدامِسي في ردّ أدلة المعتقدین بقدم القرآن. ویذکر کذلک رسالة في هذا الموضوع لأفلح بن عبدالوهاب إمام الرستمیین (اسمیث، 285).
أما إباضیة المشرق فیتّفقون علی أن القرآن قدیم و ذلک بعد أن رجع الإمام محمد بن هشام بن غیلان عن رأیه بأن القرآن مخلوق، وآمن بأزلیته، والدلیل العقلي علی هذا الادعاء: أن الکلام من صفات الله، وصفته أزلیة. والله متکلّم و کلامه القرآن، فالقرآن قدیم (طعیمة، 100-101). ویری إباضیة المشرق أیضاً إن الإجماع علی قدم القرآن دلیل آخر علیه، واستشهدوا بکلام علي (ع) أنه قال بعد قضیة التحکیم في جوابه علی المعارضین لتحکیم القرآن (الخوارج): «ما حکّمت مخلوقاً  وإنما حکّمت القرآن» فلم ینکر علیه أحد (م. ن، 102). وقد بادر بعض علماء الإباضیة في المشرق إلی تبریر قول المتکلّمین في المغرب لتقریب وجهات النظر بین إباضیة المشرق والمغرب، فقالوا: إن إباضیة المغرب في اعتقادهم بخلق القرآن لهم رأي في وجه نزوله ولیس بالقرآن نفسه الذي هو علم الله و لاخلاف بینهم و بین إباضیة المشرق (ظ: م. ن، 103).

و. أفعال الإنسان

کل حادث في العالم خلق الله و فعله، ولا خالق له سواه ولامحدث إلا إیّاه، فجمیع أفعال العباد مخلوقة له، ومتعلّق بقدرته، ولا خالق لأفعال العباد في رأي الإباضیة سوی الله سبحانه فقدرته تامة (الجیطالي، 1/233؛ البغدادي، الفرق، 62). ویذکر الشهرستاني: أن أفعال العباد مخلوقة الله تعالی إحداثاً وإبداعاً ومکتسبة للعباد حقیقة لامجازاً (1/245) و هذا قول الإباضیة عامة، ولیس أکثر هم کما یقول الأشعري (1/174).
وحرکات العباد و سکناتهم مقدّرة لهم، فالله سبحانه خلق القدرة والمقدور والکسب والمکتسب، فأما القدرة أو الحرکة (الفعل) فوصف للعبد، ولذلک فهي اکتساب، مقدور قدرة العبد، واختراعاً، مقدرة قدرة الخالق، لأن العبد مخلوق الخالق (الجیطالي، 1/234). ویستشهدون لذلک بالآیة الکریمة: «… لَها ما کَسَبَت وَ عَلَیها ما اکتَسَبَت…» (البقرة/ 2/286). ویقول عبدالکافي الإباضي یمکن النظر إلی أفعال العباد من اعتبارین: الأول: مایتعلّق بالفعل من جهة، أي الإیجاد والإختراع، وهي لله تعالی وحده، والثاني: ماتعلّق من حیث إضافة الفعل للعبد اکتساباً، ومن هذا التعلّق تکون قدرة العبد في الفعل (طعیمة، 128-129؛ معمر، 1/60).
وتردّ الإباضیة کلاً من خلق العباد للأفعال والجبر المطلق (ظ: الباروني، 3). فهم لایقولون بالجبر و لایرون أن العلم الأزلي حاکم علی مصیر البشر، ومنتهی الجبر الذي أجازه الله لعباده في رأیهم هو ترغیبهم و تخویفهم (ظ: الدرجیني، 2/241)، أما التفویض فمردود عندهم أیضاً، وقیل إن أبا عبیدة کان یکره القدر، وقد تغلّب علی واصل بن عطاء في مناظرة له في ذلک (ظ: م. ن، 2/241، 246؛ معمّر، 1/68). ولکن یشک في هذه الروایة، فقد وصلت مخالفة الإباضیة للقدریة حدّاً اعتبروهم فیه من الملعونین (الجیطالي، 3/552). ومن ناحیة أخری فالإباضیة کما ذکرنا یعتبرون القضاء والقدر من أصول‌الدین: إن الإیمان لایتم حتی یؤمن الإنسان بالقدر (معمر، 1/60) وواجب علی کل مکلّف أن یعلم أن ماکان من خیر وشر وإیمان و کفر وسعادة و شقاء و… تصیب الإنسان، قد سبق به قضاءالله وقدره في أزلیته، وکذلک کل شيء من الحیاة والموت لایخرج عن تقدیره شيء لأن القضاء إیجاد الأشیاء في اللوح المحفوظ، والقدر هو أن الله علم مقادیر الأشیاء قبل إیجادها، ثم أوجد ماسبق في علمه أن یوجد (الجیطالي، 1/251-252؛ طعیمة، 128).
ویتّفق رأي الإباضیة في موضوع الاستطاعة مع الرأي المذکور وهو أنها عرض یخلقه الله في الإنسان یفعل به الأفعال (م. ن، 130؛ الشهرستاني، 1/245) وقال بعضهم: الاستطاعة والتکلیف مع الفعل، ذلک أن من لم یخلق الله له استطاعة لم یجب علیه أن یکسب شیئاً (الأشعري، 1/174؛ طعیمة، ن. ص). وقال بعض الإباضیة: إن الاستطاعة هي التخلیة، وقال کثیر منهم لیس الاستطاعة هي التخلیة، بل هي معنی في کونه کون الفعل و به یکون الفعل، وإن الاستطاعة لاتبقی وقتین، وإن استطاعة کل شيء غیراستطاعة ضدّه (الأشعري، ن. ص).
الله متفضّل بالخلق والاختراع، ومتطوّل بتکلیف العباد، ولم یکن الخلق والتکلیف واجباً علیه، وإن مایزعمه البعض أن التکلیف لایکون إلا من طریق مصلحة العباد فغیر صحیح (الجیطالي، 1/236). وإن الله یفعل ما یشاء بعباده فلایجب علیه رعایة الأصلح لهم، والأمر – في مقتضی اللغة – لایفید حسن المأموربه ولا النهي قبح المنهي عنه، خلافاً للقدریة الذین یعتقدون بأن الشرع یعیّن الحسن والقبح ولیس المصلحة (م. ن، 1/238-239). وینبع تکلیف العباد من الحکمة الإلهیة ولیس من حکمة الله إهمالهم بدون تکلیف، إذ رکّب فیهم العقل والتمییز. وهم یعتقدون کالمعتزلة أیضاً أنه لایجوز علی الله سبحانه تکلیف العباد مالایطیقونه (م. ن، 1/237-238)، فلیس هذا من حکمة الله. ویعتقد کثیر من الإباضیة بأن الله مرید لما علم من طاعات العباد و معاصیهم، لابأنه أحب ذلک أو کرهه، فقوة الطاعة في رأیهم توفیق و تسدید وفضل ونعمة وإحسان ولطف. والاستطاعة علی الکفر ضلالة وخذلان وبلاء وشر (الأشعري، 1/174).

ز. العالم الأخروي وأحوال الإنسان بعد الموت

الجنة والنار مخلوقتان و موجودتان الآن، ولیس خلقهما في المستقبل، والجنة في السماء والنار تحت الأرض (الجیطالي، 1/249؛ طعیمة، 127). والجنة والنار دائمتان مع سکانهما من الأبرار والفجّار لایموتون ولا هم منها یخرجون الجیطالي، 1/250)، وعلی هذا فالعاصي الموحّد الذي یدخل النار مخلّد فیها ولکنه أخفّ عذاباً من غیره. وقد أخطأ الذین لایقولون بخلود الموحّد العاصي في النار، وأنه یعذّب فیها علی قدر ذنبه ثم یخرج منها إلی الجنة (الباروني، 71). ویعلل أحد کتاب الإباضیة الحکمة في خلود أهل الکبائر في النار أن العاصي إذا عصی فقد عصی ربّاً عظیماً لانهایة لعظمته، فکذلک یکون عذابه بخلود لانهایة له (طعیمة، 124)، ویستند في ذلک علی آیات ورد فیها: «… خالدینَ فِیها أَبداً…» (النساء/ 4/169؛ الأحزاب/ 33/65؛ الجنّ/ 72/23)، ویرون أن عذاب القبر لیس مایبطله عقلاً و شرعاً (الجیطالي، 3/526، 528).
واختلف الإباضیون في معنی الصراط والمیزان، فتری جماعة أنهما لیسا حسّیین ومادیّین، وأنهما معنویان، والله غني عن وسائل مادیّة لتمییز الأعمال، کیف والأعمال لیس بأمور محسوسة ومادیة حتی تکون قابلة للوزن الکمّي؛ ومن الإباضیة من یجیز أن یکون المیزان و الصراط حسّیین (الباروني، 73). ویری السالمي أحد علماء الإباضیة أنالصراط هو لیس الجسر الممدود علی ظهر جهنم و أنه أدقّ من الشعرة وأحدّ من السیف، وإنما هو الطریق الواضح والدین المستقیم (طعیمة، 126، 161-162؛ اسمیث، 282). ویوافق الجیطالي علی أن الصراط جسر ممتد علی جهنم ضمن قبوله لهذا المعنی و تفسیره بطریق الإسلام، ومطابقته بالصراط المستقیم (1/246-247، 3/551). أما فیما یتعلّق بالمیزان، فیری أکثرهم أن أعمال العباد أعراض ولیس بأجسام وهم یفسّرون الآیات و الأحادیث المتعلقة بالمیزان، ویقولون إن المراد منها تمییز الأعمال و تفصیلها (طعیمة، 126)، ویقول الجیطالي في هذا الشأن أیضاً أن المیزان هو فصل الأعمال والنیّات وتمییزها (1/245، 3/550).
ویعتقد الإباضیة بالشفاعة أیضاً، ویقولون: إن من کذّب بها فقد کذّب القرآن وإن الملائکة والأنبیاء والمؤمنین یستطیعون الشفاعة وتتعلّق شفاعتهم بالذین ماتوا علی طاعة الله أو تابوا، أما الشفاعة لمن استوجب العقاب فلاتخلصه من العذاب، بل تزید من ثواب المؤمنین فقط (الجیطالي، 1/248؛ طعیمة، 163-164). ویعتقدون بوقوع الشافعة في المحشر، وقبل دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار (طعیمة، 126-163).

 

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: