الاقلیم التفاح

إقْليمُ التُّفّاح، مقاطعة في جنوب لبنان. كانت تُعدّ في الماضي من مقاطعات جبل عامل، أو بلاد بشارة التي تنقسم بدورها إلى قسمین: بشارة الجنوبية، وبشارة الشمالية. كان إقليم التفاح في التقسیم الإداري ـ السياسي، واحداً من المقاطعات الثلاث لبشارة الشمالية (سويد، 1 / 34، 36). وكان نهر الليطاني وطوله 144كم بصفته أطول نهر في لبنان ( بريتانيكا، ماكرو، X / 765)، يشكل الحد الجنوبي لهذه المنطقة بينما يشكل نهر الأولي الحد الشمالي لها (سويد، ن.ص).
یتألف الترکیب الجیولوجي لهذه المنطقة من التكوينات الطباشيرية: یشتمل القسم الغربي على رسوبات العصر الطباشیري الأعلی، والقسمان المرکزي والشرقي من العصر الطباشيري الأوسط، بينما أقسام من الأجزاء الوسطي تعود للعصر الطباشيري الأسفل (أبو العينين، 142، الخريطة، أيضاً 160-161، 304-305). وتتمتع هذه المقاطعة بمناخ طيب وماء عذب ووفير (الأمين، 1 /  218).
تاريخ إقليم التفاح کتاریخ منطقة جبل عامل بأسرها، غير واضح بسبب عدم توفر مصادر المعلومات الكافية (سويد، 1 / 37). وإقليم التفاح موطن الشيعة في لبنان شأنه في ذلک شأن بقیة مقاطعات جبل عامل (نورتن، II / 474)، حیث كانوا خلال العصر العثماني يطالبون على الدوام بالاستقلال والحكم الذاتي، فقد رفض الشيخ مشرف بن علي الصغير حاكم بلاد بشارة 1110ه‍ /  1698م الانصياع لأرسلان باشا حاكم صيدا، فأصدر الأخير أمراً إلى بشير الشهابي، المعروف ببشير الأول بالقضاء عليه، فهرع بشير في السنة نفسها إلى حربه، فاعتقله و بعث به إلى أرسلان باشا (تاریخ الأمراء... ، 87- 88؛ أبو صالح، 43-44؛ إسماعيل، 1 /  308).
خلال حكم سعد الدين باشا لصيدا (1156-1160ه‍ / 1743-1747م)، وحين كان إقليم التفاح بيد الأمير ملحم الشهابي، تمرد شيعة المنطقة على الوالي ورفضوا دفع الضرائب (أبو صالح، 61؛ أيضاً ظ: سويد، 2 / 65-67). كذلك نشبت بجبل عامل في 1257ه‍ / 1841م صدامات بين الدروز والموارنة، فقسم السلطان عبدالمجيد هذه المنطقة في 1260ه‍ / 1844م إلى قسمين ( لبنان ... ، 1 /  48؛ أيـضاً ظ: أبكاريوس، 84). وكـان سكان جـزّيـن ــ قاعدة المقاطعة التي يعـدّ إقليم التفاح جزءاً منهـا  ــ جميعاً من الشيعـة حتی القرن 13ه‍ ، لكنهم هاجروا منها بسبب ظلم حكام جبل لبنان إلى مدن أخرى، بحيث إن جميع سكان هذه المدينة اليوم مسيحيون (موارنة) (الأمين، ن.ص).
نهض سکان جبل عامل منذ النصف الثاني من القرن 19م ومع اتساع نطاق حركات التحرر، وعقب أفول الدولة العثمانیة في 1336ه‍ /  1918م أصبحت هذه المقاطعة مع المناطق التابعة لها جزءاً من دولة لبنان رسمياً في 1338ه‍ / 1920م، (سويد، 1 /  39). وهكذا وفي نهايات الحكم العثماني (1516- 1918م) (ماير، XV / 39)، كان إقليم التفاح يعد أحد مديريتي قضاء جزين الذي كان أغلب سكانه من الموارنة ( لبنان، 1 / 50). وكانت هذه المديرية آنذاك تشتمل على 42 قرية (ن.م، 1 / 54-71)، يمكن أن نذكر منها الهلالية وبراميه وبرتي وشواليق ومجدلیون والصالحية (أسود، 51؛ أيضاً ظ: سويد، 1 / 36). وكان حكام هذه المديرية آنذاك من آل منكر.
یعد إقليم التفاح اليوم إحدی مقاطعات قضاء صيدا في محافظة لبنان الجنوبي (ن.ص)، ويشكل مع إقليم الشومر مقاطعة، ومع مقاطعة الشقيف ناحيةَ جباع (الأمین، 1 / 196؛ سويد، ن.ص). وعلى هذا، فإن مقاطعة إقليم التفاح ـ الشومر تحد من الجنوب بجبل الريحان، ومن الغرب بالبحر الأبيض المتوسط ومن الشمال بإقلیم جزين وإقليم الخروب، ومن الشرق بناحیة حاصبيا (فوشه، 128، الخريطة). ومن جهة أخرى، فإن كثيراً من القرى التي كانت فيما مضى تُعد جزءاً من إقليم التفاح انضمت في التقسيمات الإدارية الأخيرة إلى قضاء جزين ومنها قرى مجيدل وكفرفالوس ولبعا ووادي الليمون (الموسوي، 443-444؛ أيضاً ظ: أسود، ن.ص).
وفى الوقت الراهن، فإن غالبية سكان إقليم التفاح، شيعة يعيش بينهم أيضاً المسيحيون (الموارنة) والدروز (سمك، 154). وهذه المنطقة بصفتها المركز الرئيس للشيعة في لبنان تشتمل على قرى يقع أغلبها في الوديان وسفوح الجبال، ويؤمّن سكانها معاشهم عن طريق الزراعة (نورتن، ن.ص). وماتزال الملكيات الزراعية الصغيرة والمتوسطة هي السائدة في هذه المنطقة،  وتتم الأنشطة الزراعية على نطاق واسع من غير الاستعانة بالمؤسسات الإنتاجية المتنوعة؛ وأهم محاصيل هذه المنطقة هي الحبوب والفواكه (التفاح) ( بروكهاوس، XI / 409 والخريطة). والقرى الرئيسة في إقليم التفاح هي: ميه وميه (550,7 نسمة)، مغدوشة (551,7 نسمة) ومجدليون (855,2 نسمة)؛ براميه (580,1 نسمة) ( لبنان، 1 / 54-71؛ الموسوي، 435، 437).
إقليم التفاح بوصفه جزءاً من مقاطعة صيدا التي تعد من مراكز المقاومة الرئيسة (قصير، 25)، هو جزء من جنوب لبنان الذي كان في السنوات الأخيرة على الدوام عرضة لهجمات القوات الإسرائيلية (شرارة، 54، 74، 92؛ عزمي، 31، 34-36؛ ديب، 148، 459)؛ فعلی سبیل المثال شنت القوات الإسرائیلیة في 1414ه‍ / 1993م لعدة أيام متتالية هجمات من الجو والبحر على هذه المنطقة وخصوصاً علی أطراف مخيم ميه وميه وعلی مناطق لبنان الجنوبي كافة، حیث خلت 16 مدينة وكثير من القرى في المنطقة بأسرها من سكانها خلال تلك المدة (شرارة، 73-74، 97، 107، 115). وأُلقيت على المنطقة في اليوم الأول من تلک العملیات 700 قنبلة ظل على أثرها إقليم التفاح والنبطية بشكل خاص يحترقان لساعات (م.ن، 73). وفضلاً عـن ذلك، كـان إقليـم التفاح فـي 1411ه‍ / 1990م مسرحـاً لمعارك بين مؤيدي حركة أمل وقوات حزب الله (هانف، 736). انتهت أخيراً بوساطة من سورية وإيران (م.ن، 749؛ أيضاً ظ: «قوة فصل ... »، 133).

المصادر:  

أبكاريوس، إسكندر، نوادر الزمان، لندن، 1987م؛ أبو صالح، عباس، التاريخ السياسي للإمارة الشهابية في جبل لبنان، بيروت، 1984م؛ أبو العينين، حسن، لبنان، بيروت، 1980م؛ إسماعيل،عادل، لبنان في تاريخه وتراثه، بيروت، 1993م؛ أسود، عزتلو إبراهيم، دليل لبنان، بعبدا، 1906م؛ الأمين، محسن، خطط جبل عامل، تق‍ : حسن الأمين، بيروت، 1961م؛ تاریخ الأمراء الشهابیین، تق‍ : سلیم حسن هشي، بیروت، 1971م؛ ديب، يوسف، اليوميات اللبنانية، بيروت، 1986م؛ سمـك، عبدالكريم إبراهيم، حواش على نوادر الزمـان (ظ: هم‍‍ ، أبكاريوس)؛ سويد، يـاسين، التاريخ العسكري للمقاطعات اللبنانية في عهد الإمارتين، بيروت، 1980م؛ شرارة، بلال، العودة إلى سوريا، بيروت، 1995م؛ عزمي، محمود، «اجتياح لبنان ونظرية الحرب المحدودة»، شؤون الأوسط، بيروت، 1992م، عد 10؛ فوشه، ميشل، «جيوبولتيكا الحدود ولبنان الكبير»، تج‍ : عفيف عثمان، ن.م، 1994م، عد 35؛ «قوة فصل في لبنان»، شؤون فلسطينية، بيروت، 1990م، عد 210؛ لبنان، مبـاحث علميـة واجتمـاعية، تق‍ : فؤاد أفرام البستـانـي، بيروت، 1969م؛ الموسوي، رشاد، جغرافية لبنان، بيروت، 1983م؛ هانف، ثيودور، لبنان، تعايش في زمن الحرب، تج‍ : موريس صليبا، باريس، 1993م؛ وأيضاً:

Britannica, 1978; Brockhaus ; Kassir, S., »La Résistance nationale libanaise«, Revue d’études palestiniennes, Paris, 1985, no. 16; Meyer; Norton, A. R., »Lebanon«, The Oxford Encyclopedia of the Modern Islamic World, New York, 1995
عباس سعيدي / ه‍.