الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادیان و التصوف / أحمد السرهندي /

فهرس الموضوعات

أحمد السرهندي

أحمد السرهندي

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/15 ۱۳:۴۳:۲۶ تاریخ تألیف المقالة

و فضلاً عن ذلک، فإن المقربین من جهانگیر کانوا في الغالب من الإیرانیین الشیعة، ولم یکن الشیخ یتوانی في «رسالة در ردّ روافض»، بل في کثیر من مکاتیبه (ظ: 1/ المکتوب رقم 54، 80، 266) عن الإعلان عن مشاعره المضادة للشیعة. و قد أورد في إحدی رسائلة التي کتبها إلی الخواجه الباقي بالله، شرحاً عن معراجه الروحي و تحدث عن اجتیازه مقامات الخلفاء الراشیدین الثلاثة و بلوغه مقام المحبوبیة الذي هو أسمی من مقام الخلیفة الأول و أدنی من مقام الخاتمیة (1/ المکتوب رقم 11).

و هذه الرسالة کتبت بطبیعة الحال قبل 1012 هـ و هي سنة وفاة الخواجه الباقي بالله و أصبحت منذ ذلک الحین موضع احتجاج و نقد العلماء و الصوفیة (ظ: دارشکوه، 197؛ آزاد بلگرامي، 48؛ أیضاً ظ: أحمد، 183–184)، إلی الحد الذي اضطر معه الشیخ أحمد إلی أن یسوغ ذلک في مکاتیب أخری (1/ المکتوب رقم 190، 202، 208)، و ینسبه إلی العوالم ذات الصلة بالأحلام و الحوادث، أو بغلبة السکر علی؛ إلا أن بعض المقربین من جهانگیر ممن کانوا یطلعونه علی أقوال و تصرفات الشیخ أحمد، أبلغوه بهذه الرسالة أیضاً و أدوا إلی أن یُستدعی الشیخ إلی البلاط.

وفي 1028هـ/ 1619م قدم الشیخ أحمد إلی أکرا، و ذُکر أن الأمیر خرّم (شاه جهان) کان قد أرسل إلی الشیخ قبل قدومه اثنین من الفقهاء مع بعض الکتب الفقهیة و طلب إلیه أن لا یمتنع عن أداء التقلید الساري بأداء سجدة التحیة بین یدي جهانگیر مادام ذلک جائزاً بین یدي الملوک، إلا أن الشیخ رفض طلب الأمیر و قال إن هذا من صنف «الرخصة» غیر أن «العزیمة» هي أن لا یُسجد لغیر الله (آزاد بلگرامي، 49). و قد أوال الشیخ أحمد في حوار له مع جهانگیر مضمون الرسالة المذکورة بالشکل الذي مرّ آنفاً و اعتبره من قبیل الأحوال التي وقعت لکثیر آخرین من أهل التصوف و السلوک الروحاني (ظ: م ن، 48–52). لکن یبدو أن ماکان قد آلم جهانگیر قبل هذا الکلام و أثار حفیظته هو أنقة الشیخ و امتناعه عن السجود. و لذا فقد أمر بأن یسجن الشیخ في قلعة گوالیار. و من التلمیحات الغاضبة التي و جهها في توزک جهانگیري (جهانگیرنامه) إلی الشیخ أحمد، و ما نسب إلیه م آراء (ص 309، 350)، یتضح مدی حنق جهانگیر علیه. یقول جهانگیر: «الشیخ أحمد اسم محتال في سرهند نصب فخ الخداع و الریاء و اصطاد به کثیرین ن عبّاد المظاهر الخاوین و أرسل إلی کل مدینة أحد مریدیه ممن یعتبره أکثر مهارة من غیره في طریقة المکر و الاحتیال و التظاهر بالفضل و العلم و المعرفة و خداع الناس و سماه خلیفة، و أعدّ من الهراء الذي کتبه إلی مریدیه و المعتقدین به کتاباً سماه مکتوبات....، و من بین ما کتب قوله في أحد المکاتیب: مررت خلال سکوکي في الطریقة بمقام ذی النورین.... و علی هذا أمرت بإحضاره في ساحة العدالة.... و کلما سألته عن شيء، لم یتمکن من الردّ بشيء معقول. و لقد بدا في غایة الغرور و العجب رغم جهله و قلة معرفته، فرأیت أن صلاح أمره ینحصر في أن یسجن عدة أیام تأدیباً له، کي یقرّ شيء من هیجان مزاجه و اضطراب دماغه، و یسکن هیاج العامة» (ص 309).

و یستنتج من هذا الکلام أن غضب جهانگیر علی الشیخ لم یکن مجرداً من شيء من الخوف من أقواله و أفعاله، و إن إمکانیة هیاج العامة – بأي شکل و أي سبب کان – علی صلة بتحرکات الشیخ مما کان یقض مضجع جهانگیر. و قد امتدت فترة سجن الشیخ أحمد سنة تقریباً، ذلک أنه أرسل إلی قلعة گوالیار في السنة الرابعة عشرة من حکم جهانگیر (1028هـ/ 1619م) وفي السنة التالیة، أي في السنة الخامسة عشرة من حکمه أطلق سراحه ظاهریاً (ظ: م ن، 309، 350)، کما خلع علیه و منح 1000 روبیة لمصروفاته (م ن، 350). و إن ما ورد في بعض الکتب من أن مدة سجنه کانت سنتین (غلام سرور، 1/ 613)، أو 3 سنوات (آزاد بلگرامي، 52؛ خاني، 183؛ الحسني، 5/ 44)، غیر صحیح. یقول جهانگیر (ص 350): «لقد ترکته حراً في التحرک أنی شاء»، بعد إطلاق سراحه؛ لکن یبدو أن السلطان و من أجل أن یحد من تحرکات الشیخ، وضعه تحت المراقبة عدة سنوات و کان یصطحبه معه في أسفاره (الکشمي، زبدة، 159–160)، و کان یتحاور معه في المجالس و أوقات الفراغ (ظ: 3/ المکتوب رقم 43). کما کان للشیخ و هو في السجن، أو في فترة ملازمته لجهانگیر مراسالات و علاقات مع أبنائه و بعض أصحابه.

و هو یخلط في رسائله الشکر بالشکوی بتعللات صوفیة، و یعتبر مصاعب السجن من آثار عنایة الحق و مظهراً من ظاهر جلاله و یقول إنه أمضی سنوات قبل ذلک في التربیة الجمالیة، و کان آنذاک یسکل في التربیة الجلالیة، ولذا فقد کان یعدّ جفاء المحبوب في هذا المقام ألذّ من وفائه (3/ المکتوب رقم 5، 6، 15).

ولم یکن ملازماً للمخیم الملکي أکثر من سنتین، أو ثلاث (الکشمي، ن م، 159)، لکنه و بعد إطلاق سراحه المتنع تماماً عن معارضة جهانگیر. وفي رسالة موجهة له (3/ المکتوب رقم 47) و ضمن إشاراته الناصحة انبری للدعاء کـ «الدولة القاهرة»، و أصبحت لهجته تجاه التشیع أکثر لیناً مراعاة منه فیما یحتمل لمشاعر رجال البلاط و المقربین من الملک من الشیعة (ظ: 3/ المکتوب رقم 123). وفي إحدی المناسبات النسویة التي کان یوزع فیها ذهب و فضة علی قدر وزن الملک، أرسل إلی الشیخ ألفا روبیة (جهانگیر، 423). و کان الشیخ أحمد منهمکاً في السنوات الأخیرة من عمره بسرهند في إرشاد المریدین و الإجابة علی الرسائل التي کانت تصله من شتی النواحي و المتعلقة بالقضایا الدینیة و الصوفیة، و هناک توفي أخیراً (الکشمي، 292–293).

رغم أنه کان للشیخ أحمد تبحر قلّ نظیره في علوم زمانه – من الفقه و الحدیث و الکلام و الأدب و الحکمة و التصوف – إلا أنه کان مغروراً متکبراً وله دعاوی غریبة تبدو مکررة في مکاتیبه و کذلک في کتابات مریدیه و مؤلفي الطریقة النقشبندیة. فهو فضلاً عن ادعائه العروج و المرور بمقامات الأولیاء و الخلفاء الراشیدین و بلوغه مقاماً قریباً من مقام الخاتمیة (کما أشرنا)، و فضلاً عن أنه کان یعد نفسه قائماً مقام أولي العزم و مجدد الألف الثاني، ادعی أن الولایتین الموسویة و المحمدیة قد رُکِّبتا في ولایته، فأخذ من إحداهما نسبة المحبیة و من الأخری نسبة المحبوبیة (3/ المکتوب رقم 94،95). و ذکر في مکتوب آخر أنه یری أنه الهدف من خلقه هو أن تصطبغ الولایة الإبراهیمیة في وجوده بالولایة المحمدیة و تمتزج الصباحة الیوسفیة بالملاحة المحمدیة (2/ المکتوب رقم 6، 97). و قال في موضع آخر إنه عرض علی الأنبیاء رأیه بشأن شاهق الجبل (هم المشرکون الذین لم تبلغهم دعوة الأنبیاء)، و أنهم أیدوا رأیه (1/ المکتوب رقم 259)، بینما ادعی في مکتوب آخر أنه بلغ مرتبة «حق الیقین»، و مرتبة «حق الیقین» عند الآخرین بالنسبة لها هي بمنزلة «علمَ الیقین»، و إن صاحب معارف کهذه اقتبست بالتبعیّة و الوراثة من مشکاة أنوار النبوة، هو مجدد الألف الثاني (2/ المکتوب رقم 4). و یعتبر یده قائمة مقام یدالله (3/ المکتوب رقم 87) و یقول: لما تم تخلیق محمد (ص) بقیت من طینة خلقته بقیة صارت اللبنة الأساسیة لخَلقي (3/ المکتوب رقم 100).

و مثل هذا الکلام الغریب و الأوهام – کما أسلفنا – کثیر في کتاباته. و لهذا لم یکن معاصروه – عدا النقشبندیة – یوافقونه الرأي و الفکر، و لم یکونوا یمتنعون عن الاحتجاج علی أقواله (ظ: رضوي، II/ 218–223)، کما أن عبدالحق المحدث الدهلوي لم یورد له اسماً في کتابه المعروف أخبار الأخیار المخصص لتراجم المتصوفة، رغم أنه کان سالکاً معه في الطریقة النقشبندیة، و کان کلاهما من مریدي الخواجه الباقي بالله. و إن الأسطر القلیة التي نقلت في آخر هذا الکتاب عن المحدث الدهلوي بحق الشیخ أحمد و قیل فیها إنه کان قد وافق في آخر عمره الشیخ أحمد في آرائه، هي من الإضافات المتأخرة. وفي کتاب معارج الولایة في مدارح الهدایة لعبدالله الخویشکي القصوري و ضمن ترجمة المحدث الدهلوي وردت له رسالة مفاصلة کرّست بأسرها لدحض کلام الشیخ أحمد (ظ: فریدمان، 7,88–90, 95؛ رضوي، II/ 6–7).

کان الشیخ أحمد قد أخذ علی عاتقه مهمة نشر الطیقة النقشبندیة بشکل عملي بعد وفاة الخواجه الباقي بالله، و عیّن أشخاصاً خلفاء له في شتی النقاط، و إن قسماً کبیراً من مکاتیبه موجه إلی هؤلاء الخلفاء، ذلک أنه ینبغي لهم فضلاً عن نشرهم الطریقة و إرشادهم المریدین، أن یدافعوا أیضاً عن آراء و ادعاءات شیخهم العریضة في مواجهة احتجاجات العلماء و متصوفة الطرق الأخری، کما حدث عندما خصص الشیخ بدرالدین أحد خلفائه قسماً کبیراً من کتابه حضرات القدس للدفاع عن آراء الشیخ و الرد علی احتجاجات معارضیه (ظ: 2/ 123–157؛ أیضاً ظ: رضوي، II/ 218–222).

اختار الشیخ أحمد في أواخر حیاته ابنه الثالث محمد معصوم (تـ 1079هـ) بصفته القیوم الثاني، خلیفة له (ظ: الکشمي، زبدة، 317؛ رضوي، II/ 242)، و بذلک أصبح هو القیوم الأول. و هذا اللقلب الذي هو من صنعه، تعبیر عن مقام الخلافة الإلهیة التي – علی حد قوله – هي «قیوم» جمیع الأشیاء، و ذلک بحکم الخلافة، و بواسطته یتم إیصال إفاضة الوجد و البقاء و سائر الکمالات الظاهرة و الباطنة، إلی جمیع الاشیاء، فإن کان ملکاً فهو متوسل إلیه و إن کان إنساً و جنَاً فهو متشبث به (2/ المکتوب رقم 74، 3/ المکتوب رقم 104؛ إحسان، 171–173؛ أحمد، 184). و القیوم الثالث کان حفیده الخواجه محمد حجة الله (تـ1115هـ) ابن القیوم الثاني، بینما کان القیوم الرابع محمد زبیر (تـ1152هـ) حفید الخواجه محمد (ظ: إحسان، 51–52). و کان أتباع الشیخ أحمد یسمون سنة وفاته «السنة المطلقة»، ذلک أن القیوم الثاني حل محل القیوم الأول في تلک السنة و ولد فیها القیوم الثالث (حجة‌الله) و حدث قران لثلاث حوادث کبیرة في سنة واحدة (سبحان، 295–296).

و رغم أن أبناء الشیخ أحمد و أحفاده کانوا موضع احترام و تبجیل کبیرین في أوساط النقشبندیة المجددیة و کان شاه جهان و أورنگ زیب یولیانهم رعایة خاصة (ظ: رضوي، II/ 243)، غیر أن أغلبهم کانوا منهمکین بتدریس مبادئ التصوف و تعلیم المریدین و التلامیذ و إرسال المکاتیب إلی أتباعهم و أنصارهم و قلما کانوا یتخطون حدود سرهند و دلهي. و کانت مهمة نشر الطریقة المجددیة ملقاة علی عواتق خلفاء الشیخ أحمد الذین کانوا جادین في نشر الطریقة في مختلف المناطق، و کان الشیخ أحمد خلال حیاته علی اتصال بهم عن طریق المکاتبة. و من أشهر خلفائه کان میر محمد نعمان (تـ1052هـ) الذي یرجع أصله إلی ماوراءالنهر، و أصبح بعد هجرته إلی الهند من مریدي الخواجه الباقي بالله بادئ الأمر، ثم ذهب إلی سرهند بأمر من شیخه و انضم إلی مریدي الشیخ أحمد، وذهب إلی برهانپور من قبل الشیخ أحمد، و هناک تحلق حوله تلامذة و مریدون کثر (الکشمي، ن م، 330–331).

کان الخواجه محمد هاشم الکشمي (تـ1053هـ) و الشیخ بدرالدین کلاهما من خاصة مریدي الشیخ، و قد ألّف الأول کتاب زبدة المقامات و الثاني کتاب حضرات القدس في سیرة الشیخ أحمد و أسرته و أبنائه و خلفائه. و قد التحق الشیخ بدرالدین بعد وفاة شیخه ببلاط داراشکوه ابن شاه جهان و ترجم من العربیة إلی الفارسیة بأمر منه عدة کتب مثل بهجة الأسرار و روضة النواظر و کلاهما في سیرة الشیخ عبدالقادر الجیلاني و عرائس البیان لروزبهان البقلي. و کان قبل ذلک قد ترجم أیضاً فتوح الغیب لعبد القادر الجیلاني، إلی الفارسیة. و فضلاً عن ذلک، فقد ألّف آثاراً أخری مثل کرامات الأولیاء (عن الکرامات التي شوهدت لبعض المشایخ بعد موتهم) و روائح (في تعریف المصطلحات الصوفیة للطریقتین القادریة و النقشبندیة) و سنوات أتقیاء (في تاریخ و سیر کبار الشخصیات من آدم إلی زمنه) و مجمع الأولیاء (في سیر مشایخ الصوفیة) (ظ: إحسان، 534–535؛ رضوي، II/ 236–237). و کتابه حضرات القدس هو الآخر جدیر بالاهتمام من حیث الاطلاع علی نوع الاحتجاجات التي کانت تجابه بها آراء الشیخ أحمد و أقواله و الأجوبة التي کان یُردّ بها علی هجمات المعارضین (بدرالدین، ن ص؛ أیضاً ظ: رضوي، II/ 218–222).

و کان الشیخ آدم البنوري (تـ1073هـ) واحداً من مشاهیر خلفاء الشیخ أحمد ممن کان جم غفیر من الأفغان قد أصبحوا مریدیه، و لهذا السبب توجس شاه جهان من سعة نشاطاته خطراً، فنفاه إلی الحجاز، فمکث الشیخ في مکة و المدینة ینشر آراء الشیخ أحمد و ینبري للبحث و المناقشة مع علماء الحجاز في العقائد الخاصة بالمجددیة (ظ: م ن، II/ 338–339). و قد ألف عدة کتب حول الطریقة النقشبندیة و آراء و معتقدات الشیخ أحمد السرهندي (ظ: م ن، II/ 338).

و کان الشیخ محمد طاهر اللاهوري أحد خلفاء الشیخ أحمد أیضاً، و له باع طویل في علوم عصره، کما کان معلم أبناء الشیخ، و نقلت حوله حکایة تشبه حکایة الشیخ صنعان التي أوردها العطار النیسابوري (ظ: غلام سرور، 1/ 619–621؛ رضوي، II/ 226)، إلا أنه بعد عودته و توبته علی ید الشیخ أحمد استعاد مقامه و منزلته السابقة و کلّفه الشیخ بإرشاد الناس في لاهور و پنجاب (عن مریدیه و أبنائه، ظ: م ن، II/ 223–249).

و خلال عهد شاه جهان کان ابنه دارا شکوه قد انضم إلی الطریقة القادریة. و بطبیعة الحال لم یکن لمشایخ الطریقة النقشبندیة و أتباعها نفوذ في البلاط، إلا أن علاقاتهم منذ ذلک الحین کانت حمیمة جداً مع أورنگ زیب الابن الآخر لشاه جهان و منافس دارا شکوه. و عندما کان أورنگ زیب قد کلف من قبل شاه جهان بالهجوم علی قندهار، طلب إلی الشیخ محمد معصوم (القیوم الثاني) أن یدعو له بالنجاح و الموفقیة في مهمته الخطیرة تلک (م ن، II/ 243, 282). ویبدو أن أورنگ زیب کان قد سلک في الطریقة النقشبندیة أواخر حیاة شاه جهان (م ن، II/ 485)، و توجد الرسائل التي کتبها الشیخ محمد معصوم و شقیقه الشیخ محمد سعید إلی أورنگ زیب، ضمن مجموعة رسائل هذین الاثنین (مکتوبات معصومیة و مکتوبات سعیدیة). و کان هذان الأخوان أیضاً و علی طریقة أبیهما یدعوان سلطان زمانهم و یشجعانه علی حفظ الحدود الشرعیة و الحیلولة دون انتشار البدع و الإلحاد. و عندما تسنم أورنگ زیب العرش في 1068هـ/ 1658م، کان الشیخ محمد معصوم و أشقاؤه في الحجاز، و بمجرد سماعهم هذا النبأ عادوا علی الفور إلی الهند لیهنأوا الملک الذي کان و إیاهم علی نفس الطریقة من حیث التفکیر الدیني و التشدد الشرعي، ولیشجعوه علی اقتلاع آثار البدع التي کانت في رأیهم الأعمال التي تمت علی عهد جهانگیر و شاه جهان بأیدي رجال البلاط و ذوي المناصب من الشیعة (ظ: م ن، II/ 482–485).

و بعد وفاة الشیخین محمد سعید و محمد معصوم طالب أباؤهم: الشیخ سیف‌الدین و الخواجه محمد حجة‌الله (القیوم الثالث) و محمد عبیدالله، و بنفس أسلوب إرسال المکاتیب، أورنگ زیب و رجال بلاطه المحافظة علی السنّة و تطبیق الأحکام و الحدود الشرعیة، بل إن الشیخ سیف‌الدین کان قد أقام في البلاط لیرشد الملک عن کتب إلی سلوک الطریقة النقشبندیة و یصون جهار الحکم من نفوذ أهل البدعة (الشیعة بحسب رأیه) (ظ: رضوي، ن ص). ویبدو أن إیحاءات أبناء الشیخ أحمد لم تکن دون تأثیر علی نزعات أورنگ زیب الشدیدة نحو أسالیبه الشرعیة الجافة و تطبیق الأحکام المتعلقة بالجزیة و التشدد تجاه غیر المسلمین، إلا أنه رغم دعم أورنگ زیب لأبناء الشیخ أحمد و أحفاده، فإن المعارضة التي تأججت لأفکار و أقوال الشیخ في أواخر عمره قد بلغت ذروتها آنذاک، مما یلاحظ من إشاراته نفسه في آخر مکاتیبه (ظ: 3/ المکتوب رقم 121، 124) و کذلک من رسائل أشخاص مثل عبدالحق المحدث الدهلوي و آخرین (ظ: فریدمان، 88–92, 116–117؛ رضوي، II/ 218–222). و باشتداد سواعد علماء الظاهر، اتسعت أمواج الاحتجاج في شتی مناطق الهند إلی الحد الذي أصدر معه أورنگ زیب في 1090هـ و بواسطة شیخ الإسلام قاضي العسکر أمراً موجهاً إلی قاضي أورنگ آباد منع فیه بشکل صریح و مبرم تدریس کتب و مکاتیب الشیخ أحمد و نشر آرائه التي کانت کما قال «تخالف عقائد أهل السنة و الجماعة» (ظ: فریدمان، 118؛ رضوي، II/ 223). و رغم أن أتباع طریقة الشیخ أحمد سعوا إلی مجابهة الاحتجاجات و الإجابة علی فتاوی معارضیهم، إلا أن موجة تلک الاحتجاجات لم تکن لتهدأ، و بلغ الأمر حداً أن استفتي علماء الحجاز بهذا الصدد. و قبل أن تستجدّ هذه الأوضاع، کان الشیخ آدم البنوري و النقشبندیة الآخرون من أتباع الشیخ أحمد قد نشروا آراءه و روّجوالها في مکة و المدینة، ولم تکن البیئة الفکریة في الحجاز غریبة عن هذه التطورات.

وصل استفتاء علماء الهند إلی الحجاز في جمادی الآخرة 1093، فأجاب علیه محمد بن عبدالرسول البرزنجي الذي کان من أعنف معارضي الشیخ أحمد في رسالة قَدح الزَّند و قَدَح الرَّند في ردّ جهالات أهل السرهند، و الحسن بن علي من علماء مکة الحنفیة في رسالة العصب الهندي لاستئصال کفریات أحمد السرهندي، معتبرین کتابات الشیخ أحمد باطلة و منافیة للشرع. و بادر شریف مکة سعید بن برکات بأرسال الرسالتین مشفوعة بکتابات و موضوعات أخری تؤید هذه الفتاوی و تدعمها إلی قاضي قضاة الهند، و کتب هو أیضاً رسالة إلیه مفادها أن علماء الحجاز أجمعوا علی تکفیر الشیخ أحمد السرهندي، و أن آراء الآخرین بعیدة عن العلم و المتحیص ولایمکن الرکون إلیها (ظ: فریدمان، 7–8, 96–101, 119؛ رضوي، II/ 340–341). و خلال ذلک اتسع نطاق الجدال فتجاوز حدود الحجاز أیضاً و نشر الشیخ عبدالغني النابلسي في الشام کتاباً بعنوان نتیجة العلوم و نصیحة علماء المرسوم في شرح و بیان آراء السرهندي. و حیال هذه المواقف لم یلتزم مؤیدو آراء الشیخ أحمد الصمت، فهبّ محمد بیک أوزبک الذي کان قد ذهب إلی الحجاز لنشر الطریقة المجددیة علی ما یبدو، للدفاع و الردّ في رسالته عطیة الوهاب الفاصلة بین الخطاء و الصواب، و اعتبر أقوال البرزنجي و غیره من المعارضین الحجازیین مغلوطة و مستنندة إلی ترجمات خاطئة و مغرضة للنص العربي للمکاتیب. و إن کون شریف مکة یعتبر في رسالته آراء الآخرین بعیدة عن العلم و التمحیص ولا یمکن الرکون إلیها، یدل علی أن أهل البحث و الدراسة في تلک المناطق لم یکونوا علی رأي واحد بشأن عقائد الشیخ السرهندي، و یتضح هذا من المواقف التي کانت تتخذ لتأیید طریقته. و قد انبری الحسن بن محمد مراد التونسي المکي في العَرف الندّي في نصرة الشیخ أحمد السهرندي لتدعیم دفاع محمد بیک أوزبک، کما أعلن أحمد البشبیشي المصري الشافعي أن تکفیر السرهندي ناجم عن عدم معرفة العلماء بالمصطلحات الصوفیة و المعاني العرفانیة ظ: المنزلوي، 1/ 68، 77–141؛ الحسني، 5/ 48؛ فریدمان، 99–100).

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: